الجمعة، 21 ديسمبر 2012

موسوعة إعراب القرآن الكريم : إعراب سورة المائدة من الآية 34 إلى الآية 49

إعراب سورة المائدة من الآية 34 إلى الآية 49




.إعراب الآية رقم (34):{إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (34)}.
الإعراب:
(إلّا) أداة استثناء (الذين) اسم موصول مبني في محلّ نصب على الاستثناء (تابوا) فعل ماض وفاعله (من قبل) جار ومجرور متعلّق ب (تابوا)، (أن) حرف مصدري ونصب (تقدروا) مضارع منصوب وعلامة النصب حذف النون.. والواو فاعل (على) حرف جرّ و(هم) ضمير في محلّ جرّ متعلّق ب (تقدروا).
والمصدر المؤوّل (أن تقدروا) في محلّ جرّ بإضافة قبل إليه.
الفاء تعليليّة- أو زائدة- (اعلموا) فعل أمر مبني على حذف النون.. والواو فاعل (أنّ) حرف مشبّه بالفعل للتوكيد (اللّه) لفظ الجلالة اسم أنّ منصوب (غفور) خبر مرفوع (رحيم) خبر ثان مرفوع.
والمصدر المؤوّل (أنّ اللّه غفور..) سدّ مسدّ مفعولي اعلموا.
جملة (تابوا): لا محلّ لها صلة الموصول (الذين).
وجملة (تقدروا...): لا محلّ لها صلة الموصول الحرفيّ (أن).
وجملة (اعلموا...): لا محلّ لها تعليل لمقدّر أي: هؤلاء المستثنون تقبل توبتهم لأنّ اللّه غفور رحيم.
الفوائد:
باب الرحمة والتوبة والغفران تفتح هذه الآية باب التوبة والتراجع عن الخطأ، فتحدد أن الذين يتوبون قبل القدرة على عقوبتهم والقبض عليهم، فإنهم ناجون من أحكام الآية السابقة. وقال معظم أهل التفسير إن المراد بهذا الاستثناء المشرك المحارب. بأنه إذا تاب وآمن وأصلح فلا يطالب بشيء من العقوبات السابقة وقال السندي: أما المسلم المحارب إذا تاب قبل القدرة عليه هو كالكافر لم يطالب بشيء إلا إذا أصيب عنده مال بعينه فإنه يرده على أصحابه. وهذا مذهب مالك والأوزاعي. غير أن مالكا قال: يؤخذ بالدم إذا طلب به وليه، فأما ما أصاب من الدماء والأموال ولم يطلبها أولياؤها فلا يتبعه الإمام بشيء من ذلك. وهذا حكم علي بن أبي طالب في حارثة بن زيد. وقال الشافعي يسقط عنه بتوبته حد اللّه ولا يسقط عنه بها ما كان من حقوق بني آدم. وأما إذا تاب بعد القدرة عليه فظاهر الآية أن التوبة لا تنفعه وتقام عليه الحدود وقال الشافعي ويحتمل أن يسقط كل حد للّه عز وجل بالتوبة.
.إعراب الآية رقم (35):
{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (35)}.
الإعراب:
(يا) أداة نداء (أيّ) منادى نكرة مقصودة مبني على الضمّ في محلّ نصب و(ها) حرف تنبيه (الذين) اسم موصول مبني في محلّ نصب بدل من أيّ أو نعت له (آمنوا) فعل ماض وفاعله (اتّقوا) فعل أمر مبني على حذف النون.. والواو فاعل (اللّه) لفظ الجلالة مفعول به منصوب الواو عاطفة (ابتغوا) مثل اتّقوا (إلى) حرف جرّ والهاء ضمير في محلّ جرّ متعلّق ب (ابتغوا)، (الوسيلة) مفعول به منصوب الواو عاطفة (جاهدوا) مثل اتّقوا (في سبيل) جارّ ومجرور متعلّق ب (جاهدوا)، والهاء ضمير مضاف إليه (لعلّ) حرف مشبّه بالفعل و(كم) ضمير في محلّ نصب اسم لعلّ (تفلحون) مضارع مرفوع..
والواو فاعل.
جملة النداء (يأيّها الذين): لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة (آمنوا): لا محلّ لها صلة الموصول (الذين).
وجملة (اتّقوا...): لا محلّ لها جواب النداء.
وجملة (ابتغوا...): لا محلّ لها معطوفة على جواب النداء.
وجملة (جاهدوا...): لا محلّ لها معطوفة على جواب النداء.
وجملة (لعلّكم تفلحون): لا محلّ لها تعليليّة.
وجملة (تفلحون): في محلّ رفع خبر لعلّ.
الصرف:
(ابتغوا)، فيه إعلال بالتسكين وإعلال بالحذف، أصله ابتغيوا بضمّ الياء، ثقلت الضمّة على الياء فنقلت إلى الغين وسكّنت الياء- إعلال بالتسكين- ثمّ حذفت الياء تخلّصا من التقاء الساكنين فأصبح ابتغوا، وزنه افتعوا.
(الوسيلة)، اسم مشتقّ وزنه فعيلة بمعنى مفعولة من فعل وسل يسل باب وعد.
الفوائد:
المعاني اللطيفة في القرآن نحن نعلم أن لعلّ تفيد الترجي وتأمّل حصول الشيء أما في القرآن الكريم فقد وردت كثيرا في ختام الآيات: لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ كما في هذه الآية و(لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ...) إلخ كما في آيات كثيرة ولكنها في هذا المجال لا تفيد رجاء وقوع الشيء وإمكانية حصوله، وإنما تفيد تحققه وحصوله يقينا دون أدنى ريب. وهذا أسلوب بارع من أساليب الإعجاز في القرآن الكريم.
.إعراب الآية رقم (36):
{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذابِ يَوْمِ الْقِيامَةِ ما تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (36)}.
الإعراب:
(إنّ) حرف مشبّه بالفعل (الذين) اسم موصول مبني في محلّ نصب اسم إنّ (كفروا) فعل ماض مبني على الضمّ.. والواو فاعل (لو) حرف شرط غير جازم (أنّ) مثل إنّ اللام حرف جرّ و(هم) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بمحذوف خبر مقدّم (ما) اسم موصول مبني في محلّ نصب اسم أنّ مؤخّر (في الأرض) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف صلة ما (جميعا) حال منصوبة من ما.
والمصدر المؤوّل (أنّ لهم ما في الأرض..) في محلّ رفع فاعل لفعل محذوف تقديره ثبت أي: لو ثبت كون الذي في الأرض لهم.
الواو عاطفة (مثل) معطوف على الموصول ما منصوب والهاء ضمير مضاف إليه (مع) ظرف مكان منصوب متعلّق بمحذوف حال والهاء ضمير مضاف إليه اللام لام التعليل (يفتدوا) مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام وعلامة النصب حذف النون.. والواو فاعل (به) مثل لهم متعلّق ب (يفتدوا).
والمصدر المؤوّل (أن يفتدوا) في محلّ جرّ باللام متعلّق بما تعلّق به (لهم) أي بخبر أنّ.
(من عذاب) جارّ ومجرور متعلّق ب (يفتدوا)، (يوم) مضاف إليه مجرور (القيامة) مضاف إليه مجرور (ما) نافية (تقبّل) ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر تقديره هو (منهم) مثل لهم متعلّق ب (تقبّل)، الواو عاطفة (لهم) مثل الأول متعلّق بخبر مقدّم (عذاب) مبتدأ مؤخّر مرفوع (أليم) نعت مرفوع.
جملة (إنّ الذين كفروا...): لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة (كفروا): لا محلّ لها صلة الموصول (الذين).
وجملة ثبت وجود...: في محلّ رفع خبر إنّ.
وجملة (يفتدوا): لا محلّ لها صلة الموصول الحرفيّ (أن) وجملة (ما تقبّل منهم): لا محلّ لها جواب شرط غير جازم.
وجملة (لهم عذاب...): لا محلّ لها معطوفة على جملة جواب الشرط.
الصرف:
(يفتدوا)، فيه إعلال بالتسكين وإعلال بالحذف، أصله يفتديوا بضمّ الياء الثانية.. وقد جرى فيه الإعلال بنوعيه مجرى (ابتغوا) في الآية السابقة.
البلاغة:
الكناية: في قوله تعالى: (لِيَفْتَدُوا بِهِ) فهي كناية عن لزوم العذاب لهم وأنه لا سبيل لهم إلى الخلاص منه، فإن لزوم العذاب من لوازمه أن ما في الأرض جميعا ومثله معه لو افتدوا به لم يتقبل منهم.
وأطلق بعضهم على هذه الجملة تمثيلا.
.إعراب الآية رقم (37):
{يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنْها وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ (37)}.
الإعراب:
(يريدون) مضارع مرفوع.. والواو فاعل (أن) حرف مصدريّ ونصب (يخرجوا) مضارع منصوب وعلامة النصب حذف النون.. والواو فاعل (من النار) جارّ ومجرور متعلّق ب (يخرجوا).
والمصدر المؤوّل (أن يخرجوا) في محلّ نصب مفعول به عامله يريدون.
الواو حاليّة (ما) نافية عاملة عمل ليس (هم) ضمير منفصل في محلّ رفع اسم ما الباء حرف جرّ زائد (خارجين) مجرور لفظا منصوب محلّا خبر ما، وعلامة الجرّ الياء (من) حرف جرّ (ها) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بخارجين الواو عاطفة (لهم عذاب مقيم) مرّ إعراب نظيرها.
جملة (يريدون): لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة (يخرجوا): لا محلّ لها صلة الموصول الحرفي (أن).
وجملة (ما هم بخارجين..): في محل نصب حال من فاعل يريدون.
وجملة (لهم عذاب...): في محلّ نصب معطوفة على الجملة الحاليّة.
الصرف:
(مقيم)، اسم فاعل من أقام الرباعيّ وزنه مفعل بضمّ الميم وكسر العين، وفيه إعلال بالقلب أصله مقوم لأن الألف أصلها واو فهو من قام المجرّد، استثقلت الكسرة على الواو فسكّنت ونقلت الحركة إلى القاف- وهو إعلال بالتسكين- ثمّ قبلت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها فأصبح (مقيم).
.إعراب الآيات (38- 39):
{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما جَزاءً بِما كَسَبا نَكالاً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38) فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (39)}.
الإعراب:
الواو استئنافيّة (السارق) مبتدأ مرفوع الواو عاطفة (السارقة) معطوف على السارق مرفوع مثله الفاء زائدة في الخبر، (اقطعوا) فعل أمر مبني على حذف النون.. الواو فاعل (أيدي) مفعول به منصوب و(هما) ضمير مضاف إليه (جزاء) مفعول لأجله منصوب، الباء حرف جرّ (ما) حرف مصدريّ (كسبا) فعل ماض.. و(الألف) ضمير فاعل.
والمصدر المؤوّل (ما كسبا) في محلّ جرّ بالباء متعلّق ب (جزاء) (نكالا) مفعول لأجله منصوب والعامل فيه جزاء (من اللّه) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف نعت ل (نكالا) الواو عاطفة (اللّه) لفظ الجلالة مبتدأ مرفوع (عزيز) خبر مرفوع (حكيم) خبر ثان مرفوع.
جملة (السارق والسارقة...): لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة (اقطعوا...): في محلّ رفع خبر المبتدأ (السارق).
وجملة (اللّه عزيز...): لا محلّ لها معطوفة على الاستئنافيّة.
الفاء عاطفة (من) اسم شرط جازم مبني في محلّ رفع مبتدأ (تاب) فعل ماض مبني في محلّ جزم فعل الشرط، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو (من بعد) جارّ ومجرور متعلّق ب (تاب)، (ظلم) مضاف إليه مجرور والهاء ضمير مضاف إليه الواو عاطفة (أصلح) مثل تاب الفاء رابطة لجواب الشرط (إنّ) حرف مشبّه بالفعل (اللّه) لفظ الجلالة اسم إنّ منصوب (يتوب) مضارع مرفوع، والفاعل هو (على) حرف جرّ والهاء ضمير في محلّ جرّ متعلّق ب (يتوب)، (إنّ اللّه غفور رحيم) مرّ إعراب نظيرها.
وجملة (من تاب...): لا محلّ لها معطوفة على جملة الاستئناف في الآية السابقة.
وجملة (تاب....): في محلّ رفع خبر المبتدأ (من).
وجملة (أصلح): في محلّ رفع معطوفة على جملة تاب.
وجملة (إنّ اللّه يتوب): في محلّ جزم جواب الشرط مقترنة بالفاء.
وجملة (يتوب عليه): في محلّ رفع خبر إنّ.
وجملة (إنّ اللّه غفور): لا محلّ لها تعليليّة.
الصرف:
(السارق) ومؤنثه (السارقة)، اسم فاعل من سرق يسرق باب ضرب، وزنه فاعل.
البلاغة:
1- المجاز المرسل: في قوله تعالى: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما).
المراد قطع الرسغ فقط فعبّر بالكل وهو اليد، وأراد الجزء وهو الرسغ، فعلاقة المجاز هنا الكلية.
2- إظهار الاسم الجليل: في قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) للإشعار بعلة الحكم وتأييد استقلال الجملة.
الفوائد:
أحكام السرقة السرقة هي أخذ مال الغير، المحرز، خفية... فلابد أن يكون المأخوذ مالا مقوما. والحد المتفق عليه تقريبا بين فقهاء المسلمين للمال الذي يعد أخذه من حرزه خفية سرقة هو ما يعادل ربع دينار.
ولا بد أن يكون هذا المال محرزا، وأن يأخذه السارق من حرزه، ويخرج به عنه فلا قطع مثلا على المؤتمن على مال إذا سرقه، والخادم الماذون له بدخول البيت لا يقطع فيما يسرق. لأنه ليس محرزا عنه، ولا على المستعير إذا جحد العارية، ولا على الثمار في الحقل حتى يؤويها الجرين، ولا على المال خارج البيت أو الصندوق، والعقوبة في مثل هذه الحالات ليست القطع وإنما التعزير والتعزير عقوبة دون الحد، بالجلد أو بالحبس أو بالتوبيخ أو بالموعظة في بعض الحالات حسبما يقدرها القاضي.
والقطع يكون لليد اليمنى حتى الرسغ، فإذا عاد كان القطع في الرجل اليسرى إلى الكعب وهذا هو القدر المتفق عليه في القطع ثم تختلف آراء الفقهاء بعد ذلك عن الثالثة والرابعة.
والشبهة تدرأ الحد فشبهة الجوع والحاجة والشركة في المال، ورجوع المعترف في اعترافه- إذا لم يكن هناك شهود- ونكول الشهود، كلها شبه تدرأ الحد.
والمبدأ العام في الإسلام هو درء الحدود بالشبهات، وسيدنا عمر رضي اللّه عنه لم يقطع في عام الرمادة حين عمت المجاعة، ولم يقطع كذلك في حادثة خاصة عند ما سرق غلمان ابن حاطب بن أبي بلتعة ناقة رجل من مزينة، فقد أمر بقطعهم، ولكن حين تبين له أن سيدهم يجيعهم، درأ عنهم الحد، وغرم سيدهم ضعف ثمن الناقة تأديبا له.
تفصيل وبيان حول السرقة والقطع:
1- اقتضت الآية قطع يد السارق والسارقة مهما كان شأنهما وجنسهما.
2- لا يطبق الحكم إلا على البالغ العاقل، أما الصبي فلا حكم عليه، وكذلك من كان حديث عهد بالإسلام ويجهل حكم السارق.
3- اختلف العلماء في قدر النصاب الذي يقطع به، فذهب أكثر أهل العلم إلى أنه ربع دينار. وهذا قول أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعمر بن عبد العزيز والأوزاعي والشافعي، وجاء في الصحيحين عن عائشة قوله صلى اللّه عليه وسلم: «لا تقطع يد السارق إلا في ربع دينار فصاعدا».
وذهب مالك وأحمد بن حنبل وإسحاق إلى أن القيمة ثلاثة دراهم.
4- أن يكون المال المسروق في حرز كبيت أو صندوق ولو مفتوحا، أو خيمة أو بستان محروس أو ماشية لها راع ففي كل ذلك قطع أما إن كان في غير حرز فلا قطع كماشيه بلا راع وبستان بلا حارس. وأما نبش القبور ففيه قطع إن بلغ المال المسروق ربع دينار. وهذا قول مالك والشافعي وأحمد.
5- إن سرق في المرة الأولى قطعت يده اليمنى من الكوع (أي الرسغ) العظم الناتئ الذي يلي الإبهام، وفي المرة الثانية تقطع رجله اليسرى من مفصل القدم.
واختلف العلماء فقال الشافعي في المرة الثالثة تقطع يده اليسرى، وفي الرابعة رجله اليمنى، فإن عاد عزر وحبس حتى تظهر توبته. وهذا قول مالك وأبي بكر وقتادة أيضا. وقد ثبت من خلال الواقع العملي أن هذه العقوبة وهي قطع يد السارق من أنجع الوسائل لعلاج هذا المرض الاجتماعي الخطير وقد جرب البشر كثيرا من العقوبات لردع السرقة، لكنها لم تفلح فاللّه عز وجل خلق الإنسان ويعلم ما يصلحه وما يزجره ويردعه وقد انتقد أحد الملاحدة الشريعة بقطع يد السارق بربع دينار وأن ديتها إذا قطعت تعدل خمسمائة دينار فقال:
يد بخمسمئين عسجد وديت ** ما بالها قطعت في ربع دينار

فرد عليه فقيه قائلا:
عزّ الأمانة أغلاها وأرخصها ** ذلّ الخيانة فافهم حكمة الباري

فاليد الأمينة عزيزة غالية وديتها (500) دينار إذا قطعت عدوانا، ولكن اليد الخائنة رخيصة تقطع في سرقة ربع دينار، وحتى لا يجرأ صاحبها على سرقة أكثر فأكثر وحتى لا تعم السرقة أبناء المجتمع فيضيع الأمن ويعم الخراب..إعراب الآية رقم (40):{أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (40)}.
الإعراب:
الهمزة للاستفهام التقريريّ (لم) حرف نفي وجزم (تعلم) مضارع مجزوم، والفاعل ضمير مستتر تقديره أنت (أنّ اللّه) حرف مشبّه بالفعل واسمه المنصوب اللام حرف جرّ والهاء ضمير في محلّ جرّ متعلّق بمحذوف خبر مقدّم (ملك) مبتدأ مؤخّر مرفوع (السموات) مضاف إليه مجرور الواو عاطفة (الأرض) معطوف على السموات مجرور مثله (يعذّب) مضارع مرفوع، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو (من) اسم موصول مبني في محلّ نصب مفعول به (يشاء) مثل يعذّب الواو عاطفة (يغفر) مثل يعذّب اللام حرف جرّ (من) مثل الأول في محلّ جرّ متعلّق ب (يغفر)، (يشاء) مثل يعذّب.
والمصدر المؤوّل (أنّ للّه له ملك...) سدّ مسدّ مفعولي تعلم.
الواو استئنافيّة (اللّه) لفظ الجلالة مبتدأ مرفوع (على كل) جارّ ومجرور متعلّق ب (قدير) (شيء) مضاف إليه مجرور (قدير) خبر المبتدأ اللّه مرفوع.
جملة (لم تعلم....): لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة (له ملك...): في محلّ رفع خبر أنّ.
وجملة (يعذّب من يشاء): في محلّ رفع خبر ثان.
وجملة (يشاء...): لا محلّ لها صلة الموصول (من).
وجملة (يغفر...): في محلّ رفع معطوفة على جملة يعذّب.
وجملة (يشاء (الثانية): لا محلّ لها صلة الموصول (من) الثاني.
وجملة (اللّه... قدير): لا محلّ لها استئنافيّة.
البلاغة:
خروج الاستفهام عن معناه الأصلي: في قوله تعالى: (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ).
فالاستفهام هنا إنكاري لتقرير العلم، والمراد به الاستشهاد بذلك على قدرته تعالى على ما سيأتي من التعذيب والمغفرة على أبلغ وجه وأتمه.
.إعراب الآيات (41- 42):
{يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ (41) سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (42)}.
الإعراب:
(يا) أداة نداء (أيّ) منادى نكرة مقصودة مبني على الضمّ في محلّ نصب و(ها) للتنبيه (الرسول) بدل من أي أو نعت له تبعه في الرفع لفظا (لا) ناهية جازمة (يحزن) مضارع مجزوم والكاف ضمير مفعول به (الذين) اسم موصول مبني في محلّ رفع فاعل (يسارعون) مضارع مرفوع.. والواو فاعل (في الكفر) جارّ ومجرور متعلّق ب (يسارعون) بتضمينه معنى يقعون (من) حرف جرّ (الذين) اسم موصول مبني في محلّ جرّ متعلّق بحال من فاعل يسارعون (قالوا) فعل ماض مبني على الضمّ... والواو فاعل (آمنّا) فعل ماض مبني على السكون.. و(نا) ضمير فاعل (بأفواه) جارّ ومجرور متعلّق ب (قالوا)، و(هم) ضمير مضاف إليه الواو حاليّة (لم) حرف نفي وجزم وقلب (تؤمن) مضارع مجزوم (قلوب) فاعل مرفوع و(هم) ضمير مضاف إليه الواو عاطفة (من الذين) مثل الأول ومعطوف عليه (هادوا) مثل قالوا (سمّاعون) خبر المبتدأ محذوف تقديره هم، مرفوع وعلامة الرفع الواو اللام زائدة للتقوية (الكذب) مجرور لفظا منصوب محلّا مفعول به ل (سمّاعون)، (سمّاعون) خبر ثان مرفوع وعلامة الرفع الواو (لقوم) جارّ ومجرور متعلّق ب (سمّاعون) الثاني، (آخرين) نعت لقوم مجرور مثله وعلامة الجرّ الياء (لم) مثل الأول (يأتوا) مضارع مجزوم وعلامة الجزم حذف النون.. والواو فاعل والكاف ضمير مفعول به (يحرّفون) مثل يسارعون (الكلم) مفعول به منصوب (من بعد) جارّ ومجرور متعلّق ب (يحرّفون)، (مواضع) مضاف إليه مجرور والهاء ضمير مضاف إليه (يقولون) مثل يسارعون (إن) حرف شرط جازم (أوتي) فعل ماض مبني للمجهول مبني على السكون في محلّ جزم فعل الشرط.. و(تم) ضمير في محلّ رفع نائب فاعل (ها) حرف تنبيه (ذا) اسم إشارة مبني في محلّ نصب مفعول به الفاء رابطة لجواب الشرط (خذوا) فعل أمر مبني على حذف النون.. والواو فاعل والهاء ضمير مفعول به الواو عاطفة (إن) مثل الأول (لم) حرف نفي فقط (تؤتوا) مضارع مبني للمجهول مجزوم فعل الشرط وعلامة الجزم حذف النون.. والواو نائب فاعل والهاء ضمير مفعول به (فاحذروا) مثل فخذوه. الواو استئنافيّة (من) اسم شرط جازم مبني في محلّ رفع مبتدأ (يرد) مضارع مجزوم فعل الشرط وحرّك بالكسر لالتقاء الساكنين (اللّه) لفظ الجلالة فاعل مرفوع (فتنة) مفعول به منصوب والهاء ضمير مضاف إليه الفاء رابطة لجواب الشرط (لن) حرف نفي ونصب (تملك) مضارع منصوب والفاعل ضمير مستتر تقديره أنت اللام حرف جرّ والهاء ضمير في محلّ جرّ متعلّق بمحذوف حال من (شيئا) نعت تقدّم على المنعوت (من اللّه) جارّ ومجرور متعلّق بحال من (شيئا)، (شيئا) مفعول به منصوب (أولئك) اسم إشارة مبني في محلّ رفع مبتدأ.. والكاف للخطاب (الذين) اسم موصول مبني في محلّ رفع خبر (لم) حرف نفي وجزم (يرد) مضارع مجزوم وحرّك بالكسر لالتقاء الساكنين (اللّه) لفظ الجلالة فاعل مرفوع (أن) حرف مصدريّ ونصب (يطهّر) مضارع منصوب، والفاعل هو (قلوب) مفعول به منصوب و(هم) مضاف إليه.
والمصدر المؤوّل (أن يطهّر) في محلّ نصب مفعول به عامله يرد.
(لهم) مثل له متعلّق بخبر مقدّم (في الدنيا) جارّ ومجرور متعلّق بالخبر المحذوف، (خزي) مبتدأ مؤخّر مرفوع الواو عاطفة (لهم في الآخرة عذاب) مثل لهم... خزي (عظيم) نعت لعذاب مرفوع.
جملة النداء (يأيّها الرسول): لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة (لا يحزنك الذين...): لا محلّ لها جواب النداء.
وجملة (يسارعون...): لا محلّ لها صلة الموصول (الذين) الأول.
وجملة (قالوا...): لا محلّ لها صلة الموصول (الذين) الثاني.
وجملة (آمنّا...): في محلّ نصب مقول القول.
وجملة (لم تؤمن قلوبهم): في محلّ نصب حال.
وجملة (هادوا): لا محلّ لها صلة الموصول (الذين) الثالث.
وجملة (هم) سمّاعون...): في محلّ نصب حال من فاعل هادوا.
وجملة (لم يأتوك): في محلّ جرّ نعت ثان لقوم.
وجملة (يحرّفون...): في محلّ جرّ نعت ثالث لقوم.
وجملة (يقولون...): في محلّ نصب حال من فاعل يحرّفون- وجملة (إن أوتيتم هذا): في محلّ نصب مقول القول.
وجملة (خذوه): في محلّ جزم جواب الشرط مقترنة بالفاء.
وجملة (لم تؤتوه): في محلّ نصب معطوفة على جملة مقول القول.
وجملة (احذروا): في محلّ جزم جواب الشرط الثاني مقترنة بالفاء.
وجملة (من يرد اللّه...): لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة (يرد اللّه): في محل رفع خبر المبتدأ (من).
وجملة (لن تملك....): في محلّ جزم جواب الشرط مقترنة بالفاء.
وجملة (أولئك الذين...): لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة (لم يرد اللّه): لا محلّ لها صلة الموصول (الذين) الرابع.
وجملة (يطهّر...): لا محلّ لها صلة الموصول الحرفيّ (أن).
وجملة (لهم في الدنيا خزي): في محلّ رفع خبر ثان لاسم الإشارة أولئك.
وجملة (لهم في الآخرة عذاب): في محلّ رفع معطوفة على جملة لهم... خزي.
(42) (سمّاعون) خبر لمبتدأ محذوف تقديره هم وعلامة الرفع الواو (للكذب) مثل الأول (أكّالون للسحت) مثل سمّاعون للكذب الفاء استئنافيّة (إن) مثل الأول (جاؤوا) فعل ماض مبني على الضمّ في محلّ جزم فعل الشرط.. والواو فاعل والكاف ضمير مفعول به الفاء رابطة لجواب الشرط (احكم) فعل أمر والفاعل ضمير مستتر تقديره أنت (بين) ظرف مكان منصوب متعلّق ب (احكم)، و(هم) ضمير مضاف إليه (أو) حرف عطف (أعرض) مثل احكم (عن) حرف جرّ و(هم) ضمير في محلّ جرّ متعلّق ب (أعرض)، الواو عاطفة (إن) مثل الأول (تعرض) مضارع مجزوم فعل الشرط والفاعل ضمير مستتر تقديره أنت (عنهم) مثل الأول الفاء رابطة لجواب الشرط (لن) مثل الأول (يضرّوا) مضارع منصوب وعلامة النصب حذف النون.. والواو فاعل والكاف ضمير مفعول به (شيئا) مفعول مطلق نائب عن المصدر أي شيئا من الضرر الواو عاطفة (إن حكمت فاحكم بينهم) مثل إن جاؤوك فاحكم بينهم (بالقسط) جارّ ومجرور متعلّق ب (احكم)، (إنّ اللّه يحب) مثل إنّ اللّه يتوب، (المقسطين) مفعول به منصوب وعلامة النصب الياء.
وجملة (هم) سمّاعون): لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة (هم) أكّالون للسحت): لا محلّ لها استئنافيّة أو بدل من الاستئنافيّة.
وجملة (جاؤوك...): لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة (احكم بينهم): في محلّ جزم جواب الشرط مقترنة بالفاء.
وجملة (أعرض عنهم): في محلّ جزم معطوفة على جملة احكم بينهم.
وجملة (إن تعرض عنهم): لا محلّ لها معطوفة على الاستئنافيّة.
وجملة (لن يضرّوك...): في محلّ جزم جواب الشرط مقترنة بالفاء.
وجملة (إن حكمت...): لا محلّ لها معطوفة على الاستئنافيّة.
وجملة (احكم (الثانية): في محلّ جزم جواب الشرط مقترنة بالفاء.
وجملة (إنّ اللّه يحب...): لا محلّ لها تعليليّة.
وجملة (يحب المقسطين): في محلّ رفع خبر إنّ.
الصرف:
(سمّاعون)، جمع سمّاع وهذه صيغة مبالغة اسم الفاعل من سمع الثلاثيّ، وزنه فعّال بفتح الفاء.
(فتنة)، بمعنى ضلال فهي مصدر سماعيّ من فتن يفتن باب ضرب، وزنه فعلة بكسر فسكون.
(أكّالون)، جمع أكّال مبالغة اسم الفاعل من أكل يأكل باب نصر وزنه فعّال بفتح الفاء وتشديد العين.
(السحت)، اسم جامد بمعنى المال الحرام. أو مصدر بمعنى الحرام من سحت يسحت باب فتح وزنه فعل بضمّ فسكون، وقد يكون بضمّتين.
(المقسطين)، جمع المقسط اسم فاعل من أقسط الرباعيّ بمعنى عدل، وزنه مفعل بضمّ الميم وكسر العين.
البلاغة:
1- مكر اليهود تضعنا هذه الآية مع اليهود من حيث مكرهم والتواؤهم، فهم لا يقيمون على عهد ولا يرعون ذمة ولا يؤمن جانبهم أبدا. وقد اجترؤوا فحرفوا الكلام للّه عز وجل وهذا ليس لليهود في عهد النبي صلى اللّه عليه وسلم بل هذا ديدنهم وذلك وصفهم في كل زمان ومكان.
2- حادثة عجيبة:
زنى رجل وامرأة محصنان من اليهود فقال بعضهم لبعض. هيا بنا إلى محمد صلى اللّه عليه وسلم لنسأله عن الحكم وليس عنده حكم. فإن حكم بالرجم رفضنا، وإن حكم بغير ذلك قبلنا فسألوا النبي صلى اللّه عليه وسلم عن ذلك فنزل جبريل بآية الرجم (وهي منسوخة تلاوة لا حكما) فرفضوا وكذبوا وقالوا الحكم في التوراة غير ذلك، فدله جبريل على رجل يهودي اسمه (ابن صوريا) هو أعلم يهودي في ذلك الوقت، فسألهم النبي صلى اللّه عليه وسلم عنه فعرفوه وقالوا هو أعلمنا فبعث النبي صلى اللّه عليه وسلم وراءه فحضر، فناشده بالتوراة وبموسى وباللّه الذي لا إله إلا هو الذي نجاهم من فرعون وفلق لهم البحر أن يصدقه، فقال نعم، فسأله عن حكم الزاني المحصن في التوراة فقال له الرجم، ولكن اليهود كانوا إذا زنى الضعيف أقاموا عليه الحد وإذا زنى الشريف تساهلوا معه وكاد يقع خلاف حول ذلك، فحرفوا التوراة وجعلوا الحكم الجلد والتحميم، كانوا يجلدونه أربعين جلدة بسوط عليه قار فيسود جسمه فيحمل على دابة تطوف به بين الناس ثم يحمم فتنكرت اليهود لأقوال ابن صوريا واستغربت أن يفضحهم بهذا الشكل، فقال اضطررت للصدق خشية نزول العذاب علينا. ثم أمر النبي صلى اللّه عليه وسلم برجم الزانيين وطبق فيهما حكم اللّه وفي هذه الحادثة دلالة على صدق النبوة ومطابقة التوراة للقرآن الكريم ومكر اليهود وخبثهم.
2 [مبالغة اسم الفاعل ] المبالغة في المعنى:
هناك صيغ مبالغة لاسم الفاعل في اللغة العربية تدل على المبالغة في المعنى وقد ورد في هذه الآية صيغة من هذه الصيغ بقوله تعالى: (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ) وقد دلّ هذا على كثرة سماعهم للكذب وكثرة أكلهم للحرام فهم منغمسون في المعاصي دون رادع أو خشية. ولعله من المفيد أن نذكر بصيغ مبالغة اسم الفاعل فهي:
1- فعّال: مثل سمّاع- كذّاب.
2- فعول: مثل أكول وشروب.
3- فعيل: مثل سميع وعليم وبصير.
4- فعل: مثل شره- نهم.
5- مفعال: مثل مطعان. وهذه الصيغ تدل على المبالغة والكثرة لمن قام بالفعل فأكول كثير الأكل ومطعان كثير الطعن.
.إعراب الآية رقم (43):{وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْراةُ فِيها حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (43)}.
الإعراب:
الواو استئنافيّة (كيف) اسم استفهام مبنيّ في محلّ نصب حال (يحكّمون) مضارع مرفوع.. والواو فاعل والكاف ضمير مفعول به الواو حاليّة (عند) ظرف مكان منصوب متعلّق بخبر مقدّم و(هم) ضمير مضاف إليه (التوراة) مبتدأ مؤخّر مرفوع (في) حرف جرّ و(ها) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بخبر مقدّم (حكم) مبتدأ مؤخّر مرفوع (اللّه) لفظ الجلالة مضاف إليه مجرور (ثمّ) حرف عطف (يتولّون) مثل يحكّمون (من بعد) جارّ ومجرور متعلّق ب (يتولّون)، (ذلك) إشارة مبني في محلّ جرّ مضاف إليه.. واللام للبعد، والكاف للخطاب الواو حاليّة (ما) نافية (أولئك) اسم إشارة مبني في محلّ رفع اسم ما. والكاف للخطاب الباء حرف جرّ زائد (المؤمنين) مجرور لفظا منصوب محلا خبر ما وعلامة الجرّ الياء.
جملة (يحكّمونك): لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة (عندهم التوراة): في محلّ نصب حال من فاعل يحكّمونك.
وجملة (فيها حكم...): في محلّ نصب حال من التوراة.
وجملة (يتولّون): لا محلّ لها معطوفة على الاستئنافيّة.
وجملة (ما أولئك بالمؤمنين): في محلّ نصب حال من فاعل يتولّون.
الصرف:
(يتولّون)، فيه إعلال بالحذف، أصله يتولّاون، التقت الألف الساكنة مع واو الجماعة فحذفت الألف ثم فتح ما قبل الواو دلالة على الألف المحذوفة.
الفوائد:
قوله تعالى: (وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْراةُ) كيف في هذه الآية اسم استفهام مبني على الفتح في محل نصب حال. ولعله من المفيد أن نبين حكمها في الإعراب إكمالا للفائدة فهي:
1- اسم مبني على الفتح دائما وتكون في محل رفع خبر مقدم إذا وليها اسم كقولنا: كيف حالك. وتأتي في محل نصب خبر مقدم لكان أو إحدى أخواتها إذا وليها فعل ناقص مثل: كيف كان عملك؟
وتعرب في محل نصب حال إذا وليها فعل تام كما ورد في الآية.
وبعضهم يعربها في محل نصب نائب مفعول مطلق إذا وليها فعل تام كقوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ) فيؤولون الكلام بمعنى ألم تر أيّ فعل فعل ربك بأصحاب الفيل وهو وجه ليس بعيدا من الصواب.
.إعراب الآيات (44- 45):
{إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللَّهِ وَكانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ (44) وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45)}.
الإعراب:
(إنّ) حرف مشبّه بالفعل و(نا) ضمير في محلّ نصب اسم إنّ (أنزلنا) فعل ماض مبني على السكون و(نا) ضمير في محلّ رفع فاعل (التوراة) مفعول به منصوب (في) حرف جرّ و(ها) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بخبر مقدّم (هدى) مبتدأ مؤخّر مرفوع وعلامة الرفع الضمّة المقدّرة على الألف الواو عاطفة (نور) معطوف على هدى مرفوع (يحكم) مضارع مرفوع (بها) مثل فيها متعلّق ب (يحكم)، (النبيّون) فاعل مرفوع وعلامة الرفع الواو (الذين) اسم موصول مبني في محلّ رفع نعت ل (النبيّون)، (أسلموا) فعل ماض مبني على الضمّ.. والواو فاعل اللام حرف جرّ (الذين) اسم موصول مبني في محلّ جرّ متعلّق ب (يحكم)، (هادوا) مثل أسلموا الواو عاطفة (الربّانيّون) معطوف على (النبيّون) مرفوع مثله وكذلك (الأحبار)، الباء حرف جرّ (ما) اسم موصول مبني في محلّ جرّ متعلّق ب (يحكم) على أسلوب البدل بإعادة الجار، (استحفظوا) فعل ماض مبني للمجهول.. والواو نائب فاعل (من كتاب) جارّ ومجرور متعلّق بحال من العائد المقدّر (اللّه) لفظ الجلالة مضاف إليه مجرور الواو عاطفة (كانوا) فعل ماض ناقص مبني على الضمّ.. والواو ضمير اسم كان (على) حرف جرّ والهاء ضمير في محلّ جرّ متعلّق ب (شهداء) (شهداء) خبر كانوا منصوب الفاء رابطة لجواب شرط مقدّر (لا) ناهية جازمة (تخشوا) مضارع مجزوم وعلامة الجزم حذف النون.. والواو فاعل (الناس) مفعول به منصوب الواو عاطفة (اخشوا) فعل أمر مبني على حذف النون.. والواو فاعل والنون نون الوقاية..
وحذف ضمير المتكلّم- مفعول اخشوا- للتخفيف الواو عاطفة (لا تشتروا) مثل لا تخشوا (بآيات) جارّ ومجرور متعلّق ب (تشتروا) بتضمينه معنى تستبدلوا والياء ضمير مضاف إليه (ثمنا) مفعول به منصوب (قليلا) نعت منصوب. الواو استئنافيّة (من) اسم شرط جازم مبني في محلّ رفع مبتدأ (لم) حرف للنفي فقط (يحكم) مضارع مجزوم فعل الشرط والفاعل ضمير مستتر تقديره هو الباء حرف جرّ (ما) اسم موصول مبني في محلّ جرّ متعلّق ب (يحكم)، (أنزل) فعل ماض (اللّه) لفظ الجلالة فاعل مرفوع الفاء رابطة لجواب الشرط (أولئك) اسم إشارة مبني في محلّ رفع مبتدأ.. والكاف للخطاب (هم) ضمير فصل، (الكافرون) خبر المبتدأ أولئك مرفوع وعلامة الرفع الواو.
جملة (إنّا أنزلنا...): لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة (أنزلنا....): في محلّ رفع خبر إنّ.
وجملة (فيها هدى....): في محلّ نصب حال من التوراة.
وجملة (يحكم بها النبيّون): في محلّ نصب حال من الضمير في (فيها).
وجملة (أسلموا): لا محلّ لها صلة الموصول (الذين) الأول.
وجملة (هادوا): لا محلّ لها صلة الموصول (الذين) الثاني.
وجملة (استحفظوا): لا محلّ لها صلة الموصول (ما).
وجملة (كانوا عليه شهداء): لا محلّ لها معطوفة على جملة استحفظوا.
وجملة (لا تخشوا....): في محل جزم جواب شرط مقدّر أي إن أحرجتم في موقف فلا تخشوا الناس.
وجملة (اخشون): في محل جزم معطوفة على جملة لا تخشوا.
وجملة (لا تشتروا): في محل جزم معطوفة على جملة لا تخشوا.
وجملة (من لم يحكم): لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة (لم يحكم...): في محلّ رفع خبر المبتدأ (من).
وجملة (أنزل اللّه...): لا محلّ لها صلة الموصول (ما).
وجملة (أولئك... الكافرون): في محلّ جزم جواب الشرط مقترنة بالفاء.
(45) الواو عاطفة (كتبنا) مثل أنزلنا (عليهم) مثل عليه متعلّق ب (كتبنا)، (فيها) مثل الأول متعلّق ب (كتبنا)، (أنّ) حرف مشبّه بالفعل (النفس) اسم أن منصوب (بالنفس) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف خبر أنّ أي: أنّ النفس مأخوذة بالنفس.
والمصدر المؤوّل (أنّ النفس بالنفس) في محلّ نصب مفعول به عامله كتبنا.
الواو عاطفة في المواضع الخمسة (العين، الأنف، الأذن، السنّ، الجروح) أسماء معطوفة على النفس اسم أنّ منصوبة مثله (بالعين) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف خبر معطوف على خبر أنّ.. ومثله (بالأنف، بالأذن، بالسنّ)، (قصاص) خبر معطوف على الخبر المحذوف المتعلّق به بالنفس، مرفوع، الفاء استئنافيّة (من) اسم شرط جازم مبني في محلّ رفع مبتدأ (تصدّق) فعل ماض مبني في محلّ جزم فعل الشرط، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو الباء حرف جرّ والهاء ضمير في محلّ جرّ متعلّق ب (تصدّق) الفاء رابطة لجواب الشرط (هو) ضمير مبني في محلّ رفع مبتدأ (كفّارة) خبر مرفوع اللام حرف جرّ والهاء ضمير في محلّ جرّ متعلّق بمحذوف نعت لكفّارة، الواو عاطفة (من لم يحكم... الظالمون) مثل نظيرتها المتقدّمة...
وجملة (كتبنا...): في محلّ رفع معطوفة على جملة أنزلنا.
وجملة (من تصدّق...): لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة (تصدّق...): في محلّ رفع خبر المبتدأ (من).
وجملة (هو كفّارة...): في محلّ جزم جواب الشرط مقترنة بالفاء.
وجملة (من لم يحكم...): لا محلّ لها معطوفة على جملة من تصدّق، وجملة يحكم في محلّ رفع خبر (من).
وجملة (أنزل اللّه): لا محلّ لها صلة الموصول (ما).
وجملة (أولئك... الظالمون): في محلّ جزم جواب الشرط مقترنة بالفاء.
الصرف:
(الأحبار)، جمع الحبر زنة فعل بفتح الفاء وكسرها وسكون العين، صفة مشتقّة من حبر يحبر باب نصر.
(العين)، اسم جامد للعضو المعروف، وزنه فعل بفتح فسكون.
(الأنف)، اسم جامد للعضو المعروف، وزنه فعل بفتح فسكون.
(السنّ)، اسم جامد للعضو المعروف، وزنه فعل بفتح فسكون.
(الجروح)، جمع جرح اسم جامد، وزنه فعل بضمّ فسكون.
(قصاص)، مصدر سماعيّ لفعل قاصّ الرباعيّ، وزنه فعال بكسر الفاء، أمّا المصدر القياسيّ للفعل فهو المقاصّة.
(كفّارة)، اسم جامد لما يدفع أو يعمل لتغطية الإثم، وزنه فعّالة بفتح الفاء وتشديد العين المفتوحة.
البلاغة:
1- في هذه الآية فن مندرج في سلك الإطناب من علم المعاني وذلك في سياق قوله تعالى في صفة النبيين: (الَّذِينَ أَسْلَمُوا) فهي صفة أجريت على النبيين على سبيل المدح دون التخصيص والتوضيح، لكن لا للقصد إلى مدحهم بذلك حقيقة فإن النبوة أعظم من الإسلام قطعا فيكون وصفهم به بعد وصفهم بها تنزيلا من الأعلى إلى الأدنى بل لتنويه شأن الصفة، فإن إبراز وصف في معرض مدح العظماء منبئ عن عظم قدر الوصف لا محالة كما في وصف الأنبياء بالصلاح ووصف الملائكة بالإيمان عليهم السلام ولذلك قيل: أوصاف الأشراف أشراف الأوصاف.
2- الالتفات: في قوله تعالى: (فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ) فهو خطاب لرؤساء اليهود وعلمائهم بطريق الالتفات من التكلم إلى الخطاب.
الفوائد:
1- تحكيم شريعة اللّه عز وجل أفادت هذه الآية بقوله تعالى: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ) أفادت تحكيم شريعة اللّه عز وجل في قضايا الحياة وشؤونها وقد يعترض معترض فيقول: هناك أشياء كثيرة برزت في عصرنا لم تكن في عصر النبي صلى اللّه عليه وسلم فنقول: إن شريعة الإسلام ليست جامدة وإنما هناك الاجتهاد والإجماع والقياس وهي مصادر من التشريع تكسب الشريعة حيوية واطرادا وتقدما يواجه جميع مشاكل الحياة في كل زمان ومكان.
2- هل شرع من قبلنا شرع لنا..
تناولت هذه الآية جانبا من أحكام التوراة في القصاص، وقد اختلف العلماء حول اعتبار شرع من قبلنا شرعا لنا أم لا فقد نقل عن أصحاب أبي حنيفة وبعض أصحاب الشافعي وعن أحمد في إحدى الروايتين أن شرع من قبلنا شرع لنا بطريق الوحي لا من جهة كتبهم المبدلة واختار ابن الحاجب من المتأخرين هذا المذهب لكنه لم يعتبر فيه قيد الوحي، وهو الحق، وإلا لم يبق للنزاع معنى إذ لا ينكر أحد التزام النبي صلى اللّه عليه وسلم بالوحي سواء من شرعه أم شرع من سواه وذهبت الأشاعرة والمعتزلة إلى المنع، وذلك اختيار الآمدي من المتأخرين ولكن الرأي الأول هو المعتمد وعليه جمهور العلماء. ويشترط أن لا يكون قد ورد في شرعنا ما يخالف هذا الشرع الذي نأخذ به.
3 القصاص والعفو:
قوله: (فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ): من تصدق بالقصاص متطوعا، سواء كان هو ولي الدم في حالة القتل- والصدقة تكون بأخذ الدية مكان القصاص، أو بالتنازل عن الدم والدية معا وهذا من حق الولي، إذ العقوبة والعفو متروكان له، ويبقى للإمام تعزير القاتل بما يراه- أو كان هو صاحب الحق في حالة الجروح كلها فتنازل عن القصاص، من تصدق فصدقته هذه كفارة لذنوبه يحطها بها اللّه عنه وكثيرا ما تستجيش هذه الدعوة إلى السماحة والعفو، وتعليق القلب بعفو اللّه ومغفرته نفوسا لا يغنيها العوض المالي، ولا يسلبها القصاص ذاته عمن فقدت أو عما فقدت، إن القصاص غاية ما يستطاع في الأرض لإقامة العدل وتأمين المجتمع، ولكن تبقى في النفس بقية لا يمسح عليها إلا تعليق القلوب بالعوض الذي يجيء من عند اللّه.
روى الإمام أحمد، قال: حدثنا وكيع، حدثنا يونس بن أبي اسحق عن أبي السفر قال: كسر رجل من قريش سن رجل من الأنصار فاستعدى عليه معاوية، فقال معاوية: سنرضيه، فألح الأنصاري، فقال معاوية: شأنك بصاحبك، وأبو الدرداء جالس، فقال أبو الدرداء: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: «ما من مسلم يصاب بشيء من جسده فيتصدق به إلا رفعه اللّه به درجة أو حط به عنه خطيئة» فقال الأنصاري: فإني قد عفوت. وهكذا رضيت نفس الرجل واستراحت بما لم ترض من مال معاوية الذي لوح له به للتعويض.
.إعراب الآية رقم (46):{وَقَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدىً وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (46)}.
الإعراب:
الواو استئنافيّة (قفّينا) فعل ماض مبني على السكون.. و(نا) ضمير فاعل (على آثار) جارّ ومجرور متعلّق ب (قفينا)، و(هم) ضمير مضاف إليه (بعيسى) جارّ ومجرور متعلّق ب (قفّينا)، وعلامة الجرّ الكسرة المقدّرة على الألف (ابن) نعت لعيسى أو بدل تبعه في الجرّ (مريم) مضاف إليه مجرور وعلامة الجرّ الفتحة لامتناعه من الصرف (مصدّقا) حال منصوبة من عيسى اللام زائدة للتقوية، (ما) اسم موصول محلّه القريب الجرّ باللام ومحلّه الثاني النصب فهو مفعول به لاسم الفاعل (بين) ظرف مكان منصوب متعلّق بمحذوف صلة ما (يدي) مضاف إليه مجرور وعلامة الجرّ الياء والهاء مضاف إليه (من التوراة) جارّ ومجرور متعلّق بحال من ما الواو عاطفة (آتينا) مثل قفّينا والهاء ضمير مفعول به (الإنجيل) مفعول به ثان منصوب (في) حرف جرّ والهاء ضمير في محلّ جرّ متعلّق بخبر مقدّم (هدى) مبتدأ مؤخّر مرفوع وعلامة الرفع الضمّة المقدّرة على الألف الواو عاطفة (نور) معطوف على هدى مرفوع مثله الواو عاطفة (مصدّقا) معطوف على الجملة الحاليّة فيه هدى (لما بين... من التوراة) مثل الأولى الواو عاطفة (هدى) معطوف على (مصدّقا) منصوب وعلامة النصب الفتحة المقدّرة على الألف الواو عاطفة (موعظة) معطوف على (مصدّقا) منصوب (للمتّقين) جارّ ومجرور متعلّق بهدى وموعظة.
جملة (قفّينا...): لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة (فيه هدى...): في محلّ نصب حال من الإنجيل.
وجملة (آتيناه...): لا محلّ لها معطوفة على الاستئنافيّة.
الصرف:
(آثارهم)، جمع أثر وهو الاسم من أثر يأثر باب نصر وباب ضرب وزنه فعل بفتحتين.
البلاغة:
1- التكرير: في قوله تعالى: (لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ) وتكرير ذلك لزيادة التقرير.
2- التشبيه البليغ: وهو تشبيه الإنجيل بالنور والهدى، وحذف الأداة ليكونا نفس الإنجيل للمبالغة.
.إعراب الآية رقم (47):
{وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (47)}.
الإعراب:
الواو استئنافيّة اللام لام الأمر (يحكم) مضارع مجزوم (أهل) فاعل مرفوع (الإنجيل) مضاف إليه مجرور الباء حرف جرّ (ما) اسم موصول مبني في محلّ جرّ متعلّق ب (يحكم)، (أنزل) فعل ماض (اللّه) لفظ الجلالة فاعل مرفوع (في) حرف جرّ والهاء ضمير في محلّ جرّ متعلّق ب (أنزل)، الواو استئنافيّة (من لم... هم الفاسقون) مرّ إعراب نظيرها.
جملة (يحكم أهل الإنجيل): لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة (أنزل اللّه...): لا محلّ لها صلة الموصول (ما).
وجملة (من لم يحكم...): لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة (لم يحكم بما أنزل اللّه): في محلّ رفع خبر المبتدأ (من).
وجملة (أنزل اللّه (الثانية): لا محلّ لها صلة الموصول (ما) الثاني.
وجملة (أولئك هم الفاسقون): في محلّ جزم جواب الشرط مقترنة بالفاء.
.إعراب الآية رقم (48):
{وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمَّا جاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48)}.
الإعراب:
الواو عاطفة (أنزلنا) فعل ماض مبني على السكون..
و(نا) ضمير فاعل (إلى) حرف جرّ والكاف ضمير في محل جرّ متعلّق ب (أنزلنا)، (الكتاب) مفعول به منصوب (بالحقّ) جارّ ومجرور متعلّق بحال من الكتاب أو من فاعل أنزلنا أو من الكاف في (إليك)، (مصدّقا لما...
الكتاب) مثل مصدّقا لما... من التوراة الواو عاطفة (مهيمنا) معطوف على (مصدّقا) منصوب (عليه) مثل إليك متعلّق ب (مهيمنا)، الفاء رابطة لجواب شرط مقدّر (احكم) فعل أمر، والفاعل ضمير مستتر تقديره أنت (بين) ظرف مكان منصوب متعلّق ب (احكم)، و(هم) ضمير مضاف إليه (بما أنزل اللّه) مرّ إعرابها، الواو عاطفة (لا) ناهية جازمة (تتّبع) مضارع مجزوم، والفاعل ضمير مستتر تقديره أنت (أهواء) مفعول به منصوب و(هم) ضمير مضاف إليه (عن) حرف جرّ (ما) اسم موصول مبني في محلّ جرّ متعلّق بحال من فاعل تتّبع أي: منحرفا عمّا جاءك (جاء) فعل ماض، والفاعل هو وهو العائد والكاف ضمير مفعول به (من الحقّ) جارّ ومجرور متعلّق بحال من فاعل جاء (لكل) جارّ ومجرور متعلّق ب (جعلنا) وهو فعل ماض مبني على السكون. و(نا) فاعل (من) حرف جرّ و(كم) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بنعت ل (كلّ)، أي لكلّ نبيّ منكم، (شرعة) مفعول به منصوب الواو عاطفة (منهاجا) معطوف على شرعة منصوب. الواو عاطفة (لو) حرف شرط غير جازم (شاء) فعل ماض (اللّه) لفظ الجلالة فاعل مرفوع اللام واقعة في جواب لو (جعل) فعل ماض و(كم) ضمير مفعول به، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو (أمّة) مفعول به ثان منصوب (واحدة) نعت لأمة منصوب الواو عاطفة (لكن) حرف استدراك اللام للتعليل (يبلو) مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام و(كم) مفعول به، والفاعل هو أي اللّه.
(في) حرف جرّ (ما) اسم موصول مبني في محلّ جرّ متعلّق ب (يبلوكم)، (آتى) فعل ماض، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو و(كم) ضمير مفعول به أوّل، والمفعول الثاني محذوف أي آتاكم إيّاه.
والمصدر المؤوّل (أن يبلوكم) في محلّ جرّ باللام متعلّق بفعل محذوف تقديره فرّقكم.
الفاء رابطة لجواب شرط مقدّر (استبقوا) فعل أمر مبني على حذف النون.. والواو فاعل (الخيرات) منصوب على نزع الخافض أي إلى الخيرات.. وهو مفعول به إذا ضمّن الفعل معنى ابتدروا، وعلامة النصب الكسرة. (إلى اللّه) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف خبر مقدّم (مرجع) مبتدأ مؤخّر مرفوع و(كم) ضمير مضاف إليه (جميعا) حال منصوبة من الضمير في مرجعكم لأنه فاعل المصدر الفاء عاطفة (ينبّئ) فعل مضارع مرفوع و(كم) ضمير مفعول به، الفاعل ضمير مستتر تقديره هو (بما) مثل الأول متعلّق ب (ينبّئ)، (كنتم) فعل ماض ناقص..
و(نا) ضمير اسم كان (فيه) مثل عليه متعلّق ب (تختلفون) وهو مضارع مرفوع.. والواو فاعل.
جملة (أنزلنا...): في محلّ رفع معطوفة على جملة أنزلنا التوراة.
وجملة (احكم بينهم): في محل جزم جواب شرط مقدّر أي: إن سئلت فاحكم.
وجملة (أنزل اللّه...): لا محلّ لها صلة الموصول (ما) الأول.
وجملة (لا تتّبع...): في محلّ جزم معطوفة على جملة احكم.
وجملة (جاءك...): لا محلّ لها صلة الموصول (ما) الثاني.
وجملة (جعلنا منكم...): لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة (لو شاء اللّه): لا محلّ لها معطوفة على جملة جعلنا منكم.
وجملة (جعلكم...): لا محلّ لها جواب شرط غير جازم.
وجملة (فرّقكم) المقدّرة): لا محل لها معطوفة على جملة لو شاء.
وجملة (يبلوكم...): لا محلّ لها صلة الموصول الحرفيّ (أن).
وجملة (آتاكم): لا محلّ لها صلة الموصول (ما) الثالث.
وجملة (استبقوا...): في محلّ جزم جواب شرط مقدّر أي: إن كنتم في موضع الاختبار فاستبقوا....
وجملة (إلى اللّه مرجعكم): لا محلّ لها تعليليّة.
وجملة (ينبّئكم): لا محلّ لها معطوفة على التعليليّة.
وجملة (كنتم... تختلفون): لا محلّ لها صلة الموصول (ما) الرابع.
وجملة (تختلفون): في محلّ نصب خبر كنتم.
الصرف:
(مهيما)، اسم فاعل من (هيمن) الرباعيّ، وزنه مفعلل بضمّ الميم وكسر اللام الأولى، وقال أبو البقاء العكبريّ. وأصل مهيمن مؤيمن لأنه مشتقّ من الأمانة، لأن المهيمن الشاهد وليس في الكلام همن حتّى تكون الهاء أصلا.
(شرعة)، الاسم لشرع يشرع باب فتح بمعنى الشريعة، وما شرع اللّه لعباده من السنن والأحكام.
(منهاجا)، اسم مكان على غير القياس من نهج ينهج، وزنه مفعال بكسر الميم.
البلاغة:
التشبيه: في قوله تعالى: (لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً) فالشريعة هي الطريقة إلى الماء شبه بها الدين لكونه سبيلا موصلا إلى ما هو سبب للحياة الأبدية كما أن الماء سبب للحياة الفانية.
الفوائد:
الدين والشريعة..
وردت آيات تدل على وحدة الدين، ولا فرق بين دين نبي ونبي آخر، ووردت آيات تدل على التباين في الشريعة كما في هذه الآية بقوله تعالى: (لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً) وطريق الجمع بين هذه الآيات أن كل آية دلت على عدم التباين فهي دالة على أصول الدين من الإيمان باللّه وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وكل ذلك جاءت به الرسل من عند اللّه ولم يختلفوا فيه. وأما الآيات الدالة على حصول التباين بينهم فمحمولة على الفروع وما يتعلق بظواهر العبادات فجائز أن يتعبد اللّه عباده في كل وقت بما يشاء، فهذه طريق الجمع بين هذه الآيات، ولذا فلا يجوز تسميتها بالديانات السماوية، لأن الدين واحد لدى جميع الأنبياء وهو توحيد اللّه والإيمان بما أخبرنا به، ولكن يجوز أن نقول الشرائع السماوية لأنها مختلفة من نبي لنبي حسب زمانه ومكانه وأمته ومقتضيات عصره.
.إعراب الآية رقم (49):
{وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفاسِقُونَ (49)}.
الإعراب:
الواو عاطفة (أن) حرف مصدريّ، (احكم بينهم بما أنزل اللّه) مرّ إعرابها وكذلك (لا تتبع أهواءهم)، الواو عاطفة (احذر) فعل أمر و(هم) ضمير مفعول به، والفاعل ضمير مستتر تقديره أنت (أنّ) حرف مصدريّ ونصب (يفتنوا) مضارع منصوب وعلامة النصب حذف النون.. والواو فاعل والكاف ضمير مفعول به (عن بعض) جارّ ومجرور متعلّق ب (يفتنوك)، (ما) اسم موصول مبني في محلّ جرّ مضاف إليه (أنزل) فعل ماض مبنيّ (اللّه) فاعل مرفوع وهو العائد (إلى) حرف جرّ والكاف ضمير في محلّ جرّ متعلّق ب (أنزل).
والمصدر المؤوّل (أن احكم) في محلّ رفع مبتدأ خبره محذوف أي حكمك بما أنزل اللّه أمرنا.. أو من الواجب حكمك بما أنزل اللّه.
والمصدر المؤوّل (أن يفتنوك) في محلّ نصب بدل اشتمال من الضمير في (احذرهم).
الفاء استئنافيّة (إن) حرف شرط جازم (تولّوا) فعل ماض مبني على الضمّ في محلّ جزم فعل الشرط.. والواو فاعل الفاء رابطة لجواب الشرط (اعلم) فعل أمر، والفاعل ضمير مستتر تقديره أنت (أنّما) كافة ومكفوفة (يريد) مضارع مرفوع (اللّه) لفظ الجلالة فاعل مرفوع (أن يصيبهم) مثل أن يفتنوك (ببعض) جارّ ومجرور متعلّق ب (يصيب)، (ذنوب) مضاف إليه مجرور و(هم) ضمير مضاف إليه.
والمصدر المؤوّل (أن يصيبهم) في محلّ نصب مفعول به عامله يريد.
الواو استئنافيّة (إنّ) حرف مشبّه بالفعل (كثيرا) اسم إنّ منصوب (من الناس) جارّ ومجرور متعلّق بنعت ل (كثيرا)، اللام هي المزحلقة (فاسقون) خبر إنّ مرفوع وعلامة الرفع الواو.
جملة: حكمك... أمرنا: لا محلّ لها معطوفة على استئناف متقدّم.
وجملة (أنزل اللّه): لا محلّ لها صلة الموصول (ما) الأول.
وجملة (لا تتّبع أهواءهم): لا محلّ لها معطوفة على الاستئناف.
وجملة (احذرهم...): لا محلّ لها معطوفة على جملة لا تتّبع أهواءهم.
وجملة (يفتنوك...): لا محلّ لها صلة الموصول الحرفيّ (أن).
وجملة (أنزل اللّه إليك): لا محلّ لها صلة الموصول (ما) الثاني.
وجملة (تولّوا): لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة (اعلم...): في محلّ جزم جواب الشرط مقترنة بالفاء.
وجملة (يريد اللّه...): في محلّ نصب سدّت مسدّ مفعولي اعلم المعلّق ب (أنما).
وجملة (يصيبهم...): لا محلّ لها صلة الموصول الحرفيّ (أن).
وجملة (إنّ كثيرا... لفاسقون): لا محلّ لها استئنافيّة.
البلاغة:
الإبهام: في قوله تعالى: (بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ) وذلك لتعظيم التولي واستسرافهم في ارتكابه كما في قول لبيد:
أو يرتبط بعض النّفوس حمامها

أراد نفسه: وإنما قصد تفخيم شأنها بهذا الإبهام، كأنه قال: نفسا كبيرة ونفسا أي نفس.
فكما أن التنكير يعطي معنى التكبير وهو معنى البعضية فكذلك إذا صرح بالبعض.
الفوائد:
اللام المزحلقة..
اللام المزحلقة تدخل على خبر إن وتزيد الكلام توكيدا وتقوية، كما في هذه الآية (وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفاسِقُونَ) وعند ما كذب أصحاب القرية المرسلين قالوا لهم: (رَبُّنا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ) أما إذا كان الخبر شبه جملة (أي ظرف أو جار ومجرور) وتقدم على اسمها فتدخل هذه اللام على الاسم كقوله تعالى: (إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى وَإِنَّ لَنا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولى).


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ