علم الإشتقاق وفقه اللغة
أولا : علم الإشتقاق
علم الاشتقاق هو فرع من فروع علوم اللغة العربية. ويرادفه علم التأثيل في سائر اللغات.
علم الاشتقاق أو مقاييس اللغة، والأول هو المشهور في كتب المصنفين، ولكن الثاني أقرب إلى المراد، وبذلك سمى ابن فارس كتابه ( معجم مقاييس اللغة ) . إذ إن اللغة العربية لغة اشتقاقية من الدرجة الأولى .
حد وتعريف علم الاشتقاق
علم بدلالات كلام العرب التي يعرف بها الأصل الذي ترجع إليه الألفاظ. وهذا حد أقرب إلى الرسم.
موضوع علم الاشتقاق
معرفة دلالات الألفاظ وارتباطها ببعض، وذلك بالرجوع إلى أصول معانيها المستنبطة من قياس دلالات الألفاظ المتماثلة المادة.
ثمرة علم الاشتقاق
التعمق في فهم كلام العرب، ومن ثَمَّ في فهم كلام الشارع، وكثيرا ما تجد المفسرين يشيرون إشارات عابرة إلى أمثلة من هذا العلم، وكثير من المصنفين في العلوم يشيرون أيضا إليه إشارات عابرة عند شرح بعض الاصطلاحات وبيان وجه الاشتقاق فيها.
الواضـع والمؤسس لعلم الاشتقاق
يعد ابن دريد أول من أفرده بتصنيف يشتمل على كثير من أصوله، وابن فارس هو باري قوسه بكتابه معجم مقاييس اللغة ، وكذلك بعض المحاولات والمنثورات قبلهما خاصة من قبل الخليل بن أحمد الفراهيدي.
حـكم علم الاشتقاق
فرض كفاية؛ كما قرر أهل العلم أن علوم الآلة جميعاً فروض كفاية .
فضـل علم الاشتقاق
ما ساعد على فهم النصوص الشرعية فلا شك أنه علم فاضل، ولذلك يكثر دورانه في كتب التفسير، والاستنباطات في الخلافات الفقهية.
نسبة علم الاشتقاق
من علوم اللغة العربية مع الإعمال العقلي ، ويمكن عده جزءا من علم (فقه اللغة)، وفيه اشتراك مع (علم التصريف) في بعض المباحث من وجه، والفرق بينهما أن علم التصريف يبحث في الأوزان الظاهرة ودلالة كل وزن، أما الاشتقاق فيبحث في الدلالة الباطنة وارتباط المعاني في المادة الواحدة .
استمداد علم الاشتقاق
كلام العرب وأحوالهم وإشاراتهم التي يستفاد منها القرائن التي تدل على اتفاق ألفاظ المادة في اللغة .
مسائل علم الاشتقاق
الأسماء (أعلاما كانت أو غيرها) والكلمات والمواد العربية والبحث في الأصول المعنوية التي ترجع إليها
ثانيا : فقه اللغة
فقه اللغة المقارن ركز علماء اللغويات مع بداية القرن التاسع عشر على التحليل التاريخي المقارن للغة، بدراسة النصوص المكتوبة، واكتشاف عناصر التشابه بين لغة وأخرى، وملاحظة التغيرات التي تطرأ على اللغة عبر الزمن، ومقارنة التغيرات التاريخية بين اللغات المتشابهة.
توسعت الدراسات اللغوية مع بداية القرن العشرين، وشملت اللغات غير المكتوبة، واعتبرت النظرية البنوية أن اللغة نظام مؤسس على بنية شديدة التنظيم، وصارت أحد أهم نظريات اللغويات مع نشر الكتاب الهام (منهج في اللغويات العامة Cours de linguistique générale-Course in General Linguistics) لعالم اللسانيات السويسري فرديناند دو سوسور Ferdinand de Saussure خاصة بعدما اعتبر تلامذة سوسور هذا الكتاب بداية للعلوم اللغوية الحديثة، واستمروا في عملهم على ما أطلق عليه معلمهم (الخطاب الفعلي Actual speech) وميزه عما سماه المعلومات الكامنة في الخطاب ؛ إذ يرى سوسور أن (الكلام المنطوق = الخطاب الفعلي) يتضمن نماذج instances لقواعد اللغة، ومهمة الباحث اكتشاف القواعد النحوية الكامنة في أي لغة بدراسة نماذج القواعد التي يتضمنها الكلام المنطوق.
ويرى البنويون في قواعد النحو نظاما للعلاقات مهمته العمل على شرح الخطاب وإيضاحه، ويختلف هذا المفهوم عن المفهوم الوصفي للغة الذي يعتبر النحو مجموعة نماذج الكلام المنطوق.
وما أن استقر اللغويون على دراسة اللغة كمنظومة قواعد مجردة لا تتحقق إلا بالخطاب، اهتم دارسون آخرون بدراسة عناصر التشابه بين اللغة وبين أشكال السلوك الإنساني الأخرى انطلاقاً من المفهوم البنوي الذي يعتبر الثقافة الواحدة مؤسسة على بنية مشتركة مكونة من عناصر ثقافية كامنة في هذه الثقافة، فعلى سبيل المثال تجلى اهتمام علماء الاناسة (الأنثربولوجيون) باللغويات البنوية في الاستفادة منها لتفسير وتحليل الأساطير والعقائد الدينية، والتعرف على عناصر التشابه فيما بينها للجماعات العرقية المختلفة.
كان لسوسور أثر عميق في علوم اللغة في أوروبا وأمريكا، فطور عالم اللغويات الأمريكي ليونارد بلومفيلد Leonard Bloomfield مدرسة أمريكية في اللغويات البنوية إلا أن أثر سوسور بدا أوضح ما يكون في أوروبا خاصة فرنسا وتشيكيا (جزء من تشيكوسلوفاكيا السابقة)، حيث أسس عالم اللغويات التشيكي فيلم ماثيسيوس Vilem Mathesius حلقة براغ التي ضمت مجموعة من المهتمين، توسعوا في مجالات البحث اللغوي، وأدخلوا سياقات الاستخدام اللغوي context of language use وطوروا علم الصوتيات phonology وأثبتوا وجود خصائص مشتركة بين أصوات كل اللغات الإنسانية، وأن نظماً متشابهة تحكم إنتاج الأصوات الإنسانية، وأن جهود اللغويات التحليلية يجب أن تنصب على اكتشاف خصائص الصوت المميزة أكثر من الاهتمام بطرق جمع صوت مع آخر، وركزت حلقة براغ جهودها للتعرف على الخصائص المشتركة بين الوحدات الصوتية الأساسية المتشابهة في اللغات المختلفة في الوقت الذي انصبت فيه جهود الوصفيين على تحديد وتوصيف كل صوتة في كل لغة معروفة لديهم.
تغير أسلوب البحث اللغوي مع نهاية الستينات الميلادية ولم يعد أسلوب شجرة العائلة اللغوية كافياً للوفاء بالاحتياجات المعرفية المتزايدة في البحث اللغوي، وتشكل منهجا بحثيا جديدا معني بالخصائص المشتركة بين اللغات، ومقارنة البني اللغوية، والقواعد النحوية لأكثر من لغة، والبحث عن فهم أعمق وأكثر واقعية لتاريخ اللغة، وعدم إغفال دور الاحتكاك الثقافي بين لغة ولغات أخرى في تطور هذه اللغة، انطلاقاً من فرضية أن لغة تنحدر منها لغات جديدة يستحيل أن تظل بمنأى عن التأثر والتغير، وأحدثت هذه التطورات تداخلاً معرفياً انفتحت به اللسانيات على العلوم الأخرى، فأخذت منها وأعطتها نظريات ومناهج بحث أدت لنشوء مجالات بحث ومعرفة جديدة عبر تخصصية interdisciplinary تستخدم اللغويات اعتماداً على مرجعية معرفة علمية مشتركة.
فقه الحروف
والجدير بالذكر أن الباحث / محمد عبيدالله ، واضع حساب فقه الحروف ، ردَ اللغة العربية إلى مَنْشَئِها من خلال بحث قضى فيه سنوات طويله مستدركاً فيه أثَرَ العلاَّمة اللغوي الشيخ / محمد فؤاد عبد الباقي، صاحب معجم (الفاظ القرآن الكريم) وقد عُرف البحث بين المتخصصين بـ (أصول فقه الحروف).
والحروف هي:الحروف الهجائية، وفقهها معرفة ترتيبها الفقهي ووزنها العددي وحِسابها اللغوي، وأثر الحرف في بِناء الكلمة، وذلك للفصل بين الأشباه والنظائر من المفردات المترادفة ، وترتيب معانيها ترتيباً حسابياً، من حيث التقديم والتأخير، قبل دخولها على المسائل التفسيريه والقواعد الشرعية، وقد جاء ترتيب الحروف وضبط حِسابها من مدارها في جذور القرآن، مستودع اللغة ومخزونها، ومنشأ الضَبط والحِساب جاء من الأسماء، لقول الله تعالى وعلم ءادم الأسماء كُلَّهَا / الاية 31 في سورة البقرة ، والتعليم لم يكن عشوائياً (حاشا لله) بل كانت له قواعد وأصول، ومن الأهمية بمكان أن حروف فواتح السور أثبَتَت أن للحرف حِساب ، وقد حَدَ القرآن تاريخ اللغة بحدين، فأشار إلى يوم مَنْشَئِها في سورة البقرة وبَينَ تاريخ فسادها في سورة الاعراف.فقال في سورة البقرة (وعلم ءادم الأسماء كُلَّهَا) وقال في سورة الأعراف (إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ) وقال أيضاً في سورة يوسف ( مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ ....) ألآية(40).
وقال مثل ذلك لقريش في سورة النجم، وقد جرى توثيق فساد اللغة بالتدرج مِن زمن قوم عاد مروراً بالفراعنة أيام يوسف النبي، مُنتهياً بالعصر الجاهلي، فبعث الله مُحمداً وأنزل عليه القرآن، فأقام به اللغةَ وأعاد نشاطها، كما نشأت في عهد ءادم عليهم السلام جميعاً، وكَنَزَ في آياتِهِ عِلومَها وأسرارها