كيف نخلق عقلا مفكرا فى بيئة صحية ؟ *
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حينما أحس بأول نبضات قلبه لها لم يعلم أيا من مداركه الحسية كانت المنبهة لشغاف قلبه
هو حينما أحبها كان على درجة عالية من الصفاء الروحي وعلى قدر من الطمأنينة القلبية التى تترفع عن المادة إلى ما فوق المادة وما وراء المادة
فالحب لأنه علاقة قلبية لا يكون مطلقا بسبب الجسد المادي وإنما هو علاقة أسمى وأعلى وأغلى من مجرد عناق الأجساد
حينما أحبها لم يكن مشغولا بلون عينيها ولا بشكل ابتسامتها ولا بحلاوة صوتها أو جمال حديثها وإنما أسره جمال داخلي فجر داخله ينابيع الجمال كله فلا يولد الحب إلا من الجمال بمعناه الأعم ، فالحب هو الجمال ولا يعرفه إلا كل جميل
نحن نتحدث عن لحظة وكأنها من لحظات الفيمتوثانية لحظة أن عزف القلب لها أولى دقاته معلنا أنها هى لا غيرها من يحتاجها ليكمل معها مسيرة حياته
ونحن أيضا نتحدث عن الحب القلبي الفطري التلقائي وليس مجرد إعجاب بمظهر أو منصب أو جاه أو حتى طريقة تحدث بارعة ، فهذا كله لا يعدو أن يكون منبهات مادية سرعان ما تنتهى ليكتشف بعدها أن ما جمعه بها ليس حبا وإنما سراب لا يروى عطشا
وحينما بادلته الحب حتما هناك جمال ما جمع بينهما وهما على هذا القدر من الصفاء والنقاء قد يكون الجمال بين واضح وقد يكون مستترا بأغبرة غطته عبر الزمن
لكن عليه وعليها حينما يدق قلبيهما بالحب أن يفتشا سويا على كل جمال حتى وان كان مستترا فحتما هناك جمال جامع لقلبين ترفعا عن المادة ولو للحظة قد تكون فى حياتهما وحياة مجتمعهما فارقة
يقول حبيبنا المصطفى ناصحا وموجها ومبينا أسس الاختيار ( فاظفر بذات الدين ) ( من ترضون دينه وخلقه فزوجوه ) هذه أسس الإختيار عند الرغبة فى الزواج وهى حتما كات موجودة لحظة ان دق القلب فى أول دقاته ، فلا أصفى ولا أنقى من الدين والخلق ساعة أن نرقى بالنفس ، بمعنى فى لحظات الصفاء الروحي الذى يضفى طمأنينة على القلب فى هذه اللحظات نكون على درجة عالية من التدين والخلق حتى وان كان لحظيا ، وكم يكون الانسان سعيدا بحق لو التمس لحظات صفائه الروحي بأن يبدأ طريق الهداية وقت ان يكون القلب نابضا والروح تحلق بعيدا عن معتقل المادة
هكذا تبدأ أولى خطوات تكوين الأسرة التى تثمر لنا مولودا جديدا وعقلا وليدا يمر بأولى مستويات الوسط المحيط
لذا سنتحدث عن خلق عقل مفكر فى بيئة صحية عبر مستويات ثلاث :
1 - الأسرة
2 - المجتمع
3 - الدولة
لكن قبل أن نتطرق للحديث عن هذه المستويات يجب أن ننوه على أمر هام جدا وهو أن كل مولود يولد على الفطرة كما فى الحديث الذى رواه أبو هريرة من الصحيحين ( كل مولود يولد على الفطرة ) فهذه هى القاعدة والتى حسمها القرآن بقوله تعالى فى سورة الروم الآية 30 ( فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) ، والفطرة تعنى أن كل إنسان يولد وهو مهيأ ليعقل ويفكر ويتدبر ويتأمل ويحب ويؤمن ، لكنه قد - أو ربما حتما - يصطدم بالوسط المحيط الذى إما يكون عائقا مانعا أو لا يكون مساعدا مشجعا ، وعلى الرغم من مسؤوليته مع نفسه ان يقاوم ذلك وينتصر لنفسه أمام ربه أولا ثم امام نفسه إلا أن دورنا ودور كل عاقل أن يوضح وينبه ويبين على قدر معرفته لنتجنب العوائق ولنساعد أنفسنا وأجيالنا اللاحقة ومجتمعاتنا فى أن يتلمسوا طرق النجاة عبر معرفة ما يجب وما لا بد منه
1 - الأسرة
لم ينظر الإسلام نظرة سطحية على أسس تنشئة النشأ وخلق مجتمع صحي عبر أجيال واعدة وأنما وضحها بعمق إلى ما قبل الولادة بل من ساعة الإختيار لأن من الطبيعى أن يكون الأولاد ثمرة للآباء
أثبت الإسلام الإختيار للرجل والمرأة وللزوج والزوجة على حد سواء وجعله حقا مكفولا لكليهما ولم يستبعد العاطفة القلبية الناتجة عن حب شريف طاهر نقي والحب حتما هو كذلك ان كان حبا حقيقيا
والإسلام حينما بين أسس الاختيار ووضع روشتته جعلها ( الدين والخلق ) ، لم يتحدث عن المنصب ولا المال ولا الجاه ولا العصبية والقبلية فكلها ليست من أسس الاختيار مع تركها لمن يهواها شريطة ان يكون هو أو هى من يختار( تختار ) وليس الوسط المحيط
حرص الإسلام أن يعطى الرجل والمرأة حق الإختيار ليحصل الانسجام العقلي والالتقاء القلبي والتناغم الروحي والعناق العاطفي فيكونا معا أقدر على مواصلة الحياة بثبات وهدوء ، وأقدر على تنفيذ آليات التربية بحرفية ومهنية وتحقيقها فى المولود
ثم إن الإسلام لم يهتم بالإختيار على أسس ما خلفته العادات والتقاليد عبر الجمود والتقليد وهكذا وجدنا آباءنا يفعلون ، وكلها من عوائق التفكير ومن مساويء البيئات المريضة والتى سنعرفها لاحقا فى مقالاتنا المتتابعة
لكن كيف تنجح ثاني خطوة بعد الإختيار وهو عقد الزواج وكيف نجعل من هذا العقد بداية لحياة نظيفة صحية بعيدا عن عادات نحسبها الحق المطلق وهى أبعد ما تكون عن ذلك
نكمل فى المقال المقبل
بقلم دكتور / أحمد كلحي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* هذا هو المقال الثالث ضمن سلسلة مقالات مصباح علاء الدين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ