موانع القراءة العشرون
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
دون مقدمة فقد اخترت للقراء الأعزاء عدة موانع تمنع القراءة خاصة فى وطننا العربي لكنى أحسبها موانع عامة لا ينجو منها أو من بعضها مجتمع دون آخر وجعلتها عشرين مانعا ليس على الحصر فربما يكون العدد أقل باختصارها ودمج بعضها البعض وربما تزيد
حاولت أن أراعي البساطة فى العرض وعدم الدخول فى تفاصيل ومصطلحات علمية حتى يستفيد منها أكبر عدد ممكن خاصة من القراء الذين هم فى بداية الطريق وعلى أبواب المعرفة أو الذين يحلمون ويمنعهم الخوف أو تمنعهم الرهبة أو يثبطهم عدم الحافز
والأهم أن الموانع قصدت بها التى تمنع الإنسان من داخله عن القراءة ولم أتطرق للموانع الخارجية أو التى تسيطر على الوسط المحيط كدور الدولة ومؤسساتها ودور المجتمع كوحدة مؤثرة فهذا له مجال آخر وربما تعرضت له فى مقال مستقل
1
عدم إيمان القاريء بأهمية القراءة من البداية وعدم إيمانه من البداية بأهمية القراءة فى صناعة الشخصية وتكوينها وفى صنع الحضارات وفى تقدم الإنسان وتقدم مجالات حياته كلها اجتماعيا وسياسيا إلخ
2
عدم إيمانه بأن القراءة هى مطلب ديني وأن من يقرأ يأخذ ثواب القراءة وأن من لا يقرأ يأخذ وزر عدم القراءة ، حتى أن القراءة قد تتحول إلى فرض واجب التنفيذ ويكفينا أن نعرف أن أول كلمة فى القرآن كانت القراءة وأن أول فعل أمر نزل فى القرآن كان ( اقرأ )
3
عدم معرفة تاريخ القراءة ، فتاريخ كل شيء يعطيك نبذة مهمة عنه وعن أهميته وعن ثمرته ، وحينما يحدثنا القرآن عن تعلم أبينا آدم عليه السلام قبل هبوطه الأرض وبعد نفخ الروح ( وعلم آدم الأسماء كلها ) ، نؤمن أن العلم والمعرفة والقراءة كرافد مهم لهما من حيثيات التفضيل والتكريم لبنى آدم ما منحته مكانته وسجود الملائكة له بأمر ربه إيذانا بأن العلم هو سبب التفضيل ، وأن إعمار الإنسان لنفسه وللأرض لن يكون دونهم
4
عدم التفرقة بين القراءة المتخصصة فى علم معين وبين القراءة العامة
5
عدم الربط بين أمرين لحل معادلة يجهلها الكثير وهى كيف يكون القارئ تلميذا للكاتب ويكون ناقدا له ، وربما يبدأ القارئ القراءة ويعتبر نفسه تلميذا للكاتب حتى ولو كان القارئ فى الحقيقة أستاذا له ، وحينما يبدأ القارئ قراءة جملة بعين التلميذ سيحاول جهده أن يتعلم مقصود الجملة دون تكبر يفضى به إلى التجاهل وعدم إعطاء الفرصة ليفهم مراد الكاتب من جملته ، لكن فى ذات الوقت على القارئ أن يعرف أنه تلميذ مؤقت لأن النص سرعان ما يمر بمراحله فيحول القارئ لناقد مبصر وربما أستاذ محلل للكتاب
6
أن يأخذ القارئ توجها معاديا أو مناصرا للكاتب
فحينما يأخذ القاريء توجها معاديا للكاتب قبل القراءة لا يعطى نفسه الفرصة الكافية لتمر القراءة بمراحلها المعتادة أو ربما منعه هذا التوجه لعدم القراءة له أصلا وهنا لا يكون معاداته للكاتب وإنما للكلمة ، فربما كاتب تكرهه أو تأخذ منه موقفا معاديا يفيدك فى كتابه ولو بجملة قد تغير حياتك
وحينما يأخذ القارء توجها مناصرا للكاتب وقد تصل لحد التبعية العمياء والولاء المطلق فيمنع عن نفسه أن يأخذ بمراحل مهمة فى القراءة خاصة مراحلها الأخيرة من استنباط وتحليل ونقد وهنا يتحول القارئ لما يشبه التابع الإمعة فيضيع على نفسه أهمية القراءة من وجهين ، أولهما أن يمنع عن نفسه الإستفادة من الكاتب المحبب لديه لا تمر القراءة بمراحلها حتى النهاية فيخرج دون استفادة حقيقية ، ثم قد يتصور لتبعيته المطلقة للكاتب أن كل من يختل مع كاتبه هو عدو له تحظر القراءة له
7
حصر القارء نفسه فى مجالات محدودة ومعينة من القراءة وتكون النتيجة أن شخصيته الثقافية لن تكون مكتملة بما يحفز الآخرين للقراءة ، فان كانت القراءة المتخصصة فى علم ليست من تخصص القاريء غير مرغوب فيها إلا أن للعقل الصحي غذاء كالجسد ، فكما أن الجسد يحتاج لأنواع مختلفة من الأغذية من بروتينات ونشويات ودهنيات وفيتامينات ومعادن وهواء وشمس الخ فكذلك العقل يحتاج لأن يغذيه القارء بالقراءة العامة فتكون متعددة متنوعة
8
عدم معرفة الغرض من القراءة : كأن تقرأ لتعرف معلومة معينة أو من أجل فقرة معينة أو لتتعرف على محتوى كتاب معين
أو هل الغرض من القراءة أن تقرأ الكتاب لاستخلاص معلومات محددة فى موضوع معين تحتاجه فتحاول أن تستخلص ما فى الكتاب من أجل موضوع بحثك عن طريق القراءة المتأنية
أو هل تقرأ من أجل أن تستوعب ما فى الكتاب بتفاصيله فتتأمله بعمق ثم تحلل عناصره حتى تصل به إلى مرحلة النقد وتمريره بما احتوت ثقافتك وذاكرتك وخبرتك وعندها يتحول الكتاب بعد نقده وتحليله وإبداء الرأي إلى جزء واع من مكونات الثقافة لديك وجزء من شخصيتك
9
عدم معرفتك العلاقة بين القراءة والمعرفة وهل القراءة بالنسبة لى كقاريء هى رافد معرفي وماذا تعنى المعرفة بالنسبة لى
10
عدم معرفة القاريء الإجابة على السؤال التالى : لماذا أقرأ ؟ سؤال مهم فهل اقرأ للمعرفة أم اقرأ دون هدف ، وهل القراءة مجرد تسلية أو هل اقرأ لأتفاخر بالقراءة أم أن هناك سبب محفز وداع للقراءة أو هل هى للمتعة فى ذاتها
11
عدم إلمام القاريء بمراحل القراءة ، بمعنى ما هى المراحل التى تمر بها القراءة حتى تصبح رافد معرفي يكون فكرى وشخصيتى وحياتى
حيث تبدأ مراحل القراءة
ا - بالتعرف على كلمات النص سواء بالتمثيل البصري أو السماعي
ب - ثم الفهم ويكون
بفهم الكلمات المكونة للجملة ثم فهم الجملة وفهم النص ثم فهم الفقرة ثم ربط الفقرات بعضها البعض حتى تصل لفهم عام للكتاب
ج - المعايشة بمعنى أن يتحول الفهم إلى إلى ما يشبه المعايشة الوجدانية ويعرفها القارئ بأن يشعر أنه معتقل اعتقالا لحظيا ومختطف من عامله إلى عالم مفردات كتابه
د - ربط المعلومات المخزنة فى ذهن القارئ بما فهمه من الكتاب
هـ - مرحلة المقارنة بما فهمه من معلومات بمخزونه الذهني
و - ثم تخزين المعلومات بعد ربطها ومقارنتها فى ذاكرة القارئ ومن ثم تتحول إلى مخزون معرفى يتم استدعاؤه متى شاء ومتى استدعت الضرورة ذلك
ز - مرحلة النقد وإبداء الرأي بعد أن يتحول الكتاب لجزء من ذاكرة القارئ وهنا تتحول ملكية مضمون الكتاب من الكاتب للقارئ
ح - مرحلة التطبيق العملي كنتيجة وثمرة للقراءة كرافد معرفي
12
أن تنشغل كقاريء فى قراءة تفاصيل تخصصات علمية مختلفة غير تخصصك دون سبب ملزم ودون حاجة لذلك فتجهد نفسك وعقلك وتضيع وقتك فيما لا طائل منه ، كمن لم يدرس الطب فبدلا من أن يقرأ عن الأيض (التمثيل الغذائي فى الخلية البشرية) قراءة معرفية ، يجلس ليحفظ التفاعلات الأيضية بتفاصيلها التى بالطبع لن تعود عليه بالنفع ، والنتيجة الحتمية أن تكون القراءة فى هذه الحالة من العلم الذى لا ينفع وهو منهي عنه وتنتهى القراءة دون أن يصل لثمرتها من المعرفة غير المؤهل لها إلى جانب أنه يمنع عن نفسه وقتا كان أجدى أن يقضيه مع القراءة المثمرة
13
أن تقرأ كقاريء كتابا يتناول علما أو مجالا لم تتعلم مبادئه الأساسية ولا تعريفاته الأولية ولا حتى فكرة عامة عنه فما تلبث أن تتوه بين أفكاره وكلماته ومصطلحاته ربما مع أول صفحاته فتزهد فيه وقد ينعكس هذا الإحساس على مجمل القراءة إما نفسيا وإما لأننا نعيش فى عصر تداخلت فيه العلوم والمعارف فما من علم إلا ويتطرق بشكل أو بآخر إلى علوم مختلفة ، فما يلبث أن يتحول الزهد إلى عزوف ثم إهمال فترك
14
عدم قدرة القارئ على فهم المادة المقروءة وعجزه عن طرق الفهم لديه وأن يسهل ذلك بالربط والتنظيم والتفصيل والخ
15
عدم قدرة القارئ على تحويل الكتاب من مرحلة الفهم إلى مرحلة الاستنباط
16
عدم معرفة القارئ بآليات الحفظ فيما يحتاج لحفظ لأن الحفظ هو حلقة الوصل بين العلم والتذكر
17
عدم تهيئة المناخ للقراءة وهذا يعتمد على طبيعة القارئ ونفسيته ، بمعنى هل أجيد القراءة فى المناخ الهادئ أم الصاخب ، هل اقرأ بشكل أفضل فى الأماكن المغلقة أم المفتوحة ، فى الأضواء الساطعة أو على ضوء ( أباجورة ) مثلاأو هل يجيد القراءة ليلا أم نهارا وهكذا
18
تهيئة النفسية : فالقراءة عمل عقلي ذهني يحتاج إلى إيجاد حالة نفسية تتهيأ للتركيز ، فالإنسان الذى يعيش مشكلة ما تأخذ تفكيره وعقله تشتت قدرته على التركيز فى القراءة
19
غالبا هناك عدة قراءات للكتاب بما يأخذه القارئ من قراءته الأولى تختلف عن الثانية وتختلف عن الثالثة فلا يظن القارئ أن القراءة الأولى التى لم تمر بعد بمراحل القراءة ستكون هى ذاتها القراءة الثانية أو الثالثة للكتاب ، فمقدرة القارئ على الفهم والإستنباط والتحليل والنقد واستخراج الجديد يزاداد بازدياد عدد مرات القراءة
20
القراءة كأحد أهم روافد المعرفة إذا لم تتحول فى نهايتها كثمرة لها لواقع فهى تقف عند منتصف الطريق الذى لا يسمن ولا يغنى من جوع ، ومثالها كمن زرع شجرة ليقطف فى النهاية ثمرها فأحرق أغصانها وأزهارها وتركها جذعا ، فلا انتفع بظلها ولا أكل ثمارها ، ولعل هذه المشكلة وهذا المفهوم أهم عائق على طريق المعرفة أو الإنتفاع بها ومن ثم تتحول إلى أمر لا يحبب الناس البسطاء فى قيمة القراءة وأهمية المعرفة وهى بالطبع من موانع القراءة المهمة والناعمة أي التى تؤثر فى منع إنتشار القراءة دون أن يعيها البعض وربما الكثيرون
بقلم / دكتور أحمد كلحي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ