الثلاثاء، 30 أغسطس 2016

قسم المقالات : العقل ومفتاحه

العقل ومفتاحه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عاد من عمله حاملا هموم يوم شاق ، لم يكن كعادته مبتسما ، وبعد لحظات من الاستغراق أراد أن يقرأ بعضا من آي الذكر الحكيم لعل همومه تزول، توضأ وفتح المصحف على سورة الملك وتوجهت عيناه إلى الآية 10 (وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير) عاش فى معنى الآية بكل إحساسه ، الآية هنا تنفى العذاب على من يعقل ، الآية واضحة صريحة لا لبس فيها ، الآية تبين أن أصحاب السعير لو عقلوا واستعملوا عقولهم التى لا تحتاج لذكاء خارق وإنما مجرد التعقل لأبصروا حقائق الأمور ببساطة وسهولة ويسر دون مشقة 
أعد فنجان قهوته بيده وجلس قرب النافذة والسماء تتلألأ بنجومها واستغرق فى التأمل ، علم أن العاقل لا يضيع آخرته بدنياه ، وعلم أن العاقل اللبيب سيصل للإيمان يقينا إن هو تفكر بصدق ، تساءل مع نفسه ، هل البعد عن السعير صعب المنال ؟ يسأل نفسه وهو ينظر إلى النجوم ، هل مجرد أن أعرف بأدنى درجات العقل فى لحظات الصدق مع النفس أن الإيمان بالله لا بد منه وهل حينما أصل لهذه الحقيقة هل مجرد اعتقاد القلب بذلك وإيجاد العقيدة بمجرد اليقين هل هو صعب ، إنه أمر سهل ميسر ، وهل حينما أصلى أو أصوم النهار هل هو عمل شاق صعب التنفيذ ، هو أمر سهل ميسر ، فالعقل علم الصواب من الخطأ ، ثم يأتى الدور على مفتاح الجنة بعد معرفة قدرها وأهميتها بالعقل يأتى المفتاح بتأكيد اليقين ثم بالعمل 
قام إلى مكتبه وفتح جهاز الكمبيوتر خاصته وعبر الإنترنت بحث عن كلمات دالة على أهمية العقل فى القرآن الكريم ووجد الآتى عن كلمة أولو الألباب ومعناها أصحاب العقول العاقلة 
فالعاقلون هم أصحاب التذكر والهدى والتعلم من دروس السابقين وهم أيضا أصحاب التأمل والتفكر والتدبر ، وهم أيضا أصحاب التطبيق العملي الناجح لمجريات الحياة الفردية والإجتماعية فتأملها ووجدها من كلمة واحدة فقط تدل على العقل :
- ( وما يذكر إلا أولو الألباب ) البقرة آية 269 ، وآل عمران الأية 7
- ( إنما يتذكر أولو الألباب ) الرعد الآية 19
- ( وليعلموا أنما هو إله واحد وليذكر أولو الألباب ) إبراهيم الآية 52
- ( إنما يتذكر أولو الألباب ) الزمر الآية 9
- ( ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب ) ص الأية 29
- ( أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب ) الزمر الآية 18
- ( فاتقوا الله يا أولى الألباب لعلكم تفلحون ) المائدة الآية 100
- ( وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولى الألباب ) البقرة الأية 197
- ( فاتقوا الله يا أولى الألباب الذين آمنوا ) الطلاق الآية 10
- ( هدى وذكرى لأولى الألباب ) غافر الآية 54
- ( إن فى ذلك لذكرى لأولى الألباب ) الزمر الآية 21
- ( وذكرى لأولى الألباب ) ص الآية 43
- ( ولكم فى القصاص حياة يا أولى الألباب لعلكم تتقون ) البقرة الآية 179
- ( لقد كان فى قصصهم عبرة لأولى الألباب ) يوسف الآية 111
كل هذه المعانى تدور حول العقل وأصحاب العقول العاملة 
لكن المدهش أن الحل بسيط سهل لأن الله لم يخلقنا فى الدنيا ليشق علينا وإنما نحن من نشق على أنفسنا 
الحكاية بسيطة ومثالها كباب مغلق له مفتاح أعطيناه أي المفتاح لشخص ما ووضعناه فى سلسلة مفاتيح تضم عددا من المفاتيح وقلنا له هذا هو مفتاح الباب أصغرهم أو أكبرهم ووضحنا له شكله ولونه أمام ناظريه وزيادة فى الحرص كتبنا عليه رقما وقلنا له أن مفتاح الباب المكتوب عليه رقم (1) وما عليك لتفتح الباب سوى أن تمسك بهذا المفتاح باتجاهه الصحيح وتضعه فى مكانه فى الباب فيفتح الباب بكل سهولة ويسر 
، هكذا صنع الباب لا يفتح إلا بمفتاحه هكذا صنعه النجار أو الشركة أو المصنع ، لكن لو حاول صاحبنا أن يتحايل ويفتح الباب بمفتاح آخر حتى ولو جاء بمفتاح ذهبي مرصع بالأحجار الكريمة فلن يفتح ، وقد يمسك بالمفتاح فى الاتجاه المخالف فلن يفتح ، وقد يمسك المفتاح باتجاهه الصحيح ويظل يبحث عن مكان الفتح فى الباب ويضيع يومه بحثا مع أن مكان المفتاح فى الباب واضح جلي ، وقد يضطر أن يفجر الباب بالديناميت ويفجر الحجرة والبيت ويفجر نفسه من أجل أن يفتح الباب ، بالطبع هذا قلة عقل لأننا أعطيناه المفتاح وعلمناه كيف يفتح لكنه استعمل الغباء أداة والإستغباء طريق حياة ثم يدعى أن فتح الباب شاق صعب وهو يسير سهل ميسر بسيط 
وهكذا الإنسان وهبه الله عقلا وعلمه بالعلم المباشر ثم بتجارب من سبقه ليجد أن كل محطات حياته فى الدنيا والأخرة سهلة جدا بسيطة جدا ميسرة جدا وواضحة جلية جدا جدا ولنأخذ أمثلة واقعية 
علمنا الإسلام أن الزواج يكون على أسس الدين والخلق لكنه الدين الشامل الحقيقي ليس المصطنع الدين الذى لا يقف صاحبه عند الصلاة والصيام والقيام والحج وكفى بل الدين الذى لا غش فيه ولا خداع ، لا نفاق فيه ولا رياء ، لا جور فيه ولا ظلم ، الدين الذى يحث صاحبه على الأمل والطموح والعمل فإن كان فقيرا فلن يألو جهدا فى الكفاح ، الدين الذى يعلم الناس رقة القلب وبشاشة الوجه وحسن العشرة ، هنا ما ذنب الإسلام وما تقصير الخالق ان هو أعطانا مفتاح الاختيار السهل وذهبنا نبحث عن المنصب والشكل والجاه والسلطان والعادات والتقاليد ثم تفشل الزيجات وندعوا على الحياة وعلى الدنيا والأمر كان واضحا جليا سهلا ميسرا بمفتاح واضح وضوح الشمس فى سماء صافية
والفلاح الذى لا يحرث أرضه ولا يضع السماد ولا يروى البذرة هى أمور سهلة مفتاح سهل واضح بغيره لن ينبت الزرع ولا تجنى الثمار 
وعلى مستوى الدولة 
علمنا الإسلام وعلمتنا تجارب الأمم أن الأمم لا تنهض دون أسس ثابتة : حرية مشاركة عدل وعدالة ومساواة ومساءلة وتبادل للسلطة ، حق وحقيقة ثوابت سهلة جدا بسيطة جدا تحقيقها ميسر جدا تجعل الأمم تسير فى نهضتها بسرعة الصاروخ بل بسرعة الضوء ، هذا هو مفتاح حياة الدول على مستوى الدولة ، فما ذنب الحياة حينما تصعبها دولة ما على نفسها فلا حرية ولا عدالة ولا مشاركة ولا مساءلة وحينما تتعثر نقول ما أصعب هذا مع أن هذا هو المفتاح لن يفتح باب النهضة دونه ، والسبب أن هذه قوانين وضعها الخالق فى كونه لن تتغير ولن تتبدل لأن هذا أو ذاك يريد غيرها  
حتى تقنع غيرك بأمر ما لا بديل عن الحوار الراقى والاستماع والنصح بلين وحكمة وتقبل النقد حتى على مستوى عداوة من تحاور ( كأنه ولي حميم ) هذه مفاتيح الحياة سواء على مستوى محطاتها أو حتى مجرد مشكلة ما لو جلست بهدوء وتعقل وفكرت فيها وحللت أجزائها وفندت أوراقها وقستها على قوانين الحياة وتجارب السابقين ومعطيات المشكلة ستجد حلها بكل سهولة ويسر وبساطة
نعم خلقنا الله وأعطانا عقلا ومفتاحا ونادانا أن نفتح الطريق نحو السعادة الدائمة الخالدة السرمدية ، أفلح من عقل وفتح باب سعادته ، وخاب من أعرض وأبى أو من استغبى وفجر نفسه وهو يفتح باب نجاته 

بقلم / د. أحمد كلحي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ