الأحد، 23 ديسمبر 2012

موسوعة إعراب القرآن الكريم : إعراب سورة هود من الآية 25 إلى الآية 44

إعراب سورة هود من الآية 25 إلى الآية 44




 
.إعراب الآيات (25- 27):{وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (25) أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ (26) فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما نَراكَ إِلاَّ بَشَراً مِثْلَنا وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ (27)}.
الإعراب:
الواو استئنافيّة اللام لام القسم لقسم مقدّر (قد) حرف تحقيق (أرسلنا) فعل ماض مبنيّ على السكون.. و(نا) ضمير فاعل (نوحا) مفعول به منصوب (إلى قوم) جارّ ومجرور متعلّق ب (أرسلنا)، والهاء ضمير مضاف إليه (إنّ) حرف مشبّه بالفعل والياء ضمير في محلّ نصب اسم إنّ اللام حرف جرّ و(كم) ضمير في محلّ جر متعلّق ب (نذير) وهو خبر إنّ مرفوع (مبين) نعت لنذير مرفوع.
جملة: (أرسلنا...) لا محلّ لها جواب قسم مقدّر.. وجملة القسم وجوابها لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: (إنّي لكم نذير...) في محلّ نصب مقول القول لقول مقدّر.. والقول المقدّر حال من (نوحا).
(أن) حرف تفسير، (لا) ناهية جازمة (تعبدوا) مضارع مجزوم وعلامة الجزم حذف النون.. والواو فاعل (إلّا) أداة حصر (اللّه) لفظ الجلالة مفعول به منصوب (إنّي) مثل الأول (أخاف) مضارع مرفوع، والفاعل ضمير مستتر تقديره أنا (عليكم) مثل لكم متعلّق ب (أخاف)، (عذاب) مفعول به منصوب (يوم) مضاف إليه مجرور (أليم) نعت ليوم مجرور.
وجملة: (لا تعبدوا...) لا محلّ لها تفسيرية.
وجملة: (إنّي أخاف...) لا محلّ لها تعليليّة.
وجملة: (أخاف...) في محلّ رفع خبر إنّ.
الفاء عاطفة (قال) فعل ماض (الملأ) فاعل مرفوع (الذين) اسم موصول مبنيّ في محلّ رفع نعت للملأ، (كفروا) فعل ماض وفاعله (من قوم) جارّ ومجرور متعلّق بحال من فاعل كفروا والهاء مضاف إليه (ما) نافية (نرى) مضارع مرفوع وعلامة الرفع الضمّة المقدّرة على الألف، والفاعل ضمير مستتر تقديره نحن والكاف ضمير مفعول به (إلّا) أداة حصر (بشرا) مفعول به ثان منصوب، (مثل) نعت ل (بشرا) منصوب و(نا) ضمير مضاف إليه، الواو عاطفة (ما نراك) مثل الأولى (اتّبع) فعل ماض والكاف مفعول به (إلّا) مثل الأولى (الذين) موصول في محلّ رفع فاعل، (هم) ضمير منفصل مبنيّ في محلّ رفع مبتدأ (أراذل) خبر مرفوع و(نا) ضمير مضاف إليه (بادي) ظرف زمان منصوب متعلّق ب (اتّبع)، (الرأي) مضاف إليه مجرور الواو عاطفة (ما نرى) مثل الأولى (لكم) مرّ إعرابه متعلّق بمحذوف مفعول به ثان ل (نرى)، (على) حرف جرّ و(نا) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بمحذوف حال من فضل- نعت تقدّم على المنعوت- (من) حرف جرّ زائد (فضل) مجرور لفظا منصوب محلّا مفعول به أوّل (بل) حرف إضراب (نظنّكم) مثل نراك، والضمّة ظاهرة (كاذبين) مفعول به ثان منصوب وعلامة النصب الياء.
وجملة: (قال الملأ...) لا محلّ لها معطوفة على جملة القسم المقدّرة.
وجملة: (كفروا...) لا محلّ لها صلة الموصول (الذين).
وجملة: (ما نراك (الأولى) في محلّ نصب مقول القول.
وجملة: (ما نراك (الثانية) في محلّ نصب معطوفة على جملة مقول القول.
وجملة: (اتّبعك إلّا الذين...) في محلّ نصب مفعول به ثان ل (نراك) الثانية.
وجملة: (هم أراذلنا...) لا محلّ لها صلة الموصول (الذين).
وجملة: (ما نرى....) في محلّ نصب معطوفة على جملة مقول القول.
وجملة: (نظنّكم كاذبين) لا محلّ لها استئنافيّة.
الصرف:
(أراذل)، جمع أرذل- بضمّ الذال- وهو جمع رذل- بسكونها- صفة مشتقّة غلبت عليها الاسميّة ولا يكاد يذكر الموصوف معها، كالأبطح والأبرق. وقيل (أراذل) هو جمع أرذل زنة أكبر فهو ليس جمع الجمع، ووزن أراذل أفاعل.
(بادي)، إمّا من فعل بدأ وزنه فاعل أي بادئ ثمّ خفّفت الهمزة فانقلب ياء لانكسار ما قبله.. أو هو من فعل بدا يبدو وزنه فاعل، وفيه إعلال بقلب الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها أصله بادو.. وفي كلا الاعتبارين هو مصدر مثل العافية والعاقبة.
(الرأي)، وهو الرؤية بالعقل كما الرؤية بالعين.. انظر الآية (13) من سورة آل عمران.
البلاغة:
التعريض: في قوله تعالى: (فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما نَراكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ). وغرضهم هنا منه التعريض بأنهم أحق منه بالنبوة وأن اللّه لو أراد أن يجعلها في أحد لجعلها فيهم، وقد زعم هؤلاء أنهم يحجون نوحا من وجهين: أحدهما أن المتبعين أراذل ليسوا قدوة ولا أسوة، والثاني أنهم مع ذلك لم يتروّوا في اتباعه، ولا أمعنوا الفكرة في صحة ما جاء به، وإنما بادروا إلى ذلك ارتجالا وفي غير فكرة ولا رويّة.
الفوائد:
- (أن) وما فيها من وجوه الإعراب:
ورد في هذه الآية قوله تعالى:
{أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ} (أن) في هذه الآية، فيها ثلاثة أوجه، سنوردها ونبين ما يترتب على ما بعدها من إعراب:
1- أن: حرف تفسير، ولا ناهية جازمة، والفعل بعدها مجزوم.
2- أن: مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن، ولا ناهية جازمة، والفعل بعدها مجزوم. والتقدير أنه لا تعبدوا إلا اللّه.
3- أن حرف ناصب، ولا نافية لا عمل لها، والفعل تعبدوا منصوب بأن.
.إعراب الآيات (28- 31):
{قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوها وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ (28) وَيا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مالاً إِنْ أَجرِيَ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ وَما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ (29) وَيا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (30) وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْراً اللَّهُ أَعْلَمُ بِما فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ (31)}.
الإعراب:
(قال) فعل ماض، والفاعل هو (يا) أداة نداء (قوم) منادى مضاف منصوب وعلامة النصب الفتحة المقدّرة على ما قبل الياء المحذوفة والياء المحذوفة للتخفيف مضاف إليه الهمزة للاستفهام (رأيتم) فعل ماض مبنيّ على السكون.. و(تم) ضمير فاعل بمعنى أخبروني، ومفعول رأيتم محذوف دلّ عليه لفظ البيّنة بعد الشرط أي أرأيتم البيّنة (إن) حرف شرط جازم (كنت) فعل ماض ناقص في محلّ جزم فعل الشرط.. والتاء اسم كان (على بيّنة) جارّ ومجرور خبر كنت (من ربّ) جارّ ومجرور نعت لبيّنة والياء ضمير مضاف إليه الواو عاطفة (آتى) فعل ماض مبنيّ على الفتح المقدّر على الألف والنون للوقاية والياء ضمير مفعول به، والفاعل هو (رحمة) مفعول به ثان منصوب (من عند) جارّ ومجرور نعت لرحمة والهاء ضمير مضاف إليه الفاء عاطفة (عمّيت) فعل ماض مبنيّ للمجهول.. والتاء للتأنيث، ونائب الفاعل ضمير مستتر تقديره هي- أي البيّنة- (على) حرف جرّ و(كم) ضمير في محلّ جرّ متعلّق ب (عمّيت)، الهمزة للاستفهام (نلزم) مضارع مرفوع و(كم) ضمير مفعول به والواو زائدة هي حركة إشباع الميم و(ها) ضمير مفعول به ثان. والفاعل نحن للتعظيم الواو واو الحال (أنتم) ضمير منفصل مبني في محلّ رفع مبتدأ اللام حرف جرّ و(ها) ضمير في محلّ جرّ متعلّق ب (كارهون) وهو خبر المبتدأ مرفوع وعلامة الرفع الواو.
جملة: (قال...) لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: (يا قوم...) في محلّ نصب مقول القول.
وجملة: (أرأيتم...) لا محلّ لها جواب النداء.
وجملة: (كنت على بيّنة...) لا محلّ لها اعتراضيّة وقعت بين الفعل ومفعوله.. وجواب الشرط محذوف دلّ عليه ما قبله.
وجملة: (آتاني رحمة...) لا محلّ لها اعتراضيّة بين جملة كنت على بيّنة وجملة عمّيت المعطوفة عليها.
وجملة: (عمّيت عليكم) لا محلّ لها معطوفة على جملة كنت على بيّنة.
وجملة: (أنلزمكموها) في محلّ نصب مفعول به ثان ل (رأيتم).
وجملة: (أنتم لها كارهون) في محلّ نصب حال من ضمير الخطاب مفعول الفعل.
الواو عاطفة (يا قوم) مثل الأولى (لا) نافية (أسأل) مضارع مرفوع و(كم) ضمير مفعول به، والفاعل أنا (عليه) مثل عليكم متعلّق بحال من (مالا) وهو مفعول به ثان منصوب (إن) حرف نفي (أجري) مبتدأ مرفوع وعلامة الرفع الضمّة المقدرة على ما قبل الياء.. والياء مضاف إليه (إلّا) أداة حصر (على اللّه) جارّ ومجرور خبر المبتدأ الواو عاطفة (ما) نافية عاملة عمل ليس (أنا) ضمير منفصل في محلّ رفع اسم ما الباء حرف جرّ زائد (طارد) مجرور لفظا منصوب محلّا خبر ما (الذين) موصول في محلّ جرّ مضاف إليه (آمنوا) فعل ماض مبنيّ على الضمّ.. والواو فاعل (إنّ) حرف مشبّه بالفعل- ناسخ- و(هم) ضمير في محلّ نصب اسم إنّ (ملاقو) خبر إنّ مرفوع وعلامة الرفع الواو، وحذفت النون للإضافة (ربّهم) مضاف إليه مجرور.. والهاء مضاف إليه، والميم لجمع الذكور الواو عاطفة (لكنّ) حرف مشبّه بالفعل للاستدراك والياء ضمير في محلّ نصب اسم لكنّ (أرى) مضارع مرفوع وعلامة الرفع الضمّة المقدّرة على الألف و(كم) ضمير مفعول به، والفاعل أنا (قوما) مفعول به ثان منصوب (تجهلون) مضارع مرفوع.. والواو فاعل.
وجملة: (يا قوم...) في محلّ نصب معطوفة على جملة النداء الأولى.
وجملة: (لا أسألكم...) لا محلّ لها جواب النداء.
وجملة: (أن أجري...) لا محلّ لها تعليليّة.
وجملة: (ما أنا بطارد...) لا محلّ لها معطوفة على جملة جواب النداء.
وجملة: (آمنوا) لا محلّ لها صلة الموصول (الذين).
وجملة: (إنّهم ملاقو...) لا محلّ لها تعليلية لعدم الطرد.
وجملة: (لكنّي أراكم...) لا محل لها معطوفة على التعليليّة الثانية أو على جملة جواب النداء المعطوفة ما أنا بطارد.
وجملة: (أراكم...) في محلّ رفع خبر لكنّ.
وجملة: (تجهلون) في محلّ نصب نعت ل (قوما).
الواو عاطفة (يا قوم) مثل الأولى (من) اسم استفهام مبنيّ في محلّ رفع مبتدأ (ينصر) مضارع مرفوع والنون نون الوقاية والياء ضمير مفعول به (من اللّه) جارّ ومجرور متعلّق ب (ينصر) بتضمينه معنى يمنع ويحمي (أن) حرف شرط جازم (طردت) فعل ماض مبنيّ على السكون في محلّ جزم فعل الشرط.. والتاء فاعل و(هم) ضمير مفعول به الهمزة للاستفهام الفاء عاطفة (لا) نافية (تذكّرون) مثل تجهلون وقد حذف إحدى التاءين للتخفيف.
وجملة النداء: (يا قوم) في محلّ نصب معطوفة على جملة النداء الأولى.
وجملة: (من ينصرني...) لا محلّ لها جواب النداء.
وجملة: (ينصرني...) في محلّ رفع خبر المبتدأ (من).
وجملة: (طردتهم) لا محلّ لها استئناف بيانيّ.. وجواب الشرط محذوف دلّ عليه الكلام المتقدّم.
وجملة: (تذكّرون) لا محلّ لها معطوفة على جملة مقدّرة مستأنفة أي أتجهلون فلا تذكّرون...
الواو عاطفة (لا أقول) مثل لا أسأل (لكم) مثل لها متعلّق ب (أقول)، (عندي) ظرف منصوب وعلامة النصب الفتحة المقدّرة على ما قبل الياء، متعلّق بمحذوف خبر مقدّم، والياء مضاف إليه (خزائن) مبتدأ مؤخّر مرفوع (اللّه) لفظ الجلالة مضاف إليه مجرور الواو عاطفة (لا أقول) مثل لا أسأل (إنّي) مثل إنّهم (ملك) خبر إنّ مرفوع الواو عاطفة (لا أقول) مثل لا أسأل اللام حرف جرّ (الذين) اسم موصول مبنيّ في محلّ جرّ متعلّق ب (أقول)، (تزدري) مضارع مرفوع وعلامة الرفع الضمّة المقدّرة على الياء (أعين) فاعل مرفوع و(كم) ضمير مضاف إليه، والعائد محذوف أي تزدريهم (لن) حرف ناصب وناف (يؤتي) مضارع منصوب و(هم) ضمير مفعول به (اللّه) لفظ الجلالة فاعل مرفوع (خيرا) مفعول به ثان منصوب (اللّه) لفظ الجلالة مبتدأ مرفوع (أعلم) خبر مرفوع الباء جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف صلة ما و(هم) مضاف إليه (إنّي) مثل إنّهم (إذا) حرف جواب لا عمل له اللام هي المزحلقة (من الظالمين) جارّ ومجرور متعلّق بخبر إنّ.
وجملة: (لا أقول (الأولى)...) لا محلّ لها معطوفة على جملة جواب النداء الأول أو الثاني (لا أسألكم).
وجملة: (عندي خزائن...) في محلّ نصب مقول القول.
وجملة: (لا أعلم...) لا محلّ لها معطوفة على جملة لا أقول.
وجملة: (لا أقول (الثانية) لا محلّ لها معطوفة على جملة لا أقول الأولى.
وجملة: (إنّي ملك) في محلّ نصب مقول القول الثاني.
وجملة: (لا أقول (الثالثة) لا محلّ لها معطوفة على جملة لا أقول الأولى.
وجملة: (تزدري أعينكم...) لا محلّ لها صلة الموصول (الذين).
وجملة: (لن يؤتيهم اللّه...) في محلّ نصب مقول القول الثالث.
وجملة: (اللّه أعلم...) لا محلّ لها اعتراضيّة.
وجملة: (إنّي.. لمن الظالمين) لا محلّ لها تعليليّة.
الصرف:
(طارد)، اسم فاعل من (طرد) الثلاثيّ، وزنه فاعل.
(تزدري)، فيه إبدال التاء دالا وأصله تزتري، جاءت التاء بعد الزاي قلبت دالا، وكذا شأن التاء في كلّ حال تأتي بعد الزاي، وزنه تفتعل.
البلاغة:
الاستعارة التبعية: في قوله تعالى: (فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ) أي أخفيت، حيث شبه خفاء الدليل بالعمى، في أن كلا منهما يمنع الوصول إلى المقاصد. وقيل: الكلام على القلب، والأصل فعميتم عنها، كما تقول العرب: أدخلت القلنسوة في رأسي، ومنه قول الشاعر:
ترى الثور فيها يدخل الظل رأسه

وقوله تعالى: (فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ) وفي هذه الآيات فن رفيع من فنون البديع، وهو الجمع مع التقسيم. وهو أن يجمع المتكلم بين شيئين أو أكثر، ثم يقسم ما جمع. وفي هذه الآيات رد على ما أورده من شبه، حيث قالوا (ما نَراكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ) فرد عليهم ردا يمكن إرجاعه إلى ما أوردوه من شبه، فكأنه يقول: إن كان نفيكم الفضل عني متعلقا بفضل المال والجاه، فأنا لم أدّعه، ولم أقل لكم إن خزائن اللّه عندي حتى تنازعوني في ذلك وتنكروه.
الفوائد:
1- الكلمة الموحية:
ورد في هذه الآية قوله تعالى:
{أَنُلْزِمُكُمُوها} وقد جاءت هذه الكلمة في سياق خطاب نوح عليه الصلاة والسلام إلى قومه، وقد أعرضوا عن الهدى، وصممّوا على رفض الهدى والإسلام، لذا فإن نوحا عليه الصلاة والسلام أحس بالصعوبة الشديدة في إبلاغهم الهداية، بل هي مستحيلة، وكأنك ترغم إنسانا على شيء وهو كاره له نافر منه، فجاءت كلمة (أنلزمكموها) بلفظها المديد أولا، وقد حشر فيها الضميران الكاف (وها)، وأشبعت حركة الميم التي هي ضمة فأصبحت واوا ثانيا، وورود الاستفهام الاستنكاري في بدايتها ثالثا، وجرس حروفها وإيقاعها رابعا، لتتضافر هذه العوامل، وترسم معنى الإكراه ومحاولة إبلاغ الشيء بصعوبة شديدة إلى من يرفضه ويأباه، ولو وضعنا بديلا عنها أنلزمكم إياها لتلاشى ذلك الجرس والإيقاع الذي كان لها، وضعفت فيها القوة التي كانت تؤديها فهذا سرّ من أسرار الإعجاز، وهو أن كلام اللّه عز وجل- بتنسيقه وتأليفه وترتيبه واختياره- يتميز بروح قوية سارية تمنحه قوة وحيوية، وتميزه عن كلام البشر، فيغدو الفرق بعيدا بعيدا بين كلام الخالق والمخلوق، كالفرق بين تمثال أصم جامد وبين بشر ناطق عاقل حيّ.
2- الأنبياء أفضل أم الملائكة؟
ورد في هذه الآية قوله تعالى على لسان نوح عليه الصلاة والسلام: (وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ). وقد استدل بعضهم بهذه الآية على تفضيل الملائكة على الأنبياء قال: لأن نوحا عليه الصلاة والسلام قال: (وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ) لأن الإنسان إذا قال أنا لا أدعي كذا وكذا لا يحسن إلا إذا كان ذلك الشيء أفضل وأشرف من أحوال ذلك القائل، فلما قال نوح عليه الصلاة والسلام هذه المقالة وجب أن يكون الملك أفضل منه. والجواب: أن نوحا عليه الصلاة والسلام، قال هذه المقالة في مقابلة قولهم ما نَراكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا، لما كان في ظنهم أن الرسل لا يكونون من البشر إنما يكونون من الملائكة، فأعلمهم بأن هذا ظن باطل وأن الرسل إلى البشر إنما يكونون من البشر، فلهذا قال سبحانه وتعالى: (وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ) ولم يرد أن درجة الملائكة أفضل من درجة الأنبياء.
.إعراب الآية رقم (32):{قالُوا يا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (32)}.
الإعراب:
(قالوا) فعل ماض مبنيّ على الضمّ.. والواو فاعل (يا) حرف نداء (نوح) منادى مفرد علم مبنيّ على الضمّ في محلّ نصب (قد) حرف تحقيق (جادلت) فعل ماض وفاعله و(نا) ضمير مفعول به الفاء عاطفة (أكثرت) مثل جادلت (جدال) مفعول به منصوب و(نا) ضمير مضاف إليه الفاء رابطة لجواب شرط مقدّر (ائت) فعل أمر مبنيّ على حذف حرف العلّة، والفاعل ضمير مستتر تقديره أنت (نا) مفعول به الباء حرف جر (ما) اسم موصول مبنيّ في محلّ جرّ متعلّق ب (ائت)، والعائد محذوف (تعد) مضارع مرفوع، والفاعل أنت و(نا) مفعول به (إن) حرف شرط جازم (كنت) فعل ماض مبنيّ على السكون في محلّ جزم فعل الشرط.. والتاء ضمير اسم كان (من الصادقين) جارّ ومجرور خبر كنت.
جملة: (قالوا...) لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: (النداء يا نوح...) في محلّ نصب مقول القول.
وجملة: (قد جادلتنا...) لا محلّ لها جواب النداء.
وجملة: (أكثرت...) لا محلّ لها معطوفة على جملة جواب النداء.
وجملة: (ائتنا....) في محلّ جزم جواب شرط مقدر أي: إن كنت صادقا في ما تقول فأتنا.
وجملة: (تعدنا) لا محلّ لها صلة الموصول (ما).
وجملة: (إن كنت من الصادقين) لا محلّ لها تفسير للشرط المقدّر..

.إعراب الآيات (33- 34):
{قالَ إِنَّما يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شاءَ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (33) وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (34)}.
الإعراب:
(قال) فعل ماض، والفاعل هو (إنّما) كافّة ومكفوفة (يأتي) مضارع مرفوع وعلامة الرفع الضمّة المقدّرة على الياء و(كم) ضمير مفعول به الباء حرف جرّ الهاء ضمير في محلّ جرّ متعلّق ب (يأتي)، (اللّه) لفظ الجلالة فاعل مرفوع (إن) حرف شرط (شاء) فعل ماض في محلّ جزم فعل الشرط، والفاعل هو، والمفعول محذوف أي شاء تعجيله لكم الواو واو الحال (ما) نافية عاملة عمل ليس (أنتم) ضمير منفصل في محلّ رفع اسم ما الباء حرف جرّ زائد زيد في الخبر (معجزين) منصوب محلا، مجرور لفظا وعلامة الجرّ الياء.
جملة: (قال...) لا محلّ لها استئناف بيانيّ.
وجملة: (يأتيكم به اللّه) في محلّ نصب مقول القول.
وجملة: (إن شاء...) لا محلّ لها اعتراضيّة، وجواب الشرط محذوف أي فإنّ أمره إلى اللّه.
وجملة: (ما أنتم بمعجزين) في محلّ نصب حال من ضمير الخطاب في يأتيكم.
الواو عاطفة (لا) نافية (ينفع) مضارع مرفوع و(كم) ضمير مفعول به (نصحي) فاعل مرفوع وعلامة الرفع الضمّة المقدّرة على ما قبل الياء.. والياء مضاف إليه (إن أردت) مثل إن شاء.. والتاء فاعل (أن) حرف مصدريّ ونصب (أنصح) مضارع منصوب، والفاعل أنا اللام حرف جرّ و(كم) ضمير في محلّ جرّ متعلّق ب (أنصح)، (إن كان) مثل كنت، (اللّه) لفظ الجلالة اسم كان مرفوع (يريد) مثل ينفع، والفاعل هو (أن يغوي) مثل أن أنصح و(كم) مفعول به (هو) ضمير منفصل مبنيّ في محلّ رفع مبتدأ (ربّكم) خبر مرفوع ومضاف إليه الواو عاطفة (إلى) حرف جرّ والهاء ضمير في محلّ جرّ متعلّق ب (ترجعون) وهو مضارع مبني للمجهول مرفوع.. والواو نائب الفاعل.
والمصدر المؤوّل (أن أنصح) في محلّ نصب مفعول به عامله أردت.
والمصدر المؤوّل (أن يغويكم) في محلّ نصب مفعول به عامله يريد.
وجملة: (لا ينفعكم نصحي) في محلّ نصب معطوفة على جملة يأتيكم به اللّه.
وجملة: (أردت...) لا محلّ لها استئنافيّة.. وجواب الشرط محذوف دلّ عليه ما قبله أي: فلا ينفعكم نصحي.
وجملة: (إن كان اللّه...) لا محلّ لها استئنافيّة.. وجواب الشرط محذوف دلّ عليه الشرط الأول وجوابه أي: إن كان اللّه يريد أن يغويكم فإن أردت أن أنصح لكم فلا ينفعكم نصحي.
وجملة: (أنصح...) لا محلّ لها صلة الموصول الحرفيّ (أن).
وجملة: (أن يغويكم) لا محلّ لها صلة الموصول الحرفيّ (أن) الثاني.
وجملة: (هو ربّكم) لا محلّ لها تعليليّة.
وجملة: (ترجعون) لا محلّ لها معطوفة على التعليليّة.
الصرف:
(نصح)، مصدر سماعيّ لفعل نصح ينصح باب فتح، وزنه فعل بضمّ الفاء، وثمّة مصادر أخرى هي نصح بفتح النون ونصاحة بفتح النون وكسرها، ونصاحية بفتح النون.
الفوائد:
- اعتراض شرط على آخر:
ورد في هذه الآية الكريمة شرطان، وهو قوله تعالى:
{وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} قال ابن هشام: في هذه الآية نظر، إذ لم يتوال شرطان وبعدهما جواب، كما في قول الشاعر:
إن تستغيثوا بنا إن تذعروا تجدوا ** منا معاقيل عزّ زانها كرم

إذ الآية الكريمة لم يذكر فيها جواب، وإنما تقدم على الشرطين ما هو جواب في المعنى للشرط الأول، فينبغي أن يقدر إلى جانبه. ويكون الأصل: إن أردت أن أنصح لكم فلا ينفعكم نصحي إن كان اللّه يريد أن يغويكم. وقد بنى الفقهاء على ذلك حكما وهو: إذا قال أحدهم: إن أكلت إن شربت فأنت طالق. فإن المرأة لا تطلق حتى تقدم المؤخر وتؤخر المقدم، وذلك لأن التقدير حينئذ: إن شربت فإن أكلت فأنت طالق، وجواب الشرط للسابق منهما.
.إعراب الآية رقم (35):
{أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرامِي وَأَنَا بَرِي ءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ (35)}.
الإعراب:
(أم يقولون افتراه قل) مرّ إعرابها، (إن افتريت) مثل إن أردت، والهاء ضمير مفعول به الفاء رابطة لجواب الشرط (على) حرف جرّ والياء ضمير في محلّ جرّ متعلّق بخبر مقدّم (إجرامي) مبتدأ مؤخّر مرفوع وعلامة الرفع الضمّة المقدّرة على ما قبل الياء.. والياء مضاف إليه الواو عاطفة (أنا) ضمير منفصل في محلّ رفع مبتدأ (بريء) خبر مرفوع (من) حرف جرّ (ما) حرف مصدريّ (تجرمون) مضارع مرفوع.. والواو فاعل.
والمصدر المؤوّل (ما تجرمون) في محلّ جرّ ب (من) متعلّق ببريء.
جملة: (يقولون...) لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: (افتراه...) في محلّ نصب مقول القول.
وجملة: (قل...) لا محلّ لها استئناف بيانيّ.
وجملة: (إن افتريته...) في محلّ نصب مقول القول الثاني.
وجملة: (عليّ إجرامي) في محلّ جزم جواب الشرط مقترنة بالفاء.
وجملة: (أنا بريء) في محلّ جزم معطوفة على جملة جواب الشرط.
الصرف:
(إجرام)، مصدر قياسيّ لفعل أجرم الرباعيّ، وزنه أفعال.
.إعراب الآيات (36- 37):
{وَأُوحِيَ إِلى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلاَّ مَنْ قَدْ آمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ (36) وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (37)}.
الإعراب:
الواو استئنافيّة (أوحي) فعل ماض مبنيّ للمجهول (إلى نوح) جارّ ومجرور متعلّق ب (أوحي)، (أنّ) حرف مشبّه بالفعل للتوكيد الهاء ضمير في محلّ نصب اسم أنّ- وهو ضمير الشأن- (لن) حرف نفي ونصب (يؤمن) مضارع منصوب (من قوم) جارّ ومجرور حال من فاعل يؤمن والكاف ضمير مضاف إليه (إلّا) أداة حصر (من) اسم موصول مبنيّ في محلّ رفع فاعل يؤمن (قد) حرف تحقيق (آمن) فعل ماض، والفاعل هو وهو العائد الفاء رابطة لجواب شرط مقدّر (لا) ناهية جازمة (تبتئس) مضارع مجزوم، والفاعل أنت الباء حرف جرّ (ما) حرف مصدريّ، (كانوا) فعل ماض ناقص- ناسخ- مبنيّ على الضمّ.. والواو اسم كان (يفعلون) مضارع مرفوع والواو فاعل.
والمصدر المؤوّل (ما كانوا..) في محلّ جرّ بالباء متعلّق ب (تبتئس).
والمصدر المؤوّل (أنّه لن يؤمن..) في محلّ رفع نائب الفاعل لفعل أوحي.
جملة: (أوحي إلى نوح...) لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: (لن يؤمن...) في محلّ رفع خبر (أنّ).
وجملة: (قد آمن...) لا محلّ لها صلة الموصول.
وجملة: (لا تبتئس) في محلّ جزم الواو جواب شرط مقدّر أي إن كان المؤمنون قلّة فلا تبتئس.
وجملة: (كانوا يفعلون) لا محلّ لها صلة الموصول الحرفيّ (ما).
وجملة: (يفعلون) في محلّ نصب خبر كانوا.
الواو عاطفة (اصنع) فعل أمر، والفاعل أنت (الفلك) مفعول به منصوب (بأعين) جارّ ومجرور حال من فاعل اصنع و(نا) ضمير مضاف إليه الواو عاطفة (وحينا) معطوف على أعيننا، ومضاف إليه الواو عاطفة (لا) ناهية جازمة (تخاطب) فعل مضارع مجزوم، والفاعل ضمير مستتر تقديره أنت والنون للوقاية والياء ضمير مفعول به (في) حرف جرّ (الذين) موصول في محلّ جرّ متعلّق ب (تخاطب) على حذف مضاف أي في أمر الذين... (ظلموا) فعل ماض وفاعله (إنّ) حرف مشبه بالفعل- ناسخ- و(هم) ضمير متّصل مبنيّ في محلّ نصب اسم إنّ (مغرقون) خبر مرفوع وعلامة الرفع الواو.
وجملة: (اصنع...) في محلّ جزم معطوفة على جملة لا تبتئس.
وجملة: (لا تخاطبني) معطوفة على جملة اصنع الفلك.
وجملة: (ظلموا) لا محلّ لها صلة الموصول (الذين).
وجملة: (إنّهم مغرقون) لا محلّ لها تعليليّة.
الصرف:
(أعين)، جمع عين، اسم للعضو المعروف، وهنا مستعمل على المجاز أي بحفظنا ورعايتنا.
(وحي)، هو مصدر وحي يحي باب ضرب، وزنه فعل بفتح فسكون، وقد يطلق على ما يرسله اللّه إلى الأنبياء أو هو الملك الذي ينقل رسالة اللّه إلى النبيّ.
(مغرقون)، جمع مغرق، اسم مفعول من أغرق الرباعيّ، وزنه مفعل بضمّ الميم وفتح العين.
البلاغة:
في قوله تعالى: (إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ) مجيء الخبر إنكاريا مؤكدا بإن تأكيدا للكلام وتنزيلا للسامع منزلة المتردد، لأنه للنفس اليقظى مظنة التردد في حكم الخبر، ومؤونة الطلب له، فقال أولا: ولا تخاطبني في الذين ظلموا، أي لا تدعني يا نوح في استدفاع العذاب عنهم، ثم قال: إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ، لأن الكلام مظنة أن يتردد نوح بأنه هل يصيبهم بأس بل بأنهم هل هم مغرقون، بملاحظة ما تقدم من قوله: (واصنع الفلك)، فأورد الخبر مؤكدا، فقال: إنهم محكوم عليهم بالإغراق.
.إعراب الآيات (38- 39):
{وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّما مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَما تَسْخَرُونَ (38) فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ (39)}.
الإعراب:
الواو استئنافية (يصنع) مضارع مرفوع، والفاعل هو (الفلك) مفعول به منصوب الواو استئنافيّة (كلّما) ظرف زمان متضمّن معنى الشرط متعلّق ب (سخروا)، (مرّ) فعل ماض (على) حرف جرّ والهاء ضمير في محلّ جرّ متعلّق ب (مرّ)، (ملأ) فاعل مرفوع (من قوم) جارّ ومجرور متعلّق بنعت لملأ والهاء مضاف إليه (سخروا) فعل ماض مبنيّ على الضمّ.. والواو فاعل (منه) مثل عليه متعلّق ب (سخروا)، (قال) مثل مرّ (إن) حرف شرط جازم (تسخروا) مضارع مجزوم فعل الشرط وعلامة الجزم حذف النون.. والراو فاعل (منّا) مثل عليه متعلّق ب (تسخروا)، الفاء رابطة لجواب الشرط (إنّ) حرف مشبّه بالفعل- ناسخ- و(نا) ضمير في محلّ نصب اسم إنّ (نسخر) مضارع مرفوع، والفاعل نحن (منكم) حرف جرّ وضمير في محلّ جرّ متعلّق ب (نسخر)، الكاف حرف تشبيه وجرّ (ما) حرف مصدريّ (تسخرون) مضارع مرفوع.. والواو فاعل.
والمصدر المؤوّل (ما تسخرون) في محلّ جرّ بالكاف متعلّق ب (نسخر).
جملة: (يصنع...) لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: (مرّ عليه ملأ...) في محلّ جرّ مضاف إليه.. والشرط وفعله وجوابه جملة لا محلّ لها معطوفة على جملة الاستئناف.
وجملة: (سخروا منه) لا محلّ لها جواب شرط غير جازم.
وجملة: (قال...) لا محلّ لها استئناف بيانيّ.
وجملة: (إن تسخروا...) في محلّ نصب مقول القول.
وجملة: (إنّا نسخر...) في محلّ جزم جواب الشرط مقترنة بالفاء.
وجملة: (نسخر منكم...) في محلّ رفع خبر إنّ.
وجملة: (تسخرون) لا محلّ لها صلة الموصول الحرفيّ (ما).
الفاء عاطفة (سوف) حرف استقبال (تعلمون) مثل تخسرون (من) اسم موصول مبنيّ في محلّ نصب مفعول به (يأتي) مضارع مرفوع وعلامة الرفع الضمّة المقدّرة على الياء والهاء ضمير مفعول به (عذاب) فاعل مرفوع (يخزيه) مثل يأتيه، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو يعود على عذاب الواو عاطفة (يحلّ) مثل يصنع (عليه) مثل الأول متعلّق ب (يحل)، (عذاب) فاعل مرفوع (مقيم) نعت لعذاب مرفوع.
وجملة: (سوف تعلمون...) في محلّ نصب معطوفة على جملة مقول القول.
وجملة: (يأتيه عذاب...) لا محلّ لها صلة الموصول (من).
وجملة: (يخزيه...) في محلّ رفع نعت لعذاب (الأول).
وجملة: (يحلّ عليه عذاب) لا محل لها معطوفة على جملة الصلة.
.إعراب الآية رقم (40):{حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَما آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ (40)}.
الإعراب:
(حتّى) حرف ابتداء (إذا) ظرف للزمن المستقبل فيه معنى الشرط في محلّ نصب متعلّق ب (قلنا)، (جاء) فعل ماض (أمر) فاعل مرفوع و(نا) ضمير مضاف إليه الواو عاطفة (فار التنور) مثل جاء أمرنا (قلنا) فعل ماض وفاعله (احمل) فعل أمر والفاعل أنت (في) حرف جرّ و(ها) ضمير في محلّ جرّ متعلّق ب (احمل)، (من كلّ) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف حال من زوجين- نعت تقدّم على المنعوت- (زوجين) مفعول به منصوب وعلامة النصب الياء (اثنين) نعت لزوجين منصوب وعلامة النصب الياء فهو ملحق بالمثنى الواو عاطفة (أهل) معطوف على زوجين منصوب والكاف مضاف إليه (إلّا) حرف للاستثناء (من) اسم موصول مبنيّ في محلّ نصب على الاستثناء (سبق.. القول) مثل جاء أمرنا (عليه) مثل فيها متعلّق ب (سبق)، الواو عاطفة (من آمن) مثل من سبق ومعطوف عليه الواو واو الحال (ما) نافية (آمن) مثل جاء (مع) ظرف منصوب متعلّق ب (آمن)، الهاء ضمير مضاف إليه (إلّا) أداة حصر (قليل) فاعل مرفوع.
جملة: (جاء أمرنا...) في محلّ جرّ مضاف إليه.
وجملة: (فار التنّور...) في محلّ جرّ معطوفة على جملة جاء أمرنا.
وجملة: (قلنا...) لا محلّ لها جواب شرط غير جازم.
وجملة: (احمل...) في محلّ نصب مقول القول.
وجملة: (سبق عليه القول) لا محلّ لها صلة الموصول (من).
وجملة: (آمن) لا محلّ لها صلة الموصول (من) الثاني.
وجملة: (آمن (الثانية) في محلّ نصب حال.
(فار) فيه إعلال بالقلب أصله فور بفتحتين قلبت الواو ألفا لمجيئها بعد فتح وزنه فعل.
الصرف:
(التّنور)، جاء في لسان العرب مادة (ت ن ر): (التنور: الذي يخبز فيه، يقال هو في جميع اللغات كذلك، وقال أحمد بن يحيى: التّنور تفعول من النار، قال ابن سيده: وهذا من الفساد بحيث تراه وإنّما هو أصل لم يستعمل إلّا في هذا الحرف وبالزيادة، وصاحبه تنّار. والتنور: وجه الأرض فارسيّ معرّب، وقيل هو بكلّ لغة) أهـ، فوزن تنّور فعّول لأن اشتقاقه من (تنر).
.إعراب الآية رقم (41):
{وَقالَ ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها وَمُرْساها إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (41)}.
الإعراب:
الواو استئنافيّة (قال) فعل ماض، والفاعل هو أي نوح بحسب الظاهر (اركبوا) فعل أمر مبنيّ على حذف النون.. والواو فاعل (فيها) كالسابقة متعلّق ب (اركبوا) بتضمينه معنى ادخلوا (باسم) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف خبر مقدّم، (اللّه) لفظ الجلالة مضاف إليه مجرور (مجرى) مبتدأ مؤخّر مرفوع وعلامة الرفع الضمّة المقدّرة على الألف و(ها) ضمير مضاف إليه الواو عاطفة (مرساها) مثل مجراها ومعطوف عليه عليه (إنّ) حرف مشبّه بالفعل (ربّ) اسم إنّ منصوب وعلامة النصب الفتحة المقدّرة على ما قبل الياء والياء ضمير مضاف إليه اللام المزحلقة (غفور) خبر إنّ مرفوع (رحيم) خبر ثان مرفوع.
جملة: (قال...) لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: (اركبوا فيها...) في محلّ نصب مقول القول.
وجملة: (باسم اللّه مجراها...) في محلّ نصب حال من الضمير في (فيها).
وجملة: (إنّ ربّي لغفور...) لا محلّ لها استئناف في حيّز القول.
الصرف:
(باسم)، رسمت في المصحف بحذف همزة الوصل (بسم)، والقاعدة الإملائيّة بعدم الحذف لأن حذف همزة الوصل لا يتمّ إلّا في البسملة الكاملة (بسم اللّه الرحمن الرحيم)، أمّا إذا قلت باسم اللّه آكل، أو باسم اللّه أركب فلا حذف.
(مجرى)، اسم زمان أو مكان من فعل جرى الثلاثيّ، ووزنه مفعل بفتح الميم والعين، وهو مصدر ميميّ من الفعل نفسه والوزن نفسه لأن الفعل معتلّ ناقص.
(مرسى)، اسم زمان أو مكان من فعل أرسى الرباعيّ، وزنه مفعل بضمّ الميم وفتح العين، أو هو مصدر ميميّ من الفعل نفسه، والوزن نفسه.
.إعراب الآية رقم (42):
{وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبالِ وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ وَكانَ فِي مَعْزِلٍ يا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكافِرِينَ (42)}.
الإعراب:
الواو استئنافيّة (هي) ضمير منفصل مبنيّ في محلّ رفع مبتدأ (تجري) مضارع مرفوع وعلامة الرفع الضمّة المقدّرة على الياء، والفاعل هي الباء حرف جرّ و(هم) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بحال من الفاعل (في موج) جارّ ومجرور حال ثانية من فاعل تجري (كالجبال) جارّ ومجرور متعلّق بنعت لموج الواو عاطفة لا للترتيب (نادى) فعل ماض مبنيّ على الفتح المقدّر على الألف (نوح) فاعل مرفوع (ابن) مفعول به منصوب والهاء مضاف إليه الواو اعتراضيّة، (كان) فعل ماض ناقص- ناسخ- واسمه ضمير مستتر تقديره هو (في معزل) جارّ ومجرور خبر كان (يا) أداة نداء (بنيّ) منادى مضاف منصوب وعلامة النصب الفتحة المقدّرة والياء المحذوفة تخفيفا ضمير مضاف إليه (اركب) فعل أمر، والفاعل أنت (معنا) مثل معه متعلّق ب (اركب)، الواو عاطفة (لا) ناهية جازمة (تكن) مضارع ناقص مجزوم، واسمه ضمير مستتر تقديره أنت (مع) مثل السابق متعلّق بخبر تكن (الكافرين) مضاف إليه مجرور وعلامة الجرّ الياء.
جملة: (هي تجري...) لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: (تجري...) في محلّ رفع خبر المبتدأ هي.
وجملة: (نادى...) معطوفة على جملة هي تجري.
وجملة: (كان في معزل...) لا محلّ لها اعتراضيّة.
وجملة: (يا بنيّ...) في محلّ نصب مقول القول لقول محذوف أي نادى يقول يا بني.
وجملة: (اركب معنا...) لا محلّ لها جواب النداء.
وجملة: (لا تكن مع الكافرين...) لا محلّ لها معطوفة على جواب النداء.
الصرف:
(معزل)، اسم مكان من عزل الثلاثيّ باب ضرب، وزنه مفعل بفتح الميم وكسر العين لأن عينه في المضارع مكسورة.
(بنيّ)، هو تصغير ابن، وأصله بثلاث ياءات، الأولى ياء التصغير والثانية لام الكلمة- أو عينها على الأصل- والثالثة ياء المتكلّم، ثمّ حذفت ياء المتكلّم تخفيفا وأدغمت ياء التصغير في لام الكلمة.
.إعراب الآية رقم (43):
{قالَ سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ قالَ لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلاَّ مَنْ رَحِمَ وَحالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ (43)}.
الإعراب:
(قال) فعل ماض، والفاعل هو أي ابن نوح السين حرف استقبال (آوي) مضارع مرفوع وعلامة الرفع الضمّة المقدّرة على الياء، والفاعل أنا (إلى جبل) جارّ ومجرور متعلّق ب (آوي)، (يعصمني) مضارع مرفوع.. والنون للوقاية والياء مفعول به، والفاعل هو (من الماء) جارّ ومجرور متعلّق ب (يعصم)، (قال) مثل الأول، والفاعل هو أي نوح (لا) نافية للجنس (عاصم) اسم لا مبنيّ على الفتح في محلّ نصب (اليوم) ظرف زمان منصوب متعلّق بحال من أمر اللّه، (من أمر) جارّ ومجرور متعلّق بخبر لا (اللّه) لفظ الجلالة مضاف إليه مجرور (إلّا) أداة استثناء (من) اسم موصول مبنيّ في محلّ نصب على الاستثناء المتّصل أو المنقطع بحسب تأويل معنى عاصم، (رحم) فعل ماض، والفاعل هو أي اللّه الواو عاطفة (حال) فعل ماض (بين) ظرف مكان منصوب متعلّق ب (حال)، و(هما) ضمير متّصل في محلّ جرّ مضاف إليه (الموج) فاعل مرفوع الفاء عاطفة (كان) ماض ناقص، واسمه ضمير مستتر تقديره هو (من المغرقين) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف خبر كان.
جملة: (قال...) لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: (سآوي...) في محلّ نصب مقول القول.
وجملة: (يعصمني...) في محلّ جرّ نعت لجبل.
وجملة: (قال: (الثانية)...) لا محلّ لها استئناف بيانيّ.
وجملة: (لا عاصم.. من أمر اللّه...) في محلّ نصب مقول القول.
وجملة: (رحم...) لا محلّ لها صلة الموصول (من).
وجملة: (حال.. الموج...) لا محلّ لها معطوفة على الاستئنافيّة.
وجملة: (كان من المغرقين...) لا محلّ لها معطوفة على جملة حال.
.إعراب الآية رقم (44):
{وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْماءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (44)}.
الإعراب:
الواو استئنافيّة (قيل) فعل ماض مبنيّ للمجهول (يا) أداة نداء (أرض) منادى نكرة مقصودة مبنيّ على الضمّ في محلّ نصب (ابلعي) فعل أمر مبنيّ على حذف النون.. والياء ضمير متّصل في محلّ رفع فاعل (ماءك) مفعول به منصوب.. والكاف مضاف إليه الواو عاطفة (يا سماء أقلعي) مثل يا أرض ابلعي الواو عاطفة (غيض) مثل قيل، (الماء) نائب الفاعل مرفوع الواو عاطفة (قضي الأمر) مثل غيض الماء الواو عاطفة (استوت) فعل ماض مبنيّ على الفتح المقدّر على الألف المحذوفة لالتقاء الساكنين.. والتاء للتأنيث، والفاعل هي أي السفينة (على الجوديّ) جارّ ومجرور متعلّق ب (استوت)، الواو عاطفة (قيل) مثل الأول (بعدا) مفعول مطلق لفعل محذوف أي ابعدوا أو بعدوا على الدعاء (للقوم) جارّ ومجرور متعلّق بالمصدر (بعدا)، (الظالمين) نعت للقوم مجرور وعلامة الجرّ الياء.
جملة: (قيل...) لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: (يا أرض...) في محلّ رفع نائب الفاعل.
وجملة: (ابلعي...) لا محلّ لها جواب النداء.
وجملة: (يا سماء...) في محلّ رفع معطوفة على جملة يا أرض.
وجملة: (أقلعي...) لا محلّ لها جواب النداء الثاني.
وجملة: (غيض الماء...) لا محلّ لها معطوفة على الاستئنافيّة.
وجملة: (قضي الأمر...) لا محلّ لها معطوفة على الاستئنافيّة.
وجملة: (استوت على الجوديّ) لا محلّ لها معطوفة على الاستئنافيّة.
وجملة: (قيل (الثانية)...) لا محلّ لها معطوفة على الاستئنافيّة.
وجملة: (بعد) بعدا..) في محلّ رفع نائب الفاعل.
الصرف:
(غيض)، فيه عودة الألف إلى الياء وكسر فاء الكلمة.
لمناسبة الياء.
(استوت)، فيه إعلال بالحذف لالتقاء الساكنين، جاءت الألف ساكنة قبل تاء التأنيث فحذفت، وزنه افتعت.
(الجوديّ)، اسم جامد لجبل بعينه، ويقال: كلّ جبل يقال له جوديّ.
(بعدا)، مصدر سماعيّ لفعل بعد يبعد باب كرم وزنه فعل بضمّ فسكون.
البلاغة:
1- النظر في هذه الآية الكريمة من أربع جهات: من جهة علم البيان ومن جهة علم المعاني، وهما مرجعا البلاغة ومن جهة الفصاحة المعنوية ومن جهة الفصاحة اللفظية. أما النظر فيها من جهة علم البيان وهو النظر فيما فيها من المجاز والاستعارة والكناية وما يتصل بذلك من القرينة والترشيح والتعريض، فهو أنه عز سلطانه لما أراد أن يبني معنى: أردنا أن نردّ ما انفجر من الأرض إلى بطنها فارتدّ، وأن نقطع طوفان السماء فانقطع، وأن نفيض الماء النازل من السماء ففاض، وأن نقضي أمر نوح عليه السلام وهو إنجاز ما كنا وعدناه من إغراق قومه فقضي، وأن نسوي السفينة على الجودي فاستوت وأبقينا الظّلمة غرقى بنى سبحانه الكلام على تشبيه المراد منه بالمأمور الذي لا يتأتّى منه- لكمال هيبته من الآمر- العصيان وتشبيه تكوين المراد بالأمر الجزم النافذ في تكون المقصود تصويرا لاقتداره سبحانه العظيم، وأن هذه الأجرام العظيمة من السموات والأرض تابعة لإرادته تعالى إيجادا وإعداما لمشيئته فيها تغييرا وتبديلا كأنها عقلاء مميزون ثم بنى على مجموع التشبيهين نظم الكلام فقال جل وعلا: (قيل...) على سبيل المجاز عن الإرادة من باب ذكر المسبب وإرادة السبب، لأن الإرادة تكون سببا لوقوع القول في الجملة، وجعل قرينة هذا المجاز خطاب الجماد وهو (يا أرض...) (ويا سماء...)، وهذا الخطاب للأرض والسماء على سبيل الاستعارة للشبه المذكور، والظاهر أنه أراد أن هناك استعارة بالكناية حيث ذكر المشبه (أعني السماء والأرض المراد منهما حصول أمر) وأريد المشبه به (أعني المأمور الموصوف بأنه لا يتأتى منه العصيان ادعاء) بقرينة نسبة الخطاب إليه ودخول حرف النداء عليه- وهما من خواص المأمور المطيع- ويكون هذا تخييلا. ثم استعار لغور الماء في الأرض البلع الذي هو عمل الجذب في المطعوم للشبه بينهما وهو الذهاب إلى مقر خفي.
وفي الكشاف: جعل البلع مستعارا لنشف الأرض الماء وهو أولى، فإن النشف دال على جذب من أجزاء الأرض لما عليها كالبلع بالنسبة إلى الحيوان، ولأن النشف فعل الأرض والغور فعل الماء، مع الطباق بين الفعلين تعديا، ثم استعار الماء للغذاء استعارة بالكناية تشبيها له بالغذاء لتقوى الأرض بالماء في الإنبات للزروع والأشجار تقوي الآكل بالطعام، وجعل قرينة الاستعارة لفظة (ابلعي...) لكونها موضوعة للاستعمال في الغذاء دون الماء.
ثم قال جل وعلا: (ماءك...) بإضافة الماء إلى الأرض، على سبيل المجاز تشبيها لاتصال الماء بالأرض باتصال الملك بالمالك، واختار ضمير الخطاب لأجل الترشيح، وحاصله أن هناك مجازا لغويا في الهيئة الإضافية الدالة على الاختصاص الملكي، ولهذا جعل الخطاب ترشيحا لهذه الاستعارة من حيث أن الخطاب يدل على صلوح الأرض للمالكية.
ثم اختار لاحتباس لمطر الإقلاع الذي هو ترك الفاعل الفعل للشبه بينهما في عدم ما كان من المطر أو الفعل، ففي (أقلعي...) استعارة باعتبار جوهره، وكذا باعتبار صيغته أيضا. وهي مبنية على تشبيه تكوين المراد بالأمر الجزم النافذ، والخطاب فيه أيضا ترشيح لاستعارة النداء.
ثم قال سبحانه (وَغِيضَ الْماءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً...)
فلم يصرح جل وعلا بمن غاض الماء، ولا بمن قضى الأمر وسوى السفينة وقال بعدا. كما لم يصرح سبحانه بقائل (يا أَرْضُ...) (وَيا سَماءُ...) في صدر الآية، سلوكا في كل واحد من ذلك لسبيل الكناية، لأن تلك الأمور العظام لا تصدر إلا من ذي قدرة لا يكتنه، قهار لا يغالب فلا مجال لذهاب الوهم إلى أن يكون غيره جلت عظمته قائلا: (يا أَرْضُ...) و(يا سَماءُ...)، ولا غائضا ما غاض، ولا قاضيا مثل ذلك الأمر الهائل، أو أن يكون تسوية السفينة وإقرارها بتسوية غيره.
ثم إنه تعالى ختم الكلام بالتعريض، تنبيها لسالكي مسلك أولئك القوم، في تكذيب الرسل عليهم السلام، ظلما لأنفسهم لا غير وإظهارا لمكان السخط ولجهة استحقاقهم إياه، وأن قيامة الطوفان، وتلك الصورة الهائلة، ما كانت إلا لظلمهم، كما يؤذن بذلك الدعاء بالهلاك بعد هلاكهم، والوصف بالظلم مع تعليق الحكم به.
وأما النظر فيها من جهة علم المعاني، وهو النظر في فائدة كل كلمة فيها، وجهة كل تقديم وتأخير فيما بين جملها، فذلك أنه اختير (يا...) دون سائر أخواتها لكونها أكثر في الاستعمال، وأنها دالة على بعد المنادي الذي يستدعيه مقام إظهار العظمة، وإبداء شأن العزة والجبروت. وأما من حيث النظر إلى ترتيب الجمل، فذلك أنه قدم النداء على الأمر، فقيل: (يا أَرْضُ ابْلَعِي...) (وَيا سَماءُ أَقْلِعِي...)
دون أن يقال: ابلعي يا أرض واقلعي يا سماء، جريا على مقتضى اللازم- فيمن كان مأمورا حقيقة- من تقديم التنبيه، ليتمكن الأمر الوارد عقيبه في نفس المنادي، قصدا بذلك لمعنى الترشيح للاستعارة المكنية في الأرض والسماء، ثم قدم أمر الأرض على أمر السماء، لكونها الأصل، نظرا إلى كون ابتداء الطوفان منها حيث فار تنورها أولا.
هذا كله نظرا في الآية من جانبي البلاغة، وقد ذكر ابن أبي الإصبع أن فيها عشرين ضربا من البديع مع أنها سبع عشرة لفظة، وذلك: المناسبة التامة في (ابلعي...) و(اقلعي...)، والاستعارة فيها، والطباق بين الأرض والسماء، والمجاز في (يا سَماءُ...) فإن الحقيقة يا مطر السماء، والإشارة في (وَغِيضَ الْماءُ...) فإنه عبر به عن معان كثيرة لأن الماء لا يفيض حتى يقلع مطر السماء وتبلع الأرض ما يخرج منها فينقص ما على وجه الأرض، والإرداف في (وَاسْتَوَتْ...)، والتمثيل في (وَقُضِيَ الْأَمْرُ...)، والتعليل فإن غيض الماء علة للاستواء، وصحة التقسيم فإنه استوعب أقسام الماء حال نقصه، والاحتراس في الدعاء لئلا يتوهم أن الغرق لعمومه شمل من لا يستحق الهلاك فإن عدله تعالى يمنع أن يدعو على غير مستحق، وحسن النسق، وائتلاف اللفظ مع المعنى، والإيجاز فإنه سبحانه قص القصة مستوعبة بأخصر عبارة، والتسهيم لأن أول الآية يدل على آخرها، والتهذيب لأن مفرداتها موصوفة بصفات الحسن، وحسن البيان من جهة أن السامع لا يتوقف في فهم معنى الكلام ولا يشكل عليه شيء منه، والتمكين لأن الفاصلة مستقرة في محلها مطمئنة في مكانها والانسجام، وزاد الجلال السيوطي الاعتراض.
الفوائد:
1- الإعجاز البلاغيّ في القرآن:
لقد اشتملت هذه الآية على فنون من البلاغة تجاوزت خمسة وعشرين فنا، قد ذكرها علماء البلاغة مفصلة ولا مجال لعرضها، ولا يسع الإنسان إلا أن يخر ساجدا لعظمة اللّه عز وجل، وينحني أمام بيانه المعجز، مقرا بأنه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد. ويروى أن عالما كبيرا حاول أن ينتقد القرآن الكريم وذلك باكتشاف عيب بسيط فيه، واستمرت المحاولة شهورا، وكان له جماعه يترددون عليه ويسألونه ما صنع؟ ولكنه في نهاية المطاف كسر القلم والدواة وقال: هذا كلام اللّه لا يناقش، ثم مر على مسجد فسمع غلاما يتلو هذه الآية فقال: ما كان لبشر أن يقول مثل هذا الكلام.
2- تعليق الإمام النسفي على هذه الآية:
ومن جهة الفصاحة المعنوية، وهي كما ترى نظم للمعاني لطيف، وتأدية لها ملخصة مبينة، لا تعقيد يعتري الفكر في طلب المراد، ولا التواء يشكّك الطريق إلى المرتاد. ومن جهة الفصاحة اللفظية، فألفاظها على ما ترى عربية مستعملة، سليمة عن التنافر، بعيدة عن البشاعة، عذبة على العذبات، سلسة على الأسلات، كل منها كالماء في السلاسة، وكالعسل في الحلاوة، وكالنسيم في الرقة ومن ثم أطبق المعاندون على أن طوق البشر قاصر عن الإتيان بمثل هذه الآية. وللّه درّ شأن التنزيل، لا يتأمل العالم آية من آياته إلا أدرك لطائف لا تسع الحصر، ولا تظنّن الآية مقصورة على المذكور، فلعلّ المتروك أكثر من المسطور.


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ