الثلاثاء، 4 مارس 2014

قسم المقالات : هل اقترب وعد إسرائيل ؟ بقلم دكتور مصطفى محمود


هل اقترب وعد إسرائيل ؟
   
بقلم د مصطفى محمود

عشر سنوات من تجويع العراق وحصار شعبها ونظامها لم تشبع شهية الجلاد الأمريكي‏..‏ وانطلقت الطائرات الأمريكية والبريطانية تضرب العراق للمرة الثانية‏..‏ وكانت جريمة العراق هذه المرة أنها تطور دفاعاتها‏..‏ والمعني أنه مطلوب أن تظل العراق دائما مكشوفة للضرب عارية الصدر والظهر لتنزل عليها الكرابيج دون أن تحرك ساكنا‏..
وذلك لأنها دولة شريرة‏..‏ تخفي أسلحة دمار شامل في مكان ما‏..‏ ولا تسمح للمفتشين بالتفتيش في كل بيت وفي كل ثقب من أرض العراق‏..‏
ونسي الجلادون أن إسرائيل بأجمعها هي أكبر مخزن لأسلحة الدمار الشامل في المنطقة العربية تحت سمع وبصر أمريكا وبإذن منها وأنها تكدس المئات من القنابل النووية في مخازنها‏..‏ وتقتل الفلسطينيين بالغاز السام وتقتل الأطفال برصاص دمدم‏..‏ وترد علي الحجارة بالقنابل اليدوية‏..‏ وتتصيد القيادات الفلسطينية بالصواريخ‏..‏ ويصرخ زعماؤها في تبجح في وجوه الكل‏..‏
بأي ميزان من موازين العدالة تزن أمريكا أفعالها‏..‏ وكيف تصور لنا ببلاهة شديدة بعد كل هذا أن صدام هو الخطر‏..‏ وأنها تحمينا بغاراتها من السفاح الخطير الذي ابتلع الكويت في قطمة واحدة‏..‏
ومن الذي استدرج صدام إلي غزو الكويت‏..‏ سؤال‏..‏ وكيف حدث ما حدث‏..‏؟‏!!‏ مما نسيته أو تناسته الذاكرة الأمريكية‏..‏
وأين السفيرة أبريل جلاسبي لتشهد بحقيقة ما جري‏..‏
أمريكا يا سادة هي التي استدرجت صدام حسين لغزو الكويت‏..‏ والسفيرة أبريل جلاسبي هي التي طمأنت صدام بأن أمريكا لن تتدخل‏..‏ وهي التي استدرجته إلي الفخ القاتل‏..‏ وكان الهدف هو وضع الأيدي علي بترول المنطقة العربية‏..‏ والسيطرة علي أسعاره‏..‏
كان الفخ هو الإيقاع بكل الثروة البترولية العربية والتحكم في أسعارها‏..‏ وكان كل العرب ضحايا الخطة الأمريكية المحكمة‏..‏
وإسرائيل كانت الفخ الثاني الذي زرع في المنطقة العربية لتفريقها وإرهابها ولضرب دولها بعضها ببعض‏..‏ وإسرائيل كانت الخادم المسخر للأطماع الأمريكية وليس العكس‏..‏
والخطر الحقيقي الوحيد والمهندس الداهية الذي صنع هذه الأحبولة المحكمة من المكائد وغزل خيوطها بمهارة وألقي بها علي الفراشات العربية ليحتويها في صيدة واحدة‏..‏ هذه الحبكة الشيطانية العجيبة كانت من إبداع المخ الاستعماري الأمريكي‏..‏ روعة ليس بعدها روعة‏..‏ لا تملك إلا الإعجاب بهذه الحبكة الجهنمية‏..‏



الشاهد الوحيد علي الجريمة‏..‏ اختفي‏..‏
أبريل جلاسبي اختفت‏..‏ ابتلعتها الأرض‏..‏ كانت فص ملح‏..‏ وداب‏..‏
ضربة معلم‏..‏
إلي الآن لا توجد ثغرة واحدة في الخطة‏..‏
توشك أن تكون مثالا للجريمة الكاملة‏..‏
أين هذا من صدام الذي يلعب علي المكشوف‏..‏
وأين ملاكمات الهواة من ملاكمات المحترفين‏..‏
إننا أمام أستاذية في الاستعمار وعبقرية في استغلال الفرص ونبوغ في الشر والعدوان لا مثيل له في التاريخ‏..‏
ماذا ستقول القمة العربية في هذا الواقع المتردي وفي هذه المصيدة العظيمة التي وقع فيها الكبار والصغار وماذا ستكون توصياتها للخروج منها‏..‏
إن إسرائيل وأمريكا هما الثنائي المدبران لهذا التخريب ومطلوب منا الصلح مع إسرائيل والتطبيع مع هذا التخريب‏..‏ والمطلوب منا إدانة صدام واعتباره المسئول الوحيد عما حدث وإعطاء أمريكا رخصة مفتوحة لضرب العراق إلي ما شاء الله علما بأن صدام ومعه الشعب العراقي كله هم أول من وقعوا في المصيدة‏..‏
واعلم أن الدول العربية سوف تشجب كل ما يجري‏..‏ وأن الشجب هو خط الدفاع الأول أمام هذا الظلم الجهير‏..‏
واعلم أن إسرائيل تتمني أن نبدأها بحرب‏..‏ وتلك مصيدة أخري مجهزة لاصطياد أصحاب النصيب‏..‏
اعلم أن الرئيس المصري هو أول من يدرك هذا الخطر وأول من يحرص علي تجنبه‏..‏
وأري معه أن نتجنب الدخول في أي حرب نظامية مع إسرائيل وأن نستمسك بمواثيق السلام‏..‏ لأن إسرائيل لن تحاربنا بإمكاناتها بل بإمكانيات أمريكا‏..‏
والاشتباكات التي تحدث كل يوم في الأرض الفلسطينية هي انتفاضة مشروعة وهي حق للشعب الفلسطيني المقهور‏..‏ وهذه الانتفاضة هي الشكل الوحيد المناسب من حرب العصابات المطلوبة ولن يستطيع أي قانون في العالم أن يعترض عليها ولن تجد إسرائيل المدد الكافي من قتلها لإمداد هذا الأتون المشتعل الذي لا ينطفئ‏..‏ ولن تجد عندها النفس الطويل للصمود والاستمرار في هذه المذبحة المتواصلة ليل نهار‏..‏
لقد فتحت إسرائيل علي نفسها أبواب جهنم‏..‏ ووقعت في فخ غرورها وتجبرها‏..‏ ونزيف الدم سوف يستمر إلي ما شاء الله‏..‏
ودور الأمة العربية ومعها إيران أن تكون الظهير القوي والمدد الدائم لهذا الصراع الدامي واليومي بالدعم المادي والمساندة القتالية‏..‏ وهذا النهر الجاري من الدم باسم الانتفاضة يكفي لاستنزاف إسرائيل وزيادة‏..‏
ولن يتراجع شارون عن جنونه واندفاعه‏..‏ وسوف يتهور أكثر وأكثر‏..‏ وجنونه سيكون مقبرته‏..‏
وسوف تزيد أعماله الوحشية الانتفاضة اشتعالا وتعطيها المصداقية أمام العالم كله‏..‏ وسوف تصمد فلسطين‏..‏ وسوف يصمد شبابها وأطفالها للجبروت الإسرائيلي المخجل‏..‏ وسوف يظل مقتل الدرة وصمة عار في رقاب اليهود إلي الأبد‏..‏
وسوف تواصل إسرائيل جبروتها‏..‏ ثم تنكسر فجأة ويصيبها الإنهاك والتعب‏..‏ والاستنزاف‏..‏ فتتوقف لالتقاط الأنفاس‏..‏
وكما انهزمت أمريكا العظمي أمام فيتنام‏..‏ سوف تنهزم إسرائيل أمام أطفال الحجارة وشباب الانتفاضة‏..‏ وأمام نهر الدم اليومي‏..‏ وسوف يلحقها الخزي والعار أمام أعين العالم كله ولن تجد لنفسها مخرجا سوي العودة إلي الشرعية‏..‏ وربما انهار البيت الإسرائيلي كله كبيت العنكبوت‏..‏
صبرا آل ياسر عرفات‏..‏ فإن موعدكم الجنة‏..‏
من قال إن الجنة ينالها الكسالي وجلاس المقاهي‏..‏
إنما بالمشقة والمعاناة يكون فرز الرجال‏..‏
وكما يقول أبو الطيب المتنبي شاعر العروبة العظيم‏:‏
لولا المشقة ساد الناس كلهم
الجود يفقر والإقدام قتال
وإنما يبلغ الإنسان طاقته
ما كل ماشية بالرحل شملال
ذكر الفتي عمره الثاني وحاجته
ما قاته وفضول العيش أشغال
رحم الله أبا الطيب فقد عاش ومات مقاتلا وقد أدرك الحقيقة قبل موته‏..‏ فماذا يحتاج الواحد منا أكثر مما يقوته‏..‏
وكل ما زاد علي ذلك القوت الضروري فضول ومجرد انشغال في الفارغ من الأمور‏..‏
أصبت الحقيقة يا أبا الطيب‏..‏ هذه خلاصة الحكمة في كلمات‏..‏
يا سادة‏..‏ إن ما يجري أمامنا درس بليغ لكبار الدول وصغارها‏..‏ إن الظلم ظلمات‏..‏ ولا يمكن أن تقوم لدولة عظمة حقيقية بالظلم والاغتصاب ونهب الحقوق وقتل الأطفال‏..‏ وما حققته إسرائيل من قوة عسكرية هو امتحان لها وليس امتحانا لنا‏..‏
وكتب التاريختقول إنه كان هناك فرس وروم ومغول وتتار وعماليق‏..‏ وكتب الدين تقول إنه كان من قبلهم جبابرة سبقوا مثل عاد وثمود‏..‏ وقد هلكوا جميعا ولم يبق لهم ذكر ولا أثر‏..‏
ويقول ربنا لبني إسرائيل في سورة الإسراء الآيات‏8,7,6‏ يمن عليهم بأفضاله ونعمه ويحذرهم من سوء العاقبة‏..‏
ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا‏.‏ إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا‏.‏ عسي ربكم أن يرحمكم وإن عدتم عدنا وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا‏..‏ وهل هناك نفير الآن أكبر من نفير إسرائيل الإعلامي وأكاذيبها المستمرة عبر الفضائيات وصراخها المستمر في كل إذاعة‏..‏
إن إسرائيل هي اليوم في الكرة الثانية التي أفاض الله عليهم فيها من آلائه وأنعمه والتي أمدهم فيها بالقوة والتمكين‏..‏ فإذا بها تزداد تشددا وصلفا وجبروتا‏..‏ وتعنتا وظلما وضراوة ووحشية جاوزت بها المدي‏..‏
ومن قبل كانت هناك عادا الأولي‏..‏ واليوم هناك أمريكا تقود جبروت اليوم‏..‏ وهي عاد الثانية بلا جدال‏..‏ وقد جاء وزير خارجيتها كولن باول لا ليوقف اندفاع شارون وإنما ليوقف الانتفاضة وليوجه القوي العربية كلها إلي هدف مضروب ومنهك من الضرب هو العراق‏..‏ وهذه هي العدالة الأمريكية الضالة التي لا تري إلا بعين واحدة هي العين الإسرائيلية‏..‏
لقد اجتمعت النذر في الأفق واقترب الوعد‏..‏ وعلي الظالمين سوف تدور الدوائر‏..‏
وسوف يحق قول ربنا علي من سيجعله أمثولة ودرسا لقضائه وعدله‏..‏
وليس في سنة الله أن ينصر الظالمين والجبابرة‏..‏ إنما يمهلهم لأجل‏..‏ ثم يأخذهم أخذ عزيز مقتدر‏..‏
ولو كنت إسرائيليا لوضعت يدي علي قلبي إشفاقا من المصير‏..‏ فإن حبل المشنقة يطبق علي عنقها شيئا فشيئا‏..‏ ولا مفر‏..‏ فتلك نهاية كل ظالم‏..‏