الثلاثاء، 4 مارس 2014

قسم المقالات : الإنذار الإلهى بقلم دكتور مصطفى محمود


الإنذار الإلهى
   
بقلم د مصطفى محمود

المبدأ الذي نعلنه في كل مناسبة بأنه لا يوجد عندنا ما نخفيه‏..‏ لا يعني أبدا أن هناك رخصة مفتوحة لكل فضولي بأن يعطي نفسه الحق في التفتيش والتنقيب في مجتمعنا المصري‏..‏ خاصة إذا كان الشك وسوء الظن وإثارة الفتن هو الهدف الحقيقي لهذه البعثات واللجان المشبوهة التي تأتينا من أمريكا من حين لآخر لتقليب المواجع واختلاق المشكلات وإلقاء التهم الجزافية بدعوي الحريات الدينية وحقوق الإنسان‏..‏
هذا الإنسان المقتول في غزة ورام الله والمطارد والمضطهد في القدس السليبة‏..‏ وأمريكا آخر من يحق لها الكلام في موضوع الحقوق المهضومة والإنسانية المظلومة وهذه أفعالها وأفعال حبيبتها إسرائيل التي تشجعها وتدعمها‏.‏
نحن أمام أعداء وإن لبسوا ثوب الأصدقاء‏..‏ وأمريكا بوقوفها مع إسرائيل وتسليحها لليهود بأسلحة الدمار الشامل وترسانات الحرب الكيمائية والجرثومية ومساندتها للعدو الإسرائيلي علي فلسطين العربية جعلت من نفسها وريثة للاستعمار البريطاني في المنطقة العربية‏..‏ وجعلت من نفسها عدوا شرسا للمسلمين وإن مدت لهم أيدي الصداقة‏.‏
عن أي حريات دينية تفتش هذه اللجان في بلادنا وبأي حق؟‏!!‏
وهل تريدنا أمريكا أن نفهم الحرية كما تفهمها‏..‏؟؟‏!!‏
إن أمريكا تحمي حرية الرجل الشاذ في أن يختار رجلا شاذا مثله ليتزوجه‏..‏ وهناك كنائس في أمريكا تزوج الرجال الشواذ بالرجال الشواذ‏..‏ والنساء الشواذ بالنساء الشواذ‏..‏ فكيف تصلح أمريكا مقياسا للأخلاق في بلادنا‏..‏ وكيف تصلح حكما‏..‏ وكيف تقيم من نفسها قاضيا يجلس للفتيا في قضايانا الدينية‏.‏
لقد رفض البابا شنودة لقاء هذه اللجان‏..‏ ومعه الحق كل الحق‏.‏
ومصر ترفض إعطاء أمريكا هذه الرخصة في التدخل في خصوصياتنا الدينية‏.‏
وما تفعله أمريكا يدخل في باب التجسس لا في باب البحث المشروع‏.‏
.................


والصداقة لا تقبل التجزئة‏..‏ فأين أمريكا الصديقة في محنة الظلم الفادح الذي يقع للشعب الفلسطيني‏..‏ وأين أمريكا في حقوق هذا الإنسان المغدور‏..‏ وأين أمريكا في هذا القهر الظالم الفاجر الذي يقع علي أرض عربية‏.‏
وماذا يساوي العرب في نظر أمريكا أكثر من بترولهم‏..‏؟‏!!‏ سؤال نريد له جوابا شافيا‏.‏
إن أمريكا تثبت كل يوم أن الاستعمار هو الاستعمار‏..‏ في جميع صوره وأشكاله بدءا من إبادة الهنود الحمر‏..‏ إلي قهر الوطن العربي بآلة الحرب الإسرائيلية‏..‏ إلي لجان التفتيش في الواقع الديني المصري‏.‏
ولا أملك يا سيد بوش إلا أن أسمي الأشياء بأسمائها‏..‏
ليس ما تفعلونه بالصداقة أبدا‏..‏
دعوا الصداقة لأهلها‏.‏
إن ما يجري من تصرفات يمكن أن يصنف تحت بند‏..‏ المصالح والمنافع‏..‏ وهي المائدة المشتركة بين عائلة الذئاب وجوارح الطير وورثة الاستعمار بأشكاله وأنواعه‏..‏
وهي مائدة لا وجود فيها للعواطف ولا للصداقة‏..‏ لا وجود إلا للمخلب والناب‏.‏
ونحن لا نستطيع أن ننافس أمريكا في مخالبها وأنيابها ولا نملك الدخول في هذه اللعبة ولا ندعي القدرة عليها‏..‏ ولهذا نفضل أن نغلق بابنا علي بيتنا ونكفيكم خيرنا وشرنا‏..‏ لا نريد زواركم ولا نشغلكم بزوارنا‏..‏ وتكفينا‏..‏ هالو‏..‏ من بعيد لبعيد‏..‏ فزوار اليوم يغسلون الأحذية بالفنيك خوفا من الحمي القلاعية‏..‏ ويربطون علي بطونهم خوفا من جنون البقر‏..‏ والهواء معد‏..‏ والعطس قاتل‏..‏ والتلوث هو القاعدة والعياذ بالله‏.‏
الأحضان الدافئة تنقل الإيدز‏..‏ والقبلات اللذيذة تنقل الإنفلونزا‏..‏
والقلوب تلوثها الأغراض والأطماع‏..‏
ولا وجود للبراءة في أي مكان‏..‏
والإنسان معاقب في دنياه وآخرته‏..‏
وفي عالم من أمثال شارون‏..‏ الحياة لا تساوي همها والوجود لا يحتمل‏.‏
وللأسف الشديد يا سادة‏..‏ لا يوجد لهذا الجيل اختيار‏..‏ فلا يستطيع سكان هذا العصر أن يختاروا لأنفسهم عصرا آخر‏..‏ ولا توجد سبل مواصلات للهروب من الزمن‏..‏ أو الفرار إلي المريخ‏.‏
والسفر في الزمن حلم جميل نقرؤه في الروايات ولكنه مجرد حلم لا أكثر‏.‏
وكم أتمني أن أهاجر من هذه الكوابيس إلي زمن الرسول عليه الصلاة والسلام‏.‏
وكم أتمني أن أري وجه سيدنا علي ولو في حلم‏..‏
ليس هروبا من عالم الباطل بل شوقا إلي عالم الحق‏..‏ لأتزود بطاقة تساعدني علي الاستمرار‏..‏ ما أروع البطولة‏..‏ سيفا لسيف ورجلا لرجل‏..‏ ولا مطلب ولا هدف سوي وجه الله ورضاه‏..‏ هنا القيمة اللانهائية‏..‏ التي لا يعدلها ذهب الأرض كله‏.‏
وهنا معني الخلود‏..‏
إنه الموت ولا موت‏..‏
السيف سوف يخترق العدم نفسه ويضع قدم صاحبه علي أرض الخلود‏.‏
أين هذا من التهريج الأمريكي ومادونا ومايكل جاكسون وعالم الشذوذ والجنس والمخدرات والهامبورجر والكنتاكي وزبالة الأطعمة التي يلقونها علينا‏..‏ وما يفعله مايكل جاكسون‏..‏ يستطيع أن يفعله أي قرد سيريلانكي بمهارة أكبر‏.‏
إننا نعيش في زمن رخيص‏..‏ يا سادة‏.‏
وليس من حق أمريكا أن تبعث إلينا بلجان تفتيش‏..‏ فبيتها أولي بهذا التفتيش وأحوج‏.‏
لقد صعدت أمريكا إلي القمر‏..‏ هذا صحيح‏..‏
وقد سبقتها روسيا إلي هذا الشرف الرفيع‏..‏
ولكن ماذا فعلوا هناك‏..‏؟‏!‏
روسيا ألقت سفينتها الفضائية مير كزبالة فضائية‏..‏ وأعولت الصحف وتعالت البكائيات والمراثي علي ماض انتهي وترك وراءه ذيولا من الفقر والفوضي والعجز الاجتماعي‏..‏
وأمريكا في الطريق النازل نفسه‏..‏ انهيار البورصات‏..‏ والركود الاقتصادي‏..‏ وتدهور الأسهم والسندات‏..‏ والبقية آتية في الطريق‏.‏
ماذا سيبقي‏..‏؟‏!‏
الحضارة ليست دبابات وطائرات وصواريخ ولا هي دولارات وماركات‏..‏ والإنسان ليس عضلات ولا قوي مادية فقط وإنما الإنسانية رقي وأخلاق ورحمة وسمو وعظمة وقيم ومعنويات ومثاليات‏..‏ الحضارة روح‏.‏
ومصر الماضي لم تكن أهرامات فقط‏..‏ وإنما كانت ترنيمة أخناتون وكانت فكر الموحدين في جامعة أون وكانت عازفة الهارب وأنشودة الناي ومعجزة القرآن‏.‏
هذه كانت حضارات‏..‏ ولم تكن مجرد غزوات عسكرية‏.‏
أما اليوم فالقمم أقرب ما تكون إلي القاع وبين غمضة عين وانتباهتها تنقلب المصائر وتهوي القمم إلي حضيض‏..‏ ويرتفع شأن من لا شأن لهم‏..‏ كما البورصات‏..‏ وهذا هو الزمن الرخيص‏..‏ يرتفع فيه من لا يستحق ويهوي تحت الردم من تأخذه عن نفسه الغفلة ولو لحظات‏..‏ ويختفي الإنسان مثل الأكلات السريعة‏..‏ ويبتلع ويزدرد بلا هضم‏.‏
وهذا زماننا‏..‏
زمن المعلبات‏..‏
كل شيء يقدم إلينا معلبا‏..‏
واليوم يحاولون تعليب التاريخ نفسه‏..‏
هل يمكن؟‏!!‏
لا أظن أن هذا بالأمر الممكن‏.‏
والذين يحاولون تعليب التاريخ‏..‏ سوف يعلبهم التاريخ نفسه في لحظة زمان‏..‏ كما طوت الأرض قوم عاد في لحظة‏..‏ تلك التي سماها ربنا في القرآن عادا الأولي‏..‏
وأراد الله بهذا أن يلفت أنظارنا‏..‏ إلي عاد ثانية قادمة‏..‏ هي أمريكا التي نحن فيها الآن‏..‏ سيكون لها علو وطغيان‏..‏ ثم تلحق بعاد الأولي في مصيرها‏..‏ لتكون عبرة‏.‏
فهل تفعل أمريكا ما فعله الجبارون الأوائل‏..‏ وتمشي علي دربهم‏..‏ فيلحق بها ما لحق بهم‏..‏؟‏!!‏
المستقبل وحده هو الذي عنده الإجابة‏..‏ وإنها لتهرول ساعية علي آثارهم‏..‏
ونمسك بأنفاسنا‏..‏ فإن قائد الكون وحده هو الذي بيده عصا القيادة‏..‏ وبأمره يسير الفلك‏..‏ وليس برغباتنا ولا أحلامنا‏.‏
ماذا يقول ربنا في قرآنه لقوم عاد في سورة الشعراء في الآيات‏130,129,128‏ أتبنون بكل ريع آية تعبثون وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون وإذا بطشتم بطشتم جبارين‏..‏ وكأنما يكلم أمريكا التي سبقت العالم في مصانعها وأبحاثها عن أسرار الحياة والخلود والاستنساخ‏..‏ وسبقت العالم في بطشها وجبروتها فألقت بالقنبلة الذرية علي اليابان رغم استسلامها‏..‏ ليس قنبلة واحدة بل قنبلة علي هيروشيما وأخري بعدها علي ناجازاكي‏..‏ فقتلت ثلاثمائة ألف قتيل في لحظة‏..‏ سابقة للبطش ليس له مثيل‏..‏
وهم في أمريكا يبنون بكل ريع آية من آيات المعمار وناطحات تنطح السحاب وأبراجا تطاول السماء تمتلئ بالنوادي الوجودية وفنون العبث واللهو والترف التي لا تخطر علي بال‏..‏ فماذا تعني تلك الآيات المنذرة‏.‏
أهي إشارة من عالم الغيب والشهادة إلي زلزال مروع يأتي علي هذا كله‏.‏
إن القرآن لا يلقي بالكلام علي عواهنه‏..‏ وإنما هي آيات محكمات يأتي بها الله شواهد علي صدق نبيه في الماضي والحاضر والمستقبل فيلجم بها الأفواه المنكرة‏.‏
وأمسك عن التفسير‏..‏ فما أدري ماذا تكون قاصمة الظهر التي سيأخذ بها ربنا عادا الثانية‏..‏ وإلي ماذا تشير هذه الآيات التي يتجمد لها الدم في العروق‏.‏
وننتظر لنري‏..‏ كيف ومتي تكون نهاية قوم عاد الجدد جبابرة هذا الزمان‏..‏ وعلي أي صورة سيأتي عليهم هذا النذير‏.‏
ويظل السؤال‏..‏ متي؟‏!..‏ وكيف؟‏!‏ معلقا‏..‏ والجواب علامات استفهام‏..‏
متي ينزل الله عقابه‏..‏ وكيف‏..‏؟
والله وحده هو الذي يقدر الأمر‏..‏
ومن أسمائه أنه الصبور‏..‏ وهو يصبر علي ذنوب خلقه ويمهلهم إلي حين‏..‏
وقد يطول هذا الصبر إلي مدي أجيال‏..‏
وقد ينزل عقابه بساحتهم بين عشية وضحاها‏..‏ أليس الصبح بقريب‏..‏
ولكنه قادم يقينا‏..‏
وساحة الإعدام جاهزة في انتظار كلمة‏..‏ كن‏..‏
ولن يفلت ظالم‏..‏
وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون‏(227‏ ـ الشعراء‏).‏
وكان خطابي ليهود إسرائيل في مقال سابق بأولاد العم من باب العشم فأنبياؤهم إسحاق ويعقوب وإسماعيل هم سلالة إبراهيم بدون شك وإبراهيم هو جوهرة التاج وهو أبو الأنبياء بلا جدال‏..‏ ولكن أين هؤلاء الأبناء من الآباء الآن وأين الأحفاد من الأجداد‏..‏ لقد اختلطت السلالات وامتزج الحابل بالنابل وكثر الخبث وخرج من ظهور الملائكة زبانية ومن ظهور الأبرار الأطهار شياطين‏..‏ والعشم في هذه السلالة الموجودة هو عشم إبليس في الجنة‏..‏ والقراء علي حق في اعتراضهم فالمشهد الآن لا أمل فيه‏..‏ والسلالة الموجودة هي سلالة من المردة والعصاة‏..‏ والأخبار تأتي من فلسطين ورام الله والقدس السليبة ومعها لفحة من جهنم والصفحات الأولي من الجرائد أشبه ببوابات الجحيم‏.‏
والحقد يطل من عيون شارون والشرر يتطاير من كلماته‏.‏
والمفاوضات تتحدث عن السلام وشروط السلام ولكن الرصاص ينطلق من جميع الجهات والعنف هو القاعدة‏.‏
كيف يطلب قادة إسرائيل إيقاف الانتفاضة دون فك الحصار‏.‏
إن اليهود هم الذين يحملون الرشاشات ويركبون المصفحات وليس شعب فلسطين‏,‏ وهم المفترض أن يبدأوا بفك الحصار ليكون للكلام عن السلام معني وللتفاوض مضمون‏.‏
إن إسرائيل هي القوة الغاصبة والاحتلال القاهر وليس أهل رام الله والخليل وأطفال الحجارة والمفروض أن تأتي البادرة الأولي من إسرائيل‏.‏
إن الصورة الحالية للأحداث مستفزة ولا تبشر بخير‏.‏
افتحوا الحدود وفكوا الحصار وأنزلوا البنادق من علي اكتافكم أولا‏..‏ ثم قولوا نجتمع ونتكلم‏.‏
أما الاعتزاز بالقوة الأمريكية واستنهاض الديناصور الأمريكي والوقوف في حماية بوش وفوهات المدافع الرشاشة موجهة إلي الشعب الفلسطيني ثم اشتراط وقف الانتفاضة‏..‏ فهو وضع مقلوب يطلب الحرب وإن كان يتحدث عن السلام بالفم المليان‏.‏
فمن هو الطرف القوي ومن هو الطرف الضعيف‏.‏
إسرائيل ومن ورائها الترسانة النووية والعملاق الأمريكي؟‏!..‏ أم ياسر عرفات وأطفال الحجارة‏.‏
المنطق مقلوب تماما يا إخوة‏..‏
وأمريكا ليست طرفا محايدا‏..‏
والظلم جهير‏..‏
ومن أجل هذا أقول‏..‏ وأنا أستشعر الخطر‏..‏
جاء الميقات‏..‏ وسوف يأتي الله بأمره‏..‏
واقرأوا المقال من أوله‏.‏
وانتظروا الكارثة‏.‏