حياة المعارف في مصر بقلم الشيخ محمد رشيد رضا
دخلت المعارف بمصر في حياة جديدة على عهد سعد باشا زغلول ، فأسس
مدرسة القضاء الشرعي التي وضع مشروعها الأستاذ الإمام ، وستفتح أبوابها
للطالبين الذين نجحوا في الامتحان في الشهر الآتي ، وهذه أعظم خدمة للإسلام في
هذا العصر ، وأعاد التعليم المجاني وجعل من المزايا لمن يتعلمون فن التعليم ما
يرغبهم فيه ؛ ككونهم يتعلمون مجانًا ، ويتغدون في المدرسة ، ومنهم من يأخذ مرتبًا
شهريًّا ؛ وهم أصحاب القسم الثاني من تلاميذ مدرسة المعلمين الخديوية ، وأرسل
البعوث إلى أوربا ؛ لتلقي العلوم العالية في إنكلترا ، وبثها في البلاد بعد عودتهم
فائزين- إن شاء الله تعالى - وهذه البعوث أكثرها من الذكور وبعضها من الإناث ،
وقد انتقد إرسال بعض البنات إلى أوربا من اتخذوا تقبيح أعمال الحكومة ؛ دلائل
على حبهم للوطن وأهله ؛ لعلمهم أن السواد الأعظم لا يزال من الجهلة الذين يعدون
تعليم البنات من المنكرات ، فهم يحتجون على قبح إرسال البنات إلى أوربا ؛ بكونه
مخالفًا لرأي الأمة ، ولو أن الحكومة اتبعت رأي الأمة من عهد محمد علي إلى اليوم
لما تعلم أحد من أبنائها ولا بناتها كلمة في غير تلك الكتاتيب القديمة والأزهر .
إن جميع عقلاء الأمة العارفين بما ينفعها ويضرها متفقون على أن تعليم البنات
ركن من أركان الحياة ، أو شرط لحصولها أو كمالها . نعم إنهم يختلفون في قدر ما
ينبغي أن تتعلمه البنات ، ورأي كثير من المعتدلين أن التعليم الابتدائي كاف لهن ،
وأنه لا حاجة أو لا ضرورة إلى تعليمهن لغة أجنبية .
ولكن هذا الرأي خاص بالتعليم العام ، وهو لا يعارض وجوب تمييز من تتعلم ؛
لتكون معلمة في المدارس على سائر المتعلمات ، فإن من لا يتجاوز علمها ما يلقى في
المدارس الابتدائية ، لا تصلح أن تكون معلمة فيها . ثم إننا مادمنا عالة على الإفرنج
في علومنا ومدنيتنا ، وما دام أمر حكومتنا ومنها إدارة معارفنا في أيديهم أو تحت
إشرافهم ، فلابد لنا من معلمين ومعلمات من أهل العلم الأوربي الذين يتلقونه من
معدنه عن أهله بلغته ، حتى لا تقوم علينا حجة القوم بأنه ليس فينا أكفاء يتولون
التعليم لا سيما تعليم البنات . فإرسال بعض البنات اللواتي يرغبن هن وأولياؤهن بأن
يكن معلمات في المدارس إلى أوربا ؛ لتلقي العلوم فيها هو الوسيلة إلى إغناء نظارة
المعارف عن المعلمات الأوربيات لا وسيلة سواها ، وينبغي أن يخترن من البيوت
التي حسنت تربيتها بالدين والأدب .
على أن الأمة إذا صارت فيها الحياة المعنوية سريانًا تامًّا ، فإنه لابد أن يوجد
فيها من البنات ، من ينهض بهن استعدادهن إلى تلقي العلوم العالية ، وليس من
اعتدال المعتدلين أن يُمنع هؤلاء من ذلك ، بعد العلم بصدق الرغبة وقوة الاستعداد ،
فقد كان في الأمة الإسلامية أيام حياتها الأولى كثيرات من المشتغلات بالعلوم الكمالية
التي هي من فروض الكفايات ، التي لا يقوم بها إلا بعض الرجال ، حتى رواية
الحديث بالأسانيد والتصدي للتحديث .
مدرسة القضاء الشرعي التي وضع مشروعها الأستاذ الإمام ، وستفتح أبوابها
للطالبين الذين نجحوا في الامتحان في الشهر الآتي ، وهذه أعظم خدمة للإسلام في
هذا العصر ، وأعاد التعليم المجاني وجعل من المزايا لمن يتعلمون فن التعليم ما
يرغبهم فيه ؛ ككونهم يتعلمون مجانًا ، ويتغدون في المدرسة ، ومنهم من يأخذ مرتبًا
شهريًّا ؛ وهم أصحاب القسم الثاني من تلاميذ مدرسة المعلمين الخديوية ، وأرسل
البعوث إلى أوربا ؛ لتلقي العلوم العالية في إنكلترا ، وبثها في البلاد بعد عودتهم
فائزين- إن شاء الله تعالى - وهذه البعوث أكثرها من الذكور وبعضها من الإناث ،
وقد انتقد إرسال بعض البنات إلى أوربا من اتخذوا تقبيح أعمال الحكومة ؛ دلائل
على حبهم للوطن وأهله ؛ لعلمهم أن السواد الأعظم لا يزال من الجهلة الذين يعدون
تعليم البنات من المنكرات ، فهم يحتجون على قبح إرسال البنات إلى أوربا ؛ بكونه
مخالفًا لرأي الأمة ، ولو أن الحكومة اتبعت رأي الأمة من عهد محمد علي إلى اليوم
لما تعلم أحد من أبنائها ولا بناتها كلمة في غير تلك الكتاتيب القديمة والأزهر .
إن جميع عقلاء الأمة العارفين بما ينفعها ويضرها متفقون على أن تعليم البنات
ركن من أركان الحياة ، أو شرط لحصولها أو كمالها . نعم إنهم يختلفون في قدر ما
ينبغي أن تتعلمه البنات ، ورأي كثير من المعتدلين أن التعليم الابتدائي كاف لهن ،
وأنه لا حاجة أو لا ضرورة إلى تعليمهن لغة أجنبية .
ولكن هذا الرأي خاص بالتعليم العام ، وهو لا يعارض وجوب تمييز من تتعلم ؛
لتكون معلمة في المدارس على سائر المتعلمات ، فإن من لا يتجاوز علمها ما يلقى في
المدارس الابتدائية ، لا تصلح أن تكون معلمة فيها . ثم إننا مادمنا عالة على الإفرنج
في علومنا ومدنيتنا ، وما دام أمر حكومتنا ومنها إدارة معارفنا في أيديهم أو تحت
إشرافهم ، فلابد لنا من معلمين ومعلمات من أهل العلم الأوربي الذين يتلقونه من
معدنه عن أهله بلغته ، حتى لا تقوم علينا حجة القوم بأنه ليس فينا أكفاء يتولون
التعليم لا سيما تعليم البنات . فإرسال بعض البنات اللواتي يرغبن هن وأولياؤهن بأن
يكن معلمات في المدارس إلى أوربا ؛ لتلقي العلوم فيها هو الوسيلة إلى إغناء نظارة
المعارف عن المعلمات الأوربيات لا وسيلة سواها ، وينبغي أن يخترن من البيوت
التي حسنت تربيتها بالدين والأدب .
على أن الأمة إذا صارت فيها الحياة المعنوية سريانًا تامًّا ، فإنه لابد أن يوجد
فيها من البنات ، من ينهض بهن استعدادهن إلى تلقي العلوم العالية ، وليس من
اعتدال المعتدلين أن يُمنع هؤلاء من ذلك ، بعد العلم بصدق الرغبة وقوة الاستعداد ،
فقد كان في الأمة الإسلامية أيام حياتها الأولى كثيرات من المشتغلات بالعلوم الكمالية
التي هي من فروض الكفايات ، التي لا يقوم بها إلا بعض الرجال ، حتى رواية
الحديث بالأسانيد والتصدي للتحديث .
المصدر مجلة المنار