السبت، 24 نوفمبر 2012

موسوعة الأخلاق الإسلامية : نقض العهد

نقض العهد

معنى نقض العهد لغة واصطلاحاً
معنى النقض لغة واصطلاحاً
معنى النقض لغة:
وفي الصحاح: النَقْضُ: نَقْضُ البناءِ والحَبْلِ والعهدِ (1).
وقال ابن منظور: نقض: النقض: إفساد ما أبرمت من عقد أو بناء (2)
وقال ابن فارس: النون والقاف والضاد أصل صحيح يدل على نكث شيء (3)
معنى النقض اصطلاحاً:
قال القرطبيّ: النّقض: إفساد ما أبرمته من بناء أو حبل أو عهد (4).
وقال الرّاغب: النّقض: انتثار العقد من البناء والحبل والعقد، وهو ضدّ الإبرام، ومن نقض الحبل والعقد استعير نقض العهد (5).
معنى العهد لغة واصطلاحاً:
معنى العهد لغة:
العهد: الوصية والأمان والموثق والذمة ومنه قيل للحربي يدخل بالأمان ذو عهد ومعاهد (6).
وقد عَهِدْتُ إليه، أي أوصيته، ومنه اشتُقَّ العَهْدُ الذي يكتب للوُلاةِ (7).
معنى العهد اصطلاحا:
قال الجرجانيّ: العهد: حفظ الشّيء ومراعاته حالا بعد حال. هذا أصله ثمّ استخدم في الموثق الّذي يلزم مراعاته (8).

(1) ((الصحاح تاج اللغة)) للجوهري (3/ 1110).
(2) ((لسان العرب)) لابن منظور (7/ 242).
(3) ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/ 470).
(4) ((الجامع لأحكام القرآن)) (1/ 246).
(5) ((المفردات)) (ص821).
(6) ((المصباح المنير)) للفيومي (2/ 435).
(7) ((الصحاح)) للجوهري (2/ 515).
(8) ((التعريفات)) (159).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،معاني العهد
ويأتي العهد على عدة معان، وهي (1):
1 - العهد: الموثق واليمين يحلف بها الرجل والجمع كالجمع، تقول: علي عهد الله وميثاقه، وقيل: ولي العهد، لأنه ولي الميثاق الذي يؤخذ على من بايع الخليفة.
2 - والعهد: الوصية، يقال عهد إلي في كذا: أوصاني.
3 - والعهد: التقدم للمرء في الشيء، ومنه العهد الذي يكتب للولاة، والجمع: عهود، وقد عهد إليه عهداً.
4 - والعهد: الوفاء والحفاظ ورعاية الحرمة.
5 - والعهد: الأمان، قال شمر: العهد الأمان، وكذلك الذمة، تقول: أنا أعهدك من هذا الأمر، أي: أؤمنك منه، ومنه اشتقاق العهدة.
6 - والعهد: الالتقاء، وعهد الشيء عهدا عرفه، وعهدته بمكان كذا أي لقيته وعهدي به قريب.
7 - والعهد: ما عهدته فثافنته، يقال:؛ عهدي بفلان وهو شاب، أي: أدركته فرأيته كذلك.
8 - والعهد: المنزل الذي لا يزال القوم إذا انتأوا عنه رجعوا إليه، ويقال له: المعهد - أيضا- وكذلك المنزل المعهود به الشيء يقال له: العهد، قال ذو الرمة:
هل تعرف العهد المحيل رسمه.
9 - والعهد: أول مطر، والولي الذي يليه من الأمطار، وفي الصحاح: العهد: المطر الذي يكون بعد المطر، وقد عهدت الأرض فهي معهودة أي: ممطورة.
10 - والعهد: الزمان، كالعهدان - بالكسر -.
11 - والعهد: التوحيد.
12 - والعهد: الضمان.
13 - والعهد: الذي يحب الولايات والعهود.
(1) ((العهد والميثاق في القرآن العظيم)) لناصر العمر (ص17 - 19).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
الفرق بين العهد وبعض الكلمات
الفرق بين العهد والوعد:
قيل العهد ما يكون من الجانبين وأما ما يكون من جانب فوعد ونقضه خلف وعد (1).
الفرق بين النّقض والخيانة:
أنّ الخيانة تقتضي نقض العهد سرّا، أمّا النّقض فإنّه يكون سرّا وجهرا، ومن ثمّ يكون النّقض أعمّ من الخيانة ويرادفه الغدر، وضدّ الخيانة الأمانة، وضدّ النّقض: الإبرام (2).

(1) ((بريقة محمودية)) لأبي سعيد الخادمي (2/ 281).
(2) ((نضرة النعيم)) لمجموعة باحثين (11/ 5633).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،حكم نقض العهد:
نقض العهد كبيرة من كبائر الذنوب: وقد أمر الله المؤمنين بالوفاء بالعهود وحرم عليهم نقضها فقال: وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً [الإسراء: 34]. وقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ [المائدة: 1].
وتوجد الكثير من الأدلة في الكتاب والسنة التي تأمر بوجوب الوفاء بالعهد وتحرم نقضه، ولذلك فقد عد بعض العلماء نقض العهود من الكبائر، ومن هؤلاء العلماء:
الإمام ابن عطية رحمه الله قال: وكل عهد جائز بين المسلمين فنقضه لا يحل (1).
وكذلك الإمام الذهبي رحمه الله فقد عدها كبيرة من الكبائر حيث قال: الكبيرة الخامسة والأربعون: الغدر وعدم الوفاء بالعهد (2).
وأيضاً الإمام ابن حجر رحمه الله، فقد عدها أيضاً من الكبائر، وقال: عَدُّ هذا من الكبائر هو ما وقع في كلام غير واحد (3).


(1) ((المحرر الوجيز)) (1/ 113).
(2) ((الكبائر)) (ص168).
(3) ((الزواجر عن اقتراف الكبائر)) (1/ 182).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،النهي عن نقض العهد في القرآن والسنة
ذم نقض العهد والنهي عنه من الكتاب:
- قال تعالى: وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ [التوبة: 12].
قال السدي: إن نكثوا عهدهم الذي عاهدوا على الإسلام وطعنوا فيه، فقاتلوهم (1).
وقال القرطبيُّ: (إذا حارب الذمي نقضَ عهدَه، وكان ماله وولده فيئا معه) (2).
وقال الرازي: وإن نكثوا أيمانهم أي نقضوا عهودهم (3).
- وقوله تعالى: الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ [البقرة: 27].
قال الطبري: وما يضل به إلا التاركين طاعة الله، الخارجين عن اتباع أمره ونهيه الناكثين عهود الله التي عهدها إليهم في الكتب التي أنزلها إلى رسله وعلى ألسن أنبيائه باتباع أمر رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وما جاء به وطاعة الله فيما افترض عليهم في التوراة من تبيين أمره للناس، وإخبارهم إياهم أنهم يجدونه مكتوبا عندهم أنه رسول من عند الله مفترضة طاعته. وترك كتمان ذلك لهم ونكثهم ذلك، ونقضهم إياه هو مخالفتهم الله في عهده إليهم فيما وصفت أنه عهد إليهم بعد إعطائهم ربهم الميثاق بالوفاء بذلك كما وصفهم به جل ذكره (4).
وقال السدي: هو ما عهد إليهم في القرآن فأقروا به ثم كفروا فنقضوه (5).
وقال السعدي: وهذا يعم العهد الذي بينهم وبينه والذي بينهم وبين عباده الذي أكده عليهم بالمواثيق الثقيلة والإلزامات، فلا يبالون بتلك المواثيق; بل ينقضونها ويتركون أوامره ويرتكبون نواهيه; وينقضون العهود التي بينهم وبين الخلق (6).
- وقال تعالى: فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا [النساء: 155].
قال ابن كثير: وهذه من الذنوب التي ارتكبوها، مما أوجب لعنتهم وطردهم وإبعادهم عن الهدى، وهو نقضهم المواثيق والعهود التي أخذت عليهم (7).
قال ابن عباس: (هو ميثاق أخذه الله على أهل التوراة فنقضوه) (8).
قال الزمخشري: وأما التوكيد فمعناه تحقيق أنّ العقاب أو تحريم الطيبات لم يكن إلا بنقض العهد وما عطف عليه من الكفر وقتل الأنبياء وغير ذلك (9).
قال الخازن: (فبسبب نقضهم ميثاقهم لعناهم وسخطنا عليهم وفعلنا بهم ما فعلنا) (10).
- وقَوْلِهِ تَعَالَى: فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [المائدة: 13].


(1) ((جامع البيان في تأويل آي القرآن)) للطبري (11/ 364).
(2) ((الجامع لأحكام القرآن)) (8/ 83).
(3) ((مفاتيح الغيب)) (15/ 534).
(4) ((جامع البيان في تأويل آي القرآن)) للطبري (1/ 438).
(5) ((تفسير القرآن العظيم)) لابن كثير (1/ 211).
(6) ((تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان)) (1/ 47).
(7) ((تفسير القرآن العظيم)) (2/ 447).
(8) رواه الطبري في ((تفسيره)) (10/ 126).
(9) ((الكشاف)) للزمخشري (1/ 585).
(10) ((لباب التأويل في معاني التنزيل)) (1/ 443).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،قال الطبري: مَعْنَى الْكَلَامِ: فمن كفر بعد ذلك منكم فقد ضل سواء السبيل , فنقضوا الميثاق , فلعنتهم , فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم , فاكتفى بقوله: فبما نقضهم ميثاقهم [النساء: 155] من ذكر فنقضوا (1).
قال ابن كثير: أي: فبسبب نقضهم الميثاق الذي أخذ عليهم لعناهم، أي أبعدناهم عن الحق وطردناهم عن الهدى (2).
- وقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً [الفتح: 10].
قال ابن كثير: إنما يعود وبال ذلك على الناكث، والله غني عنه (3).
قال السمرقندي: فمن نكث يعني: نقض العهد، والبيعة فإنما ينكث على نفسه يعني: عقوبته على نفسه (4).
وقال ابن عطية: أنّ من نكث يعني من نقض هذا العهد فإنّما يجني على نفسه، وإيّاها يهلك، فنكثه عليه لا له (5).
ذم نقض العهد والنهي عنه من السنة:
- عن علي رضي الله عنه قال: ما عندنا شيء إلا كتاب الله وهذه الصحيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيها: ((ذمة المسلمين واحدة، فمن أخفر مسلما فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه صرفٌ ولا عدل)) (6).
قال النووي رحمه الله: (قوله صلى الله عليه وسلم: ((ذمّة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم)) المراد بالذمة هنا الأمان. معناه: أن أمان المسلمين للكافر صحيح، فإذا أمّنه به أحد المسلمين حرُم على غيره التعرُّض له ما دام في أمان المسلم، وللأمان شروط معروفة ... وقوله صلى الله عليه وسلم: ((فمن أخفر مسلمًا فعليه لعنة الله)) معناه: من نقض أمانَ مسلم فتعرّض لكافر أمَّنه مسلم، قال أهل اللغة: يقال: أخفرتُ الرجل إذا نقضتُ عهده، وخفرته إذا أمَّنته) (7).
وقال ابن حجر رحمه الله: (قوله: ((ذمّة المسلمين واحدة)) أي: أمانهم صحيح، فإذا أمَّن الكافرَ واحدٌ منهم حرُم على غيره التعرّض له ... وقوله: ((يسعى بها)) أي: يتولاها ويذهب ويجيء، والمعنى: أن ذمّة المسلمين سواء صدرت من واحد أو أكثر، شريف أو وضيع، فإذا أمّن أحد من المسلمين كافرا وأعطاه ذمّةً لم يكن لأحد نقضه، فيستوي في ذلك الرجل والمرأة والحرّ والعبد؛ لأن المسلمين كنفس واحدة ... وقوله: ((فمن أخفر)) بالخاء المعجمة والفاء أي: نقض العهد، يقال: خفرته بغير ألف أمّنته، وأخفرته نقضت عهده) (8).
قال ابن تيمية: جاء الكتاب والسنة بالأمر بالوفاء بالعهود والشروط والمواثيق والعقود وبأداء الأمانة ورعاية ذلك والنهي عن الغدر ونقض العهود والخيانة والتشديد على من يفعل ذلك (9)


(1) ((جامع البيان في تأويل آي القرآن)) للطبري (8/ 248).
(2) ((تفسير القرآن العظيم)) (3/ 66).
(3) ((تفسير القرآن العظيم)) (7/ 330).
(4) ((بحر العلوم)) للسمرقندي (3/ 314).
(5) ((المحرر الوجيز)) (5/ 129).
(6) رواه البخاري (1870).
(7) ((شرح صحيح مسلم)) (9/ 144 - 145).
(8) ((فتح الباري)) (4/ 86).
(9) ((مجموع الفتاوى)) (29/ 145 - 146).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خمس بخمس، قيل: يا رسول الله، وما خمس بخمس؟ قال: ما نقض قوم العهد إلا سلَّط الله عليهم عدوَّهم، وما حكموا بغير ما أنزل الله إلا فشا فيهم الفقر، وما ظهرت الفاحشة فيهم إلا فشا فيهم الموت، ولا طفَّفوا الكيل إلا مُنِعوا النبات وأُخِذوا بالسنين، ولا منعوا الزَّكاة إلا حُبس عنهم المطر)) (1).
قال المناوي: (ما نقض قوم العهد) أي: ما عاهدوا الله عليه أو ما عاهدوا عليه قوما آخرين (إلا سلط عليهم عدوهم) جزاء بما اجترحوه من نقض العهد المأمور بالوفاء به (2).
- وعن أبي بكر الصديق- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من صلى الصبح، فهو في ذمة الله. فلا تخفروا الله في عهده. فمن قتله، طلبه الله حتى يكبه في النار على وجهه)) (3).
قال المباركفوري: أي في عهده وأمانه في الدنيا والآخرة وهذا غير الأمان الذي ثبت بكلمة التوحيد ((فلا تخفروا الله في ذمته)) قال في النهاية: خفرت الرجل أجرته وحفظته وأخفرت الرجل إذا نقضت عهده وذمامه) (4).
وقال السندي: (فهو في ذمة الله) أي: أمانه وعهده، أو أنه تعالى أوجب له الأمان (فلا تخفروا الله) من أخفره إذا نقض عهده (5).
- وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا، فذلك المسلم الذي له ذمة الله وذمة رسوله، فلا تخفروا الله في ذمته)) (6).
قال ابن رجب: ((فلا تخفروا الله في ذمته))، أي: لا تغدروا بمن له عهد من الله ورسوله، فلا تفوا له بالضمان، بل أوفوا له بالعهد (7).
وقال القاري: أي لا تخونوا الله في عهده، ولا تتعرضوا في حقه من ماله، ودمه، وعرضه، أو الضمير للمسلم أي فلا تنقضوا عهد الله (8).
وقال حمزة محمد قاسم: ((فلا تخفروا الله في ذمته)) أي فلا تنقضوا عهد الله فيه، ولا تخونوه بانتهاك حقوقه، فإن أي اعتداء عليه هو خيانة لله ورسوله، ونقض لعهدهما، وإهدار لكرامة الإسلام (9).


(1) رواه الطبراني في ((الكبير)) (11/ 45) (10992). قال المنذري في ((الترغيب والترهيب)) (1146): سنده قريب من الحسن وله شواهد. وقال الهيثمي في ((المجمع)) (3/ 68): فيه إسحاق بن عبد الله بن كيسان المروزي، لينه الحاكم، وبقية رجاله موثقون، وفيهم كلام. وصححه السيوطي في ((الجامع الصغير)) (3945).
(2) ((فيض القدير)) (3/ 452).
(3) رواه ابن ماجه (3945)، والضياء في ((المختارة)) (1/ 151) (64). قال البوصيري في ((مصباح الزجاجة)) (4/ 167): إسناده رجاله ثقات إلا أنه منقطع.
(4) ((تحفة الأحوذي)) للمباركفوري (2/ 12).
(5) ((حاشية السندي على سنن ابن ماجة)) (2/ 462).
(6) رواه البخاري (391).
(7) ((فتح الباري)) (3/ 58).
(8) ((فتح الباري)) (3/ 58).
(9) ((منار القاري)) (2/ 3).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،أقوال السلف والعلماء في ذم نقض العهد
- قال ابن حجر: (كان عاقبة نقض قريش العهد مع خزاعة حلفاء النّبيّ صلى الله عليه وسلّم أن غزاهم المسلمون حتّى فتحوا مكّة واضطرّوا إلى طلب الأمان، وصاروا بعد العزّة والقوّة في غاية الوهن إلى أن دخلوا في الإسلام، وأكثرهم لذلك كاره) (1).
- وقال أيضاً: (الغدر حرمته غليظة لا سيّما من صاحب الولاية العامّة لأنّ غدره يتعدّى ضرره إلى خلق كثير، ولأنّه غير مضطرّ إلى الغدر لقدرته على الوفاء) (2).
- وقال ابن عطيّة- رحمه الله تعالى- في تفسير قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً [الفتح: 10]: فَمَنْ نَكَثَ أي فمن نقض هذا العهد فإنما يجني على نفسه وإياها يهلك، فنكثه عليه لا له) (3).
- وقال أيضاً في تفسير قوله تعالى: (وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ ... [النحل: 92] الآية. شبهت هذه الآية الذي يحلف أو يعاهد أو يبرم عقدة بالمرأة التي تغزل غزلها وتفتله محكما، وشبه الذي ينقض عهده بعد الإحكام بتلك الغازلة إذا نقضت قوى ذلك الغزل فحلته بعد إبرامه) (4).
- وقال ابن كثير: (إنّ من صفات المنافقين أنّ أحدهم إذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر، وإذا حدّث كذب، وإذا ائتمن خان. ولذلك كان حال هؤلاء الأشقياء ومصيرهم إلى خلاف ما صار إليه المؤمنون كما أنّهم اتّصفوا بخلاف صفاتهم في الدّنيا فأولئك كانوا يوفون بعهد الله ويصلون ما أمر الله به أن يوصل. وهؤلاء ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه) (5).
- وقال محمّد بن كعب القرظيّ- رحمه الله تعالى- (ثلاث خصال من كنّ فيه كنّ عليه: البغي، والنّكث، والمكر، وقرأ وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ [فاطر: 43]، يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ [يونس: 23]، فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ [الفتح: 10]) (6).
- وصف أعرابيّ قوما فقال: (أولئك قوم أدّبتهم الحكمة، وأحكمتهم التّجارب، ولم تغررهم السّلامة المنطوية على الهلكة، ورحل عنهم التّسويف الّذي قطع النّاس به مسافة آجالهم، فقالت ألسنتهم بالوعد، وانبسطت أيديهم بالإنجاز، فأحسنوا المقال، وشفعوه بالفعال، كان يقال: آفة المروءة خلف الوعد) (7).
- و (دخل بعض السلف على مريض مكروب فقال له: عاهد الله على التوبة لعله أن يقيلك صرعتك فقال: كنت كلما مرضت عاهدت الله على التوبة فيقيلني فلما كان هذه المرة ذهبت أعاهد كما كنت أعاهد فهتف بي هاتف من ناحية البيت: قد أقلناك مرارا فوجدناك كذابا ثم مات عن قريب) (8).
- وتاب بعض من تقدم ثم نقض فهتف به هاتف بالليل:
سأترك ما بيني وبينك واقفا ... فإن عدت عدنا والوداد مقيم
تواصل قوما لا وفاء لعهدهم ... وتترك مثلي والحفاظ قديم (9)
- وقال أبو العالية: (ستّ خصال في المنافقين إذا كانت فيهم الظّهرة على النّاس أظهروا هذه الخصال: إذا حدّثوا كذبوا، وإذا وعدوا أخلفوا، وإذا ائتمنوا خانوا، ونقضوا عهد الله من بعد ميثاقه وقطعوا ما أمر الله به أن يوصل، وأفسدوا في الأرض، وإذا كانت الظّهرة عليهم أظهروا الخصال الثّلاث: إذا حدّثوا كذبوا، وإذا وعدوا أخلفوا، وإذا ائتمنوا خانوا) (10).


(1) ((فتح الباري)) لابن حجر (6/ 285).
(2) ((فتح الباري)) لابن حجر (6/ 284).
(3) ((المحرر الوجيز)) لابن عطية (5/ 129).
(4) ((المحرر الوجيز)) لابن عطية (3/ 417).
(5) ((تفسير القرآن العظيم)) (4/ 453).
(6) ((ذم البغي)) لابن أبي الدنيا (ص88).
(7) ((المنتقى من كتاب مكارم الأخلاق ومعاليها للخرائطي)) لأبي طاهر الأصبهاني (ص55).
(8) ((لطائف المعارف)) لابن رجب (ص63).
(9) ((لطائف المعارف)) لابن رجب (ص63).
(10) ((تفسير القرآن العظيم)) لابن كثير (1/ 211).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،آثار نقض العهد
كما أن الوفاء بالعهد والميثاق له آثاره النافعة، فإن نقض العهد والميثاق يترك آثارًا ضارة يقع ضررها على الفرد والمجتمع، ومن هذه المضار:
1 - كفر من نقض عهد الله:
قرن الله سبحانه وتعالى بين الكفر ونقض العهد في أكثر من موضع في القرآن الكريم، ولا شك بكفر من نقض عهده مع الله وأخلّ بميثاقه الذي أخذه عليه فقال تعالى: وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [البقرة: 93].
2 - الخسران:
الخسران عاقبة من نكث بعهده ونقض ميثاقه، قال تعالى: الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ [البقرة: 27].
3 - اللعن وقسوة القلوب والطبع عليها:
قال تعالى: فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلاً [المائدة: 13].
4 - الإغراء بالعداوة والبغضاء:
لما نقض النصارى الميثاق والعهود وبدّلوا دينهم، وضيّعوا أمر الله، أورثهم الله العداوة والبغضاء، قال تعالى: وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ [المائدة: 14].
5 - تحريم الطيبات:
عندما نقض بنو إسرائيل الميثاق حرم الله عليهم الطيبات، قال تعالى: فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيراً [النساء:160].
6 - القتل والتشريد:
ونقض المواثيق تؤدي إلى القتل والتشريد، قال تعالى: الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لا يَتَّقُونَ فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ [الأنفال: 56، 57].
7 - الضلال عن سواء السبيل:
لما كفر بنو إسرائيل بالله وخانوا مواثيقه أضلهم الله عن الطريق المستقيم، قال تعالى: وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرائيلَ [المائدة: 12] ثم قال في آخر الآية بعد تفصيل الميثاق: فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ [المائدة: 12].
8 - الخزي في الدنيا والعذاب الشديد في الآخرة:
لما ذكر الله تعالى المواثيق التي أخذها على بني إسرائيل ذكر خيانتهم وغدرهم ونكثهم للعهود والمواثيق، ثم هددهم قائلا: أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ [البقرة: 85].
9 - الجناية على النفس:
نقض العهود تعود جناتها على النفس، قال تعالى: فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ [الفتح: 10] فالناقض لعهده يجني على نفسه ويوبقها، وهذه الآثار هو سببها، وهو حطبها ووقودها (1).


(1) ((العهد والميثاق في القرآن الكريم)) لناصر العمر (ص214 - 226).،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،صور نقض العهد
من صور نقض العهد (1):
9 - نقض العهد الذي وصى الله به خلقه من فعل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال وترك ما لا يحبه الله ولا يرضاه من الأقوال والأفعال، والذي تضمنته كتبه المنزلة وبلغه رسله عليهم الصلاة والسلام، ومعنى نقض هذا العهد ترك العمل به.
10 - نقض العهد الذي للإمام ونائبه على المسلمين من وجوب الطاعة في المعروف ونصرة دين الله عز وجل دون مبرر شرعي يقتضي ذلك.
11 - نقض العهد الذي أعطاه الشارع الحكيم للكفار غير المحاربين من أهل الذمة والمستأمنين وكذلك المعاهدين دون مبرر شرعي يقتضي ذلك، قال صلى الله عليه وسلم ((ألا من قتل نفساً معاهدة له ذمة الله وذمة رسوله فقد أخفر بذمة الله فلا يرح رائحة الجنة، وإن ريحها لتوجد من مسيرة سبعين خريفاً)) (2).
12 - خلف الموعد بأن يعطي موعداً وفي نيته عدم الوفاء أما إذا أعطى موعداً وفي نيته الوفاء ولم يف لأمر خارج عن إرادته فلا يعد ذلك نقضاً لحديث: ((إذا وعد الرجل أخاه، ومن نيته أن يفي فلم يف ولم يجئ للميعاد فلا إثم عليه)) (3).
13 - نقض الحكام والولاة عهد الله بعدم تطبيقهم لشرعه والسير على منهجه.


(1) انظر ((آفات على الطريق)) لسيد محمد نوح (ص80 - 82). بتصرف.
(2) رواه الترمذي (1403)، وابن ماجه (2687). قال الترمذي: حسن صحيح. وصححه لغيره الألباني في ((صحيح الترغيب)) (3009).
(3) رواه أبو داود (4995)، والطبراني في ((الكبير)) (5/ 199). وضعفه السيوطي في ((الجامع الصغير)) (894)، والألباني في ((ضعيف الجامع)) (723).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،أسباب الوقوع في نقض العهد
8 - ضعف الإيمان بالله.
9 - النسيان.
10 - الحرص على المصالح الدنيوية.
11 - طول الأمد قد يتسبب في نقض العهد كما حصل مع قوم موسى.
12 - عدم وفاء الطرف الآخر بالعهد.
13 - خوف الإنسان من غير خالقه، وتعظيمه.
الوسائل المعينة على ترك نقض العهد
8 - إخلاص الإيمان لله سبحانه وتعالى وتقويته.
9 - تأمل الآثار السيئة لنقض العهد على الفرد والمجتمع.
10 - تحلي أفراد المجتمع بالوفاء بالعهد.
11 - تأمل الآيات القرآنية التي حذرت من نقض العهد والميثاق.
12 - ترك الطمع واللهث وراء الدنيا.
13 - مجاهدة النفس وتربيتها على التحلي بالوفاء بالعهد.
مسائل متفرقة حول نقض العهد
- من أقوال الحكماء:
- قالوا: من نقض عهده، ومنع رفده، فلا خير عنده (1).
- وقالوا: من علامات النفاق، نقض العهد والميثاق (2).
- وقالوا: الغالب بالغدر مغلول، والناكث للعهد ممقوت مخذول (3).
- وفي بعض الكتب المنزّلة: إن مما تعجّل عقوبته من الذنوب ولا يؤخر: الإحسان يكفر، والذّمة تحفر (4).
- مثل لناقض العهد في القرآن:
وَضرب الله فِي نَاقض الْعَهْد مثلا فَقَالَ وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نقضت غزلها من بعد قُوَّة أنكاثا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانكُم دخلا بَيْنكُم أَن تكون أمة هِيَ أربى من أمة إِنَّمَا يبلوكم الله بِهِ وليبينن لكم يَوْم الْقِيَامَة مَا كُنْتُم فِيهِ تختلفون [النحل: 92] فَقَالَ مثل الَّذِي نقض الْعَهْد كَمثل الْغَزل الَّتِي نقضت تِلْكَ الْمَرْأَة الحمقاء كان لعمرو بن كعب بن سعد بنت تسمى ريطة وكانت إذا غزلت الصوف أو شيئا آخر نقضته لحمقها فقال ولا تنقضوا أي لا تنكثوا العهود بعد توكيدها كما نقضت تلك الحمقاء غزلها من بعد قوة من بعد إبرامه أنكاثا يعني نقضا فلا هو غزل تنتفع به ولا صوف ينتفع به فكذا الذي يعطي العهد ثم ينقضه لا هو وفى بالعهد إذا أعطاه ولا هو ترك العهد فلم يعطه
وضرب مثلا آخر لناقض العهد فقال وَلَا تَتَّخِذُوا أَيْمَانكُم دخلا بَيْنكُم فتزل قدم بعد ثُبُوتهَا وتذوقوا السوء بِمَا صددتم عَن سَبِيل الله وَلكم عَذَاب عَظِيم [النحل: 94] أي عهودكم بالمكر والخديعة فتزل قدم بعد ثبوتها يقول إن ناقض العهد يزل في دينه عن الطاعة كما تزل قدم الرجل بعد الاستقامة (5).
- نار الحلف في الجاهلية:
كانوا – في الجاهلية- إذا أرادوا عقد حلف أوقدوا النار وعقدوا الحلف عندها، ويذكرون خيرها، ويدعون بالحرمان من خيرها على من نقض العهد، وحلّ العقد. قال العسكري (وإنما كانوا يخصّون النار بذلك لأن منفعتها تختص بالإنسان، لا يشاركه فيها شيء من الحيوان غيره) (6).
قال الزمخشري: كانوا يوقدون ناراً عند التحالف، فيدعون الله بحرمان منافعها، وإصابة مضارها على من ينقض العهد، ويخيس بالعقد، ويقولون في الحلف: الدم الدم، والهدم الهدم، لا يزيده طلوع الشمس إلا شداً، وطول الليالي إلا مداً، ما بل بحر صوفة، وما أقام رضوى بمكانه (7).
- نقض العهد عند اليهود:
إن تاريخ اليهود مليء بصفحاته السوداء التي تحكي موقفهم من العهود والمواثيق، فكم من مرة نقض اليهود عقوداً عقدوها، ومواثيق أبرموها، فلا يحفظون لأحد عهداً، ولا يرعون له وعداً، والقرآن الكريم سطر لنا الكثير من المواقف التي نقض فيها اليهود، العهود والمواثيق مع الأنبياء والمرسلين، ولم يحترموا عهودهم مع النبي صلى الله عليه وسلم بل نقضوها وحاولوا قتله أكثر من مرة، كما حاولوا إشعار نار الفتنة بين صفوف المسلمين.
قال ابن تيمية: (إن المدينة كان فيما حولها ثلاثة أصناف من اليهود وهم: بنو قينقاع وبنو النضير وبنو قريظة وكان بنو قينقاع والنضير حلفاء الخزرج وكانت قريظة حلفاء الأوس فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم هادنهم ووادعهم مع إقراره لهم ولمن كان حول المدينة من المشركين من حلفاء الأنصار على حلفهم وعهدهم الذي كانوا عليه حتى أنه عاهد اليهود على أن يعينوه إذا حارب ثم نقض العهد بنو قينقاع ثم النضير ثم قريظة) (8).
وقال ابن إسحاق: وحدّثني عاصم بن عمر بن قتادة: أنّ بني قينقاع كانوا أوّل يهود نقضوا ما بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وحاربوا فيما بين بدر وأحد. قال ابن هشام: وذكر عبد الله بن جعفر بن المسور بن مخرمة عن أبي عون قال: كان من أمر بني قينقاع أنّ امرأة من العرب قدمت بجلب لها، فباعته بسوق بني قينقاع، وجلست إلى صائغ بها، فجعلوا يريدونها على كشف وجهها فأبت، فعمد الصّائغ إلى طرف ثوبها فعقده إلى ظهرها، فلمّا قامت انكشفت سوءتها فضحكوا بها، فصاحت، فوثب رجل من المسلمين على الصّائغ فقتله وكان يهوديّا وشدّ اليهود على المسلم فقتلوه، فاستصرخ أهل المسلم المسلمين على اليهود، فغضب المسلمون، فوقع الشّرّ بينهم وبين بني قينقاع (9).


(1) ((نهاية الأرب في فنون الأدب)) للنويري (3/ 364).
(2) ((نهاية الأرب في فنون الأدب)) للنويري (3/ 364).
(3) ((نهاية الأرب في فنون الأدب)) للنويري (3/ 364).
(4) ((نهاية الأرب في فنون الأدب)) للنويري (3/ 364).
(5) ((الأمثال من الكتاب والسنة)) للحكيم الترمذي (ص34 - 35).
(6) ((صبح الأعشى في صناعة الإنشا)) للقلقشندي (1/ 466).
(7) ((ربيع الأبرار ونصوص الأخيار)) (1/ 155).
(8) ((الصارم المسلول على شاتم الرسول)) (ص62).
(9) ((السيرة النبوية)) لابن هشام (2/ 48).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،نقض العهد في واحة الشعر ..
قال كعب بن زهير:
لشتان من يدعو فيوفي بعهده ... ومن هو للعهد المؤكد خالع (1)
وقال المعري:
تجنب الوعد يوماً أن تفوه به ... فإن وعدت فلا يذممك إنجاز
واصمت فإن كلام المرء يهلكه ... وإن نطقت فإفصاح وإيجاز
وإن عجزت عن الخيرات تفعلها ... فلا يكن دون ترك الشر إعجاز (2)
وقال الغطفانيّ:
أسميّ ويحك هل سمعت بغدرة ... رفع اللّواء لنا، بها في مجمع (3)
وقال كعب بن مالك:
فدونَكَ واعلمْ أنّ نقض عهودِنا ... أباه الملا منا الذين تبايعوا
أباه البراءُ وابنُ عمروٍ كلاهما ... وأسعدُ يأباه عليكَ ورافعُ (4)
وقال آخر:
نقض العهد خائس بالأمان ... مستحل محارم الرحمن
سلبتنا الوفاء والحلم طوعا ... فاعتلينا به بنو مروان
ليتني كنت فيهم حسب العي ... ش طليقا أجر حبل الأماني
كل عتب تعيرنيه الليالي ... فبسيفي جنيته ولساني (5)
وقال آخر:
النَّاس من الْهوى على أَصْنَاف ... هَذَا نقض الْعَهْد وَهَذَا واف
هَيْهَات من الكدور تبغي الصافي ... لَا يصلح للحضرة قلب جَاف (6)
وقال آخر:
يا بني الإسلام من علمكم ... بعد إذ عاهدتم نقض العهود
كل شيء في الهوى مستحسن ... ما خلا الغدر وإخلاف الوعود (7) ...


(1) ((مجمع الحكم والأمثال)) لأحمد قبش (ص550).
(2) ((مجمع الحكم والأمثال)) لأحمد قبش (ص550).
(3) ((محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء)) للراغب (1/ 354).
(4) ((الزاهر في معاني كلمات الناس)) للأنباري (2/ 161).
(5) ((أشعار أولاد الخلفاء وأخبارهم)) للصولي (ص308).
(6) ((المدهش)) لابن الجوزي (ص 385).
(7) ((لطائف المعارف)) لابن رجب (ص 63).