السبت، 24 نوفمبر 2012

موسوعة الأخلاق الإسلامية : الكذب

الكذب

معنى الكذب لغة واصطلاحاً:
معنى الكذب لغة:
قال ابن منظور: (الكَذِبُ نقيضُ الصِّدْقِ كَذَبَ يَكْذِبُ كَذِباً ... تقول كذَّبت الرجل إذا نسبته إلى الكذب وأكْذَبتُه إذا أخبرت أن الذي يحدث به كذب) (1).
معنى الكذب اصطلاحاً:
هو الأخبار بالشيء على خلاف ما هو عليه سواء كان عمدا أم خطأ (2).
وقال النووي: (الإخبار عن الشيء على خلاف ما هو، عمدا كان أو سهوا، سواء كان الإخبار عن ماض أو مستقبل) (3).

(1) ((لسان العرب)) لابن منظور (1/ 704) بتصرف.
(2) ((فتح الباري)) لابن حجر (1/ 201).
(3) ((شرح مسلم)) للنووي (1/ 69).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،الألفاظ المترادفة للكذب
من الألفاظ المترادفة للكذب: (الميْن، والزُّور، والتَّخرُّص، والإفك، والباطل، والخطل، والفند، والتَّزيَّد، واللفت، والانتحال، والبَهت) (1).
(1) ((الألفاظ المترادفة)) لأبي الحسن الرماني (ص 61).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
الفرق بين الكذب وبعض الألفاظ المترادفة
الفرق بين الخرص والكذب:
(أن الخرص هو الحزر وليس من الكذب في شيء والخرص ما يحزر من الشيء يقال كم خرص نخلك أي كم يجئ من ثمرته وإنما استعمل الخرص في موضع الكذب لأن الخرص يجري على غير تحقيق فشبه بالكذب واستعمل في موضعه.
وأما التكذيب فالتصميم على أن الخبر كذب بالقطع عليه ونقيضه التصديق) (1).
الفرق بين الكذب والافتراء والبهتان:
(الكذب: هو عدم مطابقة الخبر للواقع، أو لاعتقاد المخبر لهما على خلاف في ذلك.
والافتراء: أخص منه، لأنه الكذب في حق الغير بما لا يرتضيه، بخلاف الكذب فإنه قد يكون في حق المتكلم نفسه، ولذا يقال لمن قال: (فعلت كذا ولم أفعل كذا) مع عدم صدقه في ذلك: هو كاذب، ولا يقال: هو مفتر، وكذا من مدح أحدا بما ليس فيه، يقال: إنه كاذب في وصفه، ولا يقال: هو مفتر، لأن في ذلك مما يرتضيه المقول فيه غالبا.
وقال سبحانه حكاية عن الكفار: افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِبًا [الأنعام: 93] لزعمهم أنه أتاهم بما لا يرتضيه الله سبحانه مع نسبته إليه.
وأيضا قد يحسن الكذب على بعض الوجوه، كالكذب في الحرب، وإصلاح ذات البين، وعدة الزوجة، كما وردت به الرواية، بخلاف الافتراء.
وأما البهتان: فهو الكذب الذي يواجه به صاحبه على وجه المكابرة له) (2).
الفرق بين الكذب والإفك:
(الكذب: اسم موضوع للخبر الذي لا مخبر له على ما هو به، وأصله في العربية التقصير ومنه قولهم كذب عن قرنه في الحرب إذا ترك الحملة عليه وسواء كان الكذب فاحش القبح أو غير فاحش القبح.
والإفك: هو الكذب الفاحش القبح مثل الكذب على الله ورسوله أو على القرآن ومثل قذف المحصنة وغير ذلك مما يفحش قبحه وجاء في القرآن على هذا الوجه قال الله تعالى وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ [الجاثية: 7]) (3).
الفرق بين الخلف والكذب:
(الكذب فيما مضى، وهو أن تقول فعلت كذا، ولم تفعله! والخلف لما يستقبل: وهو أن تقول: سأفعل كذا ولا تفعله) (4).

(1) ((الفروق اللغوية)) لأبي هلال العسكري (ص 214).
(2) ((الفروق اللغوية)) لأبي هلال العسكري (ص 449).
(3) ((الفروق اللغوية)) لأبي هلال العسكري (ص 450).
(4) ((الفروق اللغوية)) لأبي هلال العسكري (ص 224).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،ذم الكذب في القرآن والسنة
ذم الكذب والنهي عنه في القرآن الكريم:
- قال الله تعالى: إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللهِ وَأُوْلئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ [النحل: 105].
(إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ على الله وعلى رسوله شِرارُ الخلق، الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ من الكفرة والملحدين المعروفين بالكذب عند الناس) (1).
- وقال سبحانه: وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ [الجاثية: 7].
(أي: كذاب في مقاله أثيم في فعاله. وأخبر أن له عذابا أليما وأن مِن وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ [الجاثية: 10] تكفي في عقوبتهم البليغة) (2).
- وقال عز وجل: هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ [الشعراء: 221 - 223].
7 - وقال سبحانه: لَوْلا جَاؤُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاء فَأُوْلَئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ [النور: 13].
- وقال في وصف المنافقين: أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِن قُوتِلُوا لا يَنصُرُونَهُمْ وَلَئِن نَّصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنصَرُونَ [الحشر: 11 - 12].
قال السعدي في قوله: وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ [التوبة: 107]: (في هذا الوعد الذي غروا به إخوانهم، ولا يستكثر هذا عليهم، فإن الكذب وصفهم، والغرور والخداع مقارنهم، والنفاق والجبن يصحبهم، ولهذا كذبهم الله بقوله، الذي وجد مخبره كما أخبر الله به، ووقع طبق ما قال، فقال: لَئِنْ أُخْرِجُوا من ديارهم جلاء ونفيا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ لمحبتهم للأوطان، وعدم صبرهم على القتال، وعدم وفائهم بوعدهم) (3).
ذم الكذب والنهي عنه في السنة النبوية:
(الكذب رذيلة محضة تنبئ عن تغلغل الفساد في نفس صاحبها، وعن سلوك ينشئ الشر إنشاء، ويندفع إلى الإثم من غير ضرورة مزعجة، أو طبيعة قاهرة) (4). ولقد حذر الإسلام من الكذب ونهى عنه:
- فعن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان)) (5).
- وعنه أيضاً- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع)) (6).
قال ابن الجوزي: (فيه تأويلان أحدها أن يروي ما يعلمه كذبا ولا يبينه فهو أحد الكاذبين والثاني أن يكون المعنى بحسب المرء أن يكذب لأنه ليس كل مسموع يصدق به فينبغي تحديث الناس بما تحتمله عقولهم) (7).
- وعن صفوان بن سليم أنه قال: ((قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أيكون المؤمن جبانا فقال نعم فقيل له أيكون المؤمن بخيلا فقال نعم فقيل له أيكون المؤمن كذابا فقال لا)) (8).


(1) ((تفسير القرآن العظيم)) لابن كثير (4/ 604).
(2) ((تيسير الكريم الرحمن)) للسعدي (775).
(3) ((تيسير الكريم الرحمن)) للسعدي (851).
(4) ((خلق المسلم)) للغزالي (ص 33).
(5) رواه البخاري (33)، ومسلم (59).
(6) رواه مسلم (4).
(7) ((كشف المشكل من حديث الصحيحين)) لابن الجوزي (1/ 340).
(8) رواه مالك (2/ 990) (19)، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (6/ 456) (4472) مرسلا. قال الألباني في ((ضعيف الترغيب)) (1752): مرسل ضعيف.
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،وعن ثابت بن الضحاك- رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من حلف بملة غير الإسلام كاذبا متعمدا فهو كما قال، ومن قتل نفسه بحديدة عذب بها في نار جهنم)) (1).
(ومعنى الحديث النهي عن الحلف بما حلف به من ذلك والزجر عنه، وتقدير الكلام: من حلف بملة غير الإسلام كاذبا متعمدا، فهو كما قال، يعنى فهو كاذب حقا، لأنه حين حلف بذلك ظن أن إثم الكذب واسمه ساقطان عنه لاعتقاده أنه لا حرمة لما حلف به، لكن لما تعمد ترك الصدق في يمينه، وعدل عن الحق في ذلك، لزمه اسم الكذب، وإثم الحلف، فهو كاذب كذبتين: كاذب بإظهار تعظيم ما يعتقد خلافه، وكذب بنفيه ما يعلم إثباته أو بإثبات ما يعلم نفيه. فإن ظن ظان أن في هذا الحديث دليل على إباحة الحلف بملة غير الإسلام صادقا لاشتراطه في الحديث أن يحلف به كاذبا، قيل له: ليس كما توهمت، لورود نهي النبي، (صلى الله عليه وسلم)، عن الحلف بغير الله نهيا مطلقا، فاستوى في ذلك الكاذب والصادق، وفي النهي عنه) (2).
- وعن أبي محمد، الحسن بن علي بن أبي طالب- رضي الله عنهما- قال: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، فإن الصدق طمأنينة، والكذب ريبة)) (3).
قال ابن رجب: (يشير إلى أنه لا ينبغي الاعتماد على قول كل قائل كما قال في حديث وابصة: ((وإن أفتاك الناس وأفتوك)) (4) وإنما يعتمد على قول من يقول الصدق، وعلامة الصدق أنه تطمئن به القلوب، وعلامة الكذب أنه تحصل به الريبة، فلا تسكن القلوب إليه، بل تنفر منه.
ومن هنا كان العقلاء في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا سمعوا كلامه وما يدعو إليه، عرفوا أنه صادق، وأنه جاء بالحق، وإذا سمعوا كلام مسيلمة، عرفوا أنه كاذب، وأنه جاء بالباطل، وقد روي أن عمرو بن العاص سمعه قبل إسلامه يدعي أنه أنزل عليه: يا وبر يا وبر، لك أذنان وصدر، وإنك لتعلم يا عمرو، فقال: والله إني لأعلم أنك تكذب) (5).


(1) رواه البخاري (1363).
(2) ((شرح صحيح البخاري)) لابن بطال (3/ 350).
(3) رواه الترمذي (2516)، والنسائي (5711)، وأحمد (1/ 200) (1723). وصححه الترمذي، وصحح إسناده الحاكم، وصححه الذهبي.
(4) رواه أحمد (4/ 228) (18035)، والدارمي (3/ 1649) (2575)، وأبو يعلى (3/ 160) (3/ 160) (1586). وحسن إسناده المنذري في ((الترغيب والترهيب)) (2/ 351)، وحسنه النووي في ((الأذكار)) (408)، وحسنه لغيره الألباني في ((صحيح الترغيب)) (1734).
(5) ((جامع العلوم والحكم)) لابن رجب الحنبلي (ص285).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،أقوال السلف والعلماء في الكذب
- قال عمر بن الخطاب- رضي الله عنه: (لأن يضعني الصدق- وقلما يضع- أحب إلي من أن يرفعني الكذب، وقلما يفعل) (1).
- وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (أعظم الخطايا الكذب، ومن يعف يعف الله عنه) (2).
- وروي عنه أيضاً أنه قال: (الكذب لا يصلح منه جد ولا هزل) (3).
- وكان ابن عباس يقول: (الكذب فجور، والنميمة سحرٌ، فمن كذب فقد فجر، ومن نم فقد سحر) (4).
- وقال ابن عمر: (زعموا زاملة الكذب) (5).
- وقال الأحنف: (ما خان شريفٌ ولا كذب عاقلٌ ولا اغتاب مؤمنٌ. وكانوا يحلفون فيحنثون ويقولون فلا يكذبون) (6).
- وقال أيضاً: (اثنان لا يجتمعان أبداً: الكذب والمروءة) (7).
- وقال ميمون بن ميمون: (من عرف بالصدق جاز كذبه، ومن عرف بالكذب لم يجز صدقه) (8).
- وقال ابن القيم: (إياك والكذب؛ فإنه يفسد عليك تصور المعلومات على ما هي عليه، ويفسد عليك تصويرها وتعليمها للناس) (9).


(1) ((أدب الدنيا والدين)) (1/ 263).
(2) رواه أبو نعيم في ((الحلية)) (1/ 138).
(3) رواه أحمد في ((المسند)) (3896).
(4) ((عيون الأخبار)) لابن قتيبة (2/ 31).
(5) ((عيون الأخبار)) لابن قتيبة (2/ 32).
(6) رواه الدينوري في ((المجالسة وجواهر العلم)) (1128)، وابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (24/ 343).
(7) ((عيون الأخبار)) لابن قتيبة (2/ 32).
(8) ((عيون الأخبار)) لابن قتيبة (2/ 33).
(9) ((الفوائد)) لابن القيم (ص 135).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،ما يباح من الكذب
الأصل في الكذب عدم الجواز لكن هنالك حالات يباح فيها الكذب وهي كالآتي:
1 - (في الحرب؛ لأن الحرب خدعة، ومقتضياتها تستدعي التمويه على الأعداء، وإيهامهم بأشياء قد لا تكون موجودة، واستعمال أساليب الحرب النفسية ما أمكن، ولكن بصورة ذكية لبقة.
2 - في الصلح بين المتخاصمين؛ حيث إن ذلك يستدعي أحياناً أن يحاول المصلح تبرير أعمال كل طرف وأقواله بما يحقق التقارب ويزيل أسباب الشقاق، وأحياناً ينسب إلى كل من الأقوال الحسنة في حق صاحبه ما لم يقله، وينفي عنه بعض ما قاله؛ وهو ما يعوق الصلح ويزيد شقة الخلاف والخصام.
3 - في الحياة الزوجية؛ حيث يحتاج الأمر أحياناً إلى أن تكذب الزوجة على زوجها، أو يكذب الزوج على زوجته، ويخفي كل منهما عن الآخر ما من شأنه أن يوغر الصدور، أو يولد النفور، أو يثير الفتن والنزاع والشقاق بين الزوجين، كما يجوز أن يزف كل منهما للآخر من معسول القول ما يزيد الحب، ويسر النفس، ويجمل الحياة بينهما، وإن كان ما يقال كذباً؛ لأن هذا الرباط الخطير يستحق أن يهتم به غاية الاهتمام، وأن يبذل الجهد الكافي ليظل قوياً جميلاً مثمراً) (1).
فعن أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط وكانت من المهاجرات الأول اللاتي بايعن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته: أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: ((ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس ويقول خيرا وينمي خيرا)). قال ابن شهاب ولم أسمع يرخص في شيء مما يقول الناس كذب إلا في ثلاث الحرب والإصلاح بين الناس وحديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها. (2).


(1) ((الرائد دروس في التربية والدعوة)) لمازن الفريح (3/ 264).
(2) رواه البخاري (2692)، ومسلم (2605).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،آثار ومضار الكذب
1 - الكذب وسيلة لدمار صاحبه أمما وأفرادا.
2 - الكذب سراب يقرب البعيد ويبعد القريب.
3 - الكذب يذهب المروءة والجمال والبهاء.
4 - الكاذب مهان ذليل.
5 - الأمم التي كذبت الرسل لاقت مصيرها من الدمار والهلاك.
6 - يورث فساد الدين والدنيا.
7 - دليل على خسة النفس ودناءتها.
8 - احتقار الناس له وبعدهم عنه (1).
9 - (الكاذب يصور المعدوم موجودا والموجود معدوما. والحق باطلا، والباطل حقا، والخير شرا والشر خيرا، فيفسد عليه تصوره وعلمه عقوبة له، ثم يصور ذلك في نفس المخاطب) (2).
10 - الكذاب لص؛ لأن اللص يسرق مالك، والكذاب يسرق عقلك.
11 - الكذب فجور.
12 - الكذاب لا تسكن القلوب إليه بل تنفر منه.
13 - الكذاب لا يفلح أبداً.
14 - الكذب من علامات النفاق.
15 - الكذاب توعده الله بجهنم.


(1) من 1 - 8 من كتاب ((نضرة النعيم)) لمجموعة من الباحثين (11/ 5430).
(2) ((الفوائد)) لابن القيم (ص 135).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،صور الكذب
للكذب صور كثيرة منها:
1 - الكذب على الله تعالى ورسوله:
وهذا أعظم أنواع الكذب، (والكذب على الله نوعان:
النوع الأول أن يقول: قال الله كذا، وهو يكذب.
والنوع الثاني: أن يفسر كلام الله بغير ما أراد الله، لأن المقصود من الكلام معناه، فإذا قال: أراد الله بكذا كذا وكذا، فهو كاذب على الله، شاهد على الله بما لم يرده الله عز وجل، لكن الثاني إذا كان عن اجتهاد وأخطأ في تفسير الآية فإن الله تعالى يعفو عنه؛ لأن الله قال: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج: 78] وقال: لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا [البقرة: 286] وأما إذا تعمد أن يفسر كلام الله بغير ما أراد الله، اتباعاً لهواه أو إرضاء لمصالح أو ما أشبه ذلك، فإنه كاذب على الله عز وجل) (1).
وقال تعالى: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ [الأنعام: 93].
(يقول تعالى: لا أحد أعظم ظلما، ولا أكبر جرما، ممن كذب على الله. بأن نسب إلى الله قولا أو حكما وهو تعالى بريء منه، وإنما كان هذا أظلم الخلق، لأن فيه من الكذب، وتغيير الأديان أصولها، وفروعها، ونسبة ذلك إلى الله ما هو من أكبر المفاسد.
ويدخل في ذلك، ادعاء النبوة، وأن الله يوحي إليه، وهو كاذب في ذلك، فإنه -مع كذبه على الله، وجرأته على عظمته وسلطانه يوجب على الخلق أن يتبعوه، ويجاهدهم على ذلك، ويستحل دماء من خالفه وأموالهم.
ويدخل في هذه الآية، كل من ادعى النبوة، كمسيلمة الكذاب والأسود العنسي والمختار، وغيرهم ممن اتصف بهذا الوصف) (2).
قال الله تعالى: وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ [الزمر: 60].
وقال سبحانه: فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ ... [الأعراف: 37].
وقوله تعالى: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ [الأعراف: 33].
وقال الرسول صلى الله عليه وسلم ((من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)) (3).
وقال: ((من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكذابين)) (4).
(وأكثر الناس كذبًا على رسول الله هم الرافضة الشيعة، فإنه لا يوجد في طوائف أهل البدع أحد أكثر منهم كذبًا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما نص على هذا علماء مصطلح الحديث رحمهم الله، لما تكلموا على الحديث الموضوع قالوا: إن أكثر من يكذب على الرسول هم الرافضة الشيعة، وهذا شيء مشاهد ومعروف لمن تتبع كتبهم) (5).
2 - الكذب على الناس:


(1) ((شرح رياض الصالحين)) لابن عثيمين (6/ 156) بتصرف.
(2) ((تيسير الكريم الرحمن)) للسعدي (ص: 264).
(3) رواه البخاري (110)، ومسلم (3) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(4) رواه مسلم في باب وجوب الرواية عن الثقات، والترمذي (2662)، وابن ماجه (41)، وأحمد (4/ 255) (18266) من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه.
(5) ((شرح رياض الصالحين)) لابن عثيمين (6/ 156 - 157).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،(كذب يظهر الإنسان فيه أنه من أهل الخير والصلاح والتقى والإيمان وهو ليس كذلك، بل هو من أهل الكفر والطغيان والعياذ بالله، فهذا هو النفاق، النفاق الأكبر الذين قال الله فيهم: وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ [البقرة: 8] لكنهم يقولون بألسنتهم ويحلفون على الكذب وهم يعلمون، وشواهد ذلك في القرآن والسنة كثيرة، إنهم - أعني المنافقين أهل الكذب يكذبون على الناس في دعوى الإيمان وهم كاذبون، وانظر إلى قول الله تعالى في سورة (المنافقون) حيث صدر هذه السورة ببيان كذبهم حيث قال تعالى: إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ [المنافقون: 2] أكدوا هذه الجملة بكم مؤكد؟ بثلاثة مؤكدات، (نشهد) (إن) (اللام) ثلاثة مؤكدات، يؤكدون أنهم يشهدون أن محمدًا رسول الله، فقال الله تعالى: وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ [المنافقون: 1] في قولهم (نشهد إنك لرسول الله) هذا أيضًا من أنواع الكذب، وهو أشد أنواع الكذب على الناس؛ لأن فاعله والعياذ بالله منافق) (1).
3 - الكذب في الحديث بين الناس:
(الكذب في الحديث الجاري بين الناس يقول: قلت لفلان كذا وهو لم يقله، قال فلان كذا وهو لم يقله، جاء فلان وهو لم يأت وهكذا، هذا أيضاً محرم ومن علامات النفاق كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب ... )) (2)) (3).
4 - كذب الحكام على الشعوب:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ثلاثة لا يدخلون الجنة: الشيخ الزاني، والإمام الكاذب، والعائل المزهو)) (4).
5 - الكذب لإضحاك الناس:
روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((ويل للذي يحدث بالحديث ليضحك به القوم فيكذب ويل له ويل له)) (5).
قال المناوي في شرحه للحديث: (كرره إيذانا بشدة هلكته؛ وذلك لأن الكذب وحده رأس كل مذموم، وجماع كل فضيحة، فإذا انضم إليه استجلاب الضحك الذي يميت القلب ويجلب النسيان ويورث الرعونة كان أقبح القبائح، ومن ثم قال الحكماء: إيراد المضحكات على سبيل السخف نهاية القباحة) (6).
قال ابن عثيمين: (وهذا يفعله بعض الناس ويسمونها (النكت)، يتكلم بكلام كذب ولكن من أجل أن يضحك الناس، هذا غلط، تكلم بكلام مباح من أجل أن تدخل السرور على قلوبهم، وأما الكلام الكذب فهو حرام) (7).
(والحكمة من هذا المنع أنه يجر إلى وضع أكاذيب ملفقة على أشخاص معينين يؤذيهم الحديث عنهم، كما أنه يعطي ملكة التدرب على اصطناع الكذب وإشاعته فيختلط في المجتمع الحق بالباطل والباطل بالحق) (8).
6 - المبالغة في الإطراء والمدح:


(1) ((شرح رياض الصالحين)) لابن عثيمين (6/ 157).
(2) رواه البخاري (33)، ومسلم (59) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(3) ((شرح رياض الصالحين)) لابن عثيمين (6/ 158).
(4) رواه البزار (6/ 493) (2529) من حديث سلمان رضي الله عنه. وجوَّد إسناده المنذري في ((الترغيب والترهيب)) (3/ 189)، وقال الهيثمي في ((المجمع)) (6/ 258): رجاله رجال الصحيح غير العباس بن أبي طالب، وهو ثقة. وصححه الألباني في ((صحيح الترغيب)) (2398).
(5) رواه أبو داود (4990)، والترمذي (2315)، وأحمد (5/ 5) (20067) من حديث معاوية بن حيدة رضي الله عنه. وحسنه الترمذي، وقال ابن مفلح في ((الآداب الشرعية)) (1/ 18): له طرق إلى بهز وهو ثابت إليه وبهز حديثه حسن. وصححه السيوطي في ((الجامع الصغير)) (9648).
(6) ((فيض القدير)) للمناوي (6/ 368).
(7) ((شرح رياض الصالحين)) لابن عثيمين (6/ 117).
(8) ((الأخلاق الإسلامية)) لعبدالرحمن الميداني (1/ 495).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،(تمدح الناس مدرجة إلى الكذب، والمسلم يجب أن يحاذر حينما يثني على غيره فلا يذكر إلا ما يعلم من خير، ولا يجنح إلى المبالغة في تضخيم المحامد وطيِّ المثالب، ومهما كان الممدوح جديراً بالثناء فإن المبالغة في إطرائه ضرب من الكذب المحرم) (1).
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نحثو في وجوه المداحين التراب)) (2).
قال النووي: (اعلم أن مدح الإنسان والثناء عليه بجميل صفاته قد يكون في حضور الممدوح، وقد يكون بغير حضوره، فأما الذي في غير حضوره، فلا منع منه إلا أن يجازف المادح ويدخل في الكذب، فيحرم عليه بسبب الكذب لا لكونه مدحا، ويستحب هذا المدح الذي لا كذب فيه إذا ترتب عليه مصلحة ولم يجر إلى مفسدة بأن يبلغ الممدوح فيفتتن به، أو غير ذلك) (3).
7 - كذب التاجر في بيان سلعته:
فعن عبد الله بن أبي أوفى قال: أن رجلا أقام سلعة في السوق فحلف بالله: لقد أعطي بها مالم يعط ليوقع فيها رجلا من المسلمين فنزلت إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً أُوْلَئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ ... [آل عمران: 77].
وقال صلى الله عليه وسلم: ((ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم: رجل حلف على سلعة لقد أعطي بها أكثر مما أعطي وهو كاذب، ورجل حلف على يمين كاذبة بعد العصر ليقتطع بها مال رجل مسلم ... )) (4).
8 - الكذب على الأولاد:
فكثيرًا ما يكذب الوالدان على أولادهما الصغار؛ رغبةً في التخلص منهم، أو تخويفاً لهم؛ كي يكفُّوا عن العبث واللعب، أو حفزًا لهم كي يجِدّوا في أمر ما، أو غير ذلك (5).
9 - شهادة الزور:
(الحيف في الشهادة من أشنع الكذب، فالمسلم لا يبالي إذا قام بشهادة ما أن يقرر الحق ولو على أدنى الناس منه وأحبهم إليه، لا تميل به قرابة ولا عصبية، ولا تزيغه رغبة أو رهبة.
وتزكية المرشحين لمجالس الشورى، أو المناصب العامة، نوع من أنواع الشهادة فمن انتخب المغموط في كفايته وأمانته، فقد كذب وزوَّر، ولم يقم بالقسط) (6).
فعن أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ ثلاثا قلنا: بلى، قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، وكان متكئا فجلس وقال: ألا وقول الزور وشهادة الزور فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت)) (7).
10 - المبالغة في المعاريض:
لا ريب أن في المعاريض مندوحةً عن الكذب، ولكن هناك من يبالغ في المعاريض، ويتوسع فيها توسعًا يخرجه عن طوره، ويجعله يدخل فيها ما ليس منها، فتجده يقلب الحقائق، وينال من الآخرين، ويُلبس عليهم، ويحصل على مآربه بالمراوغة والمخاتلة، مما يوقعه في الكذب، فَتُفْقَدُ الثقة به، وبحديثه (8).
11 - الكذب السياسي:
الكذب الذي يقوم على القاعدة الميكافيلية التي تقول: إن الغاية تبرر الوسيلة أو الغاية تسوغ الواسطة. وهذه القاعدة الفاجرة الكافرة يأخذ بها غالبية السياسيين (9).


(1) ((خلق المسلم)) للغزالي (ص: 36).
(2) رواه الترمذي (2394)، وابن عدي في ((الكامل)) (4/ 375).
(3) ((الأذكار)) للنووي (ص: 276).
(4) رواه البخاري (2369) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(5) ((الكذب مظاهره - علاجه)) لمحمد الحمد.
(6) ((خلق المسلم)) للغزالي (ص: 37).
(7) رواه البخاري (5976)، ومسلم (87).
(8) ((الكذب مظاهره - علاجه)) لمحمد الحمد.
(9) ((الكذب مظاهره - علاجه)) لمحمد الحمد.
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،أسباب الوقوع في الكذب
(دوافع الكذب كثيرة، منها الخوف من النقد، والخوف من العقاب أو العتاب، ومنها إيثار المصلحة العاجلة، ومنها قلة مراقبة الله والخوفِ منه، ومنها اعتياد الكذب وإلفه، ومنها البيئة والمجتمع، ومنها سوء التربية إلى غير ذلك من دوافع الكذب) (1).
قال ابن أبي الدنيا: (وأما دواعي الكذب فمنها:
- اجتلاب النفع واستدفاع الضر، فيرى أن الكذب أسلم وأغنم فيرخص لنفسه فيه اغترارا بالخدع، واستشفافا للطمع. وربما كان الكذب أبعد لما يؤمل وأقرب لما يخاف؛ لأن القبيح لا يكون حسنا والشر لا يصير خيرا. وليس يجنى من الشوك العنب ولا من الكرم الحنظل.
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((تحروا الصدق وإن رأيتم أن فيه الهلكة فإن فيه النجاة، وتجنبوا الكذب وإن رأيتم أن فيه النجاة فإن فيه الهلكة)) (2).
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لأن يضعني الصدق وقلما يفعل، أحب إلي من أن يرفعني الكذب وقلما يفعل (3).
وقال بعض الحكماء: الصدق منجيك وإن خفته، والكذب مرديك وإن أمنته.
وقال الجاحظ: الصدق والوفاء توأمان، والصبر والحلم توأمان فيهن تمام كل دين، وصلاح كل دنيا، وأضدادهن سبب كل فرقة وأصل كل فساد.
- ومنها: أن يؤثر أن يكون حديثه مستعذبا وكلامه مستظرفا، فلا يجد صدقا يعذب ولا حديثا يستظرف، فيستحلي الكذب الذي ليست غرائبه معوزة، ولا ظرائفه معجزة.
وهذا النوع أسوأ حالا مما قبل؛ لأنه يصدر عن مهانة النفس ودناءة الهمة.
وقد قال الجاحظ: لم يكذب أحد قط إلا لصغر قدر نفسه عنده.
وقال ابن المقفع: لا تتهاون بإرسال الكذبة من الهزل فإنها تسرع إلى إبطال الحق.
- ومنها: أن يقصد بالكذب التشفي من عدوه فيسمه بقبائح يخترعها عليه، ويصفه بفضائح ينسبها إليه.
ويرى أن معرة الكذب غنم وأن إرسالها في العدو سهم وسم.
وهذا أسوأ حالا من النوعين الأولين؛ لأنه قد جمع بين الكذب المعر والشر المضر.
ولذلك ورد الشرع برد شهادة العدو على عدوه.
- ومنها: أن تكون دواعي الكذب قد ترادفت عليه حتى ألفها، فصار الكذب له عادة، ونفسه إليه منقادة، حتى لو رام مجانبة الكذب عسر عليه؛ لأن العادة طبع ثان.
وقد قالت الحكماء: من استحلى رضاع الكذب عسر فطامه.
وقيل في منثور الحكم: لا يلزم الكذاب شيء إلا غلب عليه) (4).


(1) ((الكذب مظاهره - علاجه)) لمحمد الحمد.
(2) رواه هناد في ((الزهد)) (2/ 635) من حديث مجمع بن يحيى مرسلا. وحسنه السيوطي في ((الجامع الصغير)) (3253)، وضعفه الألباني في ((ضعيف الجامع)) (2399).
(3) أدب ((الدنيا والدين)) (1/ 263).
(4) ((أدب الدنيا والدين)) للماوردي (ص264).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،1 - كذبة إبريل:
يقوم بعض الناس في الدول الغربية في اليوم الأول من أبريل بإطلاق الأكاذيب، وقلدهم في ذلك بعض المسلمين، ويُطلقون على من يُصدِّق هذه الأكاذيب اسم ضحية كذبة إبريل.
ويقصدون بفعلهم هذا المزاح، ولا شك أن هذا من الكذب الحرام ويضاف إليه أنه من التشبه بالكفار وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((من تشبه بقوم فهو منهم)) (1).
قال الشيخ ابن عثيمين: (أحذر إخواني المسلمين مما يصنعه بعض السفهاء من كذبة إبريل هذه الكذبة التي تلقوها عن اليهود والنصارى والمجوس وأصحاب الكفر فهي مع كونها كذبٌ والكذب محرم شرعاً ففيها تشبه بغير المسلمين والتشبه بغير المسلمين محرم وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ((من تشبه بقومٍ فهو منهم)) (2) قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إسناده جيد وأقل أحواله التحريم وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم وهي مع تضمنها لهذين المحظورين فيها إذلالٌ للمسلم أمام عدوه لأن من المعلوم بطبيعة البشر أن المقلد يفخر على من قلده ويرى أنه أقدر منه ولذلك ضعف مقلده حتى قلده فهي فيها إذلالٌ للمؤمن بكونه ذليلاً وتبعاً للكفار، المحظور الرابع: أن غالب هذه الكذبة الخبيثة تتضمن أكلاً للمال بالباطل أو ترويعاً للمسلم فإنه ربما يكذب فيكلم أهل البيت ويقول إن فلاناً يقول: ترى عندنا جماعة اليوم فيطبخون غداءً كثيراً ولحماً وما أشبه ذلك أو ربما يخبرهم بأمرٍ يروعهم كأن يقول قيّمكم دعسته سيارة وما أشبه ذلك من الأمور التي لا تجوز بدون أن تكون بهذه الحال فعلى المسلم أن يتقي الله سبحانه وتعالى وأن يكون عزيزاً بدينه فخوراً به) (3).


(1) رواه أبو داود (4031)، وأحمد (2/ 50) (5114) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. ورواه الطبراني في ((الأوسط)) (8/ 179) (8327) من حديث حذيفة رضي الله عنه. وحسنه السيوطي في ((الجامع الصغير)) (8593)، وصححه الألباني في ((صحيح الجامع)) (6149).
(2) رواه أبو داود (4031)، وأحمد (2/ 50) (5114) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. ورواه الطبراني في ((الأوسط)) (8/ 179) (8327) من حديث حذيفة رضي الله عنه. وحسنه السيوطي في ((الجامع الصغير)) (8593)، وصححه الألباني في ((صحيح الجامع)) (6149).
(3) ((الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين)).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،2 - الكذب الأبيض والأسود:
يظن بعض الناس أن هناك كذب أبيض وهو حلال، وكذب أسود وهو حرام، والأمر ليس كذلك، فالكذب كله حرام قال ابن عثيمين: (والكذب حرام وكلما كانت آثاره أسوأ كان أشد إثما وليس في الكذب شيء حلالا وأما ما ادعاه بعض العامة حيث يقولون إن الكذب نوعان أسود وأبيض فالحرام هو الأسود والحلال هو الأبيض فجوابه أن الكذب كله أسود ليس فيه شيء أبيض لكن يتضاعف إثمه بحسب ما يترتب عليه فإذا كان يترتب عليه أكل مال المسلم أو غرر على مسلم صار أشد إثما وإذا كان لا يترتب عليه أي شيء من الأضرار فإنه أخف ولكنه حرام) (1).


(1) ((شرح رياض الصالحين)) لابن عثيمين (2/ 570).،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،علامات تدل على الكذاب
قال ابن أبي الدنيا: (واعلم أن للكذاب قبل خبرته أمارات دالة عليه.
- فمنها: أنك إذا لقنته الحديث تلقنه ولم يكن بين ما لقنته وبين ما أورده فرق عنده.
- ومنها: أنك إذا شككته فيه تشكك حتى يكاد يرجع فيه، ولولاك ما تخالجه الشك فيه.
- ومنها: أنك إذا رددت عليه قوله حصر وارتبك ولم يكن عنده نصرة المحتجين، ولا برهان الصادقين. ولذلك قال علي بن أبي طالب: الكذاب كالسراب.
- ومنها: ما يظهر عليه من ريبة الكذابين وينم عليه من ذلة المتوهمين؛ لأن هذه أمور لا يمكن الإنسان دفعها عن نفسه؛ لما في الطبع من آثارها. ولذلك قالت الحكماء: العينان أنم من اللسان. وقال بعض البلغاء: الوجوه مرايا تريك أسرار البرايا.
وقال بعض الشعراء:
تريك أعينهم ما في صدورهم إن العيون يؤدي سرها النظر.
وإذا اتسم بالكذب نسبت إليه شوارد الكذب المجهولة، وأضيفت إلى أكاذيبه زيادات مفتعلة حتى يصير الكاذب مكذوبا عليه، فيجمع بين معرة الكذب منه ومضرة الكذب عليه) (1).


(1) ((أدب الدنيا والدين)) للماوردي (ص264 - 265).،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،ما قيل في المعاريض
عن عمران بن حصين أنه قال: (إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب) (1).
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (ما في المعاريض ما يغنى الرجل عن الكذب) (2).
(والمعاريض أن يريد الرجل أن يتكلم الرجل بالكلام الذي إن صرح به كان كذبا فيعارضه بكلام آخر يوافق ذلك الكلام في اللفظ ويخالفه في المعنى فيتوهم السامع أنّه أراد ذلك) (3).
قال النووي: (اعلم أن هذا الباب من أهم الأبواب، فإنه مما يكثر استعماله وتعم به البلوى، فينبغي لنا أن نعتني بتحقيقه، وينبغي للواقف عليه أن يتأمله ويعمل به) (4).
وقال أيضاً: (واعلم أن التورية والتعريض معناهما: أن تطلق لفظا هو ظاهر في معنى، وتريد به معنى آخر يتناوله ذلك اللفظ، لكنه خلاف ظاهره، وهذا ضرب من التغرير والخداع.
قال العلماء: فإن دعت إلى ذلك مصلحة شرعية راجحة على خداع المخاطب أو
حاجة لا مندوحة عنها إلا بالكذب، فلا بأس بالتعريض، وإن لم يكن شيء من ذلك فهو مكروه وليس بحرام، إلا أن يتوصل به إلى أخذ باطل أو دفع حق، فيصير حينئذ حراما، هذا ضابط الباب) (5).
أمثلة للمعاريض:
(لما هَزم الحجاجُ عبدَ الرحمن بن الأشعث وقتَل أصحابَه وأسرَ بعضهم، كتب إليه عبدُ الملك بن مَرْوان أن يَعْرِض الأسرى على السيف، فمَن أقرَّ منهم بالكفر خلِّى سبيلَه، ومَن أبَى يَقْتله، فأُتي منهم بعامر الشًعبي ومطرِّف بن عبد الله بن الشخير وسعيد بن جُبَير؟ فأمّا الشعبي ومطرِّف فذَهبا إلى التعريض والكناية ولم يُصرِّحا بالكفر، فَقبِل كلامهما وعفا عنهما؟ وأمّا سعيد ابن جُبير فأبى ذلك فقتل.
وكان مما عرَّض به الشعبي، فقال؛ أَصلح الله الأمير، نَبا المنزل، وأَحْزَن بنا الجَناب، واستَحلَسْنا الخوفَ، واكتَحلنا السهرَ، وخَبطتنا فتنةٌ لم نكن فيها برَرَة أتقياء، ولا فَجَرة أقوياء. قال؛ صدقَ والله، ما بَرُّوا بخروجهم علينا ولا قَوُوا، خَلّيا عنه.
ثم قُدِّم إليه مُطرِّف بن عبد الله، فقال له الحجّاج: أَتُقِرّ على نفسِك بالكفر؟ قال: إنّ مَن شق العصا، وسَفَك الدماء، ونكث البَيْعة، وأخاف المسلمين لجديرٌ بالكفر؟ قال: خليا عنه. ثمّ قُدّم إليه سعيد بن جُبير، فقال له: أتقِر على نفسك بالكُفر؟ قال: ما كفرتُ بالله مذ آمنت به؟ قال: اضربوا عُنقه) (6).
وقال النخعي رحمه الله: (إذا بلغ الرجل عنك شيء قلته فقل: الله يعلم ما قلت من ذلك من شيء، فيتوهم السامع النفي، ومقصودك الله يعلم الذي قلته) (7).
(وكان النخعي إذا طلبه رجل قال للجارية: قولي له اطلبه في المسجد.
وقال غيره: خرج أبي في وقت قبل هذا.
وكان الشعبي يخط دائرة ويقول للجارية: ضعي أصبعك فيها وقولي: ليس هو هاهنا) (8).


(1) رواه البخاري في ((الأدب المفرد)) (857)، وابن أبي شيبة (5/ 282) (26096)، والطحاوي في ((شرح المشكل)) (7/ 370) (2924). وصحح وقفه الألباني في صحيح ((الأدب المفرد)) (662).
(2) رواه البيهقي في ((السنن الكبرى)) (10/ 335) (20841).
(3) ((غريب الحديث)) لأبي عبيد (4/ 287).
(4) ((الأذكار)) للنووي (ص: 380).
(5) ((الأذكار)) للنووي (ص: 380).
(6) ((العقد الفريد)) لابن عبد ربه (2/ 297).
(7) ((الأذكار)) للنووي (ص: 381).
(8) ((الأذكار)) للنووي (ص: 381).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،الأمثال والحكم في الكذب
1 - (إنَّ الكَذُوب قد يَصْدُق:
يقال في الرجل المعروف بالكذب تكون منه الصدقة الواحدة أحياناً) (1).
2 - (جاء بالحظر الرطب:
إذا جاء بكثرة الكذب) (2).
3 - (عند النوى يكذبك الصادق:
قالوا يضرب مثلا للرجل يعرف بالصدق ثم يحتاج إلى الكذب) (3).
4 - (أكذب من دب ودرج:
أي أكذب الكبار والصغار دب لضعف الكبر ودرج لضعف الصغر وقيل بل معناه أكذب الأحياء والأموات. والدبيب للحي والدروج للميت يقال درج القوم إذا انقرضوا) (4).
ما قيل في الحكم:
- (قيل في منثور الحكم: الكذاب لص؛ لأن اللص يسرق مالك، والكذاب يسرق عقلك.
- وقال بعض البلغاء: الصادق مصان خليل، والكاذب مهان ذليل) (5).
- (وقيل لكذوب: أصدقت قط؟ قال: أكره أن أقول لا فأصدق) (6).
- (ويقال: الأذلاء أربعة: النمام والكذاب والمدين والفقير) (7).


(1) ((الأمثال)) لأبي عبيد بن سلام (ص50).
(2) ((جمهرة الأمثال)) لأبي هلال العسكري (1/ 314).
(3) ((جمهرة الأمثال)) لأبي هلال العسكري (2/ 35).
(4) ((مجمع الأمثال)) لأبي الفضل الميداني (2/ 167).
(5) ((أدب الدنيا والدين)) للماوردي (ص261).
(6) ((عيون الأخبار)) لابن قتيبة (2/ 31).
(7) ((عيون الأخبار)) لابن قتيبة (2/ 32).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،ذم الكذب في واحة الشعر ..
قال الشاعر:
لا يكذبُ المرءُ إِلا من مهانتِه ... أو عادةِ السوءِ أو من قلةِ الأدبِ
لعضُّ جيفةِ كلبٍ خيرُ رائحةٍ ... من كذبةِ المرءِ في جدٍ وفي لعبِ
وقال آخر:
لا عُذْرَ للسيدِ حين يكذبُ ... إِذا ليس يرجو أحداً أو يرهبُ
وليس معذوراً إِذا ما يغضَبُ ... إِذا العقابُ عندَه لا يصعبُ
وقال آخر:
الكذبُ عارٌ وخيرُ القول أصدقُهُ ... والحَقَّ ما مسَّه من باطلٍ زهقا
وقال آخر:
الكذبُ راقَكَ أنه متجملٌ ... والصدقُ ساءكَ أنه عريانُ
من ساءَ من مرضٍ عضالٍ طبعهُ ... يستقبحُ الأيامَ وهي حسانُ
وقال آخر:
الكذب مرديك وإن لم تخف ... والصدق منجيك على كل حال
فانطق بما شئت تجد غبه ... لم تبتخس وزنة مثقال
وقال آخر:
إِن الكريمَ إِذا ما كانَ ذا كذبٍ ... شانَ التكرمَ منه ذلكَ الكذبُ
الصدقُ أفضلُ شيءٍ أنت فاعلهُ ... لا شيءَ كالصدقِ لا فخرٌ ولا حسبُ
وقال آخر:
إِذا عرفقَ الكذابُ بالكذبِ لم يزلْ ... لدى الناسِ كذباً وإِن كان صادقاً
ومن آفةِ الكذابِ نسيانُ كذبهِ ... وتلقاهُ ذا حَفِظ إِذا كان صادقاً
كذبتَ ومن يكذبْ فإِن جزاءَه ... إِذا ما أتى بالصدقِ أن لا يُصَدَّقا
وقال آخر:
الكذبُ راقَكَ أنه متجملٌ ... والصدقُ ساءكَ أنه عريانُ
من ساءَ من مرضٍ عضالٍ طبعهُ ... يستقبحُ الأيامَ وهي حسانُ ...