الجمعة، 23 نوفمبر 2012

موسوعة الأخلاق الإسلامية : الغدر

الغدر

معنى الغدر لغة واصطلاحاً
معنى الغدر لغة:
هو الإخلال بالشّيء وتركه (1). وهو ضدّ الوفاء بالعهد (2).
وقَالَ اللَّيْث: تَقول: غَدَرَ يَغْدِرُ غَدْراً إِذا نقض الْعَهْد وَنَحْوه (3).
معنى الغدر اصطلاحاً:
قال الجاحظ: (هو الرّجوع عمّا يبذله الإنسان من نفسه ويضمن الوفاء به) (4).
وقال المناويّ: (الغدر: نقض العهد والإخلال بالشّيء وتركه) (5).
وقيل هو: (نقض العهد مطلقاً في لحظة لم تكن متوقعة ولا منتظرة) (6).

(1) ((تاج العروس)) للزبيدي (13/ 203).
(2) ((لسان العرب)) لابن منظور (5/ 8).
(3) ((تهذيب اللغة)) للهروي (8/ 87).
(4) ((تهذيب الأخلاق)) (ص30).
(5) ((التوقيف على مهمات التعاريف)) (ص250).
(6) ((آفات على الطريق)) للسيد محمد نوح (80).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،الفرق بين المكر والغدر
الفرق بينهما: أن الغدر: نقض العهد الذي يجب الوفاء به.
والمكر: قد يكون ابتداء من غير عقد (1).

(1) ((معجم الفروق اللغوية)) لأبي هلال العسكري (ص508 - 509).،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،ذم الغدر والنهي عنه في القرآن والسنة
ذم الغدر والنهي عنه في القرآن الكريم:
- قال تعالى: وَلاَ تَتَّخِذُواْ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُواْ الْسُّوءَ بِمَا صَدَدتُّمْ عَن سَبِيلِ اللهِ [النحل: 92].
قال ابن كثير: ( ... لأن الكافر إذا رأى المؤمن قد عاهده، ثم غدر به لم يبق له وثوق بالدين، فانصدّ بسببه عن الدخول في الإسلام) (1).
وقال ابن زيد، في قوله: تتخذون أيمانكم دخلا بينكم [النحل: 92] يغر بها، يعطيه العهد يؤمنه وينزله من مأمنه، فتزل قدمه وهو في مأمن، ثم يعود يريد الغدر، دَخَلا بَيْنَكُمْ [النحل: 92] قَالَ قَتَادَةُ: خِيَانَةً وَغَدْرًا (2).
وقال المراغي: (أي تجعلون أيمانكم التي تحلفون بها على أنكم موفون بالعهد لمن عاقدتم- خديعة وغروراً ليطمئنوا إليكم، وأنتم مضمرون لهم الغدر وترك الوفاء بالعهد، والنّقلة إلى غيرهم من أجل أنهم أكثر منهم عدداً وعدداً وأعز نفراً، بل عليكم بالوفاء بالعهود والمحافظة عليها في كل حال) (3).
- قال تعالى: وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ [النحل: 91].
قال الطبري: (إن الله تعالى أمر في هذه الآية عباده بالوفاء بعهوده التي يجعلونها على أنفسهم، ونهاهم عن نقض الأيمان بعد توكيدها على أنفسهم لآخرين بعقود تكون بينهم بحق مما لا يكرهه الله) (4).
قال الماوردي: (لا تنقضوها بالغدر بعد توكيدها بالوفاء) (5).
- قوله تعالى: وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ [الأنفال: 58].
قال الحافظ ابن كثير: (يقول تعالى لنبيه، صلوات الله وسلامه عليه وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ قد عاهدتهم خِيَانَةً أي: نقضًا لما بينك وبينهم من المواثيق والعهود، فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ أي: عهدهم عَلَى سَوَاءٍ أي: أعلمهم بأنك قد نقضت عهدهم حتى يبقى علمك وعلمهم بأنك حرب لهم، وهم حرب لك، وأنه لا عهد بينك وبينهم على السواء، أي: تستوي أنت وهم في ذلك) (6).
وقال العلامة السعدي: (وإذا كان بينك وبين قوم عهد وميثاق على ترك القتال فخفت منهم خيانة، بأن ظهر من قرائن أحوالهم ما يدل على خيانتهم من غير تصريح منهم بالخيانة. فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عهدهم، أي: ارمه عليهم، وأخبرهم أنه لا عهد بينك وبينهم. عَلَى سَوَاءٍ أي: حتى يستوي علمك وعلمهم بذلك، ولا يحل لك أن تغدرهم، أو تسعى في شيءٍ مما منعه موجب العهد، حتى تخبرهم بذلك. إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ بل يبغضهم أشد البغض، فلا بد من أمر بيِّنٍ يبرئكم من الخيانة ... ودل مفهومها أيضاً أنه إذا لم يُخَفْ منهم خيانة، بأن لم يوجد منهم ما يدل على ذلك، أنه لا يجوز نبذ العهد إليهم، بل يجب الوفاء إلى أن تتم مدته) (7).
- قال تعالى: وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلاً [الإسراء: 34].
قال القاسمي: (لا تنقضوا العهود الجائزة بينكم وبين من عاهدتموهم، فتخفروها وتغدروا بمن أعطيتموه إياها) (8).

(1) ((تفسير القرآن العظيم)) (4/ 600).
(2) ((جامع البيان في تأويل آي القرآن)) للطبري (14/ 346).
(3) ((تفسير المراغي)) (14/ 134).
(4) ((جامع البيان في تأويل آي القرآن)) (14/ 340).
(5) ((النكت والعيون)) (3/ 210).
(6) ((تفسير القرآن العظيم)) (4/ 79).
(7) ((تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان)) (ص324).
(8) ((محاسن التأويل)) (6/ 460).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،وقال الراغب: (ولكون الوفاء سبباً لعامة الصلاح. والغدر سبباً لعامة الفساد، عظم الله أمرهما، وأعاد في عدة مواضع ذكرهما، فقال: وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا [الإسراء: 34]، وقال: وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ) (1).
وقال ابن رجب: (ويدخل في العُهود التي يجب الوفاءُ بها، ويحرم الغَدْرُ فيها: جميعُ عقود المسلمين فيما بينهم، إذا تَرَاضَوا عليها من المبايعات والمناكحات وغيرها من العقود اللازمة التي يجب الوفاءُ بها، وكذلك ما يجبُ الوفاء به لله - عز وجل - ممَّا يعاهدُ العبدُ ربَّه عليه من نذرِ التَّبرُّرِ ونحوه) (2).
ذم الغدر والنهي عنه من السنة النبوية:
- عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لكل غادر لواء يوم القيامة، يقال: هذه غدرة فلان)) (3).
قال ابن بطال: (وهذه مبالغة في العقوبة وشدة الشهرة والفضيحة) (4).
وقال النووي: (لكل غادر لواء أي علامة يشهر بها في الناس لأن موضوع اللواء الشهرة مكان الرئيس علامة له وكانت العرب تنصب الألوية في الأسواق الحفلة لغدرة الغادر لتشهيره بذلك) (5).
وقال ابن عثيمين: (وفي هذا الحديث دليل على أن الغدر من كبائر الذنوب، لأن فيه هذا الوعيد الشديد) (6).
- وعن عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أربع، من كن فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا وعد أخلف، وإذا خاصم فجر)) (7).
قال المناوي: (وإذا عاهد غدر) أي: نقض العهد (8).
وقال العظيم آبادي: (وإذا عاهد غدر) أي: نقض العهد وترك الوفاء بما عاهد عليه (9).
وقال ابن عثيمين: (وإذا عاهد غدر) يعني: إذا أعطى عهدًا على أي شيء من الأشياء غدر به ونقض العهد، وهذا يشمل المعاهدة مع الكفار، والمعاهدة مع المسلم في بعض الأشياء ثم يغدر بذلك (10).
- وفي حديث هرقل الطويل مع أبي سفيان عندما سأله عن النبي: ((فهل يغدر؟ قال: لا، ثم قال هرقل: وسألتك هل يغدر؟ فزعمت أن لا، وكذلك الرسل لا يغدرون)) (11).
قال ابن بطال: قد جاء فضل الوفاء بالعهد وذم الختر في غير موضع في الكتاب والسنة، وإنما أشار البخاري في هذا الحديث إلى سؤال هرقل لأبى سفيان: هل يغدر؟ إذ كان الغدر عند كل أمة مذموماً قبيحاً، وليس هو من صفات رسل الله، فأراد أن يمتحن بذلك صدق النبي؛ لأن من غدر ولم يفِ بعهد لا يجوز أن يكون نبياً؛ لأن الأنبياء والرسل عليهم السلام أخبرت عن الله بفضل من وفى بعهد وذم من غدر وختر (12).
- وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((قال الله: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حراً ثم أكل ثمنه، ورجل استأجر أجيراً فاستوفى منه ولم يعط أجره)) (13).
قال المهلب: قوله: (أعطى بي ثم غدر) يريد: نقض عهداً عاهده عليه (14).

(1) ((تفسير الراغب)) (2/ 659).
(2) ((جامع العلوم والحكم)) (3/ 1255).
(3) رواه مسلم (1736)، بهذا اللفظ، ورواه البخاري ومسلم بألفاظ مختلفة، من حديث أبي سعيد، وابن عمر، وأنس رضي الله عنهم.
(4) ((شرح صحيح البخاري)) (5/ 357).
(5) ((المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج)) (12/ 43).
(6) ((شرح رياض الصالحين)) (6/ 273).
(7) رواه البخاري (2227).
(8) ((فيض القدير)) (1/ 463).
(9) ((عون المعبود)) (12/ 289).
(10) ((شرح رياض الصالحين)) (6/ 166).
(11) رواه البخاري (2941)، ومسلم (1773).
(12) ((شرح صحيح البخاري)) (5/ 356).
(13) رواه البخاري (2227).
(14) ((شرح صحيح البخاري)) لابن بطال (6/ 345).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،وقال المناوي: (ثم غدر) أي: نقض العهد الذي عاهد عليه لأنه جعل الله كفيلاً له فيما لزمه من وفاء ما أعطى والكفيل خصم المكفول به للمكفول له (1).
وقال الصنعاني: فيه دلالة على شدة جرم من ذكر وأنه تعالى يخصمهم يوم القيامة نيابة عمن ظلموه، وقوله أعطى بي أي: حلف باسمي وعاهد أو أعطى الأمان باسمي وبما شرعته من ديني، وتحريم الغدر والنكث مجمع عليه (2).
- وعن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لكل غادر لواء يوم القيامة يعرف به)) (3).
قال ابن بطال: (دل أن الغدر حرام لجميع الناس برهم وفاجرهم؛ لأن الغدر ظلم، وظلم الفاجر حرام كظلم البر التقي. فإن قال قائل: فما وجه موافقة حديث ابن عباس للترجمة؟ قيل: وجه ذلك والله أعلم أن محارم الله عهود إلى عباده، فمن انتهك منها شيئاً لم يف بما عاهد الله عليه، ومن لم يف فهو من الغادرين، وأيضاً فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما فتح مكة مَنَّ على أهلها كلهم مؤمنهم ومنافقهم، ومعلوم أنه كان فيهم منافقون، ثم أخبر صلى الله عليه وسلم أن مكة حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة وأنه لا يحل قتال أحد فيها، وإذا كان هذا فلا يجوز الغدر ببر منهم ولا فاجر؛ إذ شمل جميعهم أمان النبي وعفوه عنهم) (4).
- وعن أبي سعيد ـ رضي الله عنه ـ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لكل غادر لواء عند إسته يوم القيامة)) (5). وفي رواية: ((لكل غادر لواء يوم القيامة يرفع له بقدر غدره ألا ولا غادر أعظم غدراً من أمير عامة)) (6).
قال النووي: وفي هذه الأحاديث بيان غلظ تحريم الغدر لاسيما من صاحب الولاية العامة لأن غدره يتعدى ضرره إلى خلق كثيرين (7).

(1) ((فيض القدير)) للمناوي (3/ 315).
(2) ((سبل السلام)) (2/ 116).
(3) ((سبل السلام)) (2/ 116).
(4) ((شرح صحيح البخاري)) (5/ 351).
(5) رواه مسلم (1738) (15). والحديث روي بألفاظ مختلفة من حديث عبد الله بن مسعود، وابن عمر، وأنس رضي الله عنهم.
(6) رواه مسلم (1738) (16). والحديث روي بألفاظ مختلفة من حديث عبد الله بن مسعود، وابن عمر، وأنس رضي الله عنهم.
(7) ((المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج)) (12/ 44).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،أقوال السلف والعلماء في ذم الغدر
- قال أمير المؤمنين علي رضي الله عنه: (الغدر مكر والمكر كفر) (1).
- وقال أيضاً: (الوفاء توأم الصدق، ولا أعلم جنة أوقى منه، وما يغدر من علم كيف المرجع. ولقد أصبحنا في زمان اتخذ أكثر أهله الغدر كيساً، ونسبهم أهل الجهل فيه إلى حسن الحيلة. ما لهم قاتلهم الله؟ قد يرى الحول القلب وجه الحيلة ودونها مانع من الله ونهيه فيدعها رأي عين بعد القدرة عليها. وينتهز فرصتها من لا خريجة له في الدين) (2).
- وقال أيضاً: (إذا كان الغدر طبعاً، فالثقة بكل أحد عجز) (3).
- وقال عديّ بن حاتم: (أتينا عمر في وفد فجعل يدعو رجلاً رجلاً ويسمّيهم. فقلت: أما تعرفني يا أمير المؤمنين؟ قال: بلى. أسلمت إذ كفروا، وأقبلت إذ أدبروا، ووفيت إذ غدروا، وعرفت إذ أنكروا. فقال عديّ: فلا أبالي إذاً) (4).
- قال ابن حزم: الغدر، وهو الذي لا يحتمله أحد ولا يغضي عليه كريم، وهو المسلاة حقاً ولا يلام السالي عنه على أي وجه كان، ناسياً أو متصبراً، بل اللائمة لاحقة لمن صبر عليه (5).
- ولمّا حلف محمّد الأمين للمأمون في بيت الله الحرام- وهما وليّا عهد- طالبه جعفر بن يحيى أن يقول: خذلني الله إن خذلته. فقال ذلك ثلاث مرّات. قال الفضل بن الرّبيع: قال لي الأمين في ذلك الوقت عند خروجه من بيت الله: يا أبا العبّاس أجد نفسي أنّ أمري لا يتمّ. فقلت له ولم ذلك أعزّ الله الأمير؟ قال: لأنّي كنت أحلف وأنا أنوي الغدر، وكان كذلك لم يتمّ أمره (6).
- قال الأبشيهيّ: (وكم أوقع القدر في المهالك من غادر، وضاقت عليه من موارد الهلكات فسيحات المصادر، وطوقه غدره طوق خزي، فهو على فكّه غير قادر) (7).
- وقال أيضاً: أيّ سوء أقبح من غدر يسوق إلى النّفاق، وأيّ عار أفضح من نقض العهد إذا عدّت مساوئ الأخلاق (8).
- وقال ملك لصاحب ملك آخر: أطلعني على سر صاحبك، قال: إليّ تقول هذا؟ وما ذاق أحد كأساً أمر من الغدر، والله لو حول ثواب الوفاء إليه لما كان فيه عوض منه، ولكن سماجة اسمه وبشاعة ذكره ناهيان عنه (9).
- قال مروان لعبد الحميد الكاتب عند زوال أمره: صر إلى هؤلاء القوم، يعني بني العباس، فإني أرجو أن تنفعني في مخلفي، فقال وكيف لي بعلم الناس جميعاً إن هذا رأيك؟ كلهم يقولون إني قد غدرت بك وأنشد:
وغدري ظاهر لا شك فيه ... لمبصرة وعذري بالمغيب
- ولما أتى به المنصور قال له: استبقني فإني فرد الدهر بالبلاغة. فقطع يديه ورجليه، ثم ضرب عنقه (10).

(1) رواه الطبري في ((تفسيره)) (17/ 43).
(2) ((ربيع الأبرار ونصوص الأخيار)) للزمخشري (5/ 300).
(3) ((المستطرف)) للأبشيهي (ص134).
(4) رواه البخاري (4394).
(5) ((طوق الحمامة)) لابن حزم (ص253).
(6) ((المستطرف)) للأبشيهي (ص218).
(7) ((المستطرف)) للأبشيهي (ص216).
(8) ((المستطرف)) للأبشيهي (ص217).
(9) ((ربيع الأبرار ونصوص الأخيار)) للزمخشري (4/ 139).
(10) ((ربيع الأبرار ونصوص الأخيار)) للزمخشري (4/ 142).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،آثار ومضار الغدر
للغدر آثار سيئة وعواقب وخيمة، على العاملين، وعلى العمل الإسلامي (1):
أولاً: آثاره على العاملين:
من أبرز هذه الآثار وتلك العواقب على العاملين ما يلي:
1 - الغواية والضلال:
إن الذين يتصفون بالغدر هم بعيدون عن كتاب الله وسنة رسوله، وبسبب ذلك فقد أغواهم الله تعالى وأضلهم، فلا يوفقون إلى خير. قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ [البقرة: 26 - 27].
2 - قسوة القلب:
لقد كانت قسوة القلب سمة بارزة في أهل الكتاب لاسيما اليهود لكثرة نقضهم العهد والمواثيق. قال تعالى: فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىَ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمُ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ وَمِنَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ [المائدة: 13 - 14].
3 - ضياع المروءة، وذهاب الهيبة، وتسليط الأعداء:
ولا يقف العقاب الإلهي عند هذا الحد، بل يكون معه ضياع المروءة وذهاب الهيبة وتسليط الأعداء، وما يتبع ذلك من السيطرة على الأوطان واستنزاف الخيرات والثروات، وتغيير هوية الأمة وثقافتها وقيمها وأخلاقها وسوم أبنائها سوء العذاب.
قال تعالى: فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ [الفتح: 10].
قال محمد بن كعب القرظي رضي الله تعالى عنه: (ثلاث خصال من كن فيه، كن عليه: البغي، والنكث، والمكر) (2).
4 - تحمل الجزاء المترتب على الغدر:
ذلك أن الغدر يؤدي إلى خسائر بدنية أو نفسية، أو اجتماعية، أو اقتصادية وقد تكون هذه جميعاً، ولابد من ضمان التلف في جزاء يتولاه ولي الأمر أو نائبه، أو تتولاه الرعية حين يغدر ولي الأمر فيضيع من هم في رعايته.
5 - براءة النبي صلى الله عليه وسلم من أهل الغدر:
ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء بمنهاج يدعو إلى الوفاء مع الخالق، والمخلوق، ومع العدو، والصديق بل حتى مع الدواب والجمادات ثم طبق ذلك عملياً على نفسه حين استبقى علياً مكانه في فراشه ليلة الهجرة ليرد الودائع إلى أصحابها، ووفى بعهده مع اليهود لولا أنهم غدروا، ووفى مع المشركين في مكة والطائف وغيرهما لولا غدرهم وخيانتهم.
6 - حلول اللعنة على الغادر من الله، والملائكة، والناس أجمعين:
ذلك أن الله يغار حين يرى العبد أكل نعمته، ثم غدر فاستخدمها في معصيته وحربه وتمثل هذه الغيرة في حلول اللعنة، ومعه سبحانه الملائكة، والناس أجمعين برهم، وفاجرهم مؤمنهم وكافرهم.
7 - الانتظام في سلك المنافقين:

(1) ((آفات على الطريق)) لسيد محمد نوح (ص84 - 93) بتصرف واختصار.
(2) رواه ابن أبي الدنيا في ((ذم البغي)) (ص88).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،ذلك أن الغادر أظهر شيئاً في الوقت الذي أبطن فيه خلافه، ومثل هذا الصنف من الناس يجب توقيه، والحذر منه لأنه لم يعد محل ثقة ولا أمانة إذ يظهر الموافقة على العهود، والالتزام، ثم يخفي النقض والغدر.
8 - الفضيحة على رؤوس الأشهاد:
ذلك أن الله لا يوقف عقابه للغادرين على الدنيا بل يضم إلى ذلك عقاب الآخرة، وأوله الفضيحة على رؤوس الأشهاد وما أعظمه وما أشده من عقاب.
9 - لقاء الله أبتر اليمين:
ذلك أنه أعطى بيعة بيمينه على الوفاء بما بايع عليه، وعدم النقض وأقل عقاب يعاقبه رب العزة: أنه يبعثه من قبره ليلقى ربه وقد حرمه يمينه تلك التي بايعت وخان صاحبها البيعة وغدر بعهده.
10 - المساءلة غداً مع الإهانة في الكلام، ومع الحرمان من رؤية الله والجنة:
لا يقف أمر عقاب المولى للغادر عند حد الفضيحة على رؤوس الأشهاد وعند حد لقائه سبحانه له، وهو مبتور اليمين، بل يتعدى ذلك إلى المساءلة والإهانة في الكلام، والحرمان من رؤية رب العالمين والجنة.
ثانياً: آثاره على العمل الإسلامي:
كما أن للغدر آثاراً سيئة، وعواقب وخيمة على العاملين فله كذلك آثار سيئة وعواقب وخيمة على العمل الإسلامي نذكر منها:
1 - القطيعة والفرقة:
ذلك أنه إذا شاع الغدر بين أبناء المجتمع سحب كل منهم ثقته بالآخر ووقعت الخصومات وما يتبعها من القطيعة والفرقة الأمر الذي يؤدي إلى طمع الأعداء، وسعيهم للسيطرة على بلاد المسلمين وانتهاك حرماتهم من العقيدة والدم، والعقل والعرض والمال.
2 - طول الطريق وكثرة التكاليف:
ذلك أنه إذا سيطر الأعداء، وفرضوا أنفسهم على المسلمين وديارهم: عملوا على التمكين لهم بطريق أو بأخرى.
صور الغدر
للغدر صور كثيرة نذكر منها أمور وهي كالتالي (1):
1 - نقض العهد الذي أخذ الله على بني آدم حين استخرجهم من ظهره إذ يقول سبحانه: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ [أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ] الأعراف: 172 - 173 [.]
2 - نقض العهد الذي وصى الله به خلقه من فعل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال وترك ما لا يحبه الله ولا يرضاه من الأقوال والأفعال، والذي تضمنته كتبه المنزلة وبلغه رسله عليهم الصلاة والسلام، ومعنى نقض هذا العهد ترك العمل به.
3 - نقض العهد المأخوذ على بني آدم من النظر في أدلة وحدانيته، وكمالاته المنصورة في الكون وفي النفس، والذي تحدث به عنه رب العزة في قوله تعالى: وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ [الذاريات:20 - 21].
4 - نقض العهد الذي أخذه الله على النبيين وأتباعهم أن يؤمنوا بهذا النبي وأن ينصروه وذلك في قوله سبحانه: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ فَمَن تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [آل عمران: 81 - 82].
5 - نقض العهد الذي للإمام ونائبه على المسلمين من وجوب الطاعة في المعروف ونصرة دين الله عز وجل دون مبرر شرعي يقتضي ذلك.
6 - نقض العهد الذي أعطاه الشارع الحكيم للكفار غير المحاربين من أهل الذمة والمستأمنين وكذلك المعاهدين دون مبرر شرعي يقتضي ذلك، كأن يتحول نفر من هؤلاء إلى أن يكون محارباً، أو على الأقل يأتي أعمالاً تخالف نظام الإسلام إذ في الحديث: ((ألا من قتل نفساً معاهدة له ذمة الله وذمة رسوله فقد أخفر بذمة الله فلا يرح رائحة الجنة، وإن ريحها لتوجد من مسيرة سبعين خريفاً)) (2).
7 - خلف الموعد بأن يعطي موعداً وفي نيته عدم الوفاء أما إذا أعطى موعداً وفي نيته الوفاء ولم يف لأمر خارج عن إرادته فلا يعد ذلك نقضاً لحديث: ((إذا وعد الرجل أخاه، ومن نيته أن يفي فلم يف ولم يجئ للميعاد فلا إثم عليه)) (3).
8 - نقض الحكام ونوابهم ما عاهدوا الله عليه حين بويعوا من العمل لصالح الرعية وفق منهج الله بحيث يتحول الواحد منهم بعد توليه الأمر إلى أن يكون سيفاً مصلتاً على رقاب العباد يطلق العنان لزبانيته فيصادروا حرية الناس العقدية والفكرية والسياسية والإعلامية ويهدروا حرمتهم في دمائهم وعقولهم وأعراضهم وأموالهم فالناس مابين عاطل عن العمل أو منفي بعيداً عن أهله وعشيرته أو في إقامة جبرية أو مسجون بلا تهمة ولا محاكمة ...

(1) ((آفات على الطريق)) لسيد محمد نوح (80 - 82).
(2) رواه الترمذي (1403)، وابن ماجه (2687). قال الترمذي: حسن صحيح. وقال الألباني في ((صحيح الترغيب)): صحيح لغيره (3009).
(3) رواه أبو داود (4995)، والطبراني في ((الكبير)) (5/ 199). وضعفه السيوطي في ((الجامع الصغير)) (894)، وضعفه الألباني في ((ضعيف الجامع)) (723).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،أسباب الوقوع في الغدر
1 - تحميل الإنسان نفسه من الأعمال أكثر مما تطيق.
2 - حب الكفار وموالاتهم.
3 - صحبة الذين اشتهروا بالغدر.
4 - ضعف الإيمان بالله.
5 - عدم التأمل في العواقب الوخيمة للغدر.
6 - اللهث وراء الدنيا وملذاتها.
7 - نشأة الفرد في أسرة غير ملتزمة بآداب الشرع الحكيم.
الوسائل المعينة على ترك الغدر
1 - إخلاص الإيمان لله سبحانه وتعالى وتقويته.
2 - أن لا يحمل الإنسان نفسه من الأعمال ما لا تطيق.
3 - التأمل في الآثار الوخيمة للغدر على الفرد والمجتمع.
4 - تدبر الآيات القرآنية التي حذرت من الغدر وعدم الوفاء.
5 - ترك الطمع واللهث وراء الدنيا.
6 - مجاهدة النفس وتربيتها على التحلي بالوفاء والصدق.
7 - البعد عن أصدقاء السوء ومجالسة أهل الصلاح.
حكم وأمثال في الغدر
- وقولهم: قد خلسَ فلانٌ بما كانَ عليه.
قال أبو بكر: معناه: قد غدر به (1).
- أغدر من غَدِير.
قيل سمي الغدير غديراً لِأَنَّهُ يغدر بِصَاحِبِهِ أَي يجِف بعد قَلِيل وينضب مَاؤُهُ (2)
- أغدر من كناة الْغدر.
وهم بَنو سعد بن تَمِيم وَكَانُوا يسمون الغدر كيسَان قَالَ النمر ابْن تولب:
إِذا كنت فِي سعدٍ وأمك مِنْهُم ... غَرِيبا فَلَا يغررك خَالك من سعد
إِذا مَا دعوا كيسَان كَانَت كهولهم ... إِلَى الْغدر أدنى من شبابهم المرد (3)
- أغدر من قيس بن عاصمٍ.
وَذَلِكَ أَن بعض التُّجَّار جاوره فَأخذ مَتَاعه وَشرب خمره وسكر وَجعل يَقُول:
وتاجرٍ فاجرٍ جَاءَ الْإِلَه بِهِ ... كَأَن لحيته أَذْنَاب أجمال
وجبى صَدَقَة بني منقر للنبي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ بلغه مَوته فَقَسمهَا فِي قومه وَقَالَ:
أَلا أبلغا عَنى قُريْشًا رِسَالَة ... إِذا مَا أَتَتْهُم مهديات الودائع
حبوت بِمَا صدقت فِي الْعَام منقراً ... وأيأست مِنْهَا كل أطلس طامع (4)
- أغدر من عتيبة بن الْحَارِث:
وَذَلِكَ أَن أنيس بن مرّة بن مرداس السلمي نزل بِهِ فِي صرمٍ من بني سليم فَأخذ أموالها وربط رجالها حَتَّى افْتَدَوْا (5).
- الوفاء من شيم الكرام والغدر من همم اللئام.
- لا تلبس ثيابك على الغدر (6).
وتقال في الحث على الوفاء ومدحه.
- أسرع غدرة من الذئب (7).
من أقوال الحكماء:
- قالوا: الغالب بالغدر مغلول، والناكث للعهد ممقوت مخذول (8).
- وقالوا: لا عذر في الغدر. والعذر يصلح في كل المواطن، ولا عذر لغادر ولا خائن (9).
- وفي بعض الكتب المنزّلة: إن مما تعجّل عقوبته من الذنوب ولا يؤخر: الإحسان يكفر، والذّمة تخفر (10).
- من عاشر الناس بالمكر كافئوه بالغدر (11).
- وقالوا: الغدر ضامن العثرة، قاطع ليد النّصرة (12).
- كان يقال: لم يغدر غادر قط إلا لصغر همته عن الوفاء، واتضاع قدره عن احتمال المكاره في جنب نيل المكاره (13).

(1) ((الزاهر في معاني كلمات الناس)) للأنباري (2/ 40).
(2) ((جمهرة الأمثال)) لأبي هلال العسكري (2/ 86).
(3) ((جمهرة الأمثال)) لأبي هلال العسكري (2/ 86).
(4) ((جمهرة الأمثال)) لأبي هلال العسكري (2/ 87).
(5) ((جمهرة الأمثال)) لأبي هلال العسكري (2/ 87).
(6) ((محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء)) للراغب (1/ 351).
(7) ((مجمع الأمثال)) للنيسابوري (1/ 349).
(8) ((نهاية الأرب في فنون الأدب)) للنويري (3/ 364).
(9) ((نهاية الأرب في فنون الأدب)) للنويري (3/ 364).
(10) ((نهاية الأرب في فنون الأدب)) للنويري (3/ 364).
(11) ((مجمع الأمثال)) للنيسابوري (2/ 296).
(12) ((نهاية الأرب في فنون الأدب)) للنويري (3/ 364).
(13) ((ربيع الأبرار ونصوص الأخيار)) للزمخشري (4/ 142).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،مسائل متفرقة حول الغدر
- الموصوف بالغدر:
قال أعرابي: إنّ الناس يأكلون أماناتهم لقماً وفلان يحسوها حسواً، ويقال: فلان أغدر من الذئب. قال الشاعر: هو الذئب أو للذّئب أوفى أمانة
وقيل: الذئب يأدو الغزال أي يختله.
واستبطأ عبيد الله بن يحيى أبا العيناء فقال: أنا والله ببابك أكثر من الغدر في آل خاقان.
وقال الخبزارزي:
ولم تتعاطى ما تعودت ضدّه ... إذا كنت خوّاناً فلم تدّعي الوفا
وقال الباذاني في أبي دلف وكان نقش خاتمه الوفاء:
الغدر أكثر فعله ... وكتاب خاتمه الوفا
وقيل كان بنو سعد يسمون الغدر كيسان ويستعملونه وفيهم يقول اليمين:
إذا ما دعوا كيسان كانت كهولهم ... إلى الغدر أدنى من شبابهم المرد (1)
- حكايات عن الغدر:
قيل: أغار خيثمة بن مالك الجعفي على حيّ من بني القين فاستاق منهم إبلا فلحقوه ليستنقذوها منه، فلم يطمعوا فيه، ثم ذكر يدا كانت لبعضهم عنده، فخلّى عما كان في يده، وولّى منصرفا، فنادوه وقالوا: إن المفازة أمامك، ولا ماء معك، وقد فعلت جميلا، فانزل ولك الذّمام والحباء فنزل فلما اطمأنّ وسكن، واستمكنوا منه غدروا به فقتلوه، ففي ذلك تقول عمرة ابنته:
غدرتم بمن لو كان ساعة غدركم ... بكفّيه مفتوق الغرارين قاضب
أذادكم عنه بضرب كأنّه ... سهام المنايا كلّهن صوائب (2)
وتلاحى بنو مقرون بن عمرو بن محارب، وبنو جهم بن مرّة بن محارب، على ماء لهم فغلبتهم بنو مقرون فظهرت عليهم، وكان في بنى جهم شيخ له تجربة وسنّ، فلما رأى ظهورهم، قال: يا بنى مقرون، نحن بنو أب واحد، فلم نتفانى؟ هلمّوا إلى الصلح، ولكم عهد الله تعالى وميثاقه وذمّة آبائنا، أن لا نهيجكم أبدا ولا نزاحمكم في هذا الماء، فأجابتهم بنو مقرون إلى ذلك، فلما اطمأنوا ووضعوا السلاح عدا عليهم بنو جهم فنالوا منهم منالا عظيما، وقتلوا جماعة من أشرافهم، ففي ذلك يقول أبو ظفر الحارثىّ:
هلّا غدرتم بمقرون وأسرته ... والبيض مصلته والحرب تستعر
لما اطمأنوا وشاموا في سيوقهم ... ثرتم إليهم وعرّ الغدر مشتهر
غدرتموهم بأيمان مؤكدة ... والورد من بعده للغادر الصّدر (3)
وغدرت ابنة الضّيزن بن معاوية بأبيها صاحب الحصن ودلّت سابور على طريق فتحه، ففتحه وقتل أباها وتزوّجها، ثم قتلها (4).
وممن اشتهر بالغدر عمرو بن جرموز: غدر بالزّبير بن العوّام، وقتله بوادي السباع (5).
- نار الغدر:
كانت العرب إذا غدر الرجل بجاره، أوقدوا له نارا بمنى، أيام الحج على الأخشب (وهو الجبل المطلّ على منى). ثم صاحوا: هذه غدرة فلان.
قالت امرأة من هاشم:
فإن نهلك فلم نعرف عقوقا ... ولم توقد لنا بالغدر نار (6). ...

(1) ((محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء)) للراغب (1/ 355).
(2) ((نهاية الأرب في فنون الأدب)) للنويري (3/ 367).
(3) ((نهاية الأرب في فنون الأدب)) للنويري (3/ 368).
(4) ((نهاية الأرب في فنون الأدب)) للنويري (3/ 366).
(5) ((نهاية الأرب في فنون الأدب)) للنويري (3/ 366).
(6) ((نهاية الأرب في فنون الأدب)) للنويري (1/ 111).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،غدر اليهود بالمسلمين:
إن المتأمل لتاريخ اليهود، والمتتبع للأحداث التاريخية، يجد بأن الغدر من أبرز الصفات التي اتصفت بها الأمة اليهودية، فقد اشتهروا بالغدر والخيانة لكل من يخالفهم، ولا سيما إذا كان المخالف لهم مسلماً، فهم بالغدر أشهر من نار على علم.
والقرآن الكريم قد بيّن لنا حقيقة هذه الأمة، وسرد لنا الأحداث التي تبين تجذر هذه الصفة القبيحة فيهم.
وقد سجل التاريخ طرفاً من غدر اليهود عبر تاريخهم المظلم المليء بالصفحات السوداء، منذ فجر الإسلام، ومن تلك المواقف:
بعدما أبرمت وثيقة بين الرسول واليهود بعد الهجرة، وتقوت دولة الإسلام وتجذرت، بدأ اليهود يتحينون الفرص للغدر بالمسلمين، فكان أول من غدر منهم بنو قينقاع عندما اعتدوا على حجاب امرأة مسلمة في سوقهم وكشفوا عن عورتها، وعندها حاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بجيش من المسلمين حتى أجلاهم عن المدينة وأبعدهم إلى بلاد الشام جزاء غدرهم وخيانتهم للعهد.
ثم تلاهم في الغدر بنو النضير عندما دبروا مؤامرة لاغتيال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في دورهم يكلمهم ويتحدث إليهم فدبروا خطة لإلقاء صخرة عليهم من أعلى السطح فكشف الله له أمرهم فحاصرهم بجيش من المسلمين حتى تم إجلاؤهم إلى بلاد الشام كذلك.
وأخيراً كان الغدر الأكبر من بني قريظة يوم الأحزاب، حيث تجمع على المسلمين سائر طوائف الشرك من القبائل العربية، فلما رأى اليهود الضيق والحرج قد استبد بالمسلمين اهتبلوها فرصة وأعلنوا نقض العهد والالتحام مع المشركين، وكشف الله مكرهم، ثم بعد أن انهزم الأحزاب تفرغ لهم رسول الله صلى الله علي وسلم وأدب بهم من خلفهم، وكانت نهايتهم أن قتل مقاتلتهم وسبيت ذراريهم وأموالهم (1).

(1) ((حوار الحضارات)) لموسى إبراهيم الإبراهيم، (ص192 - 193) نقلاً عن سيرة ابن هشام. بتصرف.،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،غدر النصارى بالمسلمين:
كان أول غدر أحدث النصارى تجاه رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما قتلوا رسوله الحارث بن عمير الأزدي، الذي أرسله إلى عامل بصرى الشام من قبل الروم، واسمه شرحبيل بن عمر الغساني ليدعوه إلى الإسلام، فما كان من شرحبيل إلا أن قتل مبعوث النبي صلى الله عليه وسلم إليه، وكان من عادة الدول تأمين الرسل بينهم، وكانت هذه الحادثة سبباً لغزوة مؤتة التاريخية، حيث أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشاً لتأديب الغساسنة ونصارى الروم وأسيادهم حفاظاً على سمعة الدولة الإسلامية أن تهان وانتصاراً لدم بريء غدر به (1).

(1) ((حوار الحضارات)) لموسى إبراهيم الإبراهيم، (ص196) نقلاً عن كتاب (قراءة سياسية للسيرة النبوية للدكتور محمد رواس قلعة جي ص133).،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،غدر المشركين بالمسلمين:
إن مواقف المشركين من الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم وغدرهم بهم من الكثرة ما لا يدخل تحت حصر، وهي من الشهرة بما لا يحتاج معها إلى تدليل وإثبات، ولعل أبرز مواقفهم نقض قريش لصلح الحديبية الذي وقعته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في العام السادس للهجرة ورضي فيه المسلمون بالشروط المجحفة احتراماً للحرم وقدسيته معتبرين هذا الصلح هو أول اعتراف رسمي من قريش بوجود كيان للمسلمين ودولة لها مقوماتها وقراراتها الخاصة، ثم لم تلبث قريش أن نقضت هذا العهد وغدرت بأحلاف رسول الله الخزاعيين مما كان سبباً لتجهيز رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشاً من المسلمين يفتح مكة المكرمة بعد ذلك.
إنه غدر ولكنه قد انقلب إلى نصر وفتح كبير للمسلمين، وعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً (1).

(1) ((حوار الحضارات)) لموسى إبراهيم الإبراهيم، (ص202) نقلاً عن كتاب (البداية والنهاية ج13 أحداث عام 656م).،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،الغدر في واحة الشعر ..
قال حسّان، يهجو الحارثَ بن عوفٍ المُرّيَّ من غطفان:
إنْ تَغْدِروا فالغَدْرُ منكم شِيمَةٌ ... والغَدْرُ يَنْبُتُ في أصول السخبر (1)
وقال أبو حنبل الطّائي:
قد آلَيْت أغدر فِي جداع ... وَإِن منيت أمات الرباع
لِأَن الْغدر فِي الأقوام عارٌ ... وَإِن الْحر يجزأ بِالْكُرَاعِ (2)
وقال أبو فراس بن حمدان:
تناساني الأصحابُ إلا عُصيبَةً ... ستلحقُ بالأخرى غداً وتحولُ
فمن قبلُ كانَ الغدرُ في الناس سُبّهً ... وذمَّ زمانٍ واستلامَ خليل (3)
وقال سعيد بن حميد:
جعلت لأهل الود ألا أريبهم ... بغدر، وإن مالوا إلى جانب الغدر
وأن أجزي الود الجميل بمثله ... وأقبل عذراً جاء من جهة العذر (4)
وقال عتبة بن عتيبة بن الحارث بن شهاب صياد الفوارس:
غدرتم غدرة وغدرت أخرى ... فليس إلى توافينا سبيل (5)
وقال عارف الطائي:
أذل لوطء الناس من خشب الجسر ... إذا استحقبتها العيس جاءت من البعد
أيوعدني والرمح بيني وبينه ... تبين رويداً ما أمامة من هند
ومن أجا حولي رعان كأنها ... قنابل خيل من كميت ومن ورد
غدرت بأمر كنت أنت اجتذبتنا ... إليه وبئس الشيمة الغدر بالعهد (6)
وقال حسان يهجو هذيلاً فيما صنعوا بخبيب بن عدي:
أبلغ بني عمرو بأن أخاهم ... شراه أمر وقد كان للغدر لازما
شراه زهير بن الأغر وجامع ... وكانا جميعاً يركبان المحارما
أجرتم فلما أن أجرتم غدرتم ... وكنتم بأكناف الرجيع لهاذما
فليت خبيباً لم تخنه أمانة ... وليت خبيباً كان بالقوم عالما (7)
وقال ثابت قطنة:
لا تحسبن الغدر حزماً فربما ... ترقت به الأقدام يوماً فزلت (8)
وقال الرضيّ الموسويّ:
ومولى يعاطيني الكؤوس تجمّلا ... وقد ودّ لو أنّ العقار نجيع
خبأت له ما بين جنبيّ فتكة ... دهته ويوم الغادرين شنيع
فلا كان مولى لا يدوم وفاؤه ... وإنّ وفاء في الزمان بديع
وبعض مقال القائلين تكذّب ... وبعض وداد الأقربين خدوع (9)
وقال أيضاً:
فكم فيهم من واعد غير منجز ... وكم فيهم من قائل غير صادق
وفاء كأنبوب اليراع لصاحب ... وغدر كأطراف الرّماح الدّوالق (10)
وقال حاتم الطائي:
فأقسمت لا أمشي إلى سر جارةٍ ... يد الدّهر مادام الحمام يغرِّدُ
ولا أشتري مالاً بغدرٍ علمته ... ألا كلُّ مال خالط الغدر أنكدُ (11) ...

(1) ((الصحاح تاج اللغة)) للجوهري (2/ 680).
(2) ((جمهرة الأمثال)) لأبي هلال العسكري (2/ 356).
(3) ((ديوان المعاني)) لأبي هلال العسكري (2/ 201).
(4) ((الصداقة والصديق)) لأبي حيان التوحيدي (ص122).
(5) ((ربيع الأبرار ونصوص الأخيار)) للزمخشري (4/ 142).
(6) ((ربيع الأبرار ونصوص الأخيار)) للزمخشري (4/ 142).
(7) ((سيرة ابن هشام)) (2/ 179).
(8) ((تاريخ الطبري)) لابن جرير الطبري (6/ 459).
(9) ((التذكرة الحمدونية)) لابن حمدون (3/ 30).
(10) ((التذكرة الحمدونية)) لابن حمدون (3/ 31).
(11) ((لباب الآداب)) لأسامة بن منقذ (ص251).