الجمعة، 23 نوفمبر 2012

موسوعة الأخلاق الإسلامية : العجب

العجب

معنى العجب لغة واصطلاحاً
معنى العجب لغة:
العجْب بالضم: الزَّهْوُ والكِبْرُ, ورَجُلٌ مُعْجَبٌ: مَزْهُوٌّ بِمَا يَكُونُ مِنْهُ حَسَناً أَو قَبِيحاً. وقيل: المُعْجَبُ، الإِنْسَانُ المعْجَب بِنَفْسِه أَوْ بِالشَّيْءِ. وقد أُعْجِبَ فُلَانٌ بِنَفْسِه فَهو مُعْجَبٌ بِرَأْيِهِ وبِنَفْسِه. والاسْمُ العُجْبُ، وَقِيلَ: العُجْبُ: فَضْلَةٌ من الحُمْقِ صَرَفْتَهَا إِلَى العُجْب (1).
معنى العجب اصطلاحاً:
قال الجرجاني: العجب هو عبارة عن تصور استحقاق الشخص رتبة لا يكون مستحقا لها (2).
وقال الغزالي: العجب هو استعظام النعمة والركون إليها مع نسيان إضافتها إلى المنعم (3).
وقال أحمد بن يحيى بن المرتضى: (العجب مسرة بحصول أمر يصحبها تطاول به على من لم يحصل له مثله بقول أو ما في حكمه من فعل أو ترك أو اعتقاد) (4).
قال أبو العباس القرطبي إعجاب الرجل بنفسه هو ملاحظته لها بعين الكمال والاستحسان مع نسيان منة الله تعالى (5).

(1) انظر: ((لسان العرب)) (1/ 582) , و ((تاج العروس من جواهر القاموس)) (3/ 318).
(2) ((التعريفات)) (ص: 147).
(3) ((إحياء علوم الدين)) (3/ 371).
(4) ((البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار)) (6/ 490).
(5) ((طرح التثريب)) لأبي الفضل للعراقي (8/ 168).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،الفرق بين العجب ومرادفاته
قال ابن حزم رحمه الله: (الْعُجْب أصل يتفرع عنه التيه والزهو والكبر والنخوة والتعالي وهذه أسماء واقعة على معان متقاربة. ولذلك صعب الفرق بينها على أكثر الناس) (1).
ومع ذلك فقد تكلم العلماء وخاصة أهل اللغة عن الفروق بين العجب ومترادفاته ولعلنا نذكر منها ما يلي:
الفرق بين العجب والكبر:
قال أبو هلال العسكري رحمه الله: (الفرق بين العجب والكبر: أن العجب بالشيء شدة السرور به حتى لا يعادله شيء عند صاحبه تقول هو معجب بفلانة إذا كان شديد السرور بها، وهو معجب بنفسه إذا كان مسرورا بخصالها.
ولهذا يقال أعجبه كما يقال سر به فليس العجب من الكبر في شيء، وقال علي بن عيسى: العجب عقد النفس على فضيلة لها ينبغي أن يتعجب منها وليست هي لها) (2).
وقال الغزالي رحمه الله: (فإن الكبر يستدعي متكبرا عليه ومتكبرا به وبه ينفصل الكبر عن العجب كما سيأتي فإن العجب لا يستدعي غير المعجب بل لو لم يخلق الإنسان إلا وحده تصور أن يكون معجبا ولا يتصور أن يكون متكبرا إلا أن يكون مع غيره) (3).
الفرق بين العجب والتيه:
قال مرتضى الزبيدي رحمه الله: (ونَقَل شَيْخُنَا عن الرَّاغِبِ في الفَرْقِ بَيْن المُعْجَبِ والتَّائِهِ، فَقَالَ: المُعْجَبُ يُصَدِّقُ نَفْسَه فِيمَا يَظُنُّ بِهَا وَهْماً. والتَّائِهُ يُصَدِّقُها قَطْعاً) (4).
الفرق بين العجب والإدلال:
يقول المحاسبي: (إن الإدلال معنى زائد في العجب وهو أن يعجب بعمله أو علمه فيرى أن له عند الله قدراً عظيماً قد استحق به الثواب على عمله, فإن رجاء المغفرة مع الخوف لم يكن إدلالاً وإن زايل الخوف ذلك فهو إدلال) (5).
(1) ((الأخلاق والسير)) لابن حزم الأندلسي (ص: 75).
(2) ((الفروق اللغوية)) (ص: 352).
(3) ((إحياء علوم الدين)) (3/ 341).
(4) ((تاج العروس من جواهر القاموس)) (3/ 318).
(5) ((الرعاية لحقوق الله)) (ص343 - 344).

،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
ذم العجب والنهي عنه في القرآن والسنة
ذم العجب والنهي عنه من القرآن الكريم:
أما العجب في القرآن الكريم فقد وردت فيه عدة آيات تبين خطره, وتنبه على أنه آفة تجر وراءها آفات دنيوية وعقوبات أخروية, فمن تلك الآيات:
- قال الله تبارك وتعالى: لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ [التوبة: 25].
(قال جعفر: استجلاب النصر في شيء واحد، وهو الذلة والافتقار والعجز ... وحلول الخذلان بشيء واحد وهو العجب ... ) (1).
- وقال الله تبارك وتعالى: وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا [الكهف: 32 - 36].
قال ابن عاشور رحمه الله: (ضرب مثلا للفريقين للمشركين وللمؤمنين بمثل رجلين كان حال أحدهما معجبا مؤنقا وحال الآخر بخلاف ذلك فكانت عاقبة صاحب الحال المونقة تبابا وخسارة، وكانت عاقبة الآخر نجاحا، ليظهر للفريقين ما يجره الغرور والإعجاب والجبروت إلى صاحبه من الإرزاء، وما يلقاه المؤمن المتواضع العارف بسنن الله في العالم من التذكير والتدبر في العواقب فيكون معرضا للصلاح والنجاح) (2).
- وقال الله تبارك وتعالى: وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا [الإسراء: 37 - 38].
يقول العز بن عبد السلام: (زجره عن التطاول الذي لا يدرك به غرضاَ، أو يريد: كما أنك لا تخرق الأرض ولا تبلغ الجبال طولاً فلذلك لا تبلغ ما تريده بكبرك وعجبك, إياساً له من بلوغ إرادته) (3).
- وقال الله تبارك وتعالى: وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ [لقمان: 18]
قال الإمام بن كثير رحمه الله:
(لَا تُعْرِضْ بِوَجْهِكَ عَنِ النَّاسِ إِذَا كَلَّمْتَهُمْ أَوْ كَلَّمُوكَ، احْتِقَارًا مِنْكَ لَهُمْ وَاسْتِكْبَارًا عَلَيْهِمْ، وَلَكِنْ أَلِنْ جَانِبَكَ وَابْسُطْ وَجْهَكَ إِلَيْهِمْ ... وقوله تعالى: ولا تَمْشِ فِي الأرض مَرَحاً أي خيلاء مُتَكَبِّرًا جَبَّارًا عَنِيدًا، لَا تَفْعَلُ ذَلِكَ يُبْغِضُكَ اللَّهُ، وَلِهَذَا قَالَ: إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ أَيْ مُخْتَالٍ مُعْجَبٍ فِي نَفْسِهِ فَخُورٍ أَيْ عَلَى غَيْرِهِ)) (4).
- وقال الله تبارك وتعالى: فَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ [الزمر: 49].
ذم العجب والنهي عنه من السنة النبوية:

(1) ((تفسير السلمي)) (1/ 272).
(2) ((التحرير والتنوير)) (15/ 315).
(3) ((تفسير العز بن عبد السلام)) (2/ 219).
(4) ((تفسير ابن كثير)) (6/ 339).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: بَيْنَا رَجُلٌ يَمْشِي فِي حُلَّةٍ تُعْجِبُهُ نَفْسُهُ مُرَجِّلٌ جَمَّتَهُ إذْ خَسَفَ اللَّهُ بِهِ فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ (1).
قال أبو العباس القرطبي: (يفيد هذا الحديث ترك الأمن من تعجيل المؤاخذة على الذنوب، وأن عجب المرء بنفسه وثوبه وهيئته حرام وكبيرة) (2).
- وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ما من رجل يتعاظم في نفسه ويختال في مشيته إلا لقي الله وهو عليه غضبان)) (3).
يقول المناوي في شرح هذا الحديث: ((مَا من رجل) أَي إنسان وَلَو أُنْثَى (يتعاظم فِي نَفسه يختال فِي مَشْيه) فِي غير الْحَرْب (إلا لقي الله تَعَالَى) يَوْم الْقِيَامَة أَو بِالْمَوْتِ (وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَان) لأنه لَا يحب المستكبرين, وَمَا لِابْنِ آدم وللتعاظم وإنما أَوله نُطْفَة مذرة وَآخره جيفة قذرة وَهُوَ فِيمَا بَين ذَلِك يحمل الْعذرَة وَقد خلق فِي غَايَة الضعْف تستولي عَلَيْهِ الأمراض والعلل وتتضاه فِيهِ الطبائع فيهدم بَعْضهَا بَعْضًا فيمرض كرها وَيُرِيد أن يعلم الشيء فيجهله وأن ينسى الشيء فيذكره وَيكرهُ الشيء فينفعه ويشتهي الشيء فيضره معرض للآفات فِي كل وَقت ثمَّ آخِره الْمَوْت وَالْعرض لِلْحسابِ وَالْعِقَاب فإن كَانَ من أهل النَّار فالخنزير خير مِنْهُ فَمن أَيْن يَلِيق بِهِ التعاظم وَهُوَ عبد مَمْلُوك لَا يقدر على شيء) (4).
- وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لو لم تذنبوا لخشيت عليكم ما هو أكبر منه العجب)) (5).
قال المناوي رحمه الله تعليقاً على هذا الحديث: (لأن العاصي يعترف بنقصه فترجى له التوبة والمعجب مغرور بعمله فتوبته بعيدة) (6).
- وعن سلمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ثلاثة لا يدخلون الجنة الشيخ الزاني والإمام الكذاب والعائل المزهو)) (7).
- وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ثلاث منجيات وثلاث مهلكات فأما المنجيات: فتقوى الله في السر والعلانية والقول بالحق في الرضى والسخط والقصد في الغنى والفقر. وأما المهلكات: فهوى متبع وشح مطاع وإعجاب المرء بنفسه وهي أشدهن)) (8).
قال الملا علي القاري: ((وإعجاب المرء بنفسه) أي: باستحسان أعمالها وأحوالها أو مالها وجمالها وسائر ما يتوهم أنه من كمالها (وهي أشدهن) أي: أعظمهن وزرا وأكثرهن ضررا لأنه يتصور أن يتوب من متابعة الهوى، ومن رذيلة البخل، والمعجب مغرور ومزين فهو محبوب لا يرجى زواله كالمبتدع، فإنه قل أن يتوب من بدعته. وقال الطيبي: لأن المعجب بنفسه متبع هواه ومن هوى النفس الشح المطاع) (9).


(1) رواه البخاري (5789)، ومسلم (2088).
(2) ((طرح التثريب)) (8/ 169).
(3) رواه أحمد (2/ 118) (5995)، والحاكم (1/ 128) (201)، والبخاري في ((الأدب المفرد)) (549). قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم. ووافقه الذهبي. وقال المنذري في ((الترغيب والترهيب)) (3/ 357): رواته محتج بهم في الصحيح. وصحح إسناده البوصيري في ((إتحاف الخيرة المهرة)) (7/ 373).
(4) ((فيض القدير شرح الجامع الصغير)) (2/ 362).
(5) رواه الشهاب القضاعي في ((مسنده)) (2/ 320) (1447)، والبزار كما في ((الترغيب والترهيب)) (3/ 358) (4431). وجوّد إسناده المنذري، وحسنه لغيره الألباني في ((صحيح الترغيب)) (2921).
(6) ((فيض القدير شرح الجامع الصغير)) (5/ 422).
(7) رواه البزار (6/ 493) (2529). وجوَّد إسناده المنذري في ((الترغيب والترهيب)) (3/ 189)، وقال الهيثمي في ((المجمع)) (6/ 255):رجاله رجال الصحيح غير العباس بن أبي طالب، وهو ثقة.
(8) رواه البيهقي في ((الشعب)) (9/ 396). وحسنه الألباني بشواهده في ((تخريج المشكاة)) (5122).
(9) ((مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح)) (8/ 3199).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،أقوال السلف والعلماء في ذم العجب
- وَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: (لَبِسْتُ مَرَّةً دِرْعًا جَدِيدًا فَجَعَلْت أَنْظُرُ إلَيْهِ، وَأَعْجَبُ بِهِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَمَا عَلِمْتِ أَنَّ الْعَبْدَ إذَا دَخَلَهُ الْعُجْبُ بِزِينَةِ الدُّنْيَا مَقَتَهُ رَبُّهُ حَتَّى يُفَارِقَ تِلْكَ الزِّينَةَ؟ قَالَتْ فَنَزَعْتُهُ فَتَصَدَّقْتُ بِهِ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَسَى ذَلِكَ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكِ) (1).
- وقال عمر: (أخوف ما أخاف عليكم أن تهلكوا فيه ثلاث خلال شح مطاع وهوى متبع وإعجاب المرء بنفسه) (2).
- وقالت عائشة رضي الله عنها: (وإن العجب لو كان رجلا كان رجل سوء) (3).
- وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (الإعجاب ضدّ الصواب، وآفة الألباب) (4).
- وعن كعب أنه قال لرجل رآه يتبع الأحاديث: (اتق الله وارض بالدون من المجلس ولا تؤذ أحدا فإنه لو ملأ علمك ما بين السماء والأرض مع العجب مازادك الله به إلا سفالا ونقصانا) (5).
- وقال أبو الدرداء: (علامة الجهل ثلاث العجب وكثرة المنطق فيما لا يعنيه وأن ينهى عن شيء ويأتيه) (6).
- وعن مسروق قال: (كفى بالمرء علما أن يخشى الله وكفى بالمرء جهلا أن يعجب بعلمه) (7).
- وقال أبو وهب المروزي: (سألت ابن المبارك: ما الكبر؟ قال: أن، تزدري الناس. فسألته عن العجب؟ قال: أن ترى أن عندك شيئا ليس عند غيرك، لا أعلم في المصلين شيئا شرا من العجب) (8).
- وقال علي بن ثابت: (المال آفته التبذير والنهب والعلم آفته الإعجاب والغضب) (9).
- وعن خالد بن يزيد بن معاوية قال: (إذا رأيت الرجل لجوجاً ممارياً معجباً بنفسه، فقد تمت خسارته) (10).
- وكان يحيى بن معاذ يقول: (إِياكم والعجب، فإِنَّ الْعجبَ مهلكة لِأَهْلِه، وَإِنَّ الْعجب ليأكل الحسَنَات كَمَا تأكُلُ النَّار الحطب) (11).
- وكان ذو النون يقول: (أربع خلال لها ثمرة: العجلة، والعجب، واللجاجة، والشره، فثمرة العجلة الندامة، وثمرة العجب البغض، وثمرة اللجاجة الحيرة، وثمرة الشره الفاقة) (12).
- وقال عَبْد الله بن المبارك: (اثنتان منجيتان واثنتان مهلكتان فالمنجيتان النية والنهي فالنية أن تنوي أن تطيع الله فيما يستقبل والنهي أن تنهى نفسك عما حرم الله عز وجل والمهلكتان العجب والقنوط) (13).
- وقال الحرث بن نبهان: سمعت محمد بن واسع يقول: (وا أصحاباه ذهب أصحابي قال: قلت: يرحمك الله أليس قد نشأ شباب يقرءون القرآن ويقومون الليل ويصومون النهار ويحجون ويقرءون؟ قال: فبزق وقال: أفسدهم العجب) (14).


(1) رواه أبو نعيم في ((حلية الأولياء)) (1/ 37).
(2) رواه ابن عبد البر في ((جامع بيان العلم وفضله)) (1/ 568) (960).
(3) رواه ابن وهب في ((جامعه)) (570) (467) من حديث عائشة رضي الله عنها، مرفوعًا.
(4) ((أدب الدنيا والدين)) للماوردي (237).
(5) رواه أبو نعيم في ((حلية الأولياء)) (5/ 376)، وابن عبد البر في ((جامع بيان العلم وفضله)) (1/ 567) (959).
(6) رواه ابن عبد البر في ((جامع بيان العلم وفضله)) (1/ 569) (962)، وابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (47/ 175).
(7) ((جامع بيان العلم وفضله)) (1/ 143).
(8) ((سير أعلام النبلاء)) (8/ 407).
(9) ((جامع بيان العلم وفضله)) (1/ 143).
(10) ((مساوئ الأخلاق)) (ص567).
(11) ((شعب الإيمان)) (9/ 396).
(12) ((شعب الإيمان)) (10/ 495).
(13) ((حلية الأولياء)) (7/ 298).
(14) ((الزهد)) لأحمد بن حنبل (ص223).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،حكم العجب
العجب كبيرة من كبائر الذنوب التي تستحق غضب الله ومقته وعذابه في الدنيا والآخرة.
فهو سجية مذمومة, وطبع سيئ مبغوض, قال ابن حزم: (إن العجب من أعظم الذنوب وأمحقها للأعمال. فتحفظوا حفظنا الله وإياكم من العجب والرياء) (1).
ويقول الغزالي رحمه الله: (اعلم أن العجب مذموم في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم
قال الله تعالى: وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا [التوبة: 25]. ذكر ذلك في معرض الإنكار وقال عز وجل: وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا [الحشر: 2] فرد على الكفار في إعجابهم بحصونهم وشوكتهم وقال تعالى وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا [الكهف: 104]) (2).
بل عده شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله نوع من أنواع الشرك فقال: ((وكثيراً ما يقرن الرياء بالعجب، فالرياء من باب الإشراك بالخلق، العجب من باب الإشراك بالنفس، وهذا حال المستكبر، فالمرائي لا يحقق قوله إِيَّاكَ نَعْبُدُ والمعجب لا يحقق قوله: وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ فمن حقق قوله إِيَّاكَ نَعْبُدُ خرج عن الرياء ومن حقق قوله: وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ خرج عن الإعجاب)). (3)


(1) ((رسائل ابن حزم)) (3/ 180).
(2) ((إحياء علوم الدين)) (3/ 369).
(3) ((الفتاوى الكبرى)) (5/ 248).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،آثار العجب
للعجب آثار وأضرار سيئة على العبد قد تقوده إلى الهلكة من حيث لا يشعر, ومن تلك الأضرار:
1. أنه يدعو إلى الكبر لأنه أحد أسبابه. قَالَ الْإِمَامُ الْحَافِظُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: اعْلَمْ أَنَّ مِنْ أَسْبَابِ الْكِبْرِ الْعُجْبَ، فَإِنَّ مَنْ أُعْجِبَ بِشَيْءٍ تَكَبَّرَ بِهِ (1).
وقال المحاسبي: (إن أول بدوِّ الكبر العجب, فمن العجب يكون أكثر الكبر ولا يكاد المعجب أن ينجو من الكبر... ) (2).
2. أنه يتولد عنه الكثير من الأخلاق السيئة والصفات الرديئة كالتيه وازدراء الآخرين, لذا قيل فِي تَعْرِيفِ التِّيهِ: (هُوَ خُلُقٌ مُتَوَلِّدٌ بَيْنَ أَمْرَيْنِ: إعْجَابُهُ بِنَفْسِهِ، وَإِزْرَاؤُهُ بِغَيْرِهِ، فَيَتَوَلَّدُ مِنْ بَيْنِ هَذَيْنِ التِّيهُ) (3)
3. يدعو إلى إهمال الذنوب ونسيانها فلا يحدث العبد بعد ذلك توبة.
قال المحاسبي: (يجمع العجب خصالاً شتى: يعمى عليه كثير من ذنوبه وينسى مما لم يعم عليه منها أكثرها, وما ذكر منها كان له مستصغراً, وتعمى عليه أخطاؤه وقوله بغير الحق) (4).
4. يجعل العبد يستعظم أعماله وطاعاته ويمن على الله بفعلها.
5. يدعو العبد إلى الاغترار بنفسه وبرأيه ويأمن مكر الله وعذابه ويظن أنه عند الله بمكان ولا يسمع نصح ناصح ولا وعظ واعظ.
6. يمنعه عن سؤال أهل العلم.
7. يفتره عن السعي لظنه أنه قد فاز, وأنه قد استغنى وهو الهلاك الصريح (5).
8. يخفي المحاسن ويظهر المساوئ ويكسب المذام ويصد عن الفضائل (6).
9. يحبط العمل, ويفسده, ويذهب به. يقول النووي رحمه الله: اعلم أن الإخلاص قد يعرض له آفة العُجب، فمن أعجب بعمله حبط عمله، وكذلك من استكبر حبط عمله (7).
ويقول ابن القيم رحمه الله تعالى: (لا شيء أفسد للأعمال من العجب ورؤية النفس) (8).
10. يدعو العبد إلى المن بما يقدم من معروف, وإلى تعظيم ما يسدي من خير قال المحاسبي: (ويخرجه المن بمعروفه وصدقته. لأنه عظم عنده ما تصدق به أو تفضل به وينسى منة الله عز وجل عليه, وأنه مضيع لشكره على ذلك, فمن بما اصطنع من معروفه فحبط أجره, كما قال الله عز وجل: (لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى) (9).
11. طريق إلى خذلان المرء بحيث يكل الله العبد إلى نفسه فلا ينصره, وقد قال جل وعلا: قال الله تبارك وتعالى: لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ [التوبة: 25] (10).
12. من اتصف به ساءت عاقبته في الدنيا والآخرة (11).


(1) ((غذاء الألباب شرح منظومة الآداب)) (2/ 174).
(2) ((الرعاية في حقوق الله)) (ص: 371).
(3) ((غذاء الألباب شرح منظومة الآداب)) (2/ 174).
(4) ((الرعاية في حقوق الله)) (ص: 337).
(5) ((البحر الرائق في الزهد والرقائق بتصرف)) (ص: 153).
(6) ((أدب الدنيا والدين)) (1/ 237).
(7) ((شرح الأربعين النووية)) (ص: 33).
(8) ((الفوائد)) (ص: 152).
(9) ((الرعاية في حقوق الله)) (ص: 337).
(10) ((شرح الأربعين النووية)) (ص: 33).
(11) ((موسوعة المناهي الشرعية في صحيح السنة النبوية)) (3/ 305).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،صور العجب
قد يحصل العجب بصفات اضطرارية وقد يحصل بصفات اختيارية, والفرق بينهما أن الصفات الاضطرارية هي ما خلقت في الإنسان ابتداء دون أن يكون له تدخل فيها كالجمال والنسب وغيرها, أما الاختيارية فهي ما تحصل عليها ببذل مجهود واكتسبها بعد أن لم يكن متصفاً بها كالعلم والمال والجاه وغيرها. وكلها العجب بها مذموم, يقول المرتضى في البحر الزخار: (ولا فرق بين أن تكون تلك الخصلة التي حصل بها الإعجاب اضطرارية كجمال أو فصاحة أو كثرة عشيرة أو مال أو بنين أم اختيارية كإقدام, أو كثرة علم أو طاعة أو نحو ذلك فإن العجب بذلك كله قبيح شرعاً ولا أعرف فيه خلافاً) (1).
ونحن نذكر بعض هذه الصفات الاضطرارية والاختيارية:
- الإعجاب بالعقل الراجح, والذكاء.
- الإعجاب بالرأي السديد.
- الإعجاب بالعلم وغزرته والتفوق على الأقران فيه.
- الإعجاب بالشجاعة والإقدام والقوة والبأس.
- الإعجاب بجمال الصورة وحسن المظهر.
- الإعجاب بالجاه والمنصب والرئاسة والتصدر.
- الإعجاب بالعبادة والطاعة.
- الإعجاب بما يقدمه من خير ومنفعة للناس.
- الإعجاب بالنسب والشرف أو العشيرة والقبيلة.
- الإعجاب بالمال والغنى والتجارة وسعة الرزق.
- الإعجاب بكثرة الأتباع والأنصار والمريدين.
- الإعجاب بكثرة الأبناء.
وغير ذلك من الخصال التي يتحصل بها العجب


(1) ((البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار)) (6/ 491).،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،أسباب العجب
للعجب أسباب تجر الشخص إلى الوقوع فيه, وبواعث تدعوه إليه نذكر منها ما يلي:
1. جهل المرء بحقيقة نفسه وغفلته عنها (وحاصل ذلك أن جهله بنفسه وصفاتها وآفاتها وعيوب عمله وجهله بربه وحقوقه وما ينبغي أن يعامل به يتولد منهما رضاه بطاعته وإحسان ظنه بها ويتولد من ذلك من العجب والكبر والآفات ما هو أكبر من الكبائر الظاهرة من الزنا وشرب الخمر والفرار من الزحف ونحوها) (1).
2. المدح والثناء والإطراء في الوجه سبب قوي من أسباب العجب قال الماوردي رحمه الله: (من أقوى أسبابه – أي العجب - كثرة مديح المتقربين وإطراء المتملقين الذين جعلوا النفاق عادة ومكسبا، والتملق خديعة وملعبا، فإذا وجدوه مقبولا في العقول الضعيفة أغروا أربابها باعتقاد كذبهم، وجعلوا ذلك ذريعة إلى الاستهزاء بهم) (2).
وقال ابن حجر رحمه الله: (قال بن بطال حاصل النهي أن من أفرط في مدح آخر بما ليس فيه لم يأمن على الممدوح العجب لظنه أنه بتلك المنزلة فربما ضيع العمل والازدياد من الخير اتكالا على ما وصف به) (3).
3. ومما يوصل الإنسان إلى العجب بنفسه مقارنته لنفسه بمن هو دونه في العمل والفضل, واعتقاده أن الناس هلكى بالذنوب والمعاصي وأنه على خير كبير إذا قورن بغيره. فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: ((إذا قال الرجل هلك الناسُ فهو أهلكهُم)) (4).
4. النشأة والتربية, فقد ينشأ الإنسان في بيئة غلب عليها طبع العجب والكبر فيأخذ هذا الطبع منها, ويتأثر بمحيطه ومن حوله. يقول السيد محمد نوح: (قد ينشأ بين أبوين يلمس منهما أو من أحدهما: حب المحمدة ودوام تزكية النفس إن بالحق وإن بالباطل والاستعصاء على النصح والإرشاد ونحو ذلك من مظاهر الإعجاب بالنفس فيحاكيهما وبمرور الزمن يتأثر بهما ويصبح الإعجاب بالنفس جزء من شخصيته إلا من رحم الله) (5).
وكما قال الشاعر:
وينشأ ناشئ الفتيان منَّا ... على ما كان عوده أبوه
5. الرفقة والصحبة سبب من أسباب الإعجاب بالنفس, ذلك أن الإنسان شديد المحاكاة والتأثر بصاحبه لا سيما إذا كان هذا الصاحب قوى الشخصية ذا خبرة ودراية بالحياة وكان المصحوب غافلا على سجيته يتأثر بكل ما يلقى عليه وعليه فإذا كان الصاحب مصابا بداء الإعجاب فإن عدواه تصل إلى قرينه فيصير مثله (6).
6. الاغترار بالنعمة والركون إليها مع نسيان ذكر المنعم تبارك وتعالى, (فإذا حباه الله نعمة من المال أو علم أو قوة أو جاه أو نحوه وقف عند نعمة ونسي المنعم وتحت تأثير بريق المواهب وسلطانها تحدثه نفسه أنه ما أصابته هذه النعمة إلا لما لديه من علم على حد قول قارون: إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي [القصص: 78] ولا يزال هذا الحديث يلح عليه حتى يرى أنه بلغ الغابة أو المنتهى ويسر ويفرح بنفسه وبما يصدر عنها ولو كان باطلا وذلك هو الإعجاب بالنفس) (7).
7. تولي المناصب القيادية, من سلطة أو قضاء أو إدارة أو إشراف وغير ذلك من المسؤوليات.
8. التمتع بصفة أو مزية تجعله يتميز عن غيره فيها سواء كانت هذه الصفة اضطرارية كالجمال, أو فصاحة اللسان أو النسب أو العشيرة أو المال والبنين أو غيرها, أو كانت تلك الصفة اختيارية كالعلم والطاعة والإقدام وغيرها.
9. المبالغة في التوقير والاحترام من الأتباع, وفي ذلك قاصمة ظهر للمتبوع.
10. قلة الورع والتقوى وضعف المراقبة لله عز وجل.
11. قلّة الناصح والموجه أو فقده بالكلية.
12. عدم التفكر في حال الدنيا والافتتان بها وبزخرفها الفاني بالإضافة إلى اتباع هوى النفس ومتابعتها فيها.
13. الغفلة عن نهاية العجب والمعجبين ومآلهم في الدنيا والآخرة.
14. عدم التأمل في النصوص الشرعية من القرآن والسنة النبوية, الناهية عن هذه السجية القبيحة, الآمرة بضدها من تواضع وخفض جناح.
15. الأمن من مكر الله عز وجل والركون إلى عفوه ومغفرته.


(1) ((مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين)) (1/ 192).
(2) ((أدب الدنيا والدين)) (ص239).
(3) ((فتح الباري)) ابن حجر (10/ 477).
(4) رواه مسلم (2623).
(5) ((آفات على الطريق)) لسيد محمد نوح.
(6) ((آفات على الطريق)) لسيد محمد نوح.
(7) ((آفات على الطريق)) لسيد محمد نوح.
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،علامات العجب
هناك بعض العلامات والأمارات التي تظهر في سلوك المعجب بنفسه منها:
1. تزكية النفس, والرفع من شأنها.
2. عدم سماع النصيحة, والاستعصاء على التوجيه والإرشاد.
3. الفرح بسماع عيوب الآخرين خاصة الأقران
4. رد الحق والترفع عن الاستجابة لداعيه.
5. احتقار الناس, وتصعير الخد لهم.
6. الاستنكاف عن استشارة العقلاء والفضلاء.
7. الاختيال والتبختر في المشي.
8. استعظام الطاعة واستكثارها, والمنة على الله بها
9. المباهاة بالعلم والتفاخر به وجعله وسيلة للمماراة والجدل.
10. التباهي بالأحساب والأنساب, واحتقار الناس من أجل ذلك.
11. التفاخر بحسن الخلقة وجمال المنظر.
12. تعمد التقليل من شأن أهل الفضل من العلماء والمشايخ والأتقياء.
13. التكبر عن الاستماع لأهل العلم.
14. الإصرار على الأخطاء, وتعمد مخالفة الناس.
15. التصدر في المجالس وإن لم يكن أهلاً لذلك, لظنه أنه الأجدر بالصدارة.
16. الفتور عن الأعمال الصالحة والاتكال على ما قد عمل ظناً منه أنه قد وصل إلى مرحلة الكمال.
الوسائل المعينة على ترك العجب
يتكلم الإمام ابن حزم رحمه الله عن علاج العجب فيجعل له علاجاً عاماً يتداوى به كل من أصيب بهذا الداء العضال والآفة القاتلة, وهذا العلاج يكمن في التفكر في عيوب النفس والنظر إلى نقصها وضعفها فيقول رحمه الله تعالى: (من امتحن بالعجب فليفكر في عيوبه. فإن أعجب بفضائله فليفتش ما فيه من الأخلاق الدنية، فإن خفيت عليه عيوبه جملة حتى يظن أنه لا عيب فيه، فليعلم أنه مصيبة للأبد وأنه أتم الناس نقصاً وأعظمهم عيوباً وأضعفهم تمييزاً... فليتدارك نفسه بالبحث عن عيوبه والاشتغال بذلك عن الإعجاب بها وعن عيوب غيره التي لا تضره لا في الدنيا ولا في الآخرة ...
ثم تقول للمعجب: ارجع إلى نفسك، فإذا ميزت عيوبها فقد داويت عجبك، ولا تميل بين نفسك وبين من هو أكثر منها عيوباً فتستسهل الرذائل وتكون مقلداً لأهل الشر) (1).
ثم يتكلم رحمه الله عن علاج لبعض الحالات الخاصة من حالات العجب ننقلها هنا بتصرف يسير:
- (علاج من أعجب بعقله:
فإن أعجبت بعقلك، ففكر في كل فكرة سوء تمر بخاطرك وفي أضاليل الأماني الطائفة بك، فإنك تعلم نقص عقلك حينئذ.
- علاج من أعجب برأيه:
وإن أعجبت بآرائك، فتفكر في سقطاتك واحفظها ولا تنسها، وفي كل رأي قدرته صواباً فخرج بخلاف تقديرك، وأصاب غيرك وأخطأت أنت، فإنك إن فعلت ذلك فأقل أحوالك أن يوازن سقوط رأيك صوابه فتخرج لا لك ولا عليك، والأغلب أن خطأك أكثر من صوابك. وهكذا كل أحد من الناس بعد النبيين صلوات الله عليهم.
- علاج من أعجب بما يقدمه من الخير:
وإن أعجبت بخيرك فتفكر في معاصيك وتقصيرك وفي معايبك ووجوهها، فوالله لتجدن من ذلك ما يغلب على خيرك ويعفي على حسناتك، فليطل همك حينئذ من ذلك، وأبدل من العجب تنقيصاً لنفسك.
- علاج من أعجب بعلمه:
وإن أعجبت بعلمك فاعلم أنه لا خصلة لك فيه وأنه موهبة من الله مجردة وهبك إياها ربك تعالى فلا تقابلها بما يسخطه، فلعله ينسيك ذلك بعلة يمتحنك بها، تولد عليك نسيان ما علمت وحفظت ...
واعلم أن كثيراً من أهل الحرص على العلم يجدون في القراءة والإكباب على الدرس والطلب ثم لا يرزقون منه حظاً، فليعلم ذو العلم أنه لو كان بالإكباب وحده لكان غيره فوقه، فصح أنه موهبة من الله تعالى، فأي مكان للعجب ها هنا ما هذا إلا موضع تواضع وشكر لله تعالى واستزادة من نعمه واستعاذة من سلبها.
ثم تفكر أيضاً في أن ما خفي عليك وجهلته من أنواع العلم الذي تختص به والذي أعجبت بنفاذك فيه، أكثر مما تعلم من ذلك، فاجعل مكان العجب استنقاصاً لنفسك واستقصاراً لها، فهو أولى. وتفكر فيمن كان أعلم منك تجدهم كثيراً، فلتهن نفسك عندك حينئذ.
وتفكر في إخلالك بعلمك، فإنك لا تعمل بما علمت منه فعلمك عليك حجة حينئذ، لقد كان أسلم لك لو لم تكن عالماً. واعلم أن الجاهل حينئذ أعقل منك وأحسن حالاً وأعذر، فليسقط عجبك بالكلية.
ثم لعل علمك الذي تعجب بنفاذك فيه من العلوم المتأخرة التي لا كبير خصلة فيها كالشعر وما جرى مجراه، فانظر حينئذ إلى من علمه أجل من علمك في مراتب الدنيا والآخرة، فتهون نفسك عليك.
- علاج من أعجب بشجاعته:
وإن أعجبت بشجاعتك فتفكر فيمن هو أشجع منك ثم انظر في تلك النجدة التي منحك الله تعالى فيما صرفتها، فإن كنت صرفتها في معصية فأنت أحمق، لأنك بذلت نفسك فيما ليس بثمن لها. وإن كنت صرفتها في طاعة فقد أفسدتها بعجبك، ثم تفكر في زوالها عنك بالشيخ، وإنك إن عشت فستصير في عداد العيال وكالصبي ضعفاً ...
- علاج من أعجب بجاهه:


(1) ((رسائل ابن حزم)) (1/ 387).،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،وإن أعجبت بجاهك في دنياك فتفكر في مخالفيك وأندادك ونظائرك ولعلهم أخساء وضعاء سقاط. فاعلم أنهم أمثالك فيما أنت فيه ولعلهم ممن يستحيي من التشبه بهم لفرط رذالتهم وخساستهم في أنفسهم وفي أخلاقهم ومنابتهم، فاستهن بكل منزلة شارك فيها من ذكرت لك.
إن كنت مالك الأرض كلها ولا خليفة عليك - وهذا بعيد جداً في الإمكان، فما نعلم أحداً ملك معمور الأرض كلها على قلته وضيق مساحته بالإضافة إلى غامرها فكيف إذا أضيف إلى الفلك المحيط ...
وإن كنت ملك المسلمين كلهم، فاعلم أن ملك السودان وهو رجل أسود مكشوف العورة جاهل، يملك أوسع من ملكك. فإن قلت أخذته بحق، فلعمري ما أخذته بحق إذ استعملت فيه رذيلة العجب، وإذا لم تعدل فيه فاستحي من حالك، فهي حالة لا حالة يجب العجب فيها.
- علاج من أعجب بماله:
وإن أعجبت بمالك، فهذه أسوأ مراتب العجب فانظر في كل ساقط خسيس فهو أغنى منك، فلا تغتبط بحالة يفوقك فيها من ذكرت. واعلم أن عجبك بالمال حمق لأنه أحجار لا تنتفع بها إلا بأن تخرجها عن ملكك بنفقتها في وجهها فقط. والمال أيضاً غاد ورائح، وربما زال عنك ورأيته بعينه في يد غيرك، ولعل ذلك يكون في يد عدوك، فالعجب بمثل هذا سخف والثقة به غرور وضعف.
- علاج من أعجب بجماله وحسن منظره:
وإن أعجبت بحسنك ففكر فيما عليك مما نستحيي نحن من إثباته وتستحي أنت منه إذا ذهب عنك بدخولك في السن.
- علاج من أعجب بمدح الناس له:
وإن أعجبت بمدح إخوانك لك، ففكر في ذم أعدائك إياك، فحينئذ ينجلي عنك العجب، فإن لم يكن لك عدو فلا خير فيك ولا منزلة أسقط من منزلة من لا عدو له، فليست إلا منزلة من ليس الله تعالى عنده نعمة يحسد عليها، عافانا الله.
فإن استحقرت عيوبك ففكر فيها لو ظهرت إلى الناس وتمثل اطلاعهم عليها، فحينئذ تخجل وتعرف قدر نقصك إن كانت لك مسكة من تمييز ...
- علاج من أعجب بنسبه وأرومته:
وإن أعجبت بنسبك، فهذه أسوأ من كل ما ذكرنا، لأن هذا الذي أعجبت به لا فائدة له أصلاً في دنيا ولا آخرة. وانظر هل يدفع عنك جوعة أو يستر لك عورة أو ينفعك في آخرتك.
ثم انظر إلى من يساهمك في نسبك، وربما فيما هو أعلى منه ممن نالته ولادة الأنبياء عليهم السلام ثم ولادة الخلفاء، ثم ولادة الفضلاء من الصحابة والعلماء ثم ولادة ملوك العجم من الأكاسرة والقياصرة، ثم ولادة التبابعة وسائر ملوك الإسلام، فتأمل غبراتهم وبقاياهم ومن يدلي بمثل ما تدلي به من ذلك تجد أكثرهم أمثال الكلاب خساسة، وتلقهم في غاية السقوط والرذالة والتبذل والتحلي بالصفات المذمومة. فلا تغتبط بمنزلة هم نظراؤك أو فوقك.
- علاج من أعجب بفضل آبائه:
فإن أعجبت بولادة الفضلاء إياك، فما أخلى يدك من فضلهم إن لم تكن أنت فاضلاً، وما أقل غناءهم عنك في الدنيا والآخرة إن لم تكن محسناً، والناس كلهم ولد آدم الذي خلقه الله تعالى بيده، وأسكنه جنته وأسجد له ملائكته، ولكن ما أقل نفعه لهم، وفيهم كل عيب وكل فاسق وكل كافر.
وإذا فكر العاقل في أن فضائل آبائه لا تقربه من ربه تعالى ولا تكسبه وجاهة لم يحزها هو بسعده أو بفضله في نفسه ولا ماله، فأي معنى للإعجاب بما لا منفعة فيه ...
- علاج من طلب المدح عجباً بنفسه:
فإن تعدى بك العجب إلى الامتداح فقد تضاعف سقوطك، لأنه قد عجز عقلك عن مفارقة ما فيك من العجب. هذا إن امتدحت بحق، فكيف إن امتدحت بكذب! وقد كان ابن نوح وأبو إبراهيم وأبو لهب، عم النبي صلى الله عليه وعلى نوح وإبراهيم وسلم، أقرب الناس من أفضل خلق الله تعالى من ولد آدم وممن الشرف كله في اتباعهم، فما انتفعوا بذلك.
- علاج من أعجب بقوة جسمه أو خفته:
وإن أعجبت بقوة جسمك فتفكر في أن البغل والحمار والثور أقوى منك وأحمل للأثقال، وان أعجبت بخفتك، فاعلم أن الكلب والأرنب يفوقانك في هذا الباب. فمن أعجب العجيب إعجاب ناطق بخصلة يفوقه فيها غير الناطق... )) (1).


(1) ((رسائل ابن حزم)) (1/ 393).،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،العجب عند الحكماء والأدباء
- قال ابن المقفع: (العُجب آفةُ العقل، واللجاجةُ قُعودُ الهوى، والبُخل لقاحُ الحرصِ، والمراءُ فسادُ اللسانِ، والحميةُ سببُ الجهلِ، والأنفُ توأمُ السفهِ، والمنافسة أختُ العداوةِ) (1).
- وقال أيضاً: (واعلم أن خفضَ الصوتِ وسكون الريحِ ومشي القصدِ من دواعي المودةِ، إذا لم يخالط ذلك بأو (2) ولا عجبٌ. أما العجبُ فهو من دواعي المقتِ والشنآن) (3).
- وقال فيلسوف: (العجب فضيلة يراها صاحبها في غيره فيدعيها لنفسه) (4).
- وقيل لبزر جمهر: (ما النعمة التي لا يحسد عليها صاحبها: قال: التواضع قيل له فما البلاء الذي لا يرحم عليه صاحبه قال العجب) (5).
- قال أبو عمرو بن العلاء: (الأخلاق المانعة للسؤدد الكذب والكبر والسخف والتعرض للعيب وفرط العجب). (6)
- تكلّم رَبيعةُ الرَّأي يَوْماً بكلام في العِلْم فأكثر، فكأَنَّ العُجبَ دَاخَلَه، فالتفت إلى أعرابيّ إلى جَنْبه، فقال: ما تَعُدون البلاغة يا أعرابيّ؟ قال: قِلّة الكلام وإيجاز الصوَّاب؛ قال: فما تَعُدون العِيّ؟ قال: ما كُنتَ فيه منذ اليوم، فكأنما أَلْقَمَه حَجَراً (7).
- وكان يقال: (المعْجبِ لَحُوح والعاقلُ منه في مَؤُونة. وأمَا العُجْب فإنه الجَهْل والكِبر) (8).
- وقيل: (ما أسلب العجب للمحاسن) (9).
- وقيل: (العجب أكذب، ومعرفة الرجل نفسه أصوب) (10).
- وقيل: (ثمرة العجب المقت) (11).
- وقيل: (سوء العادة كمين لا يؤمن. وأحسن من العجب بالقول ألا تقول. وكفى بالمرء خيانة أن يكون أميناً للخونة) (12).
- وسئل أنيس بن جندل: (ما أجلب الأشياء للمقت؟ فقال: العجب والخرق) (13).
- وقيل: (إعجاب المرء بنفسه دليل على ضعف عقله) (14).
- وقالوا: (من أعجب برأيه ضل ومن استغنى بعقله زل ومن تكبر على الناس ذلك ومن خالط الأنذال حقر ومن جالس العلماء وقر) (15).


(1) ((الأدب الصغير والأدب الكبير)) (ص:35).
(2) البأو: الفخر بالنفس.
(3) ((الأدب الصغير والأدب الكبير)) (ص:128).
(4) ((البصائر والذخائر)) (ص:200).
(5) ((جامع بيان العلم وفضله)) (1/ 566).
(6) ((البصائر والذخائر)) (6/ 212).
(7) ((العقد الفريد)) (2/ 112).
(8) ((العقد الفريد)) (2/ 109).
(9) ((التمثيل والمحاضرة)) (ص:444).
(10) ((التمثيل والمحاضرة)) (ص:444).
(11) ((التمثيل والمحاضرة)) (ص:444).
(12) ((التذكرة الحمدونية)) (1/ 275).
(13) ((التذكرة الحمدونية)) (1/ 258).
(14) ((جامع بيان العلم وفضله)) (1/ 143).
(15) ((جامع بيان العلم وفضله)) (1/ 143).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،العجب في واحة الشعر ..
قال أحد الشعراء:
يا مظهرَ الكبر إعجاباً بصورته ... انظر خلاك فإن النتن تثريب
لو فكر الناس فيما في بطونهم ... ما استشعر الكبر شبان ولا شيب
هل في ابن آدم مثل الرأس مكرُمةً ... وهو بخمس من الأقذار مضروب
أنف يسيل وأذن ريحها سهك ... والعين مرفضة والثغر ملعوب
يا ابن التراب ومأكول التراب غداً ... أقصر فإنك مأكول ومشروب
وقال آخر:
يا من غلا في العجب والتيه ... وغره طول تماديه
أملى لك الله فبارزته ... ولم تخف غب معاصيه
وقال منصور الفقيه:
تتيه وجسمك من نطفةٍ ... وأنت وعاءٌ لما تعلم (1) ...


(1) ((التمثيل والمحاضرة)) (ص:445).