الأربعاء، 21 نوفمبر 2012

موسوعة الأخلاق الإسلامية : المروءة

المروءة

معنى المروءة لغة واصطلاحاً
معنى المروءة لغة:
مصدر من: مَرُؤَ يَمْرُؤُ مُرُوءَةً فَهُوَ مَرِيءٌ على فَعِيلٍ أَي: بَيِّن المُرُوءَة وقوم مَرِيؤن ومُرَّآءُ, ولك أَن تُشَدِّدَ فتقول: مُرُوَّةٌ، قال الفرَّاء: ومن المُروءَة مَرُءَ الرجُلُ, (وتَمَرَّأَ) فلانٌ: تَكَلَّفَ المُرُوءَةَ. وقيل: صار ذا مُروءَةٍ, وفُلاَنٌ تَمَرَّأَ بالقوم: أَي سعى أَن يوصف بالمُروءَة بإِكرامهم أَو بنقصهم وعَيْبهم (1).
معنى المروءة اصطلاحاً:
قال الماورديّ: (المروءة مراعاة الأحوال إلى أن تكون على أفضلها، حتّى لا يظهر منها قبيح عن قصد، ولا يتوجّه إليها ذمّ باستحقاق) (2).
وقال ابن عرفة: (الْمُرُوءَةُ هِيَ الْمُحَافَظَةُ عَلَى فِعْلِ مَا تَرْكُهُ مِنْ مُبَاحٍ يُوجِبُ الذَّمَّ عُرْفًا ... وَعَلَى تَرْكِ مَا فِعْلُهُ مِنْ مُبَاحٍ يُوجِبُ ذَمَّهُ عُرْفًا ... ) (3).
وقال المقّريّ: (المروءة آداب نفسانيّة، تحمل مراعاتها الإنسان على الوقوف عند محاسن الأخلاق وجميل العادات) (4)

(1) انظر ((تاج العروس من جواهر القاموس)) (1/ 427) , و ((المعجم الوسيط)) (2/ 860) , و ((المخصص)) لابن سيده (1/ 245) و ((المصباح المنير في غريب الشرح الكبير)) (ص217).
(2) ((أدب الدنيا والدين)) (ص325).
(3) ((شرح حدود ابن عرفة)) (ص591).
(4) ((المصباح المنير في غريب الشرح الكبير)) (8/ 446)

،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
فضل المروءة
يقول الإمام الماوردي: (وفي اشتقاق اسم المروءة من كلام العرب ما يدل على فضيلتها عندهم وعظم خطرها في نفوسهم ففيه وجهان:
أحدهما مشتقة من المروءة والإنسان فكأنها مأخوذة من الإنسانية والوجه الثاني أنها مشتقة من المريء وهو ما استمرأه الإنسان من الطعام لما فيه من صلاح الجسد فأخذت منه المروءة لما فيها من صلاح النفس) (1)
(وهي خلق رفيع القدر يستعمله الأدباء في المدح وعلماء الأخلاق والنفس في مكارم الأخلاق وسمو النفس وعلماء الشرع من فقهاء ومحدثين في صفات الراوي والشاهد ليوثق بكلامهما والقاضي ليطمئن إلى عدل, فتجدها في كتب أصول الفقه في صفات الراوي, وكذلك في كتب الحديث بينما تجدها في كتب الفقه في كل باب يتعرض للعدالة بالشرح والتفصيل كالقضاء والشهادة والوقف) (2).
فأكثر العلماء والفقهاء والأدباء والشعراء من ذكرها وبيان كنهها وماهيتها, وبما تكون, وكيف تكون, فتنوعت فيها الأقوال وتعددت فيها الآراء وتباينت فيها العبارات (فمن قائل قال المروءة ثلاثة إكرام الرجال إخوان أبيه وإصلاحه ماله وقعوده على باب داره, ومن قائل قال المروءة إتيان الحق وتعاهد الضعيف, ومن قائل قال المروءة تقوى الله وإصلاح الضيعة والغداء والعشاء في الأفنية, ومن قائل قال المروءة إنصاف الرجل من هو دونه والسمو إلى من هو فوقه والجزاء بما أتى إليه, ومن قائل قال مروءة الرجل صدق لسانه واحتماله عثرات جيرانه وبذله المعروف لأهل زمانه وكفه الأذى عن أباعده وجيرانه, ومن قائل قال إن المروءة التباعد من الخلق الدني فقط, ومن قائل قال المروءة أن يعتزل الرجل الريبة فإنه إذا كان مريبا كان ذليلا وأن يصلح ماله فإن من أفسد ماله لم يكن له المروءة والإبقاء على نفسه في مطعمه ومشربه, ومن قائل قال المروءة حسن العشرة وحفظ الفرج واللسان وترك المرء ما يعاب منه, ومن قائل قال المروءة سخاوة النفس وحسن الخلق, ومن قائل قال المروءة العفة والحرفة أي يعف عما حرم الله ويحترف فيما أحل الله, ومن قائل قال المروءة كثرة المال والولد, ومن قائل قال المروءة إذا أعطيت شكرت وإذا ابتليت صبرت وإذا قدرت غفرت وإذا وعدت أنجزت, ومن قائل قال المروءة حسن الحيلة في المطالبة ورقة الظرف في المكاتبة, ومن قائل قال المروءة اللطافة في الأمور وجودة الفطنة, ومن قائل قال المروءة مجانبة الريبة فإنه لا ينبل مريب وإصلاح المال فإنه لا ينبل فقير وقيامه بحوائج أهل بيته فإنه لا ينبل من احتاج أهل بيته إلى غيره, ومن قائل قال المروءة النظافة وطيب الرائحة, ومن قائل قال المروءة الفصاحة والسماحة, ومن قائل قال المروءة طلب السلامة واستعطاف الناس, ومن قائل قال المروءة مراعاة العهود والوفاء بالعقود, ومن قائل قال المروءة التذلل للأحباب بالتملق ومداراة الأعداء بالترفق, ومن قائل قال المروءة ملاحة الحركة ورقة الطبع, ومن قائل قال المروءة هي المفاكهة والمباسمة ... ) (3) إلى غير ذلك من الأقوال والآراء في حقيقة المروءة وحدِّها الذي تعرف به, وفي تنوع هذه الأقوال دليل على فضل هذه السجية الكريمة وعلو شأنها ورفعة قدرها, وبيان ما تنطوي عليه من الفضائل التي تسمو بالنفس عن منزلة البهيمية الحيوانية, إلى منزلة الإنسانية الكاملة.
إن الاختلاف في تعريف المروءة ليس من باب اختلاف التضاد والتباين بل هو من باب اختلاف التنوع وتعدد الأجناس تحت الأصل الواحد, فكل هذه التعاريف مندرجة تحت لواء المروءة مستظلة بظلها الوارف, فهي تشمل كل ما ذكر من فضائل وسجايا وأخلاق كريمة, وكفى بذلك فضلاً وشرفاً.
قال أبو حاتم رحمه الله: (اختلفت ألفاظهم في كيفية المروءة ومعاني ما قالوا قريبة بعضها من بعض).

(1) ((تسهيل النظر وتعجيل الظفر في أخلاق الملك)) (ص30).
(2) ((عدالة الشاهد في القضاء الإسلامي)) (337).
(3) ((روضة العقلاء ونزهة الفضلاء)) (ص232).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،حقيقة المروءة
يتكلم ابن القيم رحمه الله عن حقيقة المروءة فيقول: حقيقتها: (اتصاف النفس بصفات الإنسان التي فارق بها الحيوان البهيم والشيطان الرجيم فإن في النفس ثلاثة دواع متجاذبة:
1. داع يدعوها إلى الاتصاف بأخلاق الشيطان من الكبر والحسد والعلو والبغي والشر والأذى والفساد والغش.
2. وداع يدعوها إلى أخلاق الحيوان وهو داعي الشهوة.
3. وداع يدعوها إلى أخلاق الملك: من الإحسان والنصح والبر والعلم والطاعة
فحقيقة المروءة: بغض ذينك الداعيين وإجابة الداعي الثالث وقلة المروءة وعدمها: هو الاسترسال مع ذينك الداعيين والتوجه لدعوتهما أين كانت فالإنسانية والمروءة والفتوة: كلها في عصيان الداعيين وإجابة الداعي الثالث) (1).

(1) ((مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين)) (2/ 351).،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،الفرق بين المروءة وبعض الصفات
الفرق بين المروءة والفتوة:
قد يظن ظان أن المروءة والفتوة شيء واحد لا يختلفان في معناهما, وليس ذلك بصحيح, بل بينهما فرق واضح وهو أن المروءة أعم من الفتوة فالمروءة هي ما يتخلق به الإنسان مما يختص به في ذاته أو يتعدى إلى غيره, بينما الفتوة ما يتخلق به الإنسان ويكون متعدياً إلى غيره.
قال ابن القيم رحمه الله: والفرق بينها وبين المروءة: (أن المروءة أعم منها فالفتوة نوع من أنواع المروءة فإن المروءة استعمال ما يجمل ويزين مما هو مختص بالعبد أو متعد إلى غيره وترك ما يدنس ويشين مما هو مختص أيضا به أو متعلق بغيره والفتوة إنما هي استعمال الأخلاق الكريمة مع الخلق) (1).
الفرق بين المروءة والعقل:
سُئِلَ بعض الحكماءِ عن الفرق بين العقل والمُروءة فقال: (العَقل يأمرك بِالْأنفعِ، والمروءَة تأمرك بِالأجمل) (2).

(1) ((مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين)) (2/ 340).
(2) ((أدب الدنيا والدين)) (ص325).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،الترغيب والحث على المروءة من القرآن والسنة
الترغيب والحث على المروءة من القرآن الكريم:
المروءة هي آداب نفسانية تحمل مراعاتها على الوقوف عند محاسن الأخلاق وجميل العادات، وهي رعيٌ لمساعي البر ورفع لدواعي الضر، وهي طهارة من جميع الأدناس والأرجاس, لذا فإن كل آية من كتاب الله تأمر بفضيلة من الفضائل أو تنهى عن رذيلة من الرذائل فهي تدل على سبيل المروءة وترشد إلى طريقها, ونحن هنا بصدد ذكر بعض الآيات التي تأمر بالتحلي بمحاسن الأخلاق والتزين بجميلها:
- قال الله تعالى: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ [الأعراف: 99]
قيل لسفيان بن عيينة رحمه الله: (قد استنبطت من القرآن كل شيء، فهل وجدت المروءة فيه؟ فقال: نعم، في قوله تعالى: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ [الأعراف: 99]، يقول: ففيه المروءة وحسن الأدب ومكارم الأخلاق، فجمع في قوله: خُذِ الْعَفْوَ صلة القاطعين والعفو عن المذنبين، والرفق بالمؤمنين، وغير ذلك من أخلاق المطيعين، وذلك في قوله: خُذِ الْعَفْوَ، ودخل في قوله: وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ صلة الأرحام، وتقوى الله في الحلال والحرام، وغض الأبصار، والاستعداد لدار القرار، ودخل في قوله: وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ الحض على التخلق بالحلم والإعراض عن أهل الظلم والتنزه عن منازعة السفهاء ومساواة الجهلة والأغبياء وغير ذلك من الأخلاق الحميدة والأفعال الرشيدة).
- وقال الله تبارك وتعالى في صفات عباده الذين اتصفوا بأعلى صفات المروءة ووصلوا إلى غاياتها: وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا [الفرقان: 63 - 76]
 وقال فيهم أيضاً شاهداً لهم بالفلاح: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ [المؤمنون: 1 - 10]
- وقال أيضاً في وصفهم: يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا [الإنسان: 7 – 9].
- وقال الله عز وجل: وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ [القصص: 77].
قال سفيان بن عيينة رحمه الله تعالى في هذه الآية: (فيها عين المروءة وحقيقتها) (1).
- وقال الله تبارك وتعالى على لسان لقمان وهو يعظ ابنه ويعطيه دروساً في القيم ومعالم في المروءة: يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ [لقمان: 17 - ]
- وقال الله تبارك وتعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ [النحل: 90 – 92]
وقد جعل الإمام سفيان الثوري رحمه الله المروءة مبنية على ركنين استمدهما من هذه الآية الكريمة, حيث سئل عن المروءة ما هي؟ فقال: (الإنصاف من نفسك، والتفضل لله تعالى: إن الله يأمر بالعدل، وهو الإنصاف، والإحسان، وهو التفضل، ولا يتم الأمر إلا بهما، ألا تراه لو أعطى جميع ما يملك، ولم ينصف من نفسه لم تكن له مروءة؛ لأنه لا يريد أن يعطي شيئا إلا أن يأخذ من صاحبه مثله، وليس مع هذا مروءة) (2).
فكل هذه الآيات وما سواها – وما أكثرها في كتاب الله تبارك وتعالى متضمنة لأصول المروءة وركائزها التي تبنى عليها, وإن كانت لا تدل على المروءة بحروفها.
الترغيب والحث على المروءة من السنة النبوية:

(1) ((المروءة)) لمحمد بن خلف بن المرزبان (ص133).
(2) ((مكارم الأخلاق)) للخرائطي (1/ 372).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،وما قلناه في الآيات القرآنية نقوله أيضاً في الأحاديث النبوية, فكل الأحاديث التي تحث على حسن الخلق وجمال المعاشرة والبعد عما يدنس العرض ويقبح بالنفس ما هي إلا أدلة واضحة على التحلي بالمروءة والتخلق بها وسنسرد هنا طرفاً من هذه الأحاديث:
- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ((كرم المؤمن دينه، ومروءته عقله، وحسبه خلقه)) (1).
- و ((قيل يا رسول الله من أكرم الناس قال أتقاهم لله قالوا ليس عن هذا نسألك قال يوسف نبي الله بن نبي الله بن خليل الله قالوا ليس عن هذا نسألك قال فعن معادن العرب تسألوني خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا)) (2).
قال الإمام النووي: (ومعناه إن أصحاب المروءات ومكارم الأخلاق في الجاهلية إذا أسلموا وفقهوا فهم خيار الناس) (3).
- وعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ((إنّ الله عزّ وجلّ كريم يحب الكرماء ويحب معالي الأمور، ويكره سفسافها)) (4).
- ومن ذلك حديث عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ في بدء الوحي والذي فيه قول خديجة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: كَلَّا وَاللَّهِ مَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الكَلَّ، وَتَكْسِبُ المَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ ... الحديث (5).
- و (عن ابن عمر رضي الله عنهما أنّه قال: دخلت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فألقى إليّ وسادة حشوها ليف، فلم أقعد عليها، بقيت بيني وبينه) (6).
- و ((عن أبي ذرّ رضي الله عنه قال: سألت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: أيّ العمل أفضل؟ قال: إيمان بالله، وجهاد في سبيله. قلت: فأيّ الرّقاب أفضل؟ قال: أعلاها ثمنا، وأنفسها عند أهلها: قلت: فإن لم أفعل؟ قال: تعين صانعا، أو تصنع لأخرق. قال: فإن لم أفعل؟ قال: تدع النّاس من الشّرّ، فإنّها صدقة تصدّق بها على نفسك)) (7).
- وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: ((السّاعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله وأحسبه قال: وكالقائم لا يفتر، وكالصّائم لا يفطر)) (8).
- وعن سهل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ((أنا وكافل اليتيم في الجنّة هكذا وأشار بالسّبّابة والوسطى وفرّج بينهما شيئا)) (9).

(1) رواه أحمد (2/ 365) (8759)، وابن حبان (2/ 232)، والحاكم (1/ 212). قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم، وله شاهد. وقال الذهبي: [فيه] مسلم يعني مسلم بن خالد الزنجي ضعيف وله شاهد. وضعفه الألباني في ((ضعيف الجامع)) (4168).
(2) رواه البخاري (3374)، ومسلم (2378).
(3) ((شرح النووي على مسلم)) (15/ 135).
(4) رواه الحاكم (1/ 111) (151)، والطبراني في ((الكبير)) (6/ 181) (5928)، والبيهقي في ((الآداب)) (ص64). قال الهيثمي في ((المجمع)) (8/ 188): رجاله ثقات. وصححه السيوطي في ((الجامع الصغير)) (1771).
(5) رواه البخاري (3).
(6) رواه أحمد (2/ 96) (5710). وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (8/ 177): رجاله رجال الصحيح. وصحح إسناده أحمد شاكر في ((تخريج المسند)) (5710).
(7) رواه البخاري (2518).
(8) رواه البخاري (6007) ومسلم (2982).
(9) رواه البخاري (5304).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،أقوال السلف والعلماء في المروءة
- قَالَ مُعَاوِيَةُ رضي الله عنه: (الْمُرُوءَةُ تَرْكُ الشَّهَوَاتِ وَعِصْيَانُ الْهَوَى) (1).
- وحكي أنّ معاوية سأل عمرا - رضي الله عنهما- عن المروءة؟ فقال: (تقوى الله تعالى وصلة الرّحم. وسأل المغيرة؟ فقال: هي العفّة عمّا حرّم الله تعالى، والحرفة فيما أحلّ الله تعالى. وسأل يزيد؟ فقال: هي الصّبر على البلوى، والشّكر على النّعمى، والعفو عند المقدرة فقال معاوية: أنت منّي حقّا) (2).
- وَرَوَى أَيْضًا عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: (مِنْ مُرُوءَةِ الرَّجُلِ نَقَاءُ ثَوْبِهِ) (3).
- وسأل الحسين أخاه الحسن عن المروءة فقال: (الدين وحسن اليقين) (4).
- وَسُئِلَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ الْمُرُوءَةِ فَقَالَ: (أَنْ لَا تَعْمَلَ فِي السِّرِّ عَمَلًا تَسْتَحِي مِنْهُ فِي الْعَلَانِيَةِ) (5).
- وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ: (مِنْ تَمَامِ الْمُرُوءَةِ خِدْمَةُ الرَّجُلِ ضَيْفَهُ كَمَا خَدَمَهُمْ أَبُونَا إبْرَاهِيمُ الْخَلِيلُ بِنَفْسِهِ وَأَهْلِهِ). (6).
- وقال عمر بن عبد العزيز: (ليس من المروءة أن تستخدم الضيف) (7).
- وقال الأحنف بن قيس: (الكذوب لا حيلة له؛ والحسود لا راحة له؛ والبخيل لا مروءة له؛ والملول لا وفاء له؛ ولا يسود سيء الأخلاق؛ ومن المروءة إذا كان الرجل بخيلاً أن يكتم ويتجمل) (8).
- وسئل أيضاً عن المروءة فقال: (صدق اللّسان، ومواساة الإخوان، وذكر الله تعالى في كلّ مكان) (9).
- وقال مرّة: (العفّة والحرفة) (10).
- وقال الماوردي: (اعلم أنّ من شواهد الفضل ودلائل الكرم المروءة الّتي هي حلية النّفوس، وزينة الهمم) (11).
- وقيل للبوشنجي شيخ خراسان: ما المروءة؟ قال: (إظهار الزي؛ قيل: فما الفتوة؟ قال: طهارة السر) (12).
- وسُئِلَ بِشْرُ بْنُ الْحَارِثِ عَنْ الْقَنَاعَةِ فَقَالَ: (لَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا إلَّا التَّمَتُّعُ بِعِزِّ الْغِنَى لَكَانَ ذَلِكَ يُجْزِي، ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ:
أَفَادَتْنَا الْقَنَاعَةُ أَيَّ عِزٍّ ... وَلَا عِزَّ أَعَزُّ مِنْ الْقَنَاعَهْ
فَخُذْ مِنْهَا لِنَفْسِك رَأْسَ مَالْ ... وَصَيِّرْ بَعْدَهَا التَّقْوَى بِضَاعَهْ
تَحُزْ حَالَيْنِ تَغْنَى عَنْ بَخِيلٍ ... وَتَسْعَدُ فِي الْجِنَانِ بِصَبْرِ سَاعَهْ
ثُمَّ قَالَ: مُرُوءَةُ الْقَنَاعَةِ أَشْرَفُ مِنْ مُرُوءَةِ الْبَذْلِ وَالْعَطَاءِ) (13).
- وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ: (قُلْت لِإِيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ: مَا الْمُرُوءَةُ؟ قَالَ: أَمَّا فِي بَلَدِك فَالتَّقْوَى، وَأَمَّا حَيْثُ لَا تُعْرَفُ فَاللِّبَاسُ) (14).
- وقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: (يَأْكُلُ بِالسُّرُورِ مَعَ الْإِخْوَانِ، وَبِالْإِيثَارِ مَعَ الْفُقَرَاءِ، وَبِالْمَرُوءَةِ مَعَ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا) (15).

(1) ((غذاء الألباب)) للسفاريني (2/ 457).
(2) ((المروءة)) للمرزبان (ص127)، و ((أدب الدنيا والدين)) للماوردي (321).
(3) ((غذاء الألباب)) للسفاريني (2/ 259).
(4) ((البصائر والذخائر)) لأبي حيان التوحيدي (1/ 231).
(5) ((أدب الدنيا والدين)) (ص334).
(6) ((غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب)) (2/ 151).
(7) ((الإمتاع والمؤانسة)) (1/ 342).
(8) ((أمالي القالي)) (1/ 110).
(9) ((أدب الدنيا والدين)) (ص343).
(10) ((تهذيب اللغة)) (15/ 205).
(11) ((أدب الدنيا والدين)) (ص325).
(12) ((البصائر والذخائر)) (1/ 100 - 101).
(13) ((غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب)) (2/ 537)
(14) ((غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب)) (2/ 164).
(15) ((غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب)) (2/ 146).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،أقسام المروءة
كل من تكلم عن المروءة وحدِّها وبيانها لم يخرجها عن أحد نوعين:
إما أفعال أو تروك, وهذا ما بينه أبو حاتم البستي بعد أن سرد مجموعة من الأقوال في تعريف المروءة, قال: (والمروءة عندي خصلتان:
- اجتناب ما يكره الله والمسلمون من الفعال
- واستعمال ما يحب الله والمسلمون من الخصال
وهاتان الخصلتان يأتيان على ما ذكرنا قبل من اختلافهم واستعمالهما .. ) (1)
وهذا ما عناه ابن القيم رحمه الله تعالى بقوله: (وحقيقة المروءة تجنب للدنايا والرذائل من الأقوال والأخلاق والأعمال فمروءة اللسان: حلاوته وطيبه ولينه واجتناء الثمار منه بسهولة ويسر ومروءة الخلق: سعته وبسطه للحبيب والبغيض ومروءة المال: الإصابة ببذله مواقعه المحمودة عقلا وعرفا وشرعا ومروءة الجاه: بذله للمحتاج إليه ومروءة الإحسان: تعجيله وتيسيره وتوفيره وعدم رؤيته حال وقوعه ونسيانه بعد وقوعه فهذه (مروءة البذل).
وأما (مروءة الترك): فترك الخصام والمعاتبة والمطالبة والمماراة والإغضاء عن عيب ما يأخذه من حقك وترك الاستقصاء في طلبه والتغافل عن عثراته) (2).
وبهذا التقسيم - أعني مروءة الفعل والبذل ومروءة الترك- ينتظم جميع الأقوال التي عرفت بها المروءة في سلك واحد, وتنصهر جميع التعريفات في بوتقة واحدة.

(1) ((روضة العقلاء ونزهة الفضلاء)) (ص232).
(2) ((مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين)) (3/ 151 - 152).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،شروط المروءة
للمروءة شروط لا تتأتى إلا بها, ولا يحصلها الشخص إلا إذا تتبعها وتقمصها وطبقها في واقعه ومحيطه, وتطبيقها ليس بالسهل الهين الذي يستطيعه كل الناس بل فيها من الشروط ما يحتاج إلى كثير معاناة ومصابرة حتى يتطبع عليه الشخص ويصبح سجية سهلة تأتي بلا كلفة ولا مشقة, يقول الإمام الماوردي رحمه الله: مِن حُقُوقِ المُرُوءَةِ وَشُرُوطِهَا مَا لَا يَتَوَصَّلُ إلَيهِ إلَّا بِالمُعَانَاةِ وَلَا يُوقَفُ عَلَيهِ إلَّا بِالتَّفَقُّدِ وَالمُرَاعَاةِ. فَثَبُتَ أَنَّ مُرَاعَاةَ النَّفسِ عَلَى أَفضَلِ أَحوَالِهَا هِيَ المُرُوءَةُ.
وَإِذَا كَانَت كَذَلِكَ فَلَيسَ يَنقَادُ لَهَا مَعَ ثِقَلِ كُلَفِهَا إلَّا مَن تَسَهَّلَت عَلَيهِ المَشَاقُّ رَغبَةً فِي الحَمدِ، وَهَانَت عَلَيهِ المَلَاذُ حَذَرًا مِن الذَّمِّ (1).
وقد عدد بعض البلغاء بعض شروط المروءة فقال: من شرائط المروءة أن تعف عن الحرام، وتتصلف عن الآثام، وتنصف في الحكم، وتكف عن الظلم، ولا تطمع في ما لا تستحق، ولا تستطيل على من لا تسترق، ولا تعين قوياً على ضعيف، ولا تؤثر دنياً على شريف، ولا تسر ما يعقب الوزر والإثم، ولا تفعل ما يقبح الذكر والاسم (2).
ومن أفضل من تكلم عن شروط المروءة وأحسن في سرد تقاسيمها والإتيان بحقوقها الإمام الماوردي في كتابه أدب الدنيا والدين, وقد فصل فيها تفصيلاً وافياً فأجاد رحمه الله في ذلك, ولعلنا نلخص ونرتب ما ذكره الإمام الماوردي من هذه الشروط:
1. الأول شروط المروءةِ فِي نفسِ الشخص: وشروطهَا فِي نفسِهِ بعد التِزامِ ما أوجبه الشّرع مِن أحكامِهِ يكون بِثلاثةِ أمورٍ وهِي:
- العِفّة: وهي نوعان:
أحدهما العِفّة عن المحارِمِ: وهذه تكون بشيئين اثنين:
أحدهما ضبط الفرجِ عن الحرامِ.
والثّانِي كفّ اللِّسانِ عن الأعراضِ.
والثَّانِي العِفَّة عن المآثِمِ: وهذه أيضاً لا تكون إلا بشيئين:
أَحدهما: الكفُّ عن المجاهرةِ بِالظُّلمِ.
والثَّانِي: زجر النَّفسِ عن الإِسرارِ بِخِيانةٍ.
- النَّزاهة: وهي نوعانِ:
أَحدهما: النَّزاهة عن المطامِعِ الدَّنِيَّةِ.
والثَّانِي النَّزاهة عن مواقِفِ الرِّيبةِ.
- الصِّيانة: وهي نوعانِ:
أَحدهما: صِيانة النّفسِ بِالتِماسِ كِفايتِها وتقدِيرِ مادَّتِها.
والثَّانِي: صِيانتها عن تحمّلِ المِننِ مِن النَّاسِ والِاستِرسالِ فِي الِاستِعانةِ.
2. والثَّانِي: شروط المروءة في غيرِهِ وتكون بثلاثة أمور وهي:
- المؤازرة: وهي نوعانِ:
أَحدهما: الإِسعاف بِالجاهِ.
والثَّانِي الإِسعاف فِي النّوائِبِ.
- والمياسرة وهي نوعانِ:
أَحدهما: العفو عن الهفواتِ.
والثَّانِي: المسامحة فِي الحقوقِ وهي نوعان:
المسامحة فِي عقودٍ: بأَن يكون فِيها سهل المناجزةِ، قلِيل المحاجزةِ مأمون الغيبةِ بعِيدًا مِن المكرِ والخدِيعةِ.
المسامحة في حقوقٍ: وتتنوَّع المسامحة فِيها نوعينِ:
أ - أَحدهما فِي الأَحوالِ: وهو اطراح المنازعةِ فِي الرّتبِ وترك المنافسةِ فِي التّقدُّمِ.
ب - والثَّانِي فِي الأَموالِ: وهي ثلاثة أنواع: وهي مسامحة إسقاطٍ لِعدمٍ، ومسامحة تخفِيفٍ لِعجزٍ، ومسامحة إنكارٍ لِعسرةٍ.
- والإِفضال: وهو نوعانِ:
إفضال اصطِناعٍ: وهو نوعان:
أَحدهما: ما أَسداه جودًا فِي شكورٍ
والثَّانِي: ما تأَلَّف بِهِ نبوة نفورٍ.
وإِفضال استِكفافٍ ودِفاعٍ: وذلك لِأَنَّ ذا الفضلِ لا يعدم حاسِد نِعمةٍ ومعانِد فضِيلةٍ يعترِيهِ الجهل بِإِظهارِ عِنادِهِ، ويبعثه اللُّؤم على البذاءِ بِسفهِهِ فإِن غفل عن استِكفافِ السّفهاءِ، وأَعرَض عن استِدفاعِ أَهلِ البذاءِ، صار عِرضه هدفًا لِلمثالِبِ، وحاله عرضةً لِلنَّوَائِبِ، وإِذَا استكفى السَّفِيه واستدفع البذِيء صان عرضه وحمى نِعمته. ولِاستِكفافِ السُّفهاءِ بِالإِفضالِ شرطانِ:
أَحدهما: أَن يخفِيه حتَّى لا ينتشِر فِيهِ مطامِع السُّفهاءِ فيتوصَّلون إلى اجتِذابِهِ بِسبِّهِ، وإِلى مالِهِ بِثلبِهِ.
والثَّانِي: أَن يتطلَّب له فِي المجاملةِ وجهًا ويجعله فِي الإِفضالِ عليهِ سببًا؛ لِأَنَّه لا يرى أَنَّه على السَّفهِ واستِدامةِ البذاءِ. (3).

(1) ((أدب الدنيا والدين)) (ص326).
(2) ((تسهيل النظر وتعجيل الظفر في أخلاق الملك)) (ص29).
(3) ((أدب الدنيا والدين)) بتصرف (ص329 - 355).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،فوائد التحلي بالمروءة واجتناب ما يخرمها
1. صون النفس، وهو حفظها وحمايتها عما يشينها، ويعيبها ويزري بها عند الله عز وجل وملائكته، وعباده المؤمنين وسائر خلقه، فإن من كرمت عليه نفسه وكبرت عنده صانها وحماها، وزكاها وعلاها، ووضعها في أعلى المحال، وزاحم بها أهل العزائم والكمالات، ومن هانت عليه نفسه وصغرت عنده ألقاها في الرذائل، وأطلق شناقها، وحل زمامها وأرخاه، ودساها ولم يصنها عن قبيح؛ فأقل ما في تجنب القبائح صون النفس.
2. توفير الحسنات، ويكون ذلك من وجهين:
أحدهما: توفير زمانه على اكتساب الحسنات، فإذا اشتغل بالقبائح نقصت عليه الحسنات التي كان مستعداً لتحصيلها.
والثاني: توفير الحسنات المفعولة عن نقصانها، بموازنة السيئات وحبوطها، فإن السيئات قد تحبط الحسنات، وقد تستغرقها بالكلية أو تنقصها، فلابد أن تضعفها قطعاً؛ فتجنبها يوفر ديوان الحسنات، وذلك بمنزلة من له مال حاصل، فإذا استدان عليه؛ فإما أن يستغرقه الدين أو يكثره أو ينقصه، فهكذا الحسنات والسيئات سواء.
3. صيانة الإيمان، وذلك لأن الإيمان عند جميع أهل السنة يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، وقد حكاه الشافعي وغيره عن الصحابة والتابعين ومن بعدهم، وإضعاف المعاصي للإيمان أمر معلوم بالذوق والوجود، فإن العبد – كما جاء في الحديث – إذا أذنب نكت في قلبه نكتة سوداء، فإن تاب واستغفر صقل قلبه، وإن عاد فأذنب نكت فيه نكتة أخرى حتى تعلو قلبه (1).
4. سبيل إلى نيل المطلوب العالي والسبق إليه وإن كثر عليه المتنافسون, قال بعْض الْعلماءِ: إذَا طلب رجلانِ أَمْرًا ظفِر بِهِ أَعْظمهما مروءةً (2).
5. التحلي بها مما يزيد في ماء والوجه وبهجته قال ابن القيم رحمه الله: أَربعةٌ تزِيد فِي ماءِ الوجهِ وبهجتِهِ المروءة والوفاء والكرم والتّقوى (3).
6. تحجز المرء عن كل لذة يتبعها ألم, وكل شهوة يلحقها ندم فهي جنة عن اللذائذ المحرمة والشهوات المهلكة, وقد قيل: (الدين والمروءة والعقل والروح ينهين عن لذة تعقب ألما، وشهوة تورث ندما) (4).
7. والمروءة مانعة من الكذب باعثة على الصدق؛ لأنها قد تمنع من فعل ما كان مستكرها، فأولى من فعل ما كان مستقبحا. (5).
8. داعية إلى إنصاف الرجل لجميع الخلق سواء في ذلك من كان دونه أو من كان فوقه لا يفرق بين هؤلاء وهؤلاء.
9. داعية إلى الرفعة والعلو, والمنافسة في خيري الدنيا والآخرة, وعدم الرضا من الشيء إلا بأعلاه وغايته.
10. تحمل صاحبها إلى الترفع عن سفاسف الأمور ومحقراتها.
11. تحجزه عن الوقوع في مواطن الريب والشبهات, وإن حصل ووقع في مثل هذه المواطن تحمله على التخلص منها وعدم الرجوع إليها.
12. جالبة محبة الله تبارك وتعالى للعبد, ومن ثم محبة الخلق له.
13. صاحبها صاحب حزم وعزم, وقوة ورأي, يضع الأمور في نصابها.
14. تخلّص الإنسان من الهوى والشهوات.

(1) ((المروءة وخوارمها)) (ص: 353 – 355).
(2) ((أدب الدنيا والدين)) (ص327).
(3) ((زاد المعاد في هدي خير العباد)) (4/ 372).
(4) ((غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب)) (2/ 456).
(5) ((أدب الدنيا والدين)) (ص272).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،درجات المروءة
للمروءة ثلاث درجات تكلم عنها ابن القيم رحمه الله فقال:
- الدرجة الأولى: مروءة المرء مع نفسه وهي أن يحملها قسرا على ما يجمل ويزين وترك ما يدنس ويشين ليصير لها ملكة في العلانية فمن أراد شيئا في سره وخلوته: ملكه في جهره وعلانيته فلا يكشف عورته في الخلوة ولا يتجشأ بصوت مزعج ما وجد إلى خلافه سبيلا ولا يخرج الريح بصوت وهو يقدر على خلافه ولا يجشع ويَنْهَم عند أكله وحده
وبالجملة: فلا يفعل خالياً ما يستحي من فعله في الملأ إلا مالا يحظره الشرع والعقل ولا يكون إلا في الخلوة كالجماع والتخلي ونحو ذلك.
- الدرجة الثانية: المروءة مع الخلق بأن يستعمل معهم شروط الأدب والحياء والخلق الجميل ولا يظهر لهم ما يكرهه هو من غيره لنفسه وليتخذ الناس مرآة لنفسه فكل ما كرهه ونفر عنه من قول أو فعل أو خلق فليجتنبه وما أحبه من ذلك واستحسنه فليفعله.
وصاحب هذه البصيرة ينتفع بكل من خالطه وصاحبه من كامل وناقص وسيئ الخلق وحسنه وعديم المروءة وغزيرها. وكثير من الناس يتعلم المروءة ومكارم الأخلاق من الموصوفين بأضدادها كما روي عن بعض الأكابر أنه كان له مملوك سيئ الخلق فظ غليظ لا يناسبه فسئل عن ذلك فقال: أدرس عليه مكارم الأخلاق. وهذا يكون بمعرفة مكارم الأخلاق في ضد أخلاقه ويكون بتمرين النفس على مصاحبته ومعاشرته والصبر عليه.
- الدرجة الثالثة: المروءة مع الحق سبحانه بالاستحياء من نظره إليك واطلاعه عليك في كل لحظة ونفس وإصلاح عيوب نفسك جهد الإمكان فإنه قد اشتراها منك وأنت ساع في تسليم المبيع وتقاضي الثمن وليس من المروءة: تسليمه على ما فيه من العيوب وتقاضي الثمن كاملا أو رؤية مِنَّته في هذا الإصلاح وأنه هو المتولي له لا أنت فيغنيك الحياء منه عن رسوم الطبيعة والاشتغال بإصلاح عيوب نفسك عن التفاتك إلى عيب غيرك وشهود الحقيقة عن رؤية فعلك وصلاحك (1).

(1) ((مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين)) (2/ 353).،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،صور المروءة وآدابها
للمروءة آدابٌ كثيرة قل أن تجتمع في إنسان إلا أن يشاء الله تعالى؛ ولذلك فإن منازل الناس فيها تتباين تبعاً لما يُحصِّله الإنسان من آدابها ومراتبها.
قال صاحب عين الأدب والسياسة: إن (للمروءة وجوهاً وآداباً لا يحصرها عدد ولا حساب, وقلما اجتمعت شروطها قط في إنسان ولا اكتملت وجوهها في بشر فإن كان ففي الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم دون سائرهم وأما الناس فيها فعلى مراتب بقدر ما أحرز كل واحد منهم من خصالها واحتوى عليها من خلالها) (1).
وقد وردت جُملةٌ من الآداب التي يجب أن يتمتع بها صاحب المروءة، ومنها:
- أن يكون ذا أناةٍ وتؤدةٍ؛ فلا يبدو في حركاته اضطراب أو عجلة، كأن يُكثر الالتفات في الطريق، ويعجل في مشيه العجلة الخارجة عن حد الاعتدال.
- أن يكون متئداً في كلامه يرسل كلماته مفصلة ولا يخطف حروفها خطفاً حتى يكاد بعضها يدخل في بعض, بل يكون حسن البيان, واضح العبارة, بعيدا عن التكلف والتقعر, ينتقي أطايب الحديث كما ينتقي أطايب الثمر, وقد كتب عُمرُ بنُ الخَطَّاب رضي الله عنه إِلى أَبي موسى رضي الله عنه: (خُذِ النَّاس بِالعربِيَّة، فإِنه يَزِيد في العَقْلِ ويُثْبِتُ المُروءَةَ) (2).
- أن يضبط نفسه عن هيجان الغضب أو دهشة الفرح، وأن يقف موقف الاعتدال في حالي السراء والضراء.
- أن يتحلّى بالصراحة والترفع عن المواربة والمجاملة والنفاق، فلا يُبدي لشخصٍ الصداقة وهو يحمل له العداوة، أو يشهد له باستقامة السيرة وهو يراه منحرفاً عن السبيل.
- ألا تطيش به الولاية والإمارة في زهو ولا ينزل به العزل في حسرة.
- ألاَّ يفعل في الخفاء ما لو ظهر للناس لعُدَّوه من سقطاته والمآخذ عليه، وقد رفع محمد بن عمران التيمي شأن هذا الأدب حتى جعله هو المروءة, فقال لما سئل عن المروءة: ألا تعمل في السر ما تستحي منه في العلانية.
- أن يتجنب القبائح لقبحها ووخامة عاقبتها, فيكون تجنبه لها في السر والعلانية.
- أن يلاقي الناس بطلاقة وجه, ولسان رطب غير باحث عما تكنه صدورهم من مودة أو بغضاء ولكنه لا يستطيع أن يرافق ويعاشر إلا ودودا مخلصاً.
- أن يكون بخيلاً بوقته عن إطلاق لسانه في أعراض الناس والتقاط معايبهم أو اختلاق معايب لهم, فهو لا يرضى بأن يشغل وقته إلا بما تتقاضاه المروءة من حقوق, قال رجل لخالد بن صفوان: كان عبدة بن الطيب لا يحسن يهجو, فقال له: لا تقل ذلك فوالله ما تركه من عي ولكنه كان يترفع عن الهجاء, ويراه ضعة كما يرى تركه مروءة وشرفاً, وأنشد قول أبي الهيذام:
وأجرأ من رأيت بظهر غيب ... على عيب الرجال ذوو العيوب
وربما اضطر ذو المروءة أن يدافع شر خصومه الكاشحين بذكر شيء من سقطاتهم ولكن المروءة تأبى له أن يختلق لهم عيباً يقذفهم به وهم منه براء, فإن الإخبار بغير الواقع يقوض صروح المروءة ولا يبقي لها عيناً ولا أثراً قال الأحنف: لا مروءة لكذوب, ولا سؤدد لبخيل.
كما أنه يحفظ لسانه عن أن يلفظ مثلما يلفظ أهل الخلاعة من سفه القول:
وحذار من سفه يشينك وصفه ... إن السفاه بذي المروءة زاري
- أن يتجنب تكليف زائريه وضيوفه ولو بعملٍ خفيف؛ فقد ورد عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله قوله: (ليس من المروءة استخدام الضيف).
- أن يسود في مجلسه الجد والحكمة وأن لا يلم في حديثه بالمزاح إلا إلماماً مؤنساً في أحوال نادرة قال الأحنف بن قيس: (كثرة المزاح تذهب المروءة).

(1) ((عين الأدب والسياسة)) (ص132).
(2) ذكره أبو منصور الأزهري في ((تهذيب اللغة)) (15/ 205).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،، أن يُحسن الإصغاء لمن يُحدثه من الإخوان، فإن إقباله على محدثه بالإصغاء إليه يدل على ارتياحه لمُجالسته، وأُنسه بحديثه. وإلى هذا الأدب الجميل يُشير أبو تمام بقوله:
من لي بإنسانٍ إذا أغضبته ... ورضيتُ كان الحِلم رد جوابه
وتراه يُصغي للحديث بقلبه ... وبسمعه، ولعله أدرى به
- أن يحتمل ضيق العيش, ولا يبذل ماء حيائه وكرامته في السعي لما يجعل عيشه في سعة أو يديه في ثراء قال مهيار:
ونفس حرة لا يزدهيها ... حلى الدنيا وزخرفها المعار
يبيت الحق أصدق حاجتيها ... وكسب العز أطيب ما يمار
ألا يظهر الشكوى من حوادث الدهر إلا أن يتقاضى حقاً:
لا يفرحون إذا ما الدهر طاوعهم ... يوماً بيسر ولا يشكون إن نكبوا
وقال عبد الله بن الزبير الأسدي في عمر بن عثمان بن عفان:
فتى غير محجوب الغنى عن صديقه ... ولا مظهر الشكوى إذا النعل زلت
- أن يكون حافظاً لما يؤتمن عليه من أسرارٍ وأُمور لا ينبغي أن تظهر لأحدٍ غير صاحبها. وفي هذا المعنى يقول المتنبي:
كفتك المروءة ما تتقي ... وأمّنك الود ما تحذر
يريد أنه ذو مروءة وذو المروءة لا يُفشي سراً اُؤتمن عليه.
- أن يحذر أن يؤذي شخصاً ما, وأشد ما يحذر أن يؤذي ذا مروءة مثله:
وأستحيي المروءة أن تراني ... قتلت مناسبي جلداً وقهراً (1)
- أن يحرص على أن تطابق أقواله وأفعاله ما جرت عليه الأعراف والتقاليد الحسنة, والتي لا تخالف الشرع ولا تضاد الدين.
- أن يعامل الآخرين بما يحب أن يعاملوه به, وأن يحترمهم ولا يفضل نفسه عليهم في شيء.

(1) ((المروءة ومظاهرها الصادقة)) لمحمد الخضر حسين بتصرف، نقلاً عن كتاب ((المروءة الغائبة)) لمحمد إبراهيم سليم (ص: 120 - 123).،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،موانع اكتساب صفة المروءة (خوارم المروءة)
الخوارم لغة جمع خارم: وهو التارك المفسد.
واصطلاحاً: هي كل فعل أو قول أو حرفة يوجب فعلها أو تركها الذم في عادات الناس وأعرافهم المعتبرة شرعاً.
أسباب خوارم المروءة
للمروءة خوارم تسقط من قدرها وقد تذهب بها نهائياً فمن خوارمها:
1. الخبل في العقل (أي الفساد فيه):
إن الإنسان سمي مرءاً أو امرءاً أي عاقلاً, ووصف بالمروءة لأنه لا يتصف بخلافها إلا الحمقى وقد ورد ذلك في أثر عمر, فجعل العقل وهو المروءة, فقال: (كرم المرء دينه, ومروءته عقله, وحسبه خلقه) (1). ومن هنا كان الخبل في العقل سبباً في اقتراف خوارم المروءة والذي يجعلنا لا نثق بكلامه فنرد شهادته بسببه.
ولا تستغرب هذا بل من الحكماء من جعل المروءة أعلى درجة من العقل, فقال: (العقل يأمرك بالأنفع, والمروءة تأمرك بالأرفع) فمن أخل بمروءته رضي بالدون ولم يكرم نفسه مما يشينها.
ويلتقي هذا مع اشتراط الفقهاء الفطنة وعدم التغفل في الشهود ولو كانوا عدولاً وعدم قبول شهادة المجنون ابتداءً.
2. نقصان الدين:
إن الفسق علامة على النقص في الدين فلا يقدم على الكبائر مثلاً إلا فاسق غير مبال بدينه, وكذا خوارم المروءة لا يقدم عليها حتى تخرم مروءته إلا ناقص دين, فكان أحد الأسباب التي تخرم المروءة.
3. قلة الحياء:
إن من أسباب فعل الخوارم قلة الحياء لأن فاعلها لا يستقبح القبيح, ولا يبالي بكلام الناس وقلة حيائه تعطيه الجسارة في فعل خوارم المروءة (2).

(1) رواه أحمد مرفوعاً (2/ 365) (8759)، وابن حبان (2/ 232) (483)، وابن عدى في ((الكامل في الضعفاء)) (4/ 126)، والحاكم (2/ 177)، والبيهقي (7/ 136) (13555). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. قال ابن عدي: [فيه] مسلم بن خالد الزنجي حسن الحديث أرجو أنه لا بأس به، وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم، وقال البيهقي: روي من وجهين آخرين ضعيفين، وقال ابن القيسراني في ((ذخيرة الحفاظ)) (4/ 1835): [فيه] مسلم الزنجي ضعيف، وقال الذهبي في ((تلخيص العلل المتناهية)) (203): إسناده صالح، وصححه السيوطي في ((الجامع الصغير)) (6229)، وقال السفاريني في ((شرح كتاب الشهاب)) (291): إسناده صحيح، وضعفه الألباني في ((ضعيف الجامع)) (4168).
(2) ((عدالة الشاهد في القضاء الإسلامي)) (356 - 357).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،أنواع خوارم المروءة
يمكن أن نصنف خوارم المروءة إلى نوعين اثنين:
الأول:- خوارم للمروءة بحسب الشرع.
الثاني:- خوارم للمروءة بحسب العرف السائد.
فالأولى لا تتغير ولا تتبدل بتبدل الأحوال والأزمان لأنها تستمد ثباتها من الشرع الحنيف. وعليه فكل من وصف بأنه منخرم المروءة بواحدة من تلك الخوارم فهو مخروم المروءة في كل حين. كأخذ الأجر على التحديث عند من يرى حرمة ذلك فمن خرمت مروءته لهذا فإنه لا يزال على ذلك أبدا. وكذلك من خرمت مروءته بسبب السفه وبذاءة اللسان لأن المسلم لا يكون بذيئاً ولا سفيها ...
وأما الخوارم التي ترجع إلى مخالفة عرف سائد فإن المحققين من العلماء لا ينظرون إليها سواء بسواء مع تلك الخوارم التي ترجع إلى مخالفة أصل شرعي لجواز أن يتغير العرف السائد. فما يعد من الخوارم في زمن لا يكون كذلك في زمن آخر. وما يعد من الخوارم في بلد لا يكون كذلك في بلد آخر.
يقول الدكتور عبد الكريم زيدان: (ولا شك أن خوارم المروءة تخضع إلى حد كبير إلى العرف السائد فما يكون قبيحاً وقادحاً في المروءة في بلد ما قد لا يكون كذلك في بلد آخر لاختلاف العرف في هذين البلدين مثل كشف الرأس فقد يكون مستقبحاً في بلد للعرف السائد فيه فيكون فادحاً في المروءة والعدالة وقد لا يكون مستقبحاً في بلد آخر فلا يكون قادحاً في العدالة) ولهذا فإن المروءة في مثل هذا هي مراعاة العرف السائد. (1)
شروط الأفعال حتى تكون خارمة للمروءة:
الأول: أن يكون الإقدام على الأفعال والأقوال المحرمة شرعاً ولو لمرة واحدة أو المكروهة بشرط التكرار أو الصغائر بشرط الغلبة على الطاعات أما المباحات فيشترط فيها حتى تكون خارمة للمروءة قبحها في العادات والأعراف المعتبرة شرعاً إذ لا يؤمن معها الجرأة على الكذب والإدمان على فعلها.
الثاني: الإدمان أو الإصرار أو الغلبة:
خوارم المروءة من المحرمات لا يشترط فيها الإدمان وكذلك صغائر الخسة, أما الصغائر ورذائل المباحات فيشترط فيها الإدمان وذلك لأن الإنسان لا يسلم من يسير اللهو أو فعل بعض المباحات لعدم العصمة وليس هذا شرطاً متفقاً عليه (2).

(1) ((جرح الرواة وتعديلهم)) (ص: 108).
(2) ((عدالة الشاهد في القضاء الإسلامي)) (358 - 359).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،حكم فعل خوارم المروءة
(أجمع العلماء على أن من فعل ما يخل بالمروءة لا تقبل شهادته والأفعال والأقوال التي تخل بالمروءة أقسام:
الأول: المحرمات التي يعد فعلها كبيرة، سواء أكانت محرمة لذاتها أم لغيرها، ومن العلماء من جعل كل ما يخل بالمروءة كبيرة وليس ذلك صحيحاً.
الثاني: المكروهات إذا حكم على فعلها بأنها صغيرة فتخل بالمروءة والعدالة بالإدمان عليها وغلبتها على الطاعات؛ إلا صغائر الخسة؛ فإنها تخل بالمروءة لفعلها مرة واحدة.
الثالث: المباحات؛ فالأصل فيها أن لا يأثم الإنسان على تركها ولا يثاب على فعلها، وقد يثاب إذا رافقتها نية صالحة كالتقوى على العبادة أو التصدق على المحتاجين ... إلخ.
وهذه المباحات لا تخل بالمروءة إلا إذا انتقلت من حكم الإباحة إلى غيره؛ فقد تصبح محرمة إذا كان فعلها إتلافاً وإضراراً بالآخرين، وقد يصبح فعلها مكروهاً بالإدمان عليها أو التشبه بالفسقة في فعلها، أو رافقها الإسراف؛ فهذه تخل بالمروءة.
وهناك من المباحات ما يخل بالمروءة عرفاً؛ فهذه تخل بالمروءة إذا كان العرف معتبراً شرعاً أي غير فاسد باصطدامه بمقاصد الشرع وأدلته، ولأن هذه المباحات المخلة بالمروءة عرفاً لا يحرم فعلها إلا إذا تعينت على فاعلها الشهادة، ولم تكن هناك وسيلة للإثبات غير شهادته بوجود شاهد آخر أو وثيقة؛ فحرمة فعلها جاءت لتسببها في ضياع الحقوق، ومن الشافعية من ذهب إلى عدم حرمتها ولو كانت كذلك، فرداً على السؤال التالي: هل يحرم تعاطي المباحات التي ترد بها الشهادة لإخلالها بالمروءة؟
ذكروا ثلاثة أوجه:
1 - الإباحة مطلقاً.
2 - التحريم.
3 - الإباحة إلا إذا تعينت عليه الشهادة فيحرم عليه تعاطيها.
قلت: يندب للمرء المحافظة على مروءة أمثاله فيما يتعلق بالمباحات ويحرم عليه الإخلال بها إذا تعينت عليه الشهادة وأدى رد شهادته إلى ضياع الحق المراد إثباته، والله أعلم، أما المروءة التي هي درجة أرفع وأعلى من المروءة المشروطة في العدالة كالتصدق بالمال والطعام والمساعدة بالنفس والجاه؛ فإنها مستحبة لا لتعلقها بالعدالة والشهادة، ولكن للنصوص الواردة فيها، ولمعنى اجتماعي أوسع ولا يتعلق بتركها أثر على الشهادة غالباً.
وفي مثل هذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى -:
(وأما تفسير (العدالة) المشروطة في هؤلاء الشهداء؛ فإنها الصلاح في الدين والمروءة، والصلاح في أداء الواجبات، وترك الكبيرة، والإصرار على الصغيرة، و (الصلاح في المروءة) استعمال ما يجمله ويزينه واجتناب ما يدنسه ويشينه، فإذا وجد هذا في شخص كان عدلاً في شهادته، وكان من الصالحين الأبرار، وأما أنه لا يستشهد أحد في وصية أو رجعة في جميع الأمكنة والأزمنة حتى يكون بهذه الصفة؛ فليس في كتاب الله وسنة رسوله ما يدل على ذلك، بل هذا صفة المؤمن الذي أكمل إيمانه بأداء الواجبات، وإن كان المستحبات لم يكملها ومن كان كذلك كان من أولياء الله المتقين).
وإلى مثل هذا ذهب الصنعاني؛ فإنه لم يقبل الحد الدارج للعدالة الوارد في كتب الأصول وكتب المصطلح، وبين أنه لا يتمثل به إلا الكمل من المتقين، وصنف في ذلك مؤلفاً ناقش فيه ما عند ابن حجر في (النخبة)، وسماه بـ (ثمرات النظر في علم الأثر).
ولا يعني ذلك أن (المروءة) لا وزن لها عند هؤلاء، وإنما منزلتها رفيعة، وقد مشى العلماء على ضرورة إقامتها ومراعاتها، وإليك شذرات من أقوالهم وأحوالهم:
قال الإمام مالك: (لا خير في شيء من الدنيا – وإن كثر – بفساد دين الرجل أو مروءته)، وقال: (نقاء الثوب وحسن الهمة وإظهار المروءة جزء من بضع وأربعين جزء من النبوة).
وها هو الإمام الشافعي –رحمه الله- يوصي ابنه أبا عثمان، ويقول له:
(والله لو أعلم أن الماء البارد يثلم مروءتي ما شربت إلا حاراً).
وفي رواية:
(والله - الذي لا إله إلا هو -؛ لو علمت أن شرب الماء البارد ينقص من مروءتي ما شربته، ولو كنت اليوم ممن يقول الشعر؛ لرثيت المروءة).
وها هو أبو عبد الله محمد بن نصر المروزي يطلب منه من جالسه أربع سنين أن يعظ أو يزبر أباه لما كان يتعاطاه؛ فيقول: أنا لا أفسد مروءتي بصلاحه).
ونظرة سريعة في كتب التراجم، مثل (السير) وغيره ترى أن مئات –بل ألوفاً- منهم قد وصفوا بـ (المروءة) و (كمال المروءة) ونحو ذلك. (1)

(1) ((المروءة وخوارمها)) (245 - 248).،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،الوسائل المعينة على اكتساب المروءة
يقول ابن حبان البستي رحمه الله: (الواجب على العاقل أن يلزم إقامة المروءة بما قدر عليه من الخصال المحمودة وترك الخلال المذمومة, وقد نبغت نابغة اتكلوا على آبائهم واتكلوا على أجدادهم في الذكر والمروءات وبعدوا عن القيام بإقامتها بأنفسهم, ولقد أنشدني منصور بن محمد في ذم من هذا نعته:
إن المروءة ليس يدركها امرؤ ... ورث المروءة عن أب فأضاعها
أمرته نفس بالدناءة والخنا ... ونهته عن طلب العلى فأطاعها
فإذا أصاب من الأمور عظيمة ... يبني الكريم بها المروءة باعها
... إلى أن قال رحمه الله: (ما رأيت أحدا أخسر صفقة ولا أظهر حسرة ولا أخيب قصدا ولا أقل رشدا ولا أحمق شعارا ولا أدنس دثاراً من المفتخر بالآباء الكرام وأخلاقهم الجسام مع تعريه عن سلوك أمثالهم وقصد أشباههم متوهما أنهم ارتفعوا بمن قبلهم وسادوا بمن تقدمهم وهيهات أنى يسود المرء على الحقيقة إلا بنفسه وأنى ينبل في الدارين إلا بكده) (1).
فإذا كانت المروءة لا تنال بالميراث ولا تنتقل عبر المورثات الجينية من الآباء إلى الأبناء فكيف ينالها الشخص وكيف يصل إليها؟
هناك وسائل تعين المرء إلى الوصول إلى المروءة المبتغاة نذكر بعضها فيما يلي:
أولاً: علو الهمة والتطلع إلى السمو بالنفس, والترقي بها إلى المعالي.
ثانياً: منافسة أصحاب المروءات ومسابقة أصحاب الأخلاق العالية وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ [المطففين: 26].
ثالثاً: ومما يعين على تحصيل المروءات شرف النفس واستعفافها ونزاهتها وصيانتها.
رابعاً: المال الصالح خير معين على بلوغ المروءات, قال أبو حاتم رحمه الله: ومن أحسن ما يستعين به المرء على إقامة مروءته المال الصالح ولقد أنشدني منصور بن محمد الكريزي:
احتل لنفسك أيها المحتال ... فمن المروءة أن يرى لك مال
كم ناطق وسط الرجال وإنما ... عنهم هناك تكلم الأموال
فالواجب على العاقل أن يقيم مروءته بما قدر عليه ولا سبيل إلى إقامة مروءته إلا باليسار من المال فمن رزق ذلك وضن بإنفاقه في إقامة مروءته فهو الذي خسر الدنيا والآخرة ولا آمن أن تفجأه المنية فتسلبه عما ملك كريها وتودعه قبرا وحيدا ثم يرث المال بعد من يأكله ولا يحمده وينفقه ولا يشكره فأي ندامة تشبه هذه وأي حسرة تزيد عليها (2).
ولذا قال بعض العرب: (المروءة طعام مأكول, ونائل مبذول, وبشر مقبول, وكلام معسول) وقيل: (لا مروءة لمقل) وقال بعضهم: (المال والمروءة رضيعا لبان, وشريكا عنان, وغزيا حصان, وفرسا رهان)) وقال بعضهم: (لا مروءة إلا بالمال والفعال) ورفع إلى المنصور كثرة نفقات محمد بن سليمان (والي البصرة) فوقع: (أعظم الناس مروءة أكثرهم مؤنة) (3)
خامساً: ومما يعين على تحصيل المروءة اختيار الزوجة الصالحة ((فاظفر بذات الدين تربت يداك)) (4).
قال مسلمة بن عبد الملك: (ما أعان على مروءة المرء كالمرأة الصالحة)
قال الشاعر:
إذا لم يكن في منزل المرء حرة ... مدبرة ضاعت مروءة داره
سادساً: ومما يعين على المروءة مجالسة أهل المروءات ومجانبة السفهاء وأهل السوء.
أسند ابن حبان عن بعضهم قال: (كان يقال مجالسة أهل الديانة تجلو عن القلب صدأ الذنوب ومجالسة ذوي المروءات تدل على مكارم الأخلاق ومجالسة العلماء تذكي القلوب) (5).
ومتى جالس المرء أهل المروءات اكتسب منهم صالح الأخلاق والصفات: قال ابن عبد البر: (فلا تكاد تجد حسن الخلق إلا ذا مروءة وصبر) (6).
وكذلك إن عاشر المرء إخوان السوء وقليلي المروءة أخذ عنهم أخلاقهم وكان ذلك سبباً في القدح بمروءته: قال معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه: (آفة المروءة إخوان السوء) (7).

(1) ((روضة العقلاء ونزهة الفضلاء)) (ص230).
(2) ((روضة العقلاء ونزهة الفضلاء)) (ص233).
(3) ((عين الأدب والسياسة)) (ص142 - 143).
(4) رواه البخاري (5090) ومسلم (1466).
(5) ((روضة العقلاء ونزهة الفضلاء)) (ص234).
(6) ((الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار)) (5/ 105).
(7) ((المروءة)) للمرزبان (ص117)، و ((روضة العقلاء)) لابن حبان (234).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،العلاقة بين الكرم والمروءة
(فأما الكرم والمروءة فهما قرينان في الفضل ومتشاكلان في العقل والفرق بينهما مع التشاكل من وجهين:
أحدهما: أن الكرم مراعاة الأحوال أن يكون على أنفعها وأفضلها, والمروءة مراعاة الأحوال أن يكون على أحسنها وأجملها.
والوجه الثاني أن الكرم ما تعدى نفعه إلى غير فاعله والمروءة قد تقف على فاعلها ولا تتعدى إلى غيره
فإن استعملها في غيره مازجت الكرم ولم ينفرد بالمروءة وصار بالاجتماع أفضل وإن افترقا كان الكرم أفضل لتعدي نفعه وتعدي النفع أفضل.
وليس واحد من الكرم والمروءة خلقا مفردا ولكنه يشتمل على أخلاق يصير مجموعها كرما ومروءة) (1)

(1) ((تسهيل النظر وتعجيل الظفر في أخلاق الملك)) (ص28).،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،انقسام الفضائل بين الكرم والمروءة
كل كرم ومروءة فضيلة وليس كل فضيلة كرما ومروءة بل تنقسم الفضائل مع الكرم والمروءة إلى أربعة أقسام:
1. القسم الأول: ما يدخل من الفضائل في الكرم والمروءة كالعفو والعفة والأمانة.
2. والقسم الثاني: ما يدخل في الكرم ولا يدخل في المروءة كالحمد والرحمة والحمية والبذل والمساعدة.
3. والقسم الثالث: ما يدخل في المروءة ولا يدخل في الكرم كعلو الهمة وحسن المعاشرة ومراعاة المنازل والملابس.
4. والقسم الرابع: ما لا يدخل في الكرم ولا المروءة كالشجاعة والصبر على الشدة
فاجتمع الكرم والمروءة في بعض الفضائل وافترقا في بعضها فصار الكرم أعم من المروءة في بعض الفضائل والمروءة أعم من الكرم في بعض الفضائل فلم يتعين عموم أحدهما وخصوص الآخر وإن تناسب ما ميز به أحدهما. (1).

(1) ((تسهيل النظر وتعجيل الظفر في أخلاق الملك)) (ص30 - 31).،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،قالوا عن المروءة
- قال أعرابي: (مروءة الرجل في نفسه نسب لقوم آخرين، فإنه إذا فعل الخير عرف له، وبقي في الأعقاب والأصحاب، ولقيه يوم الحساب) (1).
- وقال صاحب كليلة ودمنة: (الرجلُ ذو المروءة يكرم على غير مال كالأسد يهاب وإن كان رابضا، والرجل الذي لا مروءة له يهان وإن كان غنيا كالكلب يهون على الناس وإن عسّى وطوّف. أقوال في المروءة) (2).
- وقِيلَ لِبَعْضِ الْعَرَبِ: (مَا الْمُرُوءَةُ فِيكُمْ؟ قَالَ: طَعَامٌ مَأْكُولٌ، وَنَائِلٌ مَبْذُولٌ، وَبِشْرٌ مَقْبُولٌ) (3).
- وَقِيلَ: (لَا مُرُوءَةَ لِمُقِلٍّ) (4).
- وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: (مَنْ قَبِلَ صِلَتَك فَقَدْ بَاعَك مُرُوءَتَهُ وَأَذَلَّ لِقَدْرِك عِزَّهُ وَجَلَالَتَهُ) (5).
- وقالوا: (لا تتم المروءة وصاحبها ينظر في الدقيق الحقير، ويعيد القول ويبدئه في الشيء النزر الذي لا مرد له ظاهر، ولا جدوى حاضرة) (6).
- وَقِيلَ لِبَعْضِ الْعَارِفِينَ: (مَا الْمُرُوءَةُ؟ قَالَ التَّغَافُلُ عَنْ زَلَّةِ الْإِخْوَانِ) (7).
- وقيل: (مجالسة أهل الدّيانة تجلو عن القلب صدأ الذّنوب، ومجالسة ذوي المروءات تدلّ على مكارم الأخلاق، ومجالسة العلماء تذكّي القلوب). (8)
- قال زياد لبعض الدّهاقين: (ما المروءة فيكم؟ قال: اجتناب الرّيب فإنّه لا ينبل مريب، وإصلاح الرّجل ماله فإنّه من مروءته، وقيامه بحوائجه وحوائج أهله فإنّه لا ينبل من احتاج إلى أهله ولا من احتاج أهله إلى غيره) (9).

(1) ((البصائر والذخائر)) (1/ 115).
(2) ((الصناعتين: الكتابة والشعر)) (ص244).
(3) ((أدب الدنيا والدين)) (ص383).
(4) ((أدب الدنيا والدين)) (ص340).
(5) ((أدب الدنيا والدين)) (ص340).
(6) ((الإمتاع والمؤانسة)) (1/ 342).
(7) ((غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب)) (2/ 397).
(8) ((المروءة الغائبة)) (ص 60).
(9) ((أدب الدنيا والدين)) (ص338).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،المروءة في واحة الشعر ..
قال علي بن أبي طالب:
للَّهِ دَرُّ فَتًى أنسابُهُ كَرَمٌ ... يا حبذا كرمٌ أضحى له نسبا
هل المُروءةُ إِلاَّ مَا تَقُوْمُ بِهِ ... مِنَ الذِّمامِ وحِفْظِ الجَارِ إنْ عَتَبا
وقال الشاعر:
وإذا جلست وكان مثلُكَ قائماً ... فمن المروءةِ أن تقومَ وإن أبى
وإذا اتكأت وكان مثلُكَ جالساً ... فمن المروءةِ أن تُزيلَ المُتَّكا
وإذا ركبتَ وكان مثلُكَ ماشياً ... فمن المروءةِ أن مشيتَ كما مشى
وقال آخر:
لَا تَنْظُرَنَّ إلَى الثِّيَابِ فَإِنَّنِي ... خَلِقُ الثِّيَابِ مِنْ الْمُرُوءَةِ كَاسِ (1)
وقَالَ عبد الله بن المبارك رحمه الله:
وَفَتًى خَلَا مِنْ مَالِهِ ... وَمِنْ الْمُرُوءَةِ غَيْرُ خَالِي
أَعْطَاك قَبْلَ سُؤَالِهِ ... وَكَفَاك مَكْرُوهَ السُّؤَالِ
وقَالَ الْأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ:
فَلَوْ كُنْتُ مُثْرًى بِمَالٍ كَثِيرٍ ... لَجُدْتُ وَكُنْتُ لَهُ بَاذِلَا
فَإِنَّ الْمُرُوءَةَ لَا تُسْتَطَاعُ ... إذَا لَمْ يَكُنْ مَالُهَا فَاضِلًا (2)
وَقَالَ ابْنُ الْجَلَّالِ:
رُزِقْتُ مَالًا وَلَمْ أُرْزَقْ مُرُوءَتَهُ ... وَمَا الْمُرُوءَةُ إلَّا كَثْرَةُ الْمَالِ
إذَا أَرَدْتُ رُقَى الْعَلْيَاءِ يُقْعِدُنِي ... عَمَّا يُنَوِّهُ بِاسْمِي رِقَّةُ الْحَالِ (3)
وقال أبو المنصور:
هبني أسأت كما تقول ... فأين عاطفة الأخوة
أو إن أسأت كما أسأت ... فأين فضلك والمروءة (4)
وَقَدْ قَالَ الْحُصَيْنُ بْنُ الْمُنْذِرِ الرَّقَاشِيُّ:
إنَّ الْمُرُوءَةَ لَيْسَ يُدْرِكُهَا امْرُؤٌ ... وَرِثَ الْمَكَارِمَ عَنْ أَبٍ فَأَضَاعَهَا
أَمَرَتْهُ نَفْسٌ بِالدَّنَاءَةِ وَالْخَنَا ... وَنَهَتْهُ عَنْ سُبُلِ الْعُلَا فَأَطَاعَهَا
فَإِذَا أَصَابَ مِنْ الْمَكَارِمِ خَلَّةً ... يَبْنِي الْكَرِيمُ بِهَا الْمَكَارِمَ بَاعَهَا (5)
وقال آخر:
إذا المرءُ أعيته المروءةُ ناشئاً ... فمطلبها كهلاً عليه شديدُ (6)
وقال منصور الفقيه:
وإذا الفتى جمع المروءة والتقى ... وحوى مع الأدب الحياء فقد كمل (7)
وقال بعضهم:
ومن المروءة للفتى ... ما عاش دار فاخره
فاقنع من الدنيا بها ... واعمل لدار الآخرة (8)
وقال آخر:
كفى حزناً أن المروءة عطلت ... وأن ذوي الألباب في الناس ضيع
وأن ملوكاً ليس يحظى لديهم ... من الناس إلا من يغني ويصفع (9)
وقال بهاء الدين زهير:
وَما ضَاقتِ الدّنيا على ذي مروءةٍ ... ولا هي مسدودٌ عليهِ رحابها
فقَد بشّرتَني بالسّعادَةِ هِمّتي ... وجاءَ من العلياءِ نحوي كتابها (10)
وقال عبد الجبار بن حمديس:
أدِمِ المروءَةَ والوفاءَ ولا يكنْ ... حبلُ الديانة منك غيرَ متين
والعزّ أبقى ما تراه لمكرم ... إكرامه لمروءةٍ أو دينِ
وقال أبو فراس الحمداني:
الحُرُّ يَصْبِرُ، مَا أطَاقَ تَصَبُّراً ... في كلِّ آونةٍ وكلِّ زمانِ
ويرى مساعدةَ الكرامِ مروءةً ... ما سالمتهُ نوائبُ الحدثانِ
وقال حافظ إبراهيم:
إنّي لتطربني الخلال كريمة ... طرب الغريب بأوبة وتلاقي
وتهزّني ذكرى المروءة والنّدى ... بين الشّمائل هزّة المشتاق
وقال آخر:
مررت على المروءة وهي تبكي ... فقلتُ علامَ تنتحبُ الفتاة؟
فقالَتْ كيف لا أبكي وأهلِي ... جميعاً دونَ خلقِ اللهِ ماتوا ...

(1) ((الآداب الشرعية)) (4/ 235).
(2) ((أدب الدنيا والدين)) (ص338).
(3) ((أدب الدنيا والدين)) (ص233).
(4) ((آداب الصحبة)) (ص99).
(5) ((أدب الدنيا والدين)) (ص329).
(6) ((البديع في نقد الشعر)) (ص199).
(7) ((المروءة وخوارمها)) (ص: 51).
(8) ((المروءة وخوارمها)) (ص: 52).
(9) ((المروءة وخوارمها)) (ص: 52).
(10) ((ديوان بهاء الدين زهير)) (ص: 22).