الأربعاء، 21 نوفمبر 2012

موسوعة الأخلاق الإسلامية : المداراة

المداراة

معنى المداراة لغة واصطلاحاً
معنى المداراة لغة:
قال ابن منظور: (الدرء: الدفع. درأه يدرؤه درءا ودرأة: دفعه. وتدارأ القوم: تدافعوا في الخصومة ونحوها واختلفوا. ودارأت، بالهمز: دافعت، ... وتقول: تدارأتم، أي اختلفتم وتدافعتم. وكذلك ادارأتم، وأصله تدارأتم، فأدغمت التاء في الدال واجتلبت الألف ليصح الابتداء بها ... والمدارأة: المخالفة والمدافعة. يقال: فلان لا يدارئ ولا يماري؛... أي لا يشاغب ولا يخالف، وهو مهموز.
وأما المدارأة في حسن الخلق والمعاشرة فإن ابن الأحمر يقول فيه: إنه يهمز ولا يهمز. يقال: دارأته مدارأة وداريته إذا اتقيته ولاينته. قال أبو منصور: من همز، فمعناه الاتقاء لشره، ومن لم يهمز جعله من دريت بمعنى ختلت) (1).
معنى المداراة اصطلاحاً:
قال ابن بطال: (المداراة: خفض الجناح للناس، ولين الكلام وترك الإغلاظ لهم في القول) (2).
وقال ابن حجر: (المراد به الدفع برفق) (3).
وقال المناوي: (المداراة: الملاينة والملاطفة. وأصلها المخاتلة من دريت الصيد وأدريته ختلته، ومنه الدراية وهو العلم في تكلف وحيلة) (4).

(1) ((لسان العرب)) لابن منظور (1/ 71).
(2) ((فتح الباري)) لابن حجر (10/ 528).
(3) ((فتح الباري)) لابن حجر (10/ 528).
(4) ((التوقيف على مهمات التعاريف)) للمناوي (ص: 301).


،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
الفرق بين المداراة والمداهنة
قال ابن بطال: (المداراة مندوب إليها والمداهنة محرمة والفرق أن المداهنة من الدهان وهو الذي يظهر على الشيء ويستر باطنه وفسرها العلماء بأنها معاشرة الفاسق وإظهار الرضا بما هو فيه من غير إنكار عليه والمداراة هي الرفق بالجاهل في التعليم وبالفاسق في النهي عن فعله وترك الإغلاظ عليه حيث لا يظهر ما هو فيه والإنكار عليه بلطف القول والفعل ولا سيما إذا احتيج إلى تألفه ونحو ذلك) (1).
وقال القرطبي في الفرق بينهما: (أن المداراة بذل الدنيا لصلاح الدنيا أو الدين أو هما معا وهي مباحة وربما استحبت والمداهنة ترك الدين لصلاح الدنيا) (2).
وقال الغزالي: (الفرق بين المداراة والمداهنة بالغرض الباعث على الإغضاء؛ فإن أغضيت لسلامة دينك ولما ترى من إصلاح أخيك بالإغضاء فأنت مدار وإن أغضيت لحظ نفسك واجتلاب شهواتك وسلامة جاهك فأنت مداهن) (3).

(1) ((فتح الباري)) لابن حجر (10/ 528).
(2) ((فتح الباري)) لابن حجر (10/ 454).
(3) ((إحياء علوم الدين)) للغزالي (2/ 182).

،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
الحث على المداراة في القرآن والسنة
الحث على المداراة من القرآن الكريم:
- قال تعالى: وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا إِذْ قَالَ لأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا قَالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا [41 - 47].
قال السعدي: (وفي هذا من لطف الخطاب ولينه، ما لا يخفى، فإنه لم يقل: (يا أبت أنا عالم، وأنت جاهل) أو (ليس عندك من العلم شيء) وإنما أتى بصيغة تقتضي أن عندي وعندك علما، وأن الذي وصل إلي لم يصل إليك ولم يأتك، فينبغي لك أن تتبع الحجة وتنقاد لها) (1).
- وقوله تعالى: وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [لقمان: 14 - 15].
- وقال سبحانه: اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى قَالا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن يَطْغَى قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى فَأْتِيَاهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكَ وَالسَّلامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى [طه: 43 - 47].
قال ابن كثير: (هذه الآية فيها عبرة عظيمة، وهو أن فرعون في غاية العتو والاستكبار، وموسى صفوة الله من خلقه إذ ذاك، ومع هذا أمر ألا يخاطب فرعون إلا بالملاطفة واللين) (2).
الحث على المداراة من السنة النبوية:
- عن عروة بن الزبير أن عائشة أخبرته أنه استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقال صلى الله عليه وسلم: ((ائذنوا له، فبئس ابن العشيرة أو بئس أخو العشيرة. فلما دخل ألان له الكلام. فقلت له: يا رسول الله، قلت ما قلت، ثم ألنت له في القول. فقال: أي عائشة، إن شر الناس منزلة عند الله من تركه أو ودعه الناس اتقاء فحشه)) (3). (أي لأجل قبح فعله وقوله أو لأجل اتقاء فحشه أي مجاوزة الحد الشرعي قولا أو فعلا وهذا أصل في ندب المداراة إذا ترتب عليها دفع ضر أو جلب نفع بخلاف المداهنة فحرام مطلقا إذ هي بذل الدين لصلاح الدنيا والمداراة بذل الدنيا لصلاح دين أو دنيا بنحو رفق بجاهل في تعليم وبفاسق في نهي عن منكر وتركه إغلاظ وتألف ونحوها مطلوبة محبوبة إن ترتب عليها نفع فإن لم يترتب عليها نفع بأن لم يتق شره بها كما هو معروف في بعض الأنام فلا تشرع) (4).

(1) ((تيسير الكريم الرحمن)) للسعدي (ص 494).
(2) ((تفسير القرآن العظيم)) لابن كثير (5/ 294).
(3) رواه البخاري (6054)، ومسلم (2591).
(4) ((فيض القدير)) للمناوي (2/ 454).


،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
وعن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مداراة الناس صدقة)) (1).
- وقال صلى الله عليه وسلم: ((استوصوا بالنساء خيرا، فإنهن خلقن من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيرا)) (2).
قال ابن حجر: (وفي الحديث الندب إلى المداراة لاستمالة النفوس وتألف القلوب وفيه سياسة النساء بأخذ العفو منهن والصبر على عوجهن وأن من رام تقويمهن فإنه الانتفاع بهن مع أنه لا غنى للإنسان عن امرأة يسكن إليها ويستعين بها على معاشه فكأنه قال الاستمتاع بها لا يتم إلا بالصبر عليها) (3).
- وعن هاني بن يزيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن موجبات المغفرة بذل السلام وحسن الكلام)) (4).
قال المناوي: (أي إلانة القول للإخوان واستعطافهم على منهج المداراة لا على طريق المداهنة والبهتان) (5).
- وقال صلى الله عليه وسلم: ((يا أيها الناس اتقوا الله، وإن أُمِّر عليكم عبد حبشي مجدع فاسمعوا له، وأطيعوا ما أقام لكم كتاب الله)) (6).
قال المباركفوري: (فيه حث على المداراة والموافقة مع الولاة وعلى التحرز عما يثير الفتنة ويؤدي إلى اختلاف الكلمة) (7).

(1) رواه ابن حبان (2/ 216) (471)، والطبراني في ((المعجم الأوسط)) (1/ 146) (463)، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (6/ 343) (8445). قال ابن عدي في ((الكامل في الضعفاء)) (4/ 484): [فيه] يوسف بن محمد بن المنكدر أرجو أنه لا بأس به، وقال الخليلي في ((الإرشاد)) (1/ 311): غريب، وقال ابن القيسراني في ((ذخيرة الحفاظ)) (4/ 2153): [من طرق في كل منها كذاب أو متروك أو سراق]، وقال الذهبي في ((ميزان الاعتدال)) (4/ 472): [فيه] يوسف بن محمد بن المنكدر قال النسائي: متروك الحديث وقال أبو زرعة: صالح الحديث، وحسنه ابن مفلح في ((الآداب الشرعية)) (3/ 451)، وقال الهيثمي (8/ 17): فيه يوسف بن محمد بن المنكدر وهو متروك، وقال ابن حجر في ((لسان الميزان)) (8/ 71): [فيه المسيب بن واضح ذكر من جرحه]، وصححه السيوطي في ((الجامع الصغير)) (8170)، وقال محمد الغزي في ((إتقان ما يحسن)) (2/ 526): إسناده جيد، وضعفه الألباني في ((ضعيف الجامع)) (5255).
(2) رواه البخاري (5186)، ومسلم (1468).
(3) ((فتح الباري)) لابن حجر (9/ 253).
(4) رواه الطبراني (22/ 180) (469). قال العراقي في ((تخريج الإحياء)) (2/ 246): إسناده جيد، وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (8/ 32): فيه أبو عبيدة بن عبد الله الأشجعي روى عنه أحمد بن حنبل وغيره ولم يضعفه أحد وبقية رجاله رجال الصحيح، وحسنه السيوطي في ((الجامع الصغير)) (2499)، وقال السفاريني الحنبلي في ((شرح كتاب الشهاب)) (510): إسناده حسن، وصححه الألباني في ((صحيح الجامع)) (2232).
(5) ((فيض القدير)) للمناوي (2/ 454).
(6) رواه الترمذي (1706)، وابن ماجه (2328)، وأحمد (6/ 402) (27301)، والحاكم (4/ 206). من حديث أم الحصين الأسلمية رضي الله عنها. قال الترمذي: حسن صحيح، وقال الحاكم: صحيح الإسناد،
(7) ((تحفة الأحوذي)) للمباركفوري (5/ 297).

،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
أقوال السلف والعلماء في المداراة
- عن أبي الدرداء، قال: (إنا لنكشر في وجوه أقوام ونضحك إليهم، وإن قلوبنا لتلعنهم) (1).
- وعنه أيضاً رضي الله عنه قال لزوجته: (إذا غضبت فرضيني، وإذا غضبت رضيتك فإذا لم نكن هكذا ما أسرع ما نفترق) (2).
- وقال معاوية رضي الله عنه: (لو أن بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت، قيل: وكيف؟ قال: لأنهم إن مدوها خليتها، وإن خلوا مددتها) (3).
- وعن عمر بن الخطاب قال: (خالطوا الناس بالأخلاق وزايلوهم بالأعمال) (4).
- وقال عبد الله بن مسعود: (خالط الناس وزايلهم ودينك لا تكلمنه) (5).
- وعن محمد بن الحنفية، قال: (ليس بحليم من لم يعاشر بالمعروف من لا يجد من معاشرته بدا، حتى يجعل الله له فرجا، أو قال: مخرجا) (6).
- وقال الحسن البصري: (كانوا يقولون: المداراة نصف العقل، وأنا أقول هي العقل كله) (7).
- وعنه أيضاً: (المؤمن يداري ولا يماري , ينشر حكمة الله , فإن قبلت حمد الله , وإن ردت حمد الله) (8).
- وعن يحيى بن سعيد، قال: قال لي نصر بن يحيى بن أبي كثير: (من عاشر الناس داراهم ومن داراهم راياهم) (9).
- وعن يونس، قال: بلغني عن ابن عباس، أنه كان يقول: (النساء عورة خلقن من ضعف، فاستروا عوراتهن بالبيوت وداروا ضعفهن بالسكوت) (10).
- وقال أبو يوسف: (خمسة تجب على الناس مداراتهم الملك المسلط والقاضي المتأول والمريض والمرأة والعالم ليقتبس من علمه) (11).
- وعن وهيب بن الورد قال: (قلت لوهب بن منبه: إني أريد أن أعتزل الناس، فقال لي: لا بد لك من الناس وللناس منك؛ لك إليهم حوائج، ولهم إليك حوائج، ولكن كن فيهم أصما سميعا أعمى بصيرا سكوتا نطوقا) (12).
- (وقال أبو حاتم رضي الله عنه الواجب على العاقل أن يلزم المداراة مع من دفع إليه في العشرة من غير مقارفة المداهنة إذ المداراة من المداري صدقة له والمداهنة من المداهن تكون خطيئة عليه والفصل بين المداراة والمداهنة هو أن يجعل المرء وقته في الرياضة لإصلاح الوقت الذي هو له مقيم بلزوم المداراة من غير ثلم في الدين من جهة من الجهات فمتى ما تخلق المرء بخلق شابه بعض ما كره الله منه في تخلقه فهذا هو المداهنة لأن عاقبتها تصير إلى قل ويلازم المداراة لأنها تدعو إلى صلاح أحواله) (13).
- قال محمد بن السماك: (من عرف الناس داراهم، ومن جهلهم ماراهم، ورأس المداراة ترك المماراة) (14).
- قال أبو بكر الطرطوشي: (المداراة أن تداري الناس على وجه يسلم لك دينك) (15).

(1) رواه البخاري معلقاً بصيغة التضعيف قبل حديث (6131)، ووصله أبو نعيم في ((حلية الأولياء)) (1/ 222)، البيهقي في ((شعب الإيمان)) (6/ 266) (8103)، وابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (47/ 192). قال ابن حجر في ((تغليق التعليق)) (5/ 103): فيه انقطاع ومن طريق آخر إسناده ضعيف [وروي] من وجه آخر.
(2) رواه ابن حبان في ((روضة العقلاء)) (ص72)، وابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (70/ 151).
(3) رواه ابن حبان في ((روضة العقلاء)) (ص72).
(4) ((مداراة الناس)) لابن أبي الدنيا (ص 37).
(5) ((العزلة)) للخطابي (ص 99).
(6) ((مداراة الناس)) لابن أبي الدنيا (ص 36).
(7) ((الآداب الشرعية)) لابن مفلح (3/ 468).
(8) ((أخلاق العلماء)) للآجري (ص58).
(9) ((مداراة الناس)) لابن أبي الدنيا (ص 109).
(10) ((مداراة الناس)) لابن أبي الدنيا (ص 140).
(11) ((الآداب الشرعية)) لابن مفلح (3/ 477).
(12) ((العزلة)) للخطابي (ص 98).
(13) ((روضة العقلاء)) لابن حبان البستي (ص 70).
(14) ((شعب الإيمان)) للبيهقي (11/ 36).
(15) ((سراج الملوك)) لأبي بكر الطرطوشي (11/ 36).


،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
فوائد المداراة
1 - المداراة تزرع الألفة والمودة.
2 - المداراة تجمع بين القلوب المتنافرة.
3 - المداراة تطفئ العداوة بين الناس.
4 - المداراة من صفات المؤمن والمداهنة من صفات المنافق (1).
5 - علامة على حسن الخلق (2).
6 - من عوامل إنجاح الدعوة إلى الله.
إما بهداية من يداريه الداعية أو بكفاية شره وفتح مجالات أوسع للدعوة.
7 - تحقيق السعادة الزوجية (3).
8 - تحقيق السلامة والأمن والطمأنينة للنفس (4).
9 - العصمة من شر الأعداء (5).
قال ابن الجوزي: (من البله أن تبادر عدوا أو حسودا بالمخاصمة؛ وإنما ينبغي إن عرفت حاله أن تظهر له ما يوجب السلامة بينكما، إن اعتذر قبلت، وإن أخذ في الخصومة صفحت، وأريته أن الأمر قريب، ثم تبطن الحذر منه، فلا تثق به في حال، وتتجافاه باطنا، مع إظهار المخالطة في الظاهر) (6).

(1) ((الروح)) لابن القيم (ص: 231).
(2) انظر: ((سراج الملوك)) لأبي بكر الطرطوشي (1/ 146).
(3) انظر: ((شرح صحيح البخاري)) لابن بطال (7/ 295).
(4) انظر: ((سراج الملوك)) لأبي بكر الطرطوشي (1/ 148).
(5) انظر: ((أدب الدين والدنيا)) للماوردي (ص: 182).
(6) ((صيد الخاطر)) لابن الجوزي (ص: 351).

،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
صور المدارة
صفة المداراة ليست صفة دائمة إنما يحتاج إليها في التعامل مع بعض الأشخاص والمواقف والأوقات ومن ذلك.
1 - صيانة النفس من أهل الفجور والشرور:
فقد قال صلى الله عليه وسلم: ((إن شر الناس منزلة عند الله من تركه أو ودعه الناس اتقاء فحشه)) (1). وهذا فيما لابد من مخالطته.
2 - في تعامل الإمام مع الرعية:
قالت أم المؤمنين عائشة أخبرته أنه استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقال صلى الله عليه وسلم: ((ائذنوا له، فبئس ابن العشيرة أو بئس أخو العشيرة. فلما دخل ألان له الكلام. فقلت له: يا رسول الله، قلت ما قلت، ثم ألنت له في القول. فقال: أي عائشة، إن شر الناس منزلة عند الله من تركه أو ودعه الناس اتقاء فحشه)) (2).
فليس كل الرعية على نمط واحد، من حسن الخلق والمعشر، إنما الناس يختلفون فيحتاج الإمام للمداراة، وهذا يكون من الإمام جمعا للأمة ورأفة بها وإرشادا للضال وتعليما للجاهل لاسيما إن كان هؤلاء من أهل الرياسات والأتباع فيداري الإمام مراعاة لمصلحة الأمة كلها (3).
3 - الخوف من الكفار والعجز عن مقاومتهم:
قال تعالى: لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً [آل عمران: 28].
قال الشنقيطي: (هذه الآية الكريمة فيها بيان لكل الآيات القاضية بمنع موالاة الكفار مطلقا وإيضاح ; لأن محل ذلك في حالة الاختيار، وأما عند الخوف والتقية، فيرخص في موالاتهم، بقدر المداراة التي يكتفي بها شرهم، ويشترط في ذلك سلامة الباطن من تلك الموالاة) (4).
4 - في دعوة الناس والسلطان (5):
قال تعالى: اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى [طه: 43 - 44].
فغالب حال هؤلاء الكبر والأنفة من قبول النصح المباشر أو الغلظة في الخطاب لما يرى لنفسه من عز وسلطان فالأولى في حقه المداراة واللين وهي الرفق به في الخطاب حتى يرجع إلى الحق أو يكفي شره دون تنازل عن ثوابت الدين فهناك فرق بين التدرج في الدعوة وبين التنازل عن ثوابت الدين (6).
5 - المداراة مع الوالدين:
قال تعالى: وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [العنكبوت: 15].
6 - المداراة مع الزوجة محافظة على الحياة الزوجية:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((المرأة كالضلع، إن أقمتها كسرتها، وإن استمتعت بها استمتعت بها وفيها عوج)) (7).
7 - المداراة مع النفس:
بحملها على الطاعة بذكر نعيم الجنة وكفها عن المعصية بذكر عذاب النار.
قال ابن الجوزي: (ومن فهم هذا الأصل، علل النفس، وتلطف بها، ووعدها الجميل، لتصبر على ما قد حملت، كما كان بعض السلف يقول لنفسه: والله، ما أريد بمنعك من هذا الذي تحبين إلا الإشفاق عليك ... واعلم أن مداراة النفس والتلطف بها لازم، وبذلك ينقطع الطريق) (8).

(1) رواه البخاري (6131)، ومسلم (2591) من حديث عائشة رضي الله عنها.
(2) رواه البخاري (6131)، ومسلم (2591) من حديث عائشة رضي الله عنها.
(3) ((بدائع السلك في طبائع الملك)) لابن الأزرق (2/ 16).
(4) ((أضواء البيان)) للشنقيطي (1/ 413).
(5) ((بدائع السلك في طبائع الملك)) لابن الأزرق (1/ 326).
(6) ((الروح)) لابن القيم (ص: 231).
(7) رواه البخاري (5184)، ومسلم (1468). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(8) ((صيد الخاطر)) لابن الجوزي (ص: 114).


،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
موانع اكتساب المداراة
1 - العجلة والطيش وسرعة الغضب والانتصار للنفس.
هذه الأمور كلها تفقد الإنسان التأني والتفكر في أفضل الطرق للتعامل مع الشخص أو الموقف بالاعتماد في ذلك على قاعدة مراعاة المصالح ودرء المفاسد.
2 - عدم تفهم الواقع وطبائع الناس.
3 - سوء الخلق وغلظة القلب.
4 - الكبر وضعف إرادة الخير للناس.
5 - قلة الصبر والحلم والرفق.
6 - العزلة عن الناس.
فالمداراة إنما يحتاجها من يخالط الناس لا من يعتزلهم.

الوسائل المعينة على اكتساب صفة المداراة
1. التحلي بخلق الصبر:
قال ابن تيمية: (المؤمن مشروع له مع القدرة أن يقيم دين الله بحسب الإمكان بالمحاربة وغيرها ومع العجز يمسك عما عجز عنه من الانتصار ويصبر على ما يصيبه من البلاء من غير منافقة، بل يشرع له من المداراة ومن التكلم بما يكره عليه ما جعل الله له فرجا ومخرجا) (1).
2. النظر للمصالح المترتبة على المداراة (2).
3. التحلي بخلق الرفق والرحمة.
فإن المداراة قائمة على الرفق لتحقيق المراد من صلاح معوج أو كفاية شر عدو ونحوه (3).
4. فهم الواقع ومعرفة طبائع الناس.
قال ابن الجوزي: (لينظر المالك في طبع المملوك، فمنهم: من لا يأتي إلا على الإكرام، فليكرمه، فإنه يربح محبته. ومنهم: من لا يأتي إلا على الإهانة، فليداره، وليعرض عن الذنوب؛ فإن لم يكن، عاتب بلطف، وليحذر العقوبة ما أمكن. وليجعل للمماليك زمن راحة. والعجب من يعني بدابته، وينسى مداراة جاريته) (4).
قال بشر بن الحارث: (من عرف الناس استراح) (5).
5. احتساب الأجر في دعوة الخلق:
من يتصدر لدعوة العصاة وأهل الشرور والكفر لابد أن يناله منهم أذى مما قد يدفع الداعية لترك دعوتهم لذا فاحتساب الداعية للأجر عند الله في مداراته لأهل الكفر والفجور والتحبب لهم من غير إقرار بمعصية أملا في هدايتهم مما يعين الداعية على تحمل الأذى.
6. تقديم ترك الانتصار للنفس في حال القدرة وحفظ النفس في حال العجز:
في الحالة الأولى استبقاءا ً للود والمسير قدما في الإصلاح وفي الحالة الثانية عصمة النفس ودفع الشرور.
قصص في المداراة:
- عن المسور بن مخرمة، قال: ((قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبية ولم يعط مخرمة شيئا، فقال مخرمة: يا بني انطلق بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانطلقت معه، فقال: ادخل فادعه لي، قال: فدعوته له، فخرج إليه وعليه قباء منها، فقال: خبأت هذا لك قال: فنظر إليه، فقال: رضي مخرمة)) (6).
- وشكا رجل إلى مخلد بن الحسين رجلا من أهل الكوفة فقال: (أين أنت عن المداراة , فإني أداري حتى أدارى، هذه جارية حبشية تغربل شعير الفرس له , ثم قال: ما تكلمت بكلمة أريد أن أعتذر منها منذ خمسين سنة) (7).
- وقال ابن الأزرق – كان -: (الأمير شمس المعالي كان من محاسن الدنيا وبهجتها غير أنه كان شديد السطوة وما زال على هذا الخلق حتى استوحشت النفوس منه وانقلبت القلوب عنه فأجمع أعيان عسكره على خلعه ونزع الأيدي عن طاعته فوافق هذا التدبير منهم غيبته عن جرمان بلده فلم يشعر بذلك ولم يخبر حتى قصدوه وأرادوا القبض عليه فحامى عنه بعض من كان في صحبته من خواصه فنهبوا فيله وأمواله ورجعوا إلى جرجان فملكوها وبعثوا إلى ولده أبي منصور وقهروه على الوصول إليهم لعقد البيعة له فأسرع في الحضور فلما وصل إليهم أجمعوا على طاعته وخلع أبيه فلم يسعه في تلك الحال إلا المداراة والإجابة خوفا على خروج الملك عن بيتهم ولما رأى الأمير شمس المعالي تلك الحال توجه إلى ناحية بسطام بمن معه من الخواص لينظر ما يستقر عليه الأمر فلما سمع الخارجون عليه انحيازه إلى تلك الجهة حملوا ولده متوجهين قصده وإزعاجه عن مكانه فسار معهم مضطرا فلما وصل إلى أبيه اجتمع به وتباكيا وتشاكيا وغرض الولد أن يكون حجابا بينه وبين أعدائه ولو ذهبت نفسه فيه ورأى الوالد أن ذلك لا يجدي وأنه أحق بالملك من بعده فسلم المملكة) (8).
- قال ابن الجوزي: (كنت قد رزقت قلبا طيبا، ومناجاة خلو، فأحضرني بعض أرباب المناصب إلى طعامه، فما أمكن خلافه، فتناولت، وأكلت منه؛ فلقيت الشدائد، ورأيت العقوبة في الحال، واستمرت مدة، وغضبت على قلبي، وفقدت كل ما كنت أجده، فقلت: وا عجبا! لقد كنت في هذا كالمكره فتفكرت، وإذا به قد يمكن مداراة الأمر بلقيمات يسيرة؛ وإنما التأويل جعل تناول هذا الطعام بشهوة أكثر مما يدفع بالمداراة، فقالت النفس: ومن أين لي أن عين هذا الطعام حرام؟! فقالت اليقظة: وأين الورع عن الشبهات؟! فلما تناولت بالتأويل لقمة، واستجلبتها بالطبع، لقيت الأمرين بفقد القلب: فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ) (9).


(1) ((الفتاوى الكبرى)) لابن تيمية (6/ 528).
(2) انظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (10/ 453).
(3) انظر: ((مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح))، للملا علي القاري (7/ 2941)
(4) ((صيد الخاطر)) لابن الجوزي (ص 256).
(5) ((قوت القلوب)) لأبي طالب المكي (2/ 239)
(6) رواه البخاري (5800)، ومسلم (1058).
(7) ((حلية الأولياء)) لأبي نعيم (8/ 266)
(8) ((بدائع السلك في طبائع الملك))، لابن الأزرق (1/ 457).
(9) ((صيد الخاطر)) لابن الجوزي (ص 410 - 411)
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،الشعر في المداراة ..
قال الشافعي:
وداريت كل الناس لكن حاسدي ... مداراته عزت وعز منالها
وكيف يداري المرء حاسد نعمة ... إذا كان لا يرضيه إلا زوالها؟ (1)
وقال أحمد الخطابي:
ما دمت حيا فدار الناس كلهم ... فإنما أنت في دار المداراة
من يدر دارى ومن لم يدر سوف يرى ... عما قليل نديماً للندامات (2)
وقال القاضي التنوخي:
الق العدو بوجه لا قطوب به ... يكاد يقطر من ماء البشاشات
فأحزم الناس من يلقى أعاديه ... في جسم حقد وثوب من مودات
الرفق يمن وخير القول أصدقه ... وكثرة المزح مفتاح العداوات (3)
وقال زهير:
ومن لم يصانع في أمور كثيرة ... يضرس بأنياب ويوطأ بمنسم (4)
وقال النمر بن تولب:
وأبغض بغيضك بغضا رويدا ... إذا أنت حاولت أن تحكما
وأحبب حبيبك حبا رويدا ... فليس يعولك أن تصرما (5)
وقال علي بن محمد البسامي:
دار من الناس ملالاتهم ... من لم يدار الناس ملوه
ومكرم الناس حبيب لهم ... من أكرم الناس أحبوه (6)
وقال آخر:
تجنب صديق السوء واصرم حباله ... وإن لم تجد عنه محيصا فداره
وأحبب حبيب الصدق واحذر مراءه ... تنل منه صفو الود ما لم تماره (7)
وقال عبد الله السابوري:
من لم يكن لعيشه مداريا ... عاداه من كان له مواليا
ولا غنى للفاضل الكبير ... عن المداراة ولا الصغير
يستجلب النفع بها الحكيم ... ويدرك الحظ بها المحروم
من وارب الناس يخاتلوه ... ومن يصانعهم يجاملوه (8)
قال الشاعر:
وإذا عجزت عن العدو فداره ... وامزح له إن المزاح وفاق
فالنار بالماء الذي هو ضدها ... تعطي النضاج وطبعها الإحراق (9) ...


(1) ((مجمع الحكم والأمثال)) لأحمد قبش (ص 148).
(2) ((الآداب الشرعية)) لابن مفلح (1/ 54).
(3) ((أدب الدنيا والدين)) للماوردي (ص 182).
(4) ((الآداب الشرعية)) لابن مفلح (1/ 54).
(5) ((الآداب الشرعية)) لابن مفلح (1/ 53).
(6) ((روضة العقلاء)) لابن حبان البستي (ص 70).
(7) ((روضة العقلاء)) لابن حبان البستي (ص 72).
(8) ((مجمع الحكم والأمثال)) لأحمد قبش (ص 148).
(9) ((أدب الدين والدنيا)) للماوردي (1/ 182).