الثلاثاء، 20 نوفمبر 2012

موسوعة الأخلاق الإسلامية : المحبة

المحبة

معنى المحبة لغة واصطلاحاً
معنى المحبة لغة:
تدل على اللُّزُومُ وَالثَّبَاتُ، والحُبُّ: نَقِيضُ البُغْضِ. والحُبُّ: الودادُ والمَحَبَّةُ، وَكَذَلِكَ الحِبُّ بِالْكَسْرِ (1). وَتقول: أحبَبْتُ الشَّيْء فَأنا مُحِبٌّ وَهو مُحَبٌّ (2).
معنى المحبة اصطلاحاً:
(الْمحبَّة: الْميل إِلَى الشَّيْء السار) (3).
وقال الراغب: (المحبة: ميل النفس إلى ما تراه وتظنه خيرًا) (4).
وقال الهروي: (الْمحبَّة: تعلق الْقلب بَين الهمة والأنس فِي الْبَذْل وَالْمَنْع على الْإِفْرَاد) (5).
الكلمات المترادفة للمحبة:
للمحبة مرادفات كثيرة ذكرها أهل العلم تزيد على ستين اسماً؛ نذكر منها:
(المحبة، والعلاقة، والهوى، والصبوة، والصبابة، والشغف، والمقة، والوجد، والكلف، والتتيم، والعشق، والجوى، والدنف، والشجو، والشوق، والخلابة، والبلابل، والتباريح، والسدم، والغمرات، والوهل، والشجن، واللاعج، والاكتئاب، والوصب، والحزن، والكمد، واللذع، والحرق، والسهد، والأرق، واللهف، والحنين، والاستكانة، والتبالة، واللوعة، والفتون، والجنون، واللمم، والخبل، والرسيس، والداء المخامر، والود، والخلة، والخلم، والغرام، والهيام، والتدليه، والوله، والتعبد) (6).

(1) ((لسان العرب)) لابن منظور (1/ 290).
(2) ((تهذيب اللغة)) لأبي منصور الهروي (4/ 8).
(3) ((المعجم الوسيط)) لإبراهيم مصطفى وآخرون (ص151).
(4) ((الذريعة إلى مكارم الشريعة)) للراغب الأصفهاني (ص256).
(5) ((منازل السائرين)) للهروي (ص88).
(6) ((روضة المحبين)) لابن قيم الجوزية (ص16).

،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
الفرق بين المحبة وبعض الصفات
الفرق بين الإِرادة والمحبة:
(أَن الْمحبَّة تجْرِي على الشَّيْء وَيكون المُرَاد بِهِ غَيره، وَلَيْسَ كَذَلِك الإرادة، تَقول: أَحْبَبْت زيداً وَالْمرَاد أَنَّك تحب إكرامه ونفعه، وَلَا يُقَال: أردْت زيداً بِهَذَا الْمَعْنى، وَتقول: أحب الله أَي أحب طَاعَته، وَلَا يُقَال أريده بِهَذَا الْمَعْنى، فَجعل الْمحبَّة لطاعة الله محبَّة لَهُ، كَمَا جعل الْخَوْف من عقابه خوفًا مِنْهُ، وَتقول: الله يحب الْمُؤمنِينَ بِمَعْنى أَنه يريد إكرامهم وإثابتهم، وَلَا يُقَال: إنه يريدهم بِهَذَا الْمَعْنى، وَلِهَذَا قَالُوا: إِن الْمحبَّة تكون ثَوابًا وَولَايَة وَلَا تكون الْإِرَادَة كَذَلِك، ولقولهم: أحب زيداً مزية على قَوْلهم: أُرِيد لَهُ الْخَيْر، وَذَلِكَ أَنه إِذا قَالَ أُرِيد لَهُ الْخَيْر لم يبين أَنه لَا يُرِيد لَهُ شَيْئا من السوء، وَإِذا قَالَ أُرِيد لَهُ الْخَيْر لم يبين أَنه لَا يُرِيد لَهُ شَيْئا من السوء، وَإِذا قَالَ أحبه أبان أَنه لَا يُرِيد لَهُ سوءاً أصلاً، وَكَذَلِكَ إذا قَالَ: أكره لَهُ الْخَيْر لم يبين أَنه لَا يُرِيد لَهُ الخير البته، وَإِذا قَالَ: أبغضه، أبان أَنه لَا يُرِيد لَهُ خيراً البته.
والمحبة أَيْضا تجْرِي مجْرى الشَّهْوَة؛ فَيُقَال: فلَان يحب اللَّحْم، أَي: يشتهيه، وَتقول: أكلت طَعَاماً لا أحبه أَي لَا أشتهيه، وَمَعَ هَذَا فَإِن الْمحبَّة هِيَ الْإِرَادَة) (1).
الفرق بين المحبة والشهوة:
(الشَّهْوَة توقان النَّفس وميل الطباع إِلَى المشتهى وَلَيْسَت من قبيل الْإِرَادَة، والمحبة من قبيل الْإِرَادَة. ونقيضها البغضة، ونقيض الْحبّ البغض، والشهوة تتَعَلَّق بالملاذ فَقَط، والمحبة تتَعَلَّق بالملاذ وَغَيرهَا) (2).
الفرق بين المحبة والصداقة:
(أَن الصَّدَاقَة قُوَّة الْمَوَدَّة مأخوذة من الشَّيْء الصدْق وَهُوَ الصلب الْقوي، وَقَالَ أَبُو عَليّ رَحمَه الله: الصَّدَاقَة اتفاق الْقُلُوب على الْمَوَدَّة، وَلِهَذَا لَا يُقَال: إِن الله صديق الْمُؤمن كَمَا يُقَال إِنَّه حَبِيبه وخليله) (3).
الفرق بين الحب والود:
(أَن الْحبّ يكون فِي مَا يُوجِبهُ ميل الطباع وَالحكمَة جَمِيعًا، والود ميل الطباع فَقَط، أَلا ترى أَنَّك تَقول: أحب فلَاناً وأوده وَتقول: أحب الصَّلَاة، وَلَا تَقول: أود الصَّلَاة، وَتقول: أود أَن ذلك كَانَ لي، إِذا تمنيت وداده، وأود الرجل وداً ومودة، والود الوديد، مثل الْحبّ وَهُوَ الحبيب) (4).
الْفرق بَين الْمحبَّة والعشق:
(أَن الْعِشْق شدَّة الشَّهْوَة لنيل المُرَاد من المعشوق إِذا كَانَ إِنْسَان والعزم على مواقعته عِنْد التَّمَكُّن مِنْهُ وَلم كَانَ الْعِشْق مفارقا للشهوة لجَاز أَن يكون العاشق خَالِيا من أَن يَشْتَهِي النّيل مِمَّن يعشقه إِلَّا أَنه شَهْوَة مَخْصُوصَة لَا تفارق موضعهَا وَهِي شَهْوَة الرجل للنيل مِمَّن يعشقه وَلَا تسمى شَهْوَته لشرب الْخمر وَأكل الطّيب عشقا والعشق أَيْضا هُوَ الشَّهْوَة الَّتِي إِذا أفرطت وَامْتنع نيل مَا يتَعَلَّق بهَا قتلت بها صَاحبهَا وَلَا يقتل من الشَّهَوَات غَيرهَا أَلا ترى أَن أحدا لم يمت من شَهْوَة الْخمر وَالطَّعَام وَالطّيب وَلَا من محبَّة دَاره أَو مَاله وَمَات خلق كثير من شَهْوَة الْخلْوَة مَعَ المعشوق والنيل مِنْهُ) (5).

(1) ((الفروق اللغوية)) لأبي هلال العسكري (1/ 121).
(2) ((الفروق اللغوية)) لأبي هلال العسكري (1/ 121).
(3) ((الفروق اللغوية)) لأبي هلال العسكري (1/ 121).
(4) ((الفروق اللغوية)) لأبي هلال العسكري (1/ 122).
(5) ((الفروق اللغوية)) لأبي هلال العسكري (1/ 122).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،فضل المحبة ومنزلتها
قال الرّاغب: - المحبّة والعدل من أسباب نظام أمور النّاس- (ولو تحابّ النّاس، وتعاملوا بالمحبّة لاستغنوا بها عن العدل، فقد قيل: العدل خليفة المحبّة يستعمل حيث لا توجد المحبّة، ولذلك عظّم الله تعالى المنّة بإيقاع المحبّة بين أهل الملّة، فقال عزّ من قائل: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا أي محبّة في القلوب، تنبيها على أنّ ذلك أجلب للعقائد، وهي أفضل من المهابة لأنّ المهابة تنفّر، والمحبّة تؤلّف، وقد قيل: طاعة المحبّة أفضل من طاعة الرّهبة، لأنّ طاعة المحبّة من داخل، وطاعة الرّهبة من خارج، وهي تزول بزوال سببها، وكلّ قوم إذا تحابّوا تواصلوا وإذا تواصلوا تعاونوا، وإذا تعاونوا عملوا، وإذا عملوا عمّروا، وإذا عمّروا عمّروا وبورك لهم) (1).
وقال ابن القيّم- رحمه الله تعالى-: (هي المنزلة الّتي فيها تنافس المتنافسون، وإليها شخص العاملون، وإلى علمها شمّر السّابقون، وعليها تفانى المحبّون، وبروح نسيمها تروّح العابدون، فهي قوت القلوب، وغذاء الأرواح، وقرّة العيون، وهي الحياة الّتي من حرمها فهو من جملة الأموات، والنّور الّذي من فقده فهو في بحار الظّلمات، والشّفاء الّذي من عدمه حلّت بقلبه جميع الأسقام، واللّذّة الّتي من لم يظفر بها فعيشه كلّه هموم وآلام.
وهي روح الإيمان والأعمال، والمقامات والأحوال التي متى خلت منها فهي كالجسد الذي لا روح فيه. تحمل أثقال السائرين إلى بلاد لم يكونوا إلا بشق الأنفس بالغيها. وتوصلهم إلى منازل لم يكونوا بدونها أبدا واصليها. وتبوؤهم من مقاعد الصدق مقامات لم يكونوا لولاها داخليها. وهي مطايا القوم التي مسراهم على ظهورها دائما إلى الحبيب. وطريقهم الأقوم الذي يبلغهم إلى منازلهم الأولى من قريب) (2).
وقال الجاحظ: (ينبغي لمحبّ الكمال أن يعوّد نفسه محبّة النّاس، والتّودّد إليهم، والتّحنّن عليهم، والرّأفة والرّحمة لهم، فإنّ النّاس قبيل واحد متناسبون تجمعهم الإنسانيّة، وحلية القوّة الإلهيّة هي في جميعهم، وفي كلّ واحد منهم، وهي قوّة العقل، وبهذه النّفس صار الإنسان إنسانا. وإذا كانت نفوس النّاس واحدة، والمودّة إنّما تكون بالنّفس، فواجب أن يكونوا كلّهم متحابّين متوادّين، وذلك في النّاس طبيعة، لو لم تقدهم الأهواء الّتي تحبّب لصاحبها التّرؤّس فتقوده إلى الكبر والإعجاب والتّسلّط على المستضعف، واستصغار الفقير وحسد الغنيّ وبغض ذي الفضل، فتسبّب من أجل هذه الأسباب العداوات، وتتأكّد البغضاء بينهم.
فإذا ضبط الإنسان نفسه الغضبيّة، وانقاد لنفسه العاقلة، صار النّاس كلّهم له إخوانا وأحبابا، وإذا أعمل الإنسان فكره رأى أنّ ذلك واجب، لأنّ النّاس إمّا أن يكونوا فضلاء أو نقصاء، فالفضلاء يجب عليهم محبّتهم لموضع فضلهم، والنّقصاء يجب عليهم رحمتهم لأجل نقصهم فيحقّ لمحبّ الكمال أن يكون رحيما لجميع النّاس، متحنّنا عليهم رءوفا بهم، وبخاصّة الملك والرّئيس، فإنّ الملك ليس يكون ملكا ما لم يكن محبا لرعيّته رءوفا بهم، وذلك أنّ الملك ورعيّته بمنزلة ربّ الدّار وأهل داره، وما أقبح ربّ الدّار أن يبغض أهل داره، فلا يتحنّن عليهم، ولا يحبّ مصالحهم) (3).

(1) ((الذريعة إلى مكارم الشريعة)) للراغب الأصفهاني (ص 257).
(2) ((مدارج السالكين)) لابن قيم الجوزية (3/ 9).
(3) ((تهذيب الأخلاق)) للجاحظ (ص55 - 56).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،الترغيب والحث على المحبة في القرآن والسنة
الترغيب والحث على المحبة من القرآن الكريم:
- قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا [مريم: 96].
(َقَالَ قَتَادَةُ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ كَعْبًا كَانَ يَقُولُ: إِنَّمَا تَأْتِي الْمَحَبَّةُ مِنَ السَّمَاءِ.
قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا قَذَفَ حُبَّهُ فِي قُلُوبِ الْمَلائِكَةِ وَقَذَفَتْهُ الْمَلائِكَةُ فِي قُلُوبِ النَّاسِ، وَإِذَا أَبْغَضَ عَبْدًا فَمِثْلُ ذَلِكَ، لا يَمْلِكُهُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ) (1).
(وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا قَالَ: حُبًّا (2).
وَقَالَ مُجَاهِدٌ، عَنْهُ: سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا قَالَ: مَحَبَّةً فِي النَّاسِ فِي الدُّنْيَا (3).
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، عَنْهُ: يُحِبُّهُمْ ويُحببهم، يَعْنِي: إِلَى خَلْقِهِ الْمُؤْمِنِينَ) (4).
وقال ابن عباس: (مَحَبَّةً فِي النَّاسِ فِي الدُّنْيَا) (5).
وقال مجاهد: (مَحَبَّةً فِي الْمُسْلِمِينَ فِي الدُّنْيَا) (6).
وقال مقاتل: (يقول يجعل محبتهم في قلوب المؤمنين فيحبونهم) (7).
- وقال سبحانه: يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ [البقرة: 165].
قال التستري: (أي: يحبون الأنداد كحبهم الله عزَّ وجلَّ، فقد وصف الله تعالى شدة كفرهم وصدقهم في حال الكفر جهلاً، ووصف محبة المؤمنين وصدقهم في الإيمان بالله تعالى حقاً، ثم فضل المؤمنين بالمعرفة فقال: وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ. بمعرفتهم وسائر أسباب العبد المؤمن إلى الإقبال عليه وإقامة الذكر له، وتلك منزلة العارفين المحبين، إذ المحبة عطف من الله تعالى بخالصة الحق. فقيل له: ما علامة المحبة؟ قال: معانقة الطاعة ومباينة الفاقة) (8).
وقال البغوي: (يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ أَيْ يُحِبُّونَ آلِهَتَهُمْ كَحُبِّ الْمُؤْمِنِينَ اللَّهَ، وَقَالَ الزَّجَّاجُ: يُحِبُّونَ الْأَصْنَامَ كَمَا يُحِبُّونَ اللَّهَ لِأَنَّهُمْ أَشْرَكُوهَا مَعَ اللَّهِ فَسَوَّوْا بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَ أَوْثَانِهِمْ فِي الْمَحَبَّةِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ أَيْ أَثْبَتُ وَأَدُومُ عَلَى حُبِّهِ لِأَنَّهُمْ لَا يَخْتَارُونَ عَلَى اللَّهِ مَا سِوَاهُ) (9).
وقال الماوردي: (قال تعالى: يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ يعني أنهم مع عجز الأصنام يحبونهم كحب الله مع قدرته. وَالَّذِينَءَامَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ يعني من حب أهل الأوثان لأوثانهم , ومعناه أن المخلصين لله تعالى هم المحبون حقاً) (10).
- وقال عز وجل: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [آل عمران: 31].

(1) رواه يحيى بن سلام في ((تفسيره)) (1/ 248).
(2) رواه الطبري في ((تفسيره)) (18/ 262).
(3) رواه الطبري في ((تفسيره)) (18/ 261).
(4) ((تفسير ابن كثير)) (5/ 269).
(5) رواه الطبري في ((تفسيره)) (18/ 261).
(6) ((جامع البيان)) للطبري (15/ 642).
(7) ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (2/ 640).
(8) ((تفسير التستري)) (ص45).
(9) ((معالم التنزيل في تفسير القرآن)) للبغوي (1/ 178).
(10) ((النكت والعيون)) للماوردي (1/ 218).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،قال ابن كثير: (أَيْ: يَحْصُلُ لَكُمْ فَوْقَ مَا طَلَبْتُمْ مِنْ مَحَبَّتِكُمْ إِيَّاهُ، وَهُوَ مَحَبَّتُهُ إِيَّاكُمْ، وَهُوَ أَعْظَمُ مِنَ الْأَوَّلِ، كَمَا قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ الْعُلَمَاءِ: لَيْسَ الشَّأْنُ أَنْ تُحِبّ، إِنَّمَا الشَّأْنُ أَنْ تُحَبّ وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ السَّلَفِ: زَعَمَ قَوْمٌ أَنَّهُمْ يُحِبُّونَ اللَّهَ فَابْتَلَاهُمُ اللَّهُ بِهَذِهِ الْآيَةِ) (1).
وقال الشوكاني: (وَقَدْ فُسِّرَتِ الْمَحَبَّةُ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ بِإِرَادَةِ طَاعَتِهِ. قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: مَحَبَّةُ الْعَبْدِ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ: طَاعَتُهُ لَهُمَا وَاتِّبَاعُهُ أَمْرَهُمَا، وَمَحَبَّةُ اللَّهِ لِلْعِبَادِ: إِنْعَامُهُ عَلَيْهِمْ بِالْغُفْرَانِ) (2).
وقال السعدي: (وهذه الآية فيها وجوب محبة الله، وعلاماتها، ونتيجتها، وثمراتها) (3).
- وقال جل في علاه: وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي [طه: 39].
قال الطبري: (عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: حُسْنًا وَمَلَاحَةً، قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالَّذِي هُوَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ أَلْقَى مَحَبَّتَهُ عَلَى مُوسَى، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي فَحَبَّبَهُ إِلَى آسِيَةَ امْرَأَةِ فِرْعَوْنَ، حَتَّى تَبَنَّتْهُ وَغَذَّتْهُ وَرَبَّتْهُ، وَإِلَى فِرْعَوْنَ، حَتَّى كَفَّ عَنْهُ عَادِيَتَهُ وَشَرَّهُ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّمَا قِيلَ: وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي، لِأَنَّهُ حَبَّبَهُ إِلَى كُلِّ مَنْ رَآهُ. وَمَعْنَى وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي حَبَّبْتُكَ إِلَيْهِمْ، يَقُولُ الرَّجُلُ لِآخَرَ إِذَا أَحَبَّهُ: أَلْقَيْتُ عَلَيْكَ رَحْمَتِي: أَيْ مَحَبَّتِي) (4).
وقال أيضاً: (قَالَ ابن عَبَّاسٌ: حَبَّبْتُكَ إِلَى عِبَادِي، وَقَالَ الصُّدَائِيُّ: حَبَّبْتُكَ إِلَى خَلْقِي وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: أَيْ حَسَّنْتُ خَلْقَكَ) (5).
وقال الشوكاني: (وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي أَيْ: أَلْقَى اللَّهُ عَلَى مُوسَى مَحَبَّةً كَائِنَةً مِنْهُ تَعَالَى فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ لَا يَرَاهُ أَحَدٌ إِلَّا أَحبَّهُ وَقِيلَ: جَعَلَ عَلَيْهِ مَسْحَةً مِنْ جَمَالٍ لَا يَرَاهُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ إِلَّا أَحَبَّهُ. وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: الْمَعْنَى وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ رَحْمَتِي، وَقِيلَ: كَلِمَةُ مِنْ مُتَعَلِّقَةٌ بِأَلْقَيْتُ، فَيَكُونُ الْمَعْنَى: أَلْقَيْتُ مِنِّي عَلَيْكَ مَحَبَّةً، أَيْ: أَحْبَبْتُكَ، وَمَنْ أَحَبَّهُ اللَّهُ أَحَبَّهُ النَّاسُ) (6).
و (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي قَالَ: كَانَ كُلُّ مَنْ رَآهُ أُلْقِيَتْ عَلَيْهِ مِنْهُ مَحَبَّتُهُ (7). وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ قَالَ: حَبَّبْتُكَ إِلَى عِبَادِي) (8).
- وقال تعالى: وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا [مريم: 13].
قال مجاهد: (يَعْنِي تَعَطُّفًا مِنْ رَبِّهِ عَلَيْهِ) (9).

(1) ((تفسير القرآن العظيم)) لابن كثير (2/ 32).
(2) ((فتح القدير)) للشوكاني (1/ 382).
(3) ((تيسير الكريم الرحمن)) للسعدي (1/ 128).
(4) ((جامع البيان)) للطبري (16/ 58).
(5) ((جامع البيان)) للطبري (16/ 58).
(6) ((فتح القدير)) للشوكاني (3/ 431).
(7) رواه ابن أبي حاتم في ((تفسيره)) (7/ 2422).
(8) ((فتح القدير)) للشوكاني (3/ 433).
(9) ((تفسير مجاهد)) (ص454).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،(وَقَالَ عِكْرِمَةُ: مَحَبَّةً عَلَيْهِ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: أَمَّا الْحَنَانُ فَالْمَحَبَّةُ) (1).
الترغيب والحث على المحبة من السنة النبوية:
- عن أبي هُرَيْرَةَ قَالَ صلى الله عليه وسلم: ((وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ)) (2).
(ومعنى الحديث: أن من استكمل الإيمان علم أن حق الرسول وفضله آكد عليه من حق أبيه وابنه والناس أجمعين، لأن بالرسول استنقذ الله أُمته من النار وهداهم من الضلال، فالمراد بهذا الحديث بذل النفس دونه صلى الله عليه وسلم) (3).
قال ابن الجوزي: (اعْلَم أَن المُرَاد بِهَذِهِ الْمحبَّة الْمحبَّة الشَّرْعِيَّة، فَإِنَّهُ يجب على الْمُسلمين أَن يقوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِأَنْفسِهِم وَأَوْلَادهمْ. وَلَيْسَ المُرَاد بِهَذَا الْمحبَّة الطبيعية، فَإِنَّهُم قد فروا عَنهُ فِي الْقِتَال وتركوه، وكل ذَلِك لإيثار حب النَّفس) (4).
- وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: ((جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِي عليه السلام فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَقُولُ فِي رَجُلٍ أَحَبَّ قَوْمًا، وَلَمْ يَلْحَقْ بِهِمْ؟ فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم: الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ)) (5).
قال ابن بطال: (فدل هذا أن من أحب عبدًا في الله فإن الله جامع بينه وبينه في جنته ومدخله مدخلة وإن قصر عن عمله، وهذا معنى قوله: (ولم يلحق بهم) يعني في العمل والمنزلة، وبيان هذا المعنى - والله أعلم - أنه لما كان المحب للصالحين وإنما أحبهم من أجل طاعتهم لله، وكانت المحبة عملا من أعمال القلوب واعتقادًا لها أثاب الله معتقدًا ذلك ثواب الصالحين إذ النية هي الأصل والعمل تابع لها، والله يوتي فضله من يشاء) (6).
وقال النووي: (فِيهِ فَضْلُ حُبِّ اللَّهِ وَرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالصَّالِحِينَ وَأَهْلِ الْخَيْرِ الْأَحْيَاءِ وَالْأَمْوَاتِ) (7).
قال العظيم أبادي: (يَعْنِي مَنْ أَحَبَّ قَوْمًا بِالْإِخْلَاصِ يَكُونُ مِنْ زُمْرَتِهِمْ وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ عَمَلَهُمْ لِثُبُوتِ التَّقَارُبِ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَرُبَّمَا تُؤَدِّي تِلْكَ الْمَحَبَّةُ إِلَى مُوَافَقَتِهِمْ وَفِيهِ حَثٌّ عَلَى مَحَبَّةِ الصُّلَحَاءِ وَالْأَخْيَارِ رَجَاءَ اللَّحَاقِ بِهِمْ وَالْخَلَاصِ مِنَ النَّارِ) (8).
وقال السعدي: (هذا الحديث فيه: الحث على قوة محبة الرسل, واتباعهم بحسب مراتبهم، والتحذير من محبة ضدهم؛ فإن المحبة دليل على قوة اتصال المحب بمن يحبه، ومناسبته لأخلاقه، واقتدائه به. فهي دليل على وجود ذلك. وهي أيضاً باعثة على ذلك) (9).

(1) ((تفسير القرآن العظيم)) لابن كثير (5/ 216).
(2) رواه البخاري (14).
(3) ((شرح صحيح البخاري)) لابن بطال (1/ 66).
(4) ((كشف المشكل)) لابن الجوزي (3/ 231).
(5) رواه البخاري (6169)، ومسلم (2640).
(6) ((شرح صحيح البخاري)) لابن بطال (9/ 333).
(7) ((المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج)) للنووي (16/ 186).
(8) ((عون المعبود شرح سنن أبي داود)) للعظيم آبادي (14/ 25).
(9) ((بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار)) للسعدي (ص193).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ((أَنَّ رَجُلًا زَارَ أَخًا لَهُ فِي قَرْيَةٍ أُخْرَى، فَأَرْصَدَ اللهُ لَهُ، عَلَى مَدْرَجَتِهِ، مَلَكًا فَلَمَّا أَتَى عَلَيْهِ، قَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ قَالَ: أُرِيدُ أَخًا لِي فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ، قَالَ: هَلْ لَكَ عَلَيْهِ مِنْ نِعْمَةٍ تَرُبُّهَا؟ قَالَ: لَا، غَيْرَ أَنِّي أَحْبَبْتُهُ فِي اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ: فَإِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكَ، بِأَنَّ اللهَ قَدْ أَحَبَّكَ كَمَا أَحْبَبْتَهُ فِيهِ)) (1).
قال النووي: (فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَضْلُ الْمَحَبَّةِ فِي اللَّهِ تَعَالَى وَأَنَّهَا سَبَبٌ لِحُبِّ اللَّهِ تَعَالَى الْعَبْدَ) (2).
(في هذا الحديث: دليل على عظم فضل الحب في الله والتزاور فيه) (3).
- وعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ بِيَدِهِ، وَقَالَ: ((يَا مُعَاذُ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ، فَقَالَ: أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ لَا تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ تَقُولُ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ، وَشُكْرِكَ، وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ)) (4).
قال العظيم آبادي: ((أَخَذَ بِيَدِهِ) كَأَنَّهُ عَقَدُ مَحَبَّةٍ وَبَيْعَةُ مَوَدَّةٍ (وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ) لَامُهُ لِلِابْتِدَاءِ وَقِيلَ لِلْقَسَمِ وَفِيهِ أَنَّ مَنْ أَحَبَّ أَحَدًا يُسْتَحَبُّ لَهُ إِظْهَارُ الْمَحَبَّةِ لَهُ (فَقَالَ أُوصِيكَ يا معاذ لَا تَدَعَنَّ) إِذَا أَرَدْتَ ثَبَاتَ هَذِهِ الْمَحَبَّةِ فَلَا تَتْرُكَنَّ (فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ) أَيْ عَقِبَهَا وَخَلْفَهَا أَوْ فِي آخِرِهَا) (5).
وقال ابن عثيمين: (وهذه منقبة عظيمة لمعاذ بن جبل رضي الله عنه أن نبينا صلى الله عليه وسلم أقسم أنه يحبه والمحب لا يدخر لحبيبه إلا ما هو خير له) (6).
- وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لَا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَوَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ)) (7).
قال النووي: (فَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، مَعْنَاهُ: لَا يَكْمُلُ إِيمَانُكُمْ وَلَا يَصْلُحُ حَالُكُمْ فِي الْإِيمَانِ إِلَّا بِالتَّحَابِّ) (8).
وقال ابن عثيمين: (ففي هذا دليل على أن المحبة من كمال الإيمان، وأنه لا يكمل إيمان العبد حتى يحب أخاه، وأن من أسباب المحبة أن يفشي الإنسان السلام بين إخوانه، أي يظهره ويعلنه، ويسلم على من لقيه من المؤمنين، سواء عرفه أو لم يعرفه، فإن هذا من أسباب المحبة، ولذلك إذا مر بك رجل وسلم عليك أحببته، وإذا أعرض؛ كرهته ولو كان أقرب الناس إليك) (9).

(1) رواه مسلم (2567).
(2) ((المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج)) للنووي (16/ 124).
(3) ((تطريز رياض الصالحين)) لفيصل المبارك (ص247).
(4) رواه أبو داود (1522)، والنسائي (1303)، وأحمد (5/ 244) (22172). قال الحاكم (1/ 407): صحيح على شرط الشيخين. وصحح إسناده النووي في ((الخلاصة)) (1/ 468)،وصححه الألباني في ((صحيح الجامع)) (7969).
(5) ((عون المعبود شرح سنن أبي داود)) للعظيم آبادي (4/ 269).
(6) ((شرح رياض الصالحين)) لابن عثيمين (5/ 502).
(7) رواه مسلم (54).
(8) ((المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج)) للنووي (2/ 36).
(9) ((شرح رياض الصالحين)) لابن عثيمين (3/ 265).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،أقوال السلف والعلماء في المحبة
- عن أبي حيان التيمي- رحمه الله- قال: (رؤي على علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- ثوب كأنه كان يكثر لبسه، فقيل له فيه. فقال: هذا كسانيه خليلي وصفيي عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- إن عمر ناصح الله فنصحه) (1).
- وعن مجاهد- رحمه الله- قال: (مر على عبد الله بن عباس رجل فقال: إن هذا يحبني. فقيل: أنى علمت ذلك؟ قال: إني أحبه) (2).
- وعن سفيان بن عيينة، قال: (سمعت مساور الوراق يحلف بالله- عز وجل- ما كنت أقول لرجل إني أحبك في الله- عز وجل- فأمنعه شيئا من الدنيا) (3).
- وقال ابن تيمية: (إنك إذا أحببت الشخص لله، كان الله هو المحبوب لذاته، فكلما تصورته في قلبك، تصورت محبوب الحق فأحببته، فازداد حبك لله، كما إذا ذكرت النبي صلى الله عليه وسلم والأنبياء قبله والمرسلين وأصحابهم الصالحين، وتصورتهم في قلبك، فإن ذلك يجذب قلبك إلى محبة الله المنعم عليهم، وبهم، إذا كنت تحبهم لله. فالمحبوب لله يجذب إلى محبة الله، والمحب لله إذا أحب شخصا لله فإن الله هو محبوبه. فهو يحب أن يجذبه إلى الله تعالى، وكل من المحب لله والمحبوب لله يجذب إلى الله) (4).
- وقال ابن قيم الجوزية: (المحبّة هي حياة القلوب وغذاء الأرواح، وليس للقلب لذّة، ولا نعيم، ولا فلاح، ولا حياة إلّا بها. وإذا فقدها القلب كان ألمه أعظم من ألم العين إذا فقدت نورها، والأذن إذا فقدت سمعها، والأنف إذا فقد شمّه، واللّسان إذا فقد نطقه، بل فساد القلب إذا خلا من محبّة فاطره وبارئه وإلهه الحقّ أعظم من فساد البدن إذا خلا من الرّوح، وهذا الأمر لا يصدّق به إلّا من فيه حياة) (5).
- وقال: (وَاعجَبا لمن يَدعِي الْمحبَّة وَيحْتَاج إِلَى من يذكرهُ بمحبوبه فَلَا يذكرهُ إِلَّا بمذكر أقل مَا فِي الْمحبَّة أَنَّهَا لَا تنسيك تذكر المحبوب) (6).
- وقال أيضاً: (إِذا سَافر الْمُحب للقاء محبوبه ركبت جُنُوده مَعَه فَكَانَ الْحبّ فِي مُقَدّمَة الْعَسْكَر والرجاء يَحْدُو بالمطي والشوق يَسُوقهَا وَالْخَوْف يجمعها على الطَّرِيق فَإِذا شَارف قدوم بلد الْوَصْل خرجت تقادم الحبيب باللقاء) (7).
- و (قال أبو بكر الورّاق: سأل المأمون عبد الله بن طاهر ذا الرياستين عن الحب، ما هو؟ فقال: يا أمير المؤمنين، إذا تقادحت جواهر النفوس المتقاطعة بوصل المشاكلة، انبعثت منها لمحة نور تستضيء بها بواطن الأعضاء، فتتحرّك لإشراقها طبائع الحياة، فيتصوّر من ذلك خلق حاضر للنفس، متصل بخواطرها، يسمى الحب.
- وسئل حمّاد الراوية عن الحب، ما هو؟ قال: الحب شجرة أصلها الفكر، وعروقها الذكر، وأغصانها السهر، وأوراقها الأسقام، وثمرتها المنيّة.
- وقال معاذ بن سهل: الحب أصعب ما ركب، وأسكر ما شرب، وأفظع ما لقي، وأحلى ما اشتهي، وأوجع ما بطن، وأشهى ما علن.
وهو كما قال الشاعر:
وللحبّ آفات إذا هي صرّحت ... تبدّت علامات لها غرر صفر
فباطنه سقم وظاهره جوى ... وأوّله ذكر وآخره فكر) (8)
- و (قال أبو بكر الوراق: حقيقة المحبة مشاهدة المحبوب على كل حال، فإن الاشتغال بالغير حجاب، وأصله التسليم واليقين، فإنها يبلغان إلى درجات المتقين في جنات النعيم) (9).

(1) ((المصنف)) لابن أبي شيبة (6/ 356).
(2) ((الأخوان)) لابن أبي الدنيا (ص 127).
(3) ((مكارم الأخلاق)) لابن أبي الدنيا (ص 93).
(4) ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (10/ 608).
(5) ((الجواب الكافي)) لابن قيم الجوزية (ص233 - 234).
(6) ((الفوائد)) لابن قيم الجوزية (ص77).
(7) ((الفوائد)) لابن قيم الجوزية (ص77).
(8) ((العقد الفريد)) لابن عبد ربه (2/ 167 - 168).
(9) ((بحر الدموع)) لابن الجوزي (ص85).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،، وقال الثعالبي: (المحبة أريحية منتفثة من النفس نحو المحبوب لأنها تغذو الروح وتضني البدن ولأنها تنقل القوى كلها إلى المحبوب بالتحلي بهيئته، والتمني بحقيقته، بالكمال الذي يشهد فيه) (1).
- وقال أبو منصور الثعالبي (المحبة ثمن لكل شيء وإن غلا، وسلم إلى كل شيء وإن علا) (2).
- وقال يحيى بن معاذ رحمه الله: (حقيقة المحبّة لا يزيدها البرّ ولا ينقصها الجفاء) (3).
- (وقال جعفر إذا أحبّك الله سترك وإذا أحببته شهرك) (4).
- وقال الجنيد: (إذا صحَّت المحبَّةُ سقطت شروط الأدب) (5).
- وقال الخواص: (المحبة محو الإرادات واحتراق جميع الصفات والحاجات) (6).
- (وقال رجل لشهر بن حوشب؛ إني لأحبّك قال: ولم لا تحبني وأنا أخوك في كتاب الله ووزيرك على دين الله ومؤنتي على غيرك) (7).
- (وقال آخر: من جمع لك مع المودّة الصادقة رأيا حازما، فاجمع له مع المحبة الخالصة طاعة لازمة) (8).

(1) ((المقابسات)) لأبي حيان التوحيدي (ص364).
(2) ((سحر البلاغة وسر البراعة)) لأبي منصور الثعالبي (ص130).
(3) ((محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء والبلغاء)) للراغب الأصفهاني (2/ 411).
(4) ((محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء والبلغاء)) للراغب الأصفهاني (2/ 411).
(5) ((لباب الآداب)) لأسامة بن منقذ (ص231).
(6) ((الكشكول)) لبهاء الدين الهمذاني (1/ 58).
(7) ((عيون الأخبار)) للدينوري (3/ 15).
(8) ((عيون الأخبار)) للدينوري (3/ 16).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،أقسام المحبة
قسم بعض أهل العلم المحبة إلى أنواع، كابن حزم، وابن القيم، وغيرهم من العلماء، فابن حزم قسمها إلى تسعة أنواع، قال: (المحبة ضروب:
1 - فأفضلها: محبة المتحابين في الله عز وجل، إما لاجتهاد في العمل، وإما لاتفاق في أصل النحلة والمذهب وإما لفضل علم بمنحه الإنسان.
2 - ومحبة القرابة.
3 - ومحبة الألفة في الاشتراك في المطالب
4 - ومحبة التصاحب والمعرفة.
5 - ومحبة البر؛ يضعه المرء عند أخيه.
6 - ومحبة الطمع في جاه المحبوب.
7 - ومحبة المتحابين لسر يجتمعان عليه يلزمهما ستره.
8 - ومحبة بلوغ اللذة وقضاء الوطر.
9 - ومحبة العشق التي لا علة لها إلا ما ذكرنا من اتصال النفوس.
فكل هذه الأجناس منقضية مع انقضاء عللها، وزائدة بزيادتها، وناقصة بنقصانها، متأكدة بدنوها فاترة ببعدها، حاشا محبة العشق الصحيح المتمكن من النفس فهي التي لا فناء لها إلا بالموت) (1).
وقسمها ابن القيم إلى أربعة أنواع ثم ذكر نوعاً خامساً، قال: (وهاهنا أربعة أنواع من المحبة يجب التفريق بينها، وإنما ضل من ضل بعدم التمييز بينها:
1 - محبة الله، ولا تكفي وحدها في النجاة من عذاب الله والفوز بثوابه، فإن المشركين وعباد الصليب واليهود وغيرهم يحبون الله.
2 - محبة ما يحب الله، وهذه هي التي تدخله في الإسلام، وتخرجه من الكفر، وأحب الناس إلى الله أقومهم بهذه المحبة وأشدهم فيها.
3 - الحب لله وفيه، وهي من لوازم محبة ما يحب، ولا تستقيم محبة ما يحب إلا فيه وله.
4 - المحبة مع الله، وهي المحبة الشركية، وكل من أحب شيئا مع الله لا لله، ولا من أجله، ولا فيه، فقد اتخذه ندا من دون الله، وهذه محبة المشركين.
5 - بقي قسم خامس ليس مما نحن فيه: وهي المحبة الطبيعية، وهي ميل الإنسان إلى ما يلائم طبعه، كمحبة العطشان للماء، والجائع للطعام، ومحبة النوم والزوجة والولد، فتلك لا تذم إلا إذا ألهت عن ذكر الله، وشغلت عن محبته) (2).
وقسم الراغب الأصفهاني المحبة بحسب المحبين فقال: (المحبة ضربان:
1 - طبيعي: وذلك في الإنسان وفي الحيوان ...
2 - اختياري: وذلك يختص به الإنسان ... وهذا الثاني أربعة أضرب:
أ- للشهوة، وأكثر ما يكون بين الأحداث.
ب- للمنفعة، ومن جنسه ما يكون بين التجار وأصحاب الصناعة المهنية وأصحاب المذاهب.
ج- مركب من الضربين، كمن يحب غيره لنفع، وذلك الغير يحبه للشهوة.
د- للفضيلة، كمحبة المتعلم للعالم، وهذه المحبة باقية على مرور الأوقات، وهي المستثناة بقوله تعالى: (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ.
وأما الضروب الأُخر: فقد تطول مدتها وتقصر بحسب طول أسبابها وقصرها) (3).

(1) ((طوق الحمامة)) لابن حزم (ص95) بتصرف يسير.
(2) ((الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي)) لابن قيم الجوزية (ص189).
(3) ((الذريعة إلى مكارم الشريعة)) للراغب الأصفهاني (ص256) بتصرف يسير.
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،فوائد المحبة
للمحبة فوائد جليلة وكثيرة، نذكر منها على سبيل المثال:
1 - (دلالة على كمال الإيمان وحسن الإسلام.
2 - المحبّة تغذّي الأرواح والقلوب وبها تقرّ العيون، بل إنّها هي الحياة الّتي يعدّ من حرم منها من جملة الأموات.
3 - قلب صاحبها تغشاه مباركة الله ونعمه على الدّوام.
4 - تظهر آثار المحبّة عند الشّدائد والكربات.
5 - من ثمار المحبّة النّعيم والسّرور في الدّنيا الموصّل إلى نعيم وسرور الآخرة.
6 - في حبّ الله تعالى حمد المحبوب والرّضى عنه وشكره وخوفه ورجاؤه والتّنعّم بذكره والسّكون إليه والأنس به والإنفاق في سبيله.
7 - حبّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يوجب السّعي إلى إحياء سنّته، والحفاظ على دعوته.
8 - محبّة النّاس مع التّودّد إليهم تحقّق الكمال الإنسانيّ لمن يسعى إليه.
9 - وحبّه صلّى الله عليه وسلّم يستوجب حبّ من أحبّه وما أحبّه.
10 - محبّة الإخوان في الله من محبّة الله ورسوله.
11 - التّحابّ في الله يجعل المتحابّين في الله من الّذين يستظلّون بظلّ الله تعالى يوم لا ظلّ إلّا ظلّه.
12 - لا يكتمل إيمان المرء إلّا إذا تحقّق حبّه لأخيه ما يحبّه لنفسه وفي هذا ما يخلّصه من داء الأنانيّة.
13 - أن يستشعر المرء حلاوة الإيمان فيذوق طعم الرّضا وينعم بالرّاحة النّفسيّة.
14 - حبّ الله ورسوله وسيلة أكيدة لاستجلاب نصر الله وعونه) (1).

(1) ((نضرة النعيم)) لمجموعة من الباحثين (8/ 3356).،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،مراتب المحبة
قسم العلماء المحبة إلى مراتب عديدة، ومن هؤلاء العلماء الإمام ابن قيم الجوزية الذي أوصلها إلى عشر مراتب، وهي كما يلي:
(أَوَّلُهَا: الْعَلَاقَةُ، وَسُمِّيَتْ عَلَاقَةً لِتَعَلُّقِ الْقَلْبِ بِالْمَحْبُوبِ.
الثَّانِيَةُ: الْإِرَادَةُ، وَهِيَ مَيْلُ الْقَلْبِ إِلَى مَحْبُوبِهِ وَطَلَبُهُ لَهُ.
الثَّالِثَةُ: الصَّبَابَةُ، وَهِيَ انْصِبَابُ الْقَلْبِ إِلَيْهِ. بِحَيْثُ لَا يَمْلِكُهُ صَاحِبُهُ. كَانْصِبَابِ الْمَاءِ فِي الْحُدُورِ.
الرَّابِعَةُ: الْغَرَامُ وَهُوَ الْحُبُّ اللَّازِمُ لِلْقَلْبِ، الَّذِي لَا يُفَارِقُهُ. بَلْ يُلَازِمُهُ كَمُلَازَمَةِ الْغَرِيمِ لِغَرِيمِهِ.
الْخَامِسَةُ: الْوِدَادُ وَهُوَ صَفْوُ الْمَحَبَّةِ، مَرَاتِبُهَا عَشَرَةٌ وَخَالِصُهَا وَلُبُّهَا.
السَّادِسَةُ: الشَّغَفُ يُقَالُ: شُغِفَ بِكَذَا. فَهُوَ مَشْغُوفٌ بِهِ. وَقَدْ شَغَفَهُ الْمَحْبُوبُ. أَيْ وَصَلَ حُبُّهُ إِلَى شَغَافِ قَلْبِهِ.
أَحَدُهَا: أَنَّهُ الْحُبُّ الْمُسْتَوْلِي عَلَى الْقَلْبِ، بِحَيْثُ يَحْجُبُهُ عَنْ غَيْرِهِ.
الثَّانِي: الْحُبُّ الْوَاصِلُ إِلَى دَاخِلِ الْقَلْبِ.
الثَّالِثُ: أَنَّهُ الْحُبُّ الْوَاصِلُ إِلَى غِشَاءِ الْقَلْبِ. وَالشَّغَافُ غِشَاءُ الْقَلْبِ إِذَا وَصَلَ الْحُبُّ إِلَيْهِ بَاشَرَ الْقَلْبَ.
السَّابِعَةُ: الْعِشْقُ وَهُوَ الْحُبُّ الْمُفْرِطُ الَّذِي يُخَافُ عَلَى صَاحِبِهِ مِنْهُ.
الثَّامِنَةُ: التَّتَيُّمُ وَهُوَ التَّعَبُّدُ، وَالتَّذَلُّلُ.
التَّاسِعَةُ: التَّعَبُّدُ وَهُوَ فَوْقَ التَّتَيُّمِ. فَإِنَّ الْعَبْدَ هُوَ الَّذِي قَدْ مَلَكَ الْمَحْبُوبُ رِقَّهُ فَلَمْ يَبْقَ لَهُ شَيْءٌ مِنْ نَفْسِهِ أَلْبَتَّةَ. بَلْ كُلُّهُ عَبَدٌ لِمَحْبُوبِهِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا. وَهَذَا هُوَ حَقِيقَةُ الْعُبُودِيَّةِ. وَمَنْ كَمَّلَ ذَلِكَ فَقَدْ كَمَّلَ مَرْتَبَتَهَا.
الْعَاشِرَةُ: مَرْتَبَةُ الْخُلَّةِ الَّتِي انْفَرَدَ بِهَا الْخَلِيلَانِ إِبْرَاهِيمُ وَمُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمَا وَسَلَّمَ) (1).

(1) ((مدارج السالكين)) لابن قيم الجوزية (3/ 29 - 32).،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،علامات المحبة
قال إبراهيم بن الجنيد: (يقال علامة المحب على صدق الحب ست خصال:
أحدها: دوام الذكر بقلبه بالسرور بمولاه.
والثانية: إيثاره محبة سيده على محبة نفسه ومحبة الخلائق، يبدأ بمحبة مولاه قبل محبة نفسه ومحبة الخلائق.
والثالثة: الأنس به، والاستثقال لكل قاطع يقطع عنه أو شاغل يشغله عنه.
والرابعة: الشوق إلى لقائه والنظر إلى وجهه.
الخامسة: الرضا عنه في كل شديدة وضر ينزل به.
والسادسة: اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم) (1).
وقال قال أبو الفرج ابن الجوزي: (أول عَلَامَات الْمحبَّة دموع الْعين وأوسطها قلق الْقلب ونهايتها احتراقه) (2).
(سئل رجل: ما علامة المحبة؟ قال: إذا كان البدن كالحية يلتوي، والفؤاد بنار الشوق يكتوي، فاعلم أن القلب على المحبة منطو، وكل نقمة يشاهدها المحب دون الهجر فهي نعمة، فالكل عنه عوض إلا المحبوب) (3).

(1) ((استنشاق نسيم الأنس من نفحات رياض القدس – مجموع رسائل ابن رجب)) لابن رجب (3/ 323 - 324).
(2) ((المدهش)) لابن الجوزي (ص439).
(3) ((بحر الدموع)) لابن الجوزي (ص83).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،الأسباب الجالبة للمحبة والموجبة لها
للمحبة أسباب جالبة لها، توجب لك المحبة في قلوب الآخرين؛ نذكر منها ما يلي:
1. خدمة الآخرين والسعي لمنفعتهم.
2. تقديم الهدية للآخرين.
3. التواضع للآخرين.
4. الإحسان إلى الآخرين.
5. التحلي بصفة الصمت.
6. البشاشة والابتسامة.
7. البدء بالسلام.
8. الجود والكرم.
9. الابتعاد عن الحسد.
10. التعامل بصدق وأمانة.
11. الوفاء بالعهد.
12. زيارة الآخرين وتفقد أحوالهم
13. إنزال الناس منازلهم.
14. الالتزام بالأخلاق الإسلامية.
وذكر ابن قيم الجوزية عشرة أسباب جالبة للمحبة فقال: (الأسباب الجالبة للمحبة، والموجبة لها عشرة:
أحدها: قراءة القرآن بالتدبر والتفهم لمعانيه وما أريد به، كتدبر الكتاب الذي يحفظه العبد ويشرحه. ليتفهم مراد صاحبه منه.
الثاني: التقرب إلى الله بالنوافل بعد الفرائض. فإنها توصله إلى درجة المحبوبية بعد المحبة.
الثالث: دوام ذكره على كل حال: باللسان والقلب، والعمل والحال. فنصيبه من المحبة على قدر نصيبه من هذا الذكر.
الرابع: إيثار محابه على محابك عند غلبات الهوى، والتسنم إلى محابه، وإن صعب المرتقى.
الخامس: مطالعة القلب لأسمائه وصفاته، ومشاهدتها ومعرفتها. وتقلبه في رياض هذه المعرفة ومباديها. فمن عرف الله بأسمائه وصفاته وأفعاله: أحبه لا محالة. ولهذا كانت المعطلة والفرعونية والجهمية قطاع الطريق على القلوب بينها وبين الوصول إلى المحبوب.
السادس: مشاهدة بره وإحسانه وآلائه، ونعمه الباطنة والظاهرة. فإنها داعية إلى محبته.
السابع: وهو من أعجبها، انكسار القلب بكليته بين يدي الله تعالى. وليس في التعبير عن هذا المعنى غير الأسماء والعبارات.
الثامن: الخلوة به وقت النزول الإلهي، لمناجاته وتلاوة كلامه، والوقوف بالقلب والتأدب بأدب العبودية بين يديه. ثم ختم ذلك بالاستغفار والتوبة.
التاسع: مجالسة المحبين الصادقين، والتقاط أطايب ثمرات كلامهم كما ينتقي أطايب الثمر. ولا تتكلم إلا إذا ترجحت مصلحة الكلام، وعلمت أن فيه مزيدا لحالك، ومنفعة لغيرك.
العاشر: مباعدة كل سبب يحول بين القلب وبين الله عز وجل) (1).
وقال ابن حمدون: (عشر يورثن المحبة: كثرة السلام، واللطف بالكلام، واتباع الجنائز، والهدية، وعيادة المرضى، والصدق، والوفاء، وانجاز الوعد، وحفظ المنطق، وتعظيم الرجال) (2).

(1) ((مدارج السالكين)) لابن قيم الجوزية (3/ 17 - 18).
(2) ((التذكرة الحمدونية)) لابن حمدون البغدادي (2/ 225).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،نماذج تطبيقية من حياة النبي صلى الله عليه وسلم:
- فعن معاذ بن جبل- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أخذ بيده وقال: ((يا معاذ، والله إنّي لأحبّك، والله إنّي لأحبّك، فقال: أوصيك يا معاذ لا تدعنّ في دبر كلّ صلاة تقول: اللهمّ أعنّي على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك)) (1).
- وعن أنس- رضي الله عنه- قال: رأى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم النّساء والصّبيان مقبلين- قال: حسبت أنّه قال: من عرس- فقام النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ممثلا فقال: ((اللهمّ أنتم من أحبّ النّاس إليّ. قالها ثلاث مرار)) (2).
- وعن أبي ذرّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: ((يا أبا ذرّ، إنّي أراك ضعيفا. وإنّي أحبّ لك ما أحبّ لنفسي. لا تأمّرنّ على اثنين ولا تولّينّ مال يتيم)) (3).
- وعن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ((حبّب إليّ: النّساء والطّيب، وجعل قرّة عيني في الصّلاة)) (4).
- وعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما؛ حدّث عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: أنّه كان يأخذه والحسن فيقول: ((اللهمّ أحبّهما فإنّي أحبّهما)) (5).
- وعن عائشة- رضي الله عنها-: ((أنّ نساء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كنّ حزبين: فحزب فيه عائشة وحفصة وصفيّة وسودة، والحزب الآخر أمّ سلمة وسائر نساء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وكان المسلمون قد علموا حبّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عائشة، فإذا كانت عند أحدهم هديّة يريد أن يهديها إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أخّرها، حتّى إذا كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في بيت عائشة بعث صاحب الهديّة إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في بيت عائشة. فكلّم حزب أمّ سلمة فقلن لها: كلّمي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يكلّم النّاس فيقول: من أراد أن يهدي إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هديّة فليهدها حيث كان من بيوت نسائه، فكلّمته أمّ سلمة بما قلن، فلم يقل لها شيئا، فسألنها فقالت: ما قال لي شيئا، فقلن لها: فكلّميه، قالت: فكلّمته حين دار إليها أيضا، فلم يقل لها شيئا. فسألنها فقالت: ما قال لي شيئا. فقلن لها: كلّميه حتّى يكلّمك. فدار إليها فكلّمته، فقال لها: لا تؤذيني في عائشة، فإنّ الوحي لم يأتني وأنا في ثوب امرأة إلّا عائشة. قالت: أتوب إلى الله من أذاك يا رسول الله. ثمّ إنّهنّ دعون فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأرسلت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تقول: إنّ نساءك ينشدنك العدل في بنت أبي بكر. فكلّمته، فقال: يا بنيّة، ألا تحبّين ما أحبّ؟ قالت: بلى. فرجعت إليهنّ فأخبرتهنّ، فقلن: ارجعي إليه، فأبت أن ترجع ... )) (6).

(1) رواه أبو داود (1522)، والنسائي (1303)، وأحمد (5/ 244) (22172). قال الحاكم (1/ 407): صحيح على شرط الشيخين. وصحح إسناده النووي في ((الخلاصة)) (1/ 468)، وصححه الألباني في ((صحيح الجامع)) (7969).
(2) رواه البخاري (3785)، ومسلم (2508).
(3) رواه مسلم (1826).
(4) رواه النسائي (3940)، وأحمد (3/ 128) (12315). قال الحاكم (2/ 174): صحيح على شرط مسلم. وجوَّد إسناده العراقي في ((تخريج الإحياء)) (ص466)، وحسن إسناده ابن حجر في ((التلخيص الحبير)) (3/ 254).
(5) رواه البخاري (3735).
(6) رواه البخاري (2581).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،حكم وأمثال في المحبة
· (أفضل المحبة ما كان بعد المعتبة) (1).
· (المحبة ثمن كل شيء وإن غلاَ، وسُلَّم إلى كل شيء وإن علاَ) (2).
· (وقالوا: لا يكن حبّك كلفا، ولا بغضك سرفا) (3).
· (أبر من الْهِرَّة: قَالُوا لِأَنَّهَا تَأْكُل أَوْلَادهَا من الْمحبَّة (4).
· (قَوْلهم: من يبغ فِي الدّين يصلف: مَعْنَاهُ من يطْلب الدُّنْيَا بِالدّينِ لم يحظ عِنْد النَّاس وَلم يرْزق مِنْهُم الْمحبَّة) (5).
· (وقيل: أغلب المحبة ما كان عن تشاكل) (6).

(1) ((محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء والبلغاء)) للراغب الأصفهاني (2/ 12).
(2) ((مجمع الأمثال)) للنيسابوري (2/ 456).
(3) ((العقد الفريد)) لابن عبد ربه (2/ 168).
(4) ((جمهرة الأمثال)) لأبي هلال العسكري (1/ 243).
(5) ((جمهرة الأمثال)) لأبي هلال العسكري (2/ 248).
(6) ((محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء والبلغاء)) للراغب الأصفهاني (2/ 8).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،المحبة في واحة الشعر ..
وقال ابن زهر الحفيد:
يا من يذكّرني بعهد أحبّتي ... طاب الحديث بذكرههم ويطيب
أعد الحديث عليّ من جنباته ... إنّ الحديث عن الحبيب حبيب
ملأ الضلوع وفاض عن أحنائها ... قلبٌ إذا ذكر الحبيب يذوب
ما زال يضرب خافقاً بجناحه ... يا ليت شعري هل تطير قلوب
وأنشد بعضهم (1):
والله ما طلعت شمس ولا غربت ... إلا وحبك مقرون بأنفاسي
ولا جلست إلى قوم أحدثهم ... إلا وأنت حديثي بين جلاسي
وقال آخر (2):
يَا منية الْقلب مَا جيدي بمنعطف ... إِلَى سواكم وَلَا حُبْلَى بمنقاد
لَوْلَا الْمحبَّة مَا اسْتعْملت بارقة ... وَلَا سَأَلت حمام الدوح إسعادي
وَلَا وقفت على الْوَادي أسائله ... بالدمع حَتَّى رثى لي سَاكن الْوَادي
وقال آخر:
ولو قُلتَ لي مُتْ مِتُّ سَمعاً وطاعةً ... وقُلتُ لداعِي الموتِ أهلاً ومرحبا
وقال آخر:
وآخِرُ شيءٍ أنت في كلِّ هَجعةٍ ... وأوَّل شيءٍ أنتَ وقتَ هُبُوبي
وذكرك في قلبي بنومٍ ويقظةٍ ... تجافى من اللّين اللبيب جنوب
وقال أبي تراب النخشبي:
لا تخدعن فللمحب دلائل ... ولديه من تحف الحبيب وسائل
منها تنعمه بمر بلائه ... وسروره في كل ما هو فاعل
فالمنع منه عطية مقبولة ... والفقر إكرام وبر عاجل
ومن الدلائل أن يرى من عزمه ... طوع الحبيب وإن ألح العاذل
ومن الدلائل أن يرى متبسماً ... والقلب فيه من الحبيب بلابل
ومن الدلائل أن يرى متفهماً ... لكلام من يحظى لديه السائل
ومن الدلائل أن يرى متقشفاً ... متحفظاً في كل ما هو قائل
وقال بعض المحبين:
أعميت عيني عن الدنيا وزينتها إذا ذكرتك وفي مقلتي أرق ... فأنت والروح مني غير مفترق من أول الليل حتى مطلع الفلق
وما تطابقت الأجفان عن سنة ... إلا رأيتك بين الجفن والحدق
ارحم حشاشة نفس فيك قد تلفت ... قبل الممات فهذا آخر الرمق
ولو مضى الكل مني لم يكن عجباً ... وإنما عجبي في البعض كيف بقي
وقال يحيى بن معاذ الرازي:
نفس المحب إلى الحبيب تطلع ... وفؤاده من حبه يتقطع
عز الحبيب إذا خلا في ليله ... بحبيبه يشكو إليه ويضرع
ويقوم في المحراب يشكو بثه ... والقلب منه إلى المحبة ينزع ...

(1) ((استنشاق نسيم الأنس من نفحات رياض القدس – مجموع رسائل ابن رجب)) (3/ 399).
(2) ((المدهش)) لابن الجوزي (ص277).