الغيبة
معنى الغيبة لغة واصطلاحاً:
معنى الغيبة لغة:
والغيب والغيبة، بِفَتْح الْغَيْن: كل مَا غَابَ عَن الْعُيُون سَوَاء كَانَ محصلاً فِي الْقُلُوب أَو غير مُحَصل (1). والغِيبة: الوَقيعة في النّاس من هذا، لأنَّها لا تقال إلا في غَيْبَة (2). يقال: اغتابه اغتيابا إذا وقع فيه، والاسم الغيبة، وهي ذكر العيب بظهر الغيب (3).
معنى الغيبة اصطلاحاً:
قال ابن التين: (الغيبة ذكر المرء بما يكرهه بظهر الغيب) (4).
وعرفها الجوهري بقوله: (أن يتكلم خلف إنسانٍ مستور بما يَغُمُّه لو سمعه. فإن كان صدقاً سُمِّيَ غيبَةً، وإن كان كذباً سمِّي بُهتاناً) (5).
وقال زين الدين المناوي: (هي ذكر العيب بظهر الغيب بلفظ أو إشارة أو محاكاة) (6).
معنى الغيبة لغة:
والغيب والغيبة، بِفَتْح الْغَيْن: كل مَا غَابَ عَن الْعُيُون سَوَاء كَانَ محصلاً فِي الْقُلُوب أَو غير مُحَصل (1). والغِيبة: الوَقيعة في النّاس من هذا، لأنَّها لا تقال إلا في غَيْبَة (2). يقال: اغتابه اغتيابا إذا وقع فيه، والاسم الغيبة، وهي ذكر العيب بظهر الغيب (3).
معنى الغيبة اصطلاحاً:
قال ابن التين: (الغيبة ذكر المرء بما يكرهه بظهر الغيب) (4).
وعرفها الجوهري بقوله: (أن يتكلم خلف إنسانٍ مستور بما يَغُمُّه لو سمعه. فإن كان صدقاً سُمِّيَ غيبَةً، وإن كان كذباً سمِّي بُهتاناً) (5).
وقال زين الدين المناوي: (هي ذكر العيب بظهر الغيب بلفظ أو إشارة أو محاكاة) (6).
(2) ((معجم مقاييس اللغة)) لابن فارس (4/ 403).
(3) ((الجامع لأحكام القرآن)) للقرطبي (16/ 335).
(4) ((فتح الباري)) لابن حجر (10/ 469).
(5) ((الصحاح في اللغة)) للجوهري (1/ 196).
(6) ((فيض القدير شرح الجامع الصغير)) لزين الدين المناوي (3/ 166).،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،الفرق بين الغيبة وبعض الصفات
الفرق بين الغيبة والإفك والبهتان:
قال الحسن: (الغيبة ثلاثة أوجه كلها في كتاب الله تعالى: الغيبة والإفك والبهتان: فأما الغيبة فهو أن تقول في أخيك ما هو فيه.
وأما الإفك فأن تقول فيه ما بلغك عنه.
وأما البهتان فأن تقول فيه ما ليس فيه) (1).
قال الجرجاني: (الغيبة ذكر مساوئ الإنسان التي فيه في غيبة.
والبهتان ذكر مساوئ الإنسان، وهي ليست فيه) (2).
الفرق بين الغيبة والنميمة والغمز واللمز:
(الفرق بين الغيبة والنميمة والغمز واللمز:
أن الغيبة ذكر الإنسان بما يكره لما فيها من مفسدة الأعراض.
والنميمة أن ينقل إليه عن غيره أنه يتعرض لأذاه لما فيها من مفسدة إلقاء البغضاء بين الناس، ويستثنى منها أن فلاناً يقصد قتلك في موضع كذا أو يأخذ مالك في وقت كذا ونحو ذلك لأنه من النصيحة الواجبة كما تقدم في الغيبة.
والغمز أن تعيب الإنسان بحضوره.
واللمز بغيبته وقيل بالعكس) (3).
(1) ((الجامع لأحكام القرآن)) للقرطبي (16/ 335).
(2) ((التعريفات)) للجرجاني (ص210).
(3) ((الذخيرة)) للقرافي (ص241). ،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،ذم الغيبة والنهي عنها في القرآن والسنة
ذم الغيبة والنهي عنها من الكتاب:
- قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ [الحجرات:12].
قال الشوكاني: فهذا نهي قرآني عن الغيبة مع إيراد مثل لذلك يزيده شدة وتغليظاً، ويوقع في النفوس من الكراهة والاستقذار لما فيه ما لا يقادر قدره، فإن أكل لحم الإنسان من أعظم ما يستقذره بنو آدم جبلة وطبعاً، ولو كان كافراً أو عدواً مكافحاً، فكيف إذا كان أخاً في النسب أو في الدين؟ فإن الكراهة تتضاعف بذلك، ويزداد الاستقذار فكيف إذا كان ميتاً؟! فإن لحم ما يستطاب ويحل أكله يصير مستقذراً بالموت، لا يشتهيه الطبع، ولا تقبله النفس، وبهذا يعرف ما في هذه الآية من المبالغة في تحريم الغيبة، بعد النهي الصريح عن ذلك (1).
- وقال تعالى: وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ [الهمزة:1].
قال مقاتل بن سليمان: (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ يعني الطعان المغتاب الذي إذا غاب عنه الرجل اغتابه من خلفه) (2).
(وَقَالَ قَتَادَةُ: يَهْمِزُهُ وَيَلْمِزُهُ بِلِسَانِهِ وَعَيْنِهِ، وَيَأْكُلُ لُحُومَ النَّاسِ، ويطعنُ عَلَيْهِمْ) (3).
- وقال تعالى: وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً [الإسراء:36].
قال الرازي: (الْقَفْوَ هُوَ الْبُهْتُ وَأَصْلُهُ مِنَ الْقَفَا، كَأَنَّهُ قَوْلٌ يُقَالُ خَلْفَهُ وَهُوَ فِي مَعْنَى الْغِيبَةِ وَهُوَ ذِكْرُ الرَّجُلِ فِي غِيبَتِهِ بِمَا يَسُوءُهُ) (4).
(وقيل: القَفْوُ: هو البهت، وأصله من القَفَا؛ كأنه يقال: خلفه، وهو في معنى الغيبة) (5).
- قال تعالى: وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ [القصص: 55].
ذم الغيبة والنهي عنها من السنة:
- عن ابنُ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أنه قال: ((مَرَّ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلى قَبْرَيْنِ فَقَالَ إنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ وَما يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ ثمَّ قَالَ بَلى أما أحَدُهُمَا فَكانَ يَسْعَى بِالنَّمِيمَةِ وَأمَّا الآخَرُ فَكانَ لاَ يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ. قَالَ ثُمَّ أخَذَ عُودا رَطْبا فكَسَرَهُ باثْنَتَيْنِ ثُمَّ غَرَزَ كلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى قَبْرٍ ثُمَّ قَالَ لَعَلَّهُ يُخَفَّفُ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا .. )) (6).
(1) ((الفتح الرباني)) للشوكاني (11/ 5567 - 5568).
(2) ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (4/ 837).
(3) ((تفسير القرآن العظيم)) لابن كثير (8/ 481).
(4) ((مفاتيح الغيب)) للرازي (20/ 339).
(5) ((اللباب في علوم الكتاب)) لأبي حفص الحنبلي (12/ 282).
(6) رواه البخاري (6052)، ومسلم (292).،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،قال العيني: (التَّرْجَمَة مُشْتَمِلَة على شَيْئَيْنِ: الْغَيْبَة والنميمة، ومطابقة الحَدِيث للبول ظَاهِرَة، وَأما الْغَيْبَة فَلَيْسَ لَهَا ذكر فِي الحَدِيث، وَلَكِن يُوَجه بِوَجْهَيْنِ: أَحدهمَا: أَن الْغَيْبَة من لَوَازِم النميمة لِأَن الَّذِي ينم ينْقل كَلَام الرجل الَّذِي اغتابه، وَيُقَال: الْغَيْبَة والنميمة أختَان، وَمن نم عَن أحد فقد اغتابه. قيل: لَا يلْزم من الْوَعيد على النميمة ثُبُوته على الْغَيْبَة وَحدهَا، لِأَن مفْسدَة النميمة أعظم وَإِذا لم تساوها لم يَصح الْإِلْحَاق. قُلْنَا: لَا يلْزم من اللحاق وجود الْمُسَاوَاة، والوعيد على الْغَيْبَة الَّتِي تضمنتها النميمة مَوْجُود، فَيصح الْإِلْحَاق لهَذَا الْوَجْه. الْوَجْه الثَّانِي: أَنه وَقع فِي بعض طرق هَذَا الحَدِيث بِلَفْظ الْغَيْبَة، وَقد جرت عَادَة البُخَارِيّ فِي الْإِشَارَة إِلَى مَا ورد فِي بعض طرق الحَدِيث) (1).
- وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: حسبك من صفية كذا وكذا، فقال صلى الله عليه وسلم: ((لقد قلتِ كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته)) (2).
قال النووي: (هذا الحديث من أعظم الزواجر عن الغيبة أو أعظمها وما أعلم شيئا من الأحاديث بلغ في ذمها هذا المبلغ) (3).
(فإذا كانت هذه الكلمة بهذه المثابة، في مزج البحر، الذي هو من أعظم المخلوقات، فما بالك بغيبة أقوى منها) (4).
وقال ابن عثيمين: (ومعنى: مزجته خالطته مخالطة يتغير بها طعمه، أو ريحه لشدة نتنها وقبحها، وهذا من أبلغ الزواجر عن الغيبة) (5).
- وعن أبي بكرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم النحر بمنى: ((إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا هل بلغت)) (6).
قال النووي في شرحه على مسلم: (المراد بذلك كله بيان توكيد غلظ تحريم الأموال والدماء والأعراض والتحذير من ذلك) (7).
- وعن أبي هريرة- رضي الله عنه- مرفوعاً: ((من أكل لحم أخيه في الدّنيا قرّب له يوم القيامة فيقال له: كله ميتاً كما أكلته حيّا فيأكله ويكلح ويصيح)) (8).
قال ابن حجر: (يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْغِيبَةَ مِنَ الْكَبَائِرِ) (9).
- وعن المستورد- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: ((من أكل برجل مسلم أكلة فإنّ الله يطعمه مثلها من جهنّم، ومن كسي ثوباً برجل مسلم فإنّ الله يكسوه مثله من جهنّم، ومن قام برجل مقام سمعة ورياء فإنّ الله يقوم به مقام سمعة ورياء يوم القيامة)) (10).
قال الهروي: ((مَنْ أَكَلَ بِرَجُلٍ مُسْلِمٍ) أَيْ: بِسَبَبِ غَيْبَتِهِ أَوْ قَذْفِهِ أَوْ وُقُوعِهِ فِي عِرْضِهِ أَوْ بِتَعَرُّضِهِ لَهُ بِالْأَذِيَّةِ عِنْدَ مَنْ يُعَادِيهِ ... وَفِي النِّهَايَةِ: مَعْنَاهُ الرَّجُلُ يَكُونُ صَدِيقًا ثُمَّ يَذْهَبُ إِلَى عَدُوِّهِ فَيَتَكَلَّمُ فِيهِ بِغَيْرِ الْجَمِيلِ لِيُجِيزَهُ عَلَيْهِ بِجَائِزَةٍ فَلَا يُبَارِكُ اللَّهُ لَهُ فِيهَا) (11).
(1) ((عمدة القاري شرح صحيح البخاري)) للعيني (8/ 208).
(2) رواه أبو داود (4875) واللفظ له، والترمذي (2502). وصححه السيوطي في ((الجامع الصغير)) (2/ 264)، وصححه الألباني في ((صحيح الترغيب)) (2834).
(3) ((فيض القدير)) للمناوي (2/ 411).
(4) ((دليل الفالحين)) لمحمد البكري (8/ 352).
(5) ((شرح رياض الصالحين)) لابن عثيمين (6/ 126).
(6) رواه البخاري (67)، ومسلم (1679).
(7) ((شرح النووي على مسلم)) (11/ 169).
(8) قال الحافظ ابن حجر في ((الفتح)) (10/ 470): سنده حسن.
(9) ((فتح الباري شرح صحيح البخاري)) لابن حجر (10/ 470).
(10) رواه أبو داود (4881)، وأحمد (4/ 229) (18040)، والطبراني في ((الكبير)) (20/ 309). وصححه الألباني في ((صحيح الجامع)) (6083).
(11) ((مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح)) للهروي (8/ 3158).،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،أقوال السلف والعلماء في ذم الغيبة
- قال ابن عبَّاس: (اذكر أخاك إذا غاب عنك بما تحب أن يذكرك به، ودَع منه ما تُحِبُّ أن يَدَع منك) (1).
- وعن عمرو بن العاص- رضي الله عنه- أنّه مرّ على بغل ميّت فقال لبعض أصحابه: (لأن يأكل الرّجل من هذا حتّى يملأ بطنه خير له من أن يأكل لحم رجل مسلم) (2).
- وعن يحيى بن الحصين عن طارق قال: (دار بين سعد بن أبي وقاصٍ وبين خالد بن الوليد كلامٌ، فذهب رجلٌ ليقع في خالدٍ عند سعدٍ، فقال سعدٌ: مه إن ما بيننا لم يبلغ ديننا. أي عداوةٌ وشرٌ) (3).
- وقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ: (إِذَا أَرَادَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِعَبْدٍ خَيْرًا زَهَّدَهُ فِي الدُّنْيَا، وَفَقَّهَهُ فِي الدِّينِ، وَبَصَّرَهُ عُيُوبَهُ. قَالَ: ثُمَّ الْتَفَتَ الْفُضَيْلُ إِلَيْنَا، فَقَالَ: رُبَّمَا قَالَ الرَّجُلُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهَ؛ فَأَخْشَى عَلَيْهِ النَّارَ. قِيلَ: وَكَيْفَ ذَاكَ؟! قَالَ: يُغْتَابُ بَيْنَ يَدَيْهِ رَجُلٌ، فَيُعْجِبُهُ، فَيَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهَ، وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعُهَا؛ إِنَّمَا هَذَا مَوْضِعُ أَنْ يَنْصَحَ لَهُ فِي نَفْسِهِ، وَيَقُولُ لَهُ: اتَّقِ اللهَ) (4).
- وعن محمد بن سيرين أنه قال: (إن أكثر الناس خطايا أكثرهم ذكراً لخطايا الناس) (5).
- وعن الشّعبيّ- رحمه الله- (أنّ العبّاس بن عبد المطّلب قال لابنه عبد الله: يا بنيّ، أرى أمير المؤمنين يدنيك، فاحفظ منّي خصالاً ثلاثاً: لا تغتب من له سرّ، ولا يسمعنّ منك كذباً، ولا تغتابنّ عنده أحداً) (6).
- ومرَّ ابن سِيرين بقوم، فقام إليه رجل منهم فقال: أبا بكر، إنّا قد نِلْنا منك فحَلِّلنا؟ فقال: (إني لا أحِلّ لك ما حَرّم اللهّ عليك. فأمّا ما كان إليَّ فهو لكم) (7).
- وقال الحسن: (لا غيبة لثلاثة: فاسق مجاهر بالفسق، وذي بدعة، وإمام جائر).
- وعن يعلى بن عبيد قال: (كنا عند سفيان بن سعيد الثوري، فأتانا رجل يقال له: أبو عبد الله السلال، فقال لسفيان: يا أبا عبد الله! الحديث الذي روي أن الله تبارك وتعالى يبغض أهل بيت اللحميين أهم الذين يكثرون أكل اللحم؟ فقال سفيان: لا ولكنهم الذين يكثرون أكل لحوم الناس) (8).
- وقال بعض الحكماء: (عاب رجلٌ رجلاٌ عند بعض أهل العلم فقال له: قد استدللت على كثرة عيوبك بما تكثر من عيب الناس، لأن الطالب للعيوب إنما يطلبها بقدر ما فيه منها) (9).
- وقال الأصمعي: (اغتاب رجلٌ رجلاً عند قتيبة بن مسلم فقال له قتيبة: أمسك أيها الرجل، فوالله لقد تلمظت بمضغةٍ طالما لفظها الكرام) (10).
(1) ((العقد الفريد)) لابن عبد ربه الأندلسي (2/ 335 - 336)، بتصرف.
(2) ((الترغيب والترهيب)) للمنذري (3/ 329).
(3) ((عيون الأخبار)) للدينوري (2/ 16)، بتصرف.
(4) ((المجالسة وجواهر العلم))، لمشهور بن حسن آل سلمان (6/ 86).
(5) ((المجالسة وجواهر العلم))، لمشهور بن حسن آل سلمان (6/ 86).
(6) مكارم الأخلاق للخرائطي برقم (2/ 207).
(7) ((المجالسة وجواهر العلم))، لمشهور بن حسن آل سلمان (3/ 54).
(8) ((المجالسة وجواهر العلم))، لمشهور بن حسن آل سلمان (4/ 24 - 25).
(9) ((المجالسة وجواهر العلم))، لمشهور بن حسن آل سلمان (3/ 54).
(10) ((المجالسة وجواهر العلم))، لمشهور بن حسن آل سلمان (5/ 305).،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،وأتى رجلٌ عمرو بن مرثدٍ فسأله أن يكلم له أمير المؤمنين، فوعده أن يفعل، فلما قام قال بعض من حضر: إنه ليس مستحقًا لما وعدته. فقال عمرو: (إن كنت صدقت في وصفك إياه فقد كذبت في ادعائك مودتنا، لأنه إن كان مستحقاً كانت اليد موضعها، وإن لم يكن مستحقًا فما زدت على أن أعلمتنا أن لنا بمغيبنا عنك مثل الذي حضرت به من غاب من إخواننا) (1).
- و (قال البخاري: ما اغتبت أحداً منذ علمت أن الغيبة حرام.
- واغتاب رجل عند معروف الكرخي فقال له: اذكر القطن إذا وضع على عينيك.
- وقيل للربيع بن خثيم: ما نراك تعيب أحداً؟ فقال: لست عن نفسي راضياً فأتفرغ لذم الناس.
- وقال ابن المبارك: لو كنت مغتاباً أحداً لاغتبت والديّ لأنهما أحق بحسناتي) (2).
- وعن الحسن البصري رحمه الله أن رجلاً قال له: إنك تغتابني، فقال: ما بلغ قدرك عندي أن أحكمك في حسناتي (3).
- وعن ابن سيرين؛ قال: إنّه ذكر الغيبة فقال: (ألم تر إلى جيفة خضراء منتنة) (4).
- وعن مجاهد في قوله تعالى: وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ قال: (الّذي يأكل لحوم النّاس، واللّمزة: الطّعّان) (5).
- و (اغتاب ابن جلا بعض إخوانه فأرسل إليه يستحله فأبى قائلاُ: ليس في صحيفتي حسنة أحسن منها فكيف أمحوها.
- وقال الغزالي: والغيبة هي الصاعقة المهلكة للطاعات ومثل من يغتاب كمن ينصب منجنيقاً فهو يرمي به حسناته شرقاً وغرباً ويميناً وشمالاً.
- وقد قيل للحسن: اغتابك فلان فبعث إليه بطبق فيه رطب وقال: أهديت إلي بعض حسناتك فأحببت مكافأتك) (6).
- وقيل: (دعي إبراهيم بن أدهم إلى دعوة، فحضر، فذكروا رجلاً لم يأتهم، فقالوا: إنه ثقيل؟؟ فقال إبراهيم: إنما فعل بي هذا نفسي، حيث حضرت موضعاً يغتاب فيه الناس، فخرج، ولم يأكل ثلاثة أيام) (7).
- وقيل: (أوحى الله إلى موسى عليه السلام: من مات تائباً من الغيبة، فهو آخر من يدخل الجنة، ومن مات مصراً عليها، فهو أول من يدخل النار) (8).
(1) ((المجالسة وجواهر العلم))، لمشهور بن حسن آل سلمان (3/ 56).
(2) ((الأربعين النووية)) (ص605 - 606).
(3) ((الأذكار النووية)) (ص340).
(4) ((الزهد)) لوكيع بن الجراح (ص209).
(5) ((الزهد)) لوكيع بن الجراح (ص212).
(6) ((فيض القدير شرح الجامع الصغير)) لزين الدين المناوي (3/ 166).
(7) ((الرسالة القشيرية)) لعبد الكريم القشيري (ص194).
(8) ((آفات اللسان)) لأبي حامد الغزالي (ص151).،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،حكم الغيبة
قال ابن كثير: (والغيبة محرمة بالإجماع، ولا يستثنى من ذلك، إلا ما رجحت مصلحة، كما في الجرح والتعديل والنصيحة) (1).
واعتبر الإمام ابن حجر الغيبة من الكبائر حيث قال: (الذي دلت عليه الدلائل الكثيرة الصحيحة الظاهرة أنها كبيرة: لكنها تختلف عظماً وضده بحسب اختلاف مفسدتها. وقد جعلها من أوتي جوامع الكلم عديلة غصب المال، وقتل النفس بقوله صلى الله عليه وسلم ((كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه)) (2) والغصب والقتل كبيرتان إجماعا، فكذا ثلم العرض) (3).
(1) ((تفسير ابن كثير)) (7/ 380).
(2) رواه مسلم (2564).
(3) ((الزواجر)) لابن حجر (2/ 555).،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،حكم سماع الغيبة
إن سماع الغيبة والاستماع إليها لا تجوز، فقائل الغيبة وسامعها في الإثم سواء.
ومما يدل على ذلك قول النبي صلى الله علي وسلم: ((ما من امرئ مسلم يخذل امرأ مسلماً في موضع ينتهك فيه حرمته وينتقص فيه من عرضه إلا خذله الله في موطن يحب نصرته، وما من امرئ مسلم ينصر مسلماً في موضع ينتقص فيه من عرضه وينتهك من حرمته إلا نصره الله في موطن يحب نصرته)) (1).
(عن أبي وائل، أن عمر، قال: (ما يمنعكم إذا رأيتم السفيه يخرق أعراض الناس أن تعربوا عليه؟ قالوا: نخاف لسانه قال: ذاك أدنى أن لا تكونوا شهداء) (2).
حدثنا عبد الله، حدثني أبي رحمه الله، عن شيخ، من قريش قال: قال مولى لعمرو بن عتبة بن أبي سفيان: رآني عمرو بن عتبة وأنا مع رجل وهو يقع في آخر فقال: (لي) ويلك - ولم يقلها لي قبلها ولا بعدها - نزه سمعك عن استماع الخنا كما تنزه لسانك عن القول به؛ فإن المستمع شريك القائل وإنما نظر إلى شر ما في وعائه فأفرغه في وعائك ولو رددت كلمة سفيه في فيه لسعد بها رادها كما شقي بها قائلها) (3).
وكان ميمون بن سياه لا يغتاب ولا يدع أحداً يغتاب، ينهاه فإن انتهى، وإلا قام (4).
قال كعب بن زهير في الذين يستمعون الغيبة:
فالسامع الذم شريك له ... ومطعم المأكول كالآكل
وقال آخر:
وسمعك صُنْ عن سماع القبيح ... كصون اللسان عن القول به
فإنك عند استماع القبيح ... شريك لقائله فانتبه ...
(1) رواه أبو داود (4884)، وأحمد (4/ 30) (16415) من حديث جابر بن عبد الله وأبي طلحة الأنصاري رضي الله عنهم. وحسن إسناده الهيثمي في ((المجمع)) (7/ 270)، وصححه السيوطي في ((الجامع الصغير)) (8002)، والألباني في ((صحيح الجامع)) (5690).
(2) رواه ابن أبي الدنيا في ذم ((الغيبة والنميمة)) (ص33).
(3) ((ذم الغيبة والنميمة)) لابن أبي الدنيا (ص163).
(4) ((ذم الغيبة والنميمة)) لابن أبي الدنيا (ص164).،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،فضل الدفاع عن عرض الآخرين
عن أسماء بنت يزيد- رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ((من ذبّ عن عرض أخيه بالغيبة كان حقّا على الله أن يعتقه من النّار)) (1).
عن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من رد عن عرض أخيه رد الله عن وجهه النار يوم القيامة)) (2).
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من حمى عن عرض أخيه في الدنيا، بعث الله عز وجل ملكاً يوم القيامة يحميه من النار)) (3).
عن القاسم بن عبد الرحمن الشامي سمعت بن أم عبد يقول: من اغتيب عنده مؤمن فنصره جزاه الله بها خيراً في الدنيا والآخرة ومن اغتيب عنده مؤمن فلم ينصره جزاه الله بها في الدنيا والآخرة شرا وما التقم أحد لقمة شراً من اغتياب مؤمن إن قال فيه ما يعلم فقد اغتابه وإن قال فيه بما لا يعلم فقد بهته (4).
عن سهل بن معاذ بن أسد الجهني عن أبيه: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من حمى مؤمناً من منافق)) أراه قال: ((بعث الله ملكاً يحمي لحمه يوم القيامة من نار جهنم ومن رمى مسلماً بشيء يريد شينه به حبسه الله على جسر جهنم حتى يخرج مما قال)) (5).
(1) رواه أحمد (6/ 461) (27650)، والطبراني في ((المعجم الكبير)) (24/ 176)، وأبو نعيم في ((حلية الأولياء)) (6/ 67). وحسن إسناده المنذري في ((الترغيب والترهيب)) (3/ 333)، والهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (8/ 95)، وحسنه السيوطي في ((الجامع الصغير)) (8671).
(2) رواه الترمذي (1931)، وأحمد (6/ 450) (27583). وحسنه الترمذي، وصححه لغيره الألباني في ((صحيح الترغيب)) (2848).
(3) رواه ابن أبي الدنيا في ((الصمت)) (ص147).
(4) ((الأدب المفرد)) للبخاري (ص320 - 321).
(5) رواه أبو داود (4883)، وأحمد (3/ 441) (15687). وضعفه الألباني في ((ضعيف الجامع)) (5564).،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
أقسام الغيبة
للغيبة ثلاثة أقسام:
1 - الغيبة المحرمة:
وهي ذكرك أخاك المسلم في غيبته بما يكره بعيب فيه مخفي سواء كان هذا العيب خَلْقي أم خُلُقي في دينه أو دنياه، ولا شك أنه محرم في الكتاب والسنة والإجماع، للأدلة الواردة سلفاً في هذا الباب.
قال ابن القيم – وهو يتحدث عن الغيبة -: (وإذا وقعت على وجه ذم أخيك وتمزيق عرضه والتفكه بلحمه والغض منه لتضع منزلته من قلوب الناس فهي الداء العضال ونار الحسنات التي تأكلها كما تأكل النار الحطب) (1).
2 - الغيبة الواجبة:
هي الغيبة التي بها يحصل للفرد نجاة مما لا يحمد عقباه أو مصيبة كانت محتملة الوقوع به، مثل التي تطلب للنصيحة عند الإقبال على الزواج لمعرفة حال الزوج، أو كأن يقول شخص لآخر محذراً له من شخص شرير: إن فلان يريد قتلك في المكان الفلاني، أو يريد سرقة مالك في الساعة الفلانية، وهذا من باب النصيحة.
3 - الغيبة المباحة:
كما أن الغيبة محرمة لما فيها من أضرار تمس الفرد، إلا أنها مباحة بضوابطها لغرض شرعي صحيح لا يمكن الوصول لهذا الغرض إلا بهذه الغيبة، وبدون هذه الضوابط تصبح محرمة.
(اعلم أن الغيبة تباح لغرض صحيح شرعي لا يمكن الوصول إليه إلا بها وهو ستة أبواب:
الأول: التظلم، فيجوز للمظلوم أن يتظلم إلى السلطان والقاضي وغيرهما مما له ولاية أو قدرة على إنصافه من ظالمه، فيقول: ظلمني فلان كذا.
الثاني: الاستعانة على تغيير المنكر ورد المعاصي إلى الصواب فيقول لمن يرجو قدرته على إزالة المنكر: فلان يعمل كذا، فازجره عنه.
الثالث: الاستفتاء، فيقول: للمفتي: ظلمني أبي أو أخي أو زوجي أو فلان بكذا.
الرابع: تحذير المسلمين من الشر ونصيحتهم وذلك من وجوه منها:
1 - جرح المجروحين من الرواة والشهود.
2 - المشاورة في مصاهرة إنسان أو مشاركته أو إيداعه أو معاملته أو غير ذلك.
3 - إذا رأى متفقهاً يتردد إلى مبتدع أو فاسق يأخذ عنه العلم، وخاف أن يتضرر المتفقه بذلك فعليه نصيحته ببيان حاله.
4 - أن يكون له ولاية لا يقوم بها على وجهها، إما أن لا يكون صالحاً لها، وإما أن يكون فاسقاً ومغفلاً فيجب ذكر ذلك لمن له عليه ولاية عامة.
الخامس: أن يكون مجاهراً بفسقه أو بدعته كالمجاهر بشرب الخمر ومصادرة الناس وأخذ المكس وغيرها.
فهذه ستة أسباب ذكرها العلماء وأكثرها مجمع عليها، دلائلها من الأحاديث الصحيحة مشهورة) (2).
قال ابن الأمير الصنعاني:
الذم ليس بغيبة في ستة ... متظلم ومعرف ومحذر
ولمظهر فسقاً ومستفتٍ ومن ... طلب الإعانة في إزالة منكر (3)
(قال عيسى لا غيبة إلا في ثلاث: إمام جائر وفاسق معلن وصاحب بدعة.
قال محمد بن رشد: إنما لم يكن في هؤلاء غيبة؛ لأن الغيبة إنما هي بأن يذكر من الرجل ما يكره أن يذكر عنه لمن لا يعلم ذلك منه، والإمام الجائر والفاسق المعلن قد اشتهر أمرهما عند الناس، فلا غيبة في أن يذكر من جور الجائر وفسق الفاسق ما هو معلوم من كل واحد منهما، وصاحب البدعة يريد ببدعته ويعتقد أنه على الحق فيها وأن غيره على الخطأ في مخالفته في بدعته فلا غيبة فيه لأنه إن كان معلناً بها فهو يحب أن يذكر بها، وإن كان مستتراً بها فواجب أن يذكر بها ويحفظ الناس من اتباعه عليها) (4).
فإذا وقعت الغيبة على وجه النصيحة لله ورسوله وعباده المسلمين فهي قربة إلى الله من جملة الحسنات (5).
للغيبة ثلاثة أقسام:
1 - الغيبة المحرمة:
وهي ذكرك أخاك المسلم في غيبته بما يكره بعيب فيه مخفي سواء كان هذا العيب خَلْقي أم خُلُقي في دينه أو دنياه، ولا شك أنه محرم في الكتاب والسنة والإجماع، للأدلة الواردة سلفاً في هذا الباب.
قال ابن القيم – وهو يتحدث عن الغيبة -: (وإذا وقعت على وجه ذم أخيك وتمزيق عرضه والتفكه بلحمه والغض منه لتضع منزلته من قلوب الناس فهي الداء العضال ونار الحسنات التي تأكلها كما تأكل النار الحطب) (1).
2 - الغيبة الواجبة:
هي الغيبة التي بها يحصل للفرد نجاة مما لا يحمد عقباه أو مصيبة كانت محتملة الوقوع به، مثل التي تطلب للنصيحة عند الإقبال على الزواج لمعرفة حال الزوج، أو كأن يقول شخص لآخر محذراً له من شخص شرير: إن فلان يريد قتلك في المكان الفلاني، أو يريد سرقة مالك في الساعة الفلانية، وهذا من باب النصيحة.
3 - الغيبة المباحة:
كما أن الغيبة محرمة لما فيها من أضرار تمس الفرد، إلا أنها مباحة بضوابطها لغرض شرعي صحيح لا يمكن الوصول لهذا الغرض إلا بهذه الغيبة، وبدون هذه الضوابط تصبح محرمة.
(اعلم أن الغيبة تباح لغرض صحيح شرعي لا يمكن الوصول إليه إلا بها وهو ستة أبواب:
الأول: التظلم، فيجوز للمظلوم أن يتظلم إلى السلطان والقاضي وغيرهما مما له ولاية أو قدرة على إنصافه من ظالمه، فيقول: ظلمني فلان كذا.
الثاني: الاستعانة على تغيير المنكر ورد المعاصي إلى الصواب فيقول لمن يرجو قدرته على إزالة المنكر: فلان يعمل كذا، فازجره عنه.
الثالث: الاستفتاء، فيقول: للمفتي: ظلمني أبي أو أخي أو زوجي أو فلان بكذا.
الرابع: تحذير المسلمين من الشر ونصيحتهم وذلك من وجوه منها:
1 - جرح المجروحين من الرواة والشهود.
2 - المشاورة في مصاهرة إنسان أو مشاركته أو إيداعه أو معاملته أو غير ذلك.
3 - إذا رأى متفقهاً يتردد إلى مبتدع أو فاسق يأخذ عنه العلم، وخاف أن يتضرر المتفقه بذلك فعليه نصيحته ببيان حاله.
4 - أن يكون له ولاية لا يقوم بها على وجهها، إما أن لا يكون صالحاً لها، وإما أن يكون فاسقاً ومغفلاً فيجب ذكر ذلك لمن له عليه ولاية عامة.
الخامس: أن يكون مجاهراً بفسقه أو بدعته كالمجاهر بشرب الخمر ومصادرة الناس وأخذ المكس وغيرها.
فهذه ستة أسباب ذكرها العلماء وأكثرها مجمع عليها، دلائلها من الأحاديث الصحيحة مشهورة) (2).
قال ابن الأمير الصنعاني:
الذم ليس بغيبة في ستة ... متظلم ومعرف ومحذر
ولمظهر فسقاً ومستفتٍ ومن ... طلب الإعانة في إزالة منكر (3)
(قال عيسى لا غيبة إلا في ثلاث: إمام جائر وفاسق معلن وصاحب بدعة.
قال محمد بن رشد: إنما لم يكن في هؤلاء غيبة؛ لأن الغيبة إنما هي بأن يذكر من الرجل ما يكره أن يذكر عنه لمن لا يعلم ذلك منه، والإمام الجائر والفاسق المعلن قد اشتهر أمرهما عند الناس، فلا غيبة في أن يذكر من جور الجائر وفسق الفاسق ما هو معلوم من كل واحد منهما، وصاحب البدعة يريد ببدعته ويعتقد أنه على الحق فيها وأن غيره على الخطأ في مخالفته في بدعته فلا غيبة فيه لأنه إن كان معلناً بها فهو يحب أن يذكر بها، وإن كان مستتراً بها فواجب أن يذكر بها ويحفظ الناس من اتباعه عليها) (4).
فإذا وقعت الغيبة على وجه النصيحة لله ورسوله وعباده المسلمين فهي قربة إلى الله من جملة الحسنات (5).
(1) ((الروح)) لابن القيم (ص240).
(2) ((رياض الصالحين)) للنووي (2/ 182) بتصرف.
(3) ((سبل السلام)) لابن الأمير الصنعاني (4/ 194).
(4) ((البيان والتحصيل)) لأبي الوليد ابن رشد القرطبي (17/ 575).
(5) ((الروح)) لابن القيم (ص240).،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،أمور ينبغي مراعاتها عند الغيبة المباحة:
إن للغيبة المباحة -التي أباحها الشارع للضرورة- أمور ينبغي مراعاتها، ومن هذه الضوابط:
(1 - الإخلاص لله تعالى في النية، فلا تقل ما أبيح لك من الغيبة تشفياً لغيظ، أو نيلاً من أخيك، أو تنقيصاً منه.
2 - عدم تعيين الشخص ما أمكنك ذلك.
3 - أن تذكر أخاك بما فيه، بما يباح لك، ولا تفتح لنفسك باب الغيبة على مصراعيه، فتذكر ما تشتهي نفسك من عيوبه.
4 - التأكد من عدم وقوع مفسدة أكبر من هذه الفائدة) (1).
(1) ((حصائد الألسن)) لحسين العوايشة (ص89 - 90).،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،أضرار الغيبة على الفرد والمجتمع
إن للغيبة أضرار كثيرة في الدنيا والآخرة، وهذه الأضرار لها آثارها السلبية على الفرد والمجتمع، فلا بد من التنبيه عليها، والاطلاع على تبعاتها، كي نتجنبها ولا نقع فيها ونحذر ارتكابها.
أضرارها على الفرد:
1ــ الغيبة تزيد في رصيد السيئات وتنقص من رصيد الحسنات:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: حسبك من صفية كذا وكذا، فقال صلى الله عليه وسلم: ((لقد قلتِ كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته)) (1).
(وهذا يدل على ما يلحق المغتاب من الإثم بسبب افتياته على خلق الله تعالى الذي حرم الغيبة، وفي نفس الوقت افتات على حق الإنسان الذي اغتابه) (2).
2ـــ الغيبة من أربى الربا:
وفي الحديث ((الربا نيف وسبعون بابًا، أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه، وإن أربى الربا استطالة المسلم في عرض أخيه المسلم)) (3).
3ــ صاحب الغيبة مفلس يوم القيامة:
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم- قَالَ: ((أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ)). قَالُوا الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لاَ دِرْهَمَ لَهُ وَلاَ مَتَاعَ. فَقَالَ: ((إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاَةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ)) (4).
4ــ الغيبة تسبب هجر صاحبها:
قال العلامة ابن باز: (والواجب عليك وعلى غيرك من المسلمين عدم مجالسة من يغتاب المسلمين مع نصيحته والإنكار عليه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان)) (5)، فإن لم يمتثل فاترك مجالسته لأن ذلك من تمام الإنكار عليه) (6).
5ــ الغيبة تجرح الصوم:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه)) (7).
وقال صلى الله عليه وسلم: ((الصيام جنة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل: إني صائم)) (8).
6ــ يتتبع الله عورة المغتاب ويفضحه في جوف بيته:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((يا معشر من آمن بلسانه لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من يتبع عورة أخيه يتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه في جوف بيته)) (9).
7ــ المغتابون هم في عداد أهل النار:
(1) رواه أبو داود (4875) واللفظ له، والترمذي (2502). وصححه السيوطي في ((الجامع الصغير)) (2/ 264)، وصححه الألباني في ((صحيح الترغيب)) (2834).
(2) ((إبراء الذمة من حقوق العباد)) لنوح علي سليمان (604).
(3) رواه البيهقي في ((شعب الإيمان)) (9/ 82). وصححه الألباني بمجموع طرقه في ((السلسلة الصحيحة)) (4/ 490).
(4) رواه مسلم (2581).
(5) رواه مسلم (49) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
(6) ((مجموع فتاوى ومقالات متنوعة)) لابن باز (ص402).
(7) رواه البخاري (1903) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(8) رواه البخاري (1904)، ومسلم (1151).
(9) رواه أبو يعلى (3/ 237)، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (12/ 160) (9213) من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه. قال الهيثمي في ((المجمع)) (8/ 96): رجاله ثقات. وقال البوصيري في ((إتحاف الخيرة المهرة)) (6/ 74): هذا إسناد ثقات.،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،عن أنس – رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون بها وجوههم وصدورهم، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس يقعون في أعراضهم)) (1).
8ــ الغيبة أنتن من الجيفة:
قال تعالى: وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ [الحجرات:12].
9ــ تعود المغتاب على الغيبة، لأنه عندما يغتاب شخصاً، فسيغتاب آخر وهكذا دواليك، وبذلك تصبح الغيبة مستساغة لديه فلا ينكرها، ولا يستعظم إثمها.
10ــ لا يغفر لصاحب الغيبة حتى يعفو عنه الذي وقعت عليه الغيبة.
11ــ الغيبة تترك في نفس الفرد جوانب عدائية بسبب ما تتركه على سمعته ومكانته.
12ــ الغيبة تظهر عيوب الفرد المستورة في الوقت الذي لا يملك فيه الدفاع عن نفسه.
13ــ الغيبة تدل على دناءة صاحبها وجبنه وخسته.
أضرارها على المجتمع:
1 - كشف عورات الآخرين ونشر عيوبهم والاستهانة بها.
2 - الغيبة تؤدي إلى الغيبة، أي أن من اغتيب قد يدفعه غضبه إلى غيبة من اغتابه، وبهذا تنتشر هذه الصفة الذميمة وتصبح مرض عضال يصعب استئصاله.
3 - نشر الحقد والحسد والكراهية والبغضاء بين أفراد المجتمع.
4 - إفساد المودات، وقطع أواصر الأخوة الإيمانية، وملء القلوب بالضغائن والعداوات.
(1) رواه أبو داود (4878)، وأحمد (3/ 224) (13364)، والطبراني في ((الأوسط)) (1/ 7). وصححه السيوطي في ((الجامع الصغير)) (2/ 232)، والألباني في ((صحيح الجامع)) (5213).،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،صور الغيبة
الغيبة تكون في جميع الصفات الخُلُقِيَّة والخِلْقِيَّة وفي جميع أمور الدنيا والدين.
وقال الغزالي: (حد الغيبة: أن تذكر أخاك بما يكرهه لو بلغه سواء ذكرته بنقص في بدنه، أو نسبه، أو في خلقه، أو في فعله، أو في قوله، أو في دينه، أو في دنياه .. حتى في ثوبه، وداره، ودابته.
أما البدن، فذكرك العمش، والحول، والقرع، والقصر، والطول، والسواد، والصفرة، وجميع ما يتصور أن يوصف به مما يكرهه، كيفما كان.
وأما النسب، فبأن تقول: أبوه نبطي، أو هندي، أو فاسق، أو خسيس، أو إسكاف، أو زبال، أو شيء مما يكرهه، كيفما كان.
وأما الخُلق، فبأن تقول: هو سيئ الخلق، بخيل، متكبر، مراء شديد الغضب، جبان، عاجز، ضعيف القلب، متهور .. وما يجري مجراه.
وأما في أفعاله المتعلقة بالدين، فكقولك: هو سارق، أو كذاب أو شارب خمر، أو خائن، أو ظالم، أو متهاون بالصلاة، أو الزكاة، أو لا يحسن الركوع، أو السجود، أو لا يحسن قسمتها، أو لا يحرس صومه عن الرفث، والغيبة، والتعرض لأعراض الناس.
وأما فعله المتعلق بالدنيا، فكقولك: إنه قليل الأدب، متهاون بالناس، أو لا يرى لأحد على نفسه حقاً، أو يرى لنفسه الحق على الناس، أو أنه كثير الكلام، كثير الأكل، نئوم، ينام في غير وقت النوم ويجلس في غير موضعه.
وأما ثوبه، فكقولك: إنه واسع الكم، طويل الذيل، وسخ الثياب.
وقال قوم: لا غيبة في الدين، لأنه ذم ما ذمه الله تعالى، فذكره بالمعاصي، وذمه بها يجوز، بدليل ما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرت له امرأة وكثرة صلاحها وصومها، ولكنها تؤذي جيرانها بلسانها، فقال: ((هي في النار)) (1)) (2).
ومن صور الغيبة:
1 - الإصغاء للغيبة من باب التعجب من فعل الذي اغتيب، وهو بهذا الأسلوب كأنه يستخرج الغيبة من المغتاب فيزيد في غيبته ويندفع فيها.
2 - ذكر حال الذي اغتيب وإظهار التألم والاستياء لحاله والدعاء له أمام الآخرين.
3 - أن يقول المستمع للمغتاب اسكت، لكن المستمع لم ينكر ذلك في قلبه، وإنما هو مشتهٍ بذلك، فهذا قد وقع في الغيبة ما لم يكرهه بقلبه.
4 - أن يذكر الإنسان شخص ما ويمدحه ويذكر اهتمامه والتزامه بالدين، ثم يقول: لكنه ابتلي بما ابتلينا به كلنا من تقصير وفتور في بعض العبادات، وهو بهذا يستنقص من قدر الذي اغتيب، وبذلك وقع في الغيبة.
5 - أن يتكلم الإنسان بألفاظ أو أسلوب يحاكي فيه الآخرين، بقصد غيبتهم.
6 - التشبه بالآخرين في مشيتهم بغرض السخرية منهم، كأن يمشي متعرجاً، أو يغمض أحد عينيه محاكاةً للأعور، وغيرها من الحركات التي توحي بالسخرية.
(1) رواه أحمد (2/ 440) (9673)، وابن حبان (13/ 76)، والحاكم (4/ 183) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وصحح إسناده الحاكم، وصححه الذهبي. وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (8/ 172): رجاله ثقات.
(2) ((آفات اللسان)) لأبي حامد الغزالي (ص156 - 157).،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،أمور يحسب الناس أنها ليست غيبة ولكنها غيبة
(1 - قد يغتاب الرجل أخاه، وإذا أنكر عليه قال: (أنا على استعداد للقول أمامه)، ويرد على هذا بردود منها:
أ- أنك ذكرته من خلفه بما يكره بما فيه، وهذه هي الغيبة.
ب- استعدادك للحديث أمامه، أمر آخر مستقل، لم يرد فيه دليل على أنه يسوغ لك أن تذكر أخاك من خلفه بما يكره.
2 - قول القائل في جماعة من الناس عند ذكر شخص ما: (نعوذ بالله من قلة الحياء)، أو (نعوذ بالله من الضلال)، أو نحو هذا، فإنه يجمع بين ذم المذكور ومدح النفس.
3 - وكذلك قول المرء: (فلان مبتلى بكذا)، أو (كلنا نفعل هذا).
4 - قول القائل: (فعل كذا بعض الناس)، أو بعض الفقهاء، أو نحو ذلك، إذا كان المخاطب يفهمه بعينه، لحصول التفهيم.
5 - قول الشخص: (فعل كذا الأفندي)، أو (جناب السيد) ونحو ذلك، إن كان يقصد التنقيص منه.
6 - قولهم: هذا صغير تجوز غيبته، وأين الدليل على تجويز هذه الغيبة، طالما وردت النصوص مطلقة؟
7 - التساهل في غيبة العاصي، وأما المجاهر بالمعصية، فيقال بتجويز غيبته، وأما التساهل في غيبة العاصي مطلقاً فلا، لأن قوله عليه الصلاة والسلام: (الغيبة ذكرك أخاك بما يكره)، يشمل المسلم الطائع والعاصي.
8 - قولك: هذا هندي، أو مصري، أو فلسطيني، أو أردني، أو عجمي، أو عربي، أو بدوي، أو قروي، أو إسكاف، أو نجار، أو حداد، إن كان ذلك تحقيراً أو انتقاصاً) (1).
(1) ((حصائد الألسن)) لحسين العوايشة (ص90 - 91)،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،أسباب الوقوع في الغيبة
توجد بعض الأسباب التي تجعل الإنسان يقع في براثن الغيبة ومساوئها، ومن تلك الأسباب:
1 - كراهيته الباطنة لمن يغتاب، مع عدم رغبته بإظهار كراهيته، لئلا تتحول إلى عداوة ظاهرة.
2 - المنافسة التي ولدت حسداً والحسود لا يحب أن يعرف عنه الحسد.
3 - الرغبة بأن يبرر المغتاب في نظر الناس ما عرفوه عنه من معايب وقبائح، فإذا ذكر أمامهم من يحترمونه بأن له من العيوب والقبائح مثل عيوبه وقبائحه، خف إنكارهم عليه) (1).
4 - تشفي الغيظ بأن يجري من إنسان في حق آخر سبب يهيجُ غيظه فكلما هاج غضبه تشفى بغيبة صاحبه.
5 - موافقة الأقران ومجاملة الرفقاء، ومساعدتهم على الغيبة، فإنه يخشى إن أنكر عليهم أن يستثقلوه.
6 - إرادة رفع نفسه بتنقيص غيره فيقول: فلان جاهل وفهمه ركيك.
7 - اللعب والهزل: فيذكر غيره بما يضحك له على سبيل المحاكاة.
8 - كثرة الفراغ، والشعور بالملل والسأم، فيشتغل بالناس وأعراضهم وعيوبهم.
9 - التقرب لدى أصحاب الأعمال، والمسئولين عن طريق ذم العاملين معه، ليرتقي لمنصب أفضل، أو ليقال عنه مواظب (2).
10 - الظهور بمظهر الغضب لله على من يرتكب المنكر فيظهر غضبه ويذكر اسمه مثل أن يقول فلان لا يستحيي من الله يفعل كذا وكذا ويقع في عرضه بالغيبة.
11 - إظهار الرحمة والتّصنُّع بمواساة الآخرين كأن يقول لغيره من الناس: مسكين فلان قد غمني أمره وما هو فيه من المعاصي (3).
12 - ضعف التربية الإيمانية، وعدم التنبه لعظمة من تعصي.
13 - جهل المغتاب بحكم الغيبة، وعواقبها الوخيمة والسيئة التي تورث غضب الله وسخطه.
14 - تنشئة الفرد تنشئة سيئة بعيدة عن الأخلاق والتعاليم الإسلامية.
15 - صحبة الأشرار الذين هم بعيدون عن الآداب الإسلامية السليمة فالمرء على دين خليله.
16 - حضور المجالس والتجمعات التي تخلو من ذكر الله، ويكثر فيها الغيبة والنميمة.
17 - الطمع وحب الدنيا والحرص عليها.
(1) ((الأخلاق الإسلامية وأسسها)) لعبدالرحمن حبنكة الميداني (ص231).
(2) ((حصائد الألسن)) لحسين العوايشة (ص85 - 87) بتصرف.
(3) ((آفات اللسان في ضوء الكتاب والسنة)) لسعيد بن علي القحطاني (ص20).،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،فوائد ترك الغيبة
1 - تارك الغيبة من أفضل المسلمين:
عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، أي المسلمين أفضل؟ قال: ((من سلم المسلمون من لسانه ويده)) (1).
ترك الغيبة يدخل الجنة:
عن سهل بن سعد: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة)) (2).
ــ قطع الغيبة من علامات التوبة:
قَالَ بَعْضُ الْعُبَّادِ: (عَلامةُ التَّوْبَةِ: الْخُرُوجُ مِنَ الْجَهْلِ، وَالنَّدَمُ عَلَى الذَّنْبِ، وَالتَّجَافِي عَنِ الشَّهَوَاتِ، وَاعْتِقَادُ مَقْتِ نَفْسِكَ الْمُسَوِّلَةِ، وَإِخْرَاجُ الْمَظْلَمَةِ، وَإِصْلاحُ الْكَسِيرَةِ وَالشَّهْوَةِ، وَتَرْكُ الْكَذِبِ، وَقَطْعُ الْغِيبَةِ، وَالانْتِهَاءُ عَنْ خِدْنِ السُّوءِ، وَالاشْتِغَالُ بِمَا عَلَيْكَ، وَالاسْتِعْدَادُ لِمَا تَنْقَلِبُ إِلَيْهِ، وَالْبُكَاءُ عَلَى مَا سَلَفَ مِنْ عُمْرِكَ، وَتَرْكُ مَا لا يَعْنِيكَ، وَالْخَوْفُ مِنْ سَاعَةٍ تَأْتِيكَ رُسُلُ رَبِّكَ لِقَبْضِ رُوحِكَ، وَالتَّفَجُّعُ وَالْحُزْنُ لَيْلَةً تَبِيتُ فِي قَبْرِكَ وَحْدَكَ بَيْنَ أَطْبَاقِ الثَّرَى إِلَى يوم المعاد) (3).
(1) رواه البخاري (11)، مسلم (42).
(2) رواه البخاري (6474).
(3) ((المجالسة وجواهر العلم))، لمشهور بن حسن آل سلمان (4/ 197).،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،علاج من وقع في الغيبة
(إنّ الغيبة مرض خطير، وداء فتّاك، ومعول هدّام، وسلوك يفرّق بين الأحباب، وبهتان يغطّي على محاسن الآخرين، وبذرة تنبت شروراً بين المجتمع المسلم، وتقلب موازين العدالة والإنصاف إلى الكذب والجور، وعلاج هذا المرض لا يكون إلّا بالعلم والعمل، فإذا عرف المغتاب أنّه تعرّض لسخط الله يوم القيامة بإحباط عمله وإعطاء حسناته من يغتابه أو يحمل عنه أوزاره، وأنّه يتعرّض لهجوم من يغتابه في الدّنيا، وقد يسلّطه الله عليه، إذا علم هذا وعمل بمقتضاه من خير فقد وفّق للعلاج) (1).
(1) ((نظرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول)) مجموعة مؤلفين (11/ 5164).،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،التوبة من الغيبة
تكون التوبة من الغيبة بالاستغفار والندم، والاستحلال من الذي اغتيب.
(فهذا الذنب يتضمن حقين: حق لله، وحق للآدمي، فالتوبة منه بتحلل الآدمي لأجل حقه، والندم فيما بينه وبين الله لأجل حقه .. وأن يذكر المغتاب والمقذوف في مواضع غيبته وقذفه بضد ما ذكره من الغيبة، فيبدل غيبته بمدحه والثناء عليه وذكر محاسنه، وقذفه بذكر عفته، ويستغفر له بقدر ما اغتابه) (1).
قال الإمام الغزالي: (اعلم أن الواجب على المغتاب أن يندم ويتوب ويتأسف على ما فعله ليخرج به من حق الله سبحانه ثم يستحل المغتاب ليحله فيخرج من مظلمته .. ثم قال: وقال الحسن: يكفيه الاستغفار دون الاستحلال. وقال مجاهد: كفارة أكلك لحم أخيك أن تثني عليه وتدعو له بخير. وسئل عطاء بن أبي رباح عن التوبة من الغيبة؟ قال: أن تمشي إلى صاحبك فتقول له: كذبت فيما قلت، وظلمتك وأسأت، فإن شئت أخذت بحقك، وإن شئت عفوت، وهذا هو الأصح. وقول القائل: العرض لا عوض له فلا يجب الاستحلال منه بخلاف المال، كلام ضعيف، إذ قد وجب في العرض حد القذف وتثبت المطالبة به بل في الحديث الصحيح ما روي أنه صلى الله عليه وسلم قال: ((من كانت لأخيه عنده مظلمة في عرض أو مال فليستحللها منه، من قبل أن يأتي يوم ليس هناك دينار ولا درهم، إنما يؤخذ من حسناته، فإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فزيدت على سيئاته)) (2)، وقالت عائشة رضي الله عنها لامرأة قالت لأخرى أنها طويلة الذيل: (قد اغتبتيها فاستحليها) (3). فإذا لابد من الاستحلال إن قدر عليه فإن كان غائبا أو ميتا فينبغي أن يكثر له الاستغفار والدعاء ويكثر من الحسنات) (4).
وقال ابن القيم: (والصحيح أنه لا يحتاج إلى إعلامه بل يكفيه الاستغفار وذكره بمحاسن ما فيه في المواطن التي اغتابه فيها، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره. والذين قالوا: لا بد من إعلامه، جعلوا الغيبة كالحقوق المالية، والفرق بينهما ظاهر، فإن الحقوق المالية ينتفع المظلوم بعود نظير مظلمته إليه، فإن شاء أخذها وإن شاء تصدق بها، وأما في الغيبة فلا يمكن ذلك ولا يحصل له بإعلامه إلا عكس مقصود الشارع صلى الله عليه وسلم فإنه يوغر صدره ويؤذيه إذا سمع ما رمي به، ولعله يهيج عداوته ولا يصفو له أبدا، وما كان هذا سبيله فإن الشارع الحكيم صلى الله عليه وسلم لا يبيحه ولا يجوزه فضلا عن أن يوجبه، ويأمر به ومدار الشريعة على تعطيل المفاسد وتقليلها، لا على تحصيلها وتكميلها والله تعالى أعلم) (5).
(قال الزركشي في المنثور: (وفي الأعراض يأتي من اغتابه ويخبره بما قال فيه حتى يعفو عنه ولا يكفي الإبهام)، ثم نقل عن الإحياء أنه لا يجب الإخبار إذا كان يتأذى الإساءة إليه، ونقل عن جملة من علماء السلف أنه لا يجوز إبلاغه لما فيه من الإيذاء، وقد آذاه أولاً فلا يؤذيه ثانياً، بل يستغفر له ويندم على غيبته) (6).
(1) ((الرائد .. دروس في التربية والدعوة)) مازن بن عبد الكريم الفريح (ص62) بتصرف.
(2) رواه البخاري (6534).
(3) رواه ابن عدي في ((الكامل)) (3/ 114).
(4) ((إحياء علوم الدين)) للغزالي (3/ 154).
(5) ((الوابل الصيب)) لابن القيم (219).
(6) ((إبراء الذمة من حقوق العباد)) لنوح علي سلمان (ص605 - 606).،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،الوسائل المعينة على ترك الغيبة
من الوسائل المعينة على ترك الغيبة والبعد عنها ما يلي:
1 - التقرب إلى الله سبحانه وتعالى بكثرة الأعمال الصالحة وتقديم رضاه على رضا المخلوقين.
2 - زيادة رصيد الإيمان وتقويته بالعلم النافع والعمل الصالح.
3 - أن ينشغل الإنسان بالبحث عن عيوبه، ويكف عن عيوب الآخرين وتتبعها.
4 - اختيار الصحبة الصالحة التي تقربك من الله وتبعدك عن المعاصي والابتعاد عن رفاق السوء.
5 - تربية الفرد تربية إسلامية سليمة قائمة على الآداب والتعاليم الإسلامية.
6 - استغلال وقت الفراغ، بما ينفع الفرد ويقوي إيمانه ويقربه إلى الله سبحانه وتعالى، من طاعات وعبادات وعلم وتعلم.
7 - قناعة الإنسان بما رزقه الله، وشكره على هذه النعم، وأن يعلم أن ما عند الله خير وأبقى.
8 - أن يضع الإنسان نفسه مكان الشخص الذي اغتيب، ليجد أنه لن يرضى هذا لنفسه.
9 - كظم الغيظ والصبر على الغضب، كي لا يكونا دافعاً للغيبة.
10 - الابتعاد عن كل ما من شأنه أن يؤدي به إلى الغيبة.،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،مسائل متفرقة متعلقة بالغيبة
- موقف المسلم تجاه المغتاب:
(عن أبي هريرة أن ماعز بن مالك: جاء إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: يا رسول الله إني زنيت فأعرض عنه حتى قالها أربعا فلما كان في الخامسة قال: زنيت؟ قال: نعم قال: وتدري ما الزنى؟ قال: نعم أتيت منها حراما ما يأتي الرجل من امرأته حلالا قال: ما تريد إلى هذا القول؟ قال: أريد أن تطهرني قال: فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: أدخلت ذلك منك في ذلك منها كما يغيب الميل في المكحلة والعصا في الشيء؟ قال: نعم يا رسول الله قال: فأمر برجمه فرجم فسمع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ رجلين يقول أحدهما لصاحبه: ألم تر إلى هذا ستر الله عليه فلم تدعه نفسه حتى رجم رجم الكلب؟ فسار النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ شيئا ثم مر بجيفة حمار فقال: أين فلان وفلان؟ انزلا فكلا من جيفة هذا الحمار قالا: غفر الله لك يا رسول الله وهل يؤكل هذا قال: فما نلتما من أخيكما آنفا أشد أكلا منه والذي نفسي بيده إنه الآن في أنهار الجنة يتقمص فيها) (1).
(عن اللّجلاج- رضي الله عنه- أنّه كان قاعدا يعتمل في السّوق فمرّت امرأة تحمل صبيّا فثار النّاس معها وثرت فيمن ثار، فانتهت إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو يقول: ((من أبو هذا معك؟)) فسكتت، فقال شابّ حذوها: أنا أبوه يا رسول الله، فأقبل عليها فقال: ((من أبو هذا معك؟)) قال الفتى: أنا أبوه يا رسول الله، فنظر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى بعض من حوله يسألهم عنه، فقالوا: ما علمنا إلّا خيرا، فقال له النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ((أحصنت؟)) قال: نعم، فأمر به فرجم، قال: فخرجنا به فحفرنا له حتّى أمكنّا ثمّ رميناه بالحجارة حتّى هدأ، فجاء رجل يسأل عن المرجوم فانطلقنا به إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقلنا: هذا جاء يسأل عن الخبيث، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ((لهو أطيب عند الله من ريح المسك)) فإذا هو أبوه، فأعنّاه على غسله وتكفينه ودفنه) (2).
(1) رواه أبو يعلى في ((المسند)) (10/ 524) (6140). قال حسين سليم أسد محقق المسند: إسناده ضعيف.
(2) رواه أبو داود (4435)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (6/ 425) (7146)، والطبراني في ((الكبير)) (19/ 219).،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،وعن عتبان بن مالك- رضي الله عنه- وهو ممّن شهد بدراً- قال: ((كنت أصلّي لقومي بني سالم، وكان يحول بيني وبينهم واد إذا جاءت الأمطار فيشقّ عليّ اجتيازه قبل مسجدهم، فجئت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقلت له: إنّي أنكرت بصري وإنّ الوادي الّذي بيني وبين قومي يسيل إذا جاءت الأمطار فيشقّ عليّ اجتيازه فوددت أنّك تأتي فتصلّي من بيتي مكانا أتّخذه مصلّى، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: سأفعل. فغدا عليّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأبو بكر- رضي الله عنه- بعد ما اشتّد النّهار فاستأذن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأذنت له فلم يجلس حتّى قال: أين تحبّ أن أصلّي من بيتك، فأشرت له إلى المكان الّذي أحبّ أن أصلّي فيه فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فكبّر وصففنا وراءه فصلّى ركعتين ثمّ سلّم وسلّمنا حين سلّم فحبسته على خزير يصنع له، فسمع أهل الدّار أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في بيتي، فثاب رجال منهم حتّى كثر الرّجال في البيت، فقال رجل: ما فعل مالك؟ لا أراه. فقال: رجل منهم: ذاك منافق لا يحبّ الله ورسوله. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: لا تقل ذاك، ألا تراه قال لا إله إلّا الله يبتغي بذلك وجه الله؟، فقال: الله ورسوله أعلم. أمّا نحن فو الله ما نرى ودّه ولا حديثه إلّا إلى المنافقين. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: فإنّ الله قد حرّم على النّار من قال لا إله إلّا الله يبتغي بذلك وجه الله)) (1).
الغيبة لا تقتصر على اللسان:
إن الشرع حرم الغيبة باعتبارها تصريح باللسان يفهم منه استنقاص الآخرين وذكر عيوبهم، وكذلك فإن كل فعل أو حركة أو كتابة توحي بالمقصود فهي غيبة.
قالت عائشة رضي الله عنها: دخلت علينا امرأة، فلما ولت أومأت بيدي أنها قصيرة، فقال عليه السلام: ((اغتبتها)) (2).
غيبة العلماء ومن لهم شأن في الإسلام:
لا شك أن الوقيعة في المؤمنين حرام وأنها من كبائر الذنوب، وأن أشد أنواعها (غيبة العلماء والوقيعة في العلماء، والكلام على العلماء بما يجرحهم ... لأنه يترتب عليه فصل الأمة عن علمائها، ويترتب عليه عدم الثقة بأهل العلم، وإذا حصل هذا حصل الشر العظيم) (3)، (وإذا كانت الغيبة لمن لهم شأن في الإسلام ومقام في الإسلام ونفع لعباد الله كولاة أمور المسلمين فالغيبة في حقهم أشد) (4).
- أخبث الغيبة:
ومن أخبث أنواع الغيبة غيبة من يفهم المقصود بطريقة الصالحين إظهاراً للتعفف عنها، ولا يدرى بجهله أنه جمع بين فاحشتي الرياء والغيبة، كما يقع لبعض المرائين أنه يذكر عنده إنسان فيقول: الحمد لله الذي ما ابتلانا بقلة الحياء أو بالدخول على السلاطين، وليس قصده بدعائه إلا أن يفهم عيب الغير (5).
- غيبة الكافر:
(سُئِلَ الْغَزَالِيُّ فِي فَتَاوِيهِ عَنْ غِيبَةِ الْكَافِرِ. فَقَالَ: هِيَ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ مَحْذُورَةٌ لِثَلَاثِ عِلَلٍ: الْإِيذَاءُ وَتَنْقِيصُ خَلْقِ اللَّهِ، فَإِنَّ اللَّهَ خَالِقٌ لِأَفْعَالِ الْعِبَادِ، وَتَضْيِيعُ الْوَقْتِ بِمَا لَا يُعْنِي. قَالَ: وَالْأُولَى تَقْتَضِي التَّحْرِيمُ، وَالثَّانِيَةُ الْكَرَاهَةُ، وَالثَّالِثَةُ خِلَافُ الْأَوْلَى. وَأَمَّا الذِّمِّيُّ فَكَالْمُسْلِمِ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْمَنْعِ مِنْ الْإِيذَاءِ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ عَصَمَ عِرْضَهُ وَدَمَهُ وَمَالَهُ. قَالَ فِي الْخَادِمِ: وَالْأُولَى هِيَ الصَّوَابُ) (6).
(1) رواه البخاري (425)، ومسلم (33).
(2) رواه أحمد (6/ 206) (25749)، والطبري في ((تفسيره)) (22/ 307).
(3) ((ما يجب في التعامل مع العلماء)) صالح الفوزان (ص17).
(4) ((ما يجب في التعامل مع العلماء)) صالح الفوزان (ص29 - 30).
(5) ((الزواجر عن اقتراف الكبائر)) لابن حجر الهيتمي (2/ 561).
(6) ((الزواجر عن اقتراف الكبائر)) لابن حجر الهيتمي (2/ 560).،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،الغيبة في واحة الشعر ..
لا تَهْتِكَنْ من مَساوي الناس ما سترُوا ... فَيَهْتِكَ الله سِتْراً مِن مَساوِيكَا
واذكُرْ محَاسِنَ ما فيهم إذا ذُكِروا ... ولا تَعِبْ أحداً منهم بما فِيكا
وقال آخر:
وأقبح القبائح الوخيمة ... الغيبة الشنعاء والنميمة
فتلك والعياذ بالرحمن ... موجبة الحلول في النيران
وقال مسكين الدارمي:
وَإِذَا الْفَاحِشُ لاقَى فَاحِشًا ... فَهُنَاكُمْ وَافَقَ الشَّنُّ الطَّبَقْ
إِنَّمَا الْفُحْشُ ومَنْ يعنى بِهِ ... كَغُرَابِ السُّوءِ مَا شَاءَ نَعَقْ
أَوْ حِمَارِ السُّوءِ إِنْ أَشْبَعْتَهُ ... رَمَحَ النَّاسَ وَإِنْ جَاعَ نَهَقْ
أَوْ غُلامِ السُّوءِ إِنْ جَوَّعْتَهُ ... سَرَقَ الْجَارَ وَإِنْ يَشْبَعْ فَسَقْ
أَوْ كَعَذْرَى رَفَعَتْ عَنْ ذَيْلِهَا ... ثُمَّ أَرْخَتْهُ ضِرَارًا فَانْمَزَقْ
أَيُّهَا السَّائِلُ عَمَّا قَدْ مَضَى ... هَلْ جَدِيدٌ مِثْلُ مَلْبُوسٍ خَلِقْ (1)
وقال آخر:
لا تذكُرِ الناسَ إلا في فضائِلِهِمْ ... إيّاكَ إيّاكَ أنْ تذكُرْ عُيوبَهُمُ
كَمْ فيكَ عَيْبٌ تُناجي اللهَ يَسْتُرَهُ ... مَنْ يَغْتبِ الناسَ لا يَسْلمْ شُرورَهُمُ
ارْجِعْ إلى اللهِ مِنْ ذَنْبٍ وَقَعْتَ بِهِ ... للهُ يَفْرَحُ أنْ يَغْفِرْ ذُنوبَهُمُ
كُلُّ الخلائِقِ خَطّاءٌ طِبائِعُهمْ ... التائِبونَ بشَرْعِ اللهِ خَيْرِهُمُ
الهَمْزُ واللَّمْزُ لا تُحْمَدْ عَواقِبُه ... مَنْ يَعْلمُ السِرَّ عَلامٌ غُيوبَهُمُ
احْفظْ لِسانَكَ لا تلفُظْ بِنابيَةٍ ... نِتاجُها الحِقْدُ والبَغْضاءُ وَالسَّقَمُ
اجْعَلْ مَخافَتَهُ المَولى مُقَدَّمَةٌ ... حاسِبْ خُطاكَ لِكَيْ لا تَعْثرَ القَدَمُ
وقال آخر:
وأقبح القبائح الوخيمة ... الغيبة الشنعاء والنميمة
فتلك والعياذ بالرحمن ... موجبة الحلول في النيران
وقال أبو فراس الحمداني:
وَيَغْتَابُني مَنْ لَوْ كَفَاني غَيْبَهُ ... لكنتُ لهُ العينَ البصيرة َ والأذنا
وعندي منَ الأخبارِ ما لوْ ذكرتهُ ... إذاً قرعَ المغتابُ منْ ندمٍ سناً
وأخيراً ..
وأخيراً .. أخي الغالي: انتبه وتأمل قبل أن تغتاب، كي لا تزل القدم وتندم حيث لا ينفع الندم:
تذكر قبل أن تغتاب أنك ستقدم على عمل، كأنك به تأكل لحم ميتة نتنة.
بل ضع نصب عينيك النصوص الشرعية الواردة في الكتاب والسنة التي تحذر شدة التحذير من الغيبة.
وتأمل في عملك هذا أيقربك من الله ويكسبك رضاه، أم أنه يبعدك عنه ويكسبك سخطه وغضبه.
ولا تنسَ أن الغيبة تدر السيئات وتأكل الحسنات.
وهل يرضيك أن يذكر الناس عيوبك كما تذكر عيوبهم.
واعلم أن الغيبة دناءة وخسة، فهي بضاعة الخاسرين وأسلوب الجبناء والعاجزين.
أترضى أن تأتي يوم القيامة وقد وزعت حسناتك على هذا وهذا وهذا، فإذا فنيت حسناتك أخذت من سيئاتهم ووضعتْ عليك ووضعتَ في النار.
فيا أخي لا تستصغر إثم الغيبة، ولا تحتقر شأنها، فذنبها جسيم، وخطرها عظيم.
(1) ((المجالسة وجواهر العلم))، لمشهور بن حسن آل سلمان (7/ 114).