السبت، 24 نوفمبر 2012

موسوعة الأخلاق الإسلامية : الفتور

الفتور

معنى الفتور لغة واصطلاحاً:
معنى الفتور لغة:
الفترة الانكسار والضعف، يقال فتر يفتر فتورا وفتار، سكن بعد حدة ولان بعد شدة، وقولُه تعالَى فِي وصْفِ المَلائكَةِ: لَا يَفْتُرُونَ أَي لَا يَسْكُنُون عَن نَشَاطِهم فِي العِبَادَة (1).
معنى الفتور اصطلاحاً:
هو الكسل والتراخي والتباطؤ بعد الجد والنشاط والحيوية (2).

(1) انظر ((لسان العرب)) لابن منظور (5/ 43)، و ((تاج العروس)) للزبيدي (13/ 293).
(2) انظر ((الفتور المظاهر الأسباب العلاج)) لناصر العمر (ص 22).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،ذم الفتور في القرآن والسنة
ذم الفتور في القرآن الكريم:
- قال تعالى عن الملائكة: يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ [الأنبياء: 20] لا يَفْتُرُونَ لا يلحقهم الفتور والكلال. وحاصل الآية أن الملائكة مع غاية شرفهم ونهاية قربهم لا يستنكفون عن طاعة الله، فكيف يليق بالبشر مع ضعفهم ونقصهم أن يتمردوا عن طاعته (1).
- وقال تعالى عن موسى عليه السلام: اذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلا تَنِيَا فِي ذِكْرِي اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى [طه: 42 - 43].
(الونى. الفتور والتقصير. وقرئ: تنيا، بكسر حرف المضارعة للاتباع، أي: لا تنسياني ولا أزال منكما على ذكر حيثما تقلبتما، واتخذا ذكري جناحا تصيران به مستمدين بذلك العون والتأييد مني، معتقدين أن أمرا من الأمور لا يتمشى لأحد إلا بذكري. ويجوز أن يريد بالذكر تبليغ الرسالة، فإن الذكر يقع على سائر العبادات، وتبليغ الرسالة من أجلها وأعظمها، فكان جديرا بأن يطلق عليه اسم الذكر) (2).
· وعاتب الله المؤمنين في التثاقل عن واجب الجهاد، والفتور فيه، فقال عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ [التوبة: 38].
قال ابن كثير: (أي: إذا دعيتم إلى الجهاد في سبيل الله اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أي: تكاسلتم وملتم إلى المقام في الدعة والخفض وطيب الثمار، أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ [التوبة: 38] أي: ما لكم فعلتم (2) هكذا أرضا منكم بالدنيا بدلا من الآخرة
ثم زهد تبارك وتعالى في الدنيا، ورغب في الآخرة، فقال: فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ [التوبة: 38]) (3).
- وقال تعالى عن المنافقين الذين هم أشد الناس كسلاً وأكثرهم فتوراً: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا [النساء: 142].
قال ابن كثير: (هذه صفة المنافقين في أشرف الأعمال وأفضلها وخيرها، وهي الصلاة. إذا قاموا إليها قاموا وهم كسالى عنها؛ لأنهم لا نية لهم فيها، ولا إيمان لهم بها ولا خشية، ولا يعقلون معناها ... وعن ابن عباس قال: يكره أن يقوم الرجل إلى الصلاة وهو كسلان، ولكن يقوم إليها طلق الوجه، عظيم الرغبة، شديد الفرح، فإنه يناجي الله تعالى وإن الله أمامه يغفر له ويجيبه إذا دعاه) (4).
ذم الفتور في السنة النبوية:
يصيب الفتور كل شرائح المجتمع المسلم؛ من عابد، وطالب علم، وداعية .. الخ، ولذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يتعوذ منه.
- فعن عائشة - رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ ويقول: ((اللهم إني أعوذ بك من الكسل والهرم، والمأثم والمغرم)) (5).
- وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي طلحة: ((التمس لنا غلاما من غلمانكم يخدمني فخرج بي أبو طلحة يردفني وراءه، فكنت أخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما نزل، فكنت أسمعه يكثر أن يقول: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والبخل، والجبن، وضلع الدين، وغلبة الرجال)) (6).
(1) ((غرائب القرآن)) للنيسابوري (5/ 9).
(2) ((الكشاف)) للزمخشري (3/ 65).
(3) ((تفسير القرآن العظيم)) لابن كثير (4/ 153).
(4) ((تفسير القرآن العظيم)) لابن كثير (2/ 438).
(5) رواه البخاري (6368) ومسلم (589) واللفظ للبخاري.
(6) رواه البخاري (2893).

،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
قال ابن بطال: (الاستعاذة من العجز والكسل لأنهما يمنعان العبد من أداء حقوق الله وحقوق نفسه وأهله، وتضييع النظر في أمر معاده وأمر دنياه، وقد أمر المؤمن بالاجتهاد في العمل والإجمال في الطلب ولا يكون عالةً ولا عيالاً على غيره ما متّع بصحة جوارحه وعقله) (1).
وقال الكلاباذي: (الكسل: فتور في الإنسان عن الواجبات، فإن الفتور إذا كان في الفضول وما لا ينبغي فليس بكسل بل هو عصمة، وإذا كان في الواجبات فهو كسل، وهو الثقل، والفتور عن القيام بالواجب، وهو الخذلان، قال الله عز وجل: وَلَكِن كَرِهَ اللهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ [التوبة: 46]، وعاتب الله المؤمنين في التثاقل عن الواجب، والفتور فيه، فقال عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ [التوبة: 38] والهرم: فتور من ضعف يحل بالإنسان، فلا يكون به نهوض، ففتور الهرم فتور عجز، وفتور الكسل فتور تثبيط وتأخير، فاستعاذ النبي صلى الله عليه وسلم عن الفتور في أداء الحقوق، والقيام بواجب الحق من الوجهين جميعا، من جهة عجز ضرورة وحرمان منها مع الإمكان) (2).
- وعن ابن عباس - رضي الله عنهما قال: ((كانت مولاة للنبي صلى الله عليه وسلم تصوم النهار وتقوم الليل، فقيل له: إنها تصوم النهار وتقوم الليل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لكل عمل شرة، والشرة إلى فترة، فمن كانت فترته إلى سنتي فقد اهتدى، ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد ضل))، وفي رواية ((فقد هلك)) وفي لفظ: ((ولكل شرة فترة، فإن صاحبها سدد وقارب فارجوه، وإن أشير إليه بالأصابع فلا تعدوه)) (3).
قيل للحسن البصري لما روى هذا الحديث: (إنك إذا مررت بالسوق فإن الناس يشيرون إليك؟ فقال: لم يرد ذلك وإنما أراد المبتدع في دينه والفاجر في دنياه) (4).
وعلق ابن تيمية على كلام الحسن البصري فقال: (وهو كما قال الحسن رضي الله عنه، فإن من الناس من يكون له شدة ونشاط وحدة واجتهاد عظيم في العبادة، ثم لابد من فتور في ذلك.
وهم في الفترة نوعان: منهم: من يلزم السنة فلا يترك ما أمر به، ولا يفعل ما نهي عنه بل يلزم عبادة الله إلى الممات، ومنهم: من يخرج إلى بدعة في دينه أو فجور في دنياه حتى يشير إليه الناس، فيقال: هذا كان مجتهدا في الدين ثم صار كذا وكذا، فهذا مما يخاف على من بدل عن العبادات الشرعية إلى الزيادات البدعية) (5).
- وعن أنس، قال: ((دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد، وحبل ممدود بين ساريتين، فقال: ما هذا؟ قالوا: لزينب تصلي، فإذا كسلت، أو فترت أمسكت به، فقال: حلوه، ليصل أحدكم نشاطه، فإذا كسل، أو فتر قعد)) (6).
قال النووي: (وفيه الحث على الاقتصاد في العبادة، والنهي عن التعمق، والأمر بالإقبال عليها بنشاط، وأنه إذا فتر فليقعد حتى يذهب الفتور) (7).
- وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: ((قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عبد الله لا تكن مثل فلان كان يقوم الليل فترك قيام الليل)) (8).
قال المباركفوري: (قيل: معنى قوله (كان يقوم الليل) أي غالبه أو كله (فترك قيام الليل) أصلاً حين ثقل عليه، أي فلا تزد أنت في القيام أيضاً فإنه يؤدي إلى ترك رأساً. قال السندي: يريد أن الإكثار في قيام الليل قد يؤدي إلى تركه رأساً، كما فعل فلان، فلا تفعل أنت ذاك، بل خذ فيه التوسط والقصد أي؛ لأن التشديد في العبادة قد يؤدي إلى تركها وهو مذموم. وقال في اللمعات: فيه تنبيه على منعه من كثرة قيام الليل والإفراط فيه، بحيث يورث الملالة والسآمة) (9).

(1) ((شرح صحيح البخاري)) لابن بطال (10/ 119).
(2) ((بحر الفوائد)) للكلاباذي (ص231).
(3) رواه البزار كما في ((مجمع الزوائد)) للهيثمي (2/ 261)، والطحاوي في ((شرح مشكل الآثار)) (3/ 268) (1241). قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح، وقال الألباني في ((سلسلة الأحاديث الصحيحة)) (6/ 838): [فيه] مسلم بن كيسان الملائي الأعور وهو ضعيف لكنه في الشواهد لا بأس به.
(4) ((مسألة في المرابطة بالثغور أفضل أم المجاورة بمكة)) لابن تيمية (ص 78).
(5) ((مسألة في المرابطة بالثغور أفضل أم المجاورة بمكة)) لابن تيمية (ص 78).
(6) رواه البخاري (1150) ومسلم (784) واللفظ له.
(7) ((شرح صحيح مسلم)) للنووي (6/ 73).
(8) رواه البخاري (1152).
(9) ((مرعاة المفاتيح)) للمباركفوري (4/ 232).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،أقوال السلف والعلماء في الفتور
- قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه: (إن لهذه القلوب إقبالا وإدبارا. فإذا أقبلت فخذوها بالنوافل. وإن أدبرت فألزموها الفرائض) (1).
- وقال أيضاً: (المدح هو الذبح، وذلك لأن المذبوح هو الذي يفتر عن العمل، فكذلك الممدوح، لأن المدح يوجب الفتور ويورث الكبر والعجب) (2).
- وقال ابن مسعود - رضي الله عنه: (لا تغالبوا هذا الليل فإنكم لن تطيقوه فإذا نعس أحدكم فلينصرف إلى فراشه فإنه أسلم له) (3).
- و (قال بعض السلف: العمل على المخافة قد يغيره الرجاء، والعمل على المحبة لا يدخله الفتور) (4).
- وقال ابن القيم: (تخلل الفترات للسالكين أمر لا بد منه، فمن كانت فترته إلى مقاربة وتسديد، ولم تخرجه من فرض، ولم تدخله في محرم؛ رجي له أن يعود خيرا مما كان) (5).
- وقال في موضع آخر: (إن المقبل على الله المطيع له يسير بجملة أعماله، وكلما زادت طاعاته وأعماله ازداد كسبه بها وعظم، وهو بمنزلة من سافر فكسب عشرة أضعاف رأس ماله، فسافر ثانيا برأس ماله الأول وكسبه، فكسب عشرة أضعافه أيضا، فسافر ثالثا أيضا بهذا المال كله، وكان ربحه كذلك، وهلم جرا، فإذا فتر عن السفر في آخر أمره، مرة واحدة، فاته من الربح بقدر جميع ما ربح أو أكثر منه) (6).


(1) ذكره الزمخشري في ((ربيع الأبرار)) (ص 158) عن علي رضي الله عنه.
(2) ذكره الغزالي في ((إحياء علوم الدين)) (3/ 160).
(3) رواه عبدالرزاق (2/ 500)، وابن أبي شيبة (13/ 301)، والطبراني (9/ 106) (8554). من حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه. قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (2/ 263): رجاله رجال الصحيح.
(4) ((جامع العلوم والحكم)) لابن رجب (2/ 341).
(5) ((مدارج السالكين)) لابن القيم (3/ 122).
(6) ((مدارج السالكين)) لابن القيم (1/ 305).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،أقسام الفتور
ينقسم الفتور إلى عدة أقسام، أهمها:
1 - كسل وفتور عام في جميع الطاعات، مع كره لها وعدم رغبة فيها، وهذه حال المنافقين؛ فإنهم من أشد الناس كسلا وفتورا ونفورا.
قال الله فيهم: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللهَ إِلاَّ قَلِيلاً (2) [النساء: 142] وقال: وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ (3) [التوبة: 54].
وقال - صلى الله عليه وسلم - ((إن أثقل صلاة على المنافقين صلاة العشاء، وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا)) (1).
ولفظ (أثقل) على صيغة (أفعل) يدل على أن غيرهما ثقيل، وليس الثقل مقتصرا عليهما.
2 - كسل وفتور في بعض الطاعات، يصاحبه عدم رغبة فيها دون كره لها، أو ضعف في الرغبة مع وجودها، وهذه حال كثير من فساق المسلمين وأصحاب الشهوات.
وهذان القسمان سببهما مرض في القلب، ويقوى هذا المرض ويضعف بحسب حال صاحبه، فمرض المنافقين أشد من مرض الفساق وأصحاب الشهوات،
3 - كسل وفتور عام سببه بدني لا قلبي؛ فتجد عنده الرغبة في العبادة، والمحبة للقيام بها، وقد يحزن إذا فاتته، ولكنه مستمر في كسله وفتوره، فقد تمر عليه الليالي وهو يريد قيام الليل، ولكنه لا يفعل مع استيقاظه وانتباهه ويقول: "سأختم القرآن في كل شهر" وتمضي عليه الأشهر ولم يتمه، ويحب الصوم، لكنه قليلا ما يفعل.
وهذه حال كثير من المسلمين الذين يصابون بهذا الداء، ومنهم أناس صالحون، وآخرون من أصحاب الشهوة والفسق.
وقد يؤدي هذا النوع إلى أن يشترك بعض المصابين به مع النوع الثاني، وهو الثقل القلبي في بعض العبادات.
4 - كسل وفتور عارض يشعر به الإنسان بين حين وآخر، ولكنه لا يستمر معه، ولا تطول مدته، ولا يوقع في معصية، ولا يخرج عن طاعة. وهذا لا يسلم منه أحد، إلا أن الناس يتفاوتون فيه أيضا، وسببه غالبا أمر عارض، كتعب أو انشغال أو مرض ونحوها (2).


(1) رواه البخاري (657) ومسلم (651) واللفظ له.
(2) انظر ((الفتور)) لناصر العمر (ص 24).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،آثار الفتور
للفتور مضار وآثار سيئة تعود على المسلم ومن هذه المضار والآثار أن الفتور:
1 - يدل على ضعف الهمة.
2 - التثاقل في العبادات.
3 - التعرض للأزمات النفسية والاجتماعية.
4 - يؤدي به إلى ترك بعض الفرائض.
5 - عاقبته تكون سيئة إذا لم يتب.
6 - تأثر من حوله به وخاصة إذا كان قدوة لغيره.
7 - فوات المصالح الدينية والدنيوية.
صور الفتور
هناك مظاهر وصور للفتور تمثل قصورا في العمل الصالح، أو ارتكاب لذنب، ومن هذه الصور والمظاهر:
1 - قسوة القلب:
توعد الله سبحانه وتعالى القاسية قلوبهم بالضلال المبين فقال: فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ [الزمر: 22 - 23].
وقاسي القلب لا يتأثر بالقرآن ولا بالمواعظ حتى يلين قلبه، قال السعدي في قوله تعلى: فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ (أي: لا تلين لكتابه، ولا تتذكر آياته، ولا تطمئن بذكره، بل هي معرضة عن ربها، ملتفتة إلى غيره، فهؤلاء لهم الويل الشديد، والشر الكبير) (1).
وقال مالك بن دينار: (أربع من علم الشقاوة قسوة القلب وجمود العين وطول الأمل والحرص على الدنيا) (2).
2 - أن يتكاسل عن الطاعة:
من مظاهر الفتور التكاسل عن الطاعات والعبادات فتجده يؤخرها عن وقتها ولا يؤديها كما هي مطلوبة منه، وهو يختلف بحسب العبادة فإما أن تكون فرضاً أو نفلا، والتكاسل عن الفرائض أمر خطير جدا فليُنتبه له، وقد يخدش في إسلام المرء، قال تعالى عن المنافقين: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا [النساء: 142] وقال: وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ [التوبة: 54].
3 - الابتعاد عن الجليس الصالح:
من صور الفتور أن يُضعف الشخص علاقته مع إخوانه الصالحين فيبتعد عنهم ويميل إلى العزلة، أو يصاحب قرناء السوء فيحرقون ثيابه أو يجد منهم ريحاً خبيثة كما أخبر بذلك المصطفى صلى الله عليه وسلم فقال: ((مثل الجليس الصالح والسوء كحامل المسك ونافخ الكير فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحا طيبة ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد ريحا خبيثة)) (3).
وقال صلى الله عليه وسلم: ((عليكم بالجماعة، وإياكم والفرقة، فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد، من أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة)) (4).
4 - (ضياع الوقت وعدم الإفادة منه، وتزجيته بما لا يعود عليه بالنفع، وتقديم غير المهم على المهم، والشعور بالفراغ الروحي والوقتي وعدم البركة في الأوقات، وتمضي عليه الأيام لا ينجز فيها شيئا يذكر.
5 - عدم الاستعداد للالتزام بشيء، والتهرب من كل عمل جدي؛ خوفا من أن يعود إلى حياته الأولى. هكذا يسوّل له شيطانه زخرف القول غرورا.


(1) ((تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان)) السعدي (1/ 722)
(2) ((الزهد وصفة الزاهدين)) ابن الأعرابي (1/ 47).
(3) رواه البخاري (5534) ومسلم (2628) واللفظ للبخاري.
(4) رواه الترمذي (2165)، وأحمد (1/ 18) (114)، النسائي في الكبرى (5/ 388) (9225)، وأبو يعلى (1/ 131) (141)، وابن حبان (16/ 239) (7254)، والحاكم (1/ 197)، والبيهقي (7/ 91) (13299). من حديث عمر رضي الله عنه. قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه, وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين. وقال ابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (5/ 26): حسن صحيح, وقال ابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (2/ 401): له طرق أخر وهو حديث مشهور جدا. وصحح إسناده ابن حجر في ((هداية الرواة)) (5/ 388). وقال الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)): صحيح.
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،6 - الفوضوية في العمل: فلا هدف محدد، ولا عمل متقن، أعماله ارتجالا، يبدأ في هذا العمل ثم يتركه، ويشرع في هذا الأمر ولا يتمه، ويسير في هذا الطريق ثم يتحول عنه، وهكذا دواليك.
7 - خداع النفس؛ بالانشغال وهو فارغ، وبالعمل وهو عاطل، ينشغل في جزئيات لا قيمة لها ولا أثر يذكر، ليس لها أصل في الكتاب أو السنة، وإنما هي أعمال يقنع نفسه بجدواها، ومشاريع وهمية لا تسمن ولا تغني من جوع) (1).
8 - عدم الغضب إذا انتهكت محارم الله:
فمن ماتت لديه الغيرة لدين الله وأصيب بالفتور، لا تغضبه المنكرات، ولا يحاول أن يغير المنكر باليد أو باللسان، قال صلى الله عليه وسلم: ((من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان)) (2).
قال الغزالي: (فمن مال غضبه إلى الفتور حتى أحس من نفسه بضعف الغيرة وخسة النفس في احتمال الذل والضيم في غير محله فينبغي أن يعالج نفسه حتى يقوى غضبه) (3).
9 - عدم الشعور بالمسؤولية:
ومن مظاهر الفتور (عدم استشعار المسئولية الملقاة على عاتقه، والتساهل والتهاون بالأمانة التي حمّله الله إياها، فلا تجد لديه الإحساس بعظم هذه الأمانة، والله سبحانه وتعالى يقول: إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا [الأحزاب: 72] وقد تحدثه ساعة ويحدثك أخرى، فلا تجد أن همّ الدعوة يجري في عروقه، أو يؤرق جفونه ويقضّ مضجعه. ومما يلحق بهذا الباب أنك تجد هذا الفاتر أصبح يعيش بلا هدف أو غاية سامية، فهبطت اهتماماته وسفلت غاياته، وذلت مطامحه ومآربه. وتبعا لذلك فلا قضايا المسلمين تشغله، ولا مصائبهم تحزنه، ولا شئونهم تعنيه، وإن حدث شيء من ذلك فعاطفة سرعان ما تبرد وتخمد ثم تزول) (4).


(1) ((الفتور)) لناصر العمر (ص 39).
(2) رواه مسلم (49).
(3) ((إحياء علوم الدين)) للغزالي (3/ 169).
(4) ((الفتور)) لناصر العمر (ص 37).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،أسباب الفتور
للفتور أسباب كثيرة وإليك بعض من هذه الأسباب وهي كالتالي:
1 - الغفلة عن ذكر الله:
إن الغفلة عن ذكر الله سبب من أسباب الفتور عن الطاعات والتكاسل عن العبادات لأنه إذا نسي ذكر الله كان بعيدا عنه، قال تعالى: وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [الحشر: 19] والغفلة تعتبر من التمادي في الباطل، ولا تعتبر سهوا أو نسياناً قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [يونس: 7 - 8].
قال ابن القيم: (فمن كانت الغفلة أغلب أوقاته كان الصدأ متراكبا على قلبه وصدأه بحسب غفلته وإذا صدئ القلب لم تنطبع فيه صور المعلومات على ما هي عليه فيرى الباطل في صورة الحق والحق في صورة الباطل لأنه لما تراكم عليه الصدأ أظلم فلم تظهر فيه صورة الحقائق كما هي عليه فإذا تراكم عليه الصدأ واسود وركبه الران فسد تصوره وإدراكه فلا يقبل حقا ولا ينكر باطلا وهذا أعظم عقوبات القلب وأصل ذلك من الغفلة واتباع الهوى فإنهما يطمسان نور القلب ويعميان بصره) (1).
وقال تعالى: أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ [الزمر: 9].
(لما كان الإنسان محل الفتور والغفلة والنسيان، وكان ذلك في محل الغفران، وكان لا يمكن صلاحه إلا بالخوف من الملك الديان، قال معللاً أو مستأنفاً جواباً لمن كأنه يقول: ما له يتعب نفسه هذا التعب ويكدها هذا الكد: يَحْذَرُ الْآخِرَةَ أي عذاب الله فيها، فهو دائم التجدد لذلك كلما غفل عنه. ولما ذكر الخوف، أتبعه قرينه الذي لا يصح بدونه فقال: وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ أي الذي لم يزل ينقلب في إنعامه) (2).
2 - التشدد في العبادة:
المؤمن ينبغي أن يقوم بما يطيقه من العبادة حتى لا يصاب بالملل والفتور، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص، رضي الله عنهما، قال: ((قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عبد الله ألم أخبر أنك تصوم النهار وتقوم الليل فقلت بلى يا رسول الله قال فلا تفعل صم وأفطر وقم ونم فإن لجسدك عليك حقا وإن لعينك عليك حقا وإن لزوجك عليك حقا وإن لزورك عليك حقا وإن بحسبك أن تصوم كل شهر ثلاثة أيام فإن لك بكل حسنة عشر أمثالها فإن ذلك صيام الدهر كله فشددت فشدد علي قلت يا رسول الله إني أجد قوة قال فصم صيام نبي الله داود عليه السلام، ولا تزد عليه قلت وما كان صيام نبي الله داود - عليه السلام- قال نصف الدهر فكان عبد الله يقول بعد ما كبر يا ليتني قبلت رخصة النبي صلى الله عليه وسلم)) (3).
وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((خذوا من العمل ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا وأحب الصلاة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ما دووم عليه وإن قلت)) (4).


(1) ((الوابل الصيب)) لابن القيم (56).
(2) ((نظم الدرر)) للبقاعي (16/ 467).
(3) رواه البخاري (1975) ومسلم (1159) واللفظ للبخاري.
(4) رواه البخاري (1970) واللفظ له، ومسلم (782). من حديث عائشة رضي الله عنهما.
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،قال الشاطبي (إن المكلف لو قصد المشقة في عبادته، وحرص على الوقوع فيها، حتى يعرض نفسه لمضاعفة الثواب، فإنه يعرض نفسه في واقع الأمر لبغض عبادة الله تعالى، وكراهية أحكام الشريعة، التي غرس الله حبها في القلوب، كما يدل عليه قوله تعالى: وَلكنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ [الحجرات: 7]، وذلك لأن النفس تكره ما يفرض عليها، إذا كان من جنس ما يشق الدوام عليه، بحيث لا يقرب وقت ذلك العمل الشاق، إلا والنفس تشمئز منه، وتود لو لم تعمل، أو تتمنى أنها لم تلتزم) (1).
3 - الاقتداء بالأشخاص والتعلق بهم:
فقد يتعلق الفرد بشخص يعتبره قدوة وينظر إليه نظر قدوة، فإن زل زل معه، والحي لا تؤمن عليه الفتنة يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (من كان منكم مستنًا، فليستن بمن مات، أولئك أصحاب محمد كانوا خير هذه الأمة، أبرها قلوبًا، وأعمقها علمًا، وأقلها تكلفًا، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه، ونقل دينه، فتشبهوا بأخلاقهم وطرائقهم، فهم أصحاب محمد كانوا على الهدي المستقيم) (2).
4 - التعلق بالدنيا وزينتها:
التعلق بالدنيا وزينتها والغرور بمستلذاتها يجعل المسلم همه الدنيا فقط ويعتبر من أعظم أسباب الفتور، قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ [لقمان: 33].
وقال صلى الله عليه وسلم: ((من كانت الدنيا همه فرق الله عليه أمره وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كتبه الله له)) (3).
وخرج أبو الدرداء على أهل الشام ورآهم في ترف فقال لهم: (مالي أراكم تجمعون ما لا تأخذون، وتبنون ما لا تسكنون، وتؤمّلون ما لا تأخذون، لقد جمعت الأقوام التي قبلكم وأمّنتْ، فما هو إلا قليل حتى أصبح جمعهم بوراً، وأملهم غروراً، وبيوتهم قبوراً، فجعل الناس يبكون حتى سمع نشيجهم من خارج المسجد) (4).
5 - قلة تذكر الموت والدار الآخرة:
قال تعالى: إَنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا وَرَضُواْ بِالْحَياةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمُ النُّارُ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ [يونس: 7 - 8].


(1) ((الاعتصام)) للشاطبي (7/ 184).
(2) رواه ابن عبدالبر في ((جامع بيان العلم وفضله)) (2/ 197 - 198)، وابن الأثير في ((جامع الأصول)) (1/ 292). قال الألباني في ((تخريج مشكاة المصابيح)) (191): منقطع.
(3) رواه ابن ماجه (3329)، وأحمد (5/ 183) (21630)، والدارمي (1/ 86) (229)، وابن حبان (2/ 454) (680)، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (2/ 273) (1736). من حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه. قال ابن عبدالبر في ((التمهيد)) (21/ 276): ثابت، وقال المنذري في ((الترغيب والترهيب)) (4/ 130): إسناده لا بأس به، وصحح إسناده الدمياطي في ((المتجر الرابح)) (334)، وقال ابن مفلح في ((الآداب الشرعية)) (3/ 263): إسناده جيد، والعراقي في ((تخريج الإحياء)) (4/ 271)، وقال البوصيري في ((مصباح الزجاجة)) (2/ 304): إسناده صحيح رجاله ثقات، وصححه الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه))، والوادعي في ((الصحيح المسند)) (358) والحديث روي من طرق عن أنس رضي الله عنه. قال الألباني في ((تخريج مشكاة المصابيح)) (191): منقطع.
(4) رواه بنحوه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (13/ 305)، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (7/ 398) (10739).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،قال السعدي: (أي: ركنوا إليها، وجعلوها غاية مرامهم ونهاية قصدهم، فسعوا لها وأكبوا على لذاتها وشهواتها، بأي طريق حصلت حصلوها، ومن أي وجه لاحت ابتدروها، قد صرفوا إرادتهم ونياتهم وأفكارهم وأعمالهم إليها. فكأنهم خلقوا للبقاء فيها، وكأنها ليست دار ممر، يتزود منها المسافرون إلى الدار الباقية التي إليها يرحل الأولون والآخرون، وإلى نعيمها ولذاتها شمر الموفقون. وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ فلا ينتفعون بالآيات القرآنية، ولا بالآيات الأفقية والنفسية، والإعراض عن الدليل مستلزم للإعراض والغفلة، عن المدلول المقصود. أُوْلَئِكَ الذين هذا وصفهم مَأْوَاهُمُ النُّارُ أي: مقرهم ومسكنهم التي لا يرحلون عنها) (1).
وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على زيارة القبور من أجل أن يتذكر الإنسان الموت فيتعظ ويعتبر، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: زار النبي - صلى الله عليه وسلم - قبر أمه فبكى وأبكى من حوله، فقال: ((استأذنت ربي في أن أستغفر لها فلم يؤذن لي، واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي، فزوروا القبور فإنها تذكر الموت)) (2).
قال المناوي: (ليس للقلوب سيما القاسية أنفع من زيارة القبور فزيارتها وذكر الموت يردع عن المعاصي ويلين القلب القاسي ويذهب الفرح بالدنيا ويهون المصائب وزيارة القبور تبلغ في دفع رين القلب واستحكام دواعي الذنب ما لا يبلغه غيرها) (3).
6 - الضعف في التربية:
(يحتاج المسلم إلى تربية طويلة، مؤصلة، شاملة، وبخاصة في الجانب العبادي والعلمي.
ولقد ربى رسول الله صلى الله عليه وسلم صحابته خير تربية عرفتها البشرية، ولم يكن هذا بالأمر السهل والهين، بل مكث سنوات طويلة في مكة، وبعد ذلك في المدينة، يتعاهد صحابته، ويربيهم على عينيه صلى الله عليه وسلم وتطلب هذا الأمر جهودا مضاعفة وسنوات متوالية، حتى تخرج على يديه الكريمتين تلك الصفوة المباركة، التي ما عرف التاريخ ولن يعرف مثلها، سجلوا أمجادهم بمداد من نور، واجهوا المشكلات والعقبات، فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله، وما ذلوا، وما استكانوا، وما ضعفوا.
وشباب الأمة اليوم بأمس الحاجة إلى التربية الشاملة المتوازنة، المستمدة من الكتاب والسنة، وعلى هدي سلف الأمة.
والحقيقة التي لا يمكن إنكارها، أن هناك ضعفا ظاهرا في تربية رجال الأمة وشبابها، بل ونسائها، وأصبح الالتزام مظهرا عاما في داخله دخن عند كثير من الملتزمين، قد لا يثبت عند مواجهة الشدائد والمحن.
فالصلة بالله ضعيفة، والعلم قليل، والتجربة محدودة، بينما المشاعر فياضة، والحماس طاغ، وقد يسر الناظرين، كالسراب يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا [النور: 39] إلا من عصم الله ووفق وثبت.
وقد كثرت الشكوى هذه الأيام من أولئك الذين ضعفوا بعد استقامة، وأصبحت تكون ظاهرة تحتاج إلى علاج، ووجدت أن من أبرز أسبابها ضعف التربية، مع كثرة الشهوات والشبهات، فعلى العلماء وطلاب العلم والمربين المبادرة قبل فوات الأوان، وتمني أن الذي كان ما كان.
ومما تجب الإشارة إليه في باب ضعف التربية ما يلي:
أ- ضعف البدايات، وعدم بناء الشخصية المسلمة على أسس قوية مؤصلة، مما يجعلها هزيلة غير متمكنة، تميل إلى ما قامت عليه وتحن إليه، مما يجعل صاحبها يعاني أيما معاناة.
ب- عدم التدريب على المبادرة، بل أحيانا تربية الفرد على السلبية وانتظار التكاليف، فهو إمعة ومقلد.
ج- ضعف الثقة بالنفس، والخوف من الإحباط والفشل، والتهيب من كل جديد.
د- الغفلة عن مبدأ الثواب والعقاب، أو إساءة استخدامه.
هـ- التعنيف في المحاسبة، وتضخيم الأخطاء، وكثرة العتاب، وعدم مراعاة الفروق الفردية، والظروف الاجتماعية، مما يسبب للشاب نفورا ووحشة وإحباطا.
وإبراز الشخص وتحميله مسئوليات كبيرة قبل نضجه وإعداده وتربيته، وهذا بلاء عواقبه وخيمة في العاجل أو الآجل) (4).


(1) ((تيسير الكريم الرحمن)) للسعدي (ص 358).
(2) رواه مسلم (976).
(3) ((فيض القدير)) للمناوي (4/ 67).
(4) ((الفتور)) لناصر العمر (ص 71).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،وسائل علاج الفتور
هناك وسائل لعلاج الفتور الناشئ بسبب من الأسباب وهذا السبب إما أن يكون بارتكاب ذنب، أو التباطؤ في عمل الخير، والعلاج يكون بالإقلاع عن هذا الذنب أو في المسارعة إلى الخيرات، ومن هذه الوسائل لعلاج الفتور:
1 - الدعاء بالثبات على الدين:
قال تعالى: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ [غافر: 60].
وكان صلى الله عليه وسلم يدعو بالثبات على الدين، فعن أنس رضي الله عنه قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك فقلت يا رسول الله آمنا وبك وبما جئت به فهل تخاف علينا؟ قال نعم إن القلوب بين إصبعين من أصابع الله يقلبهما كما يشاء)) (1).
2 - الالتزام بأذكار الصباح والمساء:
فعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لأن أقعد مع قوم يذكرون الله تعالى من صلاة الغداة حتى تطلع الشمس أحب إلي من أن أعتق أربعة من ولد إسماعيل، ولأن أقعد مع قوم يذكرون الله من صلاة العصر إلى أن تغرب الشمس أحب إلي من أن أعتق أربعة)) (2).
3 - الرفقة الصالحة:
فالمرء على دين خليله وعليه فلا بد أن يرافق الصالحين حتى يعينوه على البر والتقوى، قال صلى الله عليه وسلم: ((الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل)) (3) كما حث على مصاحبة المؤمن فقال: ((لا تصاحب إلا مؤمنا ولا يأكل طعامك إلا تقي)) (4).
4 - ذكر الله وكثرة الاستغفار:


(1) رواه الترمذي (2140)، وابن ماجه (3834)، وأحمد (3/ 112) (12128)، والحاكم (1/ 707). قال الترمذي: حديث حسن. ووافقه ابن حجر في ((هداية الرواة)) (1/ 99) - كما أشار لذلك في مقدمته – وقال الحاكم: إسناده صحيح. وقال محمد المناوي في ((تخريج أحاديث المصابيح)) (1/ 112): رجاله رجال مسلم في الصحيح، وقال الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)): صحيح.
(2) رواه أبو داود (3667)، والطبراني في ((المعجم الأوسط)) (6/ 137) (6022)، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (1/ 409) (561)، والضياء في ((الأحاديث المختارة)) (7/ 32) (2418). والحديث سكت عنه أبو داود، وحسنه ابن حجر في ((تخريج مشكاة المصابيح)) (1/ 433) كما قال في المقدمة، والسيوطي في ((الجامع الصغير)) (7203)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)).
(3) رواه أبو داود (4833)، والترمذي (2378)، وأحمد (2/ 334) (8398)، والحاكم (4/ 188)، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (7/ 55) (9436). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. والحديث سكت عنه أبو داود، وقال الترمذي، والبغوي في ((شرح السنة)) (6/ 470): حسن غريب، وقال البيهقي: [له متابعة]، وصحح إسناده النووي في ((رياض الصالحين)) (177)، وقال ابن مفلح في ((الآداب الشرعية)) (3/ 528): إسناده جيد، وحسنه ابن حجر في ((الأمالي المطلقة)) (151)، والسيوطي في ((الجامع الصغير)) (4516)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)).
(4) رواه أبو داود (4832)، والترمذي (2395)، وأحمد (3/ 38) (11355)، وابن حبان (2/ 314) (554)، والحاكم (4/ 143)، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (7/ 42) (9382). من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. والحديث سكت عنه أبو داود، وحسنه الترمذي، وقال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وحسنه البغوي في ((شرح السنة)) (6/ 468)، وقال محمد المناوي في ((تخريج أحاديث المصابيح)) (4/ 317): رجاله موثقون، وقال الهيثمي في ((موارد الظمآن)) (2/ 1134): له طريقان، وصححه السيوطي في ((الجامع الصغير)) (9808)، ومحمد جار الله الصعدي في ((النوافح العطرة)) (455)، وقال الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)): حسن.
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،أمر الله سبحانه وتعالى عباده بالذكر حتى يفلحوا فقال تعالى: وَاذْكُرُواْ اللهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ [الأنفال: 49].
وأوصى النبي صلى الله عليه وسلم للأعرابي بأن يكون لسانه رطبا بذكر الله، فعن عبد الله بن بسر قال: ((إن أعرابيا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن شرائع الإسلام قد كثرت علي، فأنبئني منها بشيء أتشبث به , قال: لا يزال لسانك رطبا من ذكر الله عز وجل)) (1).
وقال صلى الله عليه وسلم: ((ألا أخبركم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من إنفاق الذهب والفضة ومن أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله قال ذكر الله عز وجل)) (2).
وعن أبى هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة)) (3).
وعن الأغر المزني عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إنه ليغان على قلبي وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة)) (4).
5 - الإكثار من النوافل:
الإكثار من النوافل يقرب إلى الله سبحانه وتعالى ويورث محبته وفي الحديث القدسي ((وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته: كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه)) (5) والإكثار من النوافل يعوض ما قد يطرأ من النقص والتقصير في الفرائض.
6 - العظة من خاتمة من أصابه الفتور:
تجد بعض من يصاب بالفتور ينتكس وتكون خاتمته سيئة قال تعالى إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ [محمد: 25].
7 - التفكر في يوم القيامة:
فالتفكر في اليوم الآخر وما أعده الله لعباده الممتثلين لأوامره من النعيم، وما أعده للكفار والعاصين من العذاب، يحرك في قلب صاحبه العزيمة الفاترة فيقبل على الله بقلبه ليكون من المنيبين إليه.


(1) رواه الترمذي (3375)، وابن ماجه (3075)، وأحمد (4/ 188) (17716)، وابن حبان (3/ 96) (814)، والحاكم (1/ 672)، والبيهقي (3/ 371) (6318). من حديث عبدالله بن بسر رضي الله عنه. قال الترمذي: غريب من هذا الوجه، وقال الحاكم: صحيح الإسناد، وقال ابن مفلح في ((الآداب الشرعية)) (1/ 425): إسناده جيد، وقال ابن حجر في ((الفتوحات الربانية)) (1/ 257): حسن ولأصل الحديث شاهد، وصححه الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)).
(2) رواه الترمذي (3377)، وابن ماجه (3072)، وأحمد (5/ 195) (21750)، ومال في ((الموطأ)) (2/ 295)، والحاكم (1/ 673)، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (1/ 394) (519). من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه. قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وحسنه البغوي في ((شرح السنة)) (3/ 66)، وحسن إسناده المنذري في ((الترغيب والترهيب)) (2/ 326)، والدمياطي في ((المتجر الرابح)) (203)، والهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (10/ 76)، وقال ابن حجر في ((الفتوحات الربانية)) (1/ 265): مختلف في رفعه ووقفه وفي إرساله ووصله [و] الصحيح الوقف، وصححه السيوطي في ((الجامع الصغير)) (2886)، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)).?
(3) رواه البخاري (6307).
(4) رواه مسلم (2702).
(5) رواه البخاري (6502).
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،