السبت، 24 نوفمبر 2012

موسوعة الأخلاق الإسلامية : الغضب

الغضب

معنى الغضب لغة واصطلاحاً
معنى الغضب لغة:
الغَضَب: بالتَّحْرِيكِ، ضِدُّ الرِّضَا. والغَضْبة: الصَّخرة الصُّلبة. قالوا: ومنه اشتُقَّ الغَضَب، لأنَّه اشتدادُ السُّخط. يقال: غَضِب يَغْضَبُ غَضَباً، وهو غضبانُ وغَضُوب (1).
معنى الغضب اصطلاحاً
الغضب: هو ثَوَرَانُ دمِ القَلْبِ لقَصْدِ الانْتِقَام (2).
وقال الجرجاني (الغضب: تغير يحصل عند غليان دم القلب ليحصل عنه التشفي للصدر) (3).
وقيل: (هو غليانُ دم القلب طلباً لدفع المؤذي عندَ خشية وقوعه، أو طلباً للانتقام ممن حصل له منه الأذى بعدَ وقوعه) (4).
الألفاظ المترادفة للفظة غَضِب:
من الألفاظ المترادفة للفظة غضب: (حرد، وتلظى، واغتاظ، وترغم، واستشاط، وتضرم، وحنق، وأسف، ونقم، وسخط، ووجد، وأحفظ، وأضمر) (5).

(1) انظر: ((معجم مقاييس اللغة)) لابن فارس (4/ 428)، و ((تاج العروس)) لمرتضى الزبيدي (3/ 485)، و ((لسان العرب)) لابن منظور (1/ 648).
(2) انظر: ((تاج العروس)) لمرتضى الزبيدي (3/ 485)، و ((مفردات ألفاظ القرآن الكريم)) للراغب الأصفهاني.
(3) ((التعريفات)) للجرجاني (ص 209).
(4) ((جامع العلوم والحكم)) لابن رجب (1/ 396).
(5) ((الألفاظ المترادفة المتقاربة المعنى)) لأبي الحسن الرماني (ص 77).

،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
الفرق بين الغضب وبعض الصفات
الفرق بين الغضب والسخط:
(أن الغضب يكون من الصغير على الكبير ومن الكبير على الصغير.
والسخط لا يكون إلا من الكبير على الصغير يقال سخط الأمير على الحاجب ولا يقال سخط الحاجب على الأمير ويستعمل الغضب فيهما.
والسخط إذا عديته بنفسه فهو خلاف الرضا يقال رضيه وسخطه وإذا عديته بعلى فهو بمعنى الغضب تقول سخط الله عليه إذا أراد عقابه) (1).
الفرق بين الغضب والغيظ:
(أن الإنسان يجوز أن يغتاظ من نفسه ولا يجوز أن يغضب عليها وذلك أن الغضب إرادة الضرر للمغضوب عليه ولا يجوز أن يريد الإنسان الضرر لنفسه، والغيظ يقرب من باب الغم) (2).
الفرق بين الغضب والاشتياط:
(أن الاشتياط خفة تلحق الإنسان عند الغضب وهو في الغضب كالطرب في الفرح، وقد يستعمل الطرب في الخفة التي تعتري من الحزن، والاشتياط لا يستعمل إلا في الغضب ويجوز أن يقال الاشتياط سرعة الغضب) (3).

(1) ((الفروق اللغوية)) لأبي هلال العسكري (ص 386).
(2) ((الفروق اللغوية)) لأبي هلال العسكري (ص 391).
(3) ((الفروق اللغوية)) لأبي هلال العسكري (ص 54).

،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
النهي عن الغضب في السنة النبوية
- عن أبي هريرة، رضي الله عنه، أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم أوصني قال: ((لا تغضب فردد مرارا قال: لا تغضب)) (1).
قال الخطابي: (معنى قوله لا تغضب اجتنب أسباب الغضب ولا تتعرض لما يجلبه) (2).
وقال ابن التين: (جمع صلى الله عليه وسلم في قوله لا تغضب خير الدنيا والآخرة لأن الغضب يؤول إلى التقاطع ومنع الرفق وربما آل إلى أن يؤذي المغضوب عليه فينتقص ذلك من الدين) (3).
وقال البيضاوي: (لعله لما رأى أن جميع المفاسد التي تعرض للإنسان إنما هي من شهوته ومن غضبه وكانت شهوة السائل مكسورة فلما سأل عما يحترز به عن القبائح نهاه عن الغضب الذي هو أعظم ضررا من غيره وأنه إذا ملك نفسه عند حصوله كان قد قهر أقوى أعدائه) (4).
وقال الباجي في (المنتقى): (قول السائل لرسول الله صلى الله عليه وسلم علمني كلمات أعيش بهن يحتمل أن يريد به أنتفع بها مدة عيشي، ويحتمل أن يريد به والله أعلم أستعين بها على عيشي، ولا تكثر علي فأنسى، ولعله عرف من نفسه قلة الحفظ فأراد الاختصار الذي يحفظه ولا ينساه فجمع له النبي صلى الله عليه وسلم الخير في لفظ واحد فقال له لا تغضب، ومعنى ذلك والله أعلم أن الغضب يفسد كثيرا من الدين؛ لأنه يؤدي إلى أن يؤذي ويؤذى، وأن يأتي في وقت غضبه من القول والفعل ما يأثم به ويؤثم غيره ويؤدي الغصب إلى البغضة التي قلنا إنها الحالقة والغضب أيضا يمنعه كثيرا من منافع دنياه ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم لا تغضب يريد والله أعلم لا تمض ما يبعثك عليه غضبك وامتنع منه وكف عنه) (5).
وقال ابن رجب في شرحه للحديث: (فهذا الرجلُ طلب مِن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنْ يُوصِيهَ وصيةً وجيزةً جامعةً لِخصال الخيرِ، ليحفظها عنه خشيةَ أنْ لا يحفظها؛ لكثرتها، فوصَّاه النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أنْ لا يغضب، ثم ردَّد هذه المسألة عليه مراراً، والنَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يردِّدُ عليه هذا الجوابَ، فهذا يدلُّ على أنَّ الغضب جِماعُ الشرِّ، وأنَّ التحرُّز منه جماعُ الخير) (6).
- وعن سليمان بن صرد قال: ((استب رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم ونحن عنده جلوس وأحدهما يسب صاحبه مغضبا قد احمر وجهه فقال النبي صلى الله عليه وسلم إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد لو قال أعوذ بالله من الشيطان الرجيم فقالوا للرجل ألا تسمع ما يقول النبي صلى الله عليه وسلم قال: إني لست بمجنون)) (7).
- وعن أبي هريرة، رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب)) (8).
- وعن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقوم يصطرعون فقال: ((ما هذا قالوا فلان ما يصارع أحدا إلا صرعه قال أفلا أدلكم على من هو أشد منه رجل كلمه رجل فكظم غيظه فغلبه وغلب شيطانه وغلب شيطان صاحبه)) (9).
(جعل الرسول صلى الله عليه وسلم البطولة في الناس ضبط النفس عن الاندفاع بعوامل الغضب، وعرَّف الصُّرَعة من الرجال وهو بطل المصارعة، بأنه الذي يملك نفسه عند الغضب.
وأن ضبط النفس عن الاندفاع بعوامل الغضب بطولة لا يستطيعها إلا الأشداء أقوياء الإرادة، والمؤمنون أقوياء الإيمان، فليس من السهل إذا غضب الإنسان أن يضبط نفسه ويكظم غيظه، ويكف عن الانتقام ممن أغضبه أو غاظه) (10).
- وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم: ((أسألك كَلِمَة الحقِّ في الغضب والرِّضا)) (11).
قال ابن رجب: (وهذا عزيز جداً، وهو أنَّ الإنسان لا يقول سوى الحقِّ سواء غَضِبَ أو رضي، فإنَّ أكثرَ الناس إذا غَضِبَ لا يَتوقَّفُ فيما يقول) (12).

(1) رواه البخاري (6116).
(2) ((فتح الباري)) لابن حجر (10/ 520).
(3) ((فتح الباري)) لابن حجر (10/ 520).
(4) ((فتح الباري)) لابن حجر (10/ 520).
(5) ((المنتقى شرح الموطا)) للباجي (7/ 214).
(6) ((جامع العلوم والحكم)) لابن رجب (1/ 362).
(7) رواه البخاري (6115)، ومسلم (2610).
(8) رواه البخاري (6114)، ومسلم (2609).
(9) رواه البزار (13/ 475)، والخرائطي في ((مكارم الأخلاق)) (1/ 329) (52). قال الهيثمي في ((المجمع)) (8/ 71): فيه شعيب بن بيان وعمران القطان، وثقهما ابن حبان وضعفهما غيره، وبقية رجاله رجال الصحيح. وحسن سنده الألباني في ((السلسلة الصحيحة)) (3295).
(10) ((الأخلاق الإسلامية وأسسها)) لعبد الرحمن حبنكة الميداني. (2/ 329).
(11) رواه النسائي (1305)، وأحمد (4/ 264) (18351) من حديث عمار بن ياسر رضي الله عنه. وصحح إسناده الحاكم (1/ 705)، وصححه الألباني في ((صحيح الجامع)) (1301).
(12) ((جامع العلوم والحكم)) لابن رجب (1/ 372).

،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
أقوال السلف والعلماء في ذم الغضب
- قال عمرُ بنُ عبد العزيز: (قد أفلحَ مَنْ عُصِمَ من الهوى، والغضب، والطمع) (1).
- وقال الحسن: (أربعٌ من كُنَّ فيه عصمه الله من الشيطان، وحرَّمه على النار: مَنْ ملك نفسَه عندَ الرغبة، والرهبة، والشهوةِ، والغضبِ) (2).
- (وحكي أن الفضيل بن عياض كان إذا قيل له: إن فلاناً يقع في عرضك، يقول: والله لأغيظن من أمره، يعني: إبليس، ثم يقول: اللهم إن كان صادقاً فاغفر لي، وإن كان كاذباً فاغفر له.
- وقال جعفر بنُ محمد: الغضبُ مفتاحُ كلِّ شرٍّ) (3).
- وقال عبد الملك بن مروان: (إذا لم يغضب الرجل لم يحلم؛ لأن الحليم لا يعرف إلا عند الغضب) (4)
- وقيل لابنِ المبارك: (اجْمَعْ لنا حسنَ الخلق في كلمة، قال: تركُ الغضبِ) (5).
- وقال الحسن: (المؤْمن حَليم لا يَجهل وإن جُهل عليه، وتلا قولَ الله عز وجلَّ: وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا [الفرقان:63]) (6).
- وقال ميمون بن مِهران: (جاء رجلٌ إلى سلمان، فقال: يا أبا عبدِ الله أوصني، قال: لا تغضب، قال: أمرتني أنْ لا أغضب وإنَّه ليغشاني ما لا أملِكُ، قال: فإنْ غضبتَ، فامْلِكْ لِسانك ويَدَك) (7).
- وقال عطاءُ بنُ أبي رباح: (ما أبكى العلماءَ بكاء آخرِ العمرِ من غضبة يغضبُها أحدُهُم فتهدِمُ عملَ خمسين سنة، أو ستين سنة، أو سبعين سنة، وربَّ غضبة قد أقحمت صاحبها مقحماً ما استقاله) (8).
- وقال يزيدُ بن أبي حَبيب: (إنما غَضَبي في نَعْليّ، فإذا سمعت ما أكره أخذتُهما ومَضيت) (9).
- وقال أبو حاتم: (أحسن الناس عقلا من لم يحرد، وأحضر الناس جوابا من لم يغضب) (10).
- وقال أيضاً: (الواجب على العاقل إذا ورد عليه شيء بضد ما تهواه نفسه أن يذكر كثرة عصيانه ربه، وتواتر حلم الله عنه ثم يسكن غضبه ولا يزرى بفعله الخروج إلى ما لا يليق بالعقلاء في أحوالهم، ثم تأمل وفور الثواب في العقبى بالاحتمال ونفي الغضب) (11).

(1) ((جامع العلوم والحكم)) لابن رجب (1/ 368).
(2) ((جامع العلوم والحكم)) لابن رجب (1/ 368).
(3) ((جامع العلوم والحكم)) لابن رجب (1/ 363).
(4) ((روضة العقلاء)) لابن حبان البستى. (ص 141).
(5) ((جامع العلوم والحكم)) لابن رجب (1/ 363).
(6) ((العقد الفريد)) لابن عبد ربه (2/ 278).
(7) ((جامع العلوم والحكم)) لابن رجب (1/ 368).
(8) ((جامع العلوم والحكم)) لابن رجب (1/ 374).
(9) ((العقد الفريد)) لابن عبد ربه (2/ 279).
(10) ((روضة العقلاء)) لابن حبان البستي (ص 138).
(11) ((روضة العقلاء)) لابن حبان البستي (ص 139).

،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
أقسام الغضب
الغضب ينقسم إلى قسمين: غضب مذموم وغضب ممدوح.
1 - الغضب المذموم
فالغضب المذموم هو الذي نُهي عنه وذُم في الأحاديث التي وردت وهو خلق سيئ.
(لأنه يخرج العقل والدين من سياستهما، فلا يبقى للإنسان مع ذلك نظر ولا فكر ولا اختيار) (1).
2 - الغضب المحمود
الغضب المحمود هو أن يكون لله عز وجل عند ما تنتهك حرماته، والغضب على أعدائه من الكفّار والمنافقين والطّغاة والمتجبّرين، وقد ذكر القرآن ذلك للرّسل الكرام في مواضع عديدة، ووردت أحاديث كثيرة تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغضب لله عز وجل،
قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ [التوبة:73]
قال الكلاباذي في قوله تعالى حكاية عن موسى: مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي [طه: 92 - 93] قال: (فكانت تلك الحدة منه والغضب فيه صفة مدح له لأنها كانت لله، وفي الله كما كانت رأفة النبي صلى الله عليه وسلم ورحمته في الله ولله، ثم كان يغضب حتى يحمر وجهه، وتذر عروقه لله وفي الله، وبذلك وصف الله تعالى المؤمنين بقوله: أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ [الفتح:29] وفي الله، وبذلك وصف الله تعالى المؤمنين بقوله: أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ [الفتح: 29]، وقال تعالى: أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ [المائدة: 54]) (2).
قال الباجي: (وأما فيما يعاد إلى القيام بالحق فالغضب فيه قد يكون واجبا وهو الغضب على الكفار والمبالغة فيهم بالجهاد وكذلك الغضب على أهل الباطل وإنكاره عليهم بما يجوز، وقد يكون مندوبا إليه، وهو الغضب على المخطئ إذا علمت أن في إبداء غضبك عليه ردعا له وباعثا على الحق، وقد روى زيد بن خالد الجهني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سأله رجل عن ضالة الإبل ... وقال مالك ولها وغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم لما شكا إليه رجل معاذ بن جبل أنه يطول بهم في الصلاة) (3).

(1) ((مختصر منهاج القاصدين)) لابن قدامة (ص 232).
(2) ((معاني الأخبار)) للكلاباذي (ص 358).
(3) ((المنتقى شرح الموطا)) للباجي (7/ 214).


،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،

آثار ومضار الغضب
لا شك أن الغضب له آثار سيئة على نفس الغاضب في مظهره، وفي لسانه بأن ينطق كل قبيح، وله آثاره السيئة على المجتمع الذي من حوله:
(ومن آثار هذا الغضب في الظاهر تغير اللون، وشدة رعدة الأطراف، وخروج الأفعال عن الانتظام، واضطراب الحركة والكلام حتى يظهر الزبد على الأشداق وتشتد حمرة الأحداق وتنقلب المناخر وتستحيل الخلقة، ولو يرى الغضبان في حال غضبه صورة نفسه لسكن غضبه حياء من قبح صورته لاستحالة خلقته، وقبح باطنه أعظم من قبح ظاهره، فإن الظاهر عنوان الباطن إذ قبح ذاك إنما نشأ عن قبح هذا فتغير الظاهر ثمرة تغير الباطن هذا أثره في الجسد.
وأما أثره في اللسان؛ فانطلاقه بالقبائح كالشتم والفحش وغيرهما مما يستحي منه ذوو العقول مطلقا، وقائله عند فتور غضبه على أنه لا ينتظم كلامه، بل يتخبط نظمه ويضطرب لفظه
وأما أثره في الأعضاء، فالضرب فما فوقه إلى القتل عند التمكن فإن عجز عن التشفي رجع غضبه عليه فمزق ثوبه وضرب نفسه وغيره حتى الحيوان والجماد - بالكسر - وغيره، وعدا عدو الواله السكران والمجنون الحيران، وربما سقط وعجز عن الحركة واعتراه مثل الغشية لشدة استيلاء الغضب عليه.
وأما أثره في القلب، فالحقد على المغضوب عليه وحسده، وإظهار الشماتة بمساءته، والحزن بسروره، والعزم على إفشاء سره وهتك ستره والاستهزاء به وغير ذلك من القبائح) (1).
قال الراغب: (واعلم أن نار الغضب متى كانت عنيفة تأججت واضطرمت واحتد منه غليان الدم في القلب وملأت الشرايين والدماغ دخاناً مظلماً مضطرما يسود منه مجال العقل ويضعف به فعله، فكما أن الكهف الضيق إذا ملئ حريقاً اختنق فيه الدخان واللهب وعلا منه الأجيج فيصعب علاجه وإطفاؤه ويصير كل ما يدنو منه مادة تقويه. فكذلك النفس إذا اشتعلت غضباً عميت عن الرشد، وصمت عن الموعظة، فتصير مواعظه مادة لغضبه، ولهذا حكى عن إبليس لعنه الله أنه يقول: متى أعجزني ابن آدم فلن يعجزني إذا غضب لأنه ينقاد لي فيما أبتغيه منه، ويعمل بما أريده وأرتضيه. وقد قيل الغضب جنون ساعة وربما أفضى إلى تلف باختناق حرارة القلب فيه وربما كان سبباً لأمراض صعبة مؤدية إلى التلف) (2).
وقال ابن رجب: (وينشأ من ذلك كثيرٌ من الأفعال المحرمة كالقتل والضربِ وأنواعِ الظلم والعُدوان، وكثيرٍ من الأقوال المحرَّمة كالقذفِ والسبِّ والفحش، وربما ارتقى إلى درجة الكفر، كما جرى لجبلة بن الأيهم (3)، وكالأيمان التي لا يجوزُ التزامُها شرعاً، وكطلاق الزوجة الذي يُعقب الندمَ) (4).
وقال أبو حاتم: (وسرعة الغضب أنكى في العاقل من النار في يبس العوسج؛ لأن من غضب زايله عقله، فقال ما سوَّلت له نفسه، وعمل ما شانه وأرداه) (5).
وقال ابن مسكويه: (فإن صاحب هذا الخلق الذي ذممناه تصدر عنه أفعال رديئة كثيرة يجور فيها على نفسه ثم على إخوانه ثم على الأقرب فالأقرب من معامليه حتى ينتهي إلى عبيده وإلى حرمه فيكون عليهم سوط عذاب ولا يقيلهم عثرة ولا يرحم لهم عبرة وإن كانوا برآء من الذنوب غير مجترمين ولا مكتسبين سواء بل يتجرم عليهم ويهيج من أدنى سبب يجد به طريقا إليهم حتى يبسط لسانه ويده وهم لا يمتنعون منه ولا يتجاسرون على رده عن أنفسهم بل يذعنون له ويقرون بذنوب لم يقترفوها استكفافا لشره وتسكينا لغضبه وهو مع ذلك مستمر على طريقته لا يكف يدا ولا لسانا وربما تجاوز في هذه المعاملة الناس إلى البهائم التي لا تعقل وإلى الأواني التي لا تحس. فإن صاحب هذا الخلق الرديء ... ربما عض القفل إذا تعسر عليه وكسر الآنية التي لا يجد فيها طاعة لأمره.
وهذا النوع من رداءة الخلق مشهور في كثير من الجهال يستعملونه في الثوب والزجاج والحديد وسائر الآلات.) (6).

(1) ((الزواجر عن اقتراف الكبائر)) لابن حجر الهيتمي (1/ 95) بتصرف.
(2) ((الذريعة إلى مكارم الشريعة)) للراغب الأصفهاني (ص 345).
(3) هو ابن الحارث بن أبي شعر، واسمه المنذر بن الحارث، روي في أحاديث دخل بعضها في بعض، قالوا: وكتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى جبلة بن الأيهم ملك غسان يدعوه إلى الإسلام، فأسلم وكتب بإسلامه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأهدى له هدية، ثم لم يزل مسلماً حتى كان زمن عمر بن الخطاب، فبينا هو في سوق دمشق إذ وطئ رجلاً من مزينة، فوثب المزني فلطمه، فأخذ فانطلق به إلى أبي عبيدة بن الجراح، فقالوا: هذا لطم جبلة. قال: فليلطمه. قالوا: أو ما يقتل؟ قال: لا، فقالوا: أفما تقطع يده؟ قال: لا، إنَّما أمر الله بالقود، قال جبلة: أترون أني جاعل وجهي نداً لوجه جدي جاء من عمق؟ بئس الدين هذا! ثم ارتد نصرانياً، وترحل بقومه حتى دخل أرض الروم. انظر: (تاريخ دمشق 11/ 19)
(4) ((جامع العلوم والحكم)) لابن رجب (1/ 369)
(5) ((روضة العقلاء)) لابن حبان البستي (ص 138).
(6) ((تهذيب الأخلاق)) لابن مسكويه (ص168).

،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
نماذج من هدي النبي صلى الله عليه وسلم عند الغضب
النبي صلى الله عليه وسلم ما كان يغضب لنفسه، وما كان ينتصر لها، بل كان غضبه لله وحينما تنتهك حرماته.
يحدثنا هند ابن أبي هالة رضي الله عنه عن صفات النبي صلى الله عليه وسلم فيذكر من صفاته صلى الله عليه وسلم أنه: ( ... لا تغضبه الدنيا، وما كان لها وإذا تعوطي الحق لم يعرفه أحد ولم يقم لغضبه شيء حتى ينتصر له، ولا يغضب لنفسه ولا ينتصر لها ... ) (1).
وإليكم نماذج من مواقف النبي صلى الله عليه وسلم في غضبه عندما تنتهك حرمات الله، وعن ذلك تحكي لنا عائشة رضي الله عنها موقفاً حصل لها مع النبي صلى الله عليه وسلم فتقول: - ((دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم وفي البيت قرام فيه صور فتلون وجهه ثم تناول الستر فهتكه وقالت قال النبي صلى الله عليه وسلم من أشد الناس عذابا يوم القيامة الذين يصورون هذه الصور)) (2).
وعن أبي مسعود، رضي الله عنه، قال: ((أتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال إني لأتأخر عن صلاة الغداة من أجل فلان مما يطيل بنا قال فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قط أشد غضبا في موعظة منه يومئذ قال فقال يا أيها الناس إن منكم منفرين فأيكم ما صلى بالناس فليتجوز فإن فيهم المريض والكبير وذا الحاجة)) (3).
وعن عبد الله، رضي الله عنه، قال: ((بينا النبي صلى الله عليه وسلم يصلي رأى في قبلة المسجد نخامة فحكها بيده فتغيظ ثم قال إن أحدكم إذا كان في الصلاة فإن الله حيال وجهه فلا يتنخمن حيال وجهه في الصلاة)) (4).
وعن زيد بن خالد الجهني أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن اللقطة فقال: ((عرفها سنة ثم اعرف وكاءها وعفاصها ثم استنفق بها فإن جاء ربها فأدها إليه قال يا رسول الله فضالة الغنم قال خذها فإنما هي لك، أو لأخيك، أو للذئب قال يا رسول الله فضالة الإبل قال فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى احمرت وجنتاه، أو احمر وجهه، ثم قال مالك ولها معها حذاؤها وسقاؤها حتى يلقاها ربها)) (5).
وعن زيد بن ثابت، رضي الله عنه، قال: ((احتجر رسول الله صلى الله عليه وسلم حجيرة مخصفة، أو حصيرا فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فيها فتتبع إليه رجال وجاؤوا يصلون بصلاته ثم جاؤوا ليلة فحضروا وأبطأ رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم فلم يخرج إليهم فرفعوا أصواتهم وحصبوا الباب فخرج إليهم مغضبا فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما زال بكم صنيعكم حتى ظننت أنه سيكتب عليكم فعليكم بالصلاة في بيوتكم فإن خير صلاة المرء في بيته إلا الصلاة المكتوبة)) (6).

(1) رواه الطبراني في ((الكبير)) (22/ 155)، والآجري في ((الشريعة)) (1022)، والبيهقي في ((الشعب)) (3/ 24) (1362).
(2) رواه البخاري (6109)، ومسلم (2107).
(3) رواه البخاري (6110)، ومسلم (466).
(4) رواه البخاري (6111).
(5) رواه البخاري (2436)، ومسلم (1722).
(6) رواه البخاري (6113)، ومسلم (781).

،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
وعن البراء بن عازب قال: ((خرج رسول الله ? وأصحابه قال: فأحرمنا بالحج فلما قدمنا مكة قال: اجعلوا حجكم عمرة. قال: فقال الناس: يا رسول الله قد أحرمنا بالحج كيف نجعلها عمرة؟ قال: انظروا ما آمركم به فافعلوا. فردوا عليه القول فغضب ثم انطلق حتى دخل على عائشة وهو غضبان فرأت الغضب في وجهه فقالت: من أغضبك أغضبه الله؟ فقال: وما لي لا أغضب وأنا آمر بالأمر فلا أتبع)) (1).
وعن أبي هريرة- رضي الله عنه- ((أنّه قال: بينما يهوديّ يعرض سلعة له أعطي بها شيئا، كرهه أو لم يرضه، قال: لا: والّذي اصطفى موسى- عليه السّلام- على البشر، فسمعه رجل من الأنصار فلطم وجهه. قال: تقول: والّذي اصطفى موسى- عليه السّلام-، على البشر ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم بين أظهرنا؟ قال: فذهب اليهوديّ إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: يا أبا القاسم،. إنّ لي ذمّة وعهدا، وقال: فلان لطم وجهي. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: لم لطمت وجهه؟ قال: قال: (يا رسول الله): والّذي اصطفى موسى- عليه السّلام- على البشر وأنت بين أظهرنا؛ قال: فغضب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، حتّى عرف الغضب في وجهه.
ثمّ قال: لا تفضّلوا بين أنبياء الله، فإنّه ينفخ في الصّور فيصعق من في السّموات ومن في الأرض إلّا من شاء الله، ثمّ ينفخ فيه أخرى. فأكون أوّل من بعث: أو في أوّل من بعث. فإذا موسى- عليه السّلام- آخذ بالعرش. فلا أدري أحوسب بصعقته يوم الطّور. أو بعث قبلي. ولا أقول: إنّ أحدا أفضل من يونس بن متّى عليه السّلام)) (2).
وعن عائشة- رضي الله عنها- ((أنّها قالت: رخّص رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في أمر فتنزّه عنه ناس من النّاس. فبلغ ذلك النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فغضب حتّى بان الغضب في وجهه. ثمّ قال: ما بال أقوام يرغبون عمّا رخّص لي فيه. فو الله لأنا أعلمهم بالله وأشدّهم له خشية)) (3).
وعن أبي قتادة- رضي الله عنه- أنّه قال: ((رجل أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال: كيف تصوم؟ فغضب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فلمّا رأى عمر- رضي الله عنه غضبه. قال: رضينا بالله ربّا، وبالإسلام دينا، وبمحمّد نبيّا. نعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله. فجعل عمر- رضي الله عنه- يردّد هذا الكلام حتّى سكن غضبه)) (4).
وعن أبي سعيد الخدري قال: ((كان النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أشدَّ حياءً من العذراءِ في خِدْرها، فإذا رأى شيئاً يكرهه، عرفناه في وجهه، ولما بلَّغَه ابنُ مسعودٍ قَولَ القائل: هذه قسمة ما أريد بها وجه الله، شقَّ عليه - صلى الله عليه وسلم -، وتَغيَّر وجهه، وغَضِبَ، ولم يَزِدْ على أنْ قال: قد أوذِيَ موسى بأكثر من هذا فصبر)) (5).

(1) رواه ابن ماجه (2982)، وأحمد (4/ 286) (18546)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (9/ 82) (9946). قال البوصيري في ((مصباح الزجاجة)) (3/ 199): هذا إسناد رجاله ثقات إلا أن فيه أبا إسحاق واسمه عمرو بن عبد الله اختلط بآخرة ولم أدر حال أبي بكر بن عياش هل روى عنه قبل الاختلاط أو بعده فيوقف حديثه حتى يتبين حاله. وضعف إسناده الألباني في ((السلسلة الضعيفة)) (4753).
(2) رواه البخاري (3414)، ومسلم (2373).
(3) رواه مسلم (2356).
(4) رواه مسلم (1162).
(5) رواه البخاري (6102)، ومسلم (1062).


،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
نماذج من هدي الصحابة عند الغضب
عمر رضي الله عنه:
روي أن رجلاً قال لعمر: إنك لا تقضي بالعدل، ولا تعطي الحق. فغضب واحمر وجهه، قيل له: يا أمير المؤمنين، ألم تسمع أن الله يقول: خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين وهذا جاهل، فقال: صدقت، فكأنما كان ناراً فأطفئت (1).
معاوية رضي الله عنه:
(خطب معاوية يوماً فقال له رجل: كذبت. فنزل مغضباً فدخل منزله، ثم خرج عليهم تقطر لحيته ماءً، فصعد المنبر فقال: أيها الناس إن الغضب من الشيطان، وإن الشيطان من النار، فإذا غضب أحدكم فليطفئه بالماء، ثم أخذ في الموضع الذي بلغه من خطبته) (2).
عبد الله بن عباس رضي الله عنه:
سب رجل ابن عباس -رضي الله عنهما – فلما فرغ قال: يا عكرمة هل للرجل حاجة فنقضيها؟ فنكس الرجل رأسه واستحى (3).
أبو الدرداء رضي الله عنه:
أسمع رجل أبا الدرداء – رضي الله عنه- كلاما , فقال: يا هذا لا تغرقن في سبنا ودع للصلح موضعا فإنا لا نكافئ من عصى الله فينا بأكثر من أن نطيع الله فيه (4).
أبو ذر رضي الله عنه:
قال أبو ذر –رضي الله عنه- لغلامه: لِمَ أرسلت الشاة على علف الفرس؟ قال: أردت أن أغيظك. قال: لأجمعن مع الغيظ أجرا أنت حر لوجه الله تعالى (5).

(1) رواه البخاري (4642).
(2) رواه ابن قتيبة في ((عيون الأخبار)) (1/ 405).
(3) رواه الثعلبي في ((تفسيره)) (9/ 80).
(4) ((أدب الدنيا والدين)) للماوردي (252).
(5) ((ربيع الأبرار ونصوص الأخيار)) للزمخشري (2/ 227).

،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
نماذج من هدي السلف عند الغضب
علي بن الحسين:
حكي أن جارية كانت تصب الماء لعلي بن الحسين، فسقط الإبريق من يدها على وجهه فشجه، أي جرحه، فرفع رأسه إليها، فقالت له: إن الله يقول: وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ فقال لها: قد كظمت غيظي، قالت: وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ قال لها: قد عفوت عنك، قالت: وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ، قال: اذهبي فأنت حرة لوجه الله.
عمر بن عبد العزيز:
(غضب يوماً عمرُ بن عبد العزيز فقالَ لهُ ابنُه: عبدُ الملكِ - رحمهما الله -: أنتَ يا أميرَ المؤمنين مع ما أعطاك الله وفضَّلك به تغضبُ هذا الغَضبَ؟ فقال له: أو ما تغضبُ يا عبدَ الملك؟ فقال عبد الملك: وما يُغني عني سعةُ جوفي إذا لم أُرَدِّدْ فيه) (1).
(وأسمعه رجل كلاماً فقال له. أردت أن يستفزني الشيطان بعز السلطان فأنال منك اليوم ما تناله مني غداً، انصرف رحمك الله) (2).
المهدي:
(قيل: غضب المهدي على رجل، فدعا بالسياط فلما رأى شبيب شدة غضبه، وإطراق الناس، فلم يتكلموا بشيء، قال: يا أمير المؤمنين، لا تغضبن لله بأشد مما غضب لنفسه، فقال: خلوا سبيله) (3).
عبد الله بن عون:
(روي عن القعنبي قال: كان ابن عون لا يغضب. فإذا أغضبه رجل قال: بارك الله فيك) (4).
(وكان لابن عون ناقة يغزو عليها ويحج وكان بها معجباً. قال فأمر غلاما له أن يستقي عليها، فجاء بها وقد ضربها على وجهها، فسالت عينها على خدها، فقلنا: إن كان من ابن عون شيء فاليوم! قال: فلم يلبث أن نزل، فلما نظر إلى الناقة قال: سبحان الله، أفلا غير الوجه، بارك الله فيك اخرج عني، اشهدوا أنه حر) (5).

(1) ((جامع العلوم والحكم)) لابن رجب (1/ 366).
(2) ((عيون الأخبار)) لابن قتيبة (1/ 290).
(3) ((مختصر منهاج القاصدين)) لابن قدامة (ص 236).
(4) ((سير أعلام النبلاء)) للذهبي (6/ 366).
(5) ((سير أعلام النبلاء)) للذهبي (6/ 371).


،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
أسباب الغضب
من أسباب الغضب: (العجب، والافتخار، والمراء، واللجاج، والمزاح، والتيه، والضيم، والاستهزاء، وطلب ما فيه التنافس، والتحاسد، وشهوة الانتقام) (1)، (والمضادة، والغدر، وشدة الحرص على فضول المال والجاه، وهذه أخلاق رديئة مذمومة شرعاً) (2).
(ومن أشد البواعث على الغضب عند أكثر الجهال تسميتهم الغضب شجاعة ورجولية وعزة نفس وكبر همة وتلقيبه بالألقاب المحمودة غباوة وجهلا حتى تميل النفس إليه وتستحسنه وقد يتأكد ذلك بحكاية شدة الغضب عن الأكابر في معرض المدح بالشجاعة والنفوس مائلة إلى التشبه بالأكابر فيهيج الغضب إلى القلب بسببه وتسمية هذا عزة نفس وشجاعة جهل بل هو مرض قلب ونقصان عقل وهو لضعف النفس ونقصانها) (3).

(1) ((الذريعة إلى مكارم الشريعة)) للراغب الأصفهاني (ص 346).
(2) ((مختصر منهاج القاصدين)) لابن قدامة (ص 233).
(3) ((إحياء علوم الدين)) للغزالي (3/ 172).

،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
علاج الغضب
1 - الوضوء:
قال ابن مفلح: (ويستحب أن يتوضأ لخبر عطية عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الغضب من الشيطان، وإن الشيطان خلق من نار، وإنما تطفأ النار بالماء؛ فإذا غضب أحدكم فليتوضأ)) (1)).
2 - القعود إن كان قائما:
3 - الاضطجاع إن كان قاعدا:
قال ابن مفلح في (الآداب الشرعية): (ويستحب لمن غضب أن يغير حاله، فإن كان جالساً قام واضجع، وإن كان قائماً مشى) (2).
4 - أن يلتزم بوصية النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك: ((لا تغضب))
عن عطيّة (وهو ابن سعد القرظيّ) رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ((إنّ الغضب من الشّيطان، وإنّ الشّيطان خلق من النّار، وإنّما تطفأ النّار بالماء، فإذا غضب أحدكم فليتوضّأ)) (3).
عن أبي الدرداء قلت يا رسول الله ((دلني على عمل يدخلني الجنة قال لا تغضب)) (4).
5 - أن يضبط النفس عن الاندفاع بعوامل الغضب:
فعن أبي العلاء بنِ الشِّخِّير قال: ((أنَّ رجلاً أتى النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - مِن قِبَلِ وجهه، فقالَ: يا رسولَ الله أيُّ العملِ أفضلُ؟ قالَ: حُسْنُ الخلق ثُمَّ أتاه عن يمينه، فقالَ: يا رسول الله، أيُّ العمل أفضل؟ قال: حسنُ الخُلُقِ، ثم أتاه عن شِماله، فقال: يا رسول الله، أيُّ العمل أفضل؟ قال: حسنُ الخُلُقُ، ثم أتاه من بعده، يعني: من خلفه، فقال: يا رسولَ الله أيُّ العملِ أفضلُ؟ فالتفت إليه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فقال: مالك لا تَفْقَهُ! حسْنُ الخُلُقِ هو أنْ لا تَغْضَبَ إنِ استطعْتَ)) (5).
6 - الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم:
قال ابن القيم: (ولما كان الغضب والشهوة جمرتين من نار في قلب ابن آدم، أمر أن يطفئهما بالوضوء، والصلاة، والاستعاذة من الشيطان الرجيم، كما قال تعالى: أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ... [البقرة: 44] الآية. وهذا إنما يحمل عليه شدة الشهوة، فأمرهم بما يطفئون بها جمرتها، وهو الاستعانة بالصبر والصلاة، وأمر تعالى بالاستعاذة من الشيطان عند نزغاته، ولما كانت المعاصي كلها تتولد من الغضب والشهوة، وكان نهاية قوة الغضب القتل، ونهاية قوة الشهوة الزنى، جمع الله تعالى بين القتل والزنى، وجعلهما قرينين في سورة الأنعام، وسورة الإسراء، وسورة الفرقان، وسورة الممتحنة.
والمقصود: أنه سبحانه أرشد عباده إلى ما يدفعون به شر قوتي الغضب والشهوة من الصلاة والاستعاذة) (6).
7 - السكوت:

(1) رواه أبو داود (4784)، وأحمد (4/ 226) (18014)، والطبراني في ((الكبير)) (17/ 167). وحسنه السيوطي في ((الجامع الصغير)) (2080)، وضعفه الألباني في ((السلسلة الضعيفة)) (582).
(2) ((الآداب الشرعية)) لابن مفلح (2/ 261).
(3) رواه أبو داود (4784)، وأحمد (4/ 226) (18014)، والطبراني في ((الكبير)) (17/ 167). وحسنه السيوطي في ((الجامع الصغير)) (2080)، وضعفه الألباني في ((السلسلة الضعيفة)) (582).
(4) رواه الطبراني في ((المعجم الأوسط)) (3/ 25).وحسن إسناده العراقي في ((تخريج الإحياء)) (ص1060)، وقال الهيثمي في ((المجمع)) (8/ 73):رواه الطبراني في الكبير والأوسط، وأحد إسنادي الكبير رجاله ثقات.
(5) رواه محمد بن نصر المروزي في ((تعظيم قدر الصلاة)) (878). وقال الألباني في ((ضعيف الترغيب)) (1596): مرسل ضعيف.
(6) ((زاد المعاد)) لابن القيم (2/ 463).


،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
عن ابن عباس - رضي الله عنهما- أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ((علّموا ويسّروا ولا تعسّروا، وإذا غضب أحدكم فليسكت)) (1).
قال ابن رجب: (وهذا أيضاً دواء عظيم للغضب؛ لأنَّ الغضبان يصدر منه في حال غضبه من القول ما يندم عليهِ في حال زوال غضبه كثيراً من السِّباب وغيره مما يعظم ضَرَرُهُ، فإذا سكت زال هذا الشرّ كله عنه، وما أحسنَ قولَ مورق العجلي - رحمه الله -: ما امتلأتُ غيضاً قَطُّ ولا تكلَّمتُ في غضبٍ قطُّ بما أندمُ عليهِ إذا رضيتُ) (2).
8 - أن يذكر الله عز وجل فيدعوه ذلك إلى الخوف منه، ويبعثه الخوف منه على الطاعة له، فيرجع إلى أدبه ويأخذ بندبه:
قال الله تعالى: وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ [الكهف:24] قال عكرمة: يعني إذا غضبت.
وقال الله تعالى: وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ [الأعراف:200] ومعنى قوله ينزغنك أي يغضبنك، فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم يعني أنه سميع بجهل من جهل، عليم بما يذهب عنك الغضب ...
9 - أن ينتقل عن الحالة التي هو فيها إلى حالة غيرها ...
10 - أن يتذكر ما يؤول إليه الغضب من الندم ومذمة الانتقام ...
11 - أن يذكر انعطاف القلوب عليه، وميل النفوس إليه، فلا يرى إضاعة ذلك بتغير الناس عنه فيرغب في التألف وجميل الثناء (3).
12 - (أن يحذر نفسه عاقبة العداوة، والانتقام، وتشمير العدو في هدم أعراضه، والشماتة بمصائبه، فإن الإنسان لا يخلو عن المصائب، فيخوف نفسه ذلك في الدنيا إن لم يخف في الآخرة.
13 - أن يتفكر في قبح صورته عند الغضب.
14 - أن يتفكر في السبب الذي يدعوه إلى الانتقام، مثل أن يكون سبب غضبه أن يقول له الشيطان: إن هذا يحمل منك على العجز، والذلة والمهانة، وصغر النفس، وتصير حقيراً في أعين الناس، فليقل لنفسه: تأنفين من الاحتمال الآن، ولا تأنفين من خزي يوم القيامة والافتضاح إذا أخذ هذا بيدك وانتقم منك، وتحذرين من أن تصغري في أعين الناس، ولا تحذرين من أن تصغري عند الله تعالى وعند الملائكة والنبيين!!
15 - أن يعلم أن غضبه إنما كان من شيء جرى على وفق مراد الله تعالى، لا على وفق مراده، فكيف يقدم مراده على مراد الله تعالى) (4).
16 - أن يذكر ثواب من كظم غيظه:
قال سبحانه: الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [آل عمران:134]
(قوله: وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ أي: إذا حصل لهم من غيرهم أذية توجب غيظهم -وهو امتلاء قلوبهم من الحنق، الموجب للانتقام بالقول والفعل-، هؤلاء لا يعملون بمقتضى الطباع البشرية، بل يكظمون ما في القلوب من الغيظ، ويصبرون عن مقابلة المسيء إليهم) (5).
وقال تعالى: وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ [الشورى:37]
(أي: قد تخلقوا بمكارم الأخلاق ومحاسن الشيم، فصار الحلم لهم سجية، وحسن الخلق لهم طبيعة حتى إذا أغضبهم أحد بمقاله أو فعاله، كظموا ذلك الغضب فلم ينفذوه، بل غفروه، ولم يقابلوا المسيء إلا بالإحسان والعفو والصفح، فترتب على هذا العفو والصفح، من المصالح ودفع المفاسد في أنفسهم وغيرهم شيء كثير) (6).
وقال ابن كثير في تفسيره للآية: (أي: سجيتهم وخلقهم وطبعهم، تقتضي الصفح والعفو عن الناس، ليس سجيتهم الانتقام من الناس) (7).
وقال عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ [الأعراف:201]
قال سعيد بن جبير: (هو الرجل يغضب الغضبة فيذكر الله تعالى فيكظم الغيظ) (8).

(1) رواه أحمد (1/ 239) (2136)، والبخاري في ((الأدب المفرد)) (245)، والطيالسي (4/ 337). قال الهيثمي في ((المجمع)) (8/ 73): رواه أحمد والطبراني، ورجال أحمد ثقات؛ لأن ليثا صرح بالسماع من طاوس. وصححه السيوطي في ((الجامع الصغير)) (5480).
(2) ((جامع العلوم والحكم)) لابن رجب (1/ 366).
(3) من 8 - 12 من كتاب ((أدب الدنيا والدين)) للماوردي - بتصرف.
(4) ((مختصر منهاج القاصدين)) لابن قدامة (ص 234) بتصرف.
(5) ((تفسير السعدي)) (1/ 148).
(6) ((تفسير السعدي)) (1/ 759).
(7) ((تفسير القرآن العظيم)) لابن كثير (7/ 210).
(8) ((معالم التنزيل)) للبغوي (3/ 318).

،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
تفاوت الناس في سرعة الغضب
بَيَّن النبي صلى الله عليه وسلم طباع الناس وتفاوتهم في سرعة الغضب ورجوعهم عنه، فقال في الحديث الذي خطب فيه النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه، وفيه:
(( ... ألا إن بني آدم خلقوا على طبقات شتى ... ألا وإن منهم البطيء الغضب سريع الفيء ومنهم سريع الغضب سريع الفيء فتلك بتلك ألا وإن منهم سريع الغضب بطيء الفيء ألا وخيرهم بطيء الغضب سريع الفيء، وشرهم سريع الغضب بطيء الفيء ألا وإن منهم حسن القضاء حسن الطلب ومنهم سيئ القضاء حسن الطلب ومنهم حسن القضاء سيئ الطلب فتلك بتلك ألا وإن منهم السيئ القضاء السيئ الطلب ألا وخيرهم الحسن القضاء الحسن الطلب ألا وشرهم سيئ القضاء سيئ الطلب ألا وإن الغضب جمرة في قلب ابن آدم أما رأيتم إلى حمرة عينيه وانتفاخ أوداجه فمن أحس بشيء من ذلك فليلصق بالأرض ... )) (1).
في هذا الحديث قسم النبي صلى الله عليه وسلم الناس إلى أقسام أربعة:
(الأول: بطيء الغضب سريع الفيء، أي: سريع الرجوع إلى حالة الهدوء واعتدال المزاج، وهذا خير الأقسام.
الثاني: سريع الغضب سريع الفيء، وسرعة الغضب خلق مذموم، إلا أن سرعة الفيء فضيلة محمودة، فهذه بهذه.
الثالث: بطيء الغضب بطيء الفيء، أما بطء الغضب فخلق محمود يدل على الحلم، لكن بطء الفيء خلق مذموم يدل على الحقد وعدم التسامح، فهذه بهذه، ويظهر أن هذا القسم معادل للقسم الثاني.
الرابع: سريع الغضب بطيء الفيء، وهذا شر الأقسام، لأنه جمع الدائين معاً، وما اجتمع الداءان إلا ليقتلا، فسرعة الغضب خلق مذموم، وبطيء الفيء خلق مذموم، ويا بؤس من تلجئه الضرورة إلى معاشرة هذا القسم من الناس) (2).
قال الراغب: (والغضب في الإنسان بمنزلة نار تشعل، والناس يختلفون فيه، فبعضهم كالحلفاء (3) سريع الوقود وسريع الخمود، وبعضهم كالغضى (4) بطيء الوقود بطيء الخمود، وبعضهم سريع الوقود بطيء الخمود، وبعضهم على عكس ذلك وهو أحمدهم ما لم يكن مفضياً به إلى زوال حميته وفقدان غيرته، واختلافهم تارة يكون بحسب الأمزجة فمن كان طبعه حاراً يابساً يكثر غضبه، ومن كان بخلافه يقل، وتارة يكون بحسب اختلاف العادة فمن الناس من تعود السكون والهدوء وهو المعبر عنه بالذلول والهين واللين، ومنهم من تعود الطيش والانزعاج فيحتد بأدنى ما يطرقه ككلب يسمع صوتاً فينبح قبل أن يعرف ما هو) (5).

(1) رواه الترمذي (2191)، وأحمد (3/ 19) (11159) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. وحسنه الترمذي، وقال البوصيري في ((إتحاف الخيرة)) (8/ 67): مدار أسانيده على علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف. وحسنه السيوطي في ((الجامع الصغير)) (1610).
(2) ((الأخلاق الإسلامية وأسسها)) لعبد الرحمن حبنكة الميداني (2/ 330).
(3) الحلفاء: نبت أطرافه ممدودة ينبت في مفايض الماء، وبه صلابة تؤذي اليد إن شدته.
(4) الغضى: شجرة دائمة الخضرة لها ورقة مثل الهدب.
(5) ((الذريعة إلى مكارم الشريعة)) للراغب الأصفهاني (ص 345).


،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
غالب من يتصف بسرعة الغضب
ذكر بعض العلماء أن أغلب من يتصف بسرعة الغضب هم النساء والصبيان، والشَّرِه والبخيل وضعيف النفس من الرجال ....
قال الراغب: (وأسرع الناس غضباً الصبيان والنساء، وأكثرهم ضجراً الشيوخ .. ) (1).
وقال ابن مسكويه: (ونحن نجدها في النساء – أي صفة الغضب - أكثر منها في الرجال وفي المرضى أقوى منها في الأصحاء ونجد الصبيان أسرع غضبا وضجرا من الرجال.
والشيوخ أكثر من الشبان ونجد رذيلة الشره. فإن الشَّرِه إذا تعذر عليه ما يشتهيه غضب وشجر على من يهيئ طعامه وشرابه من نسائه وأولاده وخدمه وسائر من يلابس أمره. والبخيل إذا فقد شيئا من ماله تسرع بالغضب على أصدقائه ومخالطيه وتوجهت تهمته إلى أهل الثقة من خدمه ومواليه. وهؤلاء الطبقة لا يحصلون من أخلاقهم إلا على فقد الصديق وعدم النصيح وعلى الذم السريع واللوم الوجيع) (2).
قال الغزالي: (وآية أنه لضعف النفس – أي الغضب- أن المريض أسرع غضبا من الصحيح والمرأة أسرع غضبا من الرجل والصبي أسرع غضبا من الرجل الكبير والشيخ الضعيف أسرع غضبا من الكهل وذو الخلق السيئ والرذائل القبيحة أسرع غضبا من صاحب الفضائل فالرذل يغضب لشهوته إذا فاتته اللقمة ولبخله إذا فاتته الحبة حتى أنه يغضب على أهله وولده وأصحابه، بل القوي من يملك نفسه عند الغضب كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.... ) (3).

(1) ((الذريعة إلى مكارم الشريعة)) للراغب الأصفهاني (ص 345).
(2) ((تهذيب الأخلاق)) لابن مسكويه (ص169).
(3) ((إحياء علوم الدين)) للغزالي (3/ 172).

،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
ذم الغضب في واحة الشعر ..
الغضب عدو العقل
قال الشاعر:
ولم أر فضلا تم إلا بشيمة ... ولم أر عقلا صح إلا على الأدب
ولم أر في الأعداء حين اختبرتهم ... عدواً لعقل المرء أعدى من الغضب
عاقبة الغضب
قال الشاعر:
لم يأكل الناس شيئاً من مآكلهم ... أحلى وأحمد عقباه من الغضب
ولا تلحف إنسان بملحفة ... أبهى وأزين من دين ومن أدب
كظم الغيظ يغيظ العدو
قال الشاعر:
وكظمي الغيظ أولى من محاولتي ... غيظ العدو بإضراري بإيماني
لا خير في أمر ترديني مغبته ... يوم الحساب إذا ما نص ميزاني
وإذا غضبت فكن وقورا
قال الشاعر:
وإذا غضبت فكن وقورا كاظما ... للغيظ تبصر ما تقول وتسمع
فكفى به شرفاً تبصر ساعة ... يرضى بها عنك الإله ويدفع
وقال آخر:
ولا تقطع أخاً لك عند ذنب ... وإن الذنب يغفره الكريم
ولكن داري عواره برفق ... كما قد يرقع الخلق القديم ...