السبت، 14 أبريل 2012

موسوعة علوم القرآن - التفسير - مناهج التفسير : التفسير الموضوعى

مناهج التفسير : التفسير الموضوعى


اسم التفسير الموضوعي - إصطلاح مستحدث - أطلقه العلماء المعاصرون على:
جمع الآيات القرآنية، ذات الهدف الواحد ـ التي اشتركت في موضوع ما ـ وترتيبها حسب النزول ـ ما أمكن ذلك ـ مع الوقوف على أسباب نزولها، ثم تناولها بالشرح والبيان، والتعليق والإستنباط، وإفرادها بالدرس المنهج الموضوعي، الذي يجليها من جميع نواحيها وجهاتها، ووزنها بميزان العلم الصحيح، الذي يبين الباحث معه الموضوع على حقيقته، ويجعله يدرك هدفه بسهولة ويسر، ويحيط به إحاطة تامة، تمكنه من فهم أبعاده، والذود عن حياضه

نوعا التفسير الموضوعي
للتفسير الموضوعي نوعان: بهدف كلاهما إلى إبراز ما في القرآن الكريم من أحكام، وترابط، وتناسق، ونفي دعوى التكرار عنه، وكذلك: دعاوى المستشرقين، وشبه المستغربين، وإظهار مدى عنايته بمصالح الخلق العامة والخاصة، في صور تشريعاته الحكيمة العادلة، التي لو اتبعوها لبلغوا عن طريقها إلى السعادة في الدنيا،والنعيم المقيم في الآخرة.
وهما:
النوع الأول: الكلام على السورة ككل مع بيان أغراضها: العامة، والخاصة وما فيها، مع بيان ربط الموضوعات بعضها ببعض، حتى تبدو السورة وهي في منتهى الدقة والإحكام ـ كما تقدم
فمثلاً: سورة سبأ.
حيث تبدأ بإثبات الحمد لله تعالى، وتأخذ نوعاً من أنواع التربية المطلقة، ترجع إلى الملك، والتصرف الحكيم، والتدبير المحكم.
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ * يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ [سبأ 1، 2].
ثم يجيء ما في السورة: مقرراً للعلم الشامل، والقدرة النافذة، والإرادة الحكيمة
النوع الثاني: جمع الآيات القرآنية التي في موضوع واحد، ووضعها تحت عنوان واحد، وتفسيرها تفسيراً منهجياً موضوعياً.
وهذا النوع ـ الثاني ـ هو الذي يتبادر إلى الذهن عند إطلاق اسم التفسير الموضوعي،

نشأة التفسير الموضوعي
لقد سبق ذكر ما ورد عن النبي من تفسيره للظلم في قوله تعالى:  الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ. بالشرك الوارد في قوله تعالى:  إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ.
ويقول: الدكتور علي خليل تعقيباً على ذلك، "بهذه اللفتة الذكية، قد وجه ـ  ـ أصحابه إلى أن جمع المتشابهات من الآيات، يوضح المقام، ويرفع اللبس"
ونقول: بهذا، يشير الأستاذ الدكتور إلى البذرة الأولى في الحقل الطاهر لهذا النوع من التفسير.
فضلاً عن أنه يمكن لنا قياساً على ذلك:
أن نقول:
إن كل ما فسر من القرآ، بالقرآن ـ وهو من التفسير بالمأثور ـ هو من التفسير الموضوعي، وهو ـ في نفس الوقت ـ بدايات قديمة لهذا المنهج
ومن ذلك
تفسير لفظ "كلمات" في قوله تعالى  فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ [البقرة 37]. بقوله عز وجل  قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الأعراف 37].
وتفسير المستثنى في قوله تعالى:  أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ [المائدة آية رقم 1]. بقوله تعالى:  حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ [المائدة 3].
ثم نجد بعد ذلك:
بذوراً أخذت تظهر في كثير من صفحات الكتب المطولة، التي عنت بتفسير القرآن الكريم، ولكن بشكل ثانوي، لم يقصد إليه كمنهج مستقل، وفي شكل موجز في كثير من الأحيان كالفخر الرازي، والقرطبي وابن العربي
ونجد ـ مع ذلك ـ من ينهج منهجاً قريباً من التفسير الموضوعي، مثل
ابن القيم: الذي أفرد كتاباً من مؤلفاته للكلام عن أقسام القرآن وسماه البيان في أقسام القرآن.
وأبو عبيدة: أفرد كتاباً للكلام عن "مجاز القرآن".
والراغب: أفرد كتاباً في "مفردات القرآن".
وأ[و جعفر النحاس: أفرد كتاباً في "الناسخ والمنسوخ من القرآن"
والواحدي: أفرد كتاباً في "أسباب النزول".
والجصاص: أفرد كتاباً في "أحكام القرآن".
والناظر فيما كتبه هؤلاء الأعلام، يرى أنه:
من كتب في "أسباب النزول" تحرى جميع الآيات التي نزلت على أسباب خاصة، فذكرها وذكر أسبابها، وبين المراد منها.
ومن كتب في الناسخ والمنسوخ: أورد جميع الآيات التي قيل بنسخها وذكر الناس لها من القرآن الكريم.
وكذلك من كتب في "مجاز القرآن" تحرى جميع الألفاظ المجازية في القرآن، وبين أنواع المجاز فيها.
وهكـذا
ومن كل هذا:
ندرك أن نشأة هذا النوع من التفسير: قديمة بهذه البدايات، التي لم يقصد معها أن يكون لها طابع المنهج المستقل.
ولكنها تثبت لنا ـ على الأقل ـ أن هذا النوع من التفسير، ليس بجديد على بساط الدراسات القرآنية، وإنما الجديد: هو اهتمام الباحثين به على هذا النحو الذي جعله يأخذ من المعالم والملامح، ما يوضحه ويميزه عن مناهج التفسير الأخرى، بل يبرزه بينها كمنهج فريد مستقل.

علماؤنا الكبار عنوا - بفضل الله - عناية كاملة، بتفسير القرآن الكريم، تفسيراً جمع بين كل جهة في الكلام، من مطول إلى مختصر، ومن واسع تعرض للمذاهب الكلامية، والعلمية، وبيان آراء الفرق والمذاهب، ومن ضيق اقتصر على المطلوب، والبعض نحا بتفسيره ناحية بلاغية، وآخر نحا ناحية تشريعية، وثالث نحا ناحية الأبحاث اللغوية.
والحمد لله ! المكتبة العربية مليئة بكتب التفسير في جميع المجالات.
وأقل ما يقال في هؤلاء الأعلام: أنهم أناس طوع الله لهم الزمن، وحباهم بفضل من عنده حتى أفنوا أعمارهم في خدمة القرآن، فجزاهم الله عنا وعن القرآن خير الجزاء.
ولكن ! فيما وصلنا إليه: لم يعن علماؤنا الأفاضل بجمع الآيات التي هي في موضوع واحد، وذكرت لغرض واحد، وإن اختلف نزولها.
جمعها وترتيبها حسب النزول: لمعرفة موضوعها؛ حتى تهدم ما تلوكه بعض الألسنة: أن في القرآن تكراراً لا حاجة إليه.
ولم نر إلا القليل: نظر في السورة نظرة عامة، يعرف بها الغرض المقصود منها لأول وهلة، مع بيان أغراضها جملة، وربط بعض إياتها ببعض، حتى تظهر السورة في صورة متكاملة متناسقة تامة.
أما الكلام على السورة ككل، مع بيان أغراضها العامة والخاصة، وما فيها، مع ربط الموضوعات بعضها ببعض، حتى تبدو السورة وهي في منتهى الدقة والإحكام.
أفول من تكلم عن هذا، وكشف عن بعض أسراره، هو العلامة الفخر الرازي،وله جهد مشكور في هذا البا.
وقد سار على منواله، "التفسير الواضح"( 1).
وللعلامة الشاطبي في "الموافقات" بحث ظريف في هذا الموضوع،
يقول:
"إن السورة الواحدة مهما تعددت قضاياتها، فهي تكون قضية واحدة، تهدف إلى غرض واحد، أو تسعى لإ...مه، وإن اشتملت على عديد من المعاني"( 2).
أما الكلام عن جمع الآيات التي في معنى واحد، وجعلها تحت عنوان واحد وتفسيرها تفسيراً منهجياً موضوعياً.
فذاك: منهج جديد لكلية أصول الدين، ولقد بدأه بالفعل بعض الأساتذة الأفاضل( 3)، وظهرت براعمه، وبعض ثمراته اليانعة، بما يبشر بأهمية هذا المنهج، ويؤكد حاجتنا إلى الاهتمام به في هذا العصر.
نوعا التفسير الموضوعي
من هذا التقديم ندرك أن للتفسير الموضوعي نوعين: بهدف كلاهما إلى إبراز ما في القرآن الكريم من أحكام، وترابط، وتناسق، ونفي دعوى التكرار عنه، وكذلك: دعاوى المستشرقين، وشبه المستغربين، وإظهار مدى عنايته بمصالح الخلق العامة والخاصة، في صور تشريعاته الحكيمة العادلة، التي لو اتبعوها لبلغوا عن طريقها إلى السعادة في الدنيا،والنعيم المقيم في الآخرة.
وهما:
النوع الأول: الكلام على السورة ككل مع بيان أغراضها: العامة، والخاصة وما فيها، مع بيان ربط الموضوعات بعضها ببعض، حتى تبدو السورة وهي في منتهى الدقة والإحكام ـ كما تقدم( 4).
فمثلاً: سورة سبأ.
حيث تبدأ بإثبات الحمد لله تعالى، وتأخذ نوعاً من أنواع التربية المطلقة، ترجع إلى الملك، والتصرف الحكيم، والتدبير المحكم.
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ * يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ [سبأ 1، 2].
ثم يجيء ما في السورة: مقرراً للعلم الشامل، والقدرة النافذة، والإرادة الحكيمة( 5).
النوع الثاني: جمع الآيات القرآنية التي في موضوع واحد، ووضعها تحت عنوان واحد، وتفسيرها تفسيراً منهجياً موضوعياً.
وهذا النوع ـ الثاني ـ هو الذي يتبادر إلى الذهن عند إطلاق اسم التفسير الموضوعي، وهو الذي يدور عليه بحثنا،وتهدف إليه دراستنا، على النحو التالي:
===========================
( 1) للدكتور: محمد محمود حجازي رحمه الله عليه.
( 2) الشاطبي الموافقات 3/249.
( 3) دكتور: محمد محمود حجازي. الوحدة الموضوعية في القرآن الكريم ص 23، 24.
( 4) نفس المرجع.
( 5) الشيخ شلتوت تفسير القرآن ص 367.
 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 
مؤلفات فى التفسير الموضوعى
ذكرنا فيما سبق أن بعض العلماء ـ في القديم ـ أفردوا كتباً من مؤلفاتهم وخصصوها للحديث عن موضوع قرآني واحد.
وأن الاتجاه قد تجدد وتحدد ـ للدراسة في هذا النوع من التفسير ـ في العصر الحديث.
ومنذ إلحاح الدوافع المشجعة للبحث فيه، أخذت المؤلفات تظهر في المكتبة العربية، ويعتبر الزعيم لهذا اللون في العصر الحديث هو الشيخ محمد عبده، ولذا فإننا نلمح في تفسير "المنار" ـ ,إن كان في جملته تفسيراً تحليلياً ـ ميلاً شديداً إلى التركيز على بعض المواضع، ثم ظهر تفسير الشيخ شلتوت: وهو الإبن البار لمدرسة الشيخ محمد عبده، والشيخ شلتوت هو أول من وضع الملامح الرئيسية لمنهج هذا التفسير. ثم حوت بعد ذلك سجلات الرسائل العلمية من موضوعات هذا اللون من التفسير الموضوعي الشيء الكثير.
ونذكر هنا بعض هذه المؤلفات للتمثيل لا الحصر:
1- المرأة في القرآن الكريم: للأستاذ عباس العقاد.
2- الربا في القرآن الكريم: للأستاذ أبو الأعلى المودودي.
3- العقيدة من القرآن الكريم: للأستاذ محمد أبو زهرة.
4- الألوهية والرسالة في القرآن الكريم: للأستاذ محمد السياحي.
5- الإنسان في القرآن الكريم للدكتور إبراهيم مهنا.
6- مقومات الإنسانية في القرآن الكريم للدكتور إبراهيم مهنا.
7- آيات القسم في القرآن الكريم، للدكتور أحمد كمال المهدي.
8- الوصايا العشر: للإمام الأكبر الشيخ محمود شلتوت.
9- وصايا سورة الإسراء: للدكتور عبد الحي الفرماوي.
ومنهج الدراسة ينطبق ـ تماماً ـ في بعض هذه الكتب،ولا ينطبق في بعضها الآخر.
 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أخطاء يجب على متبع هذا المنهج تجنبها
بعد أن عرفنا ـ فيما سبق ـ مزايا هذا المنهج من التفسير وفوائده، نحب أن نلفت النظر إلى أربعة أمور ينبغي على من يسلك هذا الطريق من التفسير مراعاتها.
وهي:
أولاً: أن يعلم أنه بهذه الطريقة لا يفسر القرآن الكريم.
إذا أن للقرآن الكريم: مقاصد لا تخفي، وأهدافاً لا يبلغ الإنسان غايتها. ولا تنقضي عجائبه، ولا يخلق على كثرة الرد، ولا يصل عقل عاقل إلى أغواره، ولا ينفذ الباحث إلى كل مراميه.
ولو فهم متبع هذا المنهج أنه يفسر ـ على هذا ـ القرآن، ولم يصل إلى مقاصده وأهدافه، لوقع من أمره في حيرة، ومن منهجه في تشكك واختلط عليه الأمر، ولم يصل إلى نتائج سليمة، سواء من ناحية أهداف التفسير بعامة، لأنه لا يفسر للقرآن بهذا المنهج، أو من ناحية بحثه الموضوعي" لأنه لم يحدد لنفسه هدفاً واضحاً واحداً يقصده بعمله دون غيره.
ثانياً أن يعلم متبع هذا المنهج، أنه يقصد إلى هدف واحد ـ تاركاً كل الأهداف دونه ـ لا يحيد عنه في دراسته، ولا يقصر في بحث جميع جوانبه، وإظهار كل خوافيه.
وإلا .. فسيرى أنه لا يحس بلاغة القرآن، ولا شعر بإعجازه، ولا يدرك جمال الربط بين آياته، وروعه التناسق بين أجزائه، ولا يلمس الجمال والإبداع حينما ينتقل من روضة من رياضه إلى روضة أخرى، كما في التفسير التحليلي.
وعلى هذا: فلو لم يحدد الباحث لنفسه هدفاً واحداً، واختلطت عليه الأهداف، لما وصل إلى نتائج التفسير الموضوعي، أو التحليلي.
ثالثاً: أن ينتبه إلى تدرج القرآن في أحكامه.
ذلك أن القرآن الكريم، نزل في ثلاث وعشرين سنة، منجماً مفرقاً، حسب الحوادث، تقريراً لحكم، أو جواباً لسؤال، أو دفعاً لفرية، أو تقريراً لمبدأ، أو تخفيفاً لحكم، أو نسخاً لحكم تقرر.
فمن لم يسلك طريق: التدقيق، والتمحيص، والموازنة، والمقاربة، ومعرفة السبب واللاحق، وسبب النزول، وكان ـ مع ذلك ـ لم يعرف الملابسات والمناسبات، ولم يعرف ما ورد في هذا المقام من السنة النبوية وآراء الصحابة.
فإنه ـ لا شك ـ يقع في مزالق وأخطاء، بعيدة الغور، خطيرة النتائج، سيئة العواقب.
ويتضح هذا بالمثال التالي:
فلو أن مفسراً ـ حسب منهج التفسير الموضوعي ـ جمع آيات من القرآن الكريم، بما فيها من مطلق: كقوله تعالى:  وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا [البقرة: من الآية 275]، وكذلك المقيد: كقوله تعالى:  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً [آل عمران: من الآية 130].
وقال: أنا أحمل المطلق على المقيد، وبذلك يكون الحكم ـ في نظره ـ أن الربا لا يحرم إلا إذا كان أضعافاً مضاعفة، وما ليس كذلك فليس بحرام.
لوقع بهذا في أعظم المخاطر، حيث أنه ليس دائماً يحمل كل مطلق على مقيد، وليس كل خاص يدخل تحت حكم العام، بل العبرة في الأعم الأغلب بزمن النزول وملابساته، ومعرفة التدرج في التشريع.
وفي هذا المثال: لو أنه عرف أن النهي عن ذلك المقيد، إنما كان سابقاً في النزول، متجهاً إلى ذلك اللون من الربا الذي كان حاصلاً أولاً. وكان عليه أمر الجاهلية، ثم جاء التحريم البات ـ بعد ذلك ـ لكل أنواع الربا، وحرم قليلة وكثيره، كما تشير إلى ذلك بقية الآية  الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ... الخ.
فقول: لو أنه عرف تدرج القرآن في نزول أحكامه، لما وقع في هذا الخطأ.
رابعاً: وعلى متبع هذا المنهج من التفسير: أن يطبق قواعد هذا المنهج.
وخطواته ـ وقد سبق بيانها ـ تطبيقاً دقيقاًن في بحثه الذي يهدف دراسته، وإلا خفيت عليه الصورة الكاملة للموضوع، كما يهدف إليها القرآن الكريم ولتشوه على يديه الوجه المشرق لموضوعات القرآن السامية، ولعجز ـ بالتالي ـ عن الدفاع عن دينه، وكتابه المقدس الشريف
 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أهمية التفسير الموضوعي .. ومدى حاجة الداعي إليه
إن من ينعم نظره، ويعمل فكره في هذا اللون من الدراسة القرآنية:
يرى أنه محاولة جادة وحميدة لمسايرة أفكاره الناس ومشاربهم، ومتابعة لاهتمامهم وملاحقة لقضايا القصر، التي أصبح جيلنا في حيرة من أمرها، وتطلع لرأي الدين فيها، ولو قدمت الأبحاث القرآنية بطريقة تناسب في أسلوبها طرائق العصر ومفاهيمه؛ لوجد الناس فيها السكن لخواطرهم والراحة لأفكارهم التي بلبلها التطور العلمي، بالإضافة إلى البعد عن الدين.
ولذا: فإنه يمكن لنا معرفة أهمية هذا النوع من التفسير ـ فضلاً عما سبق توضيحه ـ بذكر الفوائد التالية.
1- إنه يجمع الآيات المتعلقة بموضوع واحد ـ بعضها مع بعض في مقام واحد ـ يحكم بعضها على بعض، وتكون هذه الآية مفسرة لتلك:
يكون تفسيراً بالمأثور، وهو أبعد من الخطأ، وأقرب إلى طريق الصواب كما ذكر ذلك( 1).
2- أنه يجمع الآيات القرآنية، يدرك الباحث ما بينها من إنسجام وترابط وبذلك "يبين له معاني القرآن وهدايته، ويظهر له فصاحته وبلاغته"( 2).
3- أن جمع الآيات: يعطي الناظر في الموضوع الواحد فكرة تامة، تجعله يستقصي كل ما ورد فيه من النصوص القرآنية دفعة واحدة، فيخرج من الموضوع وقد أحاط به إحاطة تامة( 3).
4- أنه يجمع الآيات: يمكن الباحث والداعية، دفع التعارض، ورد الشبهات التي قد يثيرها ذوو الأغراض السيئة( 4)، كما يمكنه دفع ما يزعمه البعض من أن هناك عداوة بين الدين والعلم( 5)، عند تعرضه لبعض القضايا العلمية التي تعرض لها القرآن الكريم.
5- أن هذا اللون من التفسير: يتفق مع رو العصر الحديث الذي يطالبنا أن نخرج للناس أحكاماً عامة للمجتمع الإسلامي، مصدرها القرآن الكريم في صورة مواد وقوانين مدروسة يسهل تناولها والانتفاع بها( 6).
رجاء أن يكتفي بها ويعمل بمقتضاها من يهرءون عادة عند التقنيين إلى القوانين الوضعية، مهما اختلفت مصادرها، وتباعدت عن مجتمعنا وروح دينه.
6- أن هذا اللون من التفسير: يمكن الداعية، محاضراً كان، أو باحثاً، من الإحاطة التامة بأبعاد الموضوع وزواياه، بالندر الذي يمكنه أن يعلل للناس أحكامه بطريقة وافية، واضحة، مقنعة، وأن يكشف لهم أسراره وغوامضه بدرجه تستريح معها قلوبهم وعقولهم إلى نزاهة الحكيم، ورحمته بعبادة فيما يشرع لهم.
7- أن هذا اللون من التفسير: يمكن الباحث من الوصول سريعاً إلى الهدف دون تعب أو مشقة بين ما ملئت به من كتب التفسير التحليلي من أبحاث لغوية أو فقهية ... الخ مما يعوقه عن غرضه نوعاً ما.
8- وختاماً: فإن العصر الذي نعيش فيه، يحتاج ـ كما يقول الأستاذ الدكتور أحمد السيد الكومي بحق ـ إلى ذلك النوع من التفسير، حيث كان في سلوكه إدراك المقصود من أقرب الطرق، والوصول إلى الحقيقة بأسهل الوسائل خصوصاً أنه في عصرنا ـ هذا ـ يثار كثير من الغبار في حوار الأديان، فتنتشر المبادئ الشيوعية ـ وغيرها ـ وتحلق في سماء الإنسانية سحب الضلال والشبهة.
وليس يقوى على ذلك إلى سلاح قوي، واضح سهل، يمكن رجل الدين من الذود عن حياضه، والدفاع عن دعائمه.
وليس هذا ـ وذاك ـ إلا بذلك التفسير، حيث كان جامعاً لشتات الموضوعات، محيطاً ـ بأطرافها( 7).

=======================

( 1) دكتور علي خليل: المذكرات الخطية.
( 2) دكتور عبد العظيم الغباشي. علوم القرآن ص57.
( 3) نفس المرجع ص 153.
( 4) نفس المرجع ص 153.
( 5) دكتور علي خليل. المرجع السابق.
( 6) دكتور علي خليل. المرجع السابق.
( 7) دكتور: أحمد السيد الكومي. التفسير الموضوعي ص10.
 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 
الفرق بين التفسير الموضوعي وبين مناهج التفسير الأخرى
أولاً: الفرق بين التفسير الموضوعي والتفسير التحليلي
1- في التفسير التحليلي يلتزم المفسر بالترتيب التوقيفي للآيات والسور كما هو في المصحف.
أما في التفسير الموضوعي فلا يلتزم ذلك الترتيب، وإنما يلتزم بترتيب آيات الموضوع المزمع دراسته حسب نزولها على النبي ، بعد تجميعها وانتزاعها من سورها.
2- في التفسير التحليلي: يتعرض المفسر للحديث عن عدة موضوعات بحسب ما يرد في الآيات أو السور التي يتناولها بالتفسير.
أما في التفسير الموضوعي: فلا يتعرض المفسر لغير، موضوعه، وما يدور في فلكه من أبحاث تخدم موضوعه الذي شرع في دراسته، وبذلك يتمكن من علاج موضوعات كثيرة، كل موضوع منها قائم بنفسه لا يتصل بسواه، ولا يختلط بغيره، فيعرف الناس موضوعات القرآن بعناوينها الواضحة، ويعرفون مقدار صلة القرآن بحياتهم الواقعية( 1).
3- في التفسير التحليلي: يتعرض المفسر للألفاظ والآيات القرآنية بالشرح والتحليل بما يتفق ومنهجه التفسيري، وثقافته الخاصة.
أما في التفسير الموضوعي: فلا يشرح من ذلك إلا ما يحتاجه للوصول لغرضه ويكشف له عن غوامض موضوعه.
4- في التفسير الموضوعي: يمكن أن تنظم الموضوعات القرآنية، على هيئة أبحاث مستقلة ـ كما سبقت الإشارة ـ ينفرد بعضها عن بعض بالبحث والدراسة التي تظهر هداية القرآن على الوجه الذي يطمئن إليه القلب وبشق طريق الحياة لصاحبها، ويلهمه الرشد والسداد.
أما في التفسير التحليلي وبأساليبه المختلفة: يصب على الناظر أن يجد ذلك.
ثم إننا نجد فوق ذلك: أن المنهج التحليلي: هو المعروف من القديم، والذي تزخر المكتبة القرآنية بالتفاسير التي التزمت به.
أما الموضوعي: فهو ـ وإن وجدت له في القديم بذوره، وألفت فيه بعض الكتب، إلا أنه ـ لم يأخذ طابعيه النهائي بعد، ومازالت المكتبة الإسلامية القرآنية تتطلع إلى الكثير من أبحاثه، يترجم هذا التطلع الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية بقوله: "نود بكل الصدق والإخلاص أن تتضافر جهود العلماء والباحثين على المستوى الفردي والجماعي على هذا اللون من التفسير للتكامل مكتبة جليلة في البحوث القرآنية"( 2).
ثانياً: الفرق بين التفسير الموضوعي وبين التفسير الإجمالي
1- بينما يجد المفسر حسب منهج التفسير الموضعي يهدف إلى: موضوع واحد متتبعاً لآياته حيثما كانت، في مكي القرآن أو مدنية بغض النظر عن ترتيبها المصحفي.
نجد أن صاحب التفسير الإجمالي ـ وإن كان: يعمد إلى الآيات القرآنية، قاصداً إلى معاني جملها، متتبعاً ما ترمي إليه من مقاصد، وتهدف إلهي الجمل من معان، مبيناً لهذه المقاصد، وموضحاً لهذه المعاني، بوضع كل ذلك في إطار من العبارات التي يصوغها من ألفاظه( 3)، فإن ـ يسير في تحقيق هدفه هذا غير مخالف ترتيب المصحف، بل متبعاً له كما هو موجود في المصحف العثماني.
2- في التفسير الموضوعي: يهدف الباحث إلى خدمة موضوع واحد، ويظل ملتزماً بالعمل في إطاره، حتى يتم له بحثه وتوضيحه في منهجيه وموضوعية تمكنه من إبراز كل نواحيه، وتوضيح كل خوافيه، كما تمكنه من الدفاع عنه إذا تطلب الأمر.
أما في التفسير الإجمالي: فإن المفسر لا يهدف إلى موضوع واحد، بل هو يتناول في تفسيره كل ما تشير إليه الآيات ـ بترتيبها المصحفي ـ من موضوعها دون أن يربط هذه الآية الواردة في هذا الموضوع بالأخرى التي في نفس الموضوع إلا إذا كانت بطريقة إجمالية، تستسيغها الجماهير، ويدركها من له من العلم زاد قليل.
ثالثاً: الفرق بين التفسير الموضوعي وبين التفسير المقارن
1- إن التفسير الموضوعي ـ كما قدمنا ـ يهدف إلى دراسة موضوع قرآني واحد.
بينما يهف التفسير المقارن إلى "بيان الآيات القرآنية على وفق ما كتبه جمع من المفسرين( 4).
2- أن التفسير الموضوعي كي يصل الباحث فيه إلى الهدف: لابد من جمع الآيات القرآنية التي تتصل بنفس موضوع البحث، وتكوين الموضوع القرآني على ضوئها، والعمل لخدمته تحت ظلال مفاهيمها.
بينما الباحث في التفسير المقارن كي يصل إلى هدفه "لابد أن يعمد إلى جملة من الآيات القرآنية في مكان واحد، مستطلعاً آراء المفسرين الذين كثيراً في هذه الجملة من الآيات سواء كانوا من السلف، أم من الخلف... الخ ويوازن بين هذه الاتجاهات المختلفة، والمشارب المتنوعة، فيما سلكه كل منهم في تفسيره، وما انتهجه في مسلكه"( 5).

=====================
( 1) الشيخ شلتوت: من هدى القرآن ص324.
( 2) الدكتور: محمد عبد الرحمن بيصار. مقدمة "الإنسان في القرآن" ص 3.
( 3) دكتور: أحمد السيد الكرمي. التفسير الموضوعي ص6.
( 4) المرجع السابق ص7.
( 5) نفس المرجع.
 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 
منهج التفسير الموضوعى
منهج الدراسة في التفسير الموضوعي
(أ‌) مع أن بذور هذا النوع من التفسير قديمة، إلا أن منهج الدراسة فيه لم يتحدد منذ هذه البدايات القديمة، وكل ما يقال عنها: أنها محاولات مهدت لظهور هذا النوع، وسهلت تحديد ملامح البحث فيه.
فلقد سبق أن ذكرنا عن بعض العلماء: أنهم أفردوا كتباً تحدثوا فيها عن موضوع واحد من موضوعات القرآن.
وأن بعض المفسرين: كان يستخدم التفسير الموضوعي في بعض صفحات كتبهم.
وهذا: وإن كان قريباً من التفسير الموضوعي، إلا أننا لا نجد لديهم ما يكون لنا منهجاً خاصاً واضحاً لهذا النوع من التفسير.
(ب‌) أما عن منهج محدد واضح المعالم مفصل النقاط للدراسة في هذا المنهج من التفسير، فلم يتضح ذلك إلا في القريب، على يد أستاذنا الجليل فضيلة الأستاذ الدكتور أحمد السيد الكومي، رئيس قسم التفسير بجامعة الأزهر، وبعض زملائه أساتذة القسم، وتلاميذهم بقسم الدراسات العليا.

ويمكن لنا تحديد المنهج على النحو التالي:
1- إختيار الموضوع القرآني المراد دراسته دراسة موضوعية( 1)
2- حصر الآيات التي تدور حول هذا الغرض القرآني، وجمعها( 2) كلها، مكيها، ومدنيها.
3- ترتيب هذه الآيات حس بنزولها على النبي  مع الوقوف على أسباب نزولها( 3).
4- التعرض لمعرفة مناسبات هذه الآيات في سورها.
5- تكوين الموضوع بجعله في إطار متناسب، وهيكل متناسق، تام البناء، متكامل الأجزاء، قائم الأركان.
6- تكميل الموضوع بما ورد من حديث رسول الله ، إن احتاج الأمر ذلك، حتى يكمل له هيكله، ويزداد وضوحاً وبياناً.
7- دراسة هذه الآية دراسة موضوعية متكاملة، تجانس بينها، وتوفق بين عامها وخاصها، ومطلقها ومقيدها، وتؤاخي بين متعارضها، وتحكم بناسخها على منسوخها، حتى تلتقي جميع هذه النصوص في مصب واحد، دون تباين أو اختلاف أو إكراه لبعض الآيات على معان لا تتحملها( 4).
هذا هو المنهج.
وهو منهج جديد لكلية أصول الدين( 5)، تسيير عليه الآن بإشراف أساتذة بها أفاضل، وقد أخرجت بالفعل كثيراً من الأبحاث التي تنضوي تحت لواء التفسير الموضوعي.

=======================
( 1) يفيد في ذلك لتدريب الطالب المبتدئ كتاب تفصيل آيات القرآن الكريم والمستدرك الذي يليه: ترجمة الأستاذ/ محمد فؤاد عبد الباقي.
( 2) يفيد في ذلك ـ أيضاً ـ الكتاب المذكور، وكذلك المعجم المفرس لألفاظ القرآن الكريم. وضع الأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي.
( 3) يفيد في معرفة أسباب النزول كتاب "أسباب النزول" للواحدي، وكتب التفسير.
( 4) انظر: من هدى القرآن ـ للشيخ شلتوت ص323، 324.
التفسير الموضوعي ـ الدكتور الكومي ص7.
الوحدة الموضوعية ـ للدكتور حجدازي ص 24.
( 5) دكتور: حجازي. المرجع السابق ص24.
 
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 
بواعث الدراسة فى التفسير لموضوعى
بواعث تجديد البحث في هذا النوع من التفسير الحديث
(أ‌) لما كان القرآن كتاباً سماوياً، تنزل على قلب أكمل الأنبياء، مشتملاً على معارف عالمية، ومطالب سامية، يجد المنقب عنها من الهيبة والجلال ما بكاد يحول بينه وبين الوصول إليها.
ولما كان مقصد القرآن الإنسان حيث يكون وإلى أي جنس ينتمي.
ولما كان دعوة عالمية تهدف إلى تطهير العادات، وتوضيح العقائد وإسقاط الحواجز العنصرية والوطنية، وإحلال قانون الحق والعدل محل قانون القوة الغاشمة كما ذكرنا سلفا.
نقول: لما كان كذلك، سهل سبحانه الأمر علينا، فلم يطلب منا إلا الفهم والتدبر في كلامه.
لأنه نزله نوراً وهدى للناس، وجعله حاوياً للشرائع والأحكام التي لا يمكن العمل بها إلا إذا فهمت حق الفهم، من حيث هي دين إلهي وهدى سماوي، ترشد الناس إلى ما فيه سعادتهم الدنيوية والأخروية.
أما ما سوى ذلك من وجوه البحث والنظر ـ التي وقف عندها كثير من المفسرين لا يتعدونها ـ فتابع لذلك، ووسيلة إلهي في التحصيل، ولا يعنينا العناية التي نهتم لها اهتمامنا بفهم شرائع القرآن الكريم وأحكامه، وكنوز أفكاره التي يكشف عنها أسلوبه الأدبي الرفيع( 1).
ودراسته دراسة تكشف للناس عما فيه من تشريعات وقواعد تتصل بحياتهم مشاكلهم، وتبين لهم ما به من أحكام، ومبادئ تشعرهم بما للقرآن الكريم من اتصال وثيق بالنظم السياسية والاجتماعية والاقتصادية والحربية والسلوك الأخلاقي؛ فيحسون أن القرآن الكريم معهم في كل شأن من شئون الحياة، وأن له حكمة الواضح في كل مظاهر السلوك الفردي( 2).
وطلاب المعرفة من المسلمين وغيرهم، في عصرنا الحاضر لا يمكنهم الوصول إلى هذا الغرض من كتب التفسير التحليلي التي تحوي بين سطورها التفسير وغيره.
وذلك لأنهم:
1- درجوا على الدراسة الموضوعية التي تلم بأطراف القضية، أو المشكلة وتربط بين أجزائها، لتعطي القرائ وحدة متكاملة.
ولذا فلن يغنيهم المنهج التحليلي في الوصول إلى أهداف الموضوعات القرآنية، مع ما درجوا عليه.
2- أن كثيراً منهم ليس له إلف ومعرفة ـ يعول عليها ـ بالقرآن الكريم ودراساته من قبل، حتى تمكنه من جمع أجزاء الموضوع، والربط بينها، بما يعطيه للصورة الكاملة لأبعاد الموضوع.
3- ليس لديهم دراية بالثقافة الإسلامية، تشجعهم على محاولة الدراسة المستقلة الرائدة، ليصلوا عن طريقها إلى مرفأ أمين، ولذا يقف الآن أكثرهم حياري لا يدرون أي طريق يسلكون( 3).
(ب) هذا .. وقد وجد في عصرنا الحدي ثمن قام من الأجانب مسلمين وغير مسلمين ـ تحت اسم العلم ـ بدراسات في موضوعات القرآن الكريم،
وكانت دراساتهم هذه تنتج لهم ـ كما يبغون ـ دعاوى باطلة، وشبه واهية( 4) يقف أمامها من لم يتحصن بقدر كبير من الثقافة الإسلامية، أو من لم يتمرس على دراسة هذه الموضوعات التي يتحدثون فيها دراسة علمية موضوعية جادة، يقف أمامها موقفاً بغضب منه الله تعالى ورسوله.
لكل هذا ـ وغيره ـ كان واجباً على العلماء، وأئمة المفسرين في عصرنا: أن يجددوا الاتجاه إلى دراسة القرآن الكريم دراسة موضوعية. تكشف للناس أهداف القرآن الكريم بطريقة تتناسب وأفهام أهل هذا العصر.
وأيضاً: تقضي على الدعاوى الباطلة التي يتفوه بها المستغربون، والمستشرقون نتيجة لدراستهم للقرآن الكريم دراسة غير موضوعية، أو دراسة موضوعية مبتورة، أو دراسة موضوعية مضللة.
ولهذا: فإن أبحاث هذا النوع من التفسير إن كانت مفيدة ولازمة، فلسنا بأحوج إليها، وتجديدها، وتشجيعها، حاجتنا إليها في هذا العصر، الذي نحن فيه أحوج ما نكون إلى تجديد أساليب الدعوى الإسلامية؛ كي نجاري الحالة الراهنة، وقد فتح الله أمامنا آفاقاً عريضة، ووقع على كاهلنا الأخذ بيد كثير من أهل هذه الآفاق، وحق علينا أن نكون رواداً لهذه الشعوب، ودعاة لهم إلى الله تعالى، وهداة لهم إلى الإسلام، الذي جاهد الرسول  وأصحابه بسيوفهم، وبذلك الكثير من الأصحاب دماءهم في سبيل الله فليس كثيراً أن نقوم. بهذا الأمر إعلاء لكلمة الله.
وهذا اللون من التفسير يحدمنا في تحقيق هذا الهدف إلى حد كبير.

=======================

( 1) الشيخ المراغي: تفسير المراغي 1/11.
( 2) دكتور: أحمد كمال المهدي ص5.
( 3) دكتور: أحمد مهنا: الإنسان في القرآن الكريم ص 12.
( 4) دكتور: أحمد مهنا. المرجع السابق ص12.
 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 
السبب في عدم الاهتمام بالتفسير الموضوعى قديماً
من المعلوم: أن المفسرين جرت عادتهم ـ في موسوعاتهم ومختصراتهم ـ على تفسير القرآن الكريم ـ إجمالياً كان أو تحليلياً ـ على حسب ترتيبه الموجود بالمصحف فيفسرون الآية تلو الآية، والسورة عقيب السورة، قاصدين ـ في كل ذلك ـ الكشف عما في القرآن ـ من معان وأسرار، يغلب على كل منهم ـ كما قدمنا صبغة الفن الذي برع فيه، مما جعل التفسير يتنوع، وتتعدد ألوانه باختلاف ثقافات المفسرين ومنازعهم.
ولم يهتموا خلال كل ذلك بتفسير القرآن موضوعياً لسببين:
الأول: أن التفسير الموضوعي ينحو بمنهجه ناحية الدراسة المتخصصة، التي تهدف ـ كما قدمنا ـ إلى دراسة موضوع واحد، بعد استقصاء آياته، وجمعها ـ دون ما عداه ـ ثم الانتقال إلى غيره، وهكذا.
وهم لم يكونوا يسلكون هذا السبيل "لأن مبدأ التخصص لم يكن ـ قديماً ـ متجهاً إليه"( 1)
والثاني: هو أن حاجتهم لم تكن ماسة لدراسة موضوعات القرآن الكريم على هذا النحو؛ فهم حفاظ للقرآن الكريم، ودرايتهم بالثقافة الإسلامية شاملة، وعميقة، ولهذا: فلديهم القدرة على ربط ما تفيده الآية المتعلقة بموضوع معين بما يوضحها من معلوماته الخاصة بالموضوع نفسه( 2).
وفي الحقيقة: نجد أن السبب في ظهور هذا المنهج في أيامنا هذه، هو ضياع هذا العامل ـ الثاني ـ من أبناء المسلمين، وصعوبته على الأجانب ـ بل استحالته عليهم ـ مسلمين كانوا، أو غير مسلمين.

======================

( 1) دكتور: أحمد مهنا: الإنسان في القرآن الكريم ص 10.
( 2) نفس المرجع.
 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 
أمثلة للتفسير الموضوعى
والقرآن الكريم مليء بالموضوعات التي تحتاج إلى دراستها دراسة منهجية موضوعية، لو توافر عليها الدارسون، وأعطوها اهتمامهم؛ لظهرت كنوز القرآن الكريم على أيديهم في هذه الأبحاث ظهوراً يبين معه أننا أغنى أمة بالتشريعات الصالحة لكل زمان ومكان، وأننا في غنى عن استيراد هذه النظم التي يلاحقها التغيير المستمر، وهذه القوانين الوضعية، التي جعلتنا نعيش في غربة عن ديننا.
فمثلاً:
آيات إثبات الألوهية، وعقيدة الوحدانية، آيات كثيرة، في ثنايا السور المكية، كما هي موجودة في السور المدنية.
يجمعها المفسر، ويرتبها حسب المنهج: ثم يشرحها، ويستخلص منها المعنى المراد، الذي يحقق له الوحدانية، مدللة بالأدلة الواضحة، والبراهين القاطعة التي تمكنه من الرد على الملحدين والمشككين والمتشككين.
كذلك:
آيات الربا، التي تبين دراستها حسب المنهج: أن هذا الداء الوبيل، والمرض المتفشي، كان تحريمه من رحمه الله بعباده، وشفقته عليهم، وأن الإستغناء عنه ممكن دون أي ضرر، بل قطع دائه هو الخير كل الخير.
وهكذا
 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ