الأحد، 15 أبريل 2012

موسوعة علوم القرآن - التفسير : المفسرون من الصحابة و المدارس التى قامت فى عصر الصحابة (وشيوخها، وأشهر رجالها)

المفسرون من الصحابة و المدارس التى قامت فى عصر الصحابة


المفسرون من الصحابة
اشتهر منهم الخلفاء الأربعة 0 وابن مسعود ،وابن عباس ، وأبي بن كعب ، وزيد بن ثابت 0 وأبو موسي الأشعري ، وعبد الله بن الزبير ، وأنس بن مالك ، وأبو هريرة ، وجابر ، وعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالي عنهم أجمعين ، وأكثر منروي عنه من الخلفاء الأربعة علي بن أبي طالب ، والرواية عن الثلاثة نزرة جدا ، وكان السبب في ذلك تقدم وفاتهم0 كما أن ذلك هو السبب في قلة رواية أبي بكر رضي الله عنه ، فقد روي معمر عن وهب بن عبد الله عن أبي الطفيل قال : " شهدت عليا يخطب وهو يقول : سلوني فوالله لا تسألوني عن شئ إلا أخبرتكم ـ وسلوني عن كتاب الله فوالله ما من آية إلا وأنا أعلم أبليل نزلت أم بنهار ، أم في سهل أم في جبل " 0
       وأما ابن مسعود فروي عنه أكثر مما روي عن علي ، وقد أخرج ابن جرير وغيره عنه أنه قال : " والذي لا إله إيره ما نزلت آية من كتاب الله إلا وأنا أعلم فيمن نزلت ، وأين نزلت ؟ ولو أعلم مكان أحد أعلم بكتاب الله مني تناله المطايا لآتيته "
       كثرت الرواية ـ في التفسير ـ عن عبد الله بن عباس ، وعبد الله بن مسعود ، وأبي بن كعب 0
       وذلك : لحاجة الناس إليهم من جهة ، والصفات فيهم مكنت لهم ، ولعلي بن أبي طالب أيضا في التفسير 0
       هذه الصفات ، هي : قوتهم في اللغة العربية ، وإحاطتهم بمناحيها وأساليبها ، وعدم تحرجهم من الاجتهاد وتقدير ما وصلوا إليه باجتهادهم ، ومخالطتهم للنبي صلي الله عليه وسلم مخالطة مكنتهم من معرفة الحوادث التي نزلت فيها آيات القرآن 0
       نستثني من ذلك : ابن عباس ، فإنه لم يلازم النبي صلي الله عليه وسلم ( في شبابه ، نظرا لوفاة النبي صلي الله عليه وسلم وهو في سن الثالثة عشرة أو قريبا منها 0
       لكنه استعاض عن ذلك : بملازمة كبار الصحابة ، يأخذ عنهم ، ويروي لهم 0
       يقول الدكتور محمد حسين الذهبي : ولو أننا رأينا هؤلاء حسب ما روي عنهم 00 لكان أولهم عبد الله بن عباس ،ثم عبد الله بن مسعود ،ثم علي بن أبي طالب ، ثم أبي بن كعب 0
       وسوف نتكلم ـ بعون الله ـ عن ثلاثة من هؤلاء فيما يلي كالتالي :
       أ ـ مدرسة التفسير بمكة وشيخها عبد الله بن عباس 0
       ب ـ مدرسة التفسير بالعراق وشيخها عبد الله بن مسعود0
       ج ـ مدرسة التفسير بالمدينة وشيخها أبي بن كعب

أولا : مدرسة التفسير بمكة
وقامت مدرسة التفسير بمكة على عبد الله بن عباس رضي الله عنهما 0 فكان يجلس لأصحابه من التابعين ، يفسر لهم كتاب الله تعالي ، ويوضح لهم ما أشكل من معانيه ،وكان تلاميذه يعون عنه ما يقول ، ويروون لمن بعدهم ما سمعوه
أشهر رجالها : ـ
       وقد اشتهر من تلاميذ ابن عباس بمكة : سعيد بن جبير ، ومجاهد ، وعكرمة مولي ابن عباس ، وطاوس بن كيسان اليماني ، وعطاء بن أبي رباج 0
       وهؤلاء كلهم كانوا من الموالي ، وهم يختلفون في الرواية عن ابن عباس قلة وكثرة ، كما اختلف العلماء في مقدار الثقة بهم والركون إليهم
تتبين قيمة ابن عباس في التفسير ، من قول تلميذه مجاهد " إنه إذا فسر الشئ رأيت عليه النور" ، ومن قول علي رضي الله عنه يثني عليه في تفسيره " كأنما ينظر إلى الغيب من ستر رقيق " ، ومن قول ابن عمر " ابن عباس أعلم أمة محمد بما نزل على محمد" ، ومن رجوع بعض الصحابة وكثير من التابعين إليه في فهم ما أشكل عليهم من كتاب الله ، فكثيرا ما توجه إليه معاصروه ليزيل شكوكهم ، ويكشف لهم عما عز عليهم فهمه من كتاب الله تعالي0 ففي قصة موسي مع شعيب أشكل على بعض أهل العلم ، أي الأجلين قضي موسي ؟ هل كان ثمان سنين ؟ أو أنه أتم عشرا ؟ ولما لم يقف على رأي يمم شطر ابن عباس ، الذي هو بحق ترجمان القرآن ، ليسأله عما أشكل عليه ، وفي هذا يروي الطبري في تفسيره ، عن سعيد بن جبير قال : " قال يهودي بالكوفة ـ وأنا أتجهز للحج ـ إني أراك رجلا تتتبع العلم ، فأخبرني أى الأجلين قضي موسي ؟ قلت : لا أعلم ، وأنا الآن قادم على حبر العرب ـ يعني ابن عباس ـ فسائله عن ذلك ، فلما قدمت مكة سألت ابن عباس عن ذلك وأخبرته بقول اليهودي ، فقال ابن عباس قضي أكثرهما وأطيبهما ؛ إن النبي إذا وعد لم يخلف ، وقال سعيد : فقدمت العراق فلقيت اليهودي فأخبرته فقال : صدق وما أنزل على موسي ، هذا والله العالم أ هـ [ تفسير ابن جرير ج 20 ص 43 ] 0
       وهذا عمر رضي الله عنه يسأل الصحابة عن معنى آية من كتاب الله ، فلما لم يجد عندهم جوابا مرضيا رجع إلى ابن عباس فسأله عنها ، وكان يثق بتفسيره ، وفي هذا يروي الطبري " أن عمر سأل الناس عن هذه الآية 0 يعني ( أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب 000 الآية [ الآية 266 من سورة البقرة ] " فما وجد أحدا يشفيه ، حتى قال ابن عباس وهو خلفه : يا أمير المؤمنين إني أجد في نفسي منها شيئا ، فتلفت إليه فقال تحول ههنا ، لم تحقر نفسك ؟ قال : هذا مثل ضربه الله عز وجل فقال : أيود أحدكم أن يعمل عمره بعمل أهل الخير وأهل السعادة ، حتى إذا كان أحوج ما يكون إلى أن يختمه بخير حين فني عمره واقترب أجله ، ختم ذلك بعمل من عمل أهل الشقاء فأفسده كله ، فحرقه أحوج ما كان إليه " أ هـ [ تفسير ابن جرير ج3 ص 47 ] 0
       وسؤال عمر له مع الصحابة عن تفسير قوله تعالي " إذا جاء نصر الله والفتح" وجوابه بالجواب المشهور عنه ، يدل على أن ابن عباس كان يستخرج خفي المعاني التي شير إليها القرآن ، ولا يدركها إلا من نفحه الله بنفحة من روحه ، وكثيرا ما ظهر ابن عباس في المسائل المعقدة في التفسير بمظهر الرجل الملهم الذي ينظر إلى الغيب من ستر رقيق ، كما وصفه علي رضي الله عنه ، الأمر الذي جعل الصحابة يقدرون ابن عباس ويثقون بتفسيره ، ولقد وجد هذا التقدير صداه في عصر التابعين ، فكانت هناك مدرسة يتلقي تلاميذها التفسير عن ابن عباس 0 استقرت هذه المدرسة بمكة ، ثم غذت بعلمها الأمصار المختلفة ، وما زال تفسير ابن عباس يلقي من المسلمين إعجابا وتقديرا ، إلى درجة أنه إذا صح النقل عن ابن عباس لا يكادون يعدلون عن قوله إلى قول آخر0 وقد صرح الزركشي بأن قول ابن عباس مقدم على قول غيره من الصحابة عند تعارض ما جاء عنهم في التفسير[ الإتقان ج2 ص 183 ] 0
رجوع ابن عباس إلى أهل الكتاب : ـ
       كان ابن عباس كغيره من الصحابة الذين اشتهروا بالتفسير ، يرجعون في فهم معاني القرآن إلى ما سمعوه من رسول الله صلي الله عليه وسلم ، وإلى ما يفتح الله به عليهم من طريق النظر والاجتهاد ، مع الاستعانة بمعرفة أسباب النزول والظروف والملابسات التي نزل فيها القرآن 0 وكان رضي الله عنه يرجع إلى أهل الكتاب ويأخذ عنهم ، بحكم اتفاق القرآن مع التوراة والإنجيل في كثير من المواضع التي أجملت في القرآن وفصلت في التوراة أو الإنجيل ، ولكن كما قلنا فيما سبق إن الرجوع إلى أهل الكتاب كان في دائرة محدودة ضيقة ، تتفق مع القرآن وتشهد له ، أما ما عدا ذلك مما يتنافي مع القرآن ، ولا يتفق مع الشريعة الإسلامية ، فكان ابن عباس لا يقبله ولا يأخذ به 0
رجوع ابن عباس إلى الشعر القدم : ـ
       كان ابن عباس رض الله عنه يرجع في فهم معاني الألفاظ التي وردت في القرآن إلى الشعر الجاهلي ، وكان غيره من الصحابة يسلك هذا الطريق في فهم غريب القرآن ، ويحض على الرجوع إلى الشعر العربي القديم ؛ ليستعان به على فهم معاني الألفاظ القرآنية الغريبة ، فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يسأل أصحابه عن معنى قوله تعالي في الآية (47) من سورة النحل " أو يأخذهم على تخوف " فيقوم له شيخ من هذيل فيقول له : هذه لغتنا ، التخوف : التنقص ، فيقول له عمر : هل تعرف العرب ذلك في أشعارها ؟ فيقول له : نعم ، ويروي قول الشاعر :
تخوف الرحل منها تامكا قردا *** كما تخوف عود النبعة السفن
       فيقول عمر رضي الله عنه لأصحابه : عليكم بديوانكم لا تضلوا ، قالوا : وما ديواننا؟ قال : شعر الجاهلية ، فإن فيه تفسير كتابكم ، ومعاني كلامكم " [ القصة في الموافقات ج 2 ص 88 وليس فيها ما يعارض ما جاء عن عمر من أنه لما سأل عن الأب رجع إلى نفسه وقال : إن هذا لهو التكلف يا عمر ؛ لأن الآية التي معنا يتوقف فهم معناها على معرفة معنى التخوف ؛ بخلاف الآية الأ×ري ، فإن المعنى الذي يراد منها لا يتوقف على معرفة معنى الأب ] 0
       غير أن ابن عباس ، امتاز بهذه الناحية واشتهر بها أكثر من غيره ، فكثيرا ما كان يسأل عن القرآن فينشد فيه الشعر ، وقد روي عنه الشئ الكثير من ذلك ،وأوعب ما روي عنه مسائل نافع بن الأزرق وأجوبته عنها ، وقد بلغت مائتي مسألة ، أخرج بعضها ابن الأنباري في كتاب الوقف والابتداء ، وأخرج الطبراني بعضها الآخر في معجمه الكبير ، وقد ذكر السيوطي في الإتقان بسنده مبدأ هذا الحوار الذي كان بين نافع وابن عباس ، وسرد مسائل ابن الأزرق وأجوبة ابن عباس عنها ، فقال : " بينا عبد الله بن عباس جالس بفناء الكعبة قد اكتنفه الناس يسألونه عن تفسير القرآن ، فقال نافع بن الأزرق لنجده بن عويمر : بنا إلى هذا الذي يجترئ على تفسير القرآن بما لا علم له به ، فقاما إليه فقالا : إنا نريد أن نسألك عن أشياء من كتاب الله فتفسرها لنا ، وتأتينا بمصادقه من كلام العرب؛ فإن الله تعالي إنما أنزل القرآن بلسان عربي مبين ، فقال ابن عباس : سلاني عما بدا لكما ، فقال نافع : أخبرني عن قول الله تعالي " عن اليمين وعن الشمال عزين [ في الآية 37 من سورة المعارج ] 0 قال : العزون : حلق الرفاق ، قال : هل تعرف العرب ذلك ؟ 0 قال : نعم ، أما سمعت عبيد بن الأبرص وهو يقول :
فجاءوا يهرعون إليه حتى *** يكونوا حول منبره عزينا ؟
       قال: أخبرني عن قوله " وابتغوا إليه الوسيلة [ في الآية 35 من سورة المائدة ] 0 قال : الوسيلة : الحاجة ، قال وهل تعرف العرب ذلك ؟ قال : نعم ، أما سمعت عنترة وهو يقول :
إن الرجال لهم إليك وسيلة *** إن يأخذوك تكحلي وتخضبي
       إلى آخر المسائل وأجوبتها [ وهي في الإتقان ج1 ص 120 ] ، وهي تدل على قوة ابن عباس في معرفته بلغة العرب ، وإلمامه بغريبها، إلى حد لم يصل إليه غيره ، مما جعله ـ بحق ـ إما التفسير في عهد الصحابة ، ومرجع المفسرين في الأعصر التالية للعصر الذي وجد فيه ، وزعيم هذه الناحية من التفسير على الخصوص ، حتى لقد قيل في شأنه " إنه هو الذي أبدع الطريقة اللغوية لتفسير القرآن " [ المذاهب الإسلامية في تفسير القرآن 69 ] 0
       هذا وقد بين لنا ابن عباس رضي الله عنه ، مبلغ الحاجة إلى هذه الناحية في التفسير ، وحض عليها من أراد أن يتعرف غريب القرآن ، فقد روي أبو بكر بن الأنباري عنه أنه قال : " الشعر ديوان العرب ، فإذا خفي علينا الحرف من القرآن الذي أنزله الله بلغة العرب ، رجعنا إلى ديوانها فالتمسنا ذلك منه " [ الإتقان ج1 ص 119 ] 0
       وروي ابن الأنباري عنه أيضا أنه قال : " إذا سألتموني عن غريب القرآن فالتمسوه في الشعر، فإن الشعر ديوان العرب " [ الإتقان ج1 ص 119 ] 0
       فابن عباس رضي الله عنه كان يري رأي عمر في ضرورة الرجوع إلى الشعر الجاهلي ، للإستعانة به على فهم غريب القرآن ، بل وكان أكثر الصحابة إلماما بهذه الناحية وتطبيقا لها 0
       وقد استمرت هذه الطريقة إلى عهد التابعين ومن يليهم ، إلى أن حدثت خصومة بين متورعي الفقهاء وأهل اللغة ، فأنكروا عليهم هذه الطريقة ، وقالوا : إن فعلتم ذلك جعلتم الشعر أصلا للقرآن [ ومن هؤلاء الإمام النيسابوري صاحب التفسير المشهور ، فقد صرح بذلك في مقدمة تفسيره ج1 ص 6 ] ، وقالوا : كيف يجوز أن يحتج بالشعر على القرآن ، وهو مذموم في القرآن والحديث0
       والحق أن هذه الخصومة التي جدت في الأجيال المتأخرة لم تقم على أساس ، فالأمر ليس كما يزعمه أصحاب هذا الرأي ، من جعل الشعر أصلا للقرآن ، بل هو في الواقع ، بيان للحرف الغريب من القرآن بالشعر ؛ لأن الله تعالي يقول " إنا جعلناه قرآنا عربيا "[ في الآية 3 من سورة الزخرف ]، وقال " بلسان عربي مبين" [ في الآية 195 من سورة الشعراء ]0 ولهذا لم يتحرج المفسرون إلى يومنا هذا من الرجوع إلى الشعر الجاهلي للاستشهاد به على المعنى الذي يذهبون إليه في فهم كلام الله تعالي 0
الرواية عن ابن عباس ومبلغها من الصحة : ـ
       روي عن ابن عباس رضي الله عنه في التفسير ما لا يحصي كثرة ، وتعددت الروايات عنه ، واختلفت طرقها ، فلا تكاد تجد آية من كتاب الله تعالي إلا ولابن عباس رضي الله عنه فيها قول أو أقوال ، الأمر الذي جعل نقاد الأثر ورواة الحديث يقفون إزاء هذه الروايات التي جاوزت الحد وقفة المرتاب ، فتتبعوا سلسلة الرواة فعدلوا العدول ، وجرحوا الضعفاء ، وكشفوا للناس عن مقدار هذه الروايات قوة وضعفا0 وأري أن أسوق هنا أشهر الروايات عن ابن عباس 0 ثم أبين مبلغها من الصحة أو الضعف ، لنعلم إلى أي حد وصل الوضع والاختلاق على ابن عباس رض الله عنه 0 وهذه هي أشهر الطرق :
       أولها : طريق معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، وهذه هي أجود الطرق عنه ، وفيها قال الإمام أحمد رضي الله عنه " إن بمصر صحيفة في التفسير رواها علي بن أبي طلحة ، لو رحل رجل فيها إلى مصر قاصدا ما كان كثيرا [ الإتقان ج2 ص 188 ] " 0 وقال الحافظ بن حج " 00 وهذه النسخة كانت عند أبي طلحة ، عن ابن عباس ، وهي عند البخاري عن أبي صالح ، وقد اعتمد عليها في صحيحه فيما يعلقه عن ابن عباس " [ الإتقان ج2 ص 188]0
       وكثيرا ما اعتمد على هذه الطريق ابن جرير الطبري ، وابن أبي حاتم ، وابن المنذر بواسائط بينهم وبين أبي صالح 0 ومسلم صاحب الصحيح وأصحاب السنن جميعا يحتجون بعلي بن أبي طلحة0
طعن بعض النقاد على هذه الطريق : ـ
       ولقد حاول بعض النقاد أن يقلل من قدر هذه الطريق فقال " إن ابن أبي طلحة لم يسمع من ابن عباس التفسير ، وإنما أخذه عن مجاهد أو سعيد بن جبير " [ الإتقان ج2 ص 188 ] 0وعلى هذا فهي طريق منقطعة لا يركن إليها ، ولا يعول عليها 0
       وقد استغل هذا القول الأستاذ جولد زيهر في كتابه " المذاهب الإسلامية في تفسير القرآن " قال : " صرح النقدة المسلمون بأن ذلك الرجل ـ علي بن أبي طلحة ـ لم يسمع التفسير الذي تضمنه كتابه مباشرة من ابن عباس ، وهكذا فإنه حتى في صحة القسم الخاص بالتفسير الأكثر تصديقا، يحكم النقدة المسلمون بهذا الحكم فيما يتعلق بصحة نسبته لابن عباس على أنه هو المصدر الأول له [ ص 77 ] اهـ 0
تفنيد هذا الطعن : ـ
       ويظهر لنا أن الأستاذ جولد زيهر ، جهل أو تجاهل ما رد به النقاد المعتبرون على هذا الظن الذي لا قيمة له ، فقد فند ابن حجر هذا النقد بقوله " بعد أن عرفت الواسطة وهو ثقة فلا ضير ف ذلك " [ الإتقان ج2 ص 188 ] ، وقال صاحب إيثار الحق " وقال الذهبي في الميزان : وقد روي ـ يعني على بن أبي طلحة عن ابن عباس تفسيرا كثيرا ممتعا ، والصحيح عندهم أن روايته عن مجاهد عن ابن عباس ، وإن كان يرسلها عن ابن عباس فمجاهد ثقة يقبل " [ إيثار الحق ص 159 ] 0 وجملة القول ، فهذه أصح الطرق في التفسير عن ابن عباس ، وكفي بتوثيق البخاري لها واعتماده عليها شاهدا على صحتها0
       ثانيها : طريق قيس بن مسلم الكوفي ، عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس 0 وهذه الطريق صحيحة على شرط الشيخين ، وكثيرا ما يخرج منها الفريابي والحاكم في مستدركه 0
       ثالثها : طريق ابن إسحاق صاحب السير ، عن محمد بن أبي محمد مولي آل زيد بن ثابت ، عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس ، وهي طريق جيدة وإسنادها حسن ، وقد أخرج منها ابن جرير وابن أبي حاتم كثيرا ، وأخرج الطبراني منها في معجمه الكبير
       رابعا : طريق إسماعيل بن عبد الرحمن السدي الكبير ، تارة عن أبي مالك ، وتارة عن أبي صالح عن ابن عباس 0 وإسماعيل السدي مختلف فيه ، وحديثه عند مسلم وأهل السنن الأربعة ، وهو تابعي شيعي [ إيثار الحق ص 159 ] 0 وقال السيوطي " روي عن السدي الأئمة مثل الثوري وشعبة ، لكن التفسير الذي جمعه رواه أسباط ابن نصر ، وأسباط لم يتفقوا عليه ، غير أن أمثل التفاسير تفسير السدي" [ الإتقان ج2 ص 188]0 وابن جرير يورد في تفسيره كثيرا من تفسير السدي عن أبي مالك عن أبي صالح عن ابن عباس ، ولم يخرج منه ابن أبي حاتم شيئا ؛ لأنه التزم أن يخرج أصح ما ورد 0
       خامسا : طريق عبد الملك بن جريج ، عن ابن عباس ، وهي تحتاج إلى دقة في البحث ، ليعرف الصحيح منها والسقيم ، فإن ابن جريج لم يقصد الصحة فيما جمع ، وإنما روي ما ذكر في كل آية من الصحيح والسقيم ، فلم يتميز في روايته الصحيح من غيره ، وقد روي عن ابن جريج هذا جماعة كثيرة ، منهم بكر بن سهل الدمياطي ، عن عبد الغني بن سعيد ، عن موسي بن محمد ، عن ابن جريج عن ابن عباس ،ورواية بكر بن سهل أطول الروايات عن ابن جريج وفيها نظر0 ومنهم محمد ابن ثور ، عن ابن جريج ، عن ابن عباس ، روي ثلاثة أجزاء كبار 0 ومنهم الحجاج بن محمد عن ابن جريج ، روى جزءا وهو صحيح متفق عليه 0
       سادسها : طريق الضحاك بن مزاحم الهلالي عن ابن عباس 0 وهي غير مرضية ؛ لأنه وإن وثقه نفر فطريقه إلى ابن عباس منقطعة ؛ لأنه روي عنه ولم يلقه ، فإن انضم إلى ذلك رواية بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، فضعيفة لضعف بشر ، وقد أخرج من هذه النسخة كثيرا ابن جرير وابن أبي حاتم 0 وإن كان من رواية جويبر عن الضحاك فأشد ضعفا ؛ لأن جويبر شديد الضعف متروك 0 ولم يخرج ابن جرير ولا ابن أبي حاتم من هذه الطريق شيئا ، إنما خرجها ابن مردويه، وأبو الشيخ بن حبان 0
       سابعها : طريق عطية العوفي ، عن ابن عباس ، وهي غير مرضية ؛ لأن عطية ضعيف ليس بواه ، وربما حسن له الترمذي 0 وهذه الطريق قد أخرج منها ابن جرير ، وابن أبي حاتم كثيرا0
       ثامنها : طريق مقاتل ابن سليمان الأزدي الخراساني ، وهو المفسر الذي ينسب إلى الشافعي أنه قال فيه " إن الناس عيال عليه في التفسير " [ وفيات الأعيان ج2 ص 567 ] ، ومع ذلك فقد ضعفوه ، وقالوا : إنه يروي عن مجاهد وعن الضحاك ولم يسمع منهما 0 وقد كذبه غير واحد ، ولم يوثقه أحد ، واشتهر عنه التجسيم والتشبيه [ إيثار الحق ص 159 ] ، وتكلم عنه السيوطي فقال : " إن الكلبي يفضل عليه ، لما في مقاتل من المذاهب الردية [ الإتقان ج2 ص 189 ] " وقد سئل وكيع عن تفسير مقاتل فقال : " لا تنظروا فيه ، فقال السائل : ما أصنع به؟ قال ادفنه ـ يعني التفسير ـ " [ تهذيب الأسماء واللغات ج2 ص 111 ] ، وقال أحمد بن حنبل : لا يعجبني أن أروي عن مقاتل بن سليمان شيئا [ تهذيب الأسماء واللغات ج2 ص 111 ] 0 وبالجملة فإن من استحسن تفسير مقاتل كان يضعفه ويقول " ما أحسن تفسيره لو كان ثقة " [ التفسير ـ معالم حياته ـ منهجه اليوم ص 9 ] 0
       تاسعها : طريق محمد بن السائب الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس ، وهذه أوهي الطرق0 والكلبي مشهور بالتفسير ، وليس لأحد تفسير أطول منه ولا أشيع كما قال ابن عدي في الكامل ، ومع ذلك فإن وجد من قال : رضوه في التفسير ، فقد وجد من قال : أجمعوا على ترك حديثه ، وليس بثقة ، ولا يكتب حديثه ، واتهمه جماعة بالوضع [ التفسير ـ معالم حياته ـ منهجه اليوم ص 9 ] 0 وممن يروي عن الكلبي 0 محمد بن مروان السدي الصغير ، وقد قالوا فيه : إنه يضع الحديث ، وذاهب الحديث متروك ، ولهذا قال السيوطي في الإتقان " فإن انضم إلى ذلك ـ أي طريق الكلبي ـ رواية محمد بن مروان السدي الصغير ، فهي سلسلة الكذب " [ الإتقان ج2 ص 189 ] ، وقال السيوطي أيضا في كتابه الدر المنثور ج6 ص 423 "الكلبي : اتهمون بالكذب وقد مرض فقال لأصحابه في مرضه : كل شئ حدثتكم عن أبي صالح كذب " ومع ضعف الكلبي فقد روي عنه تفسيره مثله أو أشد ضعفا ، وهو محمد بن مروان السدي الصغير " وكثيرا ما يخرج من هذه الطريق الثعلبي والواحدي0
       هذه هي أشهر الطرق عن ابن عباس ، صحيحها وسقيمها ، وقد عرفت قيمة كل طريق منها، ومن اعتمد عليها فيما جمع من التفسير عن ابن عباس رضي الله عنه0
التفسير المنسوب إلى ابن عباس وقيمته : ـ
       هذا ، وقد نسب إلى ابن عباس رضي الله عنه جزء كبير في التفسير ، وطبع في مصر مرارا باسم " تنوير المقياس من تفسير ابن عباس " جمعه أبو طاهر محمد بن يعقوب الفيروز ابادي الشافعي ، صاحب القاموس المحيط ، وقد اطلعت علي هذا التفسير ، فوجدت جامعه يسوق عند الكلام عن البسملة الرواية عن ابن عباس بهذا السند "أخبرنا عبد الله الثقة بن المأمون الهروي، قال : أخبرنا أبي ، قال : أخبرنا أبو عبد الله محمود بن محمد الرازي ، قال : أخبرنا عمار بن عبد المجيد الهروي ، قال : أخبرنا علي بن إسحق السمرقندي ، عن محمد بن مروان، عن الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس" 0 وعند تفسير أول البقرة ، وجدته يسوق الكلام بإسناده إلى عبد الله بن المبارك ، قال : حدثنا علي بن إسحق السمرقندي عن محمد بن مروان ، عن الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس0 وفي مبدأ كل سورة يقول : وبإسناده عن ابن عباس 0
       ... وهكذا يظهر لنا جليا ، أن جميع ما روي عن ابن عباس في هذا الكتاب يدور على محمد بن مروان السدي الصغير ، عن محمد بن السائب الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس ، وقد عرفنا مبلغ رواية السدي الصغير عن الكلبي فيما تقدم 0 وحسبنا في التعقيب على هذا ما روي من طريق ابن عبد الحكم قال : "سمعت الشافعي يقول : لم يثبت عن ابن عباس في التفسير إلا شبيه بمائة حديث " [ الإتقان ج2 ص 189 ] 0
       وهذا الخبر ـ إن صح عن الشافعي ـ يدلنا على مقدار ما كان عليه الوضاعون من الجرأة على اختلاق هذه الكثرة من التفسير المنسوبة إلى ابن عباس ، وليس أدل على ذلك ، من أنك تلمس التناقض ظاهرا بين أقوال في التفسير نسبت إلى ابن عباس ورويت عنه ،وسيأتي ـ عند الكلام عن الوضع في التفسير ـ أن هذا التفسير المنسوب إلى ابن عباس لم يفقد شيئا من قيمته العلمية في الغالب، وإنما الشئ الذي لا قيمة له فيه ، هو نسبته إلى ابن عباس 0
أسباب الوضع على ابن عباس : ـ
       ويبدو أن السر في كثرة الوضع على ابن عباس ، هو أنه كان من بيت النبوة ، والوضع عليه يكسب الموضوع ثقة وقوة أكثر مما لو وضع على غيره ، أضف إلى ذلك أن ابن عباس كان من نسله الخلفاء العباسيون ، وكان من الناس من يتزلف إليهم ، ويتقرب منهم بما يرويه لهم عن جدهم0


ثانيا : مدرسة التفسير بالعراق
وقامت مدرسة التفسير بالعراق على عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، وكان هناك غيره من الصحابة أخذ عنهم أهل العراق التفسير ، غير أن عبد الله بن مسعود كان يعتبر الأستاذ الأول لهذه المدرسة ، نظرا لشهرته في التفسير وكثرة المروي عنه في ذلك ، ولأن عمر رضي الله عنه لما ولي عمار بن ياسر على الكوفة ، سير معه عبد الله بن مسعود معلما ووزيرا ، فكونه معلم أهل الكوفة بأمر أمير المؤمنين عمر ، جعل الكوفيين يجلسون إليه ، ويأخذون عنه أكثر مما يأخذون عن غيره من الصحابة 0
       ويمتاز أهل العراق بأنهم أهل الرأي 0 وهذه ظاهرة نجدها بكثرة في مسائل الخلاف ، ويقول العلماء : إن ابن مسعود هو الذي وضع الأساس لهذه الطريقة في الاستدلال ، ثم توارثها عنه علماء العراق ، ومن الطبيعي أن تؤثر هذه الطريقة في مدرسة التفسير ، فيكثر تفسير القرآن بالرأي والاجتهاد ، لأن استنباط مسائل الخلاف الشرعية ، نتيجة من نتائج إعمال الرأي في فهم نصوص القرآن والسنة 0
أشهر رجالها : ـ
       وقد عرف بالتفسير من أهل العراق كثير من التابعين ، اشتهر من بينهم علقمة بن قيس ، ومسروق ، والأسود بن يزيد ، ومرة الهمداني ، وعامر الشعبي ، والحسن البصري ، وقتادة بن دعامة السدوسي
قيمة ابن مسعود في التفسير : ـ
       روى ابن جرير وغيره عن ابن مسعود أنه قال: " كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن والعمل بهن" ،ومن هذا الأثر يتضح لنا مقدار حرص ابن مسعود على تفهم كتاب الله والوقوف علي معانيه ، وعن مسروق قال " قال عبد الله ـ يعني ابن مسعود ـ والذي لا إله غيره ما نزلت آية من كتاب الله إلا وأنا أعلم فيم نزلت وأين نزلت ، ولو أعلم مكان أحد أعلم بكتاب الله مني تناوله المطايا لأتيته" 0 وهذا الأثر يدل على إحاطة ابن مسعود بمعاني كتاب الله ، وأسباب نزول الآيات ، وحرصه على تعرف ما عند غيره من العلم بكتاب الله تعالي ولو لقي عنتا ومشقة ، وقال مسروق كان عبد الله يقرأ علينا السورة ثم يحدثنا فيها ويفسرها عامة النهار ، وروي أبو نعيم في الحلية عن أبي البحتري قال : قالوا لعلي : أخبرنا عن ابن مسعود ، قال : علم القرآن والسنة ثم انتهي ، وكفي بذلك علما ، وقال عقبة بن عامر : ما أدري أحدا أعلم بما نزل على محمد من عبد الله ، فقال أبو موسي : إن تقل ذلك ، فإنه كان يسمع حين لا نسمع ، ويدخل حين لا ندخل ، وصح عن ابن مسعود أنه قال : أخذت من في رسول الله صلي الله عليه وسلم سبعين سورة ، وقال أبو وائد : لما حرق عثمان المصاحف بلغ ذلك عبد الله فقال : لقد علم أصحاب محمد أني أعلمهم بكتاب الله وما أنا بخيرهم ، ولو أني أعلم أن أحدا أعلم بكتاب الله مني تبلغه الإبل لأتيته 0 قال أبو وائل : فقمت إلى الحلق أسمع ما يقولون ، فما سمعت أحدا من أصحاب محمد ينكر ذلك عليه...
       وغير هذا كثير من الآثار التي تشهد لمنزلة ابن مسعود العالية في التفسير، وإذا كان ابن مسعود يعلم هذا من نفسه ويتحدث به ، فإن أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم لم ينكروا عليه ذلك ، بل وتحدثوا بمكانته في العلم ، ومقدار فهمه لكتاب الله ، وعلل ذلك أبو موسي الأشعري رضي الله عنه ؛ بأنه كان يسمع حين لا يتيسر لهم السماع ، ويدخل حين لا يؤذن لهم الدخول ، الأمر الذي جعله أوفر حظا في الأخذ عن الرسول صلي الله عليه وسلم ، وأعظم نصيبا من الاعتراف من منهل النبوة الفياض، ولئن صح عن أبي الدرداء أنه قال بعد موت ابن مسعود : ما ترك بعده مثله، لهي شهادة منه على مقدار علمه ، وسمو مكانته بين أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم ، وبالجملة فابن مسعود كما قيل : أعلم الصحابة بكتاب الله تعالي ، وأعرفهم بمحكمه ومتشابهه وحلاله وحرامه ، وقصصه وأمثاله ، وأسباب نزوله ، قرأ القرآن فأحل حلاله وحرم حرامه ، فقيه في الدين ، عالم بالسنة ، بصير بكتاب الله 0
الرواية عن ابن مسعود ومبلغها من الصحة : ـ
       ابن مسعود أكثر من روي عنه في التفسير من الصحابة بعد ابن عباس رضي الله عنه ، قال السيوطي في الإتقان : وأما ابن مسعود فقد روي عنه أكثر مما روي عن علي [ الإتقان ج2 ص 187 ] ، وقد حمل علم ابن مسعود في التفسير أهل الكوفة نظرا لوجوده بينهم ، يجلس إليهم فيأخذون عنه ويرونن له ، فمن رواته مسروق بن الأجدع الهمداني ، وعلقمة بن قيس النخعي ، والأسود بن يزيد 0 وغيرهم من علماء الكوفة الذين تتلمذوا له ورووا عنه 0 وسنأتي نتكلم علي هؤلاء جميعا ـ إن شاء الله تعالي ـ عند الكلام عن التفسير في عصر التابعين ، وقد وردت أسانيد كثيرة تنتهي إلى ابن مسعود، نجدها مبثوثة في كتب التفسير بالمأثور وكتب الحديث ، ومن هذه الروايات ما يمكن الاعتماد عليه والثقة به، ومنها ما يعتريه الضعف في رجاله ، أو الانقطاع في إسناده، وقد تتبع العلماء النقاد هذه الروايات ، كما تتبعوا غيرها بالنقد تجريحا وتعديلا وهذه هي أشهر الطرق عن ابن مسعود 0
       أولا : طريق الأعمش ، عن أبي الضحي ، عن مسروق ، عن ابن مسعود 0 وهذه الطريق من أصح الطرق وأسلمها ، وقد اعتمد عليها البخاري في صحيحه0
       ثانيا: طريق مجاهد ، عن أبي معمر ، عن ابن مسعود ، وهذه أيضا طريق صحيحة لا يعتريها الضعف 0 وقد اعتمد عليها البخاري في صحيحه أيضا 0
       ثالثا: طريق الأعمش ، عن أبي وائل ، عن ابن مسعود ، وهذه أيضا طريق صحيحة يخرج البخاري منها ، وكفي بتخريج البخاري شاهدا على صحتها وصحة ما سبق0
       رابعا: طريق السدي الكبير ، عن مرة الهمداني ، عن ابن مسعود 0 وهذه الطريق يخرج منها الحاكم في مستدركه ، ويصحح ما يخرجه 0 وابن جرير يخرج منها في تفسيره كثيرا ، وقد علمت فيما مضي قيمة السدي الكبير في باب الرواية 0
       خامسا: طريق أب روق 0 عن الضحاك ، عن ابن مسعود 0 وابن جرير يخرج منها في تفسيره أيضا 0 وهذه الطريق غير مرضية ؛ لأن الضحاك لم يلق ابن مسعود فهي طريق منقطعة


ثالثا : مدرسة التفسير بالمدينة
وكان بالمدينة كثير من الصحابة ، أقاموا بها ولم يتحولوا عنها كما تحول كثير منهم إلى غيرها من بلاد المسلمين ، فجلسوا لأتباعهم يعلمونهم كتاب الله تعالي وسنة رسوله صلي الله عليه وسلم ، فقامت بالمدينة مدرسة للتفسير ، تتلمذ فيها كثير من التابعين لمشاهير المفسرين من الصحابة 0 ونستطيع أن نقول : إن قيام هذه المدرسة كان على أبي بن كعب ، الذي يعتبر بحق أشهر من تتلمذ له مفسروا التابعين بالمدينة ؛ وذلك لشهرته أكثر من غيره في التفسير، وكثرة ما نقل لنا عنه في ذلك 0
أشهر رجالها :
       وقد وجد بالمدينة في هذا الوقت كثير من التابعين المعروفين بالتفسير ، اشتهر من بينهم ثلاثة ، هم زيد بن أسلم ، وأبو العالية ، ومحمد بن كعب القرظي 0 وهؤلاء منهم من أخذ عن أبي مباشرة ، ومنهم من أخذ عنه بالواسطة
كان أبي بن كعب من أعلم الصحابة بكتاب الله تعالي ، ولعل من أهم عوامل معرفته بمعاني كتاب الله ، هو أنه كان حبرا من أحبار اليهود ، العارفين بأسرار الكتب القديمة وما ورد فيها ، وكونه من كتاب الوحي لرسول الله صلي الله عليه وسلم ، وهذا بالضرورة يجعله على مبلغ عظيم من العلم بأسباب النزول ومواضعه ، ومقدم القرآن ومؤخره 0 وناسخه ومنسوخه ، ثم لا يعقل بعد ذلك أن تمر عليه آية من القرآن يشكل معناها عليه دون أن يسأل عنها رسول الله صلي الله عليه وسلم ، لهذا كله عد أبي بن كعب من المكثرين في التفسير ، الذين يعتد بما صح عنهم، ويعول على تفسيرهم 0
الرواية عنه في التفسير ومبلغها من الصحة : ـ
       كثرت الرواية عن أبي بن كعب في التفسير وتعددت طرقها ، وتتبع العلماء هذه الطرق بالنقد ، فعدلوا وجرحوا ؛ لأنه كغيره من الصحابة لم يسلم من الوضع عليه ـ وهذه هي أشهر الطرق عنه 0
       أولا : طريق أبو جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية ، عن أبي رضي الله عنه0 وهذه طريق صحيحة ،وقد ورد عن أبي ، نسخة كبيرة في التفسير ، يرويها أبو جعفر الرازي بهذا الإسناد إلى أبي ، وقد خرج ابن جرير وابن أبي حاتم منها كثيرا ، وأخرج الحاكم منها أيضا في مستدركه ، والإمام أحمد في مسنده 0
       ثانيا : طريق وكيع عن سفيان ، عن عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن الطفيل بن أبي بن كعب، عن أبيه ، وهذه يخرج منها الإمام أحمد في مسنده ، وهي على شرط الحسن ؛ لأن عبد الله بن محمد بن عقيل وإن كان صدوقا تكلم فيه من جهة حفظه ، قال الترمذي في سننه : " عبد الله بن محمد بن عقيل ، هو صدوق وقد تكلم فيه بعض أهل العلم من قبل حفظه ، وسمعت محمد بن إسماعيل يقول : كان أحمد بن حنبل ، وإسحق بن ابراهيم ، والحميدي ، يحتجون بحديث عبد الله بن محمد بن عقيل قال محمد ـ يعني البخاري ـ وهو مقارب الحديث ، ونص الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد على أن حديثه حسن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ