الخوارج وموقفهم من القرآن
كلمة إجمالية عن الخوارج :
بعد مقتل عثمان رضي الله عنه ، نشط أنصار علي رضي الله عنه في الدعوة له ، حتى أخذوا له البيعة من المسلمين ، ليكون خليفة لهم 000 ولكن لم تكد تتم له البيعة حتى قام ثلاثة من كبار الصحابة ينازعونه الأمر؛ لاعتقادهم أن الحق في غير جانبه ، وهؤلاء الصحابة هم : معاوية بن أبي سفيان ، وطلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام 0
وكان لعلي ـ رضي الله عنه ـ شيعة وأنصار ، وكان لمعاوية رضي الله عنه شيعة وأنصار كذلك ، وكانت حروب طاحنة بين الفريقين !! 0 كانت الغلبة فيها لعلي وحزبه ، إلى أن جاءت موقعة صفين ، فكاد الفشل يحيق بجيش معاوية ، وأوشكت الهزيمة أن تحدق به ، لولا أن لجأ إلى حيلة رفع المصاحف على أسنة الرماح ، طلبا للهدنة ، ورغبة في التحكيم بين الحزبين0 وبعد أخذ ورد بين جيش على في قبول التحكيم وعدمه ، رأي علي رضي الله عنه قبول التحكيم ؛ رغبة منه في حقن الدماء0 واختار معاوية : عمرو بن العاص ليمثله واختار أصحاب علي : أبا موسي الأشعري0
وكان قبول علي ـ رضي الله عنه ـ لمبدأ التحكيم أول عامل من عوامل التصدع في جيشه وحزبه ؛ إذ أن بعض شيعته رأوا أن التحكيم خطأ ، لأن الحق ظاهر في جانب علي ، ولا يعتريه شك في نظرهم ، وقبول التحكيم دليل الشك من على في أحقيته بالخلافة ، وهم إنما قاموا معه في حروبه لاعتقادهم بأن الحق في جانبه ، فكيف يشك هو فيه ؟؟ 000
لم يرض هؤلاء بفكرة التحكيم 0 فخرجوا على علي ، ولم يقبلوا أن يرجعوا إليه إلا إذا أقر على نفسه بالكفر ، لقبوله التحكيم ، وإلا إذا نقض ما أبرم من الشروط بينه وبين معاوية ، ولكن عليا رضي الله عنه لم يستجب لرغبتهم هذه، فأخذوا كلما خطب على أو ضمه وإياهم مكان جامع رفعوا أصواتهم بقولهم : ( لا حكم إلا لله ) 0
وكان التحكيم ، وفيه خدع عمرو بن العاص أبا موسي الأشعري ، فلم يكن إلا تحكيما فاشلا ، أمال قلوب كثير من الناس إلى ناحية الخوارج ، وأخيرا، وبعد يأس الخوارج من رجوع علي إليهم اجتمعوا في منزل أحدهم ، وخطب فيهم خطبة حثهم على التمسك بمبدئهم والدفاع عنه ، وطلب منهم الخروج من الكوفة إلى قرية بالقرب منها يقال لها حروراء ، فخرجوا إليها ، وأمروا عليهم عبد الله بن وهب الراسبي (2) ، ووقعت بينهم وبين على حروب طاحنة هزمهم فيها ، ولكن لم يقض عليهم 0 وأخيرا دبروا له مكيدة قتله ، فقتله عبد الرحمن بن ملجم 0
وجاءت دولة الأمويين ، وكان الخوارج شوكة في جنبها يهددونها ويحاربونها ، حتى كادوا يقضون عليها ، ثم جاءت الدولة العباسية ، فكان بينهم وبينها حروب كذلك ، ولكن لم يكونوا في قوتهم الأولي ، لتفرق كلمتهم وتشتت وحدتهم ، وضعف سلطانهم ، وخور قواهم 0
دبت في وحدة الخوارج جرثومة التفرق ، وأصيبوا بداء التحزب ، فبلغ عدد أحزابهم عشرين حزبا ، كل حزب يفارق الآخر في المبدأ والعقيدة00 ولكن يجمع الكل على مبدأين اثنين :
أحدهما : تكفير على " وعثمان" ، والحكمين ، وأصحاب الجمل ، وكل من رضي بتحكيم الحكمين 0
وثانيهما : وجوب الخروج على السلطان الجائر 0
وهناك مبدأ ثالث يقول به أكثر الخوارج ، وهو : التكفير بارتكاب الكبائر 0
هذا 00 وقد وضع الخوارج مبدأ للخلافة فقالوا : ( إن الخلافة يجب أن تكون باختيار حر من المسلمين ، وإذا اختير الخليفة فليس يصح أن يتنازل ، أو يحكم ، وليس بضروري أن يكون الخليفة قرشيا ، بل يصح أن يكون من قريش ومن غيرهم ، ولو كان عبدا حبشيا ، وإذا تم الإختيار كان رئيس المسلمين ويجب أن يخضع خضوعا تاما لما أمر الله ، وإلا وجب عزله ، ولهذا أمروا عليهم عبد الله بن وهب الراسبي ، ولم يكن قرشيا 0
وعلى هذا حكموا بصحة خلافة أبي بكر وعمر ، وبصحة خلافة عثمان في سنيه الأولي ، فلما غير ، وبدل ولم يسر سيرة الشيخين ـ كما زعموا ـ وجب عزله ، وأقروا بصحة خلافة على أولا ، ثم خرجوا عليه بعد أن أخطأ في التحكيم ، وكفر به كما يزعمون !! 00
بعد مقتل عثمان رضي الله عنه ، نشط أنصار علي رضي الله عنه في الدعوة له ، حتى أخذوا له البيعة من المسلمين ، ليكون خليفة لهم 000 ولكن لم تكد تتم له البيعة حتى قام ثلاثة من كبار الصحابة ينازعونه الأمر؛ لاعتقادهم أن الحق في غير جانبه ، وهؤلاء الصحابة هم : معاوية بن أبي سفيان ، وطلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام 0
وكان لعلي ـ رضي الله عنه ـ شيعة وأنصار ، وكان لمعاوية رضي الله عنه شيعة وأنصار كذلك ، وكانت حروب طاحنة بين الفريقين !! 0 كانت الغلبة فيها لعلي وحزبه ، إلى أن جاءت موقعة صفين ، فكاد الفشل يحيق بجيش معاوية ، وأوشكت الهزيمة أن تحدق به ، لولا أن لجأ إلى حيلة رفع المصاحف على أسنة الرماح ، طلبا للهدنة ، ورغبة في التحكيم بين الحزبين0 وبعد أخذ ورد بين جيش على في قبول التحكيم وعدمه ، رأي علي رضي الله عنه قبول التحكيم ؛ رغبة منه في حقن الدماء0 واختار معاوية : عمرو بن العاص ليمثله واختار أصحاب علي : أبا موسي الأشعري0
وكان قبول علي ـ رضي الله عنه ـ لمبدأ التحكيم أول عامل من عوامل التصدع في جيشه وحزبه ؛ إذ أن بعض شيعته رأوا أن التحكيم خطأ ، لأن الحق ظاهر في جانب علي ، ولا يعتريه شك في نظرهم ، وقبول التحكيم دليل الشك من على في أحقيته بالخلافة ، وهم إنما قاموا معه في حروبه لاعتقادهم بأن الحق في جانبه ، فكيف يشك هو فيه ؟؟ 000
لم يرض هؤلاء بفكرة التحكيم 0 فخرجوا على علي ، ولم يقبلوا أن يرجعوا إليه إلا إذا أقر على نفسه بالكفر ، لقبوله التحكيم ، وإلا إذا نقض ما أبرم من الشروط بينه وبين معاوية ، ولكن عليا رضي الله عنه لم يستجب لرغبتهم هذه، فأخذوا كلما خطب على أو ضمه وإياهم مكان جامع رفعوا أصواتهم بقولهم : ( لا حكم إلا لله ) 0
وكان التحكيم ، وفيه خدع عمرو بن العاص أبا موسي الأشعري ، فلم يكن إلا تحكيما فاشلا ، أمال قلوب كثير من الناس إلى ناحية الخوارج ، وأخيرا، وبعد يأس الخوارج من رجوع علي إليهم اجتمعوا في منزل أحدهم ، وخطب فيهم خطبة حثهم على التمسك بمبدئهم والدفاع عنه ، وطلب منهم الخروج من الكوفة إلى قرية بالقرب منها يقال لها حروراء ، فخرجوا إليها ، وأمروا عليهم عبد الله بن وهب الراسبي (2) ، ووقعت بينهم وبين على حروب طاحنة هزمهم فيها ، ولكن لم يقض عليهم 0 وأخيرا دبروا له مكيدة قتله ، فقتله عبد الرحمن بن ملجم 0
وجاءت دولة الأمويين ، وكان الخوارج شوكة في جنبها يهددونها ويحاربونها ، حتى كادوا يقضون عليها ، ثم جاءت الدولة العباسية ، فكان بينهم وبينها حروب كذلك ، ولكن لم يكونوا في قوتهم الأولي ، لتفرق كلمتهم وتشتت وحدتهم ، وضعف سلطانهم ، وخور قواهم 0
دبت في وحدة الخوارج جرثومة التفرق ، وأصيبوا بداء التحزب ، فبلغ عدد أحزابهم عشرين حزبا ، كل حزب يفارق الآخر في المبدأ والعقيدة00 ولكن يجمع الكل على مبدأين اثنين :
أحدهما : تكفير على " وعثمان" ، والحكمين ، وأصحاب الجمل ، وكل من رضي بتحكيم الحكمين 0
وثانيهما : وجوب الخروج على السلطان الجائر 0
وهناك مبدأ ثالث يقول به أكثر الخوارج ، وهو : التكفير بارتكاب الكبائر 0
هذا 00 وقد وضع الخوارج مبدأ للخلافة فقالوا : ( إن الخلافة يجب أن تكون باختيار حر من المسلمين ، وإذا اختير الخليفة فليس يصح أن يتنازل ، أو يحكم ، وليس بضروري أن يكون الخليفة قرشيا ، بل يصح أن يكون من قريش ومن غيرهم ، ولو كان عبدا حبشيا ، وإذا تم الإختيار كان رئيس المسلمين ويجب أن يخضع خضوعا تاما لما أمر الله ، وإلا وجب عزله ، ولهذا أمروا عليهم عبد الله بن وهب الراسبي ، ولم يكن قرشيا 0
وعلى هذا حكموا بصحة خلافة أبي بكر وعمر ، وبصحة خلافة عثمان في سنيه الأولي ، فلما غير ، وبدل ولم يسر سيرة الشيخين ـ كما زعموا ـ وجب عزله ، وأقروا بصحة خلافة على أولا ، ثم خرجوا عليه بعد أن أخطأ في التحكيم ، وكفر به كما يزعمون !! 00
أشهر فرقهم
أولا : الأزارقة : وهم أتباع نافع بن الأزرق ، وهم يكفرون من عداهم من المسلمين ، ويحرمون أكل ذبائحهم ومناكحتهم ، ولا يجيزون التوارث بينهم، ويعاملونهم معاملة الكفار من المشركين 00 إما الإسلام ، وإما السيف ، ودارهم دار حب ، ويحل قتل نسائهم وأطفالهم ، ولا يقولون برجم الزاني المحصن، ولا يقولون بحد من يقذف المحصنين من الرجال00 أما قاذف المحصنات فعليه الحد قطعا ، ولا يرون جواز التقية 0
ثانيا : النجدات : وهم أتباع نجدة بن عامر ، وهم يرون أنه لا حاجة للناس إلى إمام قط ، بل عليهم أن يتناصفوا فيما بينهم ، فإن رأوا أن الحاجة تدعوا إلى إمام أقاموه ، وإلا فلا 0 كما أنهم يكفرون من يقول بإمامة نافع بن الأزرق، ويكفرون من يكفر القاعدين عن الهجرة لنافع وحزبه ، ويقولون : إن الدين أمران :
أحدهما : معرفة الله تعالي ، ومعرفة الرسول ، والإقرار بما جاء به جملة 0 فهذا واجب معرفته على كل مكلف0
وثانيهما : ما عدا ما تقدم ، فالناس معذورون بجهالتهم إلى أن تقوم عليهم الحجة 0 فمن استحل شيئا حراما باجتهاد فله عذره ؛ وهم يعظمون جريمة الكذب ، ويجعلونها أكبر جرما من شرب الخمر والزني0
ومن بدع نجدة : أنه تولي أصحاب الحدود من موافقيه ، وقال : لعل الله يعذبهم بذنوبهم في غير نار جهنم ، ثم يدخلهم الجنة ، وزعم أن النار يدخلها من خالفه في دينه 0
ثالثا : الصفرية : وهم أتباع زياد بن الأصفر ، وهم يقولون بأن أصحاب الذنوب مشركون ، غير أنهم لا يرون قتل أطفال مخالفيهم ونسائهم كما تري الأزارقة ذلك 0 ومن الصفرية من يخالف في ذلك فيقول : كل ذنب له حد في الشريعة لا يسمي مرتكبه مشركا ، ولا كافرا ، بل يدعي باسمه المشتق من جريمته يقال : سارق ، وقاتل ، وقاذف ، وكل ذنب ليس فيه حد معلوم في الشريعة مثل الإعراض عن الصلاة فمرتكبه كافر ، ولا يسمي مرتكب واحد من هذين النوعين جميعا مؤمنا ، ومنهم من يقول : إن صاحب الذنب لا يحكم عليه بالكفر حتى يرفع إلى الوالي فيحده ويحكم بكفره0
رابعا : الإباضية : وهم أتباع عبد الله بن إباض ، وهم أعدل فرق الخوارج ، وأقر بها إلى تعاليم أهل السنة ، وهم يجمعون على أن مخالفيهم من المسلمين ليسوا مشركين ، ولا مؤمنين ، ولكنهم كفار ، ويروي عنهم أنهم يريدون كفر النعمة ، وأجازوا شهادة مخالفيهم من المسلمين ، ومناكحتهم ، والتوارث معهم ، وحرموا دماءهم في السر دون العلانية ، لأنهم محاربون لله ولرسوله ، ولا يدينون دين الحق ودارهم دار توحيد إلا معسكر السلطان ، واستحلوا من غنائمهم : الخيل والسلاح ، وكل ما فيه قوة حربية لهم ، ولم يستحلوا غنائم الذهب والفضة ، بل يردونها لأهلها 0
واختلفوا في النفاق على ثلاثة أقوال :
فريق يري أن النفاق براءة من الشرك والإيمان معا ، ويحتج بقوله تعالي في الآية (143) من سورة النساء " مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء " 0
وفريق يري أن كل نفاق فهو شرك ، لأنه ينافي التوحيد0
وفريق ثالث يري أن النفاق لا يسمي به غير القوم الذين سماهم الله تعالي منافقين 0
وهناك مخالفة لبعض الإباضية في بعض المسائل ، لا نعرض لها هنا ، مخافة التطويل0
هذه هي أهم فرق الخوارج ، وهذه هي أهم ما لهم من تعاليم وعقائد ؛ نضعها بين يدي القارئ قبل أن نتكلم عن موقفهم من التفسير ، ليكون على علم بها ، وليعلم بعد ذلك مقدار الصلة بينها وبين ما لهم من تفسير.
ثانيا : النجدات : وهم أتباع نجدة بن عامر ، وهم يرون أنه لا حاجة للناس إلى إمام قط ، بل عليهم أن يتناصفوا فيما بينهم ، فإن رأوا أن الحاجة تدعوا إلى إمام أقاموه ، وإلا فلا 0 كما أنهم يكفرون من يقول بإمامة نافع بن الأزرق، ويكفرون من يكفر القاعدين عن الهجرة لنافع وحزبه ، ويقولون : إن الدين أمران :
أحدهما : معرفة الله تعالي ، ومعرفة الرسول ، والإقرار بما جاء به جملة 0 فهذا واجب معرفته على كل مكلف0
وثانيهما : ما عدا ما تقدم ، فالناس معذورون بجهالتهم إلى أن تقوم عليهم الحجة 0 فمن استحل شيئا حراما باجتهاد فله عذره ؛ وهم يعظمون جريمة الكذب ، ويجعلونها أكبر جرما من شرب الخمر والزني0
ومن بدع نجدة : أنه تولي أصحاب الحدود من موافقيه ، وقال : لعل الله يعذبهم بذنوبهم في غير نار جهنم ، ثم يدخلهم الجنة ، وزعم أن النار يدخلها من خالفه في دينه 0
ثالثا : الصفرية : وهم أتباع زياد بن الأصفر ، وهم يقولون بأن أصحاب الذنوب مشركون ، غير أنهم لا يرون قتل أطفال مخالفيهم ونسائهم كما تري الأزارقة ذلك 0 ومن الصفرية من يخالف في ذلك فيقول : كل ذنب له حد في الشريعة لا يسمي مرتكبه مشركا ، ولا كافرا ، بل يدعي باسمه المشتق من جريمته يقال : سارق ، وقاتل ، وقاذف ، وكل ذنب ليس فيه حد معلوم في الشريعة مثل الإعراض عن الصلاة فمرتكبه كافر ، ولا يسمي مرتكب واحد من هذين النوعين جميعا مؤمنا ، ومنهم من يقول : إن صاحب الذنب لا يحكم عليه بالكفر حتى يرفع إلى الوالي فيحده ويحكم بكفره0
رابعا : الإباضية : وهم أتباع عبد الله بن إباض ، وهم أعدل فرق الخوارج ، وأقر بها إلى تعاليم أهل السنة ، وهم يجمعون على أن مخالفيهم من المسلمين ليسوا مشركين ، ولا مؤمنين ، ولكنهم كفار ، ويروي عنهم أنهم يريدون كفر النعمة ، وأجازوا شهادة مخالفيهم من المسلمين ، ومناكحتهم ، والتوارث معهم ، وحرموا دماءهم في السر دون العلانية ، لأنهم محاربون لله ولرسوله ، ولا يدينون دين الحق ودارهم دار توحيد إلا معسكر السلطان ، واستحلوا من غنائمهم : الخيل والسلاح ، وكل ما فيه قوة حربية لهم ، ولم يستحلوا غنائم الذهب والفضة ، بل يردونها لأهلها 0
واختلفوا في النفاق على ثلاثة أقوال :
فريق يري أن النفاق براءة من الشرك والإيمان معا ، ويحتج بقوله تعالي في الآية (143) من سورة النساء " مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء " 0
وفريق يري أن كل نفاق فهو شرك ، لأنه ينافي التوحيد0
وفريق ثالث يري أن النفاق لا يسمي به غير القوم الذين سماهم الله تعالي منافقين 0
وهناك مخالفة لبعض الإباضية في بعض المسائل ، لا نعرض لها هنا ، مخافة التطويل0
هذه هي أهم فرق الخوارج ، وهذه هي أهم ما لهم من تعاليم وعقائد ؛ نضعها بين يدي القارئ قبل أن نتكلم عن موقفهم من التفسير ، ليكون على علم بها ، وليعلم بعد ذلك مقدار الصلة بينها وبين ما لهم من تفسير.
موقفهم من تفسير القرآن
تعددت فرق الخوارج ، وتعددت مذاهبهم وآراؤهم ، فكان طبيعيا ـ وهم ينتسبون إلى الإسلام ، ويعترفون بالقرآن ـ أن تبحث كل فرقة منهم عن أسس من القرآن الكريم ، تبني عليها مبادئها وتعاليمها ، وأن تنظر إلى القرآن من خلال عقيدتها ، فما رأته في جانبها ـ ولو ادعاء ـ تمسكت به ، واعتمدت عليه ، وما رأته في غير صالحها حاولت التخلص منه بصرفه وتأويله ، بحيث لا يبقي متعارضا مع آرائها وتعاليمها (1)0
سلطان المذهب يغلب على الخوارج في فهم القرآن :
والذي يقرأ تاريخ الخوارج ، ويقرأ ما لهم من أفكار تفسيرية ، يري أن المذهب قد سيطر على عقولهم ، وتحكم فيها ، فأصبحوا لا ينظرون إلى القرآن إلا على ضوئه ، ولا يدركون شيئا من معانيه إلا تحت تأثير سلطانه ، ولا يأخذون منه إلا بقدر ما ينصر مبادئهم ويدعو إليها.
فمثلا نري أن أكثر الخوارج يجمعون على أن مرتكب الكبيرة كافر، ومخلد في نار جهنم ، ونقرأ في الكتب التي تكلمت عن الخوارج فنجد ابن أبي الحديد ـ وهو ممن تعرض لهم في كتابه ( شرح نهج البلاغة ) ـ يسوق لنا أدلتهم التي أخذوها من القرآن ، وبنوا عليها رأيهم في مرتكب الكبيرة ، كما نجده يناقش هذه الأدلة ، ويفندها دليلا بعد دليل ، ونري أن نمسك عن مناقشة ابن أبي الحديد لهذه الأدلة ، ويكفي أن نسوق للقارئ الكريم هذه الآيات التي استندوا إليها ، ووجهة نظرهم فيها ؛ فهي التي تعنينا في هذا البحث ، وهي التي ترينا إلى أي حد تأثر الخوارج بسلطان العقيدة في فهم نصوص القرآن 000 فمن هذه الأدلة ما يأتي : قوله تعالي : { ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ، ومن كفر فإن الله غني عن العالمين } قالوا : فجعل تارك الحج كافرا.
ومنها قوله تعالي في الآية (87) من سورة يوسف { إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون } قالوا : والفاسق ـ لفسقه وإصراره عليه آيس من روح الله ، فكان كافرا 0
ومنها قوله تعالي في الآيات (44) من سورة المائدة : { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون } قالوا : وكل مرتكب للذنوب فقد حكم بغير ما أنزل الله 0
ومنها قوله تعالي في الآية (14 و 15 و 16) من سورة الليل {فأنذرتكم نارا تلظي ,لايصلاها إلا الأشقي, الذي كذب وتولي } قالوا : وقد اتفقنا مع المعتزلة على أن الفاسق يصلي النار ، فوجب أن يسمي كافرا 0
ومنها قوله تعالي في الآية (106) من سورة آل عمران { يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون } قالوا : والفاسق لا يجوز أن يكون ممن ابيضت وجوههم ، فوجب أن تكون ممن اسودت ، ووجب أن يسمي كافرا ؛ لقوله بما كنتم تكفرون " –
ومنها قوله تعالي في الآيات (38) وما بعدها إلى آخر سورة عبس {وجوه يومئذ مسفرة 0 ضاحكة مستبشرة 0 ووجوه يومئذ عليها غبرة0 ترهقها قترة أولئك هم الكفرة الفجرة } قالوا : والفاسق على وجهه غبرة ، فوجب أن يكون من الكفرة الفجرة 0
ومنها قوله تعالي في الآية (17) من سورة سبأ { ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور } قالوا : والفاسق لابد أن يجازي ، فوجب أن يكون كفورا 0
ومنها قوله تعالي في الآية (42) من سورة الحجر { إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين } وقال في الآية (100) من سورة النحل { إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون} قالوا: فجعل الغاوي الذي يتبعه مشركا 0
ومنها قوله تعالي في الآية (20) من سورة السجدة { وأما الذين فسقوا فمأواهم النار كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون } قالوا : فجعل الفاسق مكذبا 0
ومنها قوله تعالي في الآية (33) من سورة الأنعام { 000 ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون } قالوا : فأثبت الظالم جاحدا ، وهذه صفة الكفار0
ومنها قوله تعالي في الآية (55) من سورة النور { ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون} 0
ومنها قوله تعالي في الآيات (102، 103 ، 104 ، 105 ) من سورة المؤمنون { فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ، ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون 0 تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون 0 ألم تكن آياتي تتلي عليكم فكنتم بها تكذبون } قالوا: فنص سبحانه على أن من تخف موازينه يكون مكذبا ، والفاسق تخف موازينه فكان مكذبا ، وكل مكذب كافر 0
ومنها قوله تعالي في الآية (2) من سورة التغابن { هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن } 0 وهذا يقتضي أن من لا يكون مؤمنا فهو كافر ، والفاسق ليس بمؤمن ، فوجب أن يكون كافرا (3)0
هذه بعض الآيات التي تمسك بها الخوارج في موقفهم من مرتكب الكبيرة الذي لم يتب ، والتي حسبوا أنها حجج دامغة لمذهب مخالفيهم من المسلمين 0 ولا يسع الذي يعرف سياق هذه الآيات وسباقها ، ويعرف الآيات والأحاديث الواردة في شأن عصاة المؤمنين ، ويتأمل قليلا في هذه التخريجات والإستنتاجات التي يقولون بها ، لا يسعه بعد هذا كله : إلا أن يحكم بأن القوم متعصبون ومندفعون بدافع العقيدة ، وسلطان المذهب 0
وهناك نصوص من القرآن استغلها أفراد من الخوارج ، لتدعيم مبادئهم التي يشذون بها عمن عداهم من بعض فرق الخوارج ، وهي في مظهرها التفسيري أكثر تعصبا ، وأبلغ تعنتا ، فمن ذلك : أن نافع بن الأزرق كان لا يري جواز التقية التي هي في الأصل من مبادئ الشيعة ، ويستدل على حرمتها بقوله تعالي فقي الآية (77) من سورة النساء { 000 إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله }
ويري نجدة بن عامر جواز التقية ، ويستدل على ذلك بقوله تعالي في الآية (28) من سورة غافر { وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه}0
وأظهر من هذا : أن نجدة بن عامر كان لا يصوب نافع بن الأزرق فيما يقول به من إكفار القعدة ، واستحلال قتل أطفال مخالفيه ، وعدم رد الأمانات إلى مخالفيه ، وغير ذلك من آرائه التي شذ بها ، فأرسل نجدة إلي نافع رسالة يقول له فيها : ( 000 وأكفرت الذين عذرهم الله تعالي في كتابه من قعدة المسلمين وضعفتهم 0 قال الله عز وجل ـ وقوله الحق ووعده الصدق : { ليس على الضعفاء ولا على المرضي ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله } ، ثم سماهم ـ تعالي ـ أحسن الأسماء فقال :{ما على المحسنين من سبيل } [ التوبة : 9] ، ثم استحللت قتل الأطفال وقد نهي رسول الله صلي الله عليه وسلم عن قتلهم ، وقال الله جل ثناؤه { ولا تزر وازرة وزر أخري } [ الأنعام 314] ، وقال سبحانه في القعدة خيرا فقال { وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما } ، فتفضيله المجاهدين على القاعدين لا يدفع منزلة من دون المجاهدين 00 أو ما سمعت قوله تعالي { لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر} [ النساء 95] فجعلهم من المؤمنين ، ثم إنك لا تؤدي الأمانة إلى من خالفك والله تعالي قد ِأمر أن تؤدي الأمانات إلى أهلها ، فاتق الله في نفسك ؛ واتق يوما لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا ، فإن الله بالمرصاد ، وحكمه العدل ، وقوله الفصل 0 والسلام ) 0
فرد عليه نافع بكتاب جاء فيه : ( 000 وعبت ما دنت به من إكفار القعدة وقتل الأطفال ، واستحلال الأمانة من المخالفين ، وسأفسر لك إن شاء الله 0
أما هؤلاء القعدة ، فليسوا كمن ذكرت ممن كان على عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم ، لأنهم كانوا بمكة مقهورين محصورين لا يجدون إلى الهرب سبيلا ، ولا إلي الإتصال بالمسلمين طريقا ، وهؤلاء قد تفقهوا في الدين وقرءوا القرآن والطريق لهم نهج واضح ، وقد عرفت ما قاله الله تعالي فيمن كان مثلهم إذ قالوا { كنا مستضعفين في الأرض } ، فقال : { ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها } [ النساء 97] ، وقال سبحانه: { فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله } [ التوبة 8] 0 وقال : { وجاء المعذرون من الأعراب ليؤذن لهم } فخبر بتعذيرهم ، وأنهم كذبوا الله ورسوله ، ثم قال : { سيصيب الذين كفروا منهم عذاب أليم } [ التوبة 90] ، فانظر إلى أسمائهم وسماتهم 0
وأما الأطفال ، فإن نوحا نبي الله كان أعلم بالله مني ومنك ، وقد قال {رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا ، إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا } [ نوح 26 ، 27] فسماهم بالكفر ، وهم أطفال وقبل أن يولدوا ، فكيف كان ذلك في قوم نوح ولا نقوله في قومنا 00 والله تعالي يقول { أكفاركم خير من أولئكم أم لكم براءة في الزبر } [ القمر 43] ، وهؤلاء كمشركي العرب لا يقبل منهم جزية ، وليس بيننا وبينهم إلا السيف أو الإسلام 0
وأما استحلال أمانات من خالفنا ، فإن الله تعالي أحل لنا أموالهم كما أحل دماءهم لنا ، فدماؤهم حلال طلق وأموالهم فئ المسلمين 000) (4)0
مدى فهم الخوارج لنصوص القرآن :(5)
إن الخوارج عندما ينظرون إلى القرآن لا يتعمقون في التأويل ولا يغوصون وراء المعاني الدقيقة ، ولا يكلفون أنفسهم عناء البحث عن أهداف القرآن وأسراره ، بل يقفون عند حرفية ألفاظه ، وينظرون إلى الآيات نظرة سطحية ، وربما كانت الآية لا تنطبق على ما يقصدون إليه ، ولا تتصل بالموضوع الذي يستدلون بها عليه ، لأنهم فهموا ظاهرا معطلا ، وأخذوا بفهم غير مراد 0
ولقد يعجب الإنسان ويدهش عند ما يقرأ ما للقوم من سخافات في فهمهم لبعض نصوص القرآن ، أوقعهم فيها التنطع والتمسك بظواهر النصوص، ولكي لا أتهم بالقسوة في حكمي هذا ، أضع بين يدي القارئ الكريم بعض ما جاء عن القوم ، حتى لا يجد مفرا من الحكم عليهم بمثل ما حكمت به 0
( روي أن عبيدة بن هلال اليشكري اتهم بامرأة حداد رأوه يدخل منزله بغير إذنه " فأتوا قطريا (6) فذكروا ذلك له ، فقال لهم : إن عبيدة من الدين بحيث علمتم ، ومن الجهاد بحيث رأيتم ، فقالوا : إنا لا نقاره على الفاحشة ، فقال : انصرفوا 00 ثم بعث إلى عبيدة فأخبره وقال : إنا لا نقار على الفاحشة ، فقال : بهتوني يا أمير المؤمنين فما تري ؟ قال : إني جامع بينك وبينهم ؛ فلا تخضع خضوع المذنب ، ولا تتطاول تطاول البرئ ، فجمع بينهم فتكلموا ، فقام عبيدة فقال بسم الله الرحمن الرحيم { إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم 000} الآيات (11وما بعدها من سورة النور ) فبكوا وقاموا إليه فاعتنقوه وقالوا : استغفر لنا 00 ففعل)(7)0
ويروي أن واصل بن عطاء وقع هو وبعض أصحابه في يد الخوارج فقال لأصحابه : اعتزلوا ودعوني وإياهم ـ وكانوا قد أشرفوا على العطب ـ فقالوا : شأنك 00 فخرج إليهم فقالوا : ما أنت وأصحابك ؟ قال : مشركون مستجيرون ليسمعوا كلام الله ويعفروا حدوده 0 فقالوا : قد أجرناكم ، قال : فعلمونا : فجعلوا يعلمونه أحكامهم ، وجعل يقول : قد قبلت أنا ومن معي 0 قالوا فامضوا مصاحبين فإنكم إخواننا 0 قال : ليس ذلك لكم 0 قال الله تعالي { وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه} ( التوبة 6) فأبلغونا مأمننا ، فنظر بعضهم إلى بعض ثم قالوا : ذلك لكم ، فساروا بأجمعهم حتى بلغوهم المأمن (8) 0
ومن الخوارج من أداه تمسكه بظاهر النصوص إلى أن قال ( لو أن رجلا أكل من مال يتيم فلسين وجبت له النار ، لقوله تعالي في الآية 10 من سورة النساء { إن الذين يأكلون أموال اليتامي ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا } ولو قتل اليتيم أو بقر بطنه لم تجب له النار ، لأن الله لم ينص على ذلك (9)0
وهذا هو ميمون العجردي زعيم الميمونية (10) من الخوارج ، يرى جواز نكاح بنات الأولاد وبنات أولاد الإخوة والأخوات ويستدل على ذلك فيقول: ( إنما ذكر الله تعالي في تحريم النساء بالنسب الأمهات ، والبنات والأخوات والعمات ، والخالات ، وبنات الأخ ، وبنات الأخت ، ولم يذكر بنات البنات ولا بنات البنين ، ولا بنات أولاد الإخوة ولا بنات أولاد الأخوات )(11)
ويروي أن رجلا من الإباضية أضاف جماعة من أهل مذهبه ، وكانت له جارية على مذهبه قال لها : قدمي شيئا فأبطأت ، فحلف ليبيعها من الأعراب، فقيل له : تبيع جارية مؤمنة من قوم كفار ، فقال { وأحل الله البيع وحرم الربا} ( في الآية (275) من سورة البقرة ) 0
وأيضا نرى أن الخوارج خرجوا على عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها ، وقالوا : لم خرجت من بيتها ، والله تعالي يقول : { وقرن في بيوتكن} (في الآية (33) من سورة الأحزاب) 0
وأيضا فإن الأزارقة قالوا : من قذف امرأة محصنة فعليه الحد ، ومن قذف رجلا محصنا فلا حد عليه 00 وهذا لأن الله تعالي نص على حد قاذف المحصنات ، ولم ينص على حد قاذف المحصنين 0
وقالوا ـ أيضا ـ بأن سارق القليل يجب عليه القطع (12) ، أخذا بظاهر قوله تعالي في الآية (38) من سورة المائدة { والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاءا بما كسبا نكالا من الله } 0
وغير هذا كثير نجده في بطون الكتب ، وهو لا يدع مجالا للشك في أن الخوارج قوم سطحيون في فهمهم لآيات القرآن الكريم 0 وإدراك معانيه 0
=======
1- د/ الذهبي - التفسير والمفسرون 2/300 وما بعدها.
2- نسبة إلى راسب 0 حي من الأزد.
3- انظر شرح نهج البلاغة،ابن أبي الحديد المجلد الثاني ص 307، 308.
4- ،، ،، ،، ،، ، ،، ،، ،، المجلد الأول ص 382
5- د/ الذهبي - التفسير والمفسرون 2/310 وما بعدها.
6- هو قطري بن الفجاءة الزعيم الثالث للإزارقة.
7- الكامل للمبرد ج2 ص 236.
8- الكامل للمبرد ج2 ص 106.
9- تلبيس ابليس ص 95.
10- يعدهم صاحب الفرق بين الفرق من غير فرق المسلمين.
11- البغدادي - الفرق بين الفرق ص 264 ـ 465.
12- التبصير في الدين، ص35، 36، 29.
سلطان المذهب يغلب على الخوارج في فهم القرآن :
والذي يقرأ تاريخ الخوارج ، ويقرأ ما لهم من أفكار تفسيرية ، يري أن المذهب قد سيطر على عقولهم ، وتحكم فيها ، فأصبحوا لا ينظرون إلى القرآن إلا على ضوئه ، ولا يدركون شيئا من معانيه إلا تحت تأثير سلطانه ، ولا يأخذون منه إلا بقدر ما ينصر مبادئهم ويدعو إليها.
فمثلا نري أن أكثر الخوارج يجمعون على أن مرتكب الكبيرة كافر، ومخلد في نار جهنم ، ونقرأ في الكتب التي تكلمت عن الخوارج فنجد ابن أبي الحديد ـ وهو ممن تعرض لهم في كتابه ( شرح نهج البلاغة ) ـ يسوق لنا أدلتهم التي أخذوها من القرآن ، وبنوا عليها رأيهم في مرتكب الكبيرة ، كما نجده يناقش هذه الأدلة ، ويفندها دليلا بعد دليل ، ونري أن نمسك عن مناقشة ابن أبي الحديد لهذه الأدلة ، ويكفي أن نسوق للقارئ الكريم هذه الآيات التي استندوا إليها ، ووجهة نظرهم فيها ؛ فهي التي تعنينا في هذا البحث ، وهي التي ترينا إلى أي حد تأثر الخوارج بسلطان العقيدة في فهم نصوص القرآن 000 فمن هذه الأدلة ما يأتي : قوله تعالي : { ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ، ومن كفر فإن الله غني عن العالمين } قالوا : فجعل تارك الحج كافرا.
ومنها قوله تعالي في الآية (87) من سورة يوسف { إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون } قالوا : والفاسق ـ لفسقه وإصراره عليه آيس من روح الله ، فكان كافرا 0
ومنها قوله تعالي في الآيات (44) من سورة المائدة : { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون } قالوا : وكل مرتكب للذنوب فقد حكم بغير ما أنزل الله 0
ومنها قوله تعالي في الآية (14 و 15 و 16) من سورة الليل {فأنذرتكم نارا تلظي ,لايصلاها إلا الأشقي, الذي كذب وتولي } قالوا : وقد اتفقنا مع المعتزلة على أن الفاسق يصلي النار ، فوجب أن يسمي كافرا 0
ومنها قوله تعالي في الآية (106) من سورة آل عمران { يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون } قالوا : والفاسق لا يجوز أن يكون ممن ابيضت وجوههم ، فوجب أن تكون ممن اسودت ، ووجب أن يسمي كافرا ؛ لقوله بما كنتم تكفرون " –
ومنها قوله تعالي في الآيات (38) وما بعدها إلى آخر سورة عبس {وجوه يومئذ مسفرة 0 ضاحكة مستبشرة 0 ووجوه يومئذ عليها غبرة0 ترهقها قترة أولئك هم الكفرة الفجرة } قالوا : والفاسق على وجهه غبرة ، فوجب أن يكون من الكفرة الفجرة 0
ومنها قوله تعالي في الآية (17) من سورة سبأ { ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور } قالوا : والفاسق لابد أن يجازي ، فوجب أن يكون كفورا 0
ومنها قوله تعالي في الآية (42) من سورة الحجر { إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين } وقال في الآية (100) من سورة النحل { إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون} قالوا: فجعل الغاوي الذي يتبعه مشركا 0
ومنها قوله تعالي في الآية (20) من سورة السجدة { وأما الذين فسقوا فمأواهم النار كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون } قالوا : فجعل الفاسق مكذبا 0
ومنها قوله تعالي في الآية (33) من سورة الأنعام { 000 ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون } قالوا : فأثبت الظالم جاحدا ، وهذه صفة الكفار0
ومنها قوله تعالي في الآية (55) من سورة النور { ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون} 0
ومنها قوله تعالي في الآيات (102، 103 ، 104 ، 105 ) من سورة المؤمنون { فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ، ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون 0 تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون 0 ألم تكن آياتي تتلي عليكم فكنتم بها تكذبون } قالوا: فنص سبحانه على أن من تخف موازينه يكون مكذبا ، والفاسق تخف موازينه فكان مكذبا ، وكل مكذب كافر 0
ومنها قوله تعالي في الآية (2) من سورة التغابن { هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن } 0 وهذا يقتضي أن من لا يكون مؤمنا فهو كافر ، والفاسق ليس بمؤمن ، فوجب أن يكون كافرا (3)0
هذه بعض الآيات التي تمسك بها الخوارج في موقفهم من مرتكب الكبيرة الذي لم يتب ، والتي حسبوا أنها حجج دامغة لمذهب مخالفيهم من المسلمين 0 ولا يسع الذي يعرف سياق هذه الآيات وسباقها ، ويعرف الآيات والأحاديث الواردة في شأن عصاة المؤمنين ، ويتأمل قليلا في هذه التخريجات والإستنتاجات التي يقولون بها ، لا يسعه بعد هذا كله : إلا أن يحكم بأن القوم متعصبون ومندفعون بدافع العقيدة ، وسلطان المذهب 0
وهناك نصوص من القرآن استغلها أفراد من الخوارج ، لتدعيم مبادئهم التي يشذون بها عمن عداهم من بعض فرق الخوارج ، وهي في مظهرها التفسيري أكثر تعصبا ، وأبلغ تعنتا ، فمن ذلك : أن نافع بن الأزرق كان لا يري جواز التقية التي هي في الأصل من مبادئ الشيعة ، ويستدل على حرمتها بقوله تعالي فقي الآية (77) من سورة النساء { 000 إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله }
ويري نجدة بن عامر جواز التقية ، ويستدل على ذلك بقوله تعالي في الآية (28) من سورة غافر { وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه}0
وأظهر من هذا : أن نجدة بن عامر كان لا يصوب نافع بن الأزرق فيما يقول به من إكفار القعدة ، واستحلال قتل أطفال مخالفيه ، وعدم رد الأمانات إلى مخالفيه ، وغير ذلك من آرائه التي شذ بها ، فأرسل نجدة إلي نافع رسالة يقول له فيها : ( 000 وأكفرت الذين عذرهم الله تعالي في كتابه من قعدة المسلمين وضعفتهم 0 قال الله عز وجل ـ وقوله الحق ووعده الصدق : { ليس على الضعفاء ولا على المرضي ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله } ، ثم سماهم ـ تعالي ـ أحسن الأسماء فقال :{ما على المحسنين من سبيل } [ التوبة : 9] ، ثم استحللت قتل الأطفال وقد نهي رسول الله صلي الله عليه وسلم عن قتلهم ، وقال الله جل ثناؤه { ولا تزر وازرة وزر أخري } [ الأنعام 314] ، وقال سبحانه في القعدة خيرا فقال { وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما } ، فتفضيله المجاهدين على القاعدين لا يدفع منزلة من دون المجاهدين 00 أو ما سمعت قوله تعالي { لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر} [ النساء 95] فجعلهم من المؤمنين ، ثم إنك لا تؤدي الأمانة إلى من خالفك والله تعالي قد ِأمر أن تؤدي الأمانات إلى أهلها ، فاتق الله في نفسك ؛ واتق يوما لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا ، فإن الله بالمرصاد ، وحكمه العدل ، وقوله الفصل 0 والسلام ) 0
فرد عليه نافع بكتاب جاء فيه : ( 000 وعبت ما دنت به من إكفار القعدة وقتل الأطفال ، واستحلال الأمانة من المخالفين ، وسأفسر لك إن شاء الله 0
أما هؤلاء القعدة ، فليسوا كمن ذكرت ممن كان على عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم ، لأنهم كانوا بمكة مقهورين محصورين لا يجدون إلى الهرب سبيلا ، ولا إلي الإتصال بالمسلمين طريقا ، وهؤلاء قد تفقهوا في الدين وقرءوا القرآن والطريق لهم نهج واضح ، وقد عرفت ما قاله الله تعالي فيمن كان مثلهم إذ قالوا { كنا مستضعفين في الأرض } ، فقال : { ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها } [ النساء 97] ، وقال سبحانه: { فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله } [ التوبة 8] 0 وقال : { وجاء المعذرون من الأعراب ليؤذن لهم } فخبر بتعذيرهم ، وأنهم كذبوا الله ورسوله ، ثم قال : { سيصيب الذين كفروا منهم عذاب أليم } [ التوبة 90] ، فانظر إلى أسمائهم وسماتهم 0
وأما الأطفال ، فإن نوحا نبي الله كان أعلم بالله مني ومنك ، وقد قال {رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا ، إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا } [ نوح 26 ، 27] فسماهم بالكفر ، وهم أطفال وقبل أن يولدوا ، فكيف كان ذلك في قوم نوح ولا نقوله في قومنا 00 والله تعالي يقول { أكفاركم خير من أولئكم أم لكم براءة في الزبر } [ القمر 43] ، وهؤلاء كمشركي العرب لا يقبل منهم جزية ، وليس بيننا وبينهم إلا السيف أو الإسلام 0
وأما استحلال أمانات من خالفنا ، فإن الله تعالي أحل لنا أموالهم كما أحل دماءهم لنا ، فدماؤهم حلال طلق وأموالهم فئ المسلمين 000) (4)0
مدى فهم الخوارج لنصوص القرآن :(5)
إن الخوارج عندما ينظرون إلى القرآن لا يتعمقون في التأويل ولا يغوصون وراء المعاني الدقيقة ، ولا يكلفون أنفسهم عناء البحث عن أهداف القرآن وأسراره ، بل يقفون عند حرفية ألفاظه ، وينظرون إلى الآيات نظرة سطحية ، وربما كانت الآية لا تنطبق على ما يقصدون إليه ، ولا تتصل بالموضوع الذي يستدلون بها عليه ، لأنهم فهموا ظاهرا معطلا ، وأخذوا بفهم غير مراد 0
ولقد يعجب الإنسان ويدهش عند ما يقرأ ما للقوم من سخافات في فهمهم لبعض نصوص القرآن ، أوقعهم فيها التنطع والتمسك بظواهر النصوص، ولكي لا أتهم بالقسوة في حكمي هذا ، أضع بين يدي القارئ الكريم بعض ما جاء عن القوم ، حتى لا يجد مفرا من الحكم عليهم بمثل ما حكمت به 0
( روي أن عبيدة بن هلال اليشكري اتهم بامرأة حداد رأوه يدخل منزله بغير إذنه " فأتوا قطريا (6) فذكروا ذلك له ، فقال لهم : إن عبيدة من الدين بحيث علمتم ، ومن الجهاد بحيث رأيتم ، فقالوا : إنا لا نقاره على الفاحشة ، فقال : انصرفوا 00 ثم بعث إلى عبيدة فأخبره وقال : إنا لا نقار على الفاحشة ، فقال : بهتوني يا أمير المؤمنين فما تري ؟ قال : إني جامع بينك وبينهم ؛ فلا تخضع خضوع المذنب ، ولا تتطاول تطاول البرئ ، فجمع بينهم فتكلموا ، فقام عبيدة فقال بسم الله الرحمن الرحيم { إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم 000} الآيات (11وما بعدها من سورة النور ) فبكوا وقاموا إليه فاعتنقوه وقالوا : استغفر لنا 00 ففعل)(7)0
ويروي أن واصل بن عطاء وقع هو وبعض أصحابه في يد الخوارج فقال لأصحابه : اعتزلوا ودعوني وإياهم ـ وكانوا قد أشرفوا على العطب ـ فقالوا : شأنك 00 فخرج إليهم فقالوا : ما أنت وأصحابك ؟ قال : مشركون مستجيرون ليسمعوا كلام الله ويعفروا حدوده 0 فقالوا : قد أجرناكم ، قال : فعلمونا : فجعلوا يعلمونه أحكامهم ، وجعل يقول : قد قبلت أنا ومن معي 0 قالوا فامضوا مصاحبين فإنكم إخواننا 0 قال : ليس ذلك لكم 0 قال الله تعالي { وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه} ( التوبة 6) فأبلغونا مأمننا ، فنظر بعضهم إلى بعض ثم قالوا : ذلك لكم ، فساروا بأجمعهم حتى بلغوهم المأمن (8) 0
ومن الخوارج من أداه تمسكه بظاهر النصوص إلى أن قال ( لو أن رجلا أكل من مال يتيم فلسين وجبت له النار ، لقوله تعالي في الآية 10 من سورة النساء { إن الذين يأكلون أموال اليتامي ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا } ولو قتل اليتيم أو بقر بطنه لم تجب له النار ، لأن الله لم ينص على ذلك (9)0
وهذا هو ميمون العجردي زعيم الميمونية (10) من الخوارج ، يرى جواز نكاح بنات الأولاد وبنات أولاد الإخوة والأخوات ويستدل على ذلك فيقول: ( إنما ذكر الله تعالي في تحريم النساء بالنسب الأمهات ، والبنات والأخوات والعمات ، والخالات ، وبنات الأخ ، وبنات الأخت ، ولم يذكر بنات البنات ولا بنات البنين ، ولا بنات أولاد الإخوة ولا بنات أولاد الأخوات )(11)
ويروي أن رجلا من الإباضية أضاف جماعة من أهل مذهبه ، وكانت له جارية على مذهبه قال لها : قدمي شيئا فأبطأت ، فحلف ليبيعها من الأعراب، فقيل له : تبيع جارية مؤمنة من قوم كفار ، فقال { وأحل الله البيع وحرم الربا} ( في الآية (275) من سورة البقرة ) 0
وأيضا نرى أن الخوارج خرجوا على عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها ، وقالوا : لم خرجت من بيتها ، والله تعالي يقول : { وقرن في بيوتكن} (في الآية (33) من سورة الأحزاب) 0
وأيضا فإن الأزارقة قالوا : من قذف امرأة محصنة فعليه الحد ، ومن قذف رجلا محصنا فلا حد عليه 00 وهذا لأن الله تعالي نص على حد قاذف المحصنات ، ولم ينص على حد قاذف المحصنين 0
وقالوا ـ أيضا ـ بأن سارق القليل يجب عليه القطع (12) ، أخذا بظاهر قوله تعالي في الآية (38) من سورة المائدة { والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاءا بما كسبا نكالا من الله } 0
وغير هذا كثير نجده في بطون الكتب ، وهو لا يدع مجالا للشك في أن الخوارج قوم سطحيون في فهمهم لآيات القرآن الكريم 0 وإدراك معانيه 0
=======
1- د/ الذهبي - التفسير والمفسرون 2/300 وما بعدها.
2- نسبة إلى راسب 0 حي من الأزد.
3- انظر شرح نهج البلاغة،ابن أبي الحديد المجلد الثاني ص 307، 308.
4- ،، ،، ،، ،، ، ،، ،، ،، المجلد الأول ص 382
5- د/ الذهبي - التفسير والمفسرون 2/310 وما بعدها.
6- هو قطري بن الفجاءة الزعيم الثالث للإزارقة.
7- الكامل للمبرد ج2 ص 236.
8- الكامل للمبرد ج2 ص 106.
9- تلبيس ابليس ص 95.
10- يعدهم صاحب الفرق بين الفرق من غير فرق المسلمين.
11- البغدادي - الفرق بين الفرق ص 264 ـ 465.
12- التبصير في الدين، ص35، 36، 29.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ