الثلاثاء، 17 أبريل 2012

موسوعة علوم القرآن : العام والخاص

العام والخاص


1- كل اللفظ المنطوق به .. إما أن يستغرق ويدخل فيه كل ما يصلح له من غير حصر، وإما أن لا يكون كذلك.
فإن استغرق هذا اللفظ ودخل فيه وشمل كل ما يصلح له من غير حق: فهو العام.
        وإن لم يستغرق هذا اللفظ ولم يدخل فيه ولم يشمل كذلك كل ما يصلح له من غير حق فهو الخاص.
وعلى هذا:
فالعام: هو اللفظ المستغرق لما يصلح له من غير حق.
والخاص: هو اللفظ الذي لا يستغرق ما يصلح له من غير حق.
...............................................................
صيغ العموم
اختلف العلماء حول أ، يكون للعموم صيغة موضوعة له خاصة به تدل عليه، أولا ..؟
فذهب أكثر العملاء إلى: أن هناك صيغاً وضعت في اللغة لدلالة حقيقة على العموم، وهي ـ في ذات الوقت ـ تستعمل مجازاً فيما عداه.

ومن هذه الصيغ:

(كل) مبتدأه .. مثل قوله تعالى  كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ [آل عمران 185] أو تابعة .. مثل قوله تعالى  فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ [الحجر 30].

        ومنها: المعرف بأل التي ليست للعهد كقوله:  وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ [العصر 1، 2] أي كل إنسان، بدليل قوله بعد  إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا [العصر 3] وقوله  وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ [البقرة 275]، وقوله  وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا [المائدة 38].

        ومنها: النكرة في سياق النفي والنهي كقوله  فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ [البقرة 197]، وقوله  فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا [الإسراء 23]، أو في سياق الشرط كقوله  وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ [التوبة 6].

        ومنها: الذي والتي وفروعها كقوله وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَا [الأحقاف 17]، أي كل من قال ذلك بدليل قوله بعد بصيغة الجملع أُوْلَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ [الأحقاف 18] وقوله اللَّذَانَ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا [النساء 16] وقوله وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ [الطلاق 4].

        وأسماء الشرط كقوله تعالى فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا [البقرة 158] للعموم في العاقل، وقوله وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ [البقرة 167]، للعموم في غير العاقل، وقوله وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ [البقرة 150]، للعموم في المكان، وقوله أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى [الإسراء 110].

        ومنها: اسم الجنس المضاف إلى معرفة كقوله الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ [النور 63] أي كل أمر لله، وقوله  يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ [النساء 11].
ومنها: الجمع المضاف، كقوله  يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ [النساء 11].
وقد استدل هؤلاء العلماء هذه الصيغ بأدلة ..
أ‌- نصية.
ب‌- اجتماعية.
ت‌- معنوية.

وتوضيح ذلك فيما يلي:

أ‌- فمن الأدلة النصية قوله تعالى  وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ * قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ [هود 45، 46] ووجه الدلالة أن نوحاً عليه السالم توجه بهذا النداء تمسكاً منه بقوله تعال:  إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ [العنكبوت 33]، وأقره الله تعالى على هذا النداء، وأجابه بما دل على أنه ليس من أهله، ولولا أن إضافة الأهل إلى نوح للعموم لما صح ذلك.

        ومنها قوله تعالى: وَلَمَّا جَاءتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ * قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَن فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ [العنكبوت 31، 32] ووجه الدلالة أن إبراهيم فهم من قول الملائكة  أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ العموم، حيث ذكر، "لوطا" فأقره الملائكة على ذلك، وأجابوه بتخصيص لوط وأهله بالاستثناء، واستثناء امرأته من الناجين، وذلك كله يدل على العموم.

ب‌- ومن الأدلة الاجتماعية إجماع الصحابة على إجراء قوله تعالى: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ [النور 2] (1)، وقوله وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا [المائدة 38] (2) ونحو ذلك على العموم في كل زان وسارق.

ت‌- ومن الأدلة المعنوية، أن العموم يفهم من استعمال ألفاظه، ولو لم تكن هذه الألفاظ موضوعة له لما تبادر إلى الذين فهمه منها، كألفاظ الشرط والاستفهام والموصول.

وأننا ندرك الرق بين "كل" و "بعض" ولو كان "كل" غير مفيد للعموم لما تحقق الفرق.

        ولو قال قائل في النكرة المنفية "لا رجل في الدار" فإنه يعد كاذباً إذا قدر أنه رأى رجلاً ما، كما ورد قوله تعالى:  قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاء بِهِ مُوسَى [الأنعام 91]، تكذيباً لمن قال:  مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ [الأنعام 91] وهذا يدل على أن النكرة بعد النفي للعموم، ولو لم تكن للعموم لما كان قولنا "لا إله إلا الله" توحيداً لعدم دلالته على نفي كل إله سوى الله تعالى.

===================

(1) تخصيص الآية بغير المحضن جاء بأدلة مخصصة هي التي وردت في رجم المحصن الحر.
(2) تخصيص الآية باعتبار الحرز ومقدار المسروق جاء بأدلة مخصصة كذلك.
 
........................................................................................
أقسام العام
الأول: الباقي على عمومه، قال القضاي جلال الدين البلقييي: ومثاله عزيز، إذا ما من عام إلا ويدخل فيه التخصيص، فقوله:  يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ [الحج 1]، قد يخص .... غير المتكلف، و  حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ [المائدة 3] خص منها حالة الاضطرار، وميتة السمك والجراد، وحرم الربا خص منه العرايا.

        وذكر الزركثي في البرهان أنه كثير في القرآن وأورد منه  وَأَنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [المائدة 97]،  إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا [يونس ]،  وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا [الكهف 49]،  وَاللَّهُ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ [فاطر 11] ،  اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا [غافر 64].
قلت: هذه الآيات كلها في غير الأحكام الفرعية، فالظاهر أن مراد البلقيني أنه عزيز في الأحكام الفرعية وقد استخرجت من القرآن الكريم بعد ال.... آية فيها، وهي قوله تعالى  حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ [الإتقان 44] فإنه لا تخصيص فيها.

الثاني: العام المراد به الخصوص ـ كقوله تعالى  الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ [آل عمران 173] فالمراد بالنسا الأولى نعيم ابن مسعود، والمراد بالنسا الثانية أبو سفيان لا العموم في كل منهما، يدل على هذا قوله تعالى بعد  إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ فوقعت الإشارة بقولكم  ذَلِكُمُ إلى واحد بيعنه، ولو كان المعنى به جمعاً لقال (إنما أولئكم الشيطان) وكقوله تعالى  فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ [آل عمران 39] والمنادي جبارئيل كما في قراءة ابن مسعود وقوله  ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ [البقرة 199] والمراد بالناس إبراهيم، أو سائر العرب غير قريش.

الثالث: العام المخصوص ـ وأمثلته في القرآن كثيرة جداً وستأتي.

        ومنه قوله تعالى  وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ [البقرة 187] وقوله  وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً [آل عمران 97].
....................................................................................
الفرق بين العام المراد به الخصوص والعام المخصوص
هذا من وجوه، أهمها:-

1- أن العام المراد به الخصوص لا يراد شموله لجميع الأفراد من أول الأمر، لا من جهة تناول اللفظ، ولا من جهة الحكم، بل هو ذو أفراد استعمل في فرد واحد منها أو أكثر.

        أما العام المخصوص فأريد عمومه وشموله لجميع الأفراد من جهة تناول اللفظ لا من جهة الحكم، فالناس في قوله  الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ وإن كان عاماً إلا أنه لم يرد به لفظاً وحكماً سوى فرد واحد، أما لفظ الناس في قوله  وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ فهو عام أريد به ما يتناوله اللفظ من الأفراد. وإن كان حكم وجوب الحج لا يتناول إلا المستطيع منهم خاصة.

2- والأول مجاز قطعاً، لنقل اللفظ عن موضوعه الأصلي واستعماله في بعض أفراده، بخلاف الثاني فالأصح فيه أنه حقيقة، وعليه أكثر الشافعية،وكثر من الحنفية، وجميع الحنابلة، ونقله إمام الحرمين( ) عن جميع الفقهاء، وقال الشيخ أبو حامد الغزالي: إن مذهب الشافعي وأصحابه، وصححه السبكي، لأن تناول اللفظ للبعض الباقي بعد التخصيص كتناوله له بلا تخصيص، وذلك التناول حقيق اتفاقاً، فليكن هذا التناول حقيقياً أيضاً.

3- وقرينة الأول عقلية غالباً ولا تنفك عنه، وقرينة الثاني لفظية وقد تنفك.

4- أن العام المراد به الخصوص: يصح أن يراد به واحد اتفاقاً .. وفي الثاني: خلاف [الإتقان 45].
............................................................................
التخصيص والمخصص
والتخصيص: هو إخراج بعض ما يتناوله اللفظ العام.

والمخصص: هو الأداة المخرجة لبعض ما يتناوله اللفظ العام.
..................................................................................
أقسام المخصص
أ- مخصص متصل، وهو الي لم يفصل فيه بين العام والمخصص له بفاصل.

ب- ومخصص منفصل، وهو ما كان في موضوع آخر .. من آية أو حديث أو إجماع أو قياس.
...................................................................................
أنواع المخصص المتصل
الأول: الاستثناء كقوله تعالى وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا [النور 4، 5] وقوله إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ [المائدة 33، 34].

الثاني: الصفة: كقوله تعالى  وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ [النساء 23] فقوله  اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ صفة لنسائكم، والمعنى أن الربيبة من المرأة المدخول بها محرمة على الرجل حلال له إذا لم يدخل بها.

الثالث: الشرط: كقوله  كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ [البقرة 180] فقوله  إِن تَرَكَ خَيْرًا أي مالاً، شرط في الوصية، وقوله  وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا [النور 33]، أي قدرة على الأداء، أو أمانة وكسباً.

الرابع: الغاية: كقوله  وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ [البقرة 196] وقوله  وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ [البقرة 222].

الخامس: بدل البعض من الكل: كقوله تعالى  وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً [آل عمران 97] فقوله  مَنِ اسْتَطَاعَ بدل من، الناس، فيكون وجوب الحج خاصاً بالمستطيع.
.....................................................................
أنواع المخصص المنفصل
        الأول: فما خص بالقرآن كقوله تعالى  وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ [البقرة 228] فهو عام في كل مطلقة حاملاً كانت أو غير حامل، مدخولاً بها أو غير مدخول بها، خص بقوله وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ [الطلاق 4]، وبقوله  إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ [الأحزاب 49].

        الثاني: ما خص بالحديث كقوله تعالى: ما خص بالحديث كقوله تعالى : وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا [البقرة 275] خص من البيع البيوع الفاسدة التي ذكرت في الحديث، كما في البخاري عن ابن عمر رضي الله عنه قال "نهى رسول الله  عن عسب الفحل" وفي الصحيحيين عن ابن عمر: "أن رسو الله  نهى عن بيع حبل الحبلة" وكان بيعاً تبتاعه الجاهلية، كان الرجل يبتاع الجزور إلى أن تُنْتَج الناقة ثم تنتج التي في بطنها" ـ واللفظ للبخاري، إلى غير ذلك من الأحاديث.

        ورخص من الربا العرايا الثابتة بالنسة فإنها مباحة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه "أن رسول الله  رخص في بيع العرايا بخرصها فيما دون خمصة أوسق أو في خمسة أوسق"( ).

        الثالث: ما خص بالإجماع آية المواريث  يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ [النساء 11] خص منها بالإجماع الرقيق لأن الرق مانع من الإرث.

        الرابع: ما خص بالقياس آية الزنا  الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ [النور 2] خص منها العبد بالقياس على الأمة التي نص على تخصيصها عموما الآية في قوله تعالى  فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ [النساء 25].
..............................................................................
تخصيص القرآن
أ- بالقرآن:

        ومن أمثله قوله تعالى:  وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ [البقرة 228] خص بقوله:  إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ [الأحزاب 49]، وبقوله:  وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ [الطلاق 4].

        وقوله:  حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ [المائدة 3]، خص من الميتة السمك بقوله: أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ [المائدة 96].
ومن الدم الجامد بقوله:  أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا [الأنعام 145].

        وقوله:  وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئًا [النساء 20]، الآية.
خص بقوله تعالى:  فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ [البقرة 229].

        وقوله:  الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ [النور 2]، خص بقوله:  فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ [النساء 25].
وقوله:  فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء [النساء 3]، خص بقوله: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ [النساء 23].
12- تخصيص

ب- بالسنة

ومن قوله تعالى: أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ.

خص منه البيوع ال....، وهي كثيرة بالسّنّة.

وآيات المواريث.

خص منها القاتل والمخالف في الدين بالسنة.

وآية تحريم الميتة.

خص منها الجراد بالسنّة.

وآية  ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ.

خص منها الأمة بالسنة.

وقوله:  مَاء طَهُورًا.

خص منه المتقيد بالسنة.

وقوله:  وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ.

خص منه من سرق دون ربع دينار بالسنة.

حـ- بالإجماع

ومن أمثلته .. آية المواريث.

خص منها الرقيق، فلا يرث بالإجماع، ذكره مكي [الإتقان 3/47].

د- بالقياس:

ومن أمثلته .. آية الزنا  فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ [النور 2].

        خص منها العبيد بالقياس على الأمة المن..... في قوله تعالى  فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ [النساء 25] المخصص لعموم الآية، ذكره مكي أيضاً [الإتقان 3/47].
.............................................................................
تخصيص السنة بالقرآن
ومن أمثلته قوله تعالى:  حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ [التوبة 39].

خص عموم قوله صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله".

وقوله:  حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى [البقرة 238].

خصّ عموم نهية صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في الأوقات المكروهة بإخراج الفرائض.

وقوله:  وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا [النحل 80] الآية.

خصّ عموم قوله صلى الله عليه وسلم: "ما أبين من حي فهو ميت".

وقوله:  وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ [التوبة 60].

خص عموم قوله صلى الله عليه وسلم والسلام: "لا تحل الصفة لغني ولا لذي مرة سوىّ".

وقوله:  فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي [الحجرا ت9] الآية.

خص عموم قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا التقى المسلمان بالسيف، فالقاتل والمقتول في النار".

وقوله تعالى وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ [النحل 80].

خص عموم قوله صلى الله عليه وسلم "ما قطع من البهيمة وهي حية فهو ميت" [رواه: الشيخان].
..................................................................................
صحة الاحتجاج بالعام بعد تخصيصه فيما بقى
اختلف العلماء في صحة الاحتجاج بالعام بعد تخصيصه فيما بقى، والمختار عند المحققين صحة الاحتجاج به فيما وراء صور التخصيص( 1 )، واستدلوا على ذلك بأدلة إجماعية، وأدلة عقلية.

1- فمن أدلة الإجماع: أن فاطمة رضي الله عنها احتجت على أبي بكر رضي الله عنه في ميراثها من أبيها بعموم قوله تعالى:  يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ [النساء 11] مع أنه مخصص بالكافر والقاتل، ولم ينكر أحد من الصحابة صحة احتجاجها مع ظهوره وشهرته، فكان إجماعاً على صحة احتجاجها، ولذا عدل أبو بكر رضي الله عنه في حرمانها إلى الاحتجاج بقوله  "نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة"( 2 ).
ب- ومن الأدلة العقلية: أن العام قبل التخصيص حجة في كل واحد من أقسامه إجماعاً، والأصل بقاء ما كان فيه التخصيص بعده، إلا أن يوجد له معارض، وليس هناك معارض فيما وراء صور التخصيص، فيظل العام بعد التخصيص حجة فيما بقى.

================

(1 ) أنكر الاحتجاج به عيسى بن أبان وأبو ثور مطلقاً، وقال البلخي: إن خص بدليل متصل كالشرط والصفة والاستثناء فهو حجة، وإن خص بدليل منفصل فليس بحجة ـ انظر الآمدي ص 213 ج2.

(2 ) الحديث في الصحيحين وغيرهما.
...........................................................................................
منثورات تتعلق بالعموم والخصوص
1- إذا سيق العام للمدح أو الذم؛ فهل هو باق على عمومه؟

فيه مذاهب: أحداها: نعم؛ إذا لا صارف عنه، ولا تنافي بين العموم وبين المدح أو الذم.

والثاني: لا، لأنه لم يسَقْ للتعميم بل للمدح أو للذم.

والثالث ـ وهو الأصح: التفصيل، فيعم إن لم يعارضه عامٌ آخر لم يُسَق لذلك، ولا يعمّ إن عارضه ذلك؛ جمعاً بينهما.
مثاله يدون لا معارض قوله تعالى:  إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ [الأنفطار 13، 14].

        مع المعارض قوله تعالى  وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ [المؤمنون 3، 4]، فإنه سيق للمدح، وظاهره يعمّ الأ×تين بملك اليمين جمعاً؛
وعارضه في ذلك  وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ [النساء 23] فإنه شامل لجمعها بملك اليمين، ولم يسق للمدح.
فحمل الأول على غير ذلك بأن لم يرد تناوله له.

        ومثاله في الذم: الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ ... [التوبة 34]، فإنه سيق للذم، وظاهره يعم الحلي المباح؛
وعرضه في ذلك حديث جابر: "ليس في الحلي زكاة".
فحمل الأول على غير ذلك.

2- اختلف في الخطاب الخاص به صلى الله عليه وسلم، نحو  يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ [النساء 124]،  يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ، هل يشمل الأمة؟

فقيل:

نعم؛ لأن أمر القدوة أمر لأتباعه معه عرفاً.

والأصح في الأصول المنع لاختصاص الصيغة به.

3-اختلف في الخطاب:  يَا أَيُّهَا النَّاسُ، هل يشمل الرسول صلى الله عليه وسلم على مذاهب:
أصحها ـ وعليه الأكثرون: نعم لعموم الصيغة له؛ أخرج ابن أبي حاتم عن الزهري قال: إذ قال الله:  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ افعلوا، فالنبي صلى الله عليه وسلم منهم.

والثاني: لا، لأنه ورد على لسانه لتبليغ غيره، ولما له من الخصائص.

والثالث: إن اقترن بـ"قل" لم يشمله لظهوره في التبليغ؛ وذلك قرينة عدم شموله؛ وإلا فيشمله.

4- الأصح في الأصول أن الخطاب  يَا أَيُّهَا النَّاسُ يشمل الكافر والعبد، لعموم اللفظ.
وقيل: لا يعمّ الكافر بناء على عدم تكليفه بالفروع، ولا العبد، لصرف منافعه إلى سيده شرعاً.

5- اختلف في "من" هل تتناول الأنثى؟

        فالأصح نعم، خلافاً للحنفية، لنا قوله تعالى:  وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى [النساء 124]، فالتفسير بهما دال على تناول "من" لهما وقوله:  وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ [الأحزاب 31].

واختلف في جمع المؤنث السالم هل يتناولها؟

فالأصح لا، وإنما يدخلن فيه بقرينة.

أما المكسر فلا خلاف في دخولهن فيه.


6- اختلف في الخطاب  يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هل يشمل المؤمنين؟

فالأصح لا، لأن اللفظ قاصر على من ذكر.

وقيل: إن شركوهم في المعنى شملهم؛ وإلا فلا.

واختلف في الخطاب  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ، هل يشمل أهل الكتاب؟

فقيل: لا، بناء على أنهم غير مخاطبين بالفروع.

وقيل: نعم؛ واختاره ابن السمعاني، قال: وقوله يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ خطاب تشريف لا تخصيص.
 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ