المكى والمدنى
للعلماء في معنى المكي والمدني اصطلاحات ثلاثة :
الأول :
وهو أشهرها ـ أن المكي ما نزل قبل الهجرة ، والمدني ما نزل بعد الهجرة ، سواء نزل بالمدينة أم بمكة أم بسفر من الأسفار ـ أخرج عثمان بن سعيد الرازي بسنده إلى يحيي بن سلام قال : ما نزل بمكة وما نزل في طريق المدينة ، قبل أن يبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فهو من المكي .
وهذا الاصطلاح لوحظ فيه الزمان ، وهو تقسيم صحيح ؛
لأنه ضابط حاصر ومطرد . وعليه فآية " اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا " مدنية وإن كانت نازلة في يوم عرفة عام حجة الوداع . وآية " إن الله يأمركم أن تؤادوا الأمانات إلى أهلها " مدنية مع أنها نزلت في جوف الكعبة عام الفتح.
الثاني :
أن المكي ما نزل بمكة ولو بعد الهجرة ، والمدني ما نزل بالمدينة ويدخل في مكة ضواحيها كمنى وعرفات والحديبية ، ويدخل في المدينة ضواحيها كبدر وأحد ـ وهذا التعريف لوحظ فيه المكان ، وعليه فسورة الفتح مكية لأنها نزلت بالحديبية أو منصرفة منها.
ويرد على هذا التعريف أنه غير حاصر ؛
لأنه يثبت الواسطة ، وهذا غير مغتفر في التقسيم ، لأن شرطه أن يكون ضابطا حاصرا.
والثالث :
أن المكي ما وقع خطابا لأهل مكة ،
وأن المدني ما وقع خطابا لأهل المدينة ـ
وعليه يحمل قول ابن مسعود " كل شئ نزل فيه (يأيها الناس) فهو بمكة ، وكل شئ نزل فيه ( يأيها الذين آمنوا) فهو بالمدينة " وذلك لأن أهل مكة يغلب عليهم الكفر ، فخوطبوا بيأيها الذين آمنوا ، وإن كان غيرهم داخلا فيهم (11) ولنا أن نقول إن كلام ابن مسعود على هذا القول لا يصح ، لأن كلامه في صيغتين خاصتين من صيغ الخطاب ، لا في مطلق خطاب كما هو صريح هذا القول ، فكيف يكون الأخص عين الأعم ، فهو يجعل الضابط مطلب خطاب فلا يكون ما نسب إليه مع اختصاصه بهاتين الصيغتين هو نفس هذا القول لأنه أعم منه ، بل يكون ضابطا جزئيا مقصورا على هاتين الصيغتين إن وجد دل على كون السورة مكية أو مدنية وإلا فلا ، بخلاف هذا القول فإنه عام في صيغ الخطاب كلها.
وهذا القول في ذاته غير صحيح ،
ويرد عليه أن هناك آيات مدنية صدرت بـ ( يأيها الناس ) وهناك آيات مكية صدرت بـ ( يأيها الذين آمنوا ) ـ وأيضا فهناك سور تخاطب الرسول كالكوثر والمعوذتين وغيرها ، فتكون هذه السور خارجة عن هذا الضابط .
ومما سبق من النقد الوارد على القول الثاني والثالث ،
يتبين أنهما غير حاصرين لجميع أجزاء القرآن ، ولا ريب أن عدم الحصر في التقسيم يترك واسطة لا تدخل في أحد التقسيمين ، وهذا يخل بالمقصود الأول من التقاسيم وهو الضبط والحصر . ويبقى التعرف الأول وهو حاصر لجميع الأجزاء ، فيكون هو الصحيح ، وهو الذي يوافق ما كان يقصده الصحابة بهذين اللفظين ، من نحو قولهم نزلت سورة كذا بمكة وسورة كذا بالمدينة ، أو نزل كذا من السور بالمدينة وكذا من السور بمكة ـ وقصدهم من هذا أن ما نزل بمكة نزل والنبي صلى الله عليه وسلم مقيم بها قبل الرحيل عنها ، وأن ما نزل بالمدينة نزل والنبي صلى الله عليه وسلم مقيم بها .
الأول :
وهو أشهرها ـ أن المكي ما نزل قبل الهجرة ، والمدني ما نزل بعد الهجرة ، سواء نزل بالمدينة أم بمكة أم بسفر من الأسفار ـ أخرج عثمان بن سعيد الرازي بسنده إلى يحيي بن سلام قال : ما نزل بمكة وما نزل في طريق المدينة ، قبل أن يبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فهو من المكي .
وهذا الاصطلاح لوحظ فيه الزمان ، وهو تقسيم صحيح ؛
لأنه ضابط حاصر ومطرد . وعليه فآية " اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا " مدنية وإن كانت نازلة في يوم عرفة عام حجة الوداع . وآية " إن الله يأمركم أن تؤادوا الأمانات إلى أهلها " مدنية مع أنها نزلت في جوف الكعبة عام الفتح.
الثاني :
أن المكي ما نزل بمكة ولو بعد الهجرة ، والمدني ما نزل بالمدينة ويدخل في مكة ضواحيها كمنى وعرفات والحديبية ، ويدخل في المدينة ضواحيها كبدر وأحد ـ وهذا التعريف لوحظ فيه المكان ، وعليه فسورة الفتح مكية لأنها نزلت بالحديبية أو منصرفة منها.
ويرد على هذا التعريف أنه غير حاصر ؛
لأنه يثبت الواسطة ، وهذا غير مغتفر في التقسيم ، لأن شرطه أن يكون ضابطا حاصرا.
والثالث :
أن المكي ما وقع خطابا لأهل مكة ،
وأن المدني ما وقع خطابا لأهل المدينة ـ
وعليه يحمل قول ابن مسعود " كل شئ نزل فيه (يأيها الناس) فهو بمكة ، وكل شئ نزل فيه ( يأيها الذين آمنوا) فهو بالمدينة " وذلك لأن أهل مكة يغلب عليهم الكفر ، فخوطبوا بيأيها الذين آمنوا ، وإن كان غيرهم داخلا فيهم (11) ولنا أن نقول إن كلام ابن مسعود على هذا القول لا يصح ، لأن كلامه في صيغتين خاصتين من صيغ الخطاب ، لا في مطلق خطاب كما هو صريح هذا القول ، فكيف يكون الأخص عين الأعم ، فهو يجعل الضابط مطلب خطاب فلا يكون ما نسب إليه مع اختصاصه بهاتين الصيغتين هو نفس هذا القول لأنه أعم منه ، بل يكون ضابطا جزئيا مقصورا على هاتين الصيغتين إن وجد دل على كون السورة مكية أو مدنية وإلا فلا ، بخلاف هذا القول فإنه عام في صيغ الخطاب كلها.
وهذا القول في ذاته غير صحيح ،
ويرد عليه أن هناك آيات مدنية صدرت بـ ( يأيها الناس ) وهناك آيات مكية صدرت بـ ( يأيها الذين آمنوا ) ـ وأيضا فهناك سور تخاطب الرسول كالكوثر والمعوذتين وغيرها ، فتكون هذه السور خارجة عن هذا الضابط .
ومما سبق من النقد الوارد على القول الثاني والثالث ،
يتبين أنهما غير حاصرين لجميع أجزاء القرآن ، ولا ريب أن عدم الحصر في التقسيم يترك واسطة لا تدخل في أحد التقسيمين ، وهذا يخل بالمقصود الأول من التقاسيم وهو الضبط والحصر . ويبقى التعرف الأول وهو حاصر لجميع الأجزاء ، فيكون هو الصحيح ، وهو الذي يوافق ما كان يقصده الصحابة بهذين اللفظين ، من نحو قولهم نزلت سورة كذا بمكة وسورة كذا بالمدينة ، أو نزل كذا من السور بالمدينة وكذا من السور بمكة ـ وقصدهم من هذا أن ما نزل بمكة نزل والنبي صلى الله عليه وسلم مقيم بها قبل الرحيل عنها ، وأن ما نزل بالمدينة نزل والنبي صلى الله عليه وسلم مقيم بها .
...................................................................................
أنواع المكي والمدني
وأهم الأنواع التى يتدارسها العلماء فى هذا المجال :
1ـ ما نزل بمكة
2ـ ما نزل بالمدينة
3ـ ما اختلف فيه
4ـ الآيات المكية في السور المدنية
5ـ الآيات المدنية في السور المكية
6ـ ما نزل بمكة وحكمه مدني
7ـ ما نزل بالمدينة وحكمه مكي
8ـ ما يشبه نزول المكي في المدني
9ـ ما يشبه نزول المدني في المكي
10ـ ما حمل من مكة إلى المدينة
11ـ ما حمل من المدينة إلى مكة
12ـ ما نزل ليلا وما نزل نهارا
13ـ ما نزل صيفا وما نزل شتاء
14ـ ما نزل في الحضر وما نزل في السفر.
فهذه أنواع أساسية ، يرتكز محورها على المكي والمدني ، ولذا سمى هذا " بعلم المكي والمدني" .
أمثلة : ـ
1 ـ أقرب ما قيل في تعداد السور المدنية إلى الصحة ، أنها سور :
ـ 1ـ البقرة ـ 2ـ آل عمران ـ 3ـ النساء ـ 4ـ المائدة ـ 5ـ الأنفال ـ 6ـ التوبة ـ 7ـ النور ـ 8ـ الأحزاب ـ 9ـ محمد ـ 10ـ الفتح ـ 11ـ الحجرات ـ 12ـ الحديد ـ 13ـ المجادلة ـ 14ـ الحشر ـ 15ـ الممتحنة ـ 16ـ الجمعة ـ 17ـ المنافقون ـ 18ـ الطلاق ـ 19ـ التحريم ـ 20ـ النصر.
2- وأن المختلف فيه اثنتا عشرة سورة : ـ 1ـ الفاتحة ـ 2ـ الرعد ـ 3ـ الرحمن ـ 4ـ الصف ـ 5ـ التغابن ـ 6ـ التطفيف ـ 7ـ القدر ـ 8ـ البينة ـ 9ـ الزلزلة ـ 10ـ الإخلاص ـ 11ـ الفلق ـ 12ـ الناس .
3- وأن ما سوى ذلك مكي . وهو اثنتان وثمانون سورة ، فيكون مجموع سور القرآن مائة وأربع عشرة سورة .
4ـ الآيات المكية في السور المدنية : لا يقصد بوصف السورة بأنها مكية أو مدنية أنها بأجمعها كذلك ، فقد يكون في المكية بعض آيات مدنية ، وفي المدنية بعض آيات مكية ، ولكنه وصف أغلبي حسب أكثر آياتها ، ولذا يأتي في التسمية : سورة كذا مكية إلا كذا فإنها مدنية ، وسورة كذا مدنية إلا آية كذا فإنها مكية ـ كما نجد ذلك في المصاحف.
ومن أمثلة الآيات المكية في السور المدنية "سورة الأنفال" مدنية، واستثنى منها كثير من العلماء قوله تعالى ( وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين ) (30ـ الأنفال ) قال مقاتل في هذه الآية : نزلت بمكة ، وظاهرها كذلك ، لأنها تضمنت ما كان من المشركين في دار الندوة عند تآمرهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة . واستثنى بعضهم كذلك (يأيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين ) ( 64 ـ الأنفال ) لما أخرجه البزار عن ابن عباس أنها نزلت لما أسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه .
5ـ الآيات المدنية في السور المكية ، ومن أمثلة الآيات المدنية في السور المكية " سورة الأنعام " قال ابن عباس نزلت بمكة جملة واحدة . فهي مكية إلا ثلاث آيات منها نزلت بالمدينة ( قل تعالوا أتل ... إلى تمام الآيات الثلاث ـ 151 ـ 153 ـ الأنعام ) ، و " سورة الحج" مكية سوى ثلاث آيات نزلت بالمدينة ، من أول قوله تعالى ( هذان خصمان اختصموا في ربهم .. ـ 19ـ الحج ) .
6ـ ما نزل بمكة وحكمه مدني . ويمثلون له بقوله تعالى ( يأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم إن الله عليم خبير) ( 13ـ الحجرات ) فإنها نزلت بمكة يوم الفتح ، وهي مدنية لأنها نزلت بعد الهجرة ، والخطاب فيها عام ، ومثل هذا لا يسميه العلماء مكيا ، كما لا يسمونه مدنيا على وجه التعيين ، بل يقولون فيه : ما نزل بمكة وحكمه مدني.
7ـ ما نزل بالمدينة وحكمه مكي : ويمثلون له بسورة الممتحنة ، فإنها نزلت بالمدينة ، فهي مدنية باعتبار المكان ، ولكن الخطاب في ثناياها توجه إلى مشركي أهل مكة ... ومثل هذا صدر سورة براءة نزل بالمدينة ، والخطاب فيه لمشركي أهل مكة .
8ـ ما يشبه نزول المكي في المدني : ـ ويعني العلماء به ما كان في السور المدنية من آيات جاء أسلوبها في خصائصه وطابعه العام على نمط السور المكية ، ومن أمثلته قوله تعالى في سورة الأنفال ـ وهي مدنية ( وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم 32ـ الأنفال ) فإن استعجال المشركين للعذاب كان بمكة .
9ـ ما يشبه نزول المدني في المكي : ويعني العلماء به ما يقابل النوع السابق ، ويمثلوه له بقوله تعالى في سورة النجم ( الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم 32 ـ النجم ) قال السيوطي : فإن الفواحش كل ذنب فيه حد ، والكبائر كل ذنب عاقبته النار ، واللمم ما بين الحدين من الذنوب ولم يكن بمكة حد ولا نحوه (4).
10ـ ما حمل من مكة إلى المدينة : ومن أمثلته سورة " سبح اسم ربك الأعلى " أخرج البخاري عن البراء بن عازب قال : أول من قدم علينا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : مصعب بن عمير ، وابن أم مكتوم ، فجعلا يقرئاننا القرآن . ثم جاء عمار وبلال وسعد ، ثم جاء عمر بن الخطاب في عشرين . ثم جاء النبي صلى الله عليه وسلم، فما رأيت أهل المدينة فرحوا بشئ فرحهم به ، فما جاء حتى قرأت (سبح اسم ربك الأعلى) في سور مثلها " وهذا المعنى يصدق على كل ما حمله المهاجرون من القرآن وعلموه الأنصار.
11ـ ما حمل من المدينة إلى مكة : ومن أمثلته أول سورة براءة ، حيث أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر على الحج في العام التاسع . فلما نزل صدر سورة براءة حمله رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب ليلحق بأبي بكر حتى يبلغ المشركين به . فأذن فيهم بالآيات وأبلغهم ألا يحج بعد العام مشرك .
12ـ ما نزل ليلا وما نزل نهارا : أكثر القرآن نزل نهارا أما ما نزل بالليل فقد تتبعه أبو القاسم الحسن بن محمد بن حبيب النيسابوري واستخرج له أمثلة منها : أواخر آل عمران ، أخرج ابن حبان في صحيحة ، وابن المنذر ، وابن مردويه وابن أبي الدنيا عن عائشة رضي الله عنها : أن بلالا أتى النبي صلى الله عليه وسلم يؤذنه لصلاة الصبح فوجده يبكي ، فقال : يا رسول الله ما يبكيك ؟ قال : وما يمنعني أن أبكي وقد أنزل على هذه الليلة ( إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب ) ( 190ـ آل عمران ) ثم قال: ويل لمن قرأها ولم يتفكر " ومنها : آية الثلاثة الذين خلقوا ، ففي الصحيحين من حديث كعب " فأنزل الله توبتنا حين بقى الثلث الأخير من الليل (5) ومنها : أول سورة الفتح ، ففي البخاري من حديث عمر "لقد نزلت على الليلة سورة هي أحب إلى مما طلعت عليه الشمس ، فقرأ ( إنا فتحنا لك فتحا مبينا ) " .
13ـ ما نزل صيفا وما نزل شتاء : ويمثل العلماء لما نزل صيفا بآية الكلالة التي في آخر سورة النساء ، ففي صحيح مسلم عن عمر : "ما راجعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في شئ ما راجعته في الكلالة ، وما أغلظ في شئ ما أغلظ لي فيه ، حتى طع، بإصبعه في صدري وقال يا عمر : ألا تكفيك آية الصيف التي في آخر سورة النساء ؟ " (6) . ومن أمثلته الآيات التي نزلت في غزوة تبوك ، فإنها كانت في الصيف في شدة الحر كما في القرآن نفسه (7).
ويمثلون للشتائي بآيات حديث الإفك في سورة النور ( إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم ... إلى قوله تعالى : لهم مغفرة ورزق كريم 11 ـ 26ـ النور ) ففي الصحيح عن عائشة " أنها نزلت في يوم شات" ومن أمثلته الآيات التي في غزوة الخندق من سورة الأحزاب حيث كانت في شدة البرد . أخرج البيهقي في دلائل النبوة عن حذيفة قال: " تفرق الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الأحزاب إلا اثنى عشر رجلا ، فأتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : قم فانطلق إلى عسكر الأحزاب ، قلت يا رسول الله : والذي بعثك بالحق ما قمت لك إلا حياء ، من البرد ، فأنزل الله ( يأيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها وكان الله بما تعملون بصيرا) ( 9ـ الأحزاب ) " .
14ـ ما نزل في الحضر وما نزل في السفر : أكثر القرآن نزل في الحضر ، ولكن حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت عامرة بالجهاد والغزو في سبيل الله حيث يتنزل عليه الوحي في مسيره ، وقد ذكر السيوطي لما نزل في السفر كثيرا من الأمثلة (8) . منها أول سورة الأنفال ، نزلت ببدر عقب الواقعة ، كما أخرجه أحمد عن سعد بن أبي وقاص ـ وقوله تعالى ( والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله ) (34ـ التوبة ) أخرج أحمد عن ثوبان أنها نزلت في بعض أسفاره صلى الله عليه وسلم ـ وأول سورة الحج ، أخرج الترمذي والحاكم عن عمران بن حصين قال : " لما نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم ( يأيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شئ عظيم . . . إلى قوله تعالى : ولكن عذاب الله شديد 1 ، 2ـ الحج ) أنزلت عليه هذه وهو في سفر " ـ وسورة الفتح ، أخرج الحاكم وغيره عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم قالا : " نزلت سورة الفتح بين مكة والمدينة في شأن الحديبية من أولها إلى آخرها " .
1ـ ما نزل بمكة
2ـ ما نزل بالمدينة
3ـ ما اختلف فيه
4ـ الآيات المكية في السور المدنية
5ـ الآيات المدنية في السور المكية
6ـ ما نزل بمكة وحكمه مدني
7ـ ما نزل بالمدينة وحكمه مكي
8ـ ما يشبه نزول المكي في المدني
9ـ ما يشبه نزول المدني في المكي
10ـ ما حمل من مكة إلى المدينة
11ـ ما حمل من المدينة إلى مكة
12ـ ما نزل ليلا وما نزل نهارا
13ـ ما نزل صيفا وما نزل شتاء
14ـ ما نزل في الحضر وما نزل في السفر.
فهذه أنواع أساسية ، يرتكز محورها على المكي والمدني ، ولذا سمى هذا " بعلم المكي والمدني" .
أمثلة : ـ
1 ـ أقرب ما قيل في تعداد السور المدنية إلى الصحة ، أنها سور :
ـ 1ـ البقرة ـ 2ـ آل عمران ـ 3ـ النساء ـ 4ـ المائدة ـ 5ـ الأنفال ـ 6ـ التوبة ـ 7ـ النور ـ 8ـ الأحزاب ـ 9ـ محمد ـ 10ـ الفتح ـ 11ـ الحجرات ـ 12ـ الحديد ـ 13ـ المجادلة ـ 14ـ الحشر ـ 15ـ الممتحنة ـ 16ـ الجمعة ـ 17ـ المنافقون ـ 18ـ الطلاق ـ 19ـ التحريم ـ 20ـ النصر.
2- وأن المختلف فيه اثنتا عشرة سورة : ـ 1ـ الفاتحة ـ 2ـ الرعد ـ 3ـ الرحمن ـ 4ـ الصف ـ 5ـ التغابن ـ 6ـ التطفيف ـ 7ـ القدر ـ 8ـ البينة ـ 9ـ الزلزلة ـ 10ـ الإخلاص ـ 11ـ الفلق ـ 12ـ الناس .
3- وأن ما سوى ذلك مكي . وهو اثنتان وثمانون سورة ، فيكون مجموع سور القرآن مائة وأربع عشرة سورة .
4ـ الآيات المكية في السور المدنية : لا يقصد بوصف السورة بأنها مكية أو مدنية أنها بأجمعها كذلك ، فقد يكون في المكية بعض آيات مدنية ، وفي المدنية بعض آيات مكية ، ولكنه وصف أغلبي حسب أكثر آياتها ، ولذا يأتي في التسمية : سورة كذا مكية إلا كذا فإنها مدنية ، وسورة كذا مدنية إلا آية كذا فإنها مكية ـ كما نجد ذلك في المصاحف.
ومن أمثلة الآيات المكية في السور المدنية "سورة الأنفال" مدنية، واستثنى منها كثير من العلماء قوله تعالى ( وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين ) (30ـ الأنفال ) قال مقاتل في هذه الآية : نزلت بمكة ، وظاهرها كذلك ، لأنها تضمنت ما كان من المشركين في دار الندوة عند تآمرهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة . واستثنى بعضهم كذلك (يأيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين ) ( 64 ـ الأنفال ) لما أخرجه البزار عن ابن عباس أنها نزلت لما أسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه .
5ـ الآيات المدنية في السور المكية ، ومن أمثلة الآيات المدنية في السور المكية " سورة الأنعام " قال ابن عباس نزلت بمكة جملة واحدة . فهي مكية إلا ثلاث آيات منها نزلت بالمدينة ( قل تعالوا أتل ... إلى تمام الآيات الثلاث ـ 151 ـ 153 ـ الأنعام ) ، و " سورة الحج" مكية سوى ثلاث آيات نزلت بالمدينة ، من أول قوله تعالى ( هذان خصمان اختصموا في ربهم .. ـ 19ـ الحج ) .
6ـ ما نزل بمكة وحكمه مدني . ويمثلون له بقوله تعالى ( يأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم إن الله عليم خبير) ( 13ـ الحجرات ) فإنها نزلت بمكة يوم الفتح ، وهي مدنية لأنها نزلت بعد الهجرة ، والخطاب فيها عام ، ومثل هذا لا يسميه العلماء مكيا ، كما لا يسمونه مدنيا على وجه التعيين ، بل يقولون فيه : ما نزل بمكة وحكمه مدني.
7ـ ما نزل بالمدينة وحكمه مكي : ويمثلون له بسورة الممتحنة ، فإنها نزلت بالمدينة ، فهي مدنية باعتبار المكان ، ولكن الخطاب في ثناياها توجه إلى مشركي أهل مكة ... ومثل هذا صدر سورة براءة نزل بالمدينة ، والخطاب فيه لمشركي أهل مكة .
8ـ ما يشبه نزول المكي في المدني : ـ ويعني العلماء به ما كان في السور المدنية من آيات جاء أسلوبها في خصائصه وطابعه العام على نمط السور المكية ، ومن أمثلته قوله تعالى في سورة الأنفال ـ وهي مدنية ( وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم 32ـ الأنفال ) فإن استعجال المشركين للعذاب كان بمكة .
9ـ ما يشبه نزول المدني في المكي : ويعني العلماء به ما يقابل النوع السابق ، ويمثلوه له بقوله تعالى في سورة النجم ( الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم 32 ـ النجم ) قال السيوطي : فإن الفواحش كل ذنب فيه حد ، والكبائر كل ذنب عاقبته النار ، واللمم ما بين الحدين من الذنوب ولم يكن بمكة حد ولا نحوه (4).
10ـ ما حمل من مكة إلى المدينة : ومن أمثلته سورة " سبح اسم ربك الأعلى " أخرج البخاري عن البراء بن عازب قال : أول من قدم علينا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : مصعب بن عمير ، وابن أم مكتوم ، فجعلا يقرئاننا القرآن . ثم جاء عمار وبلال وسعد ، ثم جاء عمر بن الخطاب في عشرين . ثم جاء النبي صلى الله عليه وسلم، فما رأيت أهل المدينة فرحوا بشئ فرحهم به ، فما جاء حتى قرأت (سبح اسم ربك الأعلى) في سور مثلها " وهذا المعنى يصدق على كل ما حمله المهاجرون من القرآن وعلموه الأنصار.
11ـ ما حمل من المدينة إلى مكة : ومن أمثلته أول سورة براءة ، حيث أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر على الحج في العام التاسع . فلما نزل صدر سورة براءة حمله رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب ليلحق بأبي بكر حتى يبلغ المشركين به . فأذن فيهم بالآيات وأبلغهم ألا يحج بعد العام مشرك .
12ـ ما نزل ليلا وما نزل نهارا : أكثر القرآن نزل نهارا أما ما نزل بالليل فقد تتبعه أبو القاسم الحسن بن محمد بن حبيب النيسابوري واستخرج له أمثلة منها : أواخر آل عمران ، أخرج ابن حبان في صحيحة ، وابن المنذر ، وابن مردويه وابن أبي الدنيا عن عائشة رضي الله عنها : أن بلالا أتى النبي صلى الله عليه وسلم يؤذنه لصلاة الصبح فوجده يبكي ، فقال : يا رسول الله ما يبكيك ؟ قال : وما يمنعني أن أبكي وقد أنزل على هذه الليلة ( إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب ) ( 190ـ آل عمران ) ثم قال: ويل لمن قرأها ولم يتفكر " ومنها : آية الثلاثة الذين خلقوا ، ففي الصحيحين من حديث كعب " فأنزل الله توبتنا حين بقى الثلث الأخير من الليل (5) ومنها : أول سورة الفتح ، ففي البخاري من حديث عمر "لقد نزلت على الليلة سورة هي أحب إلى مما طلعت عليه الشمس ، فقرأ ( إنا فتحنا لك فتحا مبينا ) " .
13ـ ما نزل صيفا وما نزل شتاء : ويمثل العلماء لما نزل صيفا بآية الكلالة التي في آخر سورة النساء ، ففي صحيح مسلم عن عمر : "ما راجعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في شئ ما راجعته في الكلالة ، وما أغلظ في شئ ما أغلظ لي فيه ، حتى طع، بإصبعه في صدري وقال يا عمر : ألا تكفيك آية الصيف التي في آخر سورة النساء ؟ " (6) . ومن أمثلته الآيات التي نزلت في غزوة تبوك ، فإنها كانت في الصيف في شدة الحر كما في القرآن نفسه (7).
ويمثلون للشتائي بآيات حديث الإفك في سورة النور ( إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم ... إلى قوله تعالى : لهم مغفرة ورزق كريم 11 ـ 26ـ النور ) ففي الصحيح عن عائشة " أنها نزلت في يوم شات" ومن أمثلته الآيات التي في غزوة الخندق من سورة الأحزاب حيث كانت في شدة البرد . أخرج البيهقي في دلائل النبوة عن حذيفة قال: " تفرق الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الأحزاب إلا اثنى عشر رجلا ، فأتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : قم فانطلق إلى عسكر الأحزاب ، قلت يا رسول الله : والذي بعثك بالحق ما قمت لك إلا حياء ، من البرد ، فأنزل الله ( يأيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها وكان الله بما تعملون بصيرا) ( 9ـ الأحزاب ) " .
14ـ ما نزل في الحضر وما نزل في السفر : أكثر القرآن نزل في الحضر ، ولكن حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت عامرة بالجهاد والغزو في سبيل الله حيث يتنزل عليه الوحي في مسيره ، وقد ذكر السيوطي لما نزل في السفر كثيرا من الأمثلة (8) . منها أول سورة الأنفال ، نزلت ببدر عقب الواقعة ، كما أخرجه أحمد عن سعد بن أبي وقاص ـ وقوله تعالى ( والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله ) (34ـ التوبة ) أخرج أحمد عن ثوبان أنها نزلت في بعض أسفاره صلى الله عليه وسلم ـ وأول سورة الحج ، أخرج الترمذي والحاكم عن عمران بن حصين قال : " لما نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم ( يأيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شئ عظيم . . . إلى قوله تعالى : ولكن عذاب الله شديد 1 ، 2ـ الحج ) أنزلت عليه هذه وهو في سفر " ـ وسورة الفتح ، أخرج الحاكم وغيره عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم قالا : " نزلت سورة الفتح بين مكة والمدينة في شأن الحديبية من أولها إلى آخرها " .
.....................................................................................
الطريق إلى معرفة المكي والمدني
لا طريق إلى معرفة المكي والمدني سوى النقل الصحيح عن الصحابة الذين شاهدوا عصر الوحي والتنزيل ، وعن التابعين الآخذين عنهم .
ولم يرو عن النبي صلى الله عليه وسلم شئ في بيان المكي والمدني .
وذلك: لأن الصحابة كانوا يعرفون ذلك بأنفسهم ، فلم يكونوا في حاجة إلى هذا البيان .
قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه :
" والله الذي لا إله غيره ما من كتاب الله سورة إلا أنا أعلم حيث نزلت ، وما من آية إلا أنا أعلم فيما أنزلت ، ولو أعلم أحدا هو أعلم بكتاب الله مني تبلغه الإبل لركبت إليه "
رواه البخاري ومسلم .
ولم يرو عن النبي صلى الله عليه وسلم شئ في بيان المكي والمدني .
وذلك: لأن الصحابة كانوا يعرفون ذلك بأنفسهم ، فلم يكونوا في حاجة إلى هذا البيان .
قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه :
" والله الذي لا إله غيره ما من كتاب الله سورة إلا أنا أعلم حيث نزلت ، وما من آية إلا أنا أعلم فيما أنزلت ، ولو أعلم أحدا هو أعلم بكتاب الله مني تبلغه الإبل لركبت إليه "
رواه البخاري ومسلم .
...........................................................................
فوائد معرفة المكى والمدنى
وللعلم بالمكي والمدني فوائد أهمها : ـ
أ ـ الاستعانة به في تفسير القرآن : فإن معرفة مواقع النزول تساعد على فهم الآية وتفسيرها صحيحا ، وإن كانت العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب . ويستطيع المفسر في ضوء ذلك عند تعارض المعنى في آيتين أن يميز بين الناسخ والمنسوخ ، فإن المتأخر يكون ناسخا للمتقدم .
ب ـ تذوق أساليب القرآن والاستفادة منها في أسلوب الدعوة إلى الله ، فإن لكل مقام مقالا ، ومراعاة مقتضى الحال من أخص معاني البلاغة ، وخصائص أسلوب المكي في القرآن والمدني منه تعطي للدارس منهجا لطرائق الخطاب في الدعوة إلى الله بما يلائم نفسية المخاطب ، ويمتلك عليه لبه ومشاعره ، ويعالج فيه دخيلته بالحكمة البالغة ، ولكل مرحلة من مراحل الدعوة موضوعاتها وأساليب الخطاب فيها ، كما يختلف الخطاب باختلاف أنماط الناس ومعتقداتهم وأحوال بيئتهم ، ويبدو هذا واضحا جليا بأساليب القرآن المختلفة في مخاطبة المؤمنين والمشركين والمنافقين وأهل الكتاب.
ج ـ الوقوف على السيرة النبوية من خلال الآيات القرآنية :
فإن تتابع الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ساير تاريخ الدعوة بأحداثها في العهد المكي والعهد المدني منذ بدأ الوحي حتى آخر آية نزلت ، والقرآن الكريم هو المرجع الأصيل لهذه السيرة الذي لا يدع مجالا للشك فيما روى عن أهل السير موافقا له ، ويقطع دابر الخلاف عند اختلاف الروايات .
د ـ عناية المسلمين بالبحث عن المكي والمدني من القرآن ، مع ما فيه من جهد ومشقة ، دليل على سلامة القرآن من التحريف والتغيير، فإن الأمة قد عنيت بالكتاب وتناقلته خلفا عن سلف ، حتى ليعرفون ما نزل منه صيفا أو شتاء ، سفرا أو حضرا ، نهارا أو ليلا ، بالأرض أو بالسماء وما نزل منه قبل الهجرة أو بعدها .. إلى غير ذلك ، فلا يعقل بعد هذا أن تمس قدسيته بأدنى شئ أو تغفل عنه حتى يعبث به عابث.
هـ ـ تمييز الناسخ من المنسوخ ، فيما إذا وردت آيتان أو أكثر مختلفة الحكم ، وعلمنا أن إحداها مكية والأخرى مدنية، فإننا نحكم حينئذ بأن المدنية ناسخة للمكية لتأخرها عن المكية .
و ـ معرفة تاريخ التشريع والوقوف على سنة الله في التدرج بالأمة من الأصول إلى الفروع ومن الأخف إلى الأثقل ، وهذا يترتب عليه الإيمان بسمو السياسة الإسلامية في تربية للفرد والجماعة .
أ ـ الاستعانة به في تفسير القرآن : فإن معرفة مواقع النزول تساعد على فهم الآية وتفسيرها صحيحا ، وإن كانت العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب . ويستطيع المفسر في ضوء ذلك عند تعارض المعنى في آيتين أن يميز بين الناسخ والمنسوخ ، فإن المتأخر يكون ناسخا للمتقدم .
ب ـ تذوق أساليب القرآن والاستفادة منها في أسلوب الدعوة إلى الله ، فإن لكل مقام مقالا ، ومراعاة مقتضى الحال من أخص معاني البلاغة ، وخصائص أسلوب المكي في القرآن والمدني منه تعطي للدارس منهجا لطرائق الخطاب في الدعوة إلى الله بما يلائم نفسية المخاطب ، ويمتلك عليه لبه ومشاعره ، ويعالج فيه دخيلته بالحكمة البالغة ، ولكل مرحلة من مراحل الدعوة موضوعاتها وأساليب الخطاب فيها ، كما يختلف الخطاب باختلاف أنماط الناس ومعتقداتهم وأحوال بيئتهم ، ويبدو هذا واضحا جليا بأساليب القرآن المختلفة في مخاطبة المؤمنين والمشركين والمنافقين وأهل الكتاب.
ج ـ الوقوف على السيرة النبوية من خلال الآيات القرآنية :
فإن تتابع الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ساير تاريخ الدعوة بأحداثها في العهد المكي والعهد المدني منذ بدأ الوحي حتى آخر آية نزلت ، والقرآن الكريم هو المرجع الأصيل لهذه السيرة الذي لا يدع مجالا للشك فيما روى عن أهل السير موافقا له ، ويقطع دابر الخلاف عند اختلاف الروايات .
د ـ عناية المسلمين بالبحث عن المكي والمدني من القرآن ، مع ما فيه من جهد ومشقة ، دليل على سلامة القرآن من التحريف والتغيير، فإن الأمة قد عنيت بالكتاب وتناقلته خلفا عن سلف ، حتى ليعرفون ما نزل منه صيفا أو شتاء ، سفرا أو حضرا ، نهارا أو ليلا ، بالأرض أو بالسماء وما نزل منه قبل الهجرة أو بعدها .. إلى غير ذلك ، فلا يعقل بعد هذا أن تمس قدسيته بأدنى شئ أو تغفل عنه حتى يعبث به عابث.
هـ ـ تمييز الناسخ من المنسوخ ، فيما إذا وردت آيتان أو أكثر مختلفة الحكم ، وعلمنا أن إحداها مكية والأخرى مدنية، فإننا نحكم حينئذ بأن المدنية ناسخة للمكية لتأخرها عن المكية .
و ـ معرفة تاريخ التشريع والوقوف على سنة الله في التدرج بالأمة من الأصول إلى الفروع ومن الأخف إلى الأثقل ، وهذا يترتب عليه الإيمان بسمو السياسة الإسلامية في تربية للفرد والجماعة .
.........................................................................
عناية العلماء بالمكي والمدني
وقد عنى العلماء بتحقيق المكي والمدني عناية فائقة ، فتتبعوا القرآن آية آية ، وسورة سورة ، لترتيبها وفق نزولها ، مراعين في ذلك الزمان والمكان والخطاب ، لا يكتفون بزمن النزول ، ولا بمكانه ، بل يجمعون بين الزمان والمكان والخطاب ، وهو تحديد دقيق يعطي للباحث المنصف صورة للتحقيق العلمي في علم المكي والمدني ، وهو شأن علمائنا في تناولهم لمباحث القرآن الأخرى .
إنه جهد كبير أن يتتبع الباحث منازل الوحي في جميع مراحله ، ويتناول آيات القرآن الكريم فيعين وقت نزولها ، ويحدد مكانه ، ويضم إلى ذلك الضوابط القياسية لأسلوب الخطاب فيها ، أهو من قبيل المكي أم من قبيل المدني ؟ مستعينا بموضوع السورة أو الآية ، أهو من الموضوعات التي ارتكزت عليها الدعوة الإسلامية في مكة أم من الموضوعات التي ارتكزت عليها الدعوة في المدينة ؟
وإذا اشتبه الأمر على الباحث لتوافر الدلائل المختلفة رجح بينها فجعل بعضها شبيها بما نزل في مكة ، وبعضها شبيها بما نزل في المدينة .
وإذا كانت الآيات نزلت في مكان ثم حملها أحد من الصحابة فور نزولها لإبلاغها في مكان آخر ضبط العلماء هذا كذلك ، فقالوا : ما حمل من مكة إلى المدينة ، وما حمل من المدينة إلى مكة .
قال أبو القاسم الحسن بن محمد بن حبيب النيسابوري في كتاب التنبيه على فضل علوم القرآن : " من أشرف علوم القرآن علم نزوله وجهاته ، وترتيب ما نزل بمكة والمدينة ، وما نزل بمكة وحكمه مدني، وما نزل بالمدينة وحكمه مكي ، وما نزل بمكة في أهل المدينة ، وما نزل بالمدينة في أهل مكة ، وما يشبه نزول المكي في المدني ، وما يشبه نزول المدني في المكي ، وما نزل بالجحفة ، وما نزل ببيت المقدس ، وما نزل بالطائف ، وما نزل بالحديبية ، وما نزل ليلا ، وما نزل نهارا ، وما نزل مشيعا (2) ، وما نزل مفردا ، والآيات المدنيات من السور المكية ، والآيات المكيات في السور المدنية ، وما حمل من مكة إلى المدينة ، وما حمل من المدينة إلى مكة ، وما حمل من المدينة إلى أرض الحبشة ، وما نزل مجملا ، وما نزل مفسرا ، وما اختلفوا فيه ، فقال بعضهم مدني وبعضهم مكي ، فهذه خمسة وعشرون وجها من لم يعرفها ويميز بينها لم يحل له أن يتكلم في كتاب الله تعالى"(3).
وحرص العلماء على الدقة ، فرتبوا السور حسب منازلها سورة بعد سورة ، وقالوا سورة كذا نزلت بعد سورة كذا ، وازدادوا حرصا في الاستقصاء . ففرقوا بين ما نزل ليلا وما نزل نهارا ، وما نزل صيفا وما نزل شتاء ، وما نزل في الحضر وما نزل في السفر.
إنه جهد كبير أن يتتبع الباحث منازل الوحي في جميع مراحله ، ويتناول آيات القرآن الكريم فيعين وقت نزولها ، ويحدد مكانه ، ويضم إلى ذلك الضوابط القياسية لأسلوب الخطاب فيها ، أهو من قبيل المكي أم من قبيل المدني ؟ مستعينا بموضوع السورة أو الآية ، أهو من الموضوعات التي ارتكزت عليها الدعوة الإسلامية في مكة أم من الموضوعات التي ارتكزت عليها الدعوة في المدينة ؟
وإذا اشتبه الأمر على الباحث لتوافر الدلائل المختلفة رجح بينها فجعل بعضها شبيها بما نزل في مكة ، وبعضها شبيها بما نزل في المدينة .
وإذا كانت الآيات نزلت في مكان ثم حملها أحد من الصحابة فور نزولها لإبلاغها في مكان آخر ضبط العلماء هذا كذلك ، فقالوا : ما حمل من مكة إلى المدينة ، وما حمل من المدينة إلى مكة .
قال أبو القاسم الحسن بن محمد بن حبيب النيسابوري في كتاب التنبيه على فضل علوم القرآن : " من أشرف علوم القرآن علم نزوله وجهاته ، وترتيب ما نزل بمكة والمدينة ، وما نزل بمكة وحكمه مدني، وما نزل بالمدينة وحكمه مكي ، وما نزل بمكة في أهل المدينة ، وما نزل بالمدينة في أهل مكة ، وما يشبه نزول المكي في المدني ، وما يشبه نزول المدني في المكي ، وما نزل بالجحفة ، وما نزل ببيت المقدس ، وما نزل بالطائف ، وما نزل بالحديبية ، وما نزل ليلا ، وما نزل نهارا ، وما نزل مشيعا (2) ، وما نزل مفردا ، والآيات المدنيات من السور المكية ، والآيات المكيات في السور المدنية ، وما حمل من مكة إلى المدينة ، وما حمل من المدينة إلى مكة ، وما حمل من المدينة إلى أرض الحبشة ، وما نزل مجملا ، وما نزل مفسرا ، وما اختلفوا فيه ، فقال بعضهم مدني وبعضهم مكي ، فهذه خمسة وعشرون وجها من لم يعرفها ويميز بينها لم يحل له أن يتكلم في كتاب الله تعالى"(3).
وحرص العلماء على الدقة ، فرتبوا السور حسب منازلها سورة بعد سورة ، وقالوا سورة كذا نزلت بعد سورة كذا ، وازدادوا حرصا في الاستقصاء . ففرقوا بين ما نزل ليلا وما نزل نهارا ، وما نزل صيفا وما نزل شتاء ، وما نزل في الحضر وما نزل في السفر.
...............................................................................
ضوابط ومميزات كل من المكي والمدني
علمنا أن طريق معرفة المكي والمدني من القرآن النقل الصحيح عن الصحابة ثم عن التابعين ومن بعدهم ، وهناك ضوابط كلية لمعرفة كل منهما ، مبناها على التتبع والاستقراء المبني على الغالب والكثير. وهي علامات واضحة ترجع إلى اللفظ أو إلى أمور معنوية ـ وهناك أيضا خواص ومزايا ومقاصد وأغراض انفرد بها كل منهما عن الآخر، وهي أمور دقيقة يتوقف إدراكها على شئ من الفكر والنظر والتأمل وعلى قدر من المعرفة بعلوم اللغة العربية .
ويلاحظ أن هذه الضوابط توجد في بعض السور دون بعض ، فإذا وجد في سورة من السور شئ من هذه الضوابط علم أنها مكية أو مدنية .
أ ـ ضوابط القسم المكي :
1ـ كل سورة فيها لفظ ( كلا ) فهي مكية ، وقد ذكر هذا اللفظ في القرآن ثلاثا وثلاثين مرة في خمس عشرة سورة كلها في النصف الأخير ، لأن هذا النصف نزل أكثره بمكة وأكثرها جبابرة ، فتكررت فيه على وجـــــه التهديد . قال الدريني :
[ وما نزلت كلا بيثرب فاعلمن 00ولم تأت في القرآن في نصفه الأعلى ]
2ـ كل سورة في أولها حرف من حروف المعجم مثل المص وق ون فهي مكية ، إلا الزهراوين وفي الرعد خلاف .
3ـ كل سورة فيها سجدة فهي مكية .
4ـ كل سورة فيها قصص الأنبياء والأمم الماضية ، فهي مكية سوى البقرة فهي مدنية وكذا آل عمران .
5ـ كل سورة فيها قصة آدم وإبليس فهي مكية ، سوى البقرة .
ب ـ ضوابط القسم المدني :
1ـ كل سورة فيها ذكر الجهاد ، من الإذن فيه وبيان أحكامه ، فهي مدنية . وكذا ما يتعلق به كالمعاهدات.
2ـ كل سورة فيها ذكر المنافقين فهي مدنية ، ما عدا سورة العنكبوت ـ والتحقيق أن سورة العنكبوت مكية ما عدا الآيات الأولى منها وهي إحدى عشرة ، فإنها مدنية ، وهي التي ذكر فيها المنافقون .
3ـ كل سورة فيها ذكر الحدود والفرائض فإنها نزلت بالمدينة ـ والمراد بالفريضة هنا فريضة الميراث ، لا مطلق فريضة ، وإلا ففي المكي فرائض كثيرة كالصلاة والعدل والتواصي بالحق والتواصي بالصبر والوفاء بالعهد وغيرها . وقد اشتهرت أحكام الميراث باسم الفرائض ، حتى قال صلى الله عليه وسلم ـ كما رواه الإمام أحمد بإسناد صحيح ـ " أفرضكم زيد" (12)
ج ـ مميزات القسم المكي :
1ـ العناية بالأصول الاعتقادية من الإيمان بالله واليوم الآخر وملائكته وكتبه ورسله ، وإقامة الأدلة العقلية والكونية والأنفسية على ذلك .
وقد كان العرب أهل وثنية وإشراك ؛ ولذلك عجبوا لما جاءهم بالتوحيد وقالوا : " أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشئ عجاب " ـ وكان من عقائدهم أن الملائكة بنات الله ، وإنكار أن يكون لله رسل من البشر ، وإنكار للبعث والحساب ـ فجاء القرآن يهدم هذه العقائد الفاسدة : مرة بتحكيم العقل وإقامة الأدلة على بطلان مدعاهم ؛ وأخرى بطريق المشاهد والنظر في الكون بما فيه من دقة النظام واستمراره على سنة ثابتة لا تتغير .
2ـ العناية بالقضاء على ما كان عندهم من عادات فاسدة ، كسفك الدماء ووأد البنات ، وتحريم أشياء على أنفسهم ما أنزل الله بها من سلطان ، فلفت أنظارهم على ما فيها من خطر ، وما زال بهم حتى طهرهم منها .
3ـ الدعوة إلى أصول التشريعات العامة والآداب والفضائل الثابتة وحقوق الاجتماع ، ومجانبة الجفوة والكبر والظلم إلى غير ذلك ، مما يندرج تحت القواعد الكلية التي اتفقت عليها جميع الشرائع وهي حفظ الدين والنفس والعقل والمال والنسب.
4ـ العناية بقصص الأنبياء والأمم السابقة ، وإيرادها إعلاما لهم بسنن الله تعالى في إهلاك المعاندين وتأييد المؤمنين ، ولقد كان إيراد القصص في العهد المكي من أبلغ ومن أعظم الأدلة على أن القرآن بوحي من الله تعالى ، ولو تأخر إلى العهد المدني لقال الكفار تعلمه من أهل الكتاب.
5ـ ولقد كثر في هذا القسم تهديد المعاندين ، لكثرة ما كان منهم من إيذاء المؤمنين ، وتمردهم على الدين ، ومحاولتهم هدمه بكل ما أوتوا من سلطان فلا جرم أن كانوا جديرين بأشد الوعيد وأبلغ التهديد .
6ـ ومن خواص هذا القسم قصر معظم آياته وسوره ، لأنه المناسب لأهل مكة ، حيث كانوا أهل فصاحة ولسن ، صناعتهم البيان والإيجاز ، ثم إن بعضهم كانوا يتفننون في طرق إيذاء النبي صلى الله عليه وسلم ومن آمن معه ، فكان معظم هذا القسم في الزجر والوعظ ، وذلك يستدعي العبارات الموجزة ذات الجرس القوي والمعنى الذي يستولى على مشاعرهم ويهز كيانهم ، وأن يكرر عليهم ذلك بين الفينة والفينة ، إذ أن هذا هو الملائم لحالهم ، أو كما قال البلاغيون : البلاغة مطابقة الكلام لمقتضى الحال.
د ـ مميزا ت القسم المدني :
1ـ بيان الأحكام بالتفصيل والتنويع ، بيانا مطولا يتناول دقائقها ويشمل ضروب العبادات والمعاملات والحقوق والواجبات ، فإن المسلمين قد استقروا في المدينة ويحتاجون إلى قوانين تنظم حياتهم وإلى أسس قائمة على الحكمة والمصلحة والمساواة ، وقد أصبح للإسلام من القوة ما هو كفيل بتنفيذ ما يشرع من الأحكام ، فلا تشريع لمن لا يملك التنفيذ . فمن ثم جاءت السور المدنية بالتشريعات الكثيرة المتنوعة .
2ـ الكشف عن أحوال المنافقين ومكايدهم للإسلام والمسلمين ، وما بهم من سوء الطباع والجبن والهلع ، فأعلم المسلمين عنهم وعن علاماتهم وما يضمرونه لهم ، وأنهم إذا حضروا موقعة فلأجل الغنيمة ، وإذا فاتهم أن يشاركوا المسلمين فيما غنموه لتخلفهم عن الجهاد حزنوا لما فاتهم من المتاع القليل .. إلى غير ذلك مما حفل به القرآن المدني .
3ـ دعوة أهل الكتاب إلى الإسلام ، ومناقشتهم في عقائدهم الباطلة وبيان جناياتهم على الحق وتحريفهم لكتب الله ، وأنهم يعرفون ما فيها من الحق كما يعرفون أبناءهم ، وكذا وصفه صلى الله عليه وسلم ووصف أمته، إلى غير ذلك .
4ـ قواعد التشريع الخاصة بالجهاد وحكمة تشريعه ، وذكر الأحكام المتعلقة بالصلح والمعاهدات والغنيمة والفئ والأسارى إلى غير ذلك .
5ـ سلوك الإطناب والتطويل في أكثر آياته وسوره ، فإنه اشتمل على الأغراض السابقة . وهي تستعدعي الشرح والبسط ، ثم إن أهل المدينة لم يكونوا في درجة أهل مكة فصاحة وبيانا ، فكان الحال مقتضيا الإطناب ، وهذا هو دستور البلاغة : يخاطب كلا حسب مقداره من الذكاء أو غيره .
ويلاحظ أن هذه الضوابط توجد في بعض السور دون بعض ، فإذا وجد في سورة من السور شئ من هذه الضوابط علم أنها مكية أو مدنية .
أ ـ ضوابط القسم المكي :
1ـ كل سورة فيها لفظ ( كلا ) فهي مكية ، وقد ذكر هذا اللفظ في القرآن ثلاثا وثلاثين مرة في خمس عشرة سورة كلها في النصف الأخير ، لأن هذا النصف نزل أكثره بمكة وأكثرها جبابرة ، فتكررت فيه على وجـــــه التهديد . قال الدريني :
[ وما نزلت كلا بيثرب فاعلمن 00ولم تأت في القرآن في نصفه الأعلى ]
2ـ كل سورة في أولها حرف من حروف المعجم مثل المص وق ون فهي مكية ، إلا الزهراوين وفي الرعد خلاف .
3ـ كل سورة فيها سجدة فهي مكية .
4ـ كل سورة فيها قصص الأنبياء والأمم الماضية ، فهي مكية سوى البقرة فهي مدنية وكذا آل عمران .
5ـ كل سورة فيها قصة آدم وإبليس فهي مكية ، سوى البقرة .
ب ـ ضوابط القسم المدني :
1ـ كل سورة فيها ذكر الجهاد ، من الإذن فيه وبيان أحكامه ، فهي مدنية . وكذا ما يتعلق به كالمعاهدات.
2ـ كل سورة فيها ذكر المنافقين فهي مدنية ، ما عدا سورة العنكبوت ـ والتحقيق أن سورة العنكبوت مكية ما عدا الآيات الأولى منها وهي إحدى عشرة ، فإنها مدنية ، وهي التي ذكر فيها المنافقون .
3ـ كل سورة فيها ذكر الحدود والفرائض فإنها نزلت بالمدينة ـ والمراد بالفريضة هنا فريضة الميراث ، لا مطلق فريضة ، وإلا ففي المكي فرائض كثيرة كالصلاة والعدل والتواصي بالحق والتواصي بالصبر والوفاء بالعهد وغيرها . وقد اشتهرت أحكام الميراث باسم الفرائض ، حتى قال صلى الله عليه وسلم ـ كما رواه الإمام أحمد بإسناد صحيح ـ " أفرضكم زيد" (12)
ج ـ مميزات القسم المكي :
1ـ العناية بالأصول الاعتقادية من الإيمان بالله واليوم الآخر وملائكته وكتبه ورسله ، وإقامة الأدلة العقلية والكونية والأنفسية على ذلك .
وقد كان العرب أهل وثنية وإشراك ؛ ولذلك عجبوا لما جاءهم بالتوحيد وقالوا : " أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشئ عجاب " ـ وكان من عقائدهم أن الملائكة بنات الله ، وإنكار أن يكون لله رسل من البشر ، وإنكار للبعث والحساب ـ فجاء القرآن يهدم هذه العقائد الفاسدة : مرة بتحكيم العقل وإقامة الأدلة على بطلان مدعاهم ؛ وأخرى بطريق المشاهد والنظر في الكون بما فيه من دقة النظام واستمراره على سنة ثابتة لا تتغير .
2ـ العناية بالقضاء على ما كان عندهم من عادات فاسدة ، كسفك الدماء ووأد البنات ، وتحريم أشياء على أنفسهم ما أنزل الله بها من سلطان ، فلفت أنظارهم على ما فيها من خطر ، وما زال بهم حتى طهرهم منها .
3ـ الدعوة إلى أصول التشريعات العامة والآداب والفضائل الثابتة وحقوق الاجتماع ، ومجانبة الجفوة والكبر والظلم إلى غير ذلك ، مما يندرج تحت القواعد الكلية التي اتفقت عليها جميع الشرائع وهي حفظ الدين والنفس والعقل والمال والنسب.
4ـ العناية بقصص الأنبياء والأمم السابقة ، وإيرادها إعلاما لهم بسنن الله تعالى في إهلاك المعاندين وتأييد المؤمنين ، ولقد كان إيراد القصص في العهد المكي من أبلغ ومن أعظم الأدلة على أن القرآن بوحي من الله تعالى ، ولو تأخر إلى العهد المدني لقال الكفار تعلمه من أهل الكتاب.
5ـ ولقد كثر في هذا القسم تهديد المعاندين ، لكثرة ما كان منهم من إيذاء المؤمنين ، وتمردهم على الدين ، ومحاولتهم هدمه بكل ما أوتوا من سلطان فلا جرم أن كانوا جديرين بأشد الوعيد وأبلغ التهديد .
6ـ ومن خواص هذا القسم قصر معظم آياته وسوره ، لأنه المناسب لأهل مكة ، حيث كانوا أهل فصاحة ولسن ، صناعتهم البيان والإيجاز ، ثم إن بعضهم كانوا يتفننون في طرق إيذاء النبي صلى الله عليه وسلم ومن آمن معه ، فكان معظم هذا القسم في الزجر والوعظ ، وذلك يستدعي العبارات الموجزة ذات الجرس القوي والمعنى الذي يستولى على مشاعرهم ويهز كيانهم ، وأن يكرر عليهم ذلك بين الفينة والفينة ، إذ أن هذا هو الملائم لحالهم ، أو كما قال البلاغيون : البلاغة مطابقة الكلام لمقتضى الحال.
د ـ مميزا ت القسم المدني :
1ـ بيان الأحكام بالتفصيل والتنويع ، بيانا مطولا يتناول دقائقها ويشمل ضروب العبادات والمعاملات والحقوق والواجبات ، فإن المسلمين قد استقروا في المدينة ويحتاجون إلى قوانين تنظم حياتهم وإلى أسس قائمة على الحكمة والمصلحة والمساواة ، وقد أصبح للإسلام من القوة ما هو كفيل بتنفيذ ما يشرع من الأحكام ، فلا تشريع لمن لا يملك التنفيذ . فمن ثم جاءت السور المدنية بالتشريعات الكثيرة المتنوعة .
2ـ الكشف عن أحوال المنافقين ومكايدهم للإسلام والمسلمين ، وما بهم من سوء الطباع والجبن والهلع ، فأعلم المسلمين عنهم وعن علاماتهم وما يضمرونه لهم ، وأنهم إذا حضروا موقعة فلأجل الغنيمة ، وإذا فاتهم أن يشاركوا المسلمين فيما غنموه لتخلفهم عن الجهاد حزنوا لما فاتهم من المتاع القليل .. إلى غير ذلك مما حفل به القرآن المدني .
3ـ دعوة أهل الكتاب إلى الإسلام ، ومناقشتهم في عقائدهم الباطلة وبيان جناياتهم على الحق وتحريفهم لكتب الله ، وأنهم يعرفون ما فيها من الحق كما يعرفون أبناءهم ، وكذا وصفه صلى الله عليه وسلم ووصف أمته، إلى غير ذلك .
4ـ قواعد التشريع الخاصة بالجهاد وحكمة تشريعه ، وذكر الأحكام المتعلقة بالصلح والمعاهدات والغنيمة والفئ والأسارى إلى غير ذلك .
5ـ سلوك الإطناب والتطويل في أكثر آياته وسوره ، فإنه اشتمل على الأغراض السابقة . وهي تستعدعي الشرح والبسط ، ثم إن أهل المدينة لم يكونوا في درجة أهل مكة فصاحة وبيانا ، فكان الحال مقتضيا الإطناب ، وهذا هو دستور البلاغة : يخاطب كلا حسب مقداره من الذكاء أو غيره .
....................................................................................
السور التي نزلت بمكة وبها آيات مدنية
قال البيهقي في «الدلائل» في بعض السور التي نزلت بمكة آيات نزلت بالمدينة فألحقت بها، وكذا قال ابن الحصار: كل نوع من المكي والمدني منه آيات مستثناة، قال: إلا أن من الناس من اعتمد في الاستثناء على الاجتهاد دون النقل.
وقال ابن حجر في شرح البخاري: قد اعتنى بعض الأئمة ببيان ما نزل من الآيات بالمدينة في السور المكية، قال: وأما عكس ذلك فهو نزول شيء من سورة بمكة تأخر نزول تلك السورة إلى المدينة فلم أره إلا نادراً.
قلت: وها أنا ذا أذكر ما وقفت على استثنائه من النوعين مستوعباً ما رأيته من ذلك على الاصطلاح الأول، دون الثاني وأشير إلى أدلة الاستثناء:
وقال ابن حجر في شرح البخاري: قد اعتنى بعض الأئمة ببيان ما نزل من الآيات بالمدينة في السور المكية، قال: وأما عكس ذلك فهو نزول شيء من سورة بمكة تأخر نزول تلك السورة إلى المدينة فلم أره إلا نادراً.
قلت: وها أنا ذا أذكر ما وقفت على استثنائه من النوعين مستوعباً ما رأيته من ذلك على الاصطلاح الأول، دون الثاني وأشير إلى أدلة الاستثناء:
ورد أن نصفها نزل بالمدينة، والظاهر أنها النصف الثاني ولا دليل لهذا القول.
استثنى منها آيتان: (فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا)، (لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ).
قال ابن الحصار: استثني منها تسع آيات، ولا يصح به نقل، خصوصاً مع ما قد ورد أنها نزلت جملة.
قلت: قد صح النقل عن ابن عباس باستثناء (قُلْ تَعَالَوْا...) الآيات الثلاث كما تقدم والبواقي: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ) لما أخرجه ابن أبي حاتم أنها نزلت في مالك بن الصيف، وقوله: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا...) الآيتين نزلتا في مسيلمة، وقوله: (الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ) وقوله: (وَالَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ).
وأخرج أبو الشيخ عن الكلبي قال: نزلت الأنعام كلها بمكة، إلا آيتين نزلتا بالمدينة في رجل من اليهود وهو الذي قال: ما أنزل الله على بشر من شيء.
وقال الفرياني: حدثنا سفيان عن ليث بن بشر قال: الأنعام مكية إلا: (قُلْ تَعَالَوْا...) والآية التي بعدها.
أخرج أبو الشيخ ابن حبان عن قتادة قال: الأعراف مكية إلا آية: (وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ...) وقال غيره: من المدني: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ...) مدني.
استثنى منها (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا...) الآية، قال مقاتل: نزلت بمكة، قلت: يرده ما صح عن ابن عباس أن هذه الآية بعينها نزلت بالمدينة كما أخرجناه في أسباب النزول واستثنى بعضهم قوله: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ...) الآية وصححه ابن العربي وغيره.
قلت: يؤيده ما أخرجه البزار عن ابن عباس أنها نزلت لما أسلم عمر.
قال ابن الغرس: مدنية إلا آيتين: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ...) إلى آخرها ، قلت: غريب، كيف وقد ورد أنها آخر ما نزل.
واستثنى بعضهم: (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ...) الآية لما ورد أنها نزلت في قوله عليه الصلاة والسلام لأبي طالب: "لأستغفرن لك ما لم أنه عنك".
استثنى منها: (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ...) الآيتين، وقوله: (وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ...) الآية قيل: نزلت في اليهود، وقيل: من أولها إلى رأس أربعين مكي، والباقي مدني؛ حكاها ابن الغرس والسخاوي في جمال القراء.
استثنى منها ثلاث آيات: (فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ...)، (أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ...)، (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ...) قلت: دليل الثالثة ما صح عن عدة طرق أنها نزلت بالمدينة في حق أبي اليسر.
استثنى منها ثلاث آيات من أولها حكاه أبو حيان وهو واه جداً لا يلتفت إليه.
أخرج أبو الشيخ عن قتادة قال: سورة الرعد مدنية إلا آية قوله: (وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ) وعلى القول بأنها مكية يستثنى قوله: (اللَّهُ يَعْلَمُ...) إلى قوله: (شَدِيدُ الْمِحَالِ...)، كما تقدم والآية آخرها.
فقد أخرج أبن مردويه عن جندب قال: جاء عبد الله بن سلام حتى أخذ بعضادتي باب المسجد قال: أنشدكم بالله أي قوم تعلمون أني الذي أنزلت فيه: (وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ...) قالوا: اللهم نعم.
أخرج أبو الشيخ عن قتادة قال: سورة إبراهيم مكية غير آيتين مدنيتين: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا...) إلى: (وَبِئْسَ الْقَرَارُ...).
استثنى بعضهم منها: (وَلَقَدْ آَتَيْنَاكَ سَبْعًا...) الآية، قلت: وينبغي استثناء قوله: (وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ...) الآية لما أخرجه الترمذي وغيره في سبب نزولها وأنها في صفوف الصلاة.
تقدم عن ابن عباس أنه استثنى آخرها، وأخرج أبو الشيخ عن الشعبي قال: نزلت النحل كلها بمكة إلا هؤلاء الآيات: (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ...) إلى آخرها.
وأخرج عن قتادة قال: سورة النحل من قوله: (وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا...) إلى آخرها مدني، وما قبلها إلى آخر السورة مكي.
وسيأتي في أوله ما نزل عن جابر بن زيد أن النحل نزل منها بمكة أربعون، وباقيها بالمدينة ويرد ذلك ما أخرجه أحمد عن عثمان بن أبي العاص في نزول: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ...) وسيأتي في نوع الترتيب.
استثنى منها: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ...) الآية لما أخرج البخاري عن ابن مسعود أنها نزلت بالمدينة في جواب سؤال اليهود عن الروح.
واستثنى منها أيضاً: (وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ...) إلى قوله:(إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا) وقوله: (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ...) الآية وقوله: (وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا...) الآية، وقوله: (إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ...) لما أخرجناه في أسباب النزول.
استثنى من أولها إلى: (جُرُزًا ) وقوله: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ...) الآية (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ...) إلى آخر السورة.
استثنى منها آية السجدة، وقوله: (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا...).
استثنى منها: (فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ...) الآية.
قلت: ينبغي أن يستثني آية أخرى، فقد أخرج البزار وأبو يعلي عن أبي رافع قال: أضاف النبي صلى الله عليه وسلم ضيف، فأرسلني إلى رجل من اليهود أن أسلفني دقيقاً إلى هلال رجب، فقال: لا إلا برهن، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبرته، فقال: "أما والله إني لأمين في السماء أمين في الأرض" فلم أخرج من عنده حتى نزلت هذه الآية: (وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ...).
استثنى منها: (أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ...) الآية.
استثنى منها: (حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ...) إلى قوله: (إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ).
استثنى منها: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ...) إلى (وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا).
استثنى ابن عباس منها: (وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ) إلى آخرها كما تقدم، زاد غيره، وقوله: (أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آَيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ) حكاه ابن الغرس.
استثنى منها: (الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ...) إلى قوله: (سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ) فقد أخرج الطبراني عن ابن عباس أنها نزلت هي وآخر الحديد في أصحاب النجاشي الذين قدموا وشهدوا وقعة أحد، وقوله: (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ...) الآية.
استثنى من أولها إلى: (وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ) لما أخرجه ابن جرير في سبب نزولها، قلت: ويضم إليه: (وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ...) الآية لما أخرجه ابن أبي حاتم في سبب نزولها.
استثنى منها ابن عباس: (وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ) الآيات الثلاث كما تقدم.
استثنى منها ابن عباس: (أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا...) الآيات الثلاث كما تقدم وزاد غيره: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ...) ويدل له ما أخرجه البزار عن بلال قال: كنا نجلس في المسجد وناس من الصحابة يصلون بعد المغرب إلى العشاء فنزلت.
استثنى منها: (وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ...) الآية، وروى الترمذي عن فروة بن نسيك المرادي قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله ألا أقاتل من أدبر من قومي... الحديث، وفيه: أنزل في سبأ ما أنزل، فقال رجل: يا رسول الله وما سبأ... الحديث.
قال ابن الحصار: هذا يدل على أن هذه القصة مدنية لأن مهاجرة فروة بعد إسلام ثقيف سنة تسع، قال: ويحتمل أن يكون قوله: وأنزل حكاية عما تقدم نزوله قبل هجرته.
استثنى منها: (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى...) الآية لما أخرجه الترمذي والحاكم عن أبي سعيد قال: كانت بنو سلمة في ناحية المدينة فأرادوا النقلة إلى قريب المسجد فنزلت هذه الآية، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن آثاركم تكتب" فلم ينتقلوا.
واستثنى بعضهم: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا...) الآية قيل نزلت في المنافقين.
استثنى منها: (قُلْ يَا عِبَادِيَ...) الآيات الثلاث كما تقدم عن ابن عباس، وأخرج الطبراني من وجه آخر عنه أنها نزلت في وحشي قاتل حمزة.
وزاد بعضهم: (قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ...) الآية وذكره السخاوي في جمال القراء، وزاد غيره: (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ...) الآية وحكاه ابن الجزري.
استثنى منها: (إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ...) إلى قوله: (وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)، فقد أخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية وغيره أنها نزلت في اليهود لما ذكروا الدجال وأوضحته في أسباب النزول.
استثنى منها: (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى...) إلى قوله: (إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ) قلت: بدلالة ما أخرجه الطبراني والحاكم في سبب نزولها فإنها نزلت في الأنصار.
وقوله: (وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ...) الآية نزلت في أصحاب الصفة، واستثنى بعضهم: (وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ...) إلى قوله: (مِنْ سَبِيلٍ) حكاه ابن الغرس.
استثنى منها: (وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ...) الآية، قيل: نزلت بالمدينة، وقيل: في السماء.
استثنى منها: (قُلْ لِلَّذِينَ آَمَنُوا يَغْفِرُوا...) الآية حكاه في جمال القراء عن قتادة.
استثنى منها: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ...) الآية فقد أخرج الطبراني بسند صحيح عن عوف بن مالك الأشجعي أنها نزلت بالمدينة في قصة إسلام عبد الله بن سلام وله طرق أخر، لكن أخرج ابن أبي حاتم عن مسروق قال: أنزلت هذه الآية بمكة وإنما كان إسلام ابن سلام بالمدينة وإنما كانت خصومة خاصم بها محمداً صلى الله عليه وسلم.
وأخرج عن الشعبي قال: ليس بعبد الله بن سلام وهذه الآية مكية.
واستثنى بعضهم: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ...) الآيات الأربع، وقوله: (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ...) الآية؛ حكاه في جمال القراء.
استثنى منها: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ...) إلى (لُغُوبٍ) فقد أخرج الحاكم وغيره أنها نزلت في اليهود.
استثنى منها: (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ...) إلى قوله: (وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى) وقيل: (أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى) الآيات التسع.
استثنى منها: (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ) الآية وهو مردود، وقيل: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ...) الآيتين.
استثنى منها: (َسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ...) الآية حكاه في جمال القراء.
استثنى منها: (ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ، وَثُلَّةٌ مِنَ الْآَخِرِينَ) وقوله: (فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ...) إلى: (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ) لما أخرجه مسلم في سبب نزولها.
استثنى منها: (مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ...) الآية حكاه ابن الغرس وغيره.
يستثنى منها: على أنها مكية آخرها لما أخرجه الترمذي، والحاكم في سبب نزولها.
ورد عن قتادة أن المدني منها إلى رأس العشر والباقي مكي.
أخرج جبيرة في تفسيره عن الضحاك عن ابن عباس قال: (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ...) إلى: (فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ) فإنه مدني حكاه السخاوي في جمال القراء.
استثنى منها: (وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ...) الآيتين حكاه الأصبهاني وقوله: (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ...) إلى آخر السورة حكاه ابن الغرس.
ويرده ما أخرجه الحاكم عن عائشة أنه نزل بعد نزول صدر السورة بسنة، وذلك حين فرض قيام الليل في أول الإسلام قبل فرض الصلوات الخمس.
استثنى منها: (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ...).
استثنى منها: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ) حكاه ابن الغرس.
قيل: مكية إلا ست آيات من أولها.
قيل: مدنية إلا أربع آيات من أولها.
قيل: مكية إلا أولها.
قيل: نزل ثلاث آيات من أولها بمكة، والباقي بالمدينة
............................................................................
ما نزل بمكة وحكمه مدني
من أمثلته: قول الله تعالى: (إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى...) الآية نزلت بمكة يوم الفتح وهي مدنية لأنها نزلت بعد الهجرة.
كذلك قوله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ...) نزلت في حجة الوداع، وهي مدنية لكونها نزلت بعد الهجرة.
قلت: وكذا قوله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ...) ورد أنها نزلت يوم الفتح أيضا.
كذلك قوله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ...) نزلت في حجة الوداع، وهي مدنية لكونها نزلت بعد الهجرة.
قلت: وكذا قوله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ...) ورد أنها نزلت يوم الفتح أيضا.
............................................................................
ما نزل بالمدينة وحكمه مكي
مثل سورة الممتحنة فإنها نزلت بالمدينة مخاطبة لأهل مكة.
وقوله في النحل: (وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا...) إلى آخرها [الآية: 41] نزلت بالمدينة مخاطباً به أهل مكة.
وصدر براءة نزل بالمدينة خطاباً لمشركي أهل مكة.
ومثال ما يشبه تنزيل المدني في السور المكية قوله في النجم: (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ...) [الآية: 32] فإن الفواحش كل ذنب فيه حد والكبائر كل ذنب عاقبته النار، واللمم ما بين الحد من الذنوب ولم يكن بمكة حد ولا نحوه.
ومثال ما يشبه تنزيل مكة في السور المدنية قوله: (وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا) وقوله في الأنفال: (وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ...) [الآية: 32].
ومثال ما حمل من مكة إلى المدينة سورة يوسف والإخلاص، قلت: وسبح لما تقدم في حديث البخاري.
ومثال ما حمل من المدينة إلى مكة: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ...) [البقرة: 217] وآية الربا، وصدر براءة وقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ...) الآيات [النساء: 97].
ومثال ما حمل إلى الحبشة: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ...) الآيات [آل عمران: 64].
قلت: صح حملها إلى الروم وينبغي أن يمثل لما حمل إلى الحبشة بسورة مريم فقد صح أن جعفر بن أبي طالب قرأها على النجاشي، وأخرجه أحمد في مسنده.
وقوله في النحل: (وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا...) إلى آخرها [الآية: 41] نزلت بالمدينة مخاطباً به أهل مكة.
وصدر براءة نزل بالمدينة خطاباً لمشركي أهل مكة.
ومثال ما يشبه تنزيل المدني في السور المكية قوله في النجم: (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ...) [الآية: 32] فإن الفواحش كل ذنب فيه حد والكبائر كل ذنب عاقبته النار، واللمم ما بين الحد من الذنوب ولم يكن بمكة حد ولا نحوه.
ومثال ما يشبه تنزيل مكة في السور المدنية قوله: (وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا) وقوله في الأنفال: (وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ...) [الآية: 32].
ومثال ما حمل من مكة إلى المدينة سورة يوسف والإخلاص، قلت: وسبح لما تقدم في حديث البخاري.
ومثال ما حمل من المدينة إلى مكة: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ...) [البقرة: 217] وآية الربا، وصدر براءة وقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ...) الآيات [النساء: 97].
ومثال ما حمل إلى الحبشة: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ...) الآيات [آل عمران: 64].
قلت: صح حملها إلى الروم وينبغي أن يمثل لما حمل إلى الحبشة بسورة مريم فقد صح أن جعفر بن أبي طالب قرأها على النجاشي، وأخرجه أحمد في مسنده.
.................................................................................
معرفة المكي والمدني
1- منهج سماعي:
يستند إلى الرواية الصحيحة عن الصحابة والتابعين الذين عاصروا الوحي وشاهدوا نزوله، أو عن التابعين الذين تلقوا عن الصحابة وسمعوا منهم كيفية النزول ومواقفه وأحداثه.
2- منهج قياسي اجتهادي:
يستند إلى خصائص المكي وخصائص المدني، فإذا ورد في السورة المكية آية تحمل طابع التنزيل المدني أو تتضمن شيئاً من حوادثه قالوا: إنها مدنية.
وإذا ورد في السورة المدنية آية تحمل طابع التنزيل المكي، أو تتضمن شيئاً من حوادثه قالوا: إنها مكية، وهذا قياسي اجتهادي.
ولهذا نجدهم يقولون: كل سورة فيها قصص الأنبياء والأمم الخالية فهي مكية، وكل سورة فيها فريضة أو حدّ فهي مدنية.
يستند إلى الرواية الصحيحة عن الصحابة والتابعين الذين عاصروا الوحي وشاهدوا نزوله، أو عن التابعين الذين تلقوا عن الصحابة وسمعوا منهم كيفية النزول ومواقفه وأحداثه.
2- منهج قياسي اجتهادي:
يستند إلى خصائص المكي وخصائص المدني، فإذا ورد في السورة المكية آية تحمل طابع التنزيل المدني أو تتضمن شيئاً من حوادثه قالوا: إنها مدنية.
وإذا ورد في السورة المدنية آية تحمل طابع التنزيل المكي، أو تتضمن شيئاً من حوادثه قالوا: إنها مكية، وهذا قياسي اجتهادي.
ولهذا نجدهم يقولون: كل سورة فيها قصص الأنبياء والأمم الخالية فهي مكية، وكل سورة فيها فريضة أو حدّ فهي مدنية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ