الصيد
.تعريفه:
الصيد هو اقتناص الحيوان الحلال المتوحش بالطبع، الذي لا يقدر عليه.
.حكمه:
وهو مباح، أباحه الله سبحانه بقوله: {وإذا حللتم فاصطادوا}.
والصيد مباح كله، ما عدا صيد الحرم، فقد تقدم الكلام عليه في باب الحج.
وصيد البحر جائز في كل حال، وكذلك صيد البر، إلا في حالة الاحرام.
يقول الله تعالى: {أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة وحرم صيد البر ما دمتم حرما}.
.الصيد الحرام:
والصيد المباح هو الصيد الذي يقصد به التذكية، فإن لم يقصد به التذكية فإنه يكون حراما لأنه من باب الافساد وإتلاف الحيوان لغير منفعة: وقد نهى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عن قتل الحيوان إلا لمأكله.
روى النسائي وابن حبان أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: «من قتل عصفورا عبثا عج إلى الله يوم القيامة يقول: يا رب، إن فلانا قتلني عبثا ولم يقتلني منفعة».
وروى مسلم عن ابن عباس أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: «لا تتخذوا شيئا فيه الروح غرضا».
ومر صلوات الله وسلامه عليه على طائر قد اتخذه بعض الناس هدفا يصوبون إليه ضرباتهم، فقال: «لعن الله من فعل هذا».
.شروط الصائد:
ويشترط في الصائد الذي يحل أكل صيده ما يشترط في الذابح بأن يكون مسلما أو كتابيا.
فصيد اليهودي والنصراني كذبيحته، وكذلك ما ألحق بهما كما هو موضح في باب الذكاة الشرعية.
.الصيد بالسلاح الجارح وبالحيوان:
والصيد قد يكون بالسلاح الجارح كالرماح والسيوف والسهام ونحوها.
وفي هذا يقول الله سبحانه: {يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشئ من الصيد تناله أيديكم ورماحكم}.
وقد يكون بواسطة الحيوان، وفيه يقول الله سبحانه: {يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله واتقوا الله إن الله سريع الحساب}.
وعن أبي ثعلبة الخشني قال: قلت يا رسول الله، إنا بأرض صيد، أصيد بقوسي وبكلبي المعلم وبكلبي الذي ليس بمعلم فما يصلح لي؟ فقال: «ما صدت بقوسك فذكرت اسم الله عليه فكل، وما صدت بكلبك غير المعلم فأدركت ذكاته فكل» رواه البخاري ومسلم.
.شروط الصيد بالسلاح:
ويشترط في الصيد بالسلاح ما يأتي:
1- أن يخزق السلاح جسم الصيد وينفذ فيه، ففي حديث عدي بن حاتم قال: يارسول الله، إنا قوم نرمي فما يحل لنا؟ قال: «يحل لكم كل ما ذكيتم وما ذكرتم اسم الله عليه فخزقتم فكلوا».
قال الشوكاني: فدل على أن المعتبر مجرد الخزق وإن كان القتل بمثقل.
فيحل ما صاده من يرمي بهذه البنادق الجديدة التي يرمى بها بالبارود والرصاص، لأن الرصاص تخزق خزقا زائدا على السلاح فلها حكمه، وإن لم يدرك الصائد بها ذكاة الصيد إذا ذكر اسم الله على ذلك.
وأما النهي من الأكل مما أصابته البندقية ولم يذك واعتباره موقوذة كما جاء في الحديث، فإن المقصود من البندقية هنا ما يصنع من الطين ثم ييبس ويرمى به، فليست مثل البندقية التي يرمى بها البارود والرصاص.
وكما نهى الإسلام عن الأكل من البندقية هذه: أي المصنوعة من الطين نهى عن الرمي بالحصاة وما يماثلها يقول الرسول، صلى الله عليه وسلم، معللا ذلك: «إنها لاتصيد صيدا ولا تنكأ عدوا، لكنها تكسر السن وتفقأ العين».
ويحرم كذلك ما قتل بمثقل كالعصا ونحوها، إلا إذا أدرك حيا وذبح.
ففي حديث عدي قال قلت: فإني أرمي بالمعارض الصيد فأصيد.
قال: «إذا رميت بالمعارض فخزق فكل وإن أصابه بعرضه فلا تأكل».
2- أن يذكر الصائد اسم الله عند رمي الصيد، ولم تختلف الائمة على أن التسمية مشروعة لحديث أبي ثعلبة المتقدم ذكره ولغيره من الأحاديث، وإنما اختلفوا في حكمها.
فذهب أبو ثور والشعبي وداود والظاهري وجماعة أهل الحديث إلى أن التسمية شرط في الاباحة بكل حال، فإن تركها عامدا أو ساهيا لم تحل وهذا أظهر الروايات عن أحمد.
وقال أبو حنيفة: هي شرط في حال الذكر فإن تركها ناسيا حل الصيد، وإن تركها عامدا لا يحل.
وكذلك قال مالك في المشهور عنه.
وقال الشافعي وجماعة من المالكية التسمية سنة، فإن تركها ولو عامدا لم يحرم الصيد ويحل أكله، وحملوا الأمر بالتسمية على الندب.
شروط الصيد بالجوارح:
والصيد بالجوارح مثل الصقر والبازي والفهد والكلب غيرها مما يقبل التعليم جائز بالشروط الآتية:
1- تعليم الحيوان الصيد، ويعرف ذلك بأن يأتمر إذا أمر، وينزجر إذا زجر.
2- أن يمسك على صاحبه بترك الأكل من الصيد، فإن أكل فقد أمسك على نفسه فلا يحل صيده، ففي حديث عدي بن حاتم قال الرسول صلى الله عليه وسلم له: «إذا أرسلت كلابك المعلمة وذكرت اسم الله عليها فكل مما أمسكن عليك، وإن أكل الكلب فلا تأكل، فإني أخاف أن يكون مما أمسك على نفسه».
3- أن يرسله ويذكر اسم الله، أما ذكر التسمية فقد تقدم حكمها، وأما قصد إرسال الحيوان فإنه شرط من شروط الصيد، فإذا انبعث الحيوان الجارح من تلقاء نفسه من غير إرسال ولاإغراء من الصائد فلا يجوز صيده، ولا يحل أكله عند مالك والشافعي وأبي ثور وأصحاب الرأي، لأنه صاد لنفسه من غير إرسال وإمسك عليها ولا صنع للصائد فيه فلا ينسب إليه، لأنه لا يصدق عليه الحديث المتقدم «إذا أرسلت كلابك المعلمة...إلخ» فمفهوم الشرط أن غير المرسل لا يكون كذلك.
وقال عطاء والاوزاعي: يؤكل صيده إذا كان أخرج للصيد وكان معلما.
.اشتراك جارحين في صيد:
إذا اشترك جارحان في صيد فهو حلال إذا كان كل واحد منهما أرسله صاحبه للصيد، أما إذا كان أحدهما مرسلا دون الآخر فإنه لا يؤكل لقوله صلى الله عليه وسلم: «فإنما سميت على كلبك ولم تسم على غيره».
الصيد بكلب اليهودي والنصراني: ويجوز الاصطياد بكلب اليهودي والنصراني وبازه وصقره إذا كان الصائد مسلما، وذلك مثل شفرته.
.إدراك الصيد حيا:
إذا أدرك الصائد الصيد وهو حي وكان قد قطع حلقومه ومريئه أن تمزقت أمعاؤه وخرج حشوه فإنه في هذه الحال يحل بدون زكاة.
أما إذا أدركه وفيه حياة مستقرة، فإنه يحب في هذه الحال ذكاته، ولا يحل بدونها.
.وجود الصيد ميتا بعد إصابته:
إذا رمى الصائد الصيد فأصابه ثم غاب عنه ثم وجده بعد ذلك ميتا، فإنه يكون حلالا بشروط ثلاثة:
الأول: أن لا يكون قد تردى من جبل أو وجده في الماء لاحتمال أن يكون موته بالتردي أو الغرق.
روى البخاري ومسلم عن عدي بن حاتم قال: سألت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: «إذا رميت بسهمك فاذكر الله، فإن وجدته قد قتل فكل إلا أن تجده قد وقع في ماء، فإنك لا تدري الماء قتله أو سهمك».
الثاني: أن يعلم أن رميته هي التي قتلته وليس به أثر من رمي غيره أو حيوان آخر.
فعن عدي قال: قلت: يا رسول الله، أرمي الصيد فأجد فيه سهمي من الغد قال: «إذا علمت أن سهمك قتله ولم تر فيه أثر سبع فكل».
وفي رواية للبخاري: «إنا نرمي الصيد فتقتفي أثره اليومين والثلاثة ثم نجده ميتا وفيه سهمه قال: يأكل إن شاء».
الثالث: أن لا يفسد فسادا يبلغ درجة النتن، فإنه حينئذ يكون من المستقذرات الضارة التي تمجها الطباع.
فعن أبي ثعلبة الخشني أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: «إذا رميت بسهمك فغاب ثلاثة أيام وأدركته فكله ما لم ينتن».
أخرجه مسلم.