الخميس، 15 مارس 2012

موسوعة الفقه : باب الذكاة الشرعية أو الذبح الشرعى


الذكاة الشرعية : الذبح الشرعى

.تعريفها:
الذكاة في الاصل معناه التطيب، ومنه: رائحة ذكية، أي طيبة، وسمي بها الذبح لأن الإباحة الشرعية جعلته طيبا.
وقيل: الذكاة معناها: التتميم، ومنه: فلان ذكي، أي: تام الفهم.
والمقصود بها هنا ذبح الحيوان أو نحره بقطع حلقومه أو مريئه، فإن الحيوان الذي يحل أكله لا يجوز أكل شيء منه إلا بالتذكية ما عدا السمك والجراد.

.ما يجب فيها:
يجب في الذكاة الشرعية ما يأتي:
.1- أن يكون الذابح عاقلا:
سواء أكان ذكرا أم أنثى مسلما أو كتابيا.
فإذا فقد الأهلية بأن كان سكران أو مجنونا أو صبيا غير مميز فإن ذبيحته لا تحل.
وكذلك لا تحل ذبيحة المشرك من عبدة الاوثان والزنديق والمرتد عن الإسلام.

.ذبائح أهل الكتاب:
قال القرطبي: قال ابن عباس: قال الله تعالى: {ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق} ثم استثنى فقال: {وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم}. يعني ذبيحة اليهودي والنصراني.
وإن كان النصراني يقول عند الذبح: باسم المسيح، واليهودي يقول: باسم عزيز، وذلك أنهم يذبحون على الملة.
وقال عطاء: كل من ذبيحة النصراني وإن قال: باسم المسيح، لأن الله عز وجل أباح ذبائحهم وقد علم ما يقولون.
وقال القاسم بن مخيمرة: كل من ذبيحته وإن قال: باسم سرجس اسم كنيسة لهم.
وهو قول الزهري وربيعة والشعبي ومكحول.
وروي عن صحابيين: عن أبي الدرداء وعبادة بن الصامت.
وقالت طائفة: إذا سمعت الكتابي يسمي غير اسم الله عزوجل، فلا تأكل.
وقال بهذا من الصحابة: علي وعائشة وابن عمر، وهو قول طاوس والحسن، متمسكين بقول الله تعالى: {ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق}.
وقال مالك: أكره ذلك. ولم يحرمه.

.ذبائح المجوس والصابئين:
اختلف الفقهاء في ذبيحة المجوس بناء على اختلافهم في أصل دينهم، فمنهم من رأى أنهم كانوا أصحاب كتاب فرفع، كما روي عن علي، كرم الله وجهه، ومنهم من يرى أنهم مشركون.
والذين رأوا أنهم كانوا أصحاب كتاب قالوا بحل ذبائحهم وأنهم داخلون في قول الله سبحانه: {وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم}.
ويقول الرسول، صلى الله عليه وسلم: «سنوا بهم سنة أهل الكتاب» قال ابن حزم في المجوس: إنهم أهل كتاب فحكمهم كحكم أهل الكتاب في كل ذلك.
وإلى هذا ذهب أبو ثور والظاهرية. أما جمهور الفقهاء فإنهم حرموها لأنهم مشركون في نظرهم. والصابئون: قيل لا تجوز ذبائحهم وقيل بالجواز.

.2- أن تكون الآلة التي يذبح بها محددة:
يمكن أن تنهر الدم وتقطع الحلقوم، مثل السكين والحجر والخشب والسيف والزجاج والقصب الذي له حد يقطع كما تقطع السكين والعظم، إلا السن والظفر.
أ- روى مالك أن امرأة كانت ترعى غنما فأصيبت شاة منها، فأدركتها فذكتها بحجر، فسئل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عن ذلك فقال: «لا بأس بها».
ب- وروي عن الرسول، صلى الله عليه وسلم، أنه قيل له: أنذبح بالمروة وشقة العصا؟ قال: أعجل وأرن، وما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل، ليس السن والظفر. رواه مسلم.
ج- ونهى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عن شريطة الشيطان: «وهي التي تذبح فتقطع الجلد ولا تفري الاوداج».
أخرجه أبو داود عن ابن عباس، وفي إسناده عمرو ابن عبد الله الصنعاني وهو ضعيف.

.3- قطع الحلقوم والمرئ:
ولا يشترط إبانتهما ولا قطع الودجين لأنهما مجرى الطعام والشراب الذي لا يكون معهما حياة وهو الغرض من الموت، ولو أبان الرأس لم يحرم ذلك المذبوح.
وكذلك لو ذبحه من قفاه متى أتت الآلة على محل الذبح.

.4- التسمية:
قال مالك: كل ما ذبح ولم يذكر عليه اسم الله فهو حرام، سواء ترك ذلك الذكر عمدا أو نسيانا.
وهو قول ابن سيرين وطائفة من المتكلمين.
وقال أبو حنيفة: إن ترك الذكر عمدا حرم، وإن ترك نسيانا حل.
وقال الشافعي: يحل متروك التسمية سواء كان عمدا أم خطأ إذا كان الذابح أهلا للذبح.
عن عائشة أن قوما قالوا: يارسول الله، إن قوما يأتوننا باللحم لا ندري أذكر اسم الله عليه أم لا؟ قال: سموا عليه أنتم وكلوا، قالت: وكانوا حديثي عهد بالكفر أخرجه البخاري وغيره.

.ما يكره فيها:
ويكره في الذكاة ما يأتي:
1- أن يكون الذبح بآلة كالة، لما رواه مسلم عن شداد بن أوس أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: «إن الله كتب الاحسان على كل شئ، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته وابرح ذبيحته».
2- وعن ابن عمر، أن الرسول، صلى الله عليه وسلم، أمر أن تحد الشفار وأن توارى عن البهائم رواه أحمد.
3- كسر عنق الحيوان أو سلخه قبل زهوق روحه، لما رواه الدارقطني عن أبي هريرة أن الرسول، صلى الله عليه وسلم، قال: «لا تعجلوا الأنفس قبل أن تزهق».
وأما استقبال القبلة عند الذبح فلم يرد في استحبابه شئ.

.ذبح الحيوان وفيه رمق أو به مرض:
إذا ذبح الحيوان وفيه حياة أثناء الذبح حل أكله، ولو لم تكن هذه الحياة مستقرة يعيش الحيوان بمثلها.
وكذلك المريضة التي لا يرجى حياتها إذا ذبحت وفيها الحياة.
وتعرف الحياة بحركة يدها أو رجلها أو ذنبها أو جريان نفسها أو نحو ذلك، فإذا صارت في حال النزع ولم تحرك يداو لا رجلا فإنها في هذه الحال تعتبر ميتة ولا تفيد فيها الذكاة، لقول الله سبحانه: {حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلاما ذكيتم} أي أن هذه الاشياء محرمة عليكم، إلا ما أدركتموه، فإن ذكاته تحله.
وقد سئل ابن عباس عن ذئب عداعلى شاة فشق بطنها ثم انتثر قصبها فذبحت فقال: كل، وما انتثر من قصبها فلا تأكل.

.رفع اليد قبل تمام الذكاة:
وإذارفع المذكي يده قبل تمام الذكاة ثم رجع فورا وأكمل الذكاة فإن هذا جائز لأنه جرحها ثم ذكاها بعد وفيها الحياة فهي داخلة في وقول الله تعالى {إلا ما ذكيتم}.

.جرح الحيوان عند تعذر الذكاة:
الحيوان الذي يحل بالذكاة إن قدر على ذكاته ذكي في محل الذبح، وإن لم يقدر عليها كانت ذكاته بجرح جزء منه في أي موضع من بدنهبشرط أن يكون الجرح مدميا يجوز وقوع القتل به.
قال رافع بن خديج: كنا مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في سفر فند بعير من إبل القوم ولم يكن معهم خيل، فرماه رجل بسهم فحبسه، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم،: «إن لهذه البهائم أوابد كأوابد الوحش، فما فعل منها هذا فافعلوا به هكذا» رواه البخاري ومسلم.
وروى أحمد وأصحاب السنن عن أبي العشراء عن أبيه أنه قال: يا رسول الله، أما تكون الذكاة إلا في الحلق واللبة؟ قال: «لو طعنت في فخذها أجزأ عنك».
قال أبو داود: وهذا لا يصح إلا في المتردية والمتوحش.
قال الترمذي: وهذا في حال الضرورة كالحيوان الذي تمرد أو شرد فلم نقدر عليه أو وقع في بحر وخفنا غرقه فنضربه بسكين أو بسهم فيسيل دمه فيموت فهو حلال.
وروى البخاري عن علي وابن عباس وابن عمرو عائشة: ما أعجزك من البهائم مما في يدك فهو كالصيد، وما تردى في بئر فذكاته حيث قدرت عليه.

.ذكاة الجنين:
إذا خرج الجنين من بطن أمه وفيه حياة مستقرة وجب أن يذكى. فإن ذكيت أمه وهو في بطنها فذكاته ذكاة أمه إن خرج ميتا أو به رمق لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنين: «ذكاته ذكاة أمه» رواه عن أبي سعيد: أحمد، وابن ماجه، وأبو داود، والترمذي، والدارقطني، وابن حبان وصححه.
وقال ابن المنذر: وممن قال: ذكاته ذكاة أمه ولم يذكر أشعر أو لم يشعر: علي بن أبي طالب، وسعيد بن المسيب، وأحمد، وإسحاق، والشافعي وقال: إنه لم يرد عن أحد من الصحابة ولامن العلماء أن الجنين لا يؤكل إلا باستئناف الذكاة فيه، إلاما روي عن أبي حنيفة رحمه الله.
وقال ابن القيم: وردت السنة الصحيحة الصريحة المحكمة بأن ذكاة الجنين ذكاة أمه، خلاف الاصول، وهو تحريم الميتة.
فيقال: الذي جاء على لسانه تحريم الميتة استثنى السمك والجراد من الميتة، فكيف وليست بميتة فإنها جزء من أجزاء الأم والذكاة قد أتت على جميع أعضائها، فلا يحتاج أن يفرد كل جزء منها بذكاة.

والجنين تابع للأم، جزء منها، فهذا مقتضى الاصول الصحيحة، ولو لم ترد السنة بالاباحة، فكيف وقد وردت بالاباحة الموافقة للقياس والاصول.
وقد اتفق النص والاصل والقياس، ولله الحمد