التعارض والترجيح والنسخ
التعارض
حديث (الصلاة في بني قريظة ) ودلالته على مشروعية التعليل وإن خالف ظاهر اللفظ
فعن ابن عمر، رضي الله عنهما، قال: (( قال النبي ، صلى الله عليه وسلم، يوم الأحزاب: لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة، فأدرك بعضهم العصر في الطريق، فقال: لا نصلي حتى نأتيهم، وقال بعضهم: بل نصلّي لم يُرد منا ذلك فذُكر ذلك للنبي ، صلى الله عليه وسلم، فلم يعنِّف واحداً منهم)) [متفقٌ عليه، واللفظ للبخاري]
قال الحافظ ابن حجر، رحمه الله [الفتح 7/473]: "قال السُّهيلي وغيرُه: في هذا الحديث من الفقه أنه لا يعاب على من أخذ بظاهر حديث أو آية ولا على من استنبط من النَّص معنى يخصِّصُه"
وقال ابن القيم، رحمه الله [إعلام الموقعين 1/203]: "وقد اجتهد الصحابة في زمن النبي ، صلى الله عليه وسلم، في كثير من الأحكام ولم يعنفهم، كما أمرهم يوم الأحزاب أن يصلوا العصر في بني قريظة، فاجتهد بعضهم وصلاها في الطريق، وقال لم يرد منا التأخير، وإنما أراد سرعة النهوض، فنظروا إلى المعنى، واجتهد آخرون وأخروها إلى بني قريظة فصلوها ليلاً، نظروا إلى اللفظ، وهؤلاء سلف أهل الظاهر، وهؤلاء سلف أصحاب المعاني والقياس".
حاصل اجتهاد الصحابة الذي صلوا في الطريق أنه تخصيص لعموم النص بالعلة، وذلك أن قوله ، صلى الله عليه وسلم: (( لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة )) نهيٌ يعمُّ جميعَ المخاطبين به في جميع الأحوال، سواءٌ خِيف فوات وقت الصلاة أم لا، ولكنْ بعدَ أن وَقَفَ الصحابة على علة هذا النهي خصَّصُوا بها هذا العموم فأخرجوا منه حالةَ ما إِذا خُشِيَ فواتُ الوقت، فكأنَّ النهي بعد فهْمِ العلة صار كالتالي: لا يصلِّينَّ أحدكم العصر إلا في بني قريظة إلا أن يخشى فوات الوقت.
ومن ثَمَّ أَقَرَّ النبي ، صلى الله عليه وسلم، أصحابَه على هذا الاجتهاد فكان دليلاً على جواز أن يُستنبطَ من النص معنى يخصِّصُهُ، كما قاله السهيلي، رحمه الله.
لكن بقي هاهنا إشكال، وهو أن هذا الحديث وإن كان دالاً على مشروعية اتباع العلل والمعاني، وإن خالفت ظاهرَ اللفظ، فإنه دال في الوقت نفسه على مشروعية اتِّباع الظاهر وإن عارضته العلة. ومن المقرَّر أن المجتهد حين نظره إلى النص ينبغي أن لا يُغفل الظنَّ الحاصل من العلة، ويقتصر على الظَّاهِرِ فَحَسب لا سيما إذا كانت العلة واضحةً جَليةً كما هو الشأن في هذا الحديث.
فهل في هذا الحديث دليلٌ على جواز اتِّباع الظاهر بإطلاق كما يفعله الظاهرية؟
والجواب على هذا الإشكال هو أنَّ ظاهر النص بالنظر إلى العلة يُتبَّعُ في حالات وهي:
1- إذا توافق مقتضاه مع مقتضى العلة.
2- إذا تعارض مقتضاه مع مقتضى العلة وكان مقتضاه أقوى من مقتضى العلة.
3- إذا تعارض مقتضاه مع مقتضى العلة وكان مقتضاه مساوياً لمقتضى العلة.
4- إذا خفيت علة النص ولم يمكن الوقوف عليها.
ويُترك الظاهر بسبب التعليل في حالةٍ واحدةٍ فقط وهي: إذا تعارض مقتضاه مع مقتضى العلة وكان الظنُّ الحاصلُ من العلة أقوى من الظن الحاصل من ظاهر اللفظ مع احتمال اللفظ للتأويل.
وبناءً على هذا التفصيل يمكن تخريج اجتهاد الصحابة الذين أخَّروا الصَّلاة - كما هو في الواقع - ليكون مندرجاً ضمن الحالات التي يتبع فيها الظاهر، وذلك بأن يُقال:
إنَّ الصحابة المؤخِّرين للصلاة إِذِ اتبعوا الظاهر فإنهم ظنُّوهُ مقصوداً للشارع، وتأيَّد ظنُّهم هذا بأن النبي، صلى الله عليه وسلم، يعلم الطريق إلى بني قريظة، وقدْرَ ما يستغرق قطعُها من الوقت ومستبعدٌ أن يغيب عن خاطره، صلى الله عليه وسلم، أنه سيفوتُهم وقتُ العصر، فلو كان مقصودُه أنْ يُصلُّوا في الطَّريق لَنبَّهَ على ذلك واستدرك قائلاً: لا يصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة إلا أن يخشى فوات الوقت، وعليه فالظن بأنَّ الظاهرَ مقصودٌ للشارع كان عند هؤلاء الصحابة أقوى من ظنِّ العلة وبناءً على ذلك عملوا بمقتضاه لا بمقتضى العلة.
فسيرهم هذا وراء الظاهر لم يكن نتيجةَ إِهمالٍ للعلِّةِ مُطلقاً كما يفعلة الظَّاهِريَّة، وإنما لأنهم رَأوا أن العِلَّة - وهي محلٌ لاختِلاف التقديرات - لم تبلغ من القوة بحيث تقضي على ظاهر اللفظ.
هذا وجهٌ في التخريج، ووجهٌ آخرُ لعلَّهُ أَصَحُّ:
أنَّ الصحابة المؤخِّرين للصلاة إِذِ اتبَّعوا الظاهر فإنَّهم قد التفتوا إلى العلةِ فتأيَّد لديهم ظاهرُ اللفظِ بموافقته مقتضى العلَّةِ، ووجه ذلك: أن النُّزول للوضوء في الطريق، ومن ثم الصلاة يتطلَّب قدْراً لا بأس به من الوقت، وهذا تأخير يُنافي "الإسراع" الذي هو علَّةُ النص، وبهذا يكون مقتضى العلة من هذا الوجهِ يُوجِبُ تَأخيرَ الصَّلاةِ وعدمَ أدائِها في الطَّريق كما يوجب ذلك ظاهرُ اللفظ.
وإذن، ونظراً لالتِفات هؤلاء الصحابة إلى العلة فليس في هذا الحديث دلالةٌ على جواز إهمال العلَّةِ واتِّباعِ ظاهر اللفظ مُطلقاً كما هو دأب الظاهرية.
فإن قيل: فإذا كان الصحابة المؤخِّرين للصلاة، وكذا المقدِّمين لها قد التفتوا جميعاً إلى العلة فلماذا اختلفت نتيجةُ اجتهادهم؟
فالجواب هو أنَّ الفريقين جميعاً، وإن التفتوا إلى العلة، إلا أنهم لم يلتفتوا إليها بالقدْرِ نفسِهِ، بل كان التفاتُ المؤخِّرين للصلاة إلى العلَّةِ أعمقَ وأقوى، حيث إنَّهم أَبَوا أن يُفَوِّتوا "الإسراع" الذي هو علَّة النص ولو بأداء الصلاة، أما الآخرون فإنهم، وإن التفتوا إلى العلة، إلا أنهم اكتفوا تلبيةً لمقتضاها بِسرعةِ النُّهوض والذَّهاب إلى بني قريظة من غير تَشَاغُلٍ بشيء، ورأوا أن ذلك فقط يحقِّق مقصود النبي، صلى الله عليه وسلم، من قوله، ولم تصل بهم نظرتُهم إلى العلة إلى درجة أن يعتبروا الإسراعَ مَطْلوباً في أثناءِ الطَّريق إلى القَدْرِ الذي ينبغي أن تُتْرك من أَجْلِهِ الصَّلاة على الرَّغْم من أهميتها وضرورتها، وهذا ظاهر في قولهم: "بل نصلي لم يرد منا ذلك" أي أراد منا الإسراع لكن لا إلى درجة ترك الصلاة، وبناء على ذلك صلوا في الطريق وإن كان ذلك مخالفاً لظاهر اللفظ.
هذا ولمَّا كان في هذا الحديث حجةٌ قويةٌ على جواز اتباع مقتضى العلة، وإن عارض مقتضى اللفظ فقد تلبَّك ابن حزم، رحمه الله، في الإجابة عنه وذَكَرَ في تزييف دلاله هذا الحديث على ذلك جواباً ضعيفاً وهو [الإحكام 3/28]: "أنه قد كان تقدم من رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أمرٌ في وقت العصر أنه مُذْ يزيد ظل الشيء على مثله إلى أن تصفَّر الشمس، وأن مؤخِّرَها إلى الصُّفْرَةِ بغير عذرٍ يفعل فِعْلَ المنافقين، فاقترن على الصحابة في ذلك أمرانِ واردان، واجبٌ أن يُغلَّب أحدُهما على الآخر ضرورةً، فأَخَذتْ إحدى الطائفتين بالأمر المتقدِّم وأَخَذَتِ الأُخرى بالأمْر المتأخِّر".
وحاصل هذا الجواب أن اختلاف الصحابة في هذه الواقعة لم يكن بسبب اتباع العلة أو اتباع الظاهر وإنما بسبب تعارض الأوامر الشرعية:
أحدها: وهو المتقدِّم، يوجب أن تُؤدَّى صلاةُ العصر في وقتها.
والآخر: وهو المتأخِّر، يُوجب أن تُؤدَّى الصلاة في بني قريظة بغضِّ النَّظر عن وقت الأداء.
والخِلاف النَّاشئ بسبب تعارض النصوص يجيزه ابن حزم ولا يُحَرِّجُ فيه، بخلاف الناشئ عن اتباع الرأي والعلل [الإحكام 8/146 وما بعدها].
ولا يخفى تكلُّفُ هذا الجواب على ذي نَظَر؛ إذ على فرض تسليم التعارض بين الأوامر كما ادَّعاهُ ابن حزم رحمه الله، فإن المتعارِضَيْن عامٌّ مُتقدِّمٌ وخاصٌّ متأخِّرٌ: عامٌّ يأمر بالمحافظة على صلاة العصر بوجه عام وأدائها في وقتها، وخاصٌّ ينهى عن صلاةِ عَصْر مُعينةٍ في يومٍ مُعينٍ لأناسٍ مُعينين، ومن المُحَالِ على الصحابة، وهم أفقه هذه الأمة وأعلمها أن يقدِّموا العامَّ المتقدِّم على الخاصِّ المتأخِّر، لا سيما وقد تَضَافَرت وتتابعت أقوال الأصوليين - حتى ابن حزم - على أنَّ الخاصَّ المتأخِّرَ يقضي على الخاصِّ المتقدِّم [الإحكام 2/22، 4/54] فكيفَ لا يقضي على العام الذي هو أضعف دلالة؟!
وما مَثَلُ من قدَّمَ العامَّ المتقدِّمَ على الخاصِّ المتأخِّرِ إلا كمثل سيِّدٍ قال لغلامه: "لا تُدْخلْ أحداً عليَّ" ثم جاءَه بعد حينٍ وقال له: "إذا جاء زيدٌ فأَدْخِلْهُ"، فجاء زيد فلم يسمح له الغُلامُ بالدخول، فلمَّا بلغ ذلك إلى السَّيِّد قال لغلامه: "لِمَ لمْ تسمحْ لهُ بالدخول، وقد أمرتُك بإدخاله"، فقال الغلام مُجيباً: إنه قد سبق منك أمرٌ لي بعدم إدخالِ أَحَدٍ، وعلى هذا الأمر اعتمدتُّ فقدَّمتُهُ على أمرك المتأخِّر، فهل تستقيمُ عند ذوي العقول حجَّةُ هذا الغلام؟!
والقول بأن اجتهاد الصحابة الذين صلوا في الطريق كان اعتماداً على العام المتقدم ما هو إلا تشبيهٌ لاجتهادهم هذا باجتهاد هذا الغلام.
وفي هذا من التجهيل لهم - رضوان الله عليهم بأبسط قواعد الاجتهاد ـ بل التفكير المنطقي ـ ما فيه؟ فحاشاهم إيَّاه.
نعم، لا يُنكرُ أن الصحابة نظروا إلى العام المتقدِّم الآمِر بأداء الصلاة على وقتها، لكنّ هذا لم يكن إلا بعد أن صرفوا النَّهي الخاصَّ المتأخِّر عن ظاهره بالتعليل، وهذا هو المقصود من الاستدلال بهذا الحديث، وذلك بينٌ واضح - لو تأمَّل ابن حزم - من قولهم في دفع النهي المتأخر "لم يُرِدْ منا ذلك" أي تأخير الصلاة،
النسخ
معنى النسخ
النسخ في اللغة :
يطلق على معان تدور بين النقل و الإبطال والإزالة .فيقولون نسخ زيد الكتاب إذا نقله عن معارضة إلى مقابلة ،نسخ النحل إذا نقله من خلية إلى أخرى ، ويقولون نسخ الشيب الشباب ، إذا أزاله وحل محله .
ويقولون: نسخت الريح آثار القوم ؛إذا أبطلتها وعفت عليها . ويختلفون في هذه المعاني أيها على سبيل الحقيقة ، وأيها على سبيل المجاز ،ويختلفون كذلك في قياسه مما لايتسع المجال لتفصيله هنا ، وهو مفصل في أساس البلاغة و معجم مقاييس اللغة .
وفى لسان العرب
النسخ اكتتابك كتابا عن كتاب حرفا بحرف والأصل نسخة والمكتوب عنه نسخة لأنه قام مقامه والكاتب ناسخ و منتسخ و الاستنساخ كتب كتاب من كتاب وفي التنزيل ( إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون ) أي نستنسخ ما تكتب الحفظة فيثبت عند الله وفي التهذيب أي نأمر بنسخه وإثباته و النسخ إبطال الشيء وإقامة آخر مقامه وفي التنزيل ( ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ) والآية الثانية ناسخة والأولى منسوخة ،ابن الأعرابي النسخ تبديل الشيء من الشيء وهو غيره ونسخ الآية بالآية إزالة مثل حكمها و النسخ نقل الشيء من مكان إلى مكان وهو هو..... الفراء النسخ أن تعمل بالآية ثم تنزل آية أخرى فتعمل بها وتترك الأولى والأشياء تناسخ تداول فيكون بعضها مكان بعض كالدول والملك وفي الحديث لم تكن نبوة إلا تناسخت أي تحولت من حال إلى حال يعني أمر الأمة وتغاير أحوالها والعرب تقول نسخت الشمس الظل و انتسخته أزالته والمعنى أذهبت الظل وحلت محله.... و نسخت الريح آثار الديار غيرتها و النسخة بالضم أصل المنتسخ منه و التناسخ في الفرائض والميراث أن تموت ورثة بعد ورثة وأصل الميراث قائم لم يقسم وكذلك تناسخ الأزمنة والقرن بعد القرن .
النسخ عند الأصوليين :
للنسخ عند الأصوليين تعريفات كثيرة ،اختار الشوكانى منها تعريفا ، نقله عن جماعة من العلماء فقال : "... وأما في الاصطلاح فقال جماعة منهم القاضي أبو بكر الباقلاني والصيرفي والشيخ أبو إسحاق الشيرازي والغزالي والامدي وابن الانباري وغيرهم :هو الخطاب الدال على ارتفاع الحكم الثابت بالخطاب المتقدم على وجه لولاه لكان ثابتا مع تراخيه عنه وإنما أثروا الخطاب على النص ليكون شاملا للفظ والفحوى والمفهوم فانه يجوز نسخ جميع ذلك وقالوا" الدال على ارتفاع الحكم " ليتناول الأمر والنهي والخبر وجميع أنواع الحكم وقالوا " بالخطاب المتقدم " ليخرج إيجاب العبادات ابتداء فانه يزيل حكم العقل ببراءة الذمة ولا يسمى نسخا لأنه لم يزل حكم خطاب وقالوا "على وجه لولاه لكان ثابتا " لان حقيقة النسخ الرفع وهو إنما يكون رافعا لو كان المتقدم بحيث لولا جريان النسخ لبقي
وقالوا " مع تراخيه عنه " لأنه لو اتصل لكان بيانا لمدة العبادة لا نسخا
مثال ذلك قوله – صلى الله عليه وسلم - : " كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها فإنها ترق القلب وتدمع العين وتذكر الآخرة ولا تقولوا هجرا "
وقد ساق الشوكانى عددا من التعريفات وما دار حولها من المناقشات ، ثم اختار تعريفاً للنسخ فقال " فالأولى أن يقال : هو رفع حكم شرعي بمثله مع تراخيه "
الحكمة من النسخ
وأما حكمة الله في أنه نسخ بعض أحكام الإسلام ببعض فترجع إلى سياسة الأمة وتعهدها بما يرقيها ويمحصها وبيان ذلك أن الأمة الإسلامية في بدايتها حين صدعها الرسول بدعوته كانت تعاني فترة انتقال شاق بل كان أشق ما يكون عليها في ترك عقائدها وموروثاتها وعادتها خصوصا مع ما هو معروف عن العرب الذي شوفهوا بالإسلام من التحمس لما يعتقدون أن من مفاخرهم وأمجادهم فلو أخذوا بهذا الدين الجديد مرة واحدة لأدى ذلك إلى نقيض المقصود ومات الإسلام في مهده ولم يجد أنصارا يعتنقونه ويدافعون عنه لأن الطفرة من نوع المستحيل الذي لا يطيقه الإنسان من هنا جاءت الشريعة إلى الناس تمشي على مهل متألفة لهم متلطفة في دعوتهم متدرجة بهم إلى الكمال رويدا رويدا صاعدة بهم في مدارج الرقي شيئا فشيئا منتهزة فرصة الألف والمران والأحداث الجادة عليهم لتسير بهم من الأسهل إلى السهل ومن السهل إلى الصعب ومن الصعب إلى الأصعب حتى تم الأمر ونجح الإسلام نجاحا لم يعرف مثله في سرعته وامتزاج النفوس به ونهضة البشرية بسببه .
تلك الحكمة على هذا الوجه تتجلى فيما إذا كان الحكم الناسخ أصعب من المنسوخ كموقف الإسلام في سموه ونبله من مشكلة الخمر في عرب الجاهلية بالأمس وقد كانت مشكلة معقدة كل التعقيد يحتسونها بصورة تكاد تكون إجماعية ويأتونها لا على أنها عادة مجردة بل على أنها أمارة القوة ومظهر الفتوة وعنوان الشهامة فقل لي بربك هل كان معقولا أن ينجح الإسلام في فطامهم عنها ولو لم يتألفهم ويتلطف بهم إلى درجة أن يمتن عليهم بها أول الأمر كأنه يشاركهم في شعورهم وإلى حد أنه أبى أن يحرمها عليهم في وقت استعدت فيه بعض الأفكار لتسمع كلمة تحريمه حين سألوه صلى الله عليه وسلم يسألونك عن الخمر والميسر
أما الحكمة في نسخ الحكم الأصعب بما هو أسهل منه فالتخفيف على الناس ترفيها عنهم وإظهارا لفضل الله عليهم ورحمته بهم وفي ذلك إغراء لهم على المبالغة في شكره وتمجيده وتحبيب لهم فيه وفي دينه
وأما الحكمة في نسخ الحكم بمساويه في صعوبته أو سهولته فالابتلاء والاختبار ليظهر المؤمن فيفوز والمنافق فيهلك ليميز الخبيث من الطيب
يبقى الكلام في حكمة بقاء التلاوة مع نسخ الحكم وفي حكمة نسخ التلاوة مع بقاء الحكم
أما حكمة بقاء التلاوة مع نسخ الحكم فتسجل تلك الظاهرة الحكيمة ظاهرة سياسة الإسلام للناس حتى يشهدوا أنه هو الدين الحق وأن نبيه نبي الصدق وأن الله هو الحق المبين العليم الحكيم الرحمن الرحيم يضاف إلى ذلك ما يكتبونه من الثواب على هذه التلاوة ومن الاستمتاع بما حوته تلك الآيات المنسوخة من بلاغة ومن قيام معجزات بيانية أو علمية أو سياسية بها
وأما نسخ التلاوة مع بقاء الحكم فحكمته تظهر في كل آية تناسبها وإنه لتبدو لنا حكمة رائعة في مثال مشهور من هذا النوع
ذلك أنه صح في الرواية عن عمر بن الخطاب وأبي بن كعب أنهما قالا كان فيما أنزل من القرآن الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموها ألبته أي كان هذا النص آية تتلى ثم نسخت تلاوتها وبقي حكمها معمولا به إلى اليوم والسر في ذلك أنها كانت تتلى أولا لتقرير حكمها ردعا لمن تحدثه نفسه أنه يتلطخ بهذا العار الفاحش من شيوخ وشيخات حتى إذا ما تقرر هذا الحكم في النفوس نسخ الله تلاوته لحكمة أخرى هي الإشارة إلى شناعة هذه الفاحشة وبشاعة صدورها من شيخ وشيخة حيث سلكها مسلك ما لا يليق
أن يذكر فضلا عن أن يفعل وسار بها في طريق يشبه طريق المستحيل الذي لا يقع كأنه قال نزهوا الأسماع عن سماعها والألسنة عن ذكرها فضلا عن الفرار منها ومن التلوث برجسها كتب الله لنا الحفظ والعصمة .
ويمكن إجمال حكمة النسخ في النقاط التالية :
1. مراعاة مصالح العباد .
2. تطور التشريع إلى مرتبة الكمال حسب تطور الدعوة و تطور حال الناس .
3. ابتلاء المكلف واختباره بالامتثال وعدمه .
4. إرادة الخير للأمة والتيسير عليها ،لأن النسخ إن كان إلى أشق ففيه زيادة الثواب ، وإن كان إلى أخف ففيه سهوله ويسر
موقف العلماء من النسخ
أجمع العلماء على أن النسخ جائز عقلاًَ ، وواقع سمعاً ، إلا ما يروي عن أبى مسلم الأصفهاني في أنه جائز ، ولكنه لم يقع .
و النقول عن أبى مسلم متضاربة ، فبعضهم ينقل عنه نفي الوقوع مطلقاً ، وبعضهم ينقل عنه أنه يقول بوقوعه بين الشرائع بعضها مع بعض وينكر وقوعه فى الشريعة الواحده .
وقد حاول بعض العلماء أن يجعل الخلاف بينه وبين الجمهور خلافاً لفظيــــا ً .
قال ابن دقيق العيد : " نقل عن بعض المسلمين إنكار النسخ لا بمعنى ان الحكم الثابت لا يرتفع بل بمعنى انه ينتهي بنص دل على انتهائه فلا يكون نسخا "
كما نقل عنه بعض العلماء : أنه إنما أنكر الجواز ، وأن خلافه في القرآن خاصة ، لاكما نقل الآمدى وابن الحاجب أنه أنكر الوقوع .
قال الشوكانى رداً على هذه الافتراضات : " وعلى كلا التقديرين فذلك جهالة منه عظيمة للكتاب والسنة ولأحكام العقل فانه إن اعترف بأن شريعة الإسلام ناسخة لما قبلها من الشرائع فهذا بمجرده يوجب عليه الرجوع عن قوله وان كان لا يعلم ذلك فهو جاهل بما هو من الضروريات الدينية "
ويري فضيلة الشيخ :على حسب الله عدم تصديق أن عالما ً مثله ينكر نسخ شريعة بشريعة أو نسخ القرآن للسنة ، فذلك مما لا يخفى على مثله ولا ينكره مسلم ، وأنه لا يستحق كل ما وكل إليه من لوم وتشنيع ولا ينبغي أن نصدق كل ما أ فترى عليه .
وزعم فريق من اليهود أن النسخ لا يجوز عقلا ً ،لما يلزمه –في نظرهم- من البداء – وهو ظهور الحكمة بعد خفائها .
فقالوا : أن النسخ إن لم يكن لحكمة كان عبثا ً ،يتنزه الله –تعالي -عنه- و إن كان لحكمة فإنه يقتضى ظهور مصلحة لمتكن ظاهرة له ، وذلك محال عليه .
وقد فند علماء الأصول زعمهم ، وردوا شبههم بالمعقول والمنقول ومن أقوى الأدلة في الرد ورود النسخ في التوراة في كثير من المسائل .
وقد أفاض الشيخ الزرقانى في مناهل العرفان في الرد علي هذه الشبه
الفرق بين النسخ و التخصيص
إن وجود تشابه بين النسخ والتخصيص حيث أن النسخ يفيد تخصيص الحكم ببعض الأزمان، والتخصيص يفيد رفع الحكم عن بعض الأفراد؛ مما حدا ببعض العلماء أن أنكر وقوع النسخ في الشريعة وسماه تخصيصاً ، ومنهم من أدخل صوراً من التخصيص في باب النسخ .
الفروق التي تميز النسخ من التخصيص :
1. أن العام بعد تخصيصه مجاز ، لأن مدلوله وقتئذ بعض أفراده، مع أن لفظه موضوع للكل ، والقرينة هي المخصص ، وكل ما كان كذلك فهو مجاز ، أما النص المنسوخ فما زال كما كان مستعملاً فيما وضع له ، غايته أن الناسخ دل على أن إرادة الله تعلقت أزلاً باستمرار هذا الحكم إلى وقت معين ، وإن كان النص المنسوخ متناولاً جميع الأزمان .
2. أن حكم ما خرج بالتخصيص لم يكن مرادا من العام أصلاً ، بخلاف ما خرج بالنسخ فإنه كان مراداً من المنسوخ لفظاً .
3. أن التخصيص لايأتى على الأمر لمأمور واحد ولا على النهى لمنهي واحد ، أما النسخ ، فيمكن أن يعرض لهذا كما يعرض لغيره ، ومنها الأحكام الخاصة بالنبي – صلى الله عليه وسلم - .
4. أن النسخ يبطل حجية المنسوخ إذا كان رافعاً للحكم بالنسبة إلى جميع أفراد العام ، ويبقى على شيء من حجيته إذا كان رافعاً للحكم عن بعض أفراد العام دون بعض . أما التخصيص فلا يبطل حجية العام أبداً ،بل العمل به قائم فيما بقي من أفراده بعد تخصيصه .
5. أن النسخ لا يكون إلا بالكتاب والسنة ،بخلاف التخصيص ، بخلاف التخصيص فإنه يكون بهما وبغيرهما كدليل الحس والعقل ، فقول الله سبحانه: ( والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما ) .
قد خصصه قوله - صلى الله عليه وسلم - : { لا قطع إلا في ربع دينار } .
ومثله قوله سبحانه : (تدمر كل شيء بأمر ربها ) قد خصصه ما شهد به الحس من سلامة السماء و الأرض ، وعدم تدمير الريح لهما .
6 . أن النسخ لا يكون إلا بدليل متراخ عن المنسوخ ، أما التخصيص فيكون بالسبق واللاحق و المقارن .
7 . أن النسخ لا يقع في الأخبار ، بخلاف التخصيص فإنه يكون في الأخبار وفى غيرها
أدلة الجمهور على وقوع النسخ
أستدل الجمهور على جواز النسخ بأدلة كثيرة نورد منها دليلين لضيق المقام هنا
أولا ً – النصوص الشرعية :
هناك الكثير من الآيات القرآنية التي تدل علي وقوع النسخ في القرآن الكريم ،ومما يجرى علي القرآن يجري علي السنة .
الآية الأولي قوله تعالى في سورة البقرة ( ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله علي كل شيء قدير ) .
سبب نزول الآية ، قال الإمام القرطبي :
" وهذه آية عظمى في الأحكام وسببها أن اليهود لما حسدوا المسلمين في التوجه إلى الكعبة وطعنوا في الإسلام بذلك وقالوا إن محمدا يأمر أصحابه بشيء ثم ينهاهم عنه فما كان هذا القرآن إلا من جهته ولهذا يناقض بعضه بعضا فأنزل الله وإذا بدلنا آية مكان آية وأنزل ما ننسخ من آية .
و جمهور المفسرين علي أن المراد من الآية هنا هي الآية القرآنية وممن قال بهذا لرأى الحسن الماوردي و جار الله الزمخشري و الرازي و القرطبي وأبو حبان و النيسابوري و شهاب الدين الآلوسى وغيرهم كثير من كبار أئمة التفسير
قال الزمخشري :
والمعنى أن كل آية يذهب بها على ما توجبه المصلحة من إزالة لفظها وحكمها معا أو من إزالة أحدهما إلى بدل أو غير بدل .
قال الرازي في التفسير الكبير :
" وأما قوله مّنْ ءايَةٍ فكل المفسرين حملوه على الآية من القرآن "
وفى تفسير الخازن : "الصحيح الذي عليه جمهور العلماء أن المراد من النسخ هو رفع حكم بعض الآيات بدليل آخر يأتي بعده وهو المراد بقوله تعالى : ( ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ) لأن الآية إذا أطلقت فالمراد بها آيات القرآن لأنه هو المعهود عندنا "
ثم قال : النسخ في القرآن على وجوه :
أحدها : ما رفع حكمه وتلاوته كما روى . عن أبى أمامة بن سهل أن قوما ً من الصحابة قاموا ليلة ليقرءوا سورة فلم يذكروا منها إلا بسم الله الرحمن الرحيم فغدوا إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم - فأخبروه فقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم –تلك سورة رفعت بتلاوتها وحكمها . وأخرجه البغوى من غير سند . وقيل : إن سورة الأحزاب كانت مثل سورة البقرة فرفع بعضها تلاوة وحكما ً .
الوجه الثاني : ما رفع تلاوته وبقى حكمه مثل آية الرجم .
والوجه الثالث : ما رفع حكمه وثبت خطه وتلاوته وهو كثير في القرآن.
ثانياً الإجمــــــــــــــــاع :
فإن جميع العلماء يقررون وقوع النسخ إلا أبا مسلم الأصفهاني الذي تقدم الكلام عنه وإن كان بعض المتأخرين يرى استبعاد إنكار محمد بن بحر الأصفهاني النسخ إنكاراً مطلقاً وأن الأمر يحتاج إلى مزيد بحث كما أشار إلى ذلك فضيلة الشيخ على حسب الله .
وبالأخص الإمام الشافعي-رضي الله عنه – الذي وضع اللبنة الأولى لعلم الأصول بتأليف كتابه المسمى (الرسالة ) كان من بين ما حوته هذه الرسالة تحريره لمدلول النسخ ، وبيان ما هو نسخ مما ليس بنسخ ، وذكر الحكمة فيه ، وبين مذهبه أن القرآن لا ينسخه إلا القرآن ، وأن السنة لا ينسخها إلا سنة مثلها ،مع دعم ذلك بذكر أمثلة تثبت وقوع النسخ في القرآن الكريم .
وإذا كان المفسرين وعلماء الأصول قد عالجوا قضايا النسخ في أثناء تآليفهم ،فإن هناك العديد من العلماء في مختلف العصور قد أفردوا كتباً خاصة ببيان النسخ في القرآن الكريم ، وهذه الكتب منها ما هو مخطوط ، ومنها ما هو مطبوع ، ومنها ما أشارت له كتب التراجم و التاريخ ، وكل ذلك يدل دلالة قاطعة على أن المنكرين لوقوع النسخ قد خالفوا النص القرآني ، والسنة النبوية الصحيحة ومنطق العقل السليم ، و إجماع المجتهدين من أمة سيدنا ٍٍ النبي –صلى الله عليه وسلم
الفرق بين النسخ و اَلبَدَاء
البَدَاء عبارة ظهور الشيء بعد خفائه ،ومنه يقال بدا لنا سور المدينة بعد خفائه ، وبدا لنا الأمر الفلاني ،أي ظهر بعد خفائه ، وإليه الإشارة بقوله تعالى (وبدا لهم ما لم يكونوا يحتسبون ) ،
( بل بدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون ) (وبدا لهم سيئات ما عملوا ) .
فإن النسخ يتضمن الأمر بما نهى عنه ، والنهى عما أمر به ، والفعل لا يخرج عن كونه مستلزما لمصلحة أو مفسدة ، فالنهى عنه بعد الأمر به على هذا الحد الذى أمر به ، إنما يكون لظهور ما كان قد خفي من المفسدة ، وذلك عين البداء .
قال أبو جعفر الفرق بين النسخ والبداء أن النسخ تحويل العباد من شيء قد كان حلالا فيحرم أو كان حراما فيحلل أو كان مطلقا فيحظر أو كان محظورا فيطلق أو كان مباحا فيمنع أو ممنوعا فيباح إرادة الصلاح للعباد
وقد علم الله عز وجل العاقبة في ذلك وعلم وقت الأمر به أنه سينسخه إلى ذلك الوقت فكان المطلق على الحقيقة غير المحظور فالصلاة كانت إلى بيت المقدس إلى وقت بعينه ثم حظرت وصيرت إلى الكعبة وكذا قوله عز وجل إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة وقد علم الله عز وجل أنه إلى وقت بعينه ثم نسخه في ذلك الوقت وكذا تحريم السبت كان في وقت بعينه على قوم ثم نسخ وأمر قوم آخرون بإباحة العمل فيه كان الأول المنسوخ حكمة وصوابا ثم نسخ وأزيل بحكمة وصواب كما تزال الحياة بالموت وكما تنقل الأشياء فلذلك لم يقع النسخ في الأخبار لما فيها من الصدق والكذب .
وأما البداء فهو ترك ما عزم عليه كقولك امض إلى فلان اليوم ثم تقول لا تمض إليه فيبدو لك عن القول الأول وهذا يلحق البشر لنقصانهم وكذا إذا قلت ازرع كذا في هذه السنة ثم قلت لاتفعل فهذا البداء وإن قلت يا فلان ازرع فقد علم أنك تريد مرة واحدة وكذا النسخ إذا أمر الله عز وجل بشيء في وقت نبي أو في وقت يتوقع فيه نبي فقد علم أنه حكمة وصواب إلى أن ينسخ وقد نقل من الجماعة من لا يجوز عليهم الغلط نسخ شرائع الأنبياء من لدن ادم صلى الله عليه وسلم إلى وقت نبينا صلى الله عليه وسلم وهم الذين نقلوا علامات الأنبياء
وقد غلط جماعة في الفرق بين النسخ والبداء كما غلطوا في تأويل أحاديث حملوها على النسخ أو على غير .
ولما خفي الفرق بين الباء و النسخ على اليهود والرافضة ، منعت اليهود النسخ فى حق الله تعالي و جوزت الروافض البداء عليه لاعتقادهم جواز النسخ على الله تعالى مع تعذر الفرق عليهم بين النسخ والبداء ، وتمسكوا بما نقل عن علي ،وجعفر الصادق ، وموسي بن جعفر –رضي الله عنهم - .
وما نقلوه عن علي وآل بيته ، فمن الأحاديث التي انتحلها الكذاب الثقفي على أهل البيت ، فإنه كان يدعي العصمة لنفسه ، ويخبر بأشياء فإذا ظهر كذبه فيها ، قال إن الله وعدني بذلك ، غير أنه بدا له منه ، وأسند ذلك إلى آل البيت مبالغة في ترويج أكاذيبه .
فائدة في الفرق بين النسخ و البداء
يقول الكرمى في كتابه الناسخ والمنسوخ :
أن الله تعالى عالم بما فرض وبرفع ذلك الفرض وإزالة حكمه وانقضاء زمن تلك العبادة ووقت الفرض الناسخ للفرض الأول فهو تعالى علام الغيوب ليس علم شيء عنه بمحجوب يعلم سبحانه عواقب الأمور وكل شيء عنده في كتاب مسطور بخلاف البداء فإنه من أوصاف أفعال المخلوقين الذين لا يعلمون عواقب الأمور تركه أولى من فعله ولم يكن ما ظهر له ثانيا في نيته حين أمر بالأول ولم يعلم أن ما أمر به سيبدوا له وجه المصلحة في الرجوع عنه ومع ذلك فهو لا يعلم أي الأمرين خير له ما عزم أولا أم ما بدا له ثانيا بل كل ذلك تبعا للظن تغليبا له بقياس يستعمله العقل ويريه إياه في مرآة التجارب وكثير من يخطئ في القياس ويغلط فيه للعجز عن إدراك حقائق الأشياء لأن ذلك مما استأثر الله به دون خلقه تعالى الله علام الغيوب ،
فهذا هو الفرق بين النسخ والبداء وهو من دقيق هذا العلم فاعرفه
شروط النســـــــــــخ
شروط النسخ ، منها ما هو متفق عليه ، ومنها ما هو مختلف فيه .
أولاً : الشروط المتفق عليها :
1. أن يكون المنسوخ حكما شرعياً ، لأن الأمور العقلية التي مستندها البراءة الأصلية لم تنسخ ، وإنما ارتفعت بإيجاب العبادات .
2. أن يكون النسخ بخطاب شرعي لا بموت المكلف ، لأن الموت مزيل للحكم لا ناسخ له .
3. أن لا يكون الحكم السابق مقيداً بزمان مخصوص ، نحو قوله عليه الصلاة والسلام : " لا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس ، ولا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس " . فإن الوقت الذي يجوز فيه أداء النوافل التي لا سبب لها مؤقت ،فلا يكون نهيه عن هذه النوافل الوقت المخصوص نسخاً لما قبل ذلك من الجواز لأن التوقيت يمنع النسخ .
4. أن يكون الناسخ متراخياً عن المنسوخ .
ثانياً : الشروط المختلف فيها :
1. أن يكون الناسخ مثل المنسوخ في القوة ،أو أقوي منه ، لا دونه لأن الضعيف لا ينسخ القوي .
2. أن يكون ناسخ القرآن قرآناً ، وناسخ السنة سنة .
و الخلاف في المسألة خلاف لفظي ، مرجعه الخلاف في المراد بالبدل ، فالجمهور يفسرون البدل بالحكم الشرعي الناسخ للدليل السابق ، والمخالفون يقصدون بالبدل مطلق البدل ، وهو يشمل البراءة الأصلية ، وهو بدل أيضاً ، لأنه حاشا لله تعالي أن يترك عباده سدى من غير تشريع حكيم .
على أن الناظر في أدلة الطرفين يجد أن المانع للنسخ بلا بدل قد استدل بأدلة شرعية ، والمجوز لذلك قد استدل بالدليل العقلي ، وهذا يجعلنا نحكم بأن المانع مراده ؛ أنه لم يقع شرعاً النسخ بلا بدل ، والمجوز يري أن ذلك جائز عقلا ،وإن كان غير واقع ، وبذلك يكون النفي و الإثبات لم يتوارد علي محل واحد ، فارتفع النزاع بين الطرفين في هذه المسألة
نسخ القرآن بالسنة المتواترة
للعلماء فيه رأيان :
1 – رأي الجمهور :
وهم يرون جواز نسخ القرآن بالسنة المتواترة ، حكى ذلك عنهم أبو الطيب الطبري، وابن برهان، وابن الحاجب.
قال ابن فورك في "شرح مقالات الأشعرى"1: وإليه ذهب شيخنا أبو الحسن الأشعرى، وكان يقول: إن ذلك وجد في قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ } ، فإنه منسوخ بالسنة المتواترة، وهي قوله: "لا وصية لوارث " "وكان يقول: إنه لا يجوز أن يقال إنها نسخت بآية المواريث"* لأنه يمكن أن يجمع بينهما.
قال ابن السمعاني: وهو مذهب أبي حنيفة، وعامة المتكلمين.
قال الدبوسي: إنه قول علمائنا، يعني: الحنفية.
قال الباجي: قال به عامة شيوخنا، وحكاه "أبو"* الفرج عن مالك. قال: ولهذا لا تجوز عنده الوصية للوارث للحديث، فهو ناسخ لقوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} الآية.
2 - وذهب الشافعي وأكثر أصحابه و أكثر أهل الظاهر ، والإمام أحمد في إحدى الروايتين عنه ، إلى أنه لا يجوز نسخ القرآن بالسنة بحال، وإن كانت متواترة.
وبه جزم الصيرفي، والخفاف، ونقله عبد الوهاب عن أكثر الشافعية.
ثم اختلف المانعون، فمنهم من منعه عقلا وشرعا، ومنهم من منعه شرعا لا عقلا بمعنى أنه جائز عقلا لكن لايقع
أدلتة الجمهور :
قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ حقا علي المتقين } ، فإنه منسوخ بالسنة المتواترة، وهي قوله – صلي الله عليه وسلم : "لا وصية لوارث "
"ولا يقال : إن الناسخ لآية الوصية آية المواريث " * لأنه الجمع ممكن ، من حيث إن الميراث لا يمنع من الوصية للأجانب .
وغير ذلك من الآدلة
أدلتة المذهب الثاني :
أستدل أصحاب المذهب الثاني ، وهم الذين ينكرون نسخ الكتاب بالسنة بأدلة كثيرة أهمها :
أولا : الأدلة النقلية :
منه قوله تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا} الآية
ووجه الاستدلال بهذه الأية : أن الله تعالى أسند الإتيان بالبدل إليه والذى يأتى به – سبحانه - ، هو القرآن فقط ، فكان الناسخ للقرآن هو القرآن ، لا السنة .
قالوا: ولا تكون السنة خيرا من القرآن، "ولا" مثله، قالوا: ولم نجد في القرآن آية منسوخة بالسنة
كما استدلوا بقوله تعالى : ( وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم )
ووجه الاستدلال : أن الله تعالي جعل السنة مبينة للقرآن ، فلو كانت ناسخة له ، لكانت رافعة له لا مبينة ، لأن النسخ رفع لا بيان ، وهذا خلاف مدلول الآية .
وغير ذلك من الآيات .
ثانيا الأدلة العقلية :
كما استدل المانعون بأدلة عقلية منها :
1 – أن السنة إنما وجب اتباعها ، وثبتت حجيتها بالقرآن الكريم وهذا يدل علي أن السنة فرع عن القرآن والفرع لا يرجع على أصله بالإبطال والإسقاط .
2- أن القرآن أقوى من السنة من ثلاثة وجوه .
وقد ناقش العلماء هذه الأدلة
الراجح في هذه المسألة :
الراجح - والله أعلم – : هو رأي الجمهور ، وهم الذين يقولون بجواز نسخ الكتاب بالسنة ، حسبما تقدم في أدلتهم . حتى استنكر بعض العلماء ما ذهب إليه الإمام الشافعي من منع نسخ الكتاب بالسنة قال إلكيا الهراس: هفوات الكبار على أقدارهم، ومن عد خطؤه عظم قدره.
قال: وقد كان عبد الجبار كثيرا ما ينصر مذهب الشافعي في الأصول والفروع، فلما وصل إلى هذا الموضع قال: هذا الرجل كبير، ولكن الحق أكبر منه، قال: ولم نعلم أحدا منع من جواز نسخ الكتاب بخبر الواحد عقلا، فضلا عن المتواتر، فلعله يقول: دل عرف الشرع على المنع منه، وإذا لم يدل قاطع من السمع توقفنا، وإلا فمن الذي يقول: إنه عليه السلام لا يحكم بقوله في نسخ ما ثبت في الكتاب، وأن هذا مستحيل في العقل؟
والمغالون في حب الشافعي لما رأوا هذا القول لا يليق بعلو قدره، وهو الذي مهد هذا الفن ورتبه، وأول من أخرجه، قالوا: لا بد أن يكون لهذا القول من هذا العظيم محمل، فتعمقوا في محامل ذكروها.
طرق معرفة النسخ
لا بد في تحقيق النسخ من ورود دليلين عن الشارع وهما متعارضان تعارضا حقيقيا لا سبيل إلى تلافيه بإمكان الجمع بينهما على أي وجه من وجوه التأويل وحينئذ فلا مناص من أن نعتبر أحدهما ناسخا والآخر منسوخا دفعا للتناقض في كلام الشارع الحكيم ولكن أي الدليلين يتعين أن يكون ناسخا وأيهما يتعين أن يكون منسوخا هذا ما لا يجوز الحكم فيه بالهوى والشهوة بل لا بد من دليل صحيح يقوم على أن أحدهما متأخر عن الآخر وإذن فيكون السابق هو المنسوخ واللاحق هو الناسخ .
طرق معرفة ذلك :
1 - أن يكون في أحد النصين ما يدل على تعيين المتأخر منهما نحو قوله تعالى ( أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الله ورسوله والله خبير بما تعملون ) .وذلك بعد قوله تعالي : ( يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدى نجواكم صدقة ....) .
ونحو قوله تعالى : ( الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله والله مع الصابرين ) فإنها قد نسخت حكم الآية التي قبلها وهي قوله تعالي : ( يا أيها النبي حرض المؤمنين علي القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين .....) الآية .
و كقوله - صلى الله عليه وسلم – " كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها ولا تقولوا هجرا " .
2- أن ينعقد إجماع من الأمة في أي عصر من عصورها على تعيين المتقدم من النصين والمتأخر منهما ، كقتل شارب الخمر في المرة الرابعة فإنه منسوخ عرف نسخه بالإجماع .
نقل السيوطي في إتقانه عن ابن الحصار قوله : إنما يرجع في النسخ إلي نقل صريح عن رسول الله –صلي الله عليه وسلم – أو عن صحابي يقول : آية كذا نسخت كذا . قال : وقد يحكم به عند وجود التعارض به من علم التاريخ ، ليعرف المتقدم و المتأخر .
3- أن يرد من طريق صحيحة عن أحد من الصحابة ما يفيد تعيين أحد النصين المتعارضين للسبق على الآخر أو التراخي عنه .
كأن يقول نزلت هذه الآية بعد تلك الآية أو نزلت هذه الآية قبل تلك الآية أو يقول نزلت هذه عام كذا وكان معروفا سبق نزول الآية التي تعارضها أو كان معروفا تأخرها عنها .
أما قول الصحابي هذا ناسخ وذاك منسوخ فلا ينهض دليلا على النسخ ، لجواز أن يكون الصحابي صادرا في ذلك عن اجتهاد أخطأ فيه .
وكذلك لا يعتمد في معرفة الناسخ والمنسوخ علي الطرق الآتية :
1. اجتهاد المجتهد من غير سند ، لأن اجتهاده ليس حجة .
2. قول المفسر هذا ناسخ أو منسوخ من غير دليل ، لأن كلامه ليس بدليل . قال الإمام ابن حزم :
قال أبو محمد لا يحل لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقول في شيء من القرآن والسنة هذا منسوخ إلا بيقين لأن الله عز وجل يقول وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما وقال تعالى قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون فكل ما أنزل الله تعالى في القرآن أو على لسان نبيه ففرض إتباعه فمن قال في شيء من ذلك إنه منسوخ
فقد أوجب ألا يطاع ذلك الأمر وأسقط لزوم إتباعه وهذه معصية لله تعالى مجردة وخلاف مكشوف إلا أن يقوم برهان على صحة قوله وإلا فهو مفتر مبطل.
ومن استجاز خلاف ما قلنا فقوله يؤول إلى إبطال الشريعة كلها لأنه لا فرق بين دعواه النسخ في آية ما أو حديث ما وبين دعوى غيره والنسخ في آية ما أو حديث ما وبين دعوى غيره النسخ في آية أخرى وحديث آخر فعلى هذا لا يصح شيء من القرآن والسنة وهذا خروج عن الإسلام .
وكل ما ثبت بيقين فلا يبطل بالظنون ولا يجوز أن تسقط طاعة أمر أمرنا به الله تعالى ورسوله إلا بيقين نسخ لا شك فيه .
3- ثبوت أحد النصين قبل الآخر في المصحف ، لأن ترتيب المصحف ليس علي ترتيب النزول .
4- أن يكون أحد الراويين من أحداث الصحابة دون الراوي للنص الآخر ، فلا يحكم بتأخير حديث الصغير عن حديث الكبير ، لجواز أن يكون الصغير قد روي المنسوخ عمن تقدمت صحبته ، ولجواز أن يسمع الكبير الناسخ من الرسول –صلي الله عليه وسلم – بعد أن يسمع الصغير منه المنسوخ ، إما إحالة علي زمن مضي ، وإما لتأخر تشريع الناسخ و المنسوخ كليهما .
5- أن يكون أحد الراويين أسلم قبل الآخر ، فلا يحكم بأن ما رواه قبل الإسلام منسوخ ن وما رواه المتأخر عنه ناسخ لجواز أن يكون الواقع عكس ذلك .
6- أن يكون أحد الراويين قد انقطعت صحبته ، لجواز أن يكون حديث من بقيت صحبته سابقاً علي حديث من انقطعت صحبته .
7- أن يكون أحد النصين موافقا للبراءةالأصلية دون الأخر ، فربما يتوهم أن الموافق لها هو السابق ، والمتأخر عنها هو اللاحق ، مع أن ذلك غير لازم ، لأنه لا مانع من تقدم ما خالف البراءة الأصلية علي ما وافقها ، مثال ذلك قوله – صلي الله عليه وسلم - : (( لا وضوء مما مست النار )) فإنه لا يلزم أن يكون سابقا علي الخبر
نسخ الحكم ببدل أخف أو مساو ٍ أو أثقل
النسخ يتنوع إلى ثلاثة أنواع :
1. النسخ إلى بدل أخف من المنسوخ .
2. النسخ إلي مساو ٍ للمنسوخ .
3. النسخ إلى حكم أثقل من الحكم المنسوخ .
مثال الأول:
النسخ إلى بدل أخف من المنسوخ .
كنسخ تحريم الأكل والشرب والجماع بعد النوم في ليل رمضان بإباحة ذلك إذ قال سبحانه ( أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ) .( سورة البقرة الآية (187 ))
مثال الثاني :
النسخ إلي مساو ٍ للمنسوخ .
كنسخ وجوب استقبال بيت المقدس بوجوب استقبال الكعبة في قوله سبحانه ( قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره ) . ( سورة البقرة الآية (144 ) )
وهذان النوعان لا خلاف في جوازهما عقلا ووقوعهما سمعا عند القائلين بالنسخ كافة .
النوع الثالث :
النسخ إلى بدل أثقل من الحكم المنسوخ .
وفي هذا النوع يدب الخلاف بين العلماء .
فجمهور العلماء يذهبون إلى جوازه عقلا وسمعا كالنوعين السابقين ويستدلون على هذا بأمثلة كثيرة تثبت الوقوع السمعي وهو أدل دليل على الجواز العقلي كما علمت من تلك الأمثلة أن الله تعالى نسخ إباحة الخمر بتحريمها ومنها أنه تعالى نسخ ما فرض من مسالمة الكفار المحاربين بما فرض من قتالهم كتب عليكم القتال وهو كره لكم ومنها أن حد الزنى كان في فجر الإسلام لا يعدو التعنيف والحبس في البيوت ثم نسخ ذلك بالجلد والنفي في حق البكر وبالرجم في حق الثيب ومنها أن الله تعالى فرض على المسلمين أولا صوم يوم عاشوراء ثم نسخه بفرض صوم شهر رمضان كله مع تخيير الصحيح المقيم بين صيامه والفدية ثم نسخ سبحانه هذا التخيير بتعيين الصوم على هذا الصحيح المقيم إلزاما
الترجيح
هو : اقتران الأمارة بما تقوى به على معارضها .
ويجب تقديم الأمارة على معارضها إذا رجحت ; لأنا نقطع أن الصحابة قدموا بعض الآثار على بعض ، منها : أنهم قدموا خبر عائشة بالتقاء الختانين على خبر أبي هريرة : الماء من الماء ، وقدموا خبر من روى من أزواجه أنه - عليه السلام - كان يصبح جنبا وهو صائم ، على خبر أبي هريرة : من أصبح جنبا فلا صوم له .
وعورض بأن شهادة أربعة راجحة على شهادة اثنين .
فلو وجب العمل بالراجح ، وجب تقديم أربعة على اثنين .
أجاب بالتزامه ، فإن عند بعض الأئمة يجب تقديم شهادة أربعة على شهادة اثنين .
وبالفرق ، فإن الشهادة شرعت لدفع الخصومة ، فلو اعتبر الترجيح بالكثرة ، لأفضى إلى تطويل الخصومة ، وهو خلاف ما هو المقصود من شرعها ، بخلاف الأمارة .
ولا تعارض بين قطعيين ; لأن القطع بالإيجاب يجب أن يكون مطابقا للواقع . فلو قطع بالنفي على تقدير القطع بالإيجاب ، يلزم كون النفي أيضا مطابقا للواقع ، فيلزم اجتماع النقيضين في الواقع ، وهو محال .
ولا تعارض أيضا بين قطعي وظني ; لانتفاء الظن بأحد الطرفين عند القطع بالطرف الآخر ، بل التعارض إنما يقع بين الظنيين .
وهو إما في منقولين أو في معقولين أو في منقول ومعقول