الجمعة، 16 مارس 2012

موسوعة الفقه : طرق استنباط الأحكام من النصوص الشرعية

طرق استنباط الأحكام من النصوص الشرعية

أولا : تقسيم اللفظ بإعتبار شموله لأفراد محصورين وغير محصورين
وهو اما خاص أو عام أو مشترك
الخاص

إذا ورد في النص خاص ثبت الحكم لمدلوله قطعاً، ما لم يقم دليل على تأويله وإرادة معنى آخر منه، فإن ورد مطلقاً أفاد ثبوت الحكم على الإطلاق ما لم يوجد دليل يقيده، وإن ورد على صيغة الأمر أفاد لإيجاب المأمور به ما لم يوجد دليل يصرفه عن الإيجاب، وإن ورد على صيغة النهي أفاد تحريم المنهي عنه ما لم يوجد دليل يصرفه عن التحريم .
اللفظ الخاص:
هو لفظ وضع للدلالة على فرد واحد بالشخص مثل محمد، أو واحد بالنوع مثل رجل، أو على أفراد متعددة محصورة مثل ثلاثة وعشرة ومائة وقوم ورهط وجمع وفريق، وغير ذلك من الألفاظ التي تدل على عدد من الأفراد ولا تدل على استغراق جميع الأفراد.
وقد يرد اللفظ الخاص مطلقاً من أي قيد، وقد يرد مقيداً بقيد، وقد يكون على صيغة طلب الفعل، مثل: ((اتق الله))، وقد يكون على صيغة النهي عن الفعل، مثل: ((ولا تجسسوا))، فيندرج في الخاص المطلق، والمقيد والأمر والنهي.


وحكم الخاص على وجه الإجمال:
أنه إذا ورد نص شرعي دل دلالة قطعية على معناه الخاص الذي وضع له حقيقة، وثبت الحكم لمدلوله على سبيل القطع لا الظن.
فالحكم المستفاد من قوله تعالى: { فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ}[المائدة:89]، هو وجوب إطعام عشرة مساكين، ولا تحتمل العشرة نقصاً ولا زيادة.
والحكم المستفاد من حديث: ((في كل أربعين شاة شاة)) هو تقدير النصاب الذي تجب الزكاة فيه من الغنم بأربعين، وتقدير الواجب بشاة بلا احتمال زيادة أو نقص في هذا أو ذاك.
ولكن إذا قام دليل يقضي تأويل هذا الخاص، أي إرادة معنى آخر منه يحتمل على ما اقتضاه الدليل.
ومثال هذا ما قدمناه في تأويل علماء الحنفية الشاة في الحديث السابق بما يعم الشاة وقيمتها، وتأويلهم الصاع من تمر أو شعير في صدقة الفطر بما يعم الصاع وقيمته، وتأويلهم الصاع من تمر في حديث المصراة بما يشمله ويشمل أي عوض يماثل المتلف.
فإذا ورد الخاص مطلقاً حمل على إطلاقه، وإذا ورد مقيداً حمل على تقييده.
والفرق بين اللفظ المطلق واللفظ المقيد: أن المطلق هو ما دل على فرد غير مقيد لفظاً بأي قيد، مثل: مصري، ورجل، وطائر، والمقيّد هو ما دل على فرد مقيد لفظاً بأي قيد، مثل: مصري مسلم، ورجل رشيد، وطائر أبيض.
فالمطلق يفهم على إطلاقه إلا إذا قام دليل على تقييده، فإن قام الدليل على تقييده كان هذا الدليل صارفاً له عن إطلاقه ومبيناً المراد منه.
ففي قوله تعالى: { مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ}[النساء:11]، الوصية مطلقة قيدت بالحديث، الذي دل على انه لا وصية بأكثر من الثلث، فصار المراد في الآية الوصية التي في حدود ثلث التركة.
وإذا ورد اللفظ مطلقاً في نص شرعي، وورد هو نفسه مقيداً في نص آخر، إن كان موضوع النصين واحداً بأن كان الحكم الوارد فيهما متحداً، والسبب

الذي بني عليه الحكم متحداً، حمل المطلق على المقيد، أي: كان المراد من المطلق هو المقيد لأنه مع اتحاد الحكم والسبب، لا يتصور الاختلاف بالإطلاق والتقييد، فيكون المطلق مقيداً بقيد المقيد.
مثال هذا: قوله تعالى في سورة المائدة: { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ ...}[المائدة:3]الدم هنا مطلق القيد.
وقوله تعالى في سورة الأنعام: { قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ}[الأنعام:145]، الدم هنا مقيد بالمسفوح، فالمراد بالدم في آية المائدة الدم المسفوح المنصوص على تحريمه في آية الأنعام، لأن الحكم في الآيتين واحد وهو التحريم، والسبب الذي بني عليه الحكم فيهما واحد وهو كونه دماً، فلو كان الدم محرم مطلق الدم خلا القيد وهو ((مسفوحاً)) من الفائدة.
أما إذا اختلف النصاب في الحكم،أو في السبب، أو فيهما معاً، فلا يحتمل المطلق على المقيد بل يعمل بالمطلق على إطلاقه في موضعه، وبالمقيد على قيده في موضعه، لأن اختلاف الحكم أو السبب أو أحدهما قد يكون هو علة الاختلاف إطلاقاً وتقييداً. وهذا مذهب الحنفية وأكثر المالكية، وأما إذا اختلفا في السبب واتحد في الحكم فيحمل المطلق على المقيد.
مثال النصين المختلفين حكماً مع اتحاد السبب قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ}[الأنعام:6].
وقوله تعالى: { فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ }[المائدة:6]، والسبب في الآيتين واحد وهو التطهير لإقامة الصلاة، والحكم في الأول وجوب الغسل وفي الثانية وجوب المسح، ومثله قوله: { وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ }[النساء:23]، وقوله{ وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ}[النساء:23].
ومثال النصين المتحدين حكما المختلفين سبباً، قوله تعالى في كفارة القتل خطأ:{ وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ}[النساء:92].
وقوله تعالى في كفارة الظهار:{ وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا}[المجادلة:3]. وقوله في شهود المداينة: { وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ}[البقرة:282].
وقوله في شهود المراجعة: { وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ}[الطلاق:2]. ففي الآيتين الحكم واحد وهو وجوب تحرير رقبة، والسبب في الوجوب مختلف لأنه في إحداهما المداينة، والثانية المراجعة.
فلا يعتبر المقيد بياناً ويحمل المطلق عليه إلا في صورة واحدة، وهي ما إذا اتحد موضوعهما حكماً وسبباً.
وأما إذا اختلف حكماً، أو سبباً، أو اختلفا حكماً وسبباً، فلا يحمل المطلق على المقيد بل يفهم المطلق في موضعه على إطلاقه، ويفهم المقيد في موضعه على قيده، لأن اختلاف الحكم قد يكون سبباً في الاختلاف بالإطلاق والتقييد، أي أنه لما كان الحكم في آية الوضوء وجوب غسل الأيدي، أطلقها ولم يقيدها بكونها إلى المرافق، لأن التيمم رخصة شرعت للتخفيف عند عدم وجود الماء، فيناسبه التخفيف أيضاَ في إطلاق اليد فيجزئ كل ما يصدق عليه لفظ يد، وكذلك الحال إذا اختلف السبب فقد يكون القتل خطأ اقتضى تقييد الرقبة بالإيمان تشديداً للعقوبة، وإرادة المظاهر العودة لم يقتض هذا التشديد فيجزئ تحرير أية رقبة

العام
أنواع العام
وقد ثبت باستقراء النصوص أن العام ثلاثة أقسام:
1- عام يراد به قطعاً العموم، وهو العام الذي صحبته قرينة تنفي احتمال تخصيصه، كالعام في قوله تعالى: { وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا}[هود:6].
وفي قوله تعالى: { وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ}[الأنبياء:30]، ففي كل واحدة من هاتين الآيتين، تقرير سنة إلهية عامة لا تتخصص ولا تتبدل، فالعام فيهما قطعي الدلالة على العموم، ولا يحتمل أن يراد به الخصوص.
2- وعام يراد به قطعاً الخصوص، وهو العام الذي صحبته قرينة تنفي بقاءه على عمومه وتبين أن المراد منه بعض أفراد، مثل قوله تعالى: { وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ }[آل عمران:97]، فالناس في هذا النص عام، ومراد به خصوص المكلفين لأن العقل يقضي بخروج الصبيان والمجانين.
مثل قوله تعالى: { مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ اللّهِ }[التوبة:120]، فأهل المدينة والأعراب في هذا النص لفظان عامان مراد بكل منهما خصوص القادرين، لأن العقل لا يقضي بخروج العجزة، فهذا عام مراد به الخصوص، ولا يحتمل أن يراد به العموم.

3- عام مخصوص، وهو العام المطلق الذي لم تصحبه قرينة تنفي احتمال تخصيصه، ولا قرينة تنفي دلالته على العموم، مثل أكثر النصوص التي وردت فيها صيغ العموم، مطلقه عن قرائن لفظية أو عقلية أو عرفية تعين العموم أو الخصوص، وهذا ظاهر في العموم حتى يقوم الدليل على تخصيصه، مثل: { وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ }[البقرة:228].
قال الشوكاني في التفريق بين العام الذي يراد به الخصوص، والعام المخصوص: العام الذي يراد به الخصوص هو العام الذي صاحبته حين النطق به قرينة دالة على انه مراد به الخصوص لا العموم، مثل خطابات التكليف العامة، فالمراد بالعام فيها خصوص من هم أهل للتكليف لاقتضاء العقل إخراج من ليسوا مكلفين، { تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا }[ الأحقاف:25]، فالمراد كل شئ مما يقبل التدمير.
وأما العام المخصوص فهو الذي لم تصحبه قرينة دالة على أنه مراد به بعض أفراده، وهذا ظاهر في دلالته على العموم حتى يقوم دليل على تخصيصه
تخصيص العام
تخصيص العام في اصطلاح الأصوليين:

 هو تبيين أن مراد الشارع من العام ابتداء بعض أفراده لا جميعها، أو هو تبيين أن الحكم المتعلق بالعام هو من ابتداء تشريعه حكم لبعض أفراده.

فحديث: ((لا قطع في اقل من ربع دينار))، تخصيص للعام في قوله تعالى: { وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا }[المائدة:38]، لأنه تبيين لأن حكم القطع ما شرع لكل سارق وسارقة، وحديث: ((ليس للقاتل ميراث)) تخصيص لعموم الوارث في آيات المواريث، لأنه تبيين لأن حكم الإرث ما شرع لكل قريب.

أما إذا شرع الحكم ابتداء متعلقاً بكل أفراد العام، ثم قضت المصلحة بقصر الحكم على بعض أفراده، وقام الدليل على هذا القصر فلا يسمى هذا في اصطلاح الأصوليين تخصيصاً، وإنما يسمى نسخاً جزئياً، لأنه إبطال العمل بحكم


العام بالنسبة لبعض أفراده.
 فقوله تعالى: { وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إِلَّا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ}[النورك6]
.
 هو نسخ جزئي للعام في قوله تعالى: { وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً }[النور:4]، لأن هذه الآية الثانية بعمومها تشمل كل قاذف سواء قذف زوجته أو غيرها، وقد شرع الحكم ابتداء عاماً، ثم قام الدليل وهو آيات اللعان على قصر الجلد على القاذف الذي يقذف غير زوجته.
ودل على هذا حديث ابن مسعود قال: كنا جلوس في المسجد ليلة الجمعة إذ دخل أنصاري فقال يا رسول الله، أرأيتم الرجل يجد من زوجته رجلاً، فإن قتله قتلتموه، وإن تكلم جلدتموه، وإن سكت سكت على غيظ؟ ثم قال ((اللهم افتح)).

 فنزلت آية اللعان في سورة النور: {والذين يرمون أزواجهم...}[النور:6]، الآيات.

ومن هذا ينتج أن التخصيص في اصطلاح الأصوليين لابد أن يكون بدليل مقارن للتشريع العام، لأنه بهذا المقارنة يتبين أن المراد ابتداء من العام بعض أفراده، وأما إذا كان متأخراً عنه فهو نسخ جزئي له.

دليل التخصيص:

ودليل التخصيص قد يكون غير مستقل لفظاً عن نص العام بأن يكون متصلاً به كالجزء منه. وقد يكون مستقلاً عن نص العام، ومنفصلاً عنه.
ومن أظهر الأدلة المتصلة غير المستقلة: الاستثناء، والشرط، والوصف، والغاية.

فالاستثناء كقوله تعالى في آية المداينة، بعد أن أمر بكتابة الدين المؤجل: { إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلاَّ تَكْتُبُوهَا}[البقرة:282] .

والشرط كقوله تعالى: { وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ }[النساء:101].

والوصف كقوله تعالى: { مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ }[النساء:23] .

والغاية كقوله تعالى: { وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ }[المائدة:6].


ومن أظهر أدلة التخصيص المستقلة المنفصلة: العقل، والعرف، والنص، وحكمة التشريع.

فمن التخصيص بالعقل، ما بيناه من قبل من تخصيص الناس في قوله تعالى:{ وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ }[آل عمران:97]، بمن عدا فاقدي الأهلية من الصبيان والمجانين، وتخصيص العام في كل خطاب تكليفي بمن هم أهل للتكليف، وتخصيص أهل المدينة ومن حولهم من الأعراب القادرين على الجهاد مع الرسول، لأن العقل يقضي بأن يوجه الخطاب إلى من هم أهل له، وأن يخص الذي يقتضيه العقل.

ومن التخصيص بالعرف، تخصيص الوالدات في قوله تعالى: { وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ }[البقرة:233]، بمن عدا الوالدة الرفيعة القدر، التي ليس من عادة مثلها أن تلزم بإرضاع ولدها، كما ذهب إلى هذا الإمام مالك.

 وتخصيص الطعام في حديث نهي رسول الله عن بيع الطعام بجنسه متفاضلاً بالطعام الذي كان متعارفاً إطلاق لفظ الطعام عليه وقت التشريع. وتخصيص كل شئ في قوله تعالى: { تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا }[الأحقاف:25]، بكل شئ قابل للتدمير.

 وبعض الأصوليين يعتبر دليل التخصيص في المثال الأخير الحس، وبعضهم يعتبره العقل والنتيجة واحدة، وعلى هذا أصول القوانين الوضعية، فكثيراً ما يخصص العرف بعض الألفاظ العامة في مواد القانون، وكثيراً ما يخصص العرف التجاري بعض النصوص العامة في صيغ العقود.

ومن التخصيص بالنص، ما أشرنا إليه من قبل في مواضع كثيرة، كقوله تعالى في المطلقات قبل الدخول: { فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا }[الأحزاب:49]، الذي خصص عموم قوله سبحانه: { وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ}[البقرة:228].

ولا خلاف بين الأصوليين، في أنه يجوز تخصيص عام القرآن بالقرآن وبالسنة المتواترة، لأن نصوص القرآن والسنة المتواترة قطعية الثبوت، فيخصص

بعضها بعضاً، وأما تخصيص القرآن بالسنة غير المتواترة، فذهب جمهور الأصوليين إلى أنه سائغ، واحتجوا بوقوعه والاتفاق على العمل به، فحديث ((هو الطهور ماؤه الحل ميتته))، خصص عموم قوله تعالى: { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ }[المائدةك3].

وحديث: ((ليس للقاتل ميراث)) خصص عموم الوارث في آيات المواريث، وحديث الرجم خصص عموم الزاني والزانية، وحديث ((لا قطع في أقل من ربع دينار)) خصص عموم السارق والسارقة، وحديث ((يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب)) خصص عموم { وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ }[النساء:24]. ودعوى تواتر بعض هذه الأحاديث أو شهرتها لا يقوم عليها دليل، وهذا المذهب هو السديد، والذين منعوا تخصيص عام الكتاب بالسنة غير المتواترة يصطدمون بعدة تخصيصات نبوية، لا سبيل لهم إلى إنكارها، ولا إلى تأويلها، ولا إلى إثبات تواترها.
  العام ودلالته
إذا ورد في النص الشرعي لفظ عام ولم يقم دليل على تخصيصه، وجب حمله على عمومه وإثبات الحكم لجميع أفراده قطعاً، فإن قام دليل على تخصيصه وجب حمله على ما بقي من أفراده بعد التخصيص ، وإثبات الحكم لهذه الأفراد ظنا لا قطعاً.ولا يخصص عام إلا بدليل يساويه أو يرجحه في القطعية أو الظنية.
تعريف العام:
العام:
هو اللفظ الذي يدل بحسب وضعه اللغوي على شموله واستغراقه لجميع الأفراد، التي يصدق عليها معناه من غير حصر في كمية معينة منها.
فلفظ (( كل عقد)) في قول الفقهاء: كل عقد يشترط لانعقاده أهلية العاقدين، لفظ عام يدل على شمول كل ما يصدق عليه أنه من غير عقد من غير حصر في عقد معين أو عقود معينة.
ولفظ ((من ألقى)) في حديث: ((من ألقى سلاحه فهو آمن))، لفظ عام يدل على استغراق كل فرد من غير سلاحه من غير حصر في فرد معين أو أفراد معينين.

ومن هذا يؤخذ أن العموم من صفات الألفاظ لأنه دلالة اللفظ على استغراقه لجميع أفراده.
وأن اللفظ إذا دل على فرد واحد كرجل، أو اثنين كرجلين، أو كمية محصورة من الأفراد كرجال ورهط ومائة وألف، فليس من ألفاظ العموم .
وأن الفرق بين العام والمطلق، هو أن العام يدل على شمول كل فرد من أفراده، وأما المطلق فيدل على فرد شائع أو أفراد شائعة لا على جميع الأفراد.
فالعام يتناول دفعة واحدة كل ما يصدق عليه من الأفراد، والمطلق لا يتناول دفعة واحدة إلا فرداً شائعاً من الأفراد. وهذا هو المراد بقول الأصوليين: ((عموم العام شمولي، وعمومي المطلق بدلي)).
ألفاظ العموم:
باستقرار المفردات والعبارات في اللغة العربية دل على أن الألفاظ التي تدل بوضعها اللغوي على العموم والاستغراق لجميع أفرادها هي:
1-لفظ كل، ولفظ جميع: (( كل راع مسئول عن رعيته))، { خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً }[البقرة:29]، ((كل خطأ يحدث ضرراً بالغير يلزم فاعله بالتعويض)).
2- المفرد المعرف بأل تعريف الجنس: {الزانية والزاني}[النور:2]، {السارق والسارقة}[المائدة:38]، {واحل الله البيع وحرم الربا}[البقرة:275]، ((البيع ينقل الملكية))، لأن الجنس يتحقق في كل فرد من أفراده لا في فرد خاص أو أفراد مخصوصين.
3- الجمع المعرف بأل تعريف الجنس: {والمطلقات يتربصن... } [البقرة:228]، {والمحصنات من النساء}[النساء:24]، والجمع المعرف بالإضافة: {خذ من أموالهم صدقة}[التوبة:103]، {حرمت عليكم أمهاتكم}[النساء:23].
4- الأسماء الموصولة: {والذين يرمون المحصنات}[النور:4]، {واللأئي يئسن من المحيض}[الطلاق:4], {وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن}[الطلاق:4]، { وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ }[النساء:24].

5- أسماء الشرط: { وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ } [النساء:92]، {مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً }[البقرة:245].
6- النكرة في سياق النفي أي النكرة المنفية: ((لا ضرر ولا ضرار))، ((لا هجرة بعد الفتح))، { فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ }[البقرة:233].
فلكل لفظ من هذه الألفاظ موضوع في اللغة وضعاً حقيقياً للدلالة على استغراق جميع أفراده، وإذا استعمل في غير هذا الاستغراق كان استعمالاً مجازياً، لابد له من قرينة تدل عليه وتصرفه عن المعنى الحقيقي.
دلالة العام:
لم يختلف الأصوليين في أن كل لفظ من ألفاظ العموم التي بيناها موضوع لغة لاستغراق جميع ما يصدق عليه من الأفراد، ولا أنه إذا ورد في نص شرعي دل على ثبوت الحكم المنصوص عليه لكل ما يصدق عليه من الأفراد، إلا إذا قام دليل تخصيص على الحكم ببعضها.
وإنما اختلفوا في صفة دلالة العام الذي لم يخصص على استغراقه لجميع أفراد، هل هي دلالة قطعية أو دلالة ظنية.
فذهب فريق منهم وفيهم الشافعية إلى أن العام الذي لم يخصص ظاهر العموم لا قطعي فيه، فهو ظني الدلالة على استغراقه لجميع أفراده، وإذا خصص كان ظني الدلالة أيضاً على ما بقي من أفراده بعد التخصيص، فهو ظني الدلالة قبل التخصيص وبعده.
ويترتب على هذا أنه يصح تخصيص العام بالدليل الظني مطلقاً، سواء كان أول تخصيص أو ثاني تخصيص، لأن الظني يخصص بالظني، وانه لا يتحقق التعارض بين الدليلين أن يكونا قطعيين أو ظنيين، بل يعمل بالخاص فيما دل عليه، ويعمل بالعام فيما عداه.
وحجتهم على ما ذهبوا إليه أن استقرار النصوص الشرعية التي وردت فيها ألفاظ العموم دل على أنه ما من عام إلا وخُصِّص، وعلى أن العام

الذي بقي على عمومه نادر جداً، وما استفيد بقاؤه على عمومه إلا من قرينة صاحبته. وإذا كان هذا الشأن والكثير فهو بناء على عام الكثير الغالب محتمل للتخصيص، وعلى هذا فالعام المطلق عن دليل يخصصه ظاهر في العموم لا قطعي فيه.
وذهب فريق منهم وفيهم الحنفية إلى أن العام الذي لم يخصص قطعي في العموم، فهو قطعي الدلالة على استغراقه لجميع أفراده، وإذا خصص صار ظاهراً في دلالته على ما بقي بعد التخصيص، أي ظني الدلالة عليه.
ففي هذا المذهب: العام الذي لم يخصص قطعي الدلالة على استغراقه جميع الأفراد، وإذا خصص صار ظني الدلالة على ما بقي من أفراده بعد التخصيص.
ويترتب على هذا أنه أن يصح العام أول تخصيص بدليل ظني، لأن الظني لا يخصص القطعي، وأنه يصح أن يخصص ثانياً وثالثاً بدليل ظني، لأنه بعد التخصيص الأول صار ظنياً، والظني يخصص الظني، وأنه يتحقق التعارض بين العام الذي لم يخصص، وبين الخاص القطعي لأنهما قطعيان.
وحجتهم على ما ذهبوا إليه ((أن اللفظ العام موضوع حقيقة لاستغراق جميع ما يصدق عليه معناه من الأفراد)).
واللفظ حين إطلاقه يدل على معناه الحقيقي قطعاً، فالعام المطلق عن قرينة تخصصه يدل على العموم قطعاً، ولا يصرف عن معناه الحقيقي إلا بدليل، ولهذا استدل الصحابة والتابعون والأئمة والمجتهدون بعموم الألفاظ العامة التي وردت في النصوص مطلقة عن التخصيص، واستنكروا تخصيصها من غير دليل، فإذا خصص العام بدليل دل هذا على صرفه عن متناه الحقيقي وهو العموم، واستعماله معنى مجازي وهو الخصوص، وصار محتملاً لتخصيص ثان قياسياً على التخصيص الأول، لأن علة التخصيص الأول قد تتحقق في أفراد أخرى. ولهذا صار العام الذي خصص ظني الدلالة على ما بقي بعد التخصيص.

والذي يظهر لي بعد المقارنة بين أدلة الفريقين وأمثلتهما وشواهدهما أنه ليس بين رأييهما اختلاف جوهري من الناحية العلمية، لأنه لا خلاف بينهما في أن العام يجب العمل بعمومه حتى يقوم على تخصيصه دليل، ولا في العام يحتمل أن يخصص بدليل، وأن تخصيصه بغير دليل تأويل غير مقبول.
والقائلون بأن العام الذي لم يقم دليل على تخصيصه قطعي الدلالة على العموم، ما أرادوا بكونه قطعي الدلالة أنه لا يحتمل التخصيص مطلقاً، وإنما أرادوا أنه ل يخصص إلا بدليل والقائلون بأنه ظني الدلالة على العموم ما أرادوا أنه يخصص مطلقاً، وإنما أرادوا أنه يخصص بالدليل
العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب

إذا ورد النص الشرعي بصيغة عامة وجب العمل بعمومه الذي دلت عليه صيغته، ولا اعتبار لخصوص السبب الذي ورد الحكم بناء عليه، سواء كان السبب سؤالاً أم واقعة حدثت. لأن الواجب على الناس إتباعه، هو ما ورد به نص الشارع، وقد ورد نص الشارع بصيغة العموم فيجب العمل بعمومه، ولا يعتبر خصوصيات السؤال أو الواقعة التي ورد النص بناء عليها، لأن عدول الشارع في نص جوابه أو فتواه عن الخصوصيات، إلى التعبير بصيغة العموم قرينة على عدم اعتباره تلك الخصوصيات.
روي أن قوماً قالوا: يا رسول الله إنا نركب البحر، ولو توضأنا بما معنا من الماء خشينا العطش، أنتوضأ بماء البحر؟ فقال الرسول: ((هو الطهور ماؤه


الحل ميتته))، فهذه الصيغة العامة ـ هو الطهور ماؤه ـ تدل بعمومها على أن ماء البحر مطهر كل أنواع الطهور في حال الضرورة والاختيار.
فيجب العمل بعمومها، ولا عبرة بكون السؤال ورد خاصاً عن التوضؤ، ولا بكون السائلين سألوا عن حال ضرورتهم من الماء خشية العطش.
وروى أن امرأة سعد بن الربيع قالت: يا رسول الله، هاتان ابنتا سعد بن الربيع، قتل أبوهما معك في أحد، وقد أخذ عمهما مالهما، ولا تنكحان إلا ولهما مال، فقال الرسول لعم البنتين: (( أعط البنتين الثلثين وللزوجة الثمن، وما بقي فهو لك))، فهذا الحديث يدل على أن لبنتي المتوفى الثلثين، ولا اعتبار لكونهما لا مال لهما أو لكون أبيهما قتل في احد.
وروى انه - صلى الله عليه وسلم - مر بشاة ميمونة وهي ميتة فقال: ((أيما إهاب دبغ فقد طهر))، فكل جلد دبغ صار طاهراً ولا اعتبار لخصوص جلد الشاة.
قال الآمدي في الإحكام: أكثر العموميات وردت على أسباب خاصة. فآية السرقة نزلت في سرقة المجن أو رداء صفوان، وآية الظهار نزلت في حق مسلمة بن صخر، وآية اللعان نزلت في حق هلال بن أمية، إلى غير ذلك. والصحابة عمموا أحكام هذه الآيات من غير نكير، فدل ذلك على أن السبب غير مسقط للعموم.
نعم إذا ورد جواباً غير مستقل بنفسه عن السؤال بأن كان الجواب نعم، أولا ، أو ما في معنى أحدهما.
فمثال ما روي أن رسول الله سئل عن بيع الرطب بالتمر، فقال: ((أينقص الرطب إذا يبس؟)) قالوا: نعم، قال: ((فلا إذا)).
وأما في خصوصه فمثاله قول الرسول لأبي بردة وقد سأله عن الأضحية بجزعة من المعز: ((تجزئك ولا تجزئ أحدا بعدك))، فما دام الجواب الشرعي عن السؤال ورد تابعاً للسؤال في عمومه وخصوصه، وكان السؤال معاد في الجواب.
وأما الجواب المستقل إذا ورد عاماً فهو عام ولا عبرة بخصوصيات سببه، وعلى هذا أصول القوانين الوضعية، فمادة تحديد سن الزواج عامة، ولا عبرة
بخصوصيات الواقعة، أو الوقائع التي كانت سبب قي تشريعها.
والمواد التي منعت سماع دعوى الزواج أو الطلاق أو النفقة في بعض الحالات عامة، ولا عبرة بخصوصيات الوقائع التي كانت سبباً في تشريعها

المشترك
((إذا ورد في النص الشرعي لفظ المشترك، فإن كان مشتركاً بين معنى لغوى ومعنى اصطلاحي شرعي، وجب حمله على المعنى الشرعي، وإن كان مشتركاً بين معنيين أو أكثر من المعاني اللغوية وجب حمله على معنى واحد منها بدليل يعينه، ولا يصلح أن يراد بالمشترك مهنياه أو معانيه معاً))
هذه القاعدة ال خاصة ببيان الألفاظ الثلاثة التي ترد كثيراً في النصوص الشرعية والقوانين الوضعية، وهي اللفظ المشترك، واللفظ العام، واللفظ الخاص، وبيان ما يدل عليه كل واحد منهما إذا ورد في النص.
والفرق الجوهري بين هذه الألفاظ الثلاثة من حيث المغنى:
أن المشترك :
لفظ وضع لمعان متعددة بأوضاع متعددة: كلفظ السنة وضع للهجرية وللميلادية، ولفظ اليد اليمنى واليسرى، ولفظ القرش للعشرة مليمات والخمسة.
وإن العام :
لفظ وضع لمعنى واحد، وهذا المعنى الواحد يتحقق في أفراد كثيرين غير محصورين في اللفظ وإن كانوا في الواقع محصورين، أي أنه بحسب

وضعه اللغوي لا يدل على عدد محصور من هذه الأفراد، وإنما يدل على شمول جميع هذه الأفراد كلفظ الطلبة يدل على معنى يتحقق في أفراد غير محصورين ويشملهم جميعاً.
وإن الخاص :
لفظ لمعنى يتحقق في فرد واحد أو أفراد محصورين كلفظ محمد أو الطالب، أو الطلاب العسرة، أو مائة أو ألف.
فالاشتراك يتحقق بتعدد المعاني التي وضع لها اللفظ بأوضاع متعددة. والعموم يتحقق بدلالة اللفظ على شمول جميع الأفراد التي يصدق عليها من غير حصر. والخصوص يتحقق بدلالة اللفظ على الفرد أو الأفراد المحصورين التي يصدق عليها من غير شمول.
فاللفظ المشترك :
وهو ما وضع لمعنيين أو أكثر بأوضاع متعددة، يدل على ما وضع له على سبيل البدل، أي يدل على هذا المعنى أو ذاك ، كلفظ العين وضع في اللغة للباصرة، ولعين الماء النابع، وللجلوس. ولفظ القرء وضع في اللغة للطهر، وللحيض. ولفظ السنة، ولفظ اليد.
وأسباب وجود الألفاظ المشتركة في اللغة كثيرة، وأهمها اختلاف القبائل في استعمال الألفاظ للدلالة على معان، فبعض القبائل تطلق اليد على الذراع كله، وأخرى تطلق اليد على الساعد والكف، وأخرى تطلقها على الكف خاصة، فنقلة اللغة يقررون أن اليد في اللغة العربية لفظ مشترك بين المعاني الثلاثة.
ومنها أن يوضع اللفظ على سبيل الحقيقة لمعنى، ثم يستعمل في غير ما وضع له مجازاً، ثم يشتهر استعمال هذا اللفظ في المعنى المجازي حتى يتناسى أنه مجازي، فيقرر علماء اللغة أن اللفظ موضوع لهذا ولهذا: كلفظ السيارة، ولفظ الدراجة، ولفظ المسرة.
ومنها أن يوضع اللفظ لمعنى ثم يوضح اصطلاح شرعي أو قانوني لمعنى آخر، كلفظ الصلاة أو لفظ الدفع.
وأيا كان سبب وقوع الاشتراك في الألفاظ لفة فإن الألفاظ المشتركة بين معينين أو أكثر ليست قليلة في اللغة، وواردة في النصوص الشرعية من آي القرآن وأحاديث الرسول، وهي كما تقدم  من باب المشكل ما دامت توجد قرائن يتوصل بها إلى ترجيح أحد المعاني، وعلى المجتهد أن يزيل إشكالها ويعين المراد من كل لفظ منها إذا ورد في نص شرعي.
والمشترك قد يكون اسماً كما مثلنا، أو فعلاً كصيغة الأمر للإيجاب وللندب، أو حرفا مثل الواو للعطف وللحال.
فإذا كان اللفظ المشترك الوارد في النص الشرعي مشتركاً بين معنى لغوي ومعنى اصطلاحي شرعي. فلفظ الصلاة وضع لغة للدعاء، ووضع شرعاً للعبادة المخصوصة، ففي قوله تعالى:{ أَقِيمُواْ الصَّلاةَ } [الأنعام:72]، يراد منه معناه الشرعي وهو العبادة المخصوصة لا معناه اللغوي وهو الدعاء. ولفظ الطلاق وضع لغة لحل أي قيد، ووضع شرعاً لحل قيد الزوجية الصحيحة، ففي قوله تعالى:{ الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ } [البقرة:229]، يراد منه معناه الشرعي لا اللغوي.
وهكذا كل لفظ مشترك بين معنى لغوي ومعنى شرعي إذا ورد في نص شرعي، فمراد الشارع منه معناه الذي وضعه له، لأنه لما نقل هذا اللفظ عن معناه اللغوي إلى المعنى الخاص الذي استعمله فيه، كان اللفظ في لسان الشارع الدلالة على ما وضعه الشارع له.
وكذلك في نصوص القوانين الوضعية إذا كان اللفظ الوارد في النص له معنيان: معنى في اللغة ومعنى في الاصطلاح القانوني، وجب أن يراد به معناه القانوني لا اللغوي لسبب الذي بيناه، فلفظ الدفع ولفظ الحلول وغيرهما، يراد بها المعنى القانوني لا المعنى اللغوي، وكذا لفظ الضبط،ولفظ التسجيل.
وإذا كان اللفظ المشترك الوارد في النص الشرعي مشتركاً بين عدة معان لغوية، وجب الاجتهاد لتعيين المعنى المراد منها، لأن الشارع ما أراد باللفظ إلا أحد معانيه، وعلى المجتهد أن يستدل بالقرائن والأمارات والأدلة على تعيين هذا المراد.
فلفظ القرء في قوله تعالى:{ وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ } [البقرة:228]، مشترك بين الطهر والحيض، وقد بينا في الكلام على المشكل ما استدل به بعض المجتهدين على أن المراد به الطهر، وما استدل به آخرون على أن المراد به الحيض.
ولفظ اليد في قوله تعالى: { وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا } [النساء:38]، مشترك بين الزراع (من رؤوس الأصابع إلى المناكب)، وبين الكف والساعد (من رؤوس الأصابع إلى المرافق)، وبين الكف (من رؤوس الأصابع إلى الرسغين)، وبين اليمنى واليسرى، وقد استدل جمهور المجتهدين بالسنة العلمية على تعيين المراد منها في الآية، وهو المعنى الأخير أي من رؤوس الأصابع إلى الرسغين في اليمنى.
ولفظ الكلالة في قوله تعالى: { وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً أَو امْرَأَةٌ} [النساء:12]، يطلق لغة على من لم يخلف ولداً ولا والداً، وعلى من ليس بولد ولا بوالد من المخلفين، وعلى القرابة من جهة غير الولد والوالد. وقد استدل جمهور المجتهدين باستقرار آيات التوريث على تعيين أن المراد في الآية هو المعنى الأول.
ولفظ الواو في قوله تعالى: { وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام:121] .
ومشترك، يستعمل للعطف ويستعمل للحال، فإن أريد به هنا الحال كان النهي وارداً على ما لم يذكر اسم الله عليه، والحال أنه فسق، أي ذكر عليه حين ذبحه اسم غير الله، وإن أريد به العطف كان النهي وارداً على ما لم يذكر اسم الله عليه مطلقاً، سواء ذكر عليه حين الذبح اسم غير الله أم لم يذكر.
والمجتهدون انقسموا في تعيين المراد منها في الآية إلى رأيين، ولكل وجهة.
ولا يصح أن يراد باللفظ معنيان أو أكثر من معانيه معا، بحيث يكون الحكم الذي ورد في النص متعلقً وقت واحد بأكثر من معنى، لأن اللفظ ما أراد به الشارع إلا معنى واحد من معانيه، ووضعه لمعان متعددة إنما هو على سبيل البدل، أي أنه إما أن يدل على هذا أو ذاك.
فأما دلالته على هذا وذاك في وقت واحد، فهو تحميل اللفظ ما لا يدل عليه لا بطريق الحقيقة ، ولا بطريق المجاز، فلا يصح أن يراد بالقرء في الآية الطهر والحيض معاً، بحيث أن المطلقة إن شاءت تربصت ثلاثة أطهار، وإن شاءت تربصت ثلاثة حيضات، لأن اللفظ لا يدل على هذا بأي طريق من طرق الدلالة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ثانيا تقسيم اللفظ باعتبار الظهور والخفاء
وهو اما واضح او مبهم
واضح الدلالة
 قسم علماء الأصول الواضح الدلالة إلى أربعة أقسام: 
الظاهر، والنص، والمفسر، والمحكم:
وهي في وضوح دلالتها على هذا الترتيب.
فالمحكم أوضحها دلالة، ويليه المفسر، ثم النص، ثم الظاهر، وتظهر ثمرة هذا التفاوت عند التعارض
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ثالثا تقسيم اللفظ باعتبار الاستعمال
الحقيقة والمجاز - الصريح والكناية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رابعا تقسيم دلالة اللفظ الى المنطوق والمفهوم
    مفهوم اللقب
 كقوله تعالى: ( مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ)  [الفتح: 29].
مفهوم المخالفة غير محمد.
وكقول الرسول : "في البر صدقة" .
 مفهوم المخالفة غير البر .
وكقوله تعالى : ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ)  [النساء: 23].
مفهوم المخالفة غير الأمهات
   مفهوم العدد
 كقوله تعالى: ( فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً)  [النور : 4].
مفهوم المخالفة الأقل والأكثر من ثمانين.
وكقوله تعالى:(فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ )  [البقرة: 196] .
مفهوم المخالفة الأقل والأكثر من ثلاثة
مفهوم الشرط
   كقوله تعالى: ( وَإِن كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنّ)[الطلاق: 6]
مفهوم المخالفة إن كن لسن أولات حمل.
وكقوله تعالى: (فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا ) [النساء: 4].
مفهوم المخالفة إذا لم تطب نفس الزوجة عن شيء من مهرها
   مفهوم الغاية
 كقوله تعالى: ( فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ )  [البقرة: 230]
مفهوم المخالفة إذا تزوجت المطلقة ثلاثا زوجا غير مطلقها، وقوله تعالى: ( وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ)[البقرة: 187].
مفهوم المخالفة إذا تبين الأبيض من الأسود من الفجر
مفهوم الوصف
 كقوله تعالى في بيان المحرمات: (وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم ) [النساء: 23] . 
 مفهوم المخالفة حلائل الأبناء الذين ليسوا من الأصلاب كابن الابن رضاعا، وكقول الرسول: "في السائمة زكاة" مفهوم المخالفة المعلوفة التي ليست سائمة، وكقوله : "من باع نخلة مؤبّرة فثمرتها للبائع " .
اختلف الأصوليون في الاحتجاج بمفهوم المخالفة
 وأما الصورة التي اختلف الأصوليون في الاحتجاج بمفهوم المخالفة فيها فهي مفهوم المخالفة في الوصف، أو الشرط، أو الغاية، أو العدد في النصوص الشرعية خاصة.
فذهب جمهور الأصوليين إلى أن النص الشرعي الدال على حكم في واقعة؛ إذا قيد بوصف أو شرط بشرط أو حدد بغاية أو عدد، يكون حجة على ثبوت حكمه في الواقعة التي وردت فيه بالوصف أو الشرط أو الغاية أو العدد الذي ذكر فيه، ويكون حجة على ثبوت نقيض حكمه في الواقعة التي وردت فيه إذا كانت على خلاف الوصف، أو الشرط، أو الغاية، أو العدد الذي ذكر فيه.
ويسمى حكمه الأول منطوقة، ويسمى حكمه الثاني مفهومه المخالف.
فالتحريم للدم المسفوح والتحليل للدم غير المسفوح، كل منهما مدلوله قوله تعالى: (أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً) [الأنعام: 145].
وذهب الأصوليون من الحنفية ؛ إلى أن النص الشرعي الدال على حكم في واقعة، إذا قيد بوصف أو شرط بشرط، أو حدد بغاية أو عدد، لا يكون حجة إلا على حكمه في واقعته، التي ذكرت فيه بالوصف أو الشرط أو الغاية أو العدد الذي ذكر فيه، وأما الواقعة التي انتقى عنها ما ور د فيه من قيد ، فلا يكون حجة على حكم فيها، بل يكون النص ساكتا عن بيان حكمها، فيبحث عن حكمها بأي دليل من الأدلة الشرعية التي منها أن الأصل في الأشياء الإباحة
 التعارض بين المفهوم بالعبارة والمفهوم بالإشارة
قوله تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى ) [البقرة: 178]، مع قوله سبحانه: ( وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا) [النساء:93]، تدل الآية الأولى بعبارتها على وجوب القصاص من القاتل، وتدل الآية الثانية بإشارتها على أن القاتل العامد لا يقتص منه، لأن في اقتصارها على أن جزاءه جهنم إشارة إلى هذا، إذ يلزم من هذا الاقتصار في مقام البيان أنه لا تجب عليه عقوبة أخرى، ولكن رجح مدلول العبارة على مدلول الإشارة ووجب القصاص. 
وقوله - صلى الله عليه وسلم - : "أقل الحيض ثلاثة أيام وأكثره عشرة" مع  قوله r في تعليل نقصان الدين في النساء :"تقعد إحداهن شطر عمرها لا تصلي"، فإن الحديث الأول يدل بعبارته على أن أكثر مدة الحيض عشرة أيام، والحديث الثاني يدل بإشارته على أن أكثر مدة الحيض خمسة عشرة يوما، لأنه نص على أن إحداهن تقعد نصف عمرها لا تصلي، ويلزم من هذا أن تكون مدة الحيض خمسة عشر يوما لأنه نص على أن إحداهن تقعد نصف عمرها لا تصلي، ويلزم من هذا أن تكون مدة الحيض نصف شره حتى يتحقق أنها في نصف عمرها لا تصلي، فلما تعارض المفهوم من عبارة النص الأول، والمفهوم من إشارة النص الثاني، رجح المفهوم من العبارة وهو تقدير أكثر مدة الحيض بعشرة أيام
عدم الاحتجاج بالنص على مفهوم المخالفة
 اتفقوا على عدم الاحتجاج بالنص على مفهوم المخالفة فيه فهو مفهوم اللقب.
والمراد باللقب اللفظ الجامد الذي ورد في النص أسما وعلما على الذات المسند إليها الحكم المذكور فيه.
ففي حديث:  "في البر صدقة"  لفظ البر اسم للحب المعروف الذي أوجبت فيه زكاة. ولا يفهم لغةً ولا شرعاً ولا عرفاً أن ذكر البر احترازاً عما عداه من الحبوب، ولا أنّ ذكر الغنم احتراز عما عداها من السوائم، ولا أن إيجاب صدقة في البر يفهم منه أن لا صدقة في الشعير والذرة وغيرها من الحبوب، ولا أن إيجاب زكاة في الغنم يفهم منه أن لا زكاة في الإبل والبقر وغيرهما.
فلهذا اتفق الأصوليين على عدم الاحتجاج بمفهوم المخالفة في اللقب، لأنه لا يقصد بذكره تقييد و لا تخصيص ولا احتراز عما عداه. 
ولا فرق في هذا بين النصوص الشرعية ونصوص القوانين الوضعية، وعقود الناس وتصرفاتهم وسائر أقوالهم. فمحمد رسول الله لا يفهم منها أن غير محمد ليس رسول الله، ودين المتوفي يؤدي من تركته لا يفهم منه أن غير دينه كنفقة تجهيزه ووصايا النافذة لا تؤدي إلى تركته، والبيع ينقل الملكية لا يفهم منه أن غير البيع لا ينقله، وأن بيع الحقوق في تركة إنسان على قيد الحياة  ولو برضاه غير باطل.
ولهذا قال الشوكاني:
 "والقائل بمفهوم المخالفة في اللقب لا يجد حجة لغوية ولا عقلية ولا شرعية، ومعلوم من لسان العرب أن من قال: رأيت زيدا لا يفهم من قوله أنه لم ير غيره. وأما إذا دلت القرينة على العمل في جزئية خاصة فما ذلك إلا للقرينة"