الأربعاء، 21 مارس 2012

موسوعة العقيدة - الإلهيات - الصفات التنزيهية : هو الأول والآخر

هو الأول والآخر


هو الأول

        وجود الله سبحانه وتعالى ممتد في القدم، بحيث لا يتصور قبله وجود قط. وما دام كل وجود قد نشأ عنه، فالله تعالى اسبق منه، ونحن لا نعرف عن الأول شيئا، إذ عَهْدُنا بالوجود قد حدث بعد ميلادنا.
عن أبي كعب (رضي الله عنه): أن المشركين قالوا للنبي (صلى الله عليه وسلم) : انسب لنا ربك، فنزل: (قل هو الله احد * الله الصمد * لم يلد ولم يولد) (الإخلاص: 1-3) لأنه ليس شيء يولد إلا وسيموت، وليس شيء يموت إلا سيورث، إن الله تعالى لا يموت ولا يورث.
(ولم يكن له كفوا احد) (الإخلاص:4) قال: لم يكن له شبيه ولا عديل وليس كمثله شيء.
إن أولئك المشركين نظروا إلى الألوهية بعقولهم القاصرة، وقاسوا وجودها المطلق على وجودنا المحدود، فتوهموا أن له أولا.
وليس الأمر كما يتوهمون. إن لوجودنا المادي أولا. لأننا نحس بذلك وندركه عن يقين، ونجزم باستحالة غيره.
أما الوجود الإلهي فقديم لا أول له.

        وقد تمر بالخاطر هواجس نتساءل عن أسرار هذا الأزل الغامض على عقولنا، وذلك من استشراق العقل إلى اكتناه ما يعجزه، ولا يقدح ذلك في صحة الإيمان.
        فعن أبي هريرة (رضي الله عنه): ( أن أناسا من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) سألوه : إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم احدنا أن يتكلم به؟ قال: أوجدتموه؟ قالوا: نعم، قال: ذلك صريح الإيمان" (أي: كراهتكم لتلك الوسوسة صريح الإيمان؛ والصريح: الخالص من كل شيء).
وفي رواية أخرى: (الحمد لله الذي رد كيده –الشيطان- إلى الوسوسة". وعن ابن مسعود (رضي الله عنه): "قالوا: يا رسول الله، إن احدنا ليجد في نفسه ما لان يحترق حتى يصير حممة، أو يخر من السماء إلى الأرض أحب إليه من أن يتكلم به، قال:ذلك محض الإيمان".
إن تاريخ الإنسان والعالم والحياة كلها جد بعد عدم، لا يُدرى مداه. وربما استطاع الإنسان إدراك أعراض يسيرة في بيئته المحدودة، أعراض تمس يومها الحاضر، أو أمسها القريب، أو غدها الموشك. وقد يكون من هذه الأعراض المدركة جملة من المعارف النافعة..
ثم تقف بعد ذلك أشعة بصيرته فلا تستطيع حراكا ولا إدراكا..
        فإذا كانت تلك حدود قدرته العقلية في عالم الشهادة، فلا جرم انه يكون في عالم الغيب اعجز، وعن فهمه اقصر. وراكب السفينة قد يستطيع التجوال فيها، فإذا بدا له أن يقذف بنفسه في أغمار اليم فقلما يعود.
وعقلنا في قوته المحدودة كبصرنا الذي لا يقرأ إلا على أشبار، فإذا ابتعد الخط عنه مسافة لم يميز منه حرفا. كذلك لا يستطيع العقل أن يدرك إلا في دائرة وجوده الضيقة: (وما أوتيتم من العلم إلا قليلا) (الإسراء:85).
        ومن ثم فنحن نؤمن بقدم الذاتية الإلهية وامتداد هذا القدم في أغوار الأزل الذي لا نعرف عنه كنهه.
.. ذلك وطبيعة الوجود المحدث تقتضي البداية والنهاية، أما من وجوده من ذاته فحقه أسمى من أن يسبقه أو يطرأ عليه عدم

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الآخر

        والله سبحانه باق أبدا، انه ليس جسما فيموت، ولا مادة فتتحلل وتذوي، إنه الدائم الذي يصير إليه كل شيء.
(كل شيء هالك إلا وجهه له الحكم واليه ترجعون) (القصص:88)
(وتوكل على الحي الذي لا يموت، وسبح بحمده، وكفى به بذنوب عباده خبيرا) (الفرقان:58)

        وذو الوجود الخالد المتأبي على الفناء قد يمنح للأخيار من عبادة الخلود في جنات النعيم
فهذا الفضل الممنوح لا يعني أن بشرا أصبح حقيقا بوصف الباقي والآخر.
        فالأمر كما قلنا: أن وجود الله عز وجل واجب له من ذاته لا ينفك عنه أبدا.
أما ما عداه فهو صفر إن لم تدركه نعمة الوجود المفاض عليه من الخالق جل علاه