الاثنين، 12 مارس 2012

موسوعة الفقه - باب الجهاد : حكم الجهاد وعلى من يجب


حكم الجهاد وعلى من يجب

.الجهاد فرض كفاية:
والجهاد ليس فرضا على كل فرد من المسلمين، وإنما هو فرض على الكفاية إذا قام به البعض، واندفع به العدو، وحصل به الغناء، سقط عن الباقين.
من الفرائض ما يجب على كل فرد أن يقوم به ولا يسقط بإقامة البعض له، مثل: الايمان، والطهارة، والصلاة، والزكاة، والصيام، والحج. فهذه فرائض عينية، يلزم كل فرد أداؤها، ولا يحل له أن يقصر فيها.
ومن الفرائض ما يجب على بعض الناس دون البعض الآخر، وتسمى هذه الفرائض بفروض الكفاية وهي أنواع:
1- النوع الأول ديني، مثل: العلم، والتعلم، وحكم الشبهات، والرد على الشكوك التي تثار حول الإسلام، وصلاة الجنازة، وإقامة الجماعة، والآذان، ونحو ذلك.
2- والنوع الثاني ما يتصل بإصلاح النظام المعيشي، مثل: الزراعة، والصناعة، والطب، ونحو ذلك من الحرف التي يضر تعطيلها أمر الدين والدنيا.
3- والنوع الثالث من الفروض الكفائية ما يشترط فيه الحاكم، مثل: الجهاد، وإقامة الحدود فإن هذه من حق الحاكم وحده، وليس لاي فرد أن يقيم الحد على غيره.
4- والنوع الرابع ما لا يشترط فيه الحاكم، مثل: الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الفضائل، ومطاردة الرذائل.
فهذه الفروض الكفائية لا تجب على كل فرد، وإنما الواجب أن ينهض بها بعض الافراد، فإذا قاموا بها، وحصلت بهم الكفاية، سقط الوجوب عن الافراد جميعا. وإذا لم يقوموا بها، أثموا جميعا.
يقول الله تعالى: {وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون} وقال سبحانه: {يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم فانفروا ثبات أو انفروا جميعا}.
وفي البخاري ويذكر عن ابن عباس {انفروا ثبات}: سرايا متفرقين.
وقال سبحانه: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة كلا وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما}.
وروى مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعث بعثا إلى بني لحيان - من هذيل - فقال: «لينبعث من كل رجلين أحدهما، والاجر بينهما».
ولأنه لو وجب على الكل لفسدت مصالح الناس الدنيوية، فوجب أن لا يقوم به إلا البعض.
متى يكون الجهاد فرض عين؟
ولايكون الجهاد فرض عين إلا في الصور الآتية:
1- أن يحضر المكلف صف القتال، فإن الجهاد يتعين في هذه الحال.
يقول الله سبحانه: {يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا}.
ويقول الله تبارك وتعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار}.
2- إذا حضر العدو المكان أو البلد الذي يقيم به المسلمون، فإنه يجب على أهل البلد جميعا أن يخرجوا لقتاله، ولا يحل لاحد أن يتخلى عن القيام بواجبه نحو مقاتلته إذا كان لا يمكن دفعه إلا بتكتلهم عامة، ومناجزتهم إياه.
يقول الله سبحانه وتعالى: {يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار}.
3- إذا استنفر الحاكم أحدا من المكلفين، فإنه لا يسعه أن يتخلى عن الاستجابة إليه.
لما رواه ابن عباس رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لاهجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية، وإذا استنفرتم فانفروا» رواه البخاري.
أي إذا طلب منكم الخروج إلى الحرب فاخرجوا.
يقول الله سبحانه: {يا أيها الذين آمنوا مالكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الاخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل}.

.على من يجب؟
يجب الجهاد على المسلم، الذكر، العاقل، البالغ، الصحيح، الذي يجد من المال ما يكفيه ويكفي أهله حتى يفرغ من الجهاد.
فلا يجب على غير المسلم، ولا على المرأة، ولا على الصبي، ولا على المجنون، ولا على المريض، فلا حرج على واحد من هؤلاء في التخلف عن

الجهاد، لأن ضعفهم يحول بينهم وبين الكفاح، وليس لهم غناء يعتد به في الميدان.
وربما كان وجودهم أكثر ضررا، مع قلة نفعه.
وفي هذا يقول الله سبحانه: {ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله}.
ويقول الله تبارك وتعالى: {ليس على الاعمى حرج ولا على الاعرج حرج ولاعلى المريض حرج}.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: «عرضت على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة سنة فلم يجزني» رواه: البخاري ومسلم.
ولأنه عبادة، فلا يجب إلا على بالغ.
روى أحمد، والبخاري، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قلت: «يا رسول الله، هل على النساء جهاد؟..قال: جهاد لاقتال فيه: الحج والعمرة».
وفي رواية: لكن أفضل الجهاد حج مبرور.
وروى الواحدي، والسيوطي، في الدر المنثور عن مجاهد، قال: «قالت أم سلمة رضي الله عنها: يا رسول الله، تغزو الرجال ولا نغزو، وإنما لنا نصف الميراث؟!».
فأنزل الله تعالى: {ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن واسألوا الله من فضله إن الله كان بكل شيء عليما}.
ورويا عن عكرمة أن النساء سألن الجهاد، فقلن: «وددنا أن الله جعل لنا الغزو فنصيب من الاجر ما يصيب الرجال» فنزلت الآية.
وهذا لايمنع من خروجهن للتمريض ونحوه.
عن أنس رضي الله عنه قال: «لما كان يوم أحد، انهزم الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولقد رأيت عائشة بنت أبي بكرو أم سليم وإنهما لمشمرتان، أرى خدم سوقهما تنقلان القرب على متونهما، ثم تفرغانها في أفواه القوم ثم ترجعان فتملآنها ثم تجيئان فتفر غانها في أفواه القوم» رواه الشيخان.
وعنه قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يغزو بأم سليم ونسوة من الانصار معه، فيسقين الماء، ويداوين الجرحى» رواه مسلم، وأبو داود، والترمذي.
اذن الوالدين الجهاد الواجب لا يعتبر فيه إذن الوالدين.
أما جهاد التطوع، فإنه لابد فيه من إذن الوالدين المسلمين الحرين، أو إذن أحدهما.
قال ابن مسعود: «سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي العمل أحب إلى الله؟ قال: الصلاة على وقتها قلت: ثم أي: قال: بر الوالدين قلت: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله» رواه البخاري، ومسلم.
وقال ابن عمر رضي الله عنهما: «جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فاستأذنه في الجهاد فقال: أحي والداك؟ قال: نعم؟ قال: ففيهما فجاهد» رواه البخاري، وأبو داود، والنسائي، والترمذي وصححه.
وفي كتاب شرعة الإسلام: ولا يخرج إلى الجهاد إلا من كان فارغا عن الاهل والاطفال وعن خدمة الوالدين، فإن ذلك مقدم على الجهاد، بل هو أفضل الجهاد.

اذن الدائن وكذلك لا يتطوع به مدين لا وفاء له إلا مع إذن، أو وهن محرز، أو كفيل ملئ.
فعند أحمد، ومسلم، من حديث أبي قتادة: أرأيت إن قتلت في سبيل الله تكفر عني خطاياي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نعم وأنت صابر محتسب، مقبل غير مدبر، إلا الدين، فإن جبريل قال لي ذلك».
الاستعانة بالفجرة والكفرة على الغزو يجوز الاستعانة بالمنافقين، والفسقة، على قتال الكفرة، وقد كان عبد الله بن أبي ومن معه من المنافقين يخرجون للقتال مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقصة أبي محجن الثقفي - الذي كان يدمن شرب الخمر - وبلاؤه في حرب فارس مشهورة.
وأما قتال الكفرة مع المسلمين فاختلفت فيها آراء الفقهاء: فقال مالك وأحمد: لا يجوز أن يستعان بهم، ولا أن يعاونوا على الاطلاق.
قال مالك: إلا أن يكونوا خداما للمسلمين، فيجوز.
وقال أبو حنيفة: يستعان بهم، ويعاونون على الاطلاق، الإسلام هو الغالب الجاري عليهم، فإن كان حكم الشرك هو الغالب كره.
وقال الشافعي: يجوز ذلك بشرطين:
أحدهما أن يكون بالمسلمين قلة ويكون بالمشركين كثرة.
والثاني أن يعلم من المشركين حسن رأي في الإسلام وميل إليه.
ومتى استعان بهم رضخ لهم ولم يسهم: أي أعطاهم مكافأة ولم يشركهم في سهام المسلمين من الغنيمة.
.الاستنصار بالضعفاء:
1- عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص قال: رأى أبي أن له فضلا على من دونه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم؟!» رواه البخاري، والنسائي.
ولفظ النسائي: «إنما ينصر الله هذه الأمة بضعيفها، بدعوتهم، وصلاتهم وإخلاصهم».
2- وعن أبي الدرداء، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: «ابغوني في الضعفاء، فإنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم» رواه أصحاب السنن.
3- وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «رب أشعث، مدفوع بالباب، لو أقسم على الله لابره».