الاثنين، 12 مارس 2012

موسوعة الفقه - باب الجهاد : الجهاد وتعريفه


تعريف الجهاد

الجهاد مأخوذ من الجهد وهو الطاقة والمشقة، يقال: جاهد يجاهد جهادا ومجاهدة، إذا استفرغ وسعه، وبذل طاقته، وتحمل المشاق في مقاتلة العدو ومدافعته، وهوما يعبر عنه بالحرب في العرف الحديث، والحرب هي القتال المسلح بين دولتين فأكثر، وهي أمر طبيعي في البشر، لاتكاد تخلو منه أمة ولا جيل وقد أقرته الشرائع الالهية السابقة.
ففي أسفار التوراة التي يتداولها اليهود، تقرير شريعة الحرب والقتال في أبشع صورة من صور التخريب والتدمير والاهلاك والسبي.
فقد جاء في سفر التثنية في الاصحاح العشرين عدد 10 ومابعده، ما يأتي نصه: حين تقرب من مدينة لكي تحاربها استدعها إلى الصلح، فإن أجابتك إلى الصلح وفتحت لك، فكل الشعب الموجود فيها يكون لك بالتسخير، ويستعبد لك، وإن لم تسالمك، بل عملت معك حربا، فحاصرها، وإذا دفعها الرب إلهك إلى يدك، فاضرب جميع ذكورها بحد السيف، وأما النساء، والاطفال، والبهائم، وكل ما في المدينة، كل غنيمتها فتغنمها لنفسك، وتأكل غنيمة أعدائك التي أعطاك الرب إلهك، هكذا تفعل بجميع المدن البعيدة منك جدا، التي ليست من مدن هؤلاء الأمم هنا، وأما مدن هؤلاء الشعوب التي يعطيك الرب إلهك نصيبا فلا تبق منها نسمة ما، بل تحرمها تحريما - الحثيين والأموريين، والكنعانيين، والفرزيين، والحويين، واليوسيين، كما أمرك الرب إلهك.
وفي إنجيل متى المتداول بأيدي المسيحيين، في الاصحاح العاشر عدد 24 وما بعده يقول: لا تظنوا أني جئت لالقي سلاما على الأرض، ما جئت لالقي سلاما، بل سيفا، فإنني جئت لافرق الإنسان ضد أبيه والابنة ضد أمها، والكنة ضد حماتها، وأعداء الإنسان أهل بيته، من أحب أبا أو أما أكثر مني، فلا يستحقني، ومن أحب ابنا أو ابنة أكثر مني، فلا يستحقني، ومن لا يأخذ صليبه ويتبعني، فلا يستحقني، ومن وجد حياته يضيعها، ومن أضاع حياته من أجلي يجدها.
والقانون الدولي أقر الظروف والاحوال التي تشرع فيها الحرب، ووضع لها القواعد، والمبادئ، والنظم، التي تخفف من شرورها وويلاتها، وإن كان لم يتم شيء من ذلك عند التطبيق.
تشريع الجهاد في الإسلام أرسل الله رسوله إلى الناس جميعا، وأمره أن يدعو إلى الهدى ودين الحق ولبث في مكة يدعو إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة.
وكان لابد من أن يلقى مناوأة من قومه الذين رأوا أن الدعوة الجديدة خطر على كيانهم المادي والأدبي.
فكان توجيه الله له أن يلقى هذه المناوأة بالصبر، والعفو، والصفح الجميل.
{واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا}. {فاصفح عنهم وقل سلام فسوف يعلمون}. {فاصفح الصفح الجميل}. {قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله}. ولم يأذن الله بأن يقابل السيئة بالسيئة، أو يواجه الاذى بالاذى، أو يحارب الذين حاربوا الدعوة، أن يقاتل الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات. {ادفع بالتي هي أحسن السيئة نحن أعلم بما يصفون}.
وكل ما أمر به جهادا في هذه الفترة أن يجاهد بالقرآن، والحجة، والبرهان. {وجاهدهم جهادا كبيرا} ولما اشتد الاذى، وتتابع الاضطهاد حتى وصل قمته بتدبير مؤامرة لاغتيال الرسول الكريم، اضطر أن يهاجر من مكة إلى المدينة، ويأمر أصحاب بالهجرة إليها بعد ثلاث عشرة سنة من البعثة.
{وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين} {إلا تنصروه فقد نصره الله} وفي المدينة - عاصمة الإسلام الجديدة - تقرر الاذن بالقتال حين أطبق عليهم الاعداء، واضطروا إلى امتشاق الحسام، دفاعا عن النفس، وتأمينا للدعوة.
وكان أول آية نزلت قول الله سبحانه: {أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور} وفي هذه الآيات تعليل للاذن بالقتال بأمور ثلاثة:
1- انهم ظلموا بالاعتداء عليهم، وإخراجهم من ديارهم بغير حق إلا أن يدينوا دين الحق، ويقولوا: ربنا الله.
2- انه لولا إذن الله للناس بمثل هذا الدفاع، لهدمت جميع المعابد التي يذكر فيها اسم الله كثيرا، بسبب ظلم الكافرين الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر.
3- أن غاية النصر، والتمكين في الأرض، والحكم: إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر.
ايجابه وفي السنة الثانية من الهجرة، فرض الله القتال، وأوجبه بقوله تعالى: {كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون}.