الملائكة
حكم الإيمان بالملائكة : ـ
الإيمان بوجود الملائكة واجب على كل مسلم : لأنه ركن من أركان الإيمان الستة التي ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم في جوابه لجبريل ، ومن أنكر وجودهم يكون كافرا . قال تعالى :
{ ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالا بعيدا(126)} [ النساء ] .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من هم الملائكة
خلق الله هذا العالم الغيبي من نور . عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خلقت الملائكة من نور وخلق الجان من مارج من نار. وخلق آدم مما وصف لكم " (1).
وكان ذلك قبل خلق آدم بدليل أن الله أخبرهم بأنه سيخلقه ، وطلب منهم السجود له بعد خلقه . قال تعالى : { وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة } [ البقرة /30].
وقال تعالى : { وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من صلصال من حمإ مسنون(28) فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين(26)}[الحجر].
ومسكن أغلبهم السماء ، وبعضهم يسكن في الأرض .
وأخبر الله أن لهم أجنحة ، فقال : { الحمد لله فاطر السموات والأرض جاعل الملائكة رسلا أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع يزيد في الخلق ما يشاء إن الله على كل شئ قدير(1) } [ فاطر].
ووصف ملائكة النار بأنهم غلاظ شداد.
فقال:{ يأيها الذين ءامنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون(1)} [التحريم] .
وأخبر أن جبريل ذو مرة . هي القوة ، وحسن المنظر.
فقال تعالى : { علمه شديد القوى (5) ذو مرة فاستوى (6) } [ النجم] وقال عنه : { إنه لقول رسول كريم (19) ذي قوة عند ذي العرش مكين (20) مطاع ثم أمين (21) } [ التكوير ] .
وليس فيهم شهوة ، فلا يوصوفون بالذكورة أو الأنوثة ، من وصفهم بذكورة فسق ؛ لأنه ادعى ما لا دليل عليه في أمر غيبي ، ومن وصفهم بأنوثة كفر ؛ لمعارضة قوله تعالى : { وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا أشهدوا خلقهم ستكتب شهادتهم ويسئلون (19)} [ الزخرف].
ولذلك فهم لا يتناكحون ، ولا يتوالدون ، ولا ينامون ، ولا يأكلون ، ولا يشربون ، فإن خليل الله إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام لما زاره الملائكة ، وقدم لهم العجل السمين لم يأكلوا .
قال تعالى : { ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا سلاما قال سلام فما لبث أن جاء بعجل حنيذ (69) فلما رءا أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط (70) } [ هود ] .
فالملائكة أجسام لطيفة نورانية ، يمكن أن تظهر في أشكال حسنة ، ولا تحكمها الصورة ؛ ولذلك لما جاء جبريل إلى مريم تمثل لها بشرا سويا.
قال تعالى : { فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا (17)} [ مريم ] .
وكان يظهر أحيانا في صورة الصحابي الجليل ( دحية الكلبي) رضى الله عنه(2).
وقد رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم على صورته الحقيقية التي خلقه الله عليها عند بدء الوحي ، ومرة عندما فتر عنه . فقد روى مسلم عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحدث عن فترة الوحي. قال في حديثه : " فينما أنا أمشي ، سمعت صوتا من السماء فرفعت رأسي ، فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالسا على كرسي بين السماء والأرض" (3)
ورآه مرة أخرى عند الإسراء والمعراج .
وثبت أن الديكة ترى الملائكة . فعن أبي هريرة رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا سمعتم صياح الديكة ، فاسألوا الله من فضله ، فإنها رأت ملكا ، وإذا سمعتم نهيق الحمار ، فتعوذوا بالله من الشيطان ، فإنه رأى شيطانا " (4).
والملائكة مفطورون على عبادة الله تعالى، وطاعته لا يملون ،ولا يسأمون ، يقول تعالى : { يسبحون الليل والنهار لا يفترون } [ الأنبياء ] .
وقال عز وجل : { فإن استكبروا فالذين عند ربك يسبحون له باليل والنهار وهم لا يسئمون (28) } [ فصلت ].
وقال سبحانه:{والملائكة يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن في الأرض} [ الشورى /5 ] .
وهم يتأذون مما يتأذ منه بنو آدم من الروائح الكريهة .
عن جابر قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل البصل والكرات ، فغلبتنا الحاجة ، فأكلنا منها ، فقال : " من أكل من هذه الشجرة المنتنة، فلا يقربن مسجدنا : فإن الملائكة تأذى مما يتأذى منه الإنس " (5)
وهم يموتون . حتى ملك الموت نفسه يموت .
قال تعالى : { كل شئ هالك إلا وجهه } [ القصص/88]
وقال : { ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله } [ الزمر/68].
===============
المراجع والهوامش
1ـ رواه مسلم في الزهد 4/2294
2ـ رواه البخاري في فضائل القرآن ب كيف نزل الوحى ـ الفتح8/619
3ـ رواه مسلم في ك الإيمان 1/43
4ـ رواه البخاري في بدء الخلق ـ الفتح 6/403.
5ـ رواه مسلم في المساجد 1/394
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عددهم وأشهرهم
لا يعلم عدد الملائكة إلا الله تعالى .
قال سبحانه : { وما يعلم جنود ربك إلا هو } [ المدثر/31].
فهم من الكثرة بحيث لا يمكن أن نتصور عددهم ، ويشير إلى ذلك ما ورد من أن لكل إنسان من الملائكة الحفظة عشرة بالليل ، وعشرة بالنهار . فكم تعداد سكان العالم اليوم ؟ وكم يكون عدد هذا النوع من الملائكة ؟
وما ورد من أنه ينزل في كل يوم من السماء سبعون ألف ملك يحفون بقبر سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، فإذا ما عرجوا نزل غيرهم مثلهم . فكم عدد هذا الصنف إلى يوم القيامة ؟
وما جاء في حديث الإسراء والمعراج عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " فرفع لي البيت المعمور ، فسألت جبريل فقال : هذا البيت المعمور يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك ، إذا خرجوا لم يعودوا آخر ما عليهم " (1).
ومن الملائكة الذين ورد ذكرهم بالاسم في القرىن الكريم (جبريل) الروح الأمين الموكل بالوحي، و( ميكائيل)الموكل بالأمطار والأرزاق . قال تعالى:{من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين (98)} [البقرة]
و (مالك) خازن النار . قال تعالى : { ونادوا يامالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون (77)} [ الزخرف].
وأما (عزرائيل) فلم يذكر باسمه في القرآن الكريم ، وإنما يعبر عنه بـ (ملك الموت) ولم أحد حديثا نبويا ينص على اسمه .
وممن ورد في السنة المطهرة : (إسرافيل) الموكل بالنفخ في الصور يوم القيامة . فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " اللهم رب جبريل وميكائيل، وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض ، عالم الغيب والشهادة ، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون . اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك ، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم" (2).
================
المراجع والهوامش
1ـ رواه مسلم في بدء الخلق ـ الفتح 6/349
2ـ رواه مسلم في صلاة المسافرين 1/534
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أصناف الملائكة
1ـ الموكلون بالأرحام : ـ
قال عليه الصلاة والسلام : " إذا مر بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة ، بعث الله إليها ملكا ، فصورها ، وخلق سمعها ، وبصرها ، وجلدها ، ولحمها ، وعظامها . ثم قال : يا رب . أذكر أم أنثى ؟ فيقضي ربك ما يشاء ، ويكتب الملك . ثم يقول : يا رب أجله . فيقول ربك ما شاء ويكتب الملك . ثم يقول : يا رب رزقه . فيقضي ربك ما شاء ، ويكتب الملك . ثم يخرج الملك بالصحيفة في يده ، فلا يزيد على ما أمر ولا ينقص " (1)
2ـ الحفظة : ـ
قال تعالى : { وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظة } [ الأنعام/61]
وقال:{له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمرالله}[الرعد/11]
أي يحفظونه حفظا هو من أمر الله ، أو يحفظونه بأمر الله . فمن بمعنى الياء. وقد ورد أن لكل فرد عشرة بالليل ، ومثلهم بالنهار، يحفظونه من المضار، ولا يفارقونه ، ولو كان في بيت فيه كلب ، أو جرس ، أو صورة.
3ـ الكتبة : ـ
قال تعالى : { ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد (16) إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد(17) ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد (18) } [ ق ] .
و [ رقيب] : أي حافظ ( وعتيد ) : أي حاضر. فهما وصفان لكل من الملكين. وليس (رقيب) اسما لأحدهما ، ( عتيد) اسما للآخر . كما يظن.
والكتبة يسجلون كل ما يصدر عن العبد من قول ، أو فعل ، أو اعتقاد : أو هم كما في حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قال الله عز وجل : إذ هم عبدي بسيئة ، فلا تكتبوها عليه ، فإن عملها ، فاكتبوها سيئة ، وإذاهم بحسنة فلم يعملها ، فاكتبوها حسنة ، فإن عملها ، فاكتبوها عشراً" (2) .
ويفارقون العبد في حالات ثلاثة : عند الغائط ، وعند الاغتسال ، وعند الجماع، ويجعل الله لهم علامة على ما يصدر من العبد في هذه الحالات. فيكتبونه.
وأحدهما مختص بكتابة الحسنات ، والآخر مختص بكتابة السيئات، والأول أمير على الثاني . فإذا فعل العبد حسنة : بادر ملك الحسنات بتسجيلها ، وإذا فعل سيئة : قال كاتب السيئات لكاتب الحسنات : أأكتب ؟ فيقول له : لا لعله يتوب . فإذا لم يتب العبد قال له : اكتب أراحنا الله منه.
ولعل الحكمة من هذه الكتابة أن العبد إذا علم أن كل ما يصدر عنه سيكتب ، ويعرض على الملأ يوم القيامة ، ربما استحى من الإقدام على المعصية ، أو بادر بالاستغفار والتوبة عنها قبل الفضيحة يوم القيامة.
قال تعالى : { ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا ما ل هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا (49) } [ الكهف].
ويرى بعض العلماء أن الحفظة والكتبة صنف واحد من الملائكة مستدلين بقوله تعالى:{ وإن عليكم لحافظين(10)كراما كاتبين(11)يعلمون ما تفعلون(12)} [ الانفطار].
فهذه صفات لنوع واحد من الملائكة .
ومن يرى أنهما صفنان قال : إن ( كاتبين ) معطوف بغير حرف عطف ، فتقدير الآية : وإن عليكم لحافظين كراما ، وكاتبين يعلمون ما تفعلون ، فكل صنف له صفاته .
وليس الملائكة الكتبة محصورين في الملكين الملازمين لكل منا . بل هناك من يكتب أفعال العباد غيرهم.
عن رفاعة بن رافع الزرقي قال : " كنا يوما نصلي وراء النبي صلى الله عليه وسلم فلما رفع رأسه من الركعة قال : سمع الله لمن حمده . قال رجل وراءه : ربنا ولك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه . فلما انصرف قال : من المتكلم ؟ قال أنا قال : رأيت بضعة وثلاثين ملكا يبتدرونها ، أيهم يكتبها أول" (3).
وعن أبي هريرة رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إذا كان يوم الجمعة ، كان على كل باب من أبواب المسجد الملائكة ، يكتبون الأول فالأول ، فإذا جاء الإمام ، طووا الصحف ، وجاءوا يستمعون الذكر"(4).
فهذان الحديثان يذكران بعض (الكتبة) غير الملكين الملازمين لكل منا.
4ـ تبليغ الوحي : ـ
قال تعالى : { نزل به الروح الأمين (193) على قلبك لتكون من المنذرين(194)} [ الشعراء] .
وقال سبحانه : { قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله } [البقرة /97].
وعن ابن عباس رضى الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل : " ألا تزورنا أكثر مما تزورنا ؟ قال فنزلت : وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا " (5).
وعن عائشة أم المؤمنين رضى الله عنها أن الحارث بن هشام رضى الله عنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله : كيف يأتيك الوحي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس ، وهو أشده علي ، فيفصم عني وقد وعيت عنه ما قال ، وأحيانا يتمثل لي الملك رجلا، فيكلمني فأعي ما يقول " قالت عائشة رضى الله عنها : ولقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد ، فيفصم عنه ، وإن جبينه ليتفصد عرقا " (6).
5ـ حث المسلم على الخير : ـ
عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ما من يوم يصبح العباد فيه ، إلا ملكان ينزلان . فيقول أحدهما : اللهم أعط منفقا خلفا . ويقول الآخر : اللهم أعط ممسكا تلفا " (7).
وعن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن ، وقرينه من الملائكة . قالوا : وإياك يا رسول الله؟ قال:وإياي،إلا أن الله أعانني عليه فأسلم ، فلا يأمرني إلا بخير"(8)
وعن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن للشيطان لمة بابن آدم ، وللملك لمة ، فأما لمة الشيطان ، فإيعاد بالشر، وتكذيب بالحق ، وأما لمة الملك ، فإيعاد بالخير ، وتصديق بالحق ، فمن وجد ذلك ، فليعلم أنه من الله ، فليحمد الله ، ومن وجد الأخرى ، فليتعوذ بالله من الشيطان . ثم قرأ : { الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء } (9).
وعن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إذا أوى الإنسان إلى فراشه ، ابتدره ملك وشيطان . فيقول الملك : اختم بخير ، ويقول الشيطان : اختم بشر ، فإذا ذكر الله ، ثم نام ، ذهب الشيطان ، وبات يكلؤه الملك ، فإذا استيقظ ، ابتدره ملك وشيطان . قال الملك : افتح بخير ، وقال الشيطان : افتح بشر. فإن قال إذا قام : الحمد لله الذي رد على نفسي ، ولم يمتها في منامها ، الحمد الله الذي يمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه. إن الله بالناس لرؤوف رحيم ، الحمد لله الذي يمسك السموات والأرض أن تزولا . ولئن زالتا إن أمسكها من أحد من بعده ، إنه كان حليما غفورا . الحمد لله الذي يحيي الموتى ، وهو على كل شئ قدير. فإن وقع عن سريره ، فمات دخل الجنة " (10).
وعن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من سأل القضاء وكل إلى نفسه ، ومن جبر عليه ، نزل عليه ملك فسدده" (11).
وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "لا يزال العبد في صلاة ما كان في مصلاه ينتظر الصلاة ، وتقول الملائكة : اللهم اغفر له . اللهم ارحمه . حتى ينصرف أو يحدث " (12).
وعن عامر بن ربيعة أنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يقول : " من صلى على لم تزل الملائكة تصلي عليه ما صلى على. فليقل عبد من ذلك أو ليكثر " (13).
6ـ نصر المؤمنين في معاركهم : ـ
قال تعالى : { ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون (123) إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة ءالاف من الملائكة منزلين (124) بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة ءالاف من الملائكة مسومين (125) } [ آل عمران ] .
وقال عز وجل : { إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين (9) } [ الأنفال ] .
وقال عز وجل : { إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين ءامنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان (12) } [ الأنفال ] .
وعن ابن عباس رضى الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم بدر : هذا جبريل آخذ برأسه فرسه ، عليه أداة الحرب" (14).
وجاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال : ما تعدون أهل بدر فيكم ؟ فقال : من أفضل المسلمين ـ أو كلمة نحوها ـ قال : وكذلك من شهد بدرا من الملائكة (15).
وعن ابن عباس قال : بينما رجل من المسلمين يومئذ يشتد في أثر رجل من المشركين أمامه . إذ سمع ضربة بالسوط فوقه ، وصوت الفارس يقول : أقدم حيزوم. فنظر إلى المشرك أمامه ، فخر مستلقيا . فنظر إليه فإذا هو قد حطم أنفه ، وشق وجهه كضربة السوط ، فاخضر ذلك أجمع ، فجاء الأنصاري ، فحدث بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " صدقت ذلك من مدد السماء الثالثة"(16).
وعن سعد بن أبي وقاص قال : رأيت عن يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن شماله يوم أحد رجلين عليهما ثياب بياض : ما رأيتهما قبل ولا بعد . يعني جبريل وميكائيل عليهما السلام (17).
وفي هذا الحديث بيان كرامة النبي صلى الله عليه وسلم على الله تعالى ، وإكرامه إياه بإنزال الملائكة تقاتل معه ، وبيان الملائكة تقاتل ، وأن قتالهم لم يختص بيوم بدر ، وأن رؤية الملائكة لا تختص بالأنبياء ، بل يراهم الصحابة والأولياء ، وفيه منقبة عظيمة لسعد بن أبي وقاص الذي رأى الملائكة.
وعن عائشة رضى الله عنها قالت : لما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من الخندق ، ووضع السلاح ، واغتسل ، أتاه جبريل عليه السلام فقال : قد وضعت السلاح ؟ ، والله ما وضعناه . فاخرج إليهم . قال : فإلى أين ؟ قال ها هنا . وأشار إلى قريظة ، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم إليهم " (18).
7ـ ملائكة الرحمة يدعون ويستغفرون للمؤمنين : ـ
قال تعالى : { الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين ءامنوا ربنا وسعت كل شئ رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم (7) ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من ءابائهم وأزواجهم وذرياتهم إنك أنت العزيز الحكيم (8) وقهم السيئات ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته وذلك هو الفوز العظيم(9)} [غافر].
وقال سبحانه : { هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور } [ الأحزاب/43].
وعن على قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من أتى أخاه المسلم عائدا ، مشى في خرافة الجنة حتى يجلس ، فإذا جلس غمرته الرحمة ، فإن كان غدوة صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يمسي ، وإن كان مساء صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح " (19).
وعن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "دعوة المرء مستجابة لأخيه بظهر الغيب .عند رأسه ملك يؤمن على دعائه ، كلما دعا له بخير قال : آمين . ولك مثله " (20).
وملائكة الرحمة لا يدخلون بيتا فيه كلب ، أو تمثال.
عن أبي طلحة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة " (21).
وفي رواية : " فيه تماثيل أو تصاوير " .
وفي رواية : " لا تصحب الملائكة رفقة فيها كلب ، ولا جرس " (22).
8ـ قبض الأرواح : ـ
قال تعالى :
• { قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم إلى ربكم ترجعون (11) } [السجدة].
• { حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون (61)}[ الأنعام] .
• { ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم وذوقوا عذاب الحريق (50) } [ الأنفال ] .
• { إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم } [ النساء ] .
• { والنازعات غرقا (1) والناشطات نشطا (2) } [ النازعات ] .
والمراد بالنازعات الملائكة التي تقبض أرواح الكفار بشدة وألم ، والمراد بالناشطات الملائكة التي تقبض أرواح المؤمنين برفق ولين .
9ـ خزنة جهنم : ـ
قال تعالى : { يأيها الذين ءامنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون (6) } [ التحريم ].
وعددهم تسعة عشر ، وقد جعل الله هذا العدد فتنة واختبارا . قال تعالى : { عليها تسعة عشر (30) وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا ليستيقن الذين أوتوا الكتاب ويزداد الذين ءامنوا إيمانا ولا يرتاب الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون وليقول الذين في قلوبهم مرض والكافرون ماذا أراد الله بهذا مثلا كذلك يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء وما يعلم جنود ربك إلا هو وما هي إلا ذكرى للبشر (31) } [ المدثر].
وهؤلاء هم الزبانية الذين هدد الله بهم الكفار في قوله : { فليدع ناديه (17) سندع الزبانية (18) } [ العلق ] .
وعلى رأسهم ( مالك) الذي يناديه الكفار وهم في النار ملتمسين الموت : {ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون (77) لقد جئناكم بالحق ولكن أكثركم للحق كارهون (78) } [ الزخرف ].
=================
المراجع والهوامش
1ـ رواه مسلم في القدر 4/2037
2ـ رواه مسلم في الإيمان 1/117.
3ـ رواه البخاري في الأذان ـ الفتح 2/332
4ـ رواه البخاري في بدء الخلق ـ الفتح 6/351
5ـ رواه البخاري في بدء الخلق ـ الفتح 6/352
6ـ رواه البخاري في بدء الوحي ـ الفتح 2/25
7ـ رواه مسلم في الزكاة 2/700
8ـ رواه مسلم في صفات المنافقين 4/2167
9ـ رواه الترمذي في تفسير سورة البقرة ـ التحفة 8/266 واللمة ما يقع في القلب ، فما كان من الملك سمى إلهاما ، وما كان من الشيطان سمى وسوسة.
10ـ جامع الأحاديث 3/405 ومجمع الزوائد 10 ، 120
11ـ رواه ابن ماجه في الأحكام 2/774
12ـ رواه مسلم في المساجد 1/459
13ـ رواه أحمد في مسنده 3/445
14ـ رواه البخاري في المغازي ـ الفتح 7/363
15ـ المرجع السابق ـ 7/362
16ـ رواه الإمام مسلم في الجهاد والسير 3/1384 وحيزوم : اسم فرس الملك . أي تقدم يا حيزوم ، وحطم أنفه : أي ظهر أثر الضربة عليها.
17ـ رواه مسلم في الفضائل 4/1802
18ـ رواه البخاري في المغازي ـ الفتح 7/ 47 ومسلم في الجهاد 3/1389
19ـ رواه ابن ماجه في سننه في الجنائز 1/463 وخرافة بفتح الخاء وكسرها أي في اجتناء ثمرها .
20ـ رواه ابن ماجه في المناسك 2/966
21ـ رواه مسلم في اللباس والزينة 3/1665.
22ـ الروايتان في المرجع السابق 3/1672 .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الصفات الخلقية للملائكة
أولاً : أجنحة الملائكة
للملائكة أجنحة كما أخبرنا الله تعالى ، فمنهم من له جناحان ، ومنهم من له ثلاثة ، أو أربعة ، ومنهم من له أكثر من ذلك : ( الحمد لله فاطر السَّماوات والأرض جاعل الملائكة رسلاً أولي أجنحةٍ مثنى وثلاث ورباع يزيد في الخلق ما يشاء إنَّ الله على كل شيءٍ قدير ٌ ) [ فاطر : 1 ] .
والمعنى أن الله جعلهم أصحاب أجنحة ، بعضهم له جناحان ، وبعضهم له ثلاثة أو أربعة ، أو أكثر من ذلك .
وقد سبق ذكر الأحاديث التي يخبر فيه الرسول صلى الله عليه وسلم أن لجبريل ستمائة جناح .
ثانياً : جمال الملائكة
خلقهم الله على صور جميلة كريمة قال تعالى في جبريل : ( علَّمه شديد القوى – ذو مرةٍ فاستوى ) [ النجم : 5-6 ] . قال ابن عباس : ( ذو مرة ) : ذو منظر حسن ، وقال قتادة : ذو خَلْقٍ طويل حسن . وقيل : ذو مرة : ذو قوة . ولا منافاة بين القولين ، فهو قوي وحسن المنظر .
وقد تقرر عند الناس وصف الملائكة بالجمال ، كما تقرر عندهم وصف الشياطين بالقبح ، ولذلك تراهم يشبهون الجميل من البشر بالملك ، انظر إلى ما قالته النسوة في يوسف الصديق عندما رأينه : ( فلما رأينه أكبرنه وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وقلن حاش لله ما هذا بشراً إن هذا إلا ملكٌ كريمٌ ) [ يوسف : 31 ] .
ثالثاً : هل بين الملائكة والبشر شبه في الشكل والصورة
روى مسلم في صحيحه ، والترمذي في سننه عن جابر رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( عُرض عليَّ الأنبياء ، فإذا موسى ضرب من الرجال (1) ، كأنه من رجال شنوءة ، ورأيت عيسى ابن مريم ، فإذا أقرب من رأيت به شبهاً عروة بن مسعود ، ورأيت إبراهيم صلوات الله عليه ، فإذا أقرب من رأيت به شبهاً صاحبُكم ، ( يعني نفسه ) .
ورأيت جبريل عليه السلام ، فإذا أقرب من رأيت به شبهاً ( دحية ) وفي رواية : ( دحية بن خليفة ) (2) .
فهل هذا الشبه كائن بين صورة جبريل الحقيقية وصورة دحية الكلبي ، أم هو بين الصورة التي يكون بها جبريل عندما يتمثل في صورة بشر ؟ ! الأرجح هذا الأخير ؛ لما سيأتي أن جبريل كان يتمثل في صورة دحية كثيراً .
رابعاً : تفاوتهم في الخلق والمقدار
الملائكة ليسوا على درجة واحدة في الخلق والمقدار ، فبعض الملائكة له جناحان ، وبعضهم له ثلاثة ، وجبريل له ستمائة جناح ، ولهم عند ربهم مقامات متفاوتة معلومة : ( وما منَّا إلاَّ له مقامٌ معلومٌ ) [ الصافات : 164 ] .
وقال في جبريل : ( إنَّه لقول رسولٍ كريمٍ – ذي قوةٍ عند ذي العرش مكينٍ ) [ التكوير : 19-20 ] ؛ أي له مكانة ومنزلة عالية رفيعة عند الله .
وأفضل الملائكة هم الذين شهدوا معركة بدر ، ففي صحيح البخاري عن رفاعة بن رافع : أن جبريل جاء للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : ( ما تعدّون أهل بدر فيكم ؟ قال : من أفضل المسلمين ، أو كلمة نحوها ، قال : وكذلك من شهد بدراً من الملائكة ) (3) .
خامساً : لا يوصفون بالذكورة والأنوثة
من أسباب ضلال بني آدم في حديثهم عن عوالم الغيب أن بعضهم يحاول إخضاع هذه العوالم لمقاييسه البشرية الدنيوية ، فنرى أحداً من هؤلاء يعجب في مقال له من أن جبريل كان يأتي الرسول صلى الله عليه وسلم بعد ثوان من توجيه سؤال إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يحتاج إلى جواب من الله ، فكيف يأتي بهذه السرعة الخارقة ، والضوء يحتاج إلى ملايين السنوات الضوئية ؛ ليصل إلى بعض الكواكب القريبة من السماء .
وما درى هذا المسكين أن مثله كمثل بعوضة ، تحاول أن تقيس سرعة الطائرة بمقياسها الخاص ، لو تفكر في الأمر ، لعلم أن عالم الملائكة له مقاييس تختلف تماماً عن مقاييسنا نحن البشر .
ولقد ضلّ في هذا المجال مشركو العرب الذين كانوا يزعمون أن الملائكة إناث ، واختلطت هذه المقولة المجافية للحقيقة عندهم بخرافة أعظم وأكبر ؛ إذ زعموا أن هؤلاء الإناث بنات الله .
وناقشهم القرآن في هاتين القضيتين ، فبين أنهم – فيما ذهبوا إليه – لم يعتمدوا على دليل صحيح ، وأن هذا القول قول متهافت ، ومن عجب أنهم ينسبون لله البنات ، وهم يكرهون البنات ، وعندما يبشر أحدهم أنه رزق بنتاً يظل وجهه مسوداً وهو كظيم ، وقد يتوارى من الناس خجلاً من سوء ما بُشر به ، وقد يتعدى هذا المأفون طوره ، فيدس هذه المولودة في التراب ، ومع ذلك كله ينسبون لله الولد ، ويزعمون أنهم إناث ، وهكذا تنشأ الخرافة ، وتتفرع في عقول الذين لا يتصلون بالنور الإلهي .
استمع إلى الآيات التالية تحكي هذه الخرافة وتناقش أصحابها : ( فاستفتهم ألربك البنات ولهم البنون – أم خلقنا الملائكة إناثاً وهم شاهدون – ألا أنهم من إفكهم ليقولون – ولد الله وإنَّهم لكاذبون – أَصْطَفَى البنات على البنين – ما لكم كيف تحكمون – أفلا تذكرون – أم لكم سلطانٌ مبينٌ ) [ الصافات : 149-156 ] .
وقد جعل الله قولهم هذا شهادة سيحاسبهم عليها ، فإن من أعظم الذنوب القول على الله بغير علم : ( وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرَّحمن إناثاً أشهدوا خلقهم ستكتب شهادتهم ويسألون ) [ الزخرف : 19 ] (4) .
سادساً : لا يأكلون ولا يشربون
أشرنا من قبل أنهم لا يوصفون بالذكورة والأنوثة ، وكذلك هم لا يحتاجون إلى طعام البشر وشرابهم ، فقد أخبرنا الله أن الملائكة جاؤوا إبراهيم في صورة بشر ، فقدّم لهم الطعام ، فلم تمتد أيديهم إليه ، فأوجس منهم خيفة ، فكشفوا له عن حقيقتهم ، فزال خوفه واستغرابه : ( هل أَتَاكَ حديث ضيف إبراهيم المكرمين – إذ دخلوا عليه فقالوا سلاماً قال سلامٌ قومٌ منكرون – فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمينٍ – فقرَّبه إليهم قال ألا تأكلون – فأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف وبشَّروه بغلامٍ عليم ٍ ) [ الذاريات : 24-28 ] .
وفي آية أخرى قال : ( فلمَّا رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خِيفَةً قالوا لا تخف إنَّا أرسلنا على قوم لوطٍ ) [ هود : 70 ] .
ونقل السيوطي عن الفخر الرازي : أن العلماء اتفقوا على أن الملائكة لا يأكلون ولا يشربون ولا يتناكحون (5) .
سابعاً : لا يملّون ولا يتعبون
والملائكة يقومون بعبادة الله وطاعته وتنفيذ أوامره ، بلا كلل ولا ملل ، ولا يدركهم ما يدرك البشر من ذلك ، قال تعالى في وصف الملائكة : ( يسبحون الليل والنهار لا يفترون ) [ الأنبياء : 20 ] .
ومعنى لا يفترون : لا يضعفون . وفي الآية الأخرى : ( فالَّذين عند ربك يسبحون له بالَّليل والنَّهار وهم لا يسأمون ) [ فصلت : 38 ] تقول العرب : سئم الشيء ، أي : ملّه .
وقد استدل السيوطي بقوله : ( لا يفترون ) على أن الملائكة لا ينامون ، ونقله عن الفخر الرازي (6) .
ثامناً : منازل الملائكة
منازل الملائكة ومساكنها السماء ، كما قال تعالى : ( تكاد السَّماوات يتفطَّرن من فوقهنَّ والملائكة يسبحون بحمد ربهم ) [ الشورى : 5 ] .
وقد وصفهم الله تعالى بأنهم عنده : ( فإن استبكروا فالَّذين عن ربك يسبحون له بالَّليل والنَّهار وهم لا يسأمون ) [ فصلت : 38 ] .
وينزلون إلى الأرض بأمر الله لتنفيذ مهمات نيطت بهم ، ووكلت إليهم : ( وما نتنزَّل إلاَّ بأمر ربك ) [ مريم : 64 ] . ويكثر نزولهم في مناسبات خاصة كليلة القدر : ( ليلة القدر خيرٌ من ألف شهرٍ – تنزَّلُ الملائكة والرُّوح فيها بإذن ربهم من كل أمر ) [ القدر : 3-4 ] .
تاسعاً : أعداد الملائكة
الملائكة خلـق كثير لا يعلم عددهم إلا الذي خلقهم : ( وما يعلم جنود ربك إلاَّ هو ) [ المدثر : 31 ] .
وإذا أردت أن تعلم كثرتهم ، فاسمع ما قاله جبريل عن البيت المعمور ، عندما سأله الرسول صلى الله عليه وسلم عنه عندما بلغه في الإسراء : ( هذا البيت المعمور يصلي فيه في كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه آخر ما عليهم ) (7) .
وفي صحيح مسلم عن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام ، مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها ) (8) . فعلى ذلك فإن الذين يأتون بجهنم يوم القيامة أربعة مليارات وتسعمائة مليون ملك .
وإذا تأملت النصوص الواردة في الملائكة التي تقوم على الإنسان علمت مدى كثرتهم ، فهناك ملك موكل بالنطفة ، وملكان لكتابة أعمال كل إنسان ، وملائكة لحفظه ، وقرين ملكي لهدايته وإرشاده .
عاشراً : أسماء الملائكة
للملائكة أسماء ، ونحن لا نعرف من أسماء الملائكة إلا القليل ، وإليك الآيات التي ورد فيها أسماء بعض الملائكة :
1 ، 2- جبريل وميكائيل :
قال تعالى : ( قل من كان عدوّاً لجبريل فإنَّه نزله على قلبك بإذن الله مصدّقاً لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين – من كان عدوّاً لله وملائكته ورسله وجبريل و وَمِيكَالَ فإنَّ الله عدوٌّ للكافرين ) [ البقرة : 97-98 ] .
وجبريل هو الروح الأمين المذكور في قوله تعالى : ( نزل به الرُّوح الأمينُ – على قلبك لتكون من المنذرين ) [ الشعراء : 193-194 ] .
وهو الروح المعني في قوله : ( تنزَّل الملائكة والرُّوح فيها بإذن ربهم ) [القدر:4] .
وهو الروح الذي أرسله إلى مريم : ( فأرسلنا إليها روحنا ) [ مريم : 17 ] .
3- إسرافيل :
ومن الملائكة إسرافيل الذي ينفخ في الصور .
وجبريل وميكائيل وإسرافيل هم الذين كان يذكرهم الرسول صلى الله عليه وسلم ، في دعائه عندما يستفتح صلاته من الليل : ( اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل ، فاطر السماوات والأرض ، عالم الغيب والشهادة ، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون ، اهدني لما اختلف فيه مـن الحقّ بإذنك ، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم ) (9) .
4- مالك :
ومنهم مالك خازن النار : ( ونادوا يا مالك ليقض علينا ربُّك قال إنَّكم مَّاكثون ) [الزخرف : 77] .
5- رضوان :
قال ابن كثير : " وخازن الجنّة ملك يقال له رضوان ، جاء مصرحاً به في بعض الأحاديث " (10) .
6 ، 7- منكر ونكير :
ومن الملائكة الذين سماهم الرسول صلى الله عليه وسلم منكر ونكير ، وقد استفاض في الأحاديث ذكرهما في سؤال القبر .
8 ، 9- هاروت وماروت :
ومنهم ملكان سماهما الله باسم ( هاروت وماروت ) قال تعالى : ( وما كفر سليمان ولكنَّ الشَّياطين كفروا يعلمون النَّاس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحدٍ حتَّى يقولا إنَّما نحن فتنةٌ فلا تكفر ) [ البقرة : 102 ] .
ويبدو من سياق الآية أن الله بعثهما فتنة للناس في فترة من الفترات ، وقد نُسجت حولهما في كتب التفسير وكتب التاريخ أساطير كثيرة ، لم يثبت شيء منها في الكتاب والسنة ، فيكتفى في معرفة أمرهما بما دلت عليه الآية الكريمة .
عزرائيل :
وقد جاء في بعض الآثار تسمية ملك الموت باسم عزرائيل ، ولا وجود لهذا الاسم في القرآن ، ولا في الأحاديث الصحيحة (11) .
رقيب وعتيد :
يذكر بعض العلماء أن من الملائكة من اسمه رقيب وعتيد ، استدلالاً بقوله تعالى : ( إذ يتلقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عن اليمين وعن الشمال قعيدٌ – مَّا يلفظ من قولٍ إلاَّ لديه رقيب عتيدٌ ) [ ق : 17-18 ] .
وما ذكروه غير صحيح ، فالرقيب والعتيد هنا وصفان للملكين اللذين يسجلان أعمال العباد ، ومعنى رقيب وعتيد ؛ أي : ملكان حاضران شاهدان ، لا يغيبان عن العبد ، وليس المراد أنهما اسمان للملكين .
الحادي عشر : موت الملائكة
الملائكة يموتون كما يموت الإنس والجن ، وقد جاء ذلك صريحاً في قوله تعالى : ( ونفخ في الصُّور فصعق من في السَّماوات ومن في الأرض إلاَّ من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيامٌ ينظرون ) [ الزمر : 68 ] .
فالملائكة تشملهم الآية ؛ لأنهم في السماء ، يقول ابن كثير عند تفسيره هذه الآية : " هذه هي النفخة الثانية ، وهي نفخة الصعق ، وهي التي يموت بها الأحياء من أهل السماوات والأرض إلا من شاء الله كما جاء مصرحاً به مفسراً في حديث الصور المشهور ، ثم يقبض أرواح الباقين حتى يكون آخر من يموت ملك الموت ، وينفرد الحي القيوم ، الذي كان أولاً ، وهو الباقي آخراً بالديمومة والبقاء ، ويقول : لمن الملك اليوم ؟ ثلاث مرات ، ثم يجيب نفسه بنفسه فيقول : ( لله الواحد القهَّار ) [ غافر : 16 ] " .
ومما يدّل على أنهم يموتون قوله تعالى : ( كلُّ شيءٍ هالك إلاَّ وجهه ) [ القصص : 88 ] .
وهل يموت أحد منهم قبل نفخة الصور ؟ هذا ما لا نعلمه ، ولا نستطيع الخوض فيه ؛ لعدم وجود النصوص المثبتة له أو النافية .
========================================
الهوامش : -
(1) الضرب من الرجال : هو الرجل المتوسط في كثرة اللحم وقلته . وقيل : الخفيف اللحم .
(2) صحيح مسلم : 1/153 . ورقمه : 167 .
(3) رواه البخاري : 7/312 . ورقمه : 3992 .
(4) ومن هنا يجب أن يحذر المسلم في أن يتقول في مثل هذه الأمور بلا علم ، فهؤلاء الذين يزعمون أن أصل الإنسان حيوان : قرد ، أو غيره ، يقال لهم القول نفسه : ( أشهدوا خلقهم ستكتب شهادتهم ) ، والله يقول : ( ما أشهدتهم خلق السَّماوات والأرض ولا خلق أنفسهم ) [ الكهف : 51 ] .
(5) الحبائك في أخبار الملائك : ص 264 .
(6) الحبائك في أخبار الملائك : ص 264 .
(7) رواه البخاري : 6/103 . ورقمه : 3207 . ورواه مسلم : 1/146 . ورقمه : 162 . واللفظ للبخاري .
(8) صحيح مسلم : 4/2184 . ورقمه : 2842 .
(9) رواه مسلم عن عائشة أم المؤمنين : 1/534 . ورقمه : 770 .
(10) البداية والنهاية : 1/53 .
(11) البداية والنهاية : 1/50
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ