الخميس، 22 مارس 2012

موسوعة العقيدة - النبوات - أحكام النبوة وتعريف الرسول والنبى


أحكام النبوة

        الركن الثالث من أركان الإيمان : أن يؤمن العبد بأن لله كتبا أنزلها إلى رسله عليهم السلام ، قيل إنها مائة وأربعة كتب ، لكن المذكور منها في القرآن ما يلي :ـ

        (1) التوراة : أنزلها الله على موسى : قال تعالى : { إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء} [ المائدة /44]
        قال : { وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شئ قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا } [ الأنعام / 91] .

        (2) الإنجيل : أنزله الله على عيسى : قال تعالى : { وقفينا على ءاثارهم بعيسى ابن مريم مصدقا لما بين يديه من التوراة وءاتيناه الإنجيل فيه هدى ونور مصدقا لما بين يديه من التوراة وهدى وموعظة للمتقين (46) } [ المائدة ]

        (3) الزبور : أنزله الله على داود عليه السلام : قال تعالى : { وءاتينا داود زبورا(55) } [ الإسراء].

        (4) صحف إبراهيم وموسى : قال تعالى : { قد أفلح من تزكى (14) وذكر اسم ربه فصلى (15) بل تؤثرون الحيــوة الدنيا (116) والآخرة خير وابقى (17) إن هذا لفي الصحف الأولى (18) صحف إبراهيم وموسى (19) } [ الأعلى] .

        (5) القرآن الكريم : وهو آخر الكتب نزولا ، لا كتاب بعده ، لأنه لا نبي بعد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم حيث ختم به النبيون قال تعالى : { وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه } [ المائدة /48] .


اتفاق واختلاف الرسالات
        وقد اتفقت دعوة الرسل في أصول الدين ، والدعوة إلى مكارم الأخلاق ، قال تعالى : { لقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت } [النحل/36] .
        وقال : { وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون (25) } [ الأنبياء ] وقال عليه السلام :
        { الأنبياء إخوة لعلات : أمهاتهم شتى ، ودينهم واحد "
        واختلفت بعض الشرائع عن بعض في مسائل من التشريعات الفرعية من الحلال والحرام ، وبعض العبادات من الصلاة والصيام ، لتتناسب مع ظروف كل مجتمع ، وليكون فيها اختبار وابتلاء من الله عز وجل ، قال تعالى : { لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا } [ المائدة /48].
        قال عيسى : { ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم } [ آل عمران /50] . فقد حرم الله عليهم بعض الطيبات لظلمهم كالسمك والشحم ، وجعل تطهير الثوب بقطع ما تنجس منه ومن أراد التوبة فعليه أن يقتل نفسه .
        قال تعالى : { وإذ قال موسى لقومه يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم } [ البقرة /54].
        وقال صلى الله عليه وسلم : " وأحلت لي الغنائم ، ولم تحل لنبي قبلي"


تعريف الرسول والنبي والفرق بينهما
        الرأي الأول :
        الرسول : إنسان ذكر حر أوحى الله إليه بشرع وأمره بتبليغه .
        والنبي : إنسان ذكر حر أوحى الله إليه بشرع ولم يؤمر بتبليغه.
        فلابد أن يكون الرسول أو النبي من البشر ، وليس ملكا أو جنيا ، حتى يمكن مخاطبته ، وقد رد الله على الذين أنكروا أن يكون الرسول بشرا ، وزعموا أنه لابد أن يكون ملكا ، فقال:{ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا وللبسنا عليهم ما يلبسون(9)} [ الأنعام ].
        وهناك رأي بأن في الجن رسلا يسمون بالنذر.
        ولابد أن يكون الرسول ذكرا ؛ لأن الأنوثة لا تناسب وظيفة الرسول الذي يقوم بدعوة الناس إلى الدين ، وهناك من زعم أن مريم ، وآسيا ، وأم موسى ، وهاجر ، كن أنبياء على أن الله أوحى إليهن ، ولكن الآية تقول : { وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى }[ يوسف/109] فأثبتت الرسالة للرجال.
        وعلى هذا الرأي الفرق بين الرسول والنبي هو التبليغ ، فالرسول مأمور بالتبليغ والنبي ليس مأمورا بالتبليغ ، ويكون نبينا صلى الله عليه وسلم قد نبأ بـ {اقرأ } وأرسل بـ { قم فأنذر(2) } [ المدثر].

        وقد اعترض على هذا الرأي باعتراضين :

        (1) أنه لا يستقيم مع قوله تعالى : { وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته } [ الحج/52] فقد تعلق الإرسال بكل من الرسول والنبي والإرسال يعني التبليغ.

        (2) النبي إذا لم يؤمر بالتبليغ ، فما فائدته للمجتمع ؟ ألا يكون كاتما للشرع وهو علم وأمانة يجب أداؤها ، ويحرم كتمها ؟

        الرأي الثاني :

        الرسول : هو من بعثه الله بشرع جديد ، يجهله المرسل إليهم ، ولا يعرفونه.
        والنبي : هو من بعثه الله لتقرير شرع سابق ، يعرفه المرسل إليهم ، ولا يلتزمونه ، فوظيفته تذكيرهم به ، ودعوتهم لامتثاله ؛ لأنهم يعلمون أنه حق، ويكون هو قدوة طيبة لهم .
        فمهمة الأنبياء أشبه بمهمة علماء أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، كما ورد في حديث : " العلماء ورثة الأنبياء " .
        والمتأمل لاستعمال هذين اللفظين ( الرسول والنبي ) في القرآن يجد أنهما إذا اجتمعا افترقا ، وإذا افترقا اجتمعا .
        أي إذا اجتمعا في آية واحدة ، كان لكل منهما معناه الخاص به ، كما في قوله : { وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته } [ الحج /52].
        فهنا الرسول مغاير للنبي .
        أما إذا افترقا ، فورد أحد اللفظين في الآية دون الآخر ، كان كل منهما بمعنى الآخر ، كما في قوله تعالى : { وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول } [التغابن/1].
        وقوله : { يأيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا (45) } [الأحزاب/45].
        فهنا الرسول مرادف للنبي .


عدد الرسل والأنبياء وأولو العزم منهم
        أورد القرآن الكريم أسماء عدد من الرسل والأنبياء ، وجاء قوله تعالى : {ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك } [ النساء/164] مما يدل على أن عددهم أكثر مما ورد في القرآن .
        والمذكورين في القرآن الكريم خمسة وعشرون ، جمعهم أحد العلماء في قوله :
        في تلك حجتنا منهم ثمانية ** من بعد عشر ويبقى سبعة وهم
        ادريس هود شعيب صالح وكذا ** ذو الكفل آدم بالمختار قد ختموا
        قال تعالى : { وتلك حجتنا ءاتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء إن ربك حكيم عليم (83) ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلا هدينا ونوحا هدينا من قبل ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين (84) وزكريا ويحي وعيسى وإلياس كل من الصالحين(85) وإسماعيل واليسع ويونس ولوطا وكلا فضلنا على العالمين (86) } [ الأنعام ].
        وأوروا العزم من الرسل خمسة ذكروا في قوله تعالى : { وإذ أخذنا من النبيـــن ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم وأخذنا منهم ميثاقا غليظا (7) } [ الأحزاب] وقوله سبحانه : { شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه } [ الشورى /13] .


صفات الرسل وعلاماتهم
        قال تعالى : { الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس إن الله سميع بصير(75) } [ الحج ] .
        ويقول : { الله أعلم حيث يجعل رسالته } [ الأنعام /124] .
        ويقول : { إن الله اصطفى ءادم ونوحا وءال إبراهيم وءال عمران على العالمين (33) } [ آل عمران ] .
        الرسل بشر تعتريه الأحوال البشرية من اللذة والألم ، والصحة والمرض(1) والاحتياج إلى الطعام والشراب ، والزواج والأولاد ، ويموتون كما يموت البشر، وفي هذا كله تنبيه لمن تسول له نفسه أن يؤله نبيا ، أو يعبد رسولا.
        وقد اختارهم من يعلم خائنة الأعين ، وما تخفي الصدور، فأدبهم فأحسن تأديبهم ، ومنحهم أفضل ما يمنحه البشر ، وأوجب لهم كل كمال بشري ، ونزههم عن كل نقص بشري.
        وفيما يلي نعرض بعض صفاتهم وعلاماتهم : ـ

        أولا ـ العصمة :

ـ وهي حفظ الله ظواهر الأنبياء وبواطنهم عن فعل المنهي عنه .
        وأما الصغائر ، فقد اختلف العلماء فيها .
        فرأى بعضهم أن الأنبياء ربما ألم بعضهم بشئ منها بطريق النسيان ، أو التأويل ، أو الخطأ ، لكن الله لا يقرهم عليها ، بل ينبههم ، ويستغفرونه تعالى ، فيكون ذلك سببا في رفع درجاتهم ، وتعليم أممهم .
        وذهب بعض العلماء إلى عصمتهم عن الصغائر أيضا ، وما ورد عنهم من باب ترك الأولى ، وترك الأولى ليس صغيرة .
        وإنما وجب عصمتهم ؛ لأن الله جعلهم أسوة حسنة ، وقدوة عملية لأقوامهم ، وأمر باتباعهم فيما يقولون ويفعلون ، قال تعالى : { وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما (64) فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما(65)} [النساء].
        وقال : { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا (21) } [ الأحزاب].
        وقال : { وما ءاتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه لانتهوا } [الحشر/7].
        وتشمل العصمة الصدق ، فقد عصمهم الله عن الوقوع في الكذب، قال تعالى: { ولو تقول علينا بعض الأقاويل (44) لأخذنا منه باليمين (45) ثم لقطعنا منه الوتين (46) } [ الحاقة ]
        وقال عن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم : { وما ينطق عن الهوى(3)} [النجم].
        والله سبحانه لا يؤيد من يكذب عليه ، بل يظهر كذبه ، ويفضحه ، وينتقم منه ، هكذا جرت سنته في كونه جل في علاه .
        والمقصود بالصدق : مطابقة الخبر للواقع بحسب الاعتقاد .
        فعندما سلم الرسول صلى الله عليه وسلم بعد ركعتين في صلاة رباعية ، وقال له ( ذو اليدين ) : أقصرت الصلاة ، أم نسيت يا رسول الله ؟ فقال : "كل ذلك لم يكن " كان قوله هذا صدقا بحسب اعتقاده . فهو معتقد أنه أتم الصلاة.
        وتشمل العصمة التبليغ . أي توصيل كل ما يوحى إليهم إلى الناس فهم معصومون من الخطأ فيه ، أو حجب شئ منه قال تعالى :
        { يأيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته ، والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين (67)} [المائدة].
        وقال تعالى : { وما هو على الغيب بضنين (24) } [ التكوير] ، أي بخيل مقصر في تبليغه .
        ولو كتم النبي شيئا ، لكتم آيات العتاب ، مثل قوله تعالى :
        • { عبس وتولى (1) أن جاءه الأعمى (2) } [ عبس].
        • { عفا الله عنك لم أذنب لهم } [ التوبة /43].
        • { وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه } [الأحزاب/37]
        • { ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض } [ الأنفال/67].

        ثانيا ـ الفطنة :

        وهي الفهم والذكاء والتيقظ لأساليب المجادلين ، وإبطال دعواهم الفاسدة ، وإلزامهم الحجة ، والفطنة أو الفطانة من ألزم الصفات للأنبياء والرسل؛ لأن مهمتهم نشر الدعوة ، وتبليغ الرسالة ، وإبطال العقائد الباطلة، وغرس العقائد الصحيحة ، وكل ذلك يحتاج إلى الذكاء والتيقظ .
        قال تعالى حكاية عن قوم نوح : { يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين (32) } [ هود ].
        وقال عن إبراهيم عليه السلام : { تلك حجتنا ءاتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء إن ربك حكيم عليم (83) } [ الأنعام ].
        وتأمل محاجة إبراهيم عليه اسلام للنمرود عندما قال له : { ربي الذي يحي ويميت } فلم يفهم ذلك لغبائه ، فانتقل إبراهيم إلى أمر أبين وأوضح . قال تعالى : {ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن ءاتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربي الذي يحي ويميت قال أنا أحي وأميت قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين (258) } [البقرة].
        وتأمل محاجته لعباد الأصنام عندما قال :
        { وتالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين (57) فجعلهم جذاذا إلا كبيرا لهم لعلهم إليه يرجعون (58) قالوا من فعل هذا بءالهتنا إنه لمن الظالمين (59) قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم (60) قالوا فأتوا به على أعين الناس لعلهم يشهدون (61) قالوا ءأنت فعلت هذا بءالهتنا يا إبراهيم (62) قال بل فعله كبيرهم هذا فسءلوهم إن كانوا ينطقون (63) فرجعوا إلى أنفسهم فقالوا إنكم أنتم الظالمون (64) ثم نكسوا على رءوسهم لقدعلمت ما هؤلاء ينطقون (65) قال أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئا ولا يضركم (66) أف لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون (67) } [ الأنبياء ] .
        ودعا موسى ربه قائلا :{ رب اشرح لي صدري (25) ويسر لي أمري(26) واحلل عقدة من لساني (27) يفقهوا قولي (28) } [ طه ].
        وأمر خاتم النبيين أن يجادلهم بالحسنى فقال : { وجادلهم بالتي هي أحسن} [النحل/125].

        ثالثا ـ ومن علاماتهم : أن يكونوا ذوي حسب في قومهم ، وفي الحديث الصحيح قال صلى الله عليه وسلم : " ما بعث الله نبيا إلا في منعة من قومه " .
        وقال تعالى : { قالوا يا شعيب ما نفقه كثيرا مما تقول وإنا لنراك فينا ضعيفا ولولا رهطك لرجمناك } [ هود/91].
        ولتتذكر موقف أبي طالب مع النبي صلى الله عليه وسلم .
        وعندما سأل هرقل أبا سفيان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : كيف هو فيكم ؟ قال : هو فينا ذو حسب : قال هرقل : وكذلك الرسل تبعث في أحساب قومها . ومعناه : أن تكون له عصبة وشوكة تمنعه من أذى الكفار حتى يبلغ رسالة ربه .

        رابعا ـ ومن علاماتهم : أن يكون لهم خلق الخير والفضيلة ، والطهر والعفاف ، والتنزه عن المصالح الشخصية ، والأغراض الزائلة ، وقد استدلت خديجة رضى الله عنها بذلك على نبوته صلى الله عليه وسلم حين قالت له : "كلا والله لا يخزيك الله أبدا : إنك تصل الرحم ، وتصدق الحديث ، وتحمل الكل ، وتقري الضيف ، وتكسب المعدوم ، وتعين على نوائب الحق " رواه البخاري .
        ولما سأل هرقل أبا سفيان : فهل يغدر ؟ قال أبو سفيان : لا ، قال هرقل : وكذلك الرسل لا تغدر.
        وعندما سأله : فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال ؟ قال أبو سفيان : لا ، قال : لم يكن ليدع الكذب على الناس ويكذب على الله .
        وقد صانه الله قبل الوحي عن عادات الجاهلية . ففي الصحيح أنه حمل الحجارة وهو غلام مع عمه العباس لبناء الكعبة ، فجعلها في إزاره ، فانكشف ، فسقط مغشيا عليه ، حتى استتر بثوبه ، ودعى إلى وليمة فيها عرس ولعب ، فأصابه غشى النوم إلى أن طلعت الشمس ولم يحضر شيئا من شأنهم ، وقد اشتهر قبل البعثة بالصادق الأمين .
        وحكى القرآن قول نوح لقومه : { يا قوم لا أسئلكم عليه أجرا } [هود/51]
        وكذلك قال رسولنا : { قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربى} [الشورى/23].
        وعندما اجتمع أشراف مكة به صلى الله عليه وسلم عند الحجر بالمسجد الحرام وقالوا له : إن كنت إنما جئت بهذا الحديث تطلب به مالا ، جمعنا لك من أموالنا ، حتى تكون أكثرنا مالا ، وإن كنت إنما تطلب به الشرف فينا ، فنحن نسودك علينا ، وإن كنت تريد به ملكا ، ملكناك علينا ، وإن كان هذا الذي يأتيك رئيا تراه ـ أي جنيا ـ قد غلب عليك . بذلنا لك أموالنا في طلب الطب لك حتى نبرئك منه .
        قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما بي ما تقولون . ما جئت بما جئتكم به أطلب أموالكم ، ولا الشرف فيكم ، ولا الملك عليكم ، ولكن الله بعثني إليكم رسولا ، وأنزل على كتابا ، وأمرني أن أكون لكم بشيرا ونذيرا ، فبلغتكم رسالات ربي، ونصحت لكم ، فإن تقبلوا ما جئتكم به ، فهو حظكم في الدنيا والآخرة ، وإن تردوه على ، أصبر لأمر الله ، حتى يحكم الله بيني وبينكم " .
        ويقول لأصحابه : " ما لي وللدنيا " .
        ويقول : " عرضت على الدنيا فأبيتها " .

        خامسا ـ ومن علاماتهم : أن توجد لهم حال الوحي غيبة عن الحاضرين معهم مع غطيط ، كأنها غشى أو إغماء ، وليست كذلك ، وإنما هو استغراق في لقاء الملك الروحاني بإدراك يناسب ذلك ، لا يدركه سائر البشر ، وذلك بسماع دوي من الكلام فيتفهمه ، أو يتمثل له في صورة شخص يخاطبه بما جاء به من عند الله ، ثم تنجلي تلك الحال وقد وعى ما ألقى إليه من الوحي.
        قال صلى الله عليه وسلم وقد سئل عن الوحي : " أحيانا يأتيني مثل صلصة الجرس وهو أشده على ، فيفصم عني ، وقد وعيت ما قال ، وأحيانا يتمثل لي الملك رجلا ، فيكلمني فأعي ما يقول " . ويدركه أثناء ذلك من الشدة والعناء ما لا يعبر عنه . ففي الحديث : " كان مما يعالج من التنزيل شدة " .
        وقالت عائشة : " كان ينزل عليه الوحي في اليوم شديد البرد ، فيفصم عنه ، وإن جبينه ليتفصد عرقا " .
        وقال تعالى : { إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا (5) } [ المزمل].
        ولأجل هذه الحال في نزول الوحي كان المشركون يرمون الأنبياء بالجنون، ويقولون له رثى أو تابع من الجن { ومن يضلل الله فما له من هاد (33)}[ الرعد].

        سادسا ـ ومن علاماتهم : دعاؤهم إلى الدين والعبادة من الصلاة والصدقة والصلة .
        وقد سأل هرقل أبا سفيان : بم يأمركم ؟
        فقال أبو سفيان : بالصلاة والزكاة والصلة والعفاف .
        فقال : إن يكن ما تقول حقا ، فهو نبي ، وسيملك ما تحتي قدمي هاتين.
        وعندما سأل النجاشي سيدنا جعفر بن أبي طالب ـ رضى الله عنه ـ لما هاجر إلى الحبشة : ما هذا الدين الذي فارقتم فيه قومكم ؟
        قال : أيها الملك ، كنا قوما أهل جاهلية : نعبد الأصنام ، ونأكل الميتة ، ونأتي الفواحش ، ونقطع الأرحام ، ونسئ الجوار ، ويأكل القوي فينا الضعيف ، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولا منا ، نعرف نسبه وصدقه ، وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله ، أمرنا بصدق الحديث ، وأداء الأمانة ، وصلة الرحم ، وحسن الجوار ، والكف عن المحارم والدماء ، ونهانا عن الفواحش ، وقول الزور، وأكل مال اليتيم ، وقذف المحصنة .
        وأمرنا أن نعبد الله وحده ، ولا نشرك به شيئا ، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام ( وعدد عليه أمور الإسلام ) فصدقناه ، وآمنا به ، فعدا علينا قومنا فعذبونا ، فلما قهرونا خرجنا إلى بلادك.
        ولما قرأ عليه صدر من سورة ( مريم ) بكى النجاشي ، ثم قال : ( إن هذا والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة ) .

        سابعا ـ ومن علاماتهم : أن يتبعهم في أول أمرهم ضعفاء القوم ، قال قوم نوح له : { وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي وما نرى لكم علينا من فضل بل نظنكم كاذبين (27) } [ هود ] .
        ثم يزداد عدد المؤمنين ، ولا يرتد أحد منهم سخطه لدينه بعد أن يدخل فيه إذا خالطت بشاشة الإيمان قلبه .
        قال هرقل لأبي سفيان : ( وسألتك أشراف الناس اتبعوه ، أم ضعفاؤهم ؟ فذكرت أن ضعفاءهم اتبعوه وهم أتباع الرسل . وسألتك : يزيدون أم ينقصون ؟ فذكرت أنهم يزيدون . وكذلك أمر الإيمان حتى يتم . وسألتك : أيرتد أحد سخطه لدينه بعد أن يدخل فيه ؟ فذكرت: أن لا، وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب)
        ويحدث القتال بين الرسل وأتباعهم ؛ وبين الكافرين المعاندين ، وتكون الحرب دولا : ينتصر هؤلاء مرة ، وأولئك مرة ، ثم ينصر الله المؤمنين في النهاية ويمكن لهم ، ويهلك أعداءهم .
        قال هرقل : سألتك كيف كان قتالهم اياه ؟
        فزعمت أن الحرب سجال ودول، فكذلك الرسل تبتلى، ثم تكون لهم العاقبة .

        ثامنا ـ ومن علاماتهم : ظهور المعجزات على أيديهم شاهدة بصدقهم ، وهي الآيات التي يمنحها الله لهم مؤيدة لنبوتهم ، لا يقدر على مثلها إنس ولا جن (2).
        وآية النبي أو معجزته هي الأمر الخارق للعادة الذي يظهره الله على يد النبي مصدقا له في دعوى النبوة .
        وهذا الأمر الخارق إما أن يكون قولا : كالقرآن الكريم ، أو فعلا ، كانقلاب العصا حية ، أو تركا ، كعدم إحراق النار لسيدنا إبراهيم .
        وقد تظهر الأمور الخارقة للعادة على يد غير الأنبياء ، فلا تسمى آيات ، ولا معجزات ، وفيما يلي بيان لها : ـ

        (1) الكرامة : هي الأمر الخارق للعادة الذي يكرم الله به أحد أوليائه الصالحين.
        (2) المعونة : هي الأمر الخارق للعادة يمنحه الله لمستور الحال عندما يقع في شدة .
        (3) الاستدراج : هو الأمر الخارق للعادة الذي يظهر على يد الفاسق أو الكافر على وفق مراده كالخوارق التي ستظهر على يد (الدجال) في آخر الزمان .
        (4) الإهانة : هي الأمر الخارق للعادة التي يظهر على يد الفاسق أو الكافر على عكس مراده تكذيبا له في دعواه ، كما حدث لمسيلمة الكذاب عندما أراد أن يفعل كرسول الله صلى الله عليه وسلم فتفل في عين عوراء ، فعميت السليمة .
        (5) الإرهاص : هو الأمر الخارق للعادة الذي يظهره الله على النبي قبل بعثته تأسيسا للنبوة ، ولفتا لأنظار قومه إليه وتوجيها لقلوبهم نحوه ، كإظلال الغمام لنبينا صلى الله عليه وسلم .
        وآيات الأنبياء قد يختص ببعضها بعضهم ، وقد يوجد بعضها لجميعهم ، فالعصى ، وفرق البحر ، واليد لموسى ، لم يكن مثل ذلك لغيره .
        وخروج ناقة من الأرض ، لم يكن لغير صالح .
        وطاعة الجن والطير وتسخير الريح لم يكن لغير سليمان .
        وانشقاق القمر ، ونزول القرآن ، وتفجير الماء من بين الأصابع ، وغير ذلك من الآيات لم يكن لغير سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم .
        أما إحياء الموتى ، والإخبار بالغيب ، فقد اشترك فيه كثير من الأنبياء وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ما من نبي من الأنبياء إلا وقد أوتى من الآيات ما آمن على مثله البشر ، وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلى ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة " .

==================

        المراجع والهوامش :

1ـ ومن أنواع المرض : السحر الذي يكون تأثيره على البدن فقط ، كما حدث لنبينا صلى الله عليه وسلم عند ربط عن أهله ، فكان يرى أنه يقدر على مباشرتهن كعادته ، لكنه لا يستطيع بسبب السحر والحديث في البخاري ، وأما السحر الذي يكون تأثيره على القلب والعقل ، فيتخيل أمورا لا حقيقة لها فهذا النوع مستحيل على الرسل ؛ لأنه يتنافى مع هدف الرسالة ، وهذا النوع هو مقصود المشركين عندما قالوا : { إن تتبعون إلا رجلا مسحورا } [ الإسراء /47].
2ـ انظر : ( الإسلام والعقل ) للدكتور عبد الحليم محمود ص 104 وما بعدها.