الجمعة، 9 مارس 2012

موسوعة الفقه - باب الحج والعمرة : أعمال يوم النحر : الرمي، ثم الذبح، ثم الحلق، ثم الطواف بالبيت


أعمال يوم النحر : الرمي، ثم الذبح، ثم الحلق، ثم الطواف بالبيت

أعمال يوم النحر تؤدى مرتبة هكذا: يبدأ بالرمي، ثم الذبح، ثم الحلق، ثم الطواف بالبيت.
وهذا الترتيب سنة.
فلو قدم منها نسكا على نسك فلا شيء عليه، عند أكثر أهل العلم.
وهذا مذهب الشافعي، لحديث عبد الله بن عمرو أنه قال: وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع للناس بمنى، والناس يسألونه، فجاءه رجل، فقال: يا رسول الله.
إني لم أشعر فحلقت قبل أن أنحر.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اذبح ولا حرج».
ثم جاء آخر، فقال يا رسول الله إني لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ارم ولا حرج».
قال فما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء قدم ولا أخر إلا قال: «افعل ولا حرج».
وذهب أبو حنيفة: إلى أنه إن لم يراع الترتيب، فقدم نسكا على نسك فعليه دم.
وتأول قوله «ولا حرج» على رفع الاثم دون الفدية.
التحلل الأول والثاني وبرمي الجمرة يوم النحر وحلق الشعر أو تقصيره، يحل للمحرم كل ما كان محرما عليه بالاحرام.
فله أن يمس الطيب ويلبس الثياب وغير ذلك ما عدا النساء.
وهذا هو التحلل الأول.
فإذا طاف طواف الافاضة - وهو طواف الركن - حل له كل شئ، حتى النساء.
وهذا هو التحلل الثاني، والاخير.

رمي الجمار:
1- أصل مشروعيته:
روى البيهقي، عن سالم بن أبي الجعد، عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لما أتى إبراهيم عليه السلام المناسك عرض له الشيطان عند جمرة العقبة فرماه بسبع حصيات حتى ساخ في الأرض ثم عرض له عند الجمرة الثانية فرماه بسبع حصيات حتى ساخ في الأرض ثم عرض له عند الجمرة الثالثة فرماه بسبع حصيات حتى ساخ في الأرض» قال ابن عباس رضي الله عنهما: الشيطان ترجمون، وملة أبيكم تتبعون.
قاله المنذري: ورواه ابن خزيمة في صحيحه، والحاكم وقاله صحيح على شرطهما.
حكمته: قال أبو حامد الغزالي رحمه الله في الاحياء: وأما رمي الجمار فليقصد الرامي به الانقياد للامر، وإظهارا للرق والعبودية، وانتهاضا لمجرد الامتثال، من غير حظ للنفس والعقل في ذلك.
ثم ليقصد به التشبه بإبراهيم عليه السلام، حيث عرض له إبليس - لعنه الله تعالى - في ذلك الموضع ليدخل على حجه شبهة، أو يفتنه بمعصية.
فأمره الله عز وجل أن يرميه بالحجارة طردا له، وقطعا لامله.
فإن خطر لك: أن الشيطان عرض له وشاهده فلذلك رماه، وأما أنا فليس يعرض لي الشيطان.
فاعلم أن هذا الخاطر من الشيطان، وأنه هو الذي ألقاه في قلبك ليفتر عزمك في الرمي.
ويخيل إليك أنه لا فائدة فيه، وأنه يضاهي اللعب فلم تشتغل به؟ فاطرده عن نفسك بالجد والتشمير والرمي، فبذلك ترغم أنف الشيطان.
واعلم أنك في الظاهر ترمي الحصى في العقبة، وفي الحقيقة ترمى به وجه الشيطان وتقصم به ظهره.
إذا لا يحصل إرغام أنفه إلا بامتثالك أمر الله سبحانه وتعالى تعظيما له بمجرد الأمر من غير حظ للنفس فيه.
حكمه: ذهب جمهور العلماء: إلى أن رمي الجمار واجب، وليس بركن، وأن تركه يجبر بدم.
لما رواه أحمد ومسلم، والنسائي، عن جابر رضي الله عنه قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يرمي الجمرة على راحلته يوم النحر، ويقول: «لتأخذوا عني مناسككم، فإني لاأدرى لعلي لا أحج بعد حجتي هذه».
وعن عبد الرحمن التيمي قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نرمي الجمار بمثل حصى الحذف في حجة الوداع رواه الطبراني في الكبير بسند، ورجاله رجال الصحيح.
قدر كم تكون الحصاة، وما جنسها؟ في الحديث المتقدم: أن الحصى الذي يرمى به مثل حصى الحذف.
ولهذا ذهب أهل العلم إلى استحباب ذلك.
فإن تجاوزه ورمى بحجر كبير فقد قال الجمهور: يجزئه ويكره.
وقال أحمد: لا يجزئه حتى يأتي بالحصى، على ما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، ولنهيه صلى الله عليه وسلم عن ذلك.
فعن سليمان بن عمرو بن الاحوص الازدي، عن أمه قالت: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم - وهو في بطن الوادي - وهو يقول: «يا أيها الناس لا يقتل بعضكم بعضا، إذا رميتم الجمرة فارموا بمثل حصى الحذف» رواه أبو داود.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هات، القط لي» فلقطت له حصيات هي حصى الحذف، فلما وضعتهن في يده قال: «بأمثال هؤلاء وإياكم والغلو في الدين، فإنما أهلك الذين من قبلكم الغلو في الدين» رواه أحمد، والنسائي، وسنده حسن.
وحمل الجمهور هذه الأحاديث على الأولوية والندب.
واتفقوا: على أنه لا يجوز الرمي إلا بالحجر، وأنه لا يجوز بالحديد، أو الرصاص، ونحوهما.
وخالف في ذلك الأحناف، فجوزوا الرمي بكل ما كان من جنس الأرض حجرا، أو طينا، أو آجرا، أو ترابا، أو خزفا.
لان الأحاديث الواردة في الرمي مطلقة.
وفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته محمول على الافضلية، لا على التخصيص.
ورجح الأول بأن النبي صلى الله عليه وسلم رمى الحصى، وأمر بالرمي بمثل حصى الحذف، فلا يتناول غير الحصى، ويتناول جميع أنواعه
2- من أين يؤخذ الحصى:
كان ابن عمر رضي الله عنهما يأخذ الحصى من المزدلفة، وفعله سعيد ابن جبير وقال: كانوا يتزودون الحصى منها واستحبه الشافعي.
وقال أحمد: خذ الحصى من حيث شئت.
وهو قول عطاء وابن المنذر.
لحديث ابن عباس المتقدم وفيه: «القط لي» ولم يعين مكان الالتقاط.
ويجوز الرمي بحصى أخذ من المرمى مع الكراهة، عند الحنفية، والشافعي وأحمد.
وذهب ابن حزم إلى الجواز بدون كراهة..فقال: ورمي الجمار بحصى قد رمي به قبل ذلك جائز، وكذلك رميها راكبا.
أما رميها بحصى قد رمي به، فلأنه لم ينه عن ذلك قرآن ولا سنة.
ثم قال: فإن قيل: قد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن حصى الجمار، ما تقبل منه رفع، وما لم يتقبل منه ترك ولو لا ذلك لكان هضابا تسد الطريق؟ قلنا: نعم، فكان ماذا؟ وإن لم يتقبل رمي هذه الحصاة من عمرو فسيتقبل من زيد وقد يتصدق المرء بصدقة فلا يتقبلها الله منه، ثم يملك تلك العين آخر فيتصدق بها فتقبل منه.
وأما رميها راكبا فلحديث قدامة بن عبد الله قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي جمرة العقبة يوم النحر على ناقة له صهباء، لا ضرب، ولا طرد، ولا إليك، إليك.
عدد الحصى: عدد الحصى الذي يرمى به، سبعون حصاة، أو تسع وأربعون.
سبع يرمى بها يوم النحر عند جمرة العقبة.
وإحدى وعشرون في اليوم الحادي عشر، موزعة على الجمرات الثلاث، ترمى كل جمرة منها بسبع.
وإحدى وعشرون يرمي بها كذلك في اليوم الثاني عشر.
وإحدى وعشرون يرمي بها كذلك في اليوم الثالث عشر فيكون عدد الحصى سبعين حصاة.
فإن اقتصر على الرمي في الايام الثلاثة، ولم يرم في اليوم الثالث عشر جاز.
ويكون الحصى الذي يرميه الحاج تسعا وأربعين.
ومذهب أحمد: إن رمى الحاج بخمس حصيات أجزأه.
وقال عطاء: إن رمى بخمس أجزأه.
وقال مجاهد إن رمى بست، فلا شيء عليه.
وعن سعيد بن مالك قال: رجعنا في الحجة مع النبي صلى الله عليه وسلم، وبعضنا يقول رميت ست حصيات، وبعضنا يقول رميت سبع حصيات، فلم يعب بعضنا على بعض.

.3- أيام الرمي:
أيام الرمي ثلاثة أو أربعة: يوم النحر، ويومان، أو ثلاثة من أيام التشريق.
قال الله تعالى: {واذكروا الله في أيام معدودات فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى}.
الرمي يوم النحر: الوقت المختار للرمي، يوم النحر، وقت الضحى بعد طلوع الشمس، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما رماها ضحى ذلك اليوم.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم ضعفة أهله، وقال: «لا ترموا جمرة العقبة حتى تطلع الشمس» رواه الترمذي، وصححه.
فإن أخره إلى آخر النهار، جاز.
قال ابن عبد البر: أجمع أهل العلم أن من رماها يوم النحر قبل المغيب فقد رماها في وقت لها، وإن لم يكن ذلك مستحبا لها.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: كان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل يوم النحر بمنى فقال رجل: رميت بعد ما أمسيت، فقال: «لا حرج». رواه البخاري.

.4- هل يجوز تأخير الرمي إلى الليل:
إذا كان فيه عذر بمنع الرمي نهارا، جاز تأخير الرمي إلى الليل.
لما رواه مالك عن نافع: أن ابنة لصفية امرأة ابن عمر نفست بالمزدلفة، فتخلفت هي صفية، حتى أتتا منى بعد أن غربت الشمس من يوم النحر، فأمرهما ابن عمر أن تريما الجمرة حين قدمتا، ولم ير عليهما شيئا.
أما إذا لم يكن فيه عذر فإنه يكره التأخير، ويرمي بالليل، ولا دم عليه عند الأحناف والشافعية، ورواية عن مالك، لحديث ابن عباس المتقدم.
وعند أحمد: إن أخر الرمي حتى انتهى يوما النحر فلا يرمي ليلا، وإنما يرميها في الغد بعد زوال الشمس.
الترخيص للضعفة وذوي الاعذار بالرمي بعد منتصف ليلة النحر لا يجوز لاحد أن يرمي قبل نصف الليل الأخير بالاجماع ويرخص للنساء، والصبيان، والضعفة، وذوي الاعذار، ورعاة الإبل: أن يرموا جمرة العقبة، من نصف ليلة النحر فعن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل أم سلمة ليلة النحر، فرمت قبل الفجر ثم أفاضت رواه أبو داود، والبيهقي، وقال: إسناده صحيح لا غبار عليه.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص لرعاة الإبل أن يرموا...بالليل رواه البزار.
وفيه مسلم بن خالد الزنجي، وهو ضعيف.
وعن عروة قال: دار النبي صلى الله عليه وسلم إلى أم سلمة يوم النحر، فأمرها أن تعجل الافاضة من جمع، حتى تأتي مكة، فتصلي بها الصبح، وكان يوما، فأحب أن ترافقه رواه الشافعي، والبيهقي.
عن عطاء قال: أخبرني مخبر عن أسماء: أنها رمت الجمرة، قلت: إنا رمينا الجمرة بليل، قالت: إنا كنا نصنع هذا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، رواه أبو داود.
قال الطبري: استدل الشافعي بحديث أم سلمة، وحديث أسماء، على ما ذهب إليه من جواز الافاضة بعد نصف الليل.
وذكر ابن حزم أن الاذن في الرمي بالليل مخصوص بالنساء دون الرجال، ضعفاؤهم وأقوياؤهم في عدم الاذن سواء.
والذي دل عليه الحديث: أن من كان ذا عذر جاز أن يتقدم ليلا ويرمي ليلا.
وقال ابن المنذر: السنة ألا يرمي إلى بعد طلوع الشمس، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم.
ولا يجوز الرمي قبل طلوع الفجر: لأن فاعله مخالف للسنة.
ومن رماها حينئذ فلا إعادة عليه، إلا لا أعلم أحدا قال: لا يجزئه.
رمي الجمرة من فوقها: رمي الاسود قال: رأيت عمر رضي الله عنه رمى جمرة العقبة من فوقها.
وسئل عطاء عن الرمي من فوقها فقال: لا بأس. رواهما سعيد ابن منصور.

.5- الرمي في الأيام الثلاثة:
الوقت المختار للرمي في الايام الثلاثة يبتدئ من الزوال إلى الغروب.
فعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم رمى الجمار عند زوال الشمس، أو بعد زوال الشمس رواه أحمد، وابن ماجه، والترمذي، وحسنه.
وروى البيهقي عن نافع: أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كان يقول: لا نرم في الايام الثلاثة، حتى تزول الشمس.
فإن أخر الرمي إلى الليل، كره له ذلك، ورمى في الليل إلى طلوع شمس الغد.
وهذا متفق عليه بين أئمة المذاهب، سوى أبي حنيفة، فإنه أجاز الرمي في اليوم الثالث قبل الزوال.
لحديث ضعيف عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إذا انتفخ النهار من يوم النفر الاخر، حل الرمي، والصدر.

.6- الوقوف والدعاء بعد الرمي في أيام التشريق:
يستحب الوقوف بعد الرمي مستقبلا القبلة، داعيا الله، وحامدا له مستغفرا لنفسه ولاخوانه المؤمنين.
لما رواه أحمد، والبخاري، عن سالم بن عبد الله بن عمر، عن أبيه: أن رسول صلى الله عليه وسلم، كان إذا رمى الجمرة الأولى، التي تلي المسجد، رماها بسبع حصيات، يكبر مع كل حصاة، ثم ينصرف، ذات اليسار إلى بطن الوادي فيقف ويستقبل القبلة، رافعا يديه يدعو، وكان يطيل الوقوف، ثم يرمي الثانية بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة، ثم ينصرف ذات اليسار إلى بطن الوادي، فيقف، ويستقبل القبلة، رافعا يديه ثم يمضي حتى يأتي الجمرة التي عند العقبة فيرميها بسبع حصيات، يكبر عند كل حصاة ثم ينصرف ولا يقف.
وفي الحديث أنه لا يقف بعد رمي جمرة العقبة، وإنما يقف بعد رمي الجمرتين الاخريين.
وقد وضع العلماء لذلك أصلا فقالوا: إن كل رمي ليس بعده رمي في ذلك اليوم لا يقف عنده، وكل رمي بعده رمي في اليوم نفسه يقف عنده.
وروى ابن ماجه، عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رمى جمرة العقبة، مضى ولم يقف.
الترتيب في الرمي: الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه بدأ رمي الجمرة الأولى التي تلي منى، ثم الجمرة الوسطى التي تليها، ثم رمى جمرة العقبة.
وثبت عنه أنه قال: «خذوا عني مناسككم».
فاستدل بهذا الائمة الثلاثة على اشتراط الترتيب بين الجمرات وأنها ترمى هكذا، مرتبة، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمختار عند الأحناف: أن الترتيب سنة.

.7- استحباب التكبير والدعاء:
مع كل حصاة ووضعها بين أصابعه:
عن عبد الله بن مسعود، وابن عمر رضي الله عنهما: أنهما كانا يقولان - عند رمي جمرة العقبة - اللهم اجعله حجا مبرورا وذنبا مغفورا.
وعن إبراهيم أنه قال: كانوا يحبون للرجل - إذا رمى جمرة العقبة - أن يقول: اللهم اجعله حجا مبرورا وذنبا مغفورا.
فقيل له: تقول ذلك عند كل جمرة؟ قال: نعم.
وعن عطاء قال: إذا رميت فكبر، وأتبع الرمي التكبيرة.
روى ذلك سعيد بن منصور.
وفي حديث جابر رضي الله عنه عند مسلم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكبر مع كل حصاة.
قال في الفتح: وأجمعوا: على أن من لم يكبر لا شيء عليه.
وعن سلمان بن الاحوص عن أمه، قالت: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم عند جمرة العقبة راكبا، ورأيت بين أصابعه حجرا فرمى، ورمى الناس معه. رواه أبو داود.

.8- النيابة في الرمي:
من كان عنده عذر يمنعه من مباشرة الرمي، كالمرض ونحوه، استناب من يرمي عنه.
قال جابر رضي الله عنه: حججنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنا النساء والصبيان، فلبينا عن الصبيان، ورمينا عنهم رواه ابن ماجه.

.المبيت بمنى:
البيات بمنى واجب في الليالي الثلاث، أو ليلتي الحادي عشر، والثاني عشر، عند الائمة الثلاثة.
ويرى الأحناف أن البيات سنة.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: إذا رميت الجمار فبت حيث شئت رواه ابن أبي شيبة.
وعن مجاهد: لا بأس بأن يكون أول الليل بمكة، وآخره بمنى.
أو أول الليل بمنى، وآخره بمكة.
وقال ابن حزم: ومن لم يبت ليالي منى بمنى فقد أساء، ولا شيء عليه واتفقوا على أنه يسقط عن ذوي الاعذار كالسقاة ورعاة الإبل فلا يلزمهم بتركه شئ.
وقد استأذن العباس النبي صلى الله عليه وسلم أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته، فأذن له رواه البخاري وغيره.
وعن عاصم بن عدي أنه صلى الله عليه وسلم رخص للرعاء أن يتركوا المبيت بمنى رواه أصحاب السنن، وصححه الترمذي.

.متى يرجع من منى؟
يرجع من «منى» إلى مكة قبل غروب الشمس، من اليوم الثاني عشر بعد الرمي، عند الائمة الثلاثة.
وعند الأحناف: يرجع إلى مكة ما لم يطلع الفجر من اليوم الثالث عشر من ذي الحجة.
لكن يكره النفر بعد الغروب، لمخالفة السنة ولا شيء عليه.

.الهدي:
الهدي هو ما يهدى من النعم إلى الحرم تقربا إلى الله عزوجل، قال الله تعالى: {والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير فاذكروا اسم الله عليها صواف فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر كذلك سخرناها لكم لعلكم تشكرون لن ينال الله لحومها ولادماؤها ولكن يناله التقوى منكم}.
وقال عمر رضي الله عنه: أهدوا، فإن الله يحب الهدي.
وأهدى رسول الله عليه وسلم مائة من الإبل، وكان هديه تطوعا.

.الافضل فيه:
أجمع العلماء على أن الهدي لا يكون إلا من النعم، واتفقوا: على أن الافضل الإبل، ثم البقر، ثم الغنم على هذا الترتيب.
لان الإبل أنفع للفقراء، لعظمها، والبقر أنفع من الشاة كذلك.
واختلفوا في الافضل للشخص الواحد: هل يهدي سبع بدنة، أو سبع بقرة أو يهدي شاة؟ والظاهر أن الاعتبار بما هو أنفع للفقراء.
أقل ما يجزئ في الهدي: للمرء أن يهدي للحرم ما يشاء من النعم.
وقد أهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة من الإبل وكان هديه هدي تطوع.
وأقل ما يجزئ عن الواحد شاة، أو سبع بدنة، أو سبع بقرة، فإن البقرة أو البدنة تجزئ عن سبعة.
قال جابر رضي الله عنه: حججنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنحرنا البعير عن سبعة، والبقرة عن سبعة رواه أحمد، ومسلم.
ولا يشترط في الشركاء أن يكونوا جميعا ممن يريدون القربة إلى الله تعالى.
بل لو أراد بعضهم التقرب، وأراد البعض اللحم جاز.
خلافا للاحناف الذين يشترطون التقرب إلى الله، من جميع الشركاء.
.متى تجب البدنة؟
ولا تجب البدنة إلا إذا طاف للزيارة جنبا، أو حائضا، أو نفساء، أو جامع بعد الوقوف بعرفة وقبل الحلق، أو نذر بدنة أو جزورا، ومن لم يحد بدنة فعليه أن يشتري سبع شياه.
فعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاه رجل فقال: إن علي بدنة، وأنا موسر بها، ولا أجدها فأشتريها، فأمره صلى الله عليه وسلم أن يبتاع سبع شياه فيذبحهن رواه أحمد، وابن ماجه بسند صحيح.

.أقسامه:
ينقسم الهدي إلى مستحب، وواجب.
فالهدي المستحب: للحاج المفرد، والمعتمر المفرد.
والهدي الواجب: أقسامه كالآتي:
1، 2- واجب على القارن، والمتمتع.
3- واجب على من ترك واجبا من واجبات الحج، كرمي الجمار والاحرام من الميقات والجمع بين الليل والنهار في الوقوف بعرفة، والمبيت بالمزدلفة، أو منى، أو ترك طواف الوداع.
4- واجب على من ارتكب محظورا من محظورات الاحرام، غير الوطء، كالتطيب والحلق.
5- واجب بالجنابة على الحرم، كالتعرض لصيده، أو قطع شجره، وكل ذلك مبين في موضعه كما تقدم.

.شروط الهدي:
يشترط في الهدي الشروط الآتية:
1- أن يكون ثنيا، إذا كان من غير الضأن، أما الضأن فإنه يجزئ منه الجذع فما فوقه. وهو ما له ستة أشهر، وكان سمينا.
والثني من الإبل: ماله خمس سنين، ومن البقر: ما له سنتان، ومن المعز ما له سنة تامة، فهذه يجزئ منها الثني فما فوقه.
2- أن يكون سليما، فلا تجزئ فيه العوراء ولا العرجاء ولا الجرباء، ولا العجفاء.
وعن الحسن: أنهم قالوا: إذا اشترى الرجل البدنة، أو الاضحية، وهي وافية، فأصابها عور، أو عرج، أو عجف قبل يوم النحر فليذبحها وقد أجزأته. رواه سعيد بن منصور.

.استحباب اختيار الهدي:
روى مالك عن هشام بن عروة، عن أبيه أنه كان يقول لبنيه: يا بني لا يهد أحدكم لله تعالى من البدن شيئا.
يستحيي أن يهديه لكريمه، فإن الله أكرم الكرماء، وأحق من اختير له.
وروى سعيد بن منصور أن ابن عمر رضي الله عنهما سار فيما بين مكة على ناقة بختية، فقال لها: بخ بخ، فأعجبته فنزل عنها، وأشعرها، وأهداها.

.إشعار الهدي وتقليده:
الاشعار: هو أن يشق أحد جنبي سنام البدنة أو البقرة، إن كان لها سنام حتى يسيل دمها ويجعل ذلك علامة لكونها هديا فلا يتعرض لها.
والتقليد:
هو أن يجعل في عنق الهدي قطعة جلد ونحوها ليعرف بها أنه هدي.
وقد أهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم غنما، وقلدها، وقد بعث بها مع أبي بكر رضي الله عنه عندما حج سنة تسع.
وثبت عنه: أنه صلى الله عليه وسلم، قلد الهدي، وأشعره وأحرم بالعمرة وقت الحديبية.
وقد استحب الاشعار عامة العلماء، ما عدا أبا حنيفة.
الحكمة في الاشعار والتقليد:
والحكمة فيهما تعظيم شعائر الله، وإظهارها، وإعلام الناس بأنها قرابين تساق إلى بيته، تذبح له ويتقرب بها إليه.

.ركوب الهدى:
يجوز ركوب البدن، والانتفاع بها.

لقول الله تعالى: {لكم فيها منافع إلى أجل مسمى ثم محلها إلى البيت العتيق}.
قال الضحاك، وعطاء: المنافع فيها الركوب عليها إذا احتاج، وفي أوبارها وألبانها.
والاجل المسمى: أن تقلد فتصير هديا.
ومحلها إلى البيت العتيق، قالا: يوم النحر ينحر بمنى.
وعن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يسوق بدنة، فقال: «اركبها».
قال: إنها بدنة.
فقال: «اركبها ويلك»: في الثانية، أو الثالثة رواه البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي.
وهذا مذهب أحمد، وإسحاق، ومشهور مذهب مالك.
وقال الشافعي: يركبها إذا اضطر إليها.
وقت الذبح: اختلف العلماء في وقت ذبح الهدي.
فعند الشافعي: أن وقت ذبحه يوم النحر، وأيام التشريق لقوله صلى الله عليه وسلم: «وكل أيام التشريق ذبح» رواه أحمد.
فإن فات وقته، ذبح الهدي الواجب قضاء.
وعند مالك وأحمد، وقت ذبح الهدي - سواء أكان ذبح الهدي واجبا، أم تطوعا - أيام النحر.
وهذا رأي الأحناف بالنسبة لهدي التمتع والقران.
وأمادم النذر، والكفارات، والتطوع فيذبح في أي وقت.
وحكي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، والنخعي: وقتها من يوم النحر، إلى آخر ذي الحجة.

.مكان الذبح:
الهدي - سواء أكان واجبا، أم تطوعا - لا يذبح إلا في الحرم وللمهدي أن يذبح في أي موضع منه.
فعن جابر رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «كل منى منحر، وكل المزدلفة موقف، وكل فجاج مكة طرق، ومنحر» رواه أبو داود، وابن ماجه.
والأولى بالنسبة للحاج، أن يذبح بمنى، وبالنسبة للمعتمر أن يذبح عند المروة، لأنها موضع تحلل كل منهما.
فعن مالك أنه بلغه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال - بمنى - «هذا المنحر، وكل منى منحر» وفي العمرة: هذا المنحر - يعني المروة - وكل فجاج مكة وطرقها منحر.
استحباب نحر الإبل، وذبح غيرها: يستحب أن تنحر الإبل، وهي قائمة، معقولة اليد اليسرى وذلك للاحاديث الآتية:
1- لما رواه مسلم، عن زياد بن جبير: أن ابن عمر رضي الله عنهما أتى على رجل، وهو ينحر بدنته باركة، فقال: ابعثها قياما مقيدة، سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم.
2- وعن جابر رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، كانوا ينحرون البدنة معقولة اليسرى، قائمة على ما بقي منها. رواه أبو داود.
3- وعن ابن عباس رضي الله عنهما، في قوله تعالى: {فاذكروا اسم الله عليها صواف} أي قياما على ثلاث رواه الحاكم.
أما البقر والغنم، فيستحب ذبحها مضطجعة.
فإن ذبح ما ينحر، ونحر ما يذبح، قيل: يكره، وقيل: لا يكره.
ويستحب أن يذبحها بنفسه، إن كان يحسن الذبح، وإلا فيندب له أن يشهده.

.لا يعطى الجزار الاجرة من الهدي:
لا يجوز أن يعطى الجزار الاجرة من الهدي، ولا بأس بالتصدق عليه منه.
لقول علي رضي الله عنه: أمرني رسولا لله صلى الله عليه وسلم أن أقوم على بدنه، وأقسم جلودها وجلالها، وأمرني ألا أعطي الجزار منها شيئا، وقال: «نحن نعطيه من عندنا» رواه الجماعة.
وفي الحديث ما يدل على أنه يجوز أنه ينيب عنه من يقوم بذبح هديه، وتقسيم لحمه، وجلده وجلاله.
وأنه لا يجوز أن يعطى الجزار منه شيئا، على معنى الاجرة، ولكن يعطى أجرة عمله، بدليل قوله: «نعطيه من عندنا».
وروي عن الحسن أنه قال لا بأس أن يعطى الجازر الجلد.
الأكل من لحوم الهدي: أمر الله بالأكل من لحوم الهدي فقال: «فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير».
وهذا الأمر يتناول - بظاهره - هدي الواجب، وهدي التطوع.
وقد اختلف فقهاء الأمصار في ذلك.
فذهب أبو حنيفة وأحمد: إلى جواز الأكل من هدي المتعة، وهدي القران، وهدي التطوع، ولا يأكل مما سواها.
وقال مالك: يأكل من الهدي الذي ساقه لفساد حجه، ولفوات الحج.
ومن هدي المتمتع، ومن الهدي كله، إلا فدية الاذى، وجزاء الصيد.
وما نذره للمساكين، وهدي التطوع، إذا عطب قبل محله.
وعند الشافعي: لايجوز الأكل من الهدي الواجب مثل الدم الواجب، في جزاء الصيد، وإفساد الحج وهدي التمتع والقران، وكذلك ما كان نذرا أوجبه على نفسه.
أماماكان تطوعا، فله أن يأكل منه ويهدي، ويتصدق.
مقدار ما يأكله من الهدي: للمهدي أن يأكل من هديه الذي يباح له الأكل منه أي مقدار يشاء أن يأكله، بلا تحديد، وله كذلك أن يهدي أو يتصدق بما يراه.
وقيل: يأكل النصف، ويتصدق بالنصف.

وقيل: يقسمه أثلاثا، فيأكل الثلث، ويهدي الثلث، ويتصدق بالثلث.

.الحلق أو التقصير:
ثبت الحلق والتقصير بالكتاب، والسنة والاجماع.
قال الله تعالى: {لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رؤوسكم ومقصرين لا تخافون}.
وروى البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «رحم الله المحلقين».
قالوا: والمقصرين يا رسول الله؟ قال: «رحم الله المحلقين» قالوا: والمقصرين يا رسول الله؟ قال: «رحم الله المحلقين».
قالوا: والمقصرين يا رسول الله؟ قال: «والمقصرين».
ورويا عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم حلق، وحلق طائفة من أصحابه وقصر بعضهم.
والمقصود بالحلق إزالة شعر الرأس بالموسى ونحوه، أو بالنتف، ولو اقتصر على ثلاث شعرات جاز.
والمراد بالتقصير أن يأخذ من شعر الرأس قدر الانملة.
وقد اختلف جمهور الفقهاء في حكمه.
فذهب أكثرهم: إلى أنه واجب، يجبر تركه بدم.
وذهبت الشافعية: إلى أنه ركن من أركان الحج.

.وقته:
وقته للحاج بعد رمي جمرة العقبة يوم النحر، فإذا كان معه هدي حلق بعد الذبح.
في حديث معمر بن عبد الله: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نحر هديه بمنى قال: «أمرني أن أحلقه» رواه أحمد والطبراني.
ووقته في العمرة بعد أن يفرغ من السعي، بين الصفا والمروة، ولمن معه هدي بعد ذبحه.
ويجب أن يكون في الحرم، وفي أيام النحر عند أبي حنيفة ومالك، ورواية عن أحمد، للحديث المتقدم.
وعند الشافعي ومحمد بن الحسن، والمشهور من مذهب أحمد: يجب أن يكون الخلق أو التقصير بالحرم دون أيام النحر، فإن أخر الحلق عن أيام النحر جاز ولا شيء عليه.
ما يستحب فيه: يستحب في الحلق أن يبدأ بالشق الايمن، ثم الايسر ويستقبل القبلة، ويكبر ويصلي بعد الفراغ منه.
قال وكيع: قال لي أبو حنيفة: أخطأت، في خمسة أبواب من المناسك، فعلمنيها حجام، وذلك أني حين أردت أن أحلق رأسي وقفت على حجام، فقلت له بكم تحلق رأسي؟ فقال أعراقي أنت؟ قلت: نعم.
قال: النسك لا يشارط عليه.
اجلس، فجلست منحرفا عن القبلة، فقال لي: حرك وجهك إلى القبلة.
وأردت أن أحلق رأسي من الجانب الايسر، فقال: أدر الشق الايمن من رأسك، فأدرته، وجعل يحلق وأنا ساكت، فقال لي: كبر، فجعلت أكبر حتى قمت لا ذهب، فقال لي: أين تريد؟ فقلت: رحلي.
قال صل ركعتين ثم امض، فقلت: ما ينبغي أن يكون ما رأيت من عقل هذا الحجام، فقلت له: من أين لك ما أمرتني به، قال: رأيت عطاء بن أبي رباح يفعل هذا. ذكره المحب الطبري
.استحباب امرار الموسى على رأس الأصلع:
ذهب جمهور العلماء: إلى أنه يستحب للاصلع الذي لاشعر على رأسه أن يمر الموسى على رأسه.
قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم: على أن الاصلع يمر الموسى على رأسه.
وقال أبو حنيفة: إن إمرار الموسى على رأسه واجب.
استحباب تقليم الاظفار والاخذ من الشارب: يستحب لمن حلق شعره أو قصره أن يأخذ من شاربه ويقلم أظافره، فقد كان ابن عمر رضي الله عنهما، إذا حلق في حج أو عمرة، أخذ من لحيته وشاربه.
وقال ابن النذر: ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما حلق رأسه قلم أظفاره.
أمر المرأة بالتقصير ونهيها عن الحلق: روى أبو داود وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس على النساء حلق وإنما على النساء التقصير» حسنه الحافظ.
قال ابن المنذر: أجمع على هذا أهل العلم، وذلك لأن الحلق في حقهن مثلة.
القدر الذي تأخذه المرأة من رأسها: عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: المرأة إذا أرادت أن تقصر جمعت شعرها إلى مقدم رأسها ثم أخذت منه أنملة.
وقال عطاء: إذا قصرت المرأة شعرها تأخذ من أطرافه، من طويله وقصيره رواهما سعيد بن منصور.
وقيل: لا حد لما تأخذه المرأة من شعرها.
وقال الشافعية: أقل ما يجزئ، ثلاث شعرات.

.طواف الإفاضة:
أجمع المسلمون على أن طواف الافاضة ركن من أركان الحج، وأن الحاج إذا لم يفعله بضل حجه. لقول الله تعالى: {وليطوفوا بالبيت العتيق}. ولابد من تعيين النية له، عند أحمد والائمة الثلاثة: يرون أن نية الحج تسري عليه، وأنه يصح من الحاج ويجزئه، وإن لم ينوه نفسه.
وجمهور العلماء: يرى أنه سبعة أشواط.
ويرى أبو حنيفة: أن ركن الحج من ذلك أربعة أشواط لو تركها الحاج بطل حجه.
وأما الثلاثة الباقية فهي واجبة، وليست بركن.
ولو ترك الحاج هذه الثلاثة، أو واحدا منها، فقد ترك واجبا، ولم يبطل حجه. وعليه دم.
وقته: وأول وقته نصف الليل، من ليلة النحر، عند الشافعي، وأحمد، ولا حد لآخره، ولكن لا تحل له النساء حتى يطوف، ولا يجب تأخيره - عن أيام التشريق - دم، وإن كان يكره له ذلك.
وأفضل وقت يؤدى فيه، ضحوة النهار، يوم النحر.
وعند أبي حنيفة ومالك: أن وقته يدخل بطلوع فجر يوم النحر، واختلفا في آخر وقته.
فعند أبي حنيفة: يجب فعله في أي يوم من أيام النحر، فإن أخره لزمه دم.
وقال مالك: لا بأس بتأخيره إلى آخر أيام التشريق، وتعجيله أفضل.
ويمتد وقته إلى آخر شهر ذي الحجة، فإن أخره عن ذلك لزمه دم، وصح حجه، لأن جميع ذي الحجة عنده من أشهر الحج.

.تعجيل الإفاضة للنساء:
يستحب تعجيل الافاضة للنساء يوم النحر، إذا كن يخفن مبادرة الحيض.
وكانت عائشة تأمر النساء بتعجيل الافاضة يوم النحر، مخافة الحيض.
وقال عطاء: إذا خافت المرأة الحيضة فلتزر البيت قبل أن ترمي الجمرة، وقبل أن تذبح.
ولا بأس من استعمال الدواء، ليرتفع حيضها حتى تستطيع الطواف.
روى سعيد بن منصور عن ابن عمر رضي الله عنهما: أنه سئل عن المرأة تشري الدواء، ليرتفع حيضها، لتنفر، فلم ير به بأسا ونعت لهن ماء الاراك.
قال محب الدين الطبري: وإذا اعتد بارتفاعه في هذه الصورة، اعتد بارتفاعه في انقضاء العدة وسائر الصور.
وكذلك في شرب دواء يجلب الحيض، إلحاقا به.
النزول بالمحصب ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نفر من منى إلى مكة نزل بالمحصب، وصلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء، ورقد به رقدة.
وأن ابن عمر كان يفعل ذلك.
وقد اختلف العلماء في استحبابه.
فقالت عائشة: إنما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم المحصب، ليكون أسمح لخروجه، وليس بسنة، فمن شاء نزله، ومن شاء لم ينزله.
وقال الخطابي: وكان هذا شيئا يفعل، ثم ترك.
وقال الترمذي: وقد استحب بعض أهل العلم نزول الابطح، من غير أن يروا ذلك واجبا، إلامن أحب ذلك.
والحكمة في النزول في هذا المكان، شكر الله تعالى، على ما منح نبيه صلى الله عليه وسلم من الظهور فيه على أعدائه الذين تقاسموا فيه على بني هاشم بني المطلب، أن لا يناكحوهم لا يبايعوهم حتى يسلموا إليهم النبي صلى الله عليه وسلم.
قال ابن القيم: فقصد النبي صلى الله عليه وسلم إظهار شعائر الإسلام في المكان الذي أظهروا فيه شعائر الكفر، والعداوة لله ورسوله.
وهذه كانت عادته، صلوات الله وسلامه عليه، أن يقيم شعائر التوحيد في مواضع شعائر الكفر والشرك.
كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم: أن يبنى مسجد الطائف، موضع اللات والعزى.