معنى الإستواء وآيات الإستواء
الاستواء في اللغة على وجوه
1- بمعنى استقر( ): ومنه قوله تعالى: { واستوت على الجودي (} )[هود44] وهذه صفة المخلوق الحادث، كقوله تعالى: {وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون لتستووا على ظهره}[الزخرف 13] ( ) وهو نزه نفسه عن ذلك في كتابه العزيز بآت التنزيه ونفي التشبيه والتمثيل.
2- ومنها القصد إلى الشيء: ومنه قوله تعالى: { ثم استوى إلى السماء} الآية 11 من سورة فصلت قصد خلقها.
ويكون المعنى كما بينه الإمام أبو نصر عبد الرحيم القشيري: ثم استوى على العرش: على تأويله الاستواء بالقصد قول الشاعر:
ثم استويتم لنا ترمون انكبنا بغيا وفي البغي إن لم ينتهوا النكل.
قال الإمام الزركشي في (البرهان في علوم القرآن): قال الأستاذ والصواب ما قاله الفراء والأشعري وجماعة من أهل المعاني أن معنى قوله (استوى) أقبل على خلق العرش وعمد إلى خلقه فسماه استواء كقوله { ثم استوى إلى السماء وهي دخان } أي قصد وعمد إلى خلق السماء فكذا هاهنا قال: وهذا القول مرضى عند العلماء ليس فيه تعطيل ولا تشبيه .
الأستاذ المشار إليه في النقل السابق هو إسماعيل الضرير المفسر المقرئ المحدث.
قلت: قد ذكر العلامة الخضر: الشنقيطي أيضاً أن (على) تأتي بمعنى (الباء) وبمعنى (إلى) ثم قال: وحروف الجر وتعاقبها في كلام العرب غير محصور ( ) أهـ
3- ومنها إتمام الشيء: ومنه قوله تعالى: {ولما بلغ أشده واستوى }القصص 14( ) ويكون معنى قوله تعالى { على العرش استوى} : استتم خَلْقه بالعرش فلم يخلق خارج العرش شيئاً وجميع ما خلق ويخلق دنيا وأخرى لا يخرج عن دائرة العرش لأنه حاو لجميع الكائنات ومع ذلك فلا يزن في مقدوراته تعالى ذرة فأني يكون مستَقَراً قال تعالى {ولما بلغ أشده واستوى } وقال { كزرع أخرج شطئه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه }الفتح 29( )
فعلى هذا التقدير يكون فاعل (استوى) ضميراً عائداً على المصدر المفهوم من لفظ (خلق) في أول كل آية من الآيات الست أما الآية السابعة {الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها ثم استوى على العرش }الرعد2( )
وهذا جائز لغة قال تعالى {...على أن لا تعدلوا، أعدلوا هو أقرب للتقوى}المائدة 8 ( ) فالضمير هو يعود على العدل المفهوم من فعل الأمر أعدلوا.
و على بمعنى الباء في قوله تعالى { على العرش } فيكون المعنى: استتم واستكمل الخلق بالعرش فلم يخلق شيئاً فوق العرش وإتيان على بمعنى (الباء) وارد في كتاب الله تعالى {حقيق على أن لا أقول على الله إلا الحق }( ) فقوله {على أن } هنا معناه بأن وقد قرئ في بعض القراءات { حقيق بي } ذكر هذا التأويل الإمام أبو طاهر القزويني ونقله عنه العلامة محمد الخضر الشنقيطي في (استحالة المعية بالذات)( ) وقال عنه أنه من أحسن التأويلات ومخرج من كل شبهة واردة. ونقله وارتضاه أيضاً الإمام الحافظ ابن حجر العسقلاني في (فتح الباري) واختاره وارتضاه دون سواه ابن حزم رحمه الله في كتابه (الفصل).
4- التأويل الرابع : الاستعارة التمثيلية
الاستعارة التمثيلية – كما يقول علماء البيان – "تركيب استعمل في غير ما وضع له لعلاقة المشابهة مع قرينة مانعة من إرادة معناه الأصلي" وكما هو معلوم فليس هناك قرينة أقوى من تنزيه الله سبحانه عن الجسمية ولوازمها.
وفي مسألتنا هذه – الاستواء – يكون التأويل بأن يشبه شأنه تعالى في تدبيره لأمر ملكه ونفاذ سلطانه على كافة خلقه بحال الملك العظيم المستوي على عرش مملكته النافذ السلطان على كل من فيها، ولله المثل الأعلى وهو العزيز الحكيم.
وهذا يعد من أقوى النأويلات في مسألة الاستواء
ومن أمثلة الاستعارة التمثيلية ما يقال لمن يأتي بالقول الفصل:
(قطعت جهيزة قول كل خطيب) من غير أن يكون هناك جهيزة ولا خطيب وإنما هو تشبيه حال بحال
أو كقول أحدهم لمن رآه يعزم على الأمر مرة ويعدل عن عزمه أخرى: (مالي أراك تقدم رجلا وتؤخر أخرى؟!) ولا رجل هناك ولا تقديم لها ولاتأخير، وإنما هو معنى الإقدام والإحجام أورد في هذه الصورة الحسية، وكذا يقال (استوى على عرش المملكة الفلانية) إذا تولى ملكها، ويقال (ثل عرشه) إذا زال عنه الملك.
وكثر ذلك حتى أصبح لا يكاد يلتفت الذهن إلى المعنى الأصلي الأول المنقول منه، فإذا سمع العربي:
(استوى فلان على عرش العراق أو على عرش مصر) لم يخطر بباله قعود على عرش ولا جلوس على سرير بل يسبق فهمه إلى المراد بهذا التركيب....
5- التأويل الخامس: الاستواء هو الاعتدال
يقول د. إبراهيم عبد الرحمن: أن يكون من الإعتدال بمعنى القيام بالعدل في الخلق والتدبير أ.هـ يقول الإمام ابن اللبان: قد قررنا (استوى) افتعل من السواء وأصله (العدل) وحقيقة الاستواء المنسوب إلى ربنا في كتابه بمعنى العدل، أي: أقام العدل
وأصله من قوله تعالى شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائماً بالقسط .
والعدل هو استواؤه ويرجع معناه إلى أنه أعطى بعزته كل شيء خلقه موزوناً بحكمته للتعرف إلى خلقه بوحدانيته ولذلك قرنه بقوله { لا إله إلا هو العزيز الحكيم } والاستواء المذكور في كتابه استواءان: استواء سماوي، واستواء عرشي... إلى أن قال:
وأما الاستواء العرشي فهو أنه تعالى قام بالقسط معَترَفاً بوحدانيته في عالمين: عالم الخلق وعالم الأمر وهو عالم التدبير ألا له الخلق والأمر فكان استواؤه للتدبير بعد انتقاء عالم الخلق لقوله { الله الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش يدبر الأمر ما من شفيع إلا من بعد إذنه} وبهذا تم سِرُّ تعدية الاستواء العرشي بعلى لأن التدبير للأمر لابد فيه من استعلاء واستيلاء أ.هـ المقصود منه( ) ص41.رد الآيات المحكمات إلى المتشابهات