صفتا القدم والبقاء
القِدَمُ:
بما أن اللـه تعالى واجب الوجود فلا يتصف بأنه في زمان أو في مكان، وذلك لأن الزمان مركب من وحدات أو يقدر بالإضافة إلى وحدات مركبة، وليس الزمان موجودا بذاته، ولو كان موجودا بذاته لكان مركبا، وكل ما كان هذا شأنه فيستحيل أن يكون صفة للخالق الواجب الوجود، ويستحيل نسبة الخالق إليه أو نسبته إلى الخالق بأي شكل من الأشكال غير كونه مخلوقا للـه عز وجل.
والزمان في الحقيقة هو أمر اعتباري يقدر وجوده بملاحظة المتغيرات الخارجية، فلا يوصف بالزمان، إلا ما يلاحظ في وجوده وحقيقته تغير ما، والله تعالى يستحيل في حقه التغير من صفة إلى أخرى، فلا يصح إثبات الزمان لذاته.
فاللـه موجود ليس لوجوده بداية، لأنه قديم بالذات. ولا ابتداء لوجوده لأنه يمتنع أن يسبق في وجوده بعدم.
والقِدَمُ عبارة عن عدم الأولية للوجود، لئلا يلزم حدوثه، ومن لازم الحدوث الافتقار إلى محدث ويلزم التسلسل، وهو محال. فيصبح حقيقة القدم اللازمة عن نفي الأولية هو استغناء الموجود عن غيره في وجوده. وهو معنى وجوب الوجود.
وقد تصور بعض الناس أن وجود اللـه تعالى زماني بمعنى أن التغيرات لا تزال تطرأ عليه، ويعتبرون هذا صفة كمال، وهؤلاء هم المجسمة، وتَنْزِعُ الفلسفة البراغماتيّة (العملية النفعية) إلى هذا التصور. بل يتصور هؤلاء جميعا أن اللـه تعالى ينفعل بما نفعلـه ويستفيد من عبادتنا لـه تعالى عن ذلك.
فاللـه تعالى كامل الوجود كمالا مطلقا، لا يحتاج في ذاته إلى غيره، بل كل ما سواه فهو فقير إليه تعالى.
واللـه تعالى لا يجوز أن يقال إنَّهُ في زمان كما قال ابن تيمية والبراغماتيّة، وزاد ابن تيميّة عليهم أن المخلوقات لم تزل موجودة، ولم يوجد اللـه تعالى قط في زمان إلا ومعه مخلوق من مخلوقاته، وهذه الفكرة هي المسماة بالقدم النوعي للعالم( ). وهي فكرة باطلة، فالمخلوقات كلـها حادثة لـها أول، واللـه تعالى لا أول لـه كما ذكرنا.
وحاصل المعنى أنه يجب على المكلف اعتقاد أن اللـه تعالى قديم لم يسبق بعدمِ نفسه ولا بغيرِهِ، والمراد بالقدم هنا القِدَمُ الذاتي لأنه المختص به تعالى لرجوعه إلى وجوب الوجود، فهو صفة نفسية، وأما القدم الزماني المشار إليه فليس بمراد، فهو عبارة عن مرور الأزمنة على الشيء مع بقائه وهو محال على اللـه تعالى، لأن الله يتقدس عن الزمان كما يتقدس عن المكان
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
البقاءُ:
لما ثبت أن اللـه تعالى قديم بمعنى أنه تعالى واجب الوجود، لزم أن يثبت لـه تعالى أنه واجب البقاء، لأن المسلّمة العقلية تنص على أن ما كان لا أول لـه، فهو لا نهاية لـه. لأنَّ الأوَّليِّةَ والنِّهاية نَقْصٌ، وكلٌّ مِنْهُما لا يَرِدُ على من ثبت أنه واجب الوجود بالذات. فكل ما ثبت قدمه استحال عدمه.
ودليل هذا أنه لو قُدِّرَ لُحُوقُ العَدَمِ لـه تعالى، لكانت نسبة الوجود والعدم إلى ذاته تعالى سواء، فيلزم افتقار وجوده إلى موجد يخترعه بدلا عن العدم الجائز عليه، فيكون حادثا. وهو باطل فينتج أن الفرض الأول باطل؛ وكيف يصح ذلك وقد تقرر أن اللـه تعالى واجب الوجود؟! والحاصل: أنه يجب على المكلف اعتقاد أن اللـه تعالى باق لا يلحقه عدم، لأن البقاء عدم انتهاء الوجود، أو نفي العدم اللاحق للوجود. وقد قال تعالى: *(هو الأول والآخر)؛ والأول هو القديم بالذات والآخر هو الباقي. فليس لأوليته تعالى ابتداء ولا لآخريتّه تعالى انقضاء، أي ليس لسبقه على جميع المخلوقات ابتداء، ولا لبقائه بعد فناء الخلق انتهاء.
وهذا بخلاف أولية المخلوقات، فان كل أول منها لـه آخر. إلا الجنة والنار وأهلـهما خلافا للبعض؛ فقد قال: الجنة لـها أول وليس لـها آخر، ولا لأهلـها كذلك، أما النار فلـها أول ولـها آخر ولأهلـها كذلك. وهذا الكلام باطل تردّه النصوص الدينية من قرآن وسنة، ويردُّه إجماع الأمة على عدم فناء الجنة والنار معاً لا الجنة فقط. وأنا أستغْرِبُ كيف يجرؤ على هذا القول من دون أدلة قوية يعتمد عليها إلاّ خيالات ضعيفة، وكلمات واهية. وقد تكفل علماء الإسلام بالرد عليه، ولم يؤيّده حتّى أصحابه ومتّبعو مذهبه في هذا الزّمان.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ