الطواف
.كيفيته:
1- يبدأ الطائف طوافه مضطبعا محاذيا الحجر الاسود مقبلا له أو مستلما أو مشيرا إليه، كيفما أمكنه، جاعلا البيت عن يساره، قائلا: «بسم الله، والله أكبر، اللهم إيمانا بك، وتصديقا بكتابك، ووفاء بعهدك، واتباعا لسنة النبي صلى الله عليه وسلم».
2- فإذا أخذ في الطواف، استحب له أن يرمل في الاشواط الثلاثة الأولى، فيسرع في المشي.
ويقارب الخطا، مقتربا من الكعبة. ويمشي مشيا عاديا في الاشواط الأربعة الباقية.
فإذا لم يمكنه الرمل، أو لم يستطع القرب من البيت لكثرة الطائفين، ومزاحمة الناس له، طاف حسبما تيسر له.
ويستحب أن يستلم الركن اليماني. ويقبل الحجر الاسود أو يستلمه في كل شوط من الاشواط السبعة.
3- ويستحب له أن يكثر من الذكر والدعاء، ويتخير منهما ما ينشرح له صدره، دون أن يتقيد بشئ أو يردد ما يقوله المطوفون.
فليس في ذلك ذكر محدود، الزنا الشارع به.
وما يقوله الناس: من أذكار وأدعية في الشوط الأول والثاني، وهكذا، فليس له أصل.
ولم يحفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء من ذلك، فللطائف أن يدعو لنفسه، ولاخوانه بما شاء، من خيري الدنيا والاخرة.
واليك بيان ما جاء في ذلك من الادعية:
1- إذا استقبل الحجر قال: «اللهم إيمانا بك، وتصديقا بكتابك، ووفاء بعهدك، واتباعا لسنة نبيك، بسم الله والله أكبر».
2- فإذا أخذ في الطواف قال: «سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله» رواه ابن ماجه.
3- فإذا انتهى إلى الركن اليماني دعا فقال: «ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الاخرة حسنة وقنا عذاب النار» رواه أبو داود، والشافعي عن النبي صلى الله عليه وسلم.
4- قال الشافعي: وأحب - كلما حاذى الحجر الاسود - أن يكبر، وأن يقول في رمله: «اللهم اجعله حجا مبرورا، وذنبا مغفورا، وسعيا مشكورا».
ويقول في الطواف عند كل شوط: «رب اغفر وارحم، واعف عما تعلم وأنت الاعز الاكرم، اللهم آتنا في الدنيا حسنة، وفي الاخرة حسنة، وقنا عذاب النار».
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أنه كان يقول بين الركنين: «اللهم قنعني بما رزقتني، وبارك لي فيه، واخلف علي كل غائبة بخير». رواه سعيد بن منصور، والحاكم.
قراءة القرآن للطائف:
لا بأس للطائف بقراءة القرآن أثناء طوافه.
لان الطواف إنما شرع من أجل ذكر الله تعالى، والقرآن ذكر.
فعن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنما جعل الطواف بالبيت، وبين الصفا والمروة ورمي الجمار، لاقامة ذكر الله عز وجل» رواه أبو داود والترمذي.
وقال: حسن صحيح.
.فضل الطواف:
روى البيهقي - بإسناد حسن - عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ينزل الله كل يوم على حجاج بيته الحرام، عشرين ومائة رحمة: ستين للطائفين وأربعين للمصلين، وعشرين للناظرين».
5- فإذا فرغ من الاشواط السبعة صلى ركعتين عند مقام إبراهيم، تاليا قول الله تعالى: {واتخذوا من مقام ابراهيم مصلى} وبهذا ينتهي الطواف.
ثم إن كان الطائف مفردا سمى هذا الطواف طواف القدوم. وطواف التحية، وطواف الدخول.
وهو ليس بركن. ولا واجب.
وإن كان قارنا، أو متمتعا، كان هذا الطواف طواف العمرة، ويجزئ عن طواف التحية والقدوم.
وعليه أن يمضي في استكمال عمرته. فيسعى بين الصفا والمروة.
.أنواع الطواف:
1- طواف القدوم
2- وطواف الافاضة
3- وطواف الوداع، وسيأتي الكلام عليها في مواضعها.
4- وطواف التطوع.
وينبغي للحاج أن يغتنم فرصة وجوده بمكة ويكثر من طواف التطوع، والصلاة في المسجد الحرام.
فإن الصلاة فيه خير من مائة الف، فيما سواه من المساجد.
وليس في طواف التطوع رمل ولا اضطباع.
والسنة أن يحيي المسجد الحرام بالطواف حوله كلما دخله، بخلاف المساجد الاخرى، فإن تحيتها الصلاة فيها.
وللطواف شروط وسنن وآداب نذكرها فيما يلي:
.شروط الطواف:
.1- الطهارة من الحدث الاصغر والاكبر والنجاسة:
لما رواه ابن عباس رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الطواف صلاة...إلا أن الله تعالى أحل فيه الكلام فمن تكلم فلا يتكلم إلا بخير» رواه الترمذي والدارقطني، وصححه الحاكم وابن خزيمة وابن السكن.
وعن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها وهي تبكي، فقال: «أنفست؟» - يعني الحيضة - قالت، نعم.
قال: «إن هذا شيء كتبه الله على بنات آدم، فاقضي ما يقضي الحاج، غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تغتسلي» رواه مسلم.
وعنها قالت: إن أول شيء بدأ به النبي صلى الله عليه وسلم - حين قدم مكة - أنه توضأ ثم طاف بالبيت رواه الشيخان.
ومن كان به نجاسة، لا يمكن إزالتها، كمن به سلس بول وكالمستحاضة التي لا يرقا دمها، فإنه يطوف ولا شيء عليه باتفاق.
روى مالك: أن عبد الله بن عمر جاءته امرأة تستفتيه، فقالت: إني أقبلت أريد أن أطوف بالبيت، حتى إذا كنت عند باب المسجد هرقت الدماء، فرجعت، حتى ذهب ذلك عني، ثم أقبلت، حتي إذا كنت عند باب المسجد هرقت الدماء، فرجعت، حتى ذهب ذلك عني، ثم أقبلت، حتى إذا كنت عند باب المسجد، هرقت الدماء.
فقال عبد الله بن عمر: إنما ذلك ركضة من الشيطان، فاغتسلي، ثم استثفري بثوب، ثم طوفي.
2- ستر العورة:
لحديث أبي هريرة قال: بعثني أبو بكر الصديق في الحجة التي أمره عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل حجة الوداع، في رهط يؤذنون في الناس يوم النحر: «لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان» رواه الشيخان.
.3- أن يكون سبعة أشواط كاملة:
فلو ترك خطوة واحدة، في أي شوط، لا يحسب طوافه.
فإن شك بنى على الاقل، حتى يتقن السبع.
وإن شك بعد الفراغ من الطواف فلا يلزمه شئ.
.4- أن يبدأ الطواف من الحجر الاسود وينتهي إليه.
.5- أن يكون البيت عن يسار الطائف:
فلو طاف، وكان البيت عن يمينه، لا يصح الطواف.
لقول جابر رضي الله عنه: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة أتى الحجر الاسود فاستلمه، تم مشى عن يمينه فرمل ثلاثا ومشى أربعا. رواه مسلم.
.6- أن يكون الطواف خارج البيت:
فلو طاف في الحجر لا يصح طوافه، فإن الحجر، والشاذ روان من البيت.
والله أمر بالطواف بالبيت، لا في البيت، فقال: {وليطوفوا بالبيت العتيق}. ويستحب القرب من البيت، إن تيسر.
.7- موالاة السعي:
عند مالك وأحمد.
ولا يضر التفريق اليسير، لغير عذر، ولا التفريق الكثير، لعذر.
وذهبت الحنفية، والشافعية: إلى أن الموالاة سنة.
فلو فرق بين أجزاء الطواف تفريقا كثيرا، بغير عذر، لا يبطل. ويبني على ما مضى من طوافه.
روى سعيد بن منصور، عن حميد بن زيد قال: رأيت عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، طاف بالبيت ثلاثة أطواف أو أربعة، ثم جلس يستريح، وغلام له يروح عليه، فقام فبنى على ما مضى من طوافه.
وعند الشافعية والحنفية: لو أحدث في الطواف، توضأ وبنى ولا يجب الاستئناف، وإن طال الفصل.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أنه كان يطوف بالبيت، فأقيمت الصلاة فصلى مع القوم، ثم قام، فبنى على ما مضى من طوافه.
وعن عطاء: أنه كان يقول - في الرجل يطوف بعض طوافه، ثم تحضر الجنازة - قال: يخرج يصلي عليها، ثم يرجع فيقضي ما بقي من طوافه.
.سنن الطواف:
للطواف سنن نذكرها فيما يلي:
.1- استقبال الحجر الاسود:
عند بدء الطواف مع التكبير والتهليل، ورفع اليدين: كرفعهما في الصلاة، واستلامه بهما بوضعهما عليه، وتقبيله بدون صوت، ووضع الخد عليه، إن أمكن ذلك، وإلا مسه بيده وقبلها أو مسه بشئ معه وقبله، أو أشار إليه بعصا ونحوها.
وقد جاء في ذلك أحاديث، واليك بعضها: قال ابن عمر رضي الله عنهما: استقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحجر واستلمه، ثم وضع شفيته يبكي طويلا، فإذا عمر يبكي طويلا فقال: «يا عمر، هنا تسكب العبرات» رواه الحاكم، وقال: صحيح الاسناد.
وعن ابن عباس: أن عمر أكب على الركن فقال: إني لاعمل أنك حجر، ولو لم أر حبيبي صلى الله عليه وسلم قبلك واستلمك ما استلمتك ولا قبلتك: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة} رواه أحمد، وغيره، بألفاظ مختلفة متقاربة.
وقال نافع: رأيت ابن عمر رضي الله عنهما استلم الحجر بيده ثم قبل يده وقال: ما تركته منذ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله. رواه البخاري ومسلم.
وقال سويد بن غفلة: رأيت عمر رضي الله عنه قبل الحجر، والتزمه وقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بك حفيا رواه مسلم.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأتي البيت، فيستلم الحجر ويقول: «بسم الله والله أكبر» رواه أحمد.
وروى مسلم عن أبي الطفيل قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالبيت ويستلم بمحجن معه ويقبل المحجن.
وروى البخاري، ومسلم، وأبو داود عن عمر رضي الله عنه أنه جاء إلى الحجر فقبله.
فقال: إني أعلم أنك حجر لا تضر، ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك.
قال الخطابي: فيه من العلم، أن متابعة السنن واجبة وإن لم يوقف لها على علل معلومة، وأسباب معقولة.
وأن أعيانها حجة على من بلغته وإن لم يفقه معانيها.
إلا أنه معلوم في الجملة أن تقبيله الحجر، إنما هو إكرام له، وإعظام لحقه، وتبرك به.
وقد فضل الله بعض الاحجار على بعض، كما فضل بعض البقاع والبلدان، وكما فضل بعض الليالي والايام والشهور.
وباب هذا كله التسليم.
وهذا وقد روى أمر سائغ في العقول جار فيها، غير ممتنع ولا مستنكر.
في بعض الأحاديث: «الحجر يمين الله في الأرض».
والمعنى أن من صافحه في الأرض كان له عند الله عهد.
فكان كالعهد الذي تعقده الملوك بالمصافحة، لمن يريد موالاته، والاختصاص به.
وكما يصفق على أيدي الملوك للبيعة.
وكذلك تقبيل اليد من الخدم للسادة والكبراء.
فهذا كالتمثيل بذلك والتشبيه به.
وقال المهلب: حديث عمر يرد على من قال: إن الحجر يمين الله في الأرض، يصافح بها عباده.
ومعاذ الله، أن تكون لله جارحة، وإنما شرع تقبيله اختبارا، ليعلم - بالمشاهدة - طاعة من يطيع.
وذلك شبيه بقصة إبليس حيث أمر بالسجود لادم.
هذا، ولا يعلم - على وجه اليقين - أنه بقي حجر من أحجار الكعبة. من وضع إبراهيم إلا الحجر الاسود.
.2- المزاحمة على الحجر:
ولا بأس في المزاحمة على الحجر على أن لا يؤذي أحدا. فقد كان ابن عمر رضي الله عنهما يزاحم حتى يدمى أنفه.
وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه: «يا أبا حفص إنك رجل قوي، فلا تزاحم على الركن، فإنك تؤذي الضعيف، ولكن إن وجدت خلوة فاستلم، وإلا فكبر وامض». رواه الشافعي في سننه.
.3- الاضطباع:
فعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه اعتمروا من الجعرانة فاضطبعوا أرديتهم تحت آباطهم، وقذفوها على عواتقهم اليسرى رواه أحمد وأبو داود وهذا مذهب الجمهور.
وقالوا في حكمته: إنه يعين على الرمل في الطواف.
وقال مالك: لا يستحب، لأنه لم يعرف ولم ير أحدا يفعله ولا يستحب في صلاة الطواف اتفاقا.
.4 – الرمل:
فعن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رمل من الحجر الاسود إلى الحجر الاسود ثلاثا، ومشى أربعا رواه أحمد، ومسلم.
ولو تركه في الثلاث الأول لم يقضه في الأربعة الاخيرة.
والاضطباع والرمل خاص بالرجال في طواف العمرة، وفي كل طواف يعقبه سعي في الحج.
وعند الشافعية: إذا اضطبع ورمل في طواف القدوم ثم سعى بعده، لم يعد الاضطباع والرمل في طواف الافاضة.
وإن لم يسع بعده، وأخر السعي إلى ما بعد طواف الزيارة اضطبع ورمل في طواف الزيارة.
أما النساء، فلا اضطباع عليهن - لوجوب ستزهن - ولا رمل، لقول ابن عمر رضي الله عنهما: ليس على النساء سعي بالبيت، ولا بين الصفا والمروة رواه البيهقي.
حكمة الرمل: والحكمة فيه ما رواه ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وقد وهنتهم حمى يثرب فقال المشركون: إنه يقدم عليكم قوم قد وهنتهم الحمى، ولقوا منها شرا، فأطلع الله سبحانه نبيه صلى الله عليه وسلم على ما قالوه، فأمرهم أن يرملوا الاشواط الثلاثة، وأن يمشوا بين الركنين، فلما رأوهم رملوا، قالوا: هؤلاء الذين ذكرتم أن الحمى قد وهنتهم؟ هؤلاء أجلد منا.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: ولم يأمرهم أن يرملوا الاشواط كلها إلا إبقاء عليهم رواه البخاري، ومسلم، وأبو داود، واللفظ له.
ولقد بدا لعمر رضي الله عنه أن يدع الرمل بعد ما انتهت الحكمة منه، ومكن الله للمسلمين في الأرض، إلا أنه رأى إبقاءه على ما كان عليه في العهد النبوي.
لتبقى هذه الصورة ماثلة للاجيال بعده.
قال محب الدين الطبري: وقد يحدث شيء من أمر الدين لسبب ثم يزول السبب ولا يزول حكمه.
فعن زيد بن أسلم.
عن أبيه قال: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: فيم الرملان اليوم، والكشف عن المناكب؟ وقد أطأ الله الإسلام، ونفى الكفر وأهله، ومع ذلك لا ندع شيئا كنا نفعله على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
.4- استلام الركن اليماني:
لقول ابن عمر رضي الله عنهما: لم أر النبي صلى الله عليه وسلم يمس من الاركان إلا اليمانيين.
وقال: ما تركت استلام هذين الركنين - اليماني، والحجر الاسود - منذ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلمهما، في شدة، ولا في رخاء رواهما البخاري، ومسلم.
وإنما يستلم الطائف هذين الركنين، لما فيهما من فضيلة، ليست لغيرهما.
ففي الركن الاسود ميزتان، إحداهما: أنه عل قواعد إبراهيم عليه السلام.
وثانيتهما: أن فيه الحجر الاسود الذي جعل مبدءا للطواف ومنتهى له.
وأما الركن اليماني المقابل له، فقد وضع أيضا على قواعد إبراهيم عليه السلام.
روى أبو داود عن ابن عمر رضى الله عنهما أنه أخبر بقول عائشة رضي الله عنها: «إن الحجر بعضه من البيت».
فقال ابن عمر: والله إني لاظن عائشة إن كانت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، إني لاظن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يترك استلامهما، إلا أنهما ليسا على قواعد البيت، ولا طاف الناس وراء الحجر إلا لذلك.
والأمة متفقة على استحباب استلام الركنين اليمانيين، وعلى أنه لا يستلم الطائف الركنين الآخرين.
وروى ابن حبان في صحيحه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الحجر والركن اليماني يحط الخطايا حطا».
.5- صلاة ركعتين بعد الطواف:
يسن للطائف صلاة ركعتين بعد كل طواف، عند مقام إبراهيم، أو في مكان من المسجد.
فعن جابر رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم مكة، طاف بالبيت سبعا، وأتى المقام فقرأ: {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى}.
فصلى خلف المقام ثم أتى الحجر فاستلمه رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
والسنة فيهما قراءة سورة الكافرون بعد الفاتحة في الركعة الأولى، وسورة الاخلاص في الركعة الثانية.
فقد ثبت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما رواه مسلم، وغيره.
وتؤديان في جميع الاوقات، حتى أوقات النهي.
فعن جبير بن مطعم: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحدا طاف بهذا البيت، وصلى أية ساعة شاء، من ليل، أو نهار» رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي، وصححه.
وهذا مذهب الشافعي، وأحمد.
وكما أن الصلاة بعد الطواف تسن في المسجد، فإنها تجوز خارجه.
فقد روى البخاري عن أم سلمة رضي الله عنها: أنها طافت راكبة، فلم تصل حتى خرجت.
وروى مالك عن عمر رضي الله عنه، أنه صلاهما بذي طوى.
وقال البخاري: وصلى عمر رضي الله عنه خارج الحرم.
ولو صلى المكتوبة بعد الطواف أجزأته عن الركعتين، وهو الصحيح عند الشافعية والمشهور من مذهب أحمد.
وقال مالك والأحناف: لا يقوم غير الركعتين مقامهما.
المرور أمام المصلي في الحرم المكي يجوز أن يصلي المصلي في المسجد الحرام، والناس يمرون أمامه، رجالا ونساء، بدون كراهة، وهذا من خصائص المسجد الحرام.
فعن كثير بن كثير بن المطلب بن وداعة، عن بعض أهله، عن جده: أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي مما يلي بني سهم، والناس يمرون بين يديه وليس بينهما سترة.
قال سفيان بن عيينة: «ليس بينه وبين الكعبة سترة» رواه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
.طواف الرجال مع النساء:
روى البخاري عن ابن جريج قال: أخبرني عطاء إذ منع ابن هشام النساء الطواف مع الرجال، قال: كيف تمنعهن، وقد طاف نساء النبي صلى الله عليه وسلم مع الرجال؟ قال: قلت: أبعد الحجاب أقبله؟ قال: أي لعمري لقد أدركته بعد الحجاب.
قلت: كيف يخالطن الرجال؟ قال: لم يكن يخالطن الرجال، كانت عائشة رضي الله عنها تطوف حجرة من الرجال لا تخالطهم.
فقالت امرأة: انطلقي نستلم يا أم المؤمنين.
قالت: انطلقي...عنك، وأبت.
فكن يخرجن متنكرات بالليل فيطفن مع الرجال، ولكنهن كن إذا دخلن البيت، قمن، حتى يدخلن وأخرج الرجال.
وللمرأة أن تستلم الحجر عند الخلوة، والبعد عن الرجال.
فعن عائشة رضي الله عنها: أنها قالت لامرأة: لا تزاحمي على الحجر، إن رأيت خلوة فاستلمي، وإن رأيت زحاما فكبري وهللي إذا حاذيت به، ولا تؤذي أحدا.
.ركوب الطائف:
يجوز للطائف الركوب، وإن كان قادرا على المشي، إذا وجد سبب يدعو إلى الركوب.
فعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف في حجة الوداع على بعير يستلم الركن بمحجن رواه البخاري، ومسلم.
وعن جابر رضي الله عنه قال: طاف النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع على راحلته بالبيت، وبالصفا والمروة، ليراه الناس، وليشرف، وليسألوه، فإن الناس غشوه.
كراهة طواف المجذوم مع الطائفين روى مالك عن ابن أبي مليكة: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه رأى امرأة مجذومة، تطوف بالبيت، فقال لها: يا أمة الله، لا تؤذى الناس، لو جلست في بيتك!؟ ففعلت.
ومر بها رجل بعد ذلك فقال لها: إن الذي نهاك قد مات، فاخرجي.
فقالت: ما كنت لاطيعه حيا وأعصيه ميتا.
استحباب الشرب من ماء زمزم:
وإذا فرغ الطائف من طوافه، وصلى ركعتيه عند المقام، استحب له أن يشرب من ماء زمزم.
ثبت في الصحيحين: أن رسول صلى الله عليه وسلم، شرب من ماء زمزم، وأنه قال: «إنها مباركة إنها طعام طعم وشفاء سقم».
وأن جبريل عليه السلام غسل قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم بمائها ليلة الاسراء.
وروى الطبراني في الكبير، وابن حبان عن ابن عباس رضي الله عنهما:
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «خير ماء على وجه الأرض ماء زمزم، فيه طعام الطعم، وشفاء السقم».
الحديث.
قال المنذري: ورواته ثقات.
آداب الشرب منه: يسن أن ينوي الشارب عند شربه الشفاء ونحوه، مما هو خير في الدين والدنيا.
فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ماء زمزم لما شرب له».
وعن سويد بن سعيد قال: رأيت عبد الله بن المبارك بمكة أتى ماء زمزم واستسقى منه شربة، ثم استقبل الكعبة، فقال: اللهم إن ابن أبي الموالي حدثنا عن محمد بن المنكدر، عن جابر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ماء زمزم لما شرب له، وهذا أشربه لعطش يوم القيامة، ثم شرب». رواه أحمد بسند صحيح، والبيهقي.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ماء زمزم لما شرب له، إن شرته تستشفي شفاك الله، وإن شربته لشبعك، الله أشبعك الله، وإن شربته لقطع ظمئك قطعه الله، وهي هزمة جبرائيل وسقيا الله إسماعيل» رواه الدار قطني، والحكم، وزاد: «وإن شربته مستعيذا، أعاذك الله».
ويستحب أن يكون الشرب على ثلاثة أنفاس، وأن يستقبل به القبلة، ويتضلع منه، ويحمد الله، ويدعو بما دعا به ابن عباس.
فعن أبي مليكة قال: جاء رجل إلى ابن عباس فقال: من أين جئت؟..قال: شربت من ماء زمزم.
قال ابن عباس: أشربت منها كما ينبغي؟ قال: وكيف ذاك يا ابن عباس؟ قال: إذا شربت منها فاستقبل القبلة، واذكر الله، وتنفس ثلاثا، وتضلع منها، فإذا فرغت فأحمد الله.
فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «آية ما بيننا وبين المنافقين أنهم لا يتضلعون من زمزم» رواه ابن ماجه، والدارقطني والحاكم.
وكان ابن عباس رضي الله عنهما إذا شربت من ماء زمزم قال: اللهم إني أسألك علما نافعا، ورزقا واسعا، وشفاء من كل داء.
أصل بئر زمزم: روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن هاجر لما أشرفت على على المروة حين أصابها وولدها العطش سمعت صوتا، فقالت: صه - تريد نفسها - ثم تسمعت، فسمعت أيضا، فقالت: قد اسمعت، إن كان عندك غواث، فإذا هي بالملك عند موضع زمزم فبحث بعقبه، أو قال: بجناحه، حتى ظهر الماء، فجعلت تحوضه، وتقول بيدها هكذا - تغترف من الماء في سقائها - وهو يفور بعد ما تغترف.
قال ابن عباس رضي الله عنهما، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رحم الله أم إسماعيل، لو تركت زمزم - أو قال: لو لم تغترف من الماء - لكانت زمزم عينا معينا»قال: فشربت، وأرضعت ولدها، فقال لها الملك:
لا تخافوا الضيعة، فإن هاهنا بيت الله، يبتني هذا الغلام وأبوه، وإن الله لا يضيع أهله، وكان البيت مثل الرابية، تأتيه السيول، فتأخذ عن يمينه وشماله.
.استحباب الدعاء عند الملتزم:
وبعد الشرب من ماء زمزم، يستحب الدعاء عند الملتزم.
فقد روى البيهقي عن ابن عباس، أنه كان يلزم ما بين الركن والباب، وكان يقول: ما بين الركن والباب يدعى الملتزم، لا يلزم ما بينهما أحد يسأل الله شيئا إلا أعطاه الله إياه.
وروي عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلزق وجهه وصدره بالملتزم.
وقيل: إن الحطيم هوالملتزم.
ويرى البخاري أن الحطيم الحجر نفسه.
واحتج عليه بحديث الاسراء فقال: بينا أنا نائم في الحطيم، وربما قال في الحجر.
قال: وهو حطيم: بمعنى محطوم، كفتيل، بمعنى مقتول.
.استحباب دخول الكعبة وحجر إسماعيل:
روى البخاري، ومسلم، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم الكعبة، هو وأسامة بن زيد، وعثمان ابن طلحة، فأغلقوا عليهم، فلما فتحوا، أخبرني بلال: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في جوف الكعبة، بين العمودين اليمانيين.
وقد استدل العلماء بهذا على أن دخول الكعبة، والصلاة فيها سنة.
وقالوا: وهو وإن كان سنة، إلا أنه ليس من مناسك الحج، لقول ابن عباس رضي الله عنهما: أيها الناس إن دخولكم البيت ليس من حجكم في شيء رواه الحاكم بسند صحيح.
ومن لم يتمكن من دخول الكعبة، يستحب له الدخول في حجر إسماعيل والصلاة فيه فإن جزءا منه من الكعبة.
روى أحمد بسند جيد، عن سعيد بن جبير، عن عائشة قالت: يا رسول الله، كل أهلك قد دخل البيت غيري! فقال: «أرسلي إلى شيبة فيفتح لك الباب»، فأرسلت إليه.
فقال شيبة: ما استطعنا فتحه في جاهلية، ولا إسلام، بليل.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «صلي في الحجر فإن قومك استقصروا عن بناء البيت، حين بنوه».