الخميس، 8 مارس 2012

موسوعة الفقه - باب الحج والعمرة : الإحرام


الإحرام

تعريفه: هونية أحد النسكين: الحج، أو العمرة، أو نيتهما معا: وهو ركن، لقول الله تعالى: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين} وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «إنما الاعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى».
وقد سبق الكلام على حقيقة النية وأن محلها القلب: قال الكمال ابن الهمام: ولم نعلم الرواة لنسكه صلى الله عليه وسلم.
روى واحد منهم: أنه سمعه صلى الله عليه وسلم يقول: «نويت العمرة، أو نويت الحج».

.آدابه:
للاحرام آداب ينبغي مراعاتها، نذكرها فيما يلي:

.1- النظافة:
وتتحقق بتقليم الاظافر، وقص الشارب ونتف الابط،
وحلق العانة، والوضوء، أو الاغتسال، وهو أفضل، وتسريح اللحية، وشعر الرأس.
قال ابن عمر رضي الله عنهما: من السنة أن يغتسل إذا أراد الاحرام، وإذا أراد دخول مكة رواه البزار، والدارقطني، والحاكم، وصححه.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن النفساء والحائض تغتسل وتحرم، وتقضي المناسك كلها، غير أنها لا تطوف بالبيت حتى تطهر» رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي. وحسنه.

.2- التجرد من الثياب المخيطة:
ولبس ثوبي الاحرام، وهما رداء يلف النصف الاعلى من البدن، دون الرأس، وإزار يلف به النصف الاسفل منه.
وينبغي أن يكونا أبيضين، فإن الابيض أحب الثياب إلى الله تعالى.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة بعد ما ترجل، وادهن، ولبس إزاره ورداءه، هو وأصحابه. الحديث رواه البخاري.

.3- التطيب في البدن والثياب:
وإن بقي أثره عليه بعد الاحرام.
فعن عائشة رضي الله عنها قالت: كأني أنظر إلى وبيص الطيب في مفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم رواه البخاري، ومسلم.
ورويا عنها أنها قالت: كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لاحرامه قبل أن يحرم، ولحله قبل أن يطوف بالبيت.
وقالت: «كنا نخرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة، فننضح جباهنا بالمسك عند الاحرام، فإذا عرقت إحدانا، سال على وجهها فيراه النبي صلى الله عليه وسلم فلا ينهانا» رواه أحمد، وأبو داود.

.4- صلاة ركعتين:
ينوي بهما سنة الاحرام، يقرأ في الأولى منهما بعد الفاتحة سورة الكافرون وفي الثانية سورة الاخلاص.
قال ابن عمر رضي الله عنهما: كان النبي صلى الله عليه وسلم يركع بذي الحليفة ركعتين رواه مسلم.
وتجزئ المكتوبة عنهما، كما أن المكتوبة تغني عن تحية المسجد.

.أنواع الإحرام:
الاحرام أنواع ثلاثة:
1- قران.
2- وتمتع.
3- وإفراد.

وقد أجمع العلماء: على جواز كل واحد من هذه الانواع الثلاثة.
فعن عائشة رضي الله عنها قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع.
فمنا من أهل بعمرة، ومنامن أهل بحج وعمرة، ومنا من أهل بالحج.
وأهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج.
فأما من أهل بعمرة، فحل عند قدومه، وأما من أهل بحج، أو جمع بين الحج والعمرة، فلم يحل، حتى كان يوم النحر، رواه أحمد، والبخاري، ومسلم، ومالك.

.معنى القران:
أن يحرم من عند الميقات بالحج والعمرة معا.
ويقول عند التلبية: «لبيك بحج وعمرة».
وهذا يقتضي بقاء المحرم على صفة الاحرام إلى أن يفرغ من أعمال العمرة والحج جميعا.
أو يحرم بالعمرة، ويدخل عليها الحج قبل الطواف.

.معنى التمتع:
والتمتع: هو الاعتمار في أشهر الحج، ثم يحج من عامه الذي اعتمر فيه.
وسمي تمتعا، للانتفاع بأداء النسكين في أشهر الحج، في عام واحد، من غير أن يرجع إلى بلده.
ولان المتمتع يتمتع بعد التحلل من إحرامه بما يتمتع به غير المحرم من لبس الثياب، والطيب، وغير ذلك.
وصفة التمتع: أن يحرم من الميقات بالعمرة وحدها، ويقول عند التلبية «لبيك بعمرة».
وهذا يقتضي البقاء على صفة الاحرام حتى يصل الحاج إلى مكة، فيطوف بالبيت، ويسعى بين الصفا والمروة، ويحلق شعره أو يقصره، ويتحلل فيخلع ثياب الإحرام:
ويلبس ثيابه المعتادة ويأتي كل ما كان قد حرم عليه بالاحرام، إلى أن يجئ يوم التروية، فيحرم من مكة بالحج.
قال في الفتح: والذي ذهب إليه الجمهور: أن التمتع أن يجمع الشخص الواحد بين الحج والعمرة في سفر واحد في أشهر الحج، في عام واحد، وأن يقدم العمرة وأن يكون مكيا.
فمتى اختل شرط من هذه الشروط لم يكن متمتعا.

.معنى الافراد:
والافراد أن يحرم من يريد الحج من الميقات بالحج وحده، ويقول في التلبية: «لبيك بحج» ويبقى محرما حتى تنتهي أعمال الحج، ثم يعتمر بعد أن شاء.
أي أنواع النسك أفضل؟ اختلف الفقهاء في الافضل من هذه الانواع.
فذهبت الشافعية إلى أن الافراد والتمتع أفضل من القران، إذ أن المفرد، أو المتمتع يأتي بكل واحد من النسكين بكمال أفعاله.
والقارن يقتصر على عمل الحج وحده.
وقالوا - في التمتع والافراد - قولان: أحدهما أن التمتع أفضل، والثاني أن الافراد أفضل.
وقالت الحنفية: القران أفضل من التمتع والافراد والتمتع، أفضل من الافراد.
وذهبت المالكية إلى أن الافراد أفضل من التمتع والقران.
وذهبت الحنابلة إلى أن التمتع أفضل من القران، ومن الافراد.
وهذا هو الاقرب إلى اليسر، والاسهل على الناس.
وهو الذي تمناه رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه وأمر به أصحابه.
روى مسلم عن عطاء قال: سمعت جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: أهللنا - أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم بالحج خالصا وحده، فقدم النبي صلى الله عليه وسلم صبح رابعة مضت من ذي الحجة فأمرنا أن نحل.
قال: «حلوا وأصيبوا النساء» ولم يعزم عليهم، ولكن أحلهن لهم.
فقلنا: لما لم يكن بيننا وبين عرفة إلا خمس أمرنا نفضي إلى نسائنا، فنأتي عرفة، تقطر مذاكيرنا المني؟.
فقام النبي صلى الله عليه وسلم فينا، فقال: «قد علمتم أني أتقاكم لله، وأصدقكم، وأبركم ولو لا هديي لحللت كما تحلون، ولو استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي، فحلوا» فحللنا، وسمعنا، وأطعنا.
جواز اطلاق الاحرام من أحرم إحراما مطلقا، قاصدا أداء ما فرض الله عليه، من غير أن يعين نوعا من هذه الانواع الثلاثة، لعدم معرفته بهذا التفصيل، جاز وصح إحرامه.
قال العلماء: ولو أهل ولبى - كما يفعل الناس - قصدا للنسك، ولم يسم شيئا بلفظه، ولا قصد بقلبه، لاتمتعا ولاإفرادا، ولاقرانا، صح حجه أيضا.
وفعل واحدا من الثلاثة.
طواف القارن والمتمتع وسعيهما وأنه ليس لاهل الحرم إلا الإفراد:
عن ابن عباس أنه سئل عن متعة الحج؟ فقال: أهل المهاجرون، والانصار، وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، واهل لنا، فلما قدمنا مكة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اجعلوا إهلالكم عمرة إلا من قلد الهدي» فطفنا بالبيت وبالصفا والمروة، وأتينا النساء ولبسنا الثياب.
وقال: «من قلد الهدي فإنه لا يحل له حتى يبلغ الهدي محله»، ثم أمرنا عشية التروية أن نهل بالحج، فإذا فرغنا من المناسك جئنا فطفنا بالبيت، وبالصفا والمروة، فقدتم حجنا وعلينا الهدي كما قال الله تعالى: {فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم} إلى أمصاركم الشاة تجزي.
فجمعوا نسكين في عام، بين الحج والعمرة، فإن الله أنزله في كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وأباحه للناس غير أهل مكة، قال الله تعالى: {ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام}.
وأشهر الحج التي ذكر الله تعالى: شوال، وذو القعدة وذو الحجة.
فمن تمتع في هذه الاشهر فعليه دم أو صوم. رواه البخاري.
1- وفي هذا الحديث دليل على أن أهل الحرم لا متعة لهم ولا قران، وأنهم يحجون حجا مفردا ويعتمرون عمرة مفردة.
وهذا مذهب ابن عباس وأبي حنيفة لقول الله تعالى: {ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام}.
واختلفوا في من هم حاضر والمسجد الحرام.
فقال مالك: هم أهل مكة بعينها، وهو قول الاعرج واختاره الطحاوي، ورجحه.
وقال ابن عباس وطاوس وطائفة: هم أهل الحرم.
قال الحافظ: وهو الظاهر.
وقال الشافعي: من كان أهله على أقل مسافة تقصر فيها الصلاة.
واختاره ابن جرير.
وقالت الأحناف من كان أهله بالميقات أو دونه.
والعبرة بالمقام لا بالمنشأ.
2- وفيه: أن على المتمتع أن يطوف ويسعى للعمرة أولا: ويغني هذا عن طواف القدوم الذي هو طواف التحية ثم يطوف طواف الافاضة بعد الوقوف بعرفة، ويسعى كذلك بعده.
أما القارن فقد ذهب الجمهور من العلماء: إلى أنه يكفيه عمل الحج، فيطوف طوافا واحدا ويسعى سعيا واحدا للحج والعمرة، مثل الفرد.
1- فعن جابر رضي الله عنه، قال: قرن رسول الله صلى الله عليه وسلم الحج والعمرة.
وطاف لهما طوافا واحدا رواه الترمذي وقال: حديث حسن.
2- وعن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من أهل بالحج والعمرة، أجزأه طواف واحد وسعي واحد» رواه الترمذي.
وقال: حسن صحيح غريب، وخرجه الدارقطني وزاد: «ولا يحل منهما حتى يحل منهما جميعا».
3- وروى مسلم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعائشة «طوافك بالبيت، وبين الصفا والمروة يكفيك لحجك وعمرتك».
وذهب أبو حنيفة: إلى أنه لابد من طوافين وسعيين.
والأول أولى لقوة أدلته.
4- وفي الحديث: أن على التمتع والقارن هديا، وأقله شاة، فمن لم يجد هديا فليصم ثلاثة أيام في الحج، وسبعة إذا رجع إلى أهله.
والأولى أن يصوم الايام الثلاثة في العشر من ذي الحجة قبل يوم عرفة.
ومن العلماء من جوز صيامها من أول شوال.
منهم: طاوس، ومجاهد.
ويرى ابن عمر رضي الله عنهما أن يصوم قبل يوم التروية ويوم التروية، ويوم عرفة.
فلولم يصمها، أو يصم بعضه قبل العيد، فله أن يصومها في أيام التشريق لقول عائشة وابن عمر رضي الله عنهما: لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن، إلا لمن لا يجد الهدي رواه البخاري.
وإذا فاته صيام الايام الثلاثة في الحج، لزمه قضاؤها.
وأما السبعة الايام.
فقيل: يصومها إذا رجع إلى وطنه.
وقيل إذا رجع إلى رحله.
وعلى الرأي الأخير يصح صومها في الطريق.
هو مذهب مجاهد، وعطاء.
ولا يجب التتابع في صيام هذه الايام العشرة.
وإذا نوى وأحرم شرع له أن يلبي.
.التلبية:
.1- حكمها:
أجمع العلماء على: أن التلبية مشروعة.
فعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يا آل محمد، من حج منكم فليهل في حجه» أو «حجته» رواه أحمد، وابن حبان.
وقد اختلفوا في حكمها، وفي وقتها، وفي حكم من أخرها.
فذهب الشافعي، وأحمد: إلى أنها سنة، وأنه يستحب اتصالها بالاحرام.
فلو نوى النسك ولم يلب، صح نسكه، دون أن يلزمه شيء لأن الاحرام عندهما ينعقد بمجرد النية.
ويرى الأحناف: أن التلبية، أو ما يقوم مقامها - مما هو في معناها كالتسبيح، وسوق الهدي - شرط من شروط الاحرام، فلو أحرم، ولم يلب أو لم يسبح، أو لم يسق الهدي فلا إحرام له.
وهذا مبني: على أن الاحرام عندهم مركب من النية وعمل من أعمال الحج.
فإذا نوى الاحرام وعمل عملا من أعمال النسك، فسبح، أو هلل، أو ساق الهدي ولم يلب، فإن إحرامه ينعقد، ويلزمه بترك التلبية دم.
ومشهور مذهب مالك: انها واجبة، يلزم يتركها أو ترك اتصالها بالاحرام مع الطول دم.
لفظها: روى مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد لك والنعمة لك والملك، لا شريك لك».
قال نافع: وكان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يزيد فيها «لبيك، لبيك، لبيك وسعديك والخير بيديك، لبيك والرغباء إليك، والعمل»، وقد استحب العلماء الاقتصار على تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم واختلفوا في الزيادة عليها.
فذهب الجمهور: إلى أنه لا بأس بالزيادة عليها، كما زاد ابن عمروكما زاد الصحابة والنبي صلى الله عليه وسلم يسمع ولا يقول لهم شيئا، رواه أبو داود، والبيهقي.
وكره مالك، وأبو يوسف: الزيادة على تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم.

2- فضلها:
1- روى ابن ماجه عن جابر رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مامن محرم يضحي يومه يلبي حتى تغيب الشمس، إلا غابت ذنوبه فعاد كما ولدته أمه».
2- وعن أبي هريرة قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «منا أهل مهل قط، إلا بشر، ولاكبر مكبر قط إلا بشر».
قيل: يا نبي الله: بالجنة؟ قال: «نعم» رواه الطبراني، وسعد بن منصور.
3- وعن سهل بن سعد، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من مسلم يلبي إلا لبي من عن يمينه وشماله، من حجر، أو شجر، أو مدر حتى تنقطع الأرض من هاهنا وهاهنا» رواه ابن ماجه، والبيهقي، والترمذي والحاكم، وصححه.

.استحباب الجهر بها:
1- عن زيد بن خالد، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «جاءني جبريل عليه السلام فقال: مر أصحابك فليرفعوا أصواتهم بالتلبية، فإنها من شعائر الحج» رواه ابن ماجه، وأحمد، وابن خزيمة، والحاكم، وقال: صحيح الاسناد.
2- وعن أبي بكر رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل: أي الحج أفضل؟ فقال: «العح والثج» رواه الترمذي، وابن ماجه.
3- وعن أبي حازم قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أحرموا، لم يبلغوا الروحاء حتى تبح أصواتهم.
وقد استحب الجمهور رفع الصوت بالتلبية، لهذه الأحاديث: وقال مالك: لا يرفع الملبي الصوت في مسجد الجماعات بل يسمع نفسه ومن يليه، إلا في مسجد منى والمسجد الحرام، فإنه يرفع صوته فيهما.
وهذا بالنسبة للرجال: أما المرأة فتسمع نفسها ومن يليها، ويكره لها أن ترفع صوتها أكثر من ذلك.
وقال عطاء: يرفع الرجال أصواتهم.
وأما المرأة فتسمع نفسها، ولا ترفع صوتها.
المواطن التي تستحب التلبية فيها: تستحب التلبية في مواطن: عند الركوب، أو النزول، وكلما علا شرفا أو هبط واديا، أو لفي ركبا، وفي دبر كل صلاة، وبالاسحار.
قال الشافعي: ونحن نستحبها على كل حال.
وقتها: يبدأ المحرم بالتلبية من وقت الاحرام، إلى رمي جمرة العقبة يوم النحر، باول حصاة ثم يقطعها.
فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم يزل يلبي حتى بلغ الجمرة. رواه الجماعة.
وهذا مذهب الثوري، والأحناف، والشافعي وجمهور العلماء.
وقال أحمد، وإسحاق: يلبي حتى يرمي الجمرات جميعها، ثم يقطعها.
وقال مالك: يلبي حتى تزول الشمس من يوم عرفة ثم يقطعها هذا بالنسبة للحج وأما المعتمر فيلبي حتى يستلم الحجر الاسود.
فعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمسك عن التلبية في العمرة إذا استلم الحجر رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح والعمل عليه عند أكثر أهل العلم.
استحباب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والدعاء بعدها: عن القاسم بن محمد بن أبي بكر، قال: يستحب للرجل - إذا فرغ من تلبينه - أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من تلبيته سأل الله مغفرته ورضوانه، واستعقه من الناس رواه الطبراني وغيره.

.ما يباح للمحرم:
.1- الاغتسال وتغيير الرداء والازار:
فعن إبراهيم النخعي قال: كان أصحابنا إذا أتوا بئرا ميمون اغتسلوا، ولبسوا أحسن ثيابهم.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أنه دخل حمام الجحفة وهو محرم.
قيل له: أتدخل الحمام وأنت محرم؟ فقال: إن الله ما يعبأ بأوساخنا شيئا.
وعن جابر رضي الله عنه قال: يغتسل المحرم، ويغسل ثوبه.
وعن عبد الله بن حنين: أن ابن عباس، والمسور بن مخرمة اختلفا بالابواء فقال ابن عباس: يغسل المحرم رأسه.
وقال المسور: لا يغسل المحرم رأسه، قال: فأرسلني ابن عباس إلى أبي أيوب الانصاري، فوجدته يغتسل بين القرنين، وهو يستر بثوب، فسلمت عليه، فقال: من هذا؟ فقلت: أنا عبد الله بن حنين.
أرسلني اليك ابن عباس يسألك: كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغتسل، وهو محرم؟ قال: فوضع أبو أيوب يده على الثوب فطأطأه حتى بدا لي رأسه ثم قال: الإنسان يصب عليه الماء: أصبب، فصب على رأسه، ثم حرك رأسه بيده، فأقبل بهما، وأدبر فقال: هكذا رأيته صلى الله عليه وسلم يفعل رواه الجماعة، إلا الترمذي.
وزاد البخاري في رواية: فرجعت اليهما فأخبرتهما، فقال المسور لابن عباس: لا أماريك أبدا.
قال الشوكاني: والحديث يدل على جواز الاغتسال للمحرم، وتغطية الرأس باليد حاله - أي حال الاغتسال.
قال ابن المنذر: أجمعوا: على أن للمحرم أن يغتسل من الجنابة، واختلفوا فيما عدا ذلك.
وروى مالك في الموطأ عن نافع: أن ابن عمر رضي الله عنهما كان لا يغسل رأسه وهو محرم، إلا من الاحتلام.
وروي عن مالك: أنه كره للمحرم أن يغطي رأسه في الماء.
ويجوز استعمال الصابون وغيره من كل ما يزيل الاوساخ، كالاشنان والسدر والخطمي.
وعند الشافعية والحنابلة، يجوز أن يغتسل بصابون له رائحة، وكذلك يجوز نقض الشعر وامتشاطه، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم عائشة فقال: «انقضي رأسك وامتشطي» رواه مسلم.
قال النووي: نقض الشعر والامتشاط جائزان عندنا في الاحرام بحيث لا ينتف شعرا، ولكن يكره الامتشاط إلا لعذر، ولا بأس بحمل متاعه على رأسه.

.2- لبس التبان:
وروى البخاري، وسعيد بن منصور عن عائشة: أنها كانت لا ترى بالتبان بأسا.

.3- للمحرم تغطية وجهه:
روى الشافعي، وسعيد بن منصور، عن القاسم، قال: كان عثمان بن عفان، وزيد بن ثابت، ومروان بن الحكم يخمرون وجوههم وهم محرمون.
وعن طاوس: يغطي المحرم وجهه من غبار، أو رماد.
وعن مجاهد قال: كانوا إذا هاجت الريح غطوا وجوههم، وهم محرمون.

.4- لبس الخفين للمرأة:
لما رواه أبو داود، والشافعي عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كان رخص للنساء في الخفين.

.5- تغطية رأسه ناسيا:
قالت الشافعية: لا شيء على من غطى رأسه ناسيا، أو لبس قميصه ناسيا.
وقال عطاء: لاشئ عليه، ويستغفر الله تعالى.
وقالت الأحناف: عليه الفدية.
وكذلك الخلاف فيما إذا تطيب ناسيا، أو جاهلا.
وقاعدة الشافعية: أن الجهل والنسيان، عذر يمنع وجوب الفدية في كل محظور، ما لم يكن إتلافا كالصيد، وكذلك الحق والقلم، على الاصح عندهم.
وسيأتي ذلك في موضعه.

.6- الحجامة وفقء الدمل:
ونزع الضرس، وقطع العرق: قد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم وسط رأسه وقال مالك: لا بأس للمحرم أن يفقأ الدمل، ويربط الجرح، ويقطع العرق إذا احتاج.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: المحرم ينزع ضرسه، ويفقأ القرحة.
قال النووي: إذا أراد المحرم الحجامة لغير حاجة، فإن تضمنت قطع شعر فهي حرام، لقطع الشعر، وإن لم تتضمنه جازت عند الجمهور، وكرهها مالك.
وعن الحسن: فيها الفدية، وإن لم يقطع شعرا.
وإن كان لضرورة جاز قطع الشعر وتجب الفدية.
وخص أهل الظاهر الفدية بشعر الرأس.

.7- حك الرأس والجسد:
فعن عائشة رضي الله عنها: أنها سئلت عن المحرم يحك جسده؟ قالت: نعم، فليحككه وليشدد رواه البخاري، ومسلم، ومالك.
وزاد: ولو ربطت يداي ولم أجد إلا رجلي لحككت.
وروي مثل ذلك عن ابن عباس، وجابر وسعيد بن جبير، وعطاء، وإبراهيم النخعي.

.8، 9- النظر في المرآة وشم الريحان:
روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: المحرم يشم الريحان وينظر في المرآة، ويتداوى بأكل الزيت والسمن.
وعن عمربن عبد العزيز: أنه كان ينظر فيها وهو محرم، ويتسوك وهو محرم.
وقال ابن المنذر: أجمع العلماء على أن للمحرم أن يأكل الزيت والشحم والسمن، وعلى أن المحرم ممنوع من استعمال الطيب في جميع بدنه.
وكره الأحناف والمالكية المكث في مكان فيه روائح عطرية، سواء أقصد شمها أم لم يقصد.
وعند الحنابلة والشافعية: إن قصد حرم عليه، وإلا فلا.
وقال الشافعية: ويجوز أن يجلس عند العطار في موضع يبخر، لأن في المنع من ذلك مشقة، ولان ذلك ليس بطيب مقصود.
والمستحب أن يتوقى ذلك إلا أن يكون في موضع قربة، كالجلوس عند الكعبة وهي تجمر، فلا يكره ذلك، لأن الجلوس عندها قربة، فلا يستحب تركها لامر مباح.
وله أن يحمل الطيب في خرقة أو قارورة ولا فدية عليه.

.10، 11- شد الهميان في وسط المحرم:
ليحفظ فيه نقوده ونقود غيره ولبس الخاتم.
قال ابن عباس: لا بأس بالهميان، والخاتم، للمحرم.

.12- الاكتحال:
قال ابن عباس رضي الله عنهما: يكتحل المحرم بأي كحل إذا رمد، ما لم يكتحل بطيب، ومن غير رمد.
وأجمع العلماء على جوازه للتداوي لاللزينة.

.13- تظلل المحرم بمظلة أو خيمة أو سقف ونحو ذلك:
قال عبد الله بن عامر: خرجت مع عمر رضي الله عنه فكان يطرح النطع على الشجرة، فيستظل به وهو محرم، أخرجه ابن أبي شيبة.
وعن أم الحصين رضي الله عنها قالت: حججت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع، فرأيت أسامة بن زيد، وبلالا، وأحدهما آخذ بخطام ناقة النبي صلى الله عليه وسلم، والاخر رافع ثوبه يستره من الحر، حتى رمى جمرة العقبة أخرجه أحمد، ومسلم.
وقال عطاء: يستظل المحرم من الشمس، ويستكن من الريح والمطر.
وعن ابراهيم النخعي: أن الاسود بن يزيد، طرح على رأسه كساء يستكن، به من المطر، وهو محرم
.14- الخضاب بالحناء:
ذهبت الحنابلة إلى أنه لا يحرم على المحرم، ذكرا كان أو انثى، الاختضاب بالحناء، في أي جزء من البدن ما عدا الرأس.
وقالت الشافعية: يجوز للرجل الخضاب بالحناء حال الاحرام في جميع أجزاء جسده، ما عدا اليدين والرجلين، فيحرم خضبهما بغير حاجة، وكذا لا يغطي رأسه بحناء ثخينة.
وكرهوا للمرأة الخضاب بالحناء حال الاحرام إلا إذا كانت معتدة من وفاة، فيحرم عليها ذلك، كما يحرم عليها الخضاب إذا كان نقشا، ولو كانت معتدة.

وقالت الأحناف والمالكية: لا يجوز للمحرم أن يختضب بالحناء في أي جزء من البدن سواء أكان رجلا أم امرأة، لأنه طيب، والمحرم ممنوع من التطيب.
وعن خولة بنت حكيم عن أمها، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لام سلمة «لا تطيبي وأنت محرمة، ولا تمسي الحناء فإنه طيب» رواه الطبراني في الكبير، والبيهقي في المعرفة، وابن عبد البر في التمهيد.

.15- ضرب الخادم للتأديب:
فعن أسماء بنت أبي بكر قالت: «خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجاجا، حتى إذا كنا بالعرج، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونزلنا، فجلست عائشة إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجلست إلى جنب أبي بكر، وكانت زمالة رسول الله صلى الله عليه وسلم وزمالة أبي بكر واحدة، مع غلام لابي بكر، فجلس أبو بكر ينتظر أن يطلع الغلام، فطلع، وليس مع بعيره، فقال: أين بعيرك؟ قال: أضللته البارحة فقال ابو بكر: بعير واحد تضلله؟ فطفق يضربه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يبتسم، ويقول: انظروا لهذا المحرم ما يصنع؟ فما يزيد رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يقول: انظروا لهذا المحرم ما يصنع ويبتسم» رواه أحمد، وأبو داود، وابن ماجه.

.16- قتل الذباب والقراد والنمل:
فعن عطاء: أن رجلا سأله عن القرادة والنملة تدب عليه وهو محرم، فقال: ألق عنك ما ليس منك.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: لا بأس أن يقتل المحرم القرادة والحلمة.
ويجوز نزع القراد من البعير للمحرم.
فعن عكرمة: أن ابن عباس أمره أن يقرد بعيرا وهو محرم، فكره ذلك عكرمة، قال: قم فانحره، فنحره، قال: لا أم لك، كم قتلت فيها من قرادة، وحلمة، وحمنانة.

17- قتل الفواسق الخمس وكل ما يؤذي:
فعن عائشة قالت، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خمس من الدواب كلهن فاسق يقتلن في الحرم: الغراب، والحدأة، والعقرب والفأرة، والكلب العقور» رواه مسلم، والبخاري، وزاد «الحية».
وقد اتفق العلماء على إخراج غراب الزرع، وهو الغراب الصغير الذي يأكل الحب.
ومعنى الكلب العقور: كل ما عقر الناس وأخافهم، وعدا عليهم، مثل الاسد، والنمر، والفهد والذئب.
لقول الله تعالى: {يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله} فاشقها من الكلب.
وقالت الأحناف: لفظ الكلب قاصر عليه، لا يلحق به غيره في هلا الحكم سوى الذئب.
قال ابن تيمية: وللمحرم أن يقتل ما يؤذي - بعادته - الناس، كالحية، والعقرب، والفأرة، والغراب، والكلب العقور.
وله أن يدفع ما يؤذيه من الادميين، والبهائم، حتى ولو صال عليه أحد ولم يندفع إلا بالقتال قاتله.
فأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون حرمته فهو شهيد».
قال: وأذا قرصته البراغيث والقمل، فله إلقاؤها عنه، وله قتلها، ولا شيء عليه، وإلقاؤها أهون من قتلها.
وكذلك ما يتعرض له من الدواب فينهى عن قتله، وإن كان في نفسه محرما، كالاسد، والفهد، فإذا قتله فلا جزاء عليه في أظهر قولي العلماء.
وأما التفلي بدون التأذي، فهو من الترفه فلا يفعله، ولو فعله فلا شيء عليه.

.محظورات الإحرام:
حظر الشارع على المحرم أشياء، وحرمها عليه، نذكرها فيما يلي:

.1- الجماع ودواعيه:
كالتقبيل، واللمس لشهوة، وخطاب الرجل المرأة فيما يتعلق بالوطء.

.2- اكتساب السيئات واقتراف المعاصي:
التي تخرج المرء عن طاعة الله.

.3- المخاصمة مع الرفقاء والخدم وغيرهم:
والاصل في تحريم هذه الاشياء، قول الله تعالى: {فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج}.
وروى البخاري، ومسلم، عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من حج ولم يرفث، ولم يفسق، رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه».

.4- لبس المخيط:
كالقميص والبرنس والقباء والجبة والسراويل، أو لبس المحيط كالعمامة، والطربوش ونحو ذلك مما يوضع على الرأس.
وكذلك يحرم لبس الثوب المصبوغ بما له رائحة طيبة، كما يحرم لبس الخف والحذاء.
فعن ابن عمر رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يلبس المحرم القميص، ولا العمامة، ولا البرنس ولا السراويل، ولا ثوبا مسه ورس، ولا زعفران، ولا الخفين، إلا ألا يجد نعلين فليقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين» رواه البخاري، ومسلم.
وقد أجمع العلماء على أن هذا مختص بالرجل.
أما المرأة فلا تلحق به، ولها أن تلبس جميع ذلك، ولا يحرم عليها إلا الثوب الذي مسه الطيب والنقاب والقفازان.
لقول ابن عمر رضي الله عنهما: نهى النبي صلى الله عليه وسلم النساء في إحرامهن عن القفازين والنقاب، وما مس الورس، والزعفران من الثياب، ولتلبس بعد ذلك ما أحبت من ألوان الثياب، من معصفر أو خز، أو حلي، أو سراويل أو قميص، أو خف. رواه أبوه داود، والبيهقي، والحاكم ورجاله رجال الصحيح.
قال البخاري: ولبست عائشة الثياب المعصفرة وهي محرمة، وقالت: لا تلثم، ولا تتبرقع، ولا تلبس ثوبا بورس ولا زعفران.
وقال جابر: لا أرى المعصفر طيبا.
ولم تر عائشة بأسا بالحلي، والثوب الاسود، والمورد، والخف للمرأة وعند البخاري، وأحمد عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تنتقب المرأة المحرمة، ولا تلبس القفازين».
وفي هذا دليل على أن إحرام المرأة في وجهها وكفيها: قال العلماء: فإن سترت وجهها بشئ فلا باس.
ويجوز ستره عن الرجل بمظلة ونحوها، ويجب ستره إذا خيفت الفتنة من النظر.
قالت عائشة: كان الركبان يمرون بنا، ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرمات، فإذا حاذوا بنا سدلت إحدانا جلبانها على وجهها، فإذا جاوزوا بنا كشفناه رواه أبو داود، وابن ماجه.
وممن قال بجواز سدل الثوب: عطاء، ومالك، والثوري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق.
الرجل الذي لا يجد الازار ولا الرداء ولا النعلين: من لم يجد الازار والرداء، أو النعلين لبس ما وجده.
فعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب بعرفات وقال: «إذا لم يجد المسلم إزارا فليلبس السراويل، وإذا لم يجد النعلين فليلبس الخفين» رواه أحمد، والبخاري، ومسلم.
وفي رواية لأحمد، عن عمرو بن دينار: أن أبا الشعثاء أخبره عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم - وهو يخطب - يقول: «من لم يجد إزارا ووجد سراويل فليلبسها، ومن لم يجد نعلين ووجد خفين فليلبسهما».
قلت: ولم يقل ليقطعهما؟ قال: لا.
وإلى هذا ذهب أحمد فأجاز للمحرم لبس الخف والسراويل، للذي لا يجد النعلين والازار، على حالهما، استدلالا بحديث ابن عباس وأنه لا فدية عليه.
وذهب جمهور العلماء: إلى اشتراط قطع الخف دون الكعبين لمن لم يجد النعلين، لأن الخف يصير بالقطع كالنعلين.
لحديث ابن عمر المتقدم، وفيه «إلا ألا يجد نعلين فليقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين».
ويرى الأحناف شق السراويل وفتقها لمن لا يجد الازار، فإذا لبسها على حالها لزمته الفدية.
وقال مالك والشافعي: لا يفتق السراويل، ويلبسها على حالها، ولا فدية عليه، لما رواه جابر بن زيد عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا لم يجد إزارا فليلبس السراويل، وإذا لم يجد النعلين، فليلبس الخفين وليقطعهما أسفل من الكعبين» رواه النسائي بسند صحيح.
فإذا لبس السراويل، ووجد الازار لزمه خلعه.
فإذا لم يجد رداء لم يلبس القميص، لأنه يرتدي به ولا يمكنه أن يتزر بالسراويل.

.5- عقد النكاح لنفسه أو لغيره:
بولاية، أو وكالة ويقع العقد باطلا، لا تترتب عليه آثاره الشرعية.
لما رواه مسلم وغيره، عن عثمان بن عفان: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا ينكح المحرم، ولا ينكح، ولا يخطب» رواه الترمذي وليس فيه «ولا يخطب».
وقال: حديث حسن صحيح، والعمل على هذا عند بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وبه يقول مالك، والشافعي، وأحمد، وإسحق، ولا يرون أن يتزوج المحرم، وإن نكح فنكاحه باطل.
وما ورد من أن النبي صلى الله عليه وسلم: «تزوج ميمونة وهو محرم» فهو معارض بمارواه مسلم «أنه تزوجها وهو حلال».
قال الترمذي: اختلفوا في تزوج النبي صلى الله عليه وسلم ميمونة، لأنه صلى الله عليه وسلم تزوجها في طريق مكة، فقال بعضهم: تزوجها وهو حلال، وظهر أمر تزويجها وهو محرم، ثم بنى بها وهو حلال بسرف، في طريق مكة.
وذهب الأحناف إلى جواز عقد النكاح للمحرم، لأن الاحرام لا يمنع صلاحية المرأة للعقد عليها، وإنما يمنع الجماع، لاصحة العقد.

.6، 7- تقليم الاظفار وإزالة الشعر:
بالحلق، أو القص أو بأية طريقة، سواء أكان شعر الرأس أم غيره لقول الله تعالى: «ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله».
وأجمع العلماء: على حرمة قلم الظفر للمحرم، بلا عذر، فإن انكسر، فله إزالته من غير فدية.
ويجوز إزالة الشعر، إذا تأذى ببقائه، وفيه الفدية إلا في إزالة شعر العين إذا تأذى به المحرم فإنه لافدية فيه.
قال الله تعالى: «فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك».
وسيأتي بيان ذلك.

.8- التطيب في الثوب أو البدن:
سواء أكان رجلا أم امرأة: فعن ابن عمر رضي الله عنهما أن عمر وجد ريح طيب من معاوية، وهو محرم.
فقال له: ارجع فاغسله، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «الحاج الشعث التفل». رواه البزار بسند صحيح.
ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما الطيب الذي بك فاغسله عنك، ثلاث مرات».
وإذا مات المحرم لا يوضع الطيب في غسله ولافي كفنه لقوله صلى الله عليه وسلم - فيمن مات محرما -: «لا تخمروا رأسه، ولا تمسوه طيبا، فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا».
وما بقي من الطيب الذي وضعه في بدنه، أو ثوبه، قبل الاحرام، فإنه لا بأس به.
ويباح شم ما لا ينبت للطيب، كالتفاح والسفرجل، فإنه يشبه سائر النبات، في أنه لا يقصد للطيب ولا يتخذ منه.
وأما حكم ما يصيب المحرم من طيب الكعبة فقد روى سعيد بن منصور، عن صالح بن كيسان، قال: رأيت أنس بن مالك، وأصاب ثوبه - وهو محرم - من خلوق الكعبة، فلم يغسله.
وروى عن عطاء، قال: لا يغسله ولا شيء عليه.
وعند الشافعية من تعمد إصابة شيء من ذلك، أو أصابه، وأمكنه غسله، ولم يبادر إليه فقد أساء، وعليه الفدية.

.9- لبس الثوب مصبوغا بماله رائحة طيبة:
اتفق العلماء على حرمة لبس الثوب المصبوغ بما له رائحة طيبة، إلا أن يغسل، بحيث لا تظهر له رائحة.
فعن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تلبسوا ثوبا مسه ورس، أو زعفران، إلا أن يكون غسيلا» يعني في الاحرام، رواه ابن عبد البر، والطحاوي.
ويكره لبسه لمن كان قدوة لغيره، لئلا يكون وسيلة لأن يلبس العوام ما يحرم، وهو المطيب.
لما رواه مالك عن نافع: أنه سمع أسلم - مولى عمر بن الخطاب - يحدث عبد الله بن عمر: أن عمربن الخطاب رأى على طلحة بن عبيد الله ثوبا مصبوغا وهو محرم، فقال عمر: ماهذا الثوب المصبوغ يا طلحة؟ فقال طلحة: يا أمير المؤمنين إنما هو مدر.
فقال عمر: إنكم - أيها الرهط - أئمة يقتدي بكم الناس، فلو أن رجلا جاهلا رأى هذا الثوب لقال: إن طلحة بن عبيد الله كان يلبس الثياب المصبغة في الاحرام، فلا تلبسوا - أيها الرهط - شيئا من هذه الثياب المصبغة.
وأما وضع الطيب في مطبوغ، أو مشروب، بحيث لم يبق له طعم ولا لون ولاريح، إذا تناوله المحرم فلا فدية عليه.
وإن بقيت رائحته، وجبت الفدية بأكله عند الشافعية.
وقالت الأحناف: لافدية عليه، لأنه لم يقصد به الترفه بالطيب.

.10- التعرض للصيد:
يجوز للمحرم أن يصيد صيد البحر، وأن يتعرض له، وأن يشير إليه، وأن يأكل منه.
وأنه يحرم عليه التعرض لصيد البر بالقتل أو الذبح، أو الاشارة إليه، وإن كان مرئيا، أو الدلالة عليه، إن كان غير مرئي، أو تنفيره.
وأنه يحرم عليه إفساد بيض الحيوان البري، كما يحرم عليه بيعه وشراؤه وحلب لبنه.
الدليل على هذا قول الله تعالى: «أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما».
.11- الأكل من الصيد:
يحرم على المحرم الأكل من صيد البر الذي صيد من أجله أو صيد بإشارته إليه، أو بأعانته عليه.
لما رواه البخاري ومسلم عن عن أبي قتادة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج حاجا، فخرجوا معه، فصرف طائفة منهم - فيهم أبو قتادة - فقال: «خذوا ساحل البحر حتى نلتقي» فأخذوا ساحل البحر.
فلما انصرفوا، أحرموا كلهم إلا أبا قتادة لم يحرم، فبينما هم يسيرون، إذا رأوا حمر وحش، فحمل أبو قتادة على الحمر فعقر منها أتانا، فنزلوا فأكلوا من لحمها،
وقالوا: أنأكل لحم صيد، ونحن محرمون؟ فحملنا ما بقي من لحم الاتان فلما أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا، يارسول الله: إنا كنا أحرمنا وقد كان أبو قتادة لم يحرم فرأينا حمر وحش فحمل عليها أبو قتادة، فعقر منها أتانا فنزلنا، فأكلنا من لحمها ثم قلنا: أنأكل لحم صيد ونحن محرمون؟ فحملنا ما بقي من لحمها، قال: «أمنكم أحد أمره أن يحمل عليها، أو أشار إليها؟» قالوا: لا.
قال: «فكلوا ما بقي من لحمها».
ويجوز له أن يأكل من لحم الصيد الذي لم يصده هو، أو لم يصد من أجله، أو لم يشر إليه، أو يعين عليه.
لما رواه المطلب عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «صيد البر لكم حلال وأنتم حرم ما لم تصيدوه أو يصد لكم» رواه أحمد والترمذي وقال: حديث جابر مفسر، والمطلب لا نعرف له سماعا من جابر.
والعمل على هذا عند بعض أهل العلم، لا يرون بأكل الصيد للمحرم بأسا إذا لم يصده أو يصد من أجله.
قال الشافعي: هذا أحسن حديث روي في هذا الباب. وأقيس.
وهو قول أحمد وإسحق وبمقتضاه قال مالك أيضا والجمهور.
فإن صاده أو صيد له فهو حرام، سواء، صيد له بإذنه أم بغير إذنه.
أما إن صاده حلال لنفسه ولم يقصد المحرم، ثم أهدى من لحمه للمحرم، أو باعه، لم يحرم عليه.
وعن عبد الرحمن بن عثمان التيمي قال: خرجنا مع طلحة بن عبيد الله، ونحن حرم، فأهدي له طير، وطلحة راقد، فمنا من أكل، ومنا من تورع.
فلما استيقظ طلحة وفق من أكل، وقال: أكلناه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه أحمد ومسلم.
وما جاء من الأحاديث المانعة من أكل لحم الصيد كحديث الصعب بن جثامة الليثي أنه أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حمارا وحشيا - بالابواء أو بودان - فرده إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما في وجهه، قال: «إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم».
فهي محمولة على ما صاده الحلال من أجل المحرم، جمعا بين الأحاديث.
قال ابن عبد البر: وحجة من ذهب هذا المذهب، أنه عليه تصح الأحاديث في هذا الباب.
وإذا حملت على ذلك لم تضاد، ولم تختلف، ولم تتدافع.
وعلى هذا يجب تحمل السنن، ولا يعارض بعضها بعض ما وجد إلى استعمالها سبيل.
ورجح ابن القيم هذا المذهب وقال: آثار الصحابة كلها في هذا إنما تدل على هذا التفصيل.

.حكم من ارتكب محظورا من محظورات الاحرام:
من كان له عذر، واحتاج إلى ارتكاب محظور من محظورات الاحرام، غير الوطء، كحلق الشعر، ولبس المخيط اتقاء لحر، أو برد، ونحو ذلك، لزمه أن يذبح شاة، أو يطعم سنة مساكين، كل مسكين نصف صاع، أو يصوم ثلاثة أيام. وهو مخير بين هذه الأمور الثلاثة.
ولا يبطل الحج أو العمرة بارتكاب شيء من المحظورات سوى الجماع.
عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن كعب بن عجرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر به زمن الحديبية فقال: «قد آذاك هوام رأسك» قال: نعم.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «احلق، ثم اذبح شاة نسكا، أو صم ثلاثة أيام، أو أطعم ثلاثة آصع من تمر على ستة مساكين» رواه البخاري، ومسلم، وأبو داود.

وعنه في رواية أخرى، قال: أصابني هوام في رأسي، وأنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية حتى تخوفت على بصري، فأنزل الله سبحانه وتعالى: {فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك} فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي: «احلق رأسك، وصم ثلاثة أيام، أو أطعم ستة مساكين فرقا من زبيب أو انسك شاة، فحلقت رأسي ثم نسكت».
وقال الشافعي غير المعذور على المعذور في وجوب الفدية، وأوجب أبو حنيفة، الدم، على غير المعذور إن قدر عليه لا غير، كما تقدم.

.ما جاء في قص بعض الشعر:
عن عطاء قال: إذا نتف المحرم ثلاث شعرات فصاعدا، فعليه دم. رواه سعيد بن منصور.
وروى الشافعي عنه: أنه قال في الشعرة مد، وفي الشعرتين مدان. وفي الثلاثة فصاعدا دم.

.حكم الادهان:
قال في المسوى: أن الادهان إذا كانت بزيت خالص، أو خل خالص، يجب الدم عند أبي حنيفة في أي عضو كان.
وعند الشافعية: في دهن شعر الرأس واللحية بدهن غير مطيب، الفدية، ولا فدية في استعماله في سائر البدن.
لا حرج على من لبس، أو تطيب ناسيا، أو جاهلا: إذا لبس المحرم أو تطيب - جاهلا بالتحريم، أو ناسيا الاحرام - لم تلزمه الفدية.
فعن يعلى بن أمية قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل بالجعرانة، وعليه جبة، وهو مصفر لحيته ورأسه فقال: يارسول الله، أحرمت بعمرة، وأنا كما ترى فقال: «غسل عنك الصفرة، وانزع عنك الجبة، وما كنت صانعا في حجك فاصنع في عمرتك» رواه الجماعة إلا ابن ماجه.
وقال عطاء: إذا تطيب، أو لبس - جاهلا أو ناسيا - فلا كفارة عليه رواه البخاري.
وهذا بخلاف ما إذا قتل صيدا - ناسيا أو جاهلا بالتحريم - فإنه يجب عليه الجزاء، لأن ضمانه ضمان المال.
وضمان المال يستوي فيه العلم والجهل، السهو والعمد، مثل ضمان مال الادميين.
بطلان الحج بالجماع أفتى علي، وعمر، وأبو هريرة رضي الله عنهم رجلا أصاب أهله وهو محرم بالحج، فقالوا: ينفذان لوجههما، حتى يقضيا حجمها، ثم عليهما حج قابل، والهدي.
وقال أبو العباس الطبري -: إذا جامع المحرم قبل التحلل الأول فسد حجه، سواء أكان ذلك قبل الوقوف بعرفة أو بعده.
ويجب عليه أن يمضي في فاسده، ويجب عليه بدنة، والقضاء من قابل.
فإن كانت المرأة محرمة مطاوعة فعليها المضي في الحج والقضاء من قابل.
وكذا الهدي عند أكثر أهل العلم.
وذهب بعضهم إلى أن الواجب عليهما هدي واحد، وهو قول عطاء.
قال البغوي في شرح السنة: وهو أشهر قولي الشافعي، ويكون على الرجل كما قال في كفارة الجماع، في نهار رمضان.
وإذا خرجا في القضاء تفرقا حيث وقع الجماع حذرا من مثل وقوع الأول.
وإذا عجز عن البدنة وجب عليه بقرة، فإن عجز فسبع من الغنم، فإن عجز قوم البدنة بالدراهم، والدراهم طعاما، وتصدق به، لكل مسكين مد، فإن لم يستطع صام عن كل مد يوما.
وقال أصحاب الرأي: إن جامع قبل الوقوف فسد حجه، وعليه شاة، أو سبع بدنة، وإن جامع بعده لم يفسد حجه، وعليه بدنة.
والقارن إذا أفسد حجه، يجب عليه ما يجب على المفرد، ويقضي - قارنا - ولا يسقط عنه هدي القران.
قال: والجماع الواقع بعد التحلل الأول لا يفسد الحج.
ولا قضاء عليه، عند أكثر أهل العلم.
وذهب بعضهم إلى وجوب القضاء، وهو قول ابن عمر، وقول الحسن، وإبراهيم، ويجب به الفدية.
وتلك الفدية بدنة أو شاة؟ اختلف فيه.
فذهب ابن عباس وعطاء إلى وجوب البدنة وهو قول عكرمة، وأحد قولي الشافعي.
والقول الاخر: يجب عليه شاة.
وهو مذهب مالك.
وإذا احتلم المحرم، أو فكر، أو نظر فأنزل: فلا شيء عليه عند الشافعية.
وقالوا: فيمن لمس بشهوة أو قبل: يلزمه شاة، سواء أنزل، أم لم ينزل.
وعند ابن عباس رضي الله عنهما: أن عليه دما.
قال مجاهد: جاء رجل إلى ابن عباس فقال: إني أحرمت، فأتتني فلانة في زينتها، فما ملكت نفسي أن سبقتني شهوتي؟ فضحك ابن عباس حتى استلقى، وقال: إنك لشبق، لا بأس عليك...أهرق دما، وقد تم حجك رواه سعيد بن منصور
.جزاء قتل الصيد:
قال الله تعالى: {يأيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما ليذوق وبال أمره عفا الله عما سلف ومن عاد فينتقم الله منه والله عزيز ذو انتقام}.
قال ابن كثير: الذي عليه الجمهور: أن العامد والناسي سواء في وجوب الجزاء عليه.
وقال الزهري: دل الكتاب على العامد، وجرت السنة على الناسي.
ومعنى هذا: أن القرآن دل على وجوب الجزاء على المتعمد وعلى تأثيمه، بقوله تعالى: {ليذوق وبال أمره} الآية.
وجاءت السنة من أحكام النبي صلى الله عليه وسلم وأحكام أصحابه بوجوب الجزاء في الخطأ، كما دل الكتاب عليه في العمد وأيضا، فإن قتل الصيد إتلاف، والاتلاف مضمون في العمد وفي النسيان.
لكن المتعمد مأثوم، والمخطئ غير ماوم.
وقال في المسوى: {فجزاء مثل ما قتل من النعم}.
معناه - على قول أبي حنيفة - يجب على من قتل الصيد جزاء هو مثل ما قتل أي مماثله في القيمة بحكم - بكونه مماثلا في القيمة، ذوا عدل: إما كائن من النعم، حال كونه هديا بالغ الكعبة، وإما كفارة طعام مساكين.
ومعناه - على قول الشافعي - يجب على من قتل الصيد جزاء.
إما ذلك الجزاء مثل ما قتل في الصورة والشكل، يكون هذا المماثل من جنس النعم يحتم بمثليته ذوا عدل، يكون جزاء حال كونه هديا.
وإما ذلك الجزاء كفارة، وإما عدل ذلك صياما.

.حكومة عمر وما قضى به السلف:
عن عبد الملك بن قرير عن محمد بن سيرين: أن رجلا جاء إلى عمر ابن الخطاب رضي الله عنه قال: إني أجريت أنا وصاحب لي فرسين إلى ثغرة ثنية فأصبنا ظبيا ونحن محرمان فما ترى؟ فقال عمر لرجل إلى جنبه: تعال حتى أحكم أنا وأنت.
قال: فحكما عليه بعنز، فولى الرجل وهو يقول: هذا أمير المؤمنين لا يستطيع أن يحكم في ظبي، حتى دعا رجلا يحكم معه، فسمع عمر قول الرجل، فدعاه فسأله: هل تقرأ سورة المائدة؟.
قال: لا، قال، فهل تعرف هذا الرجل الذي حكم معي؟، قال: لا.
فقال عمر: لو أخبرتني أنك تقرأ سورة المائدة لاوجعتك ضربا.
ثم قال: إن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه: {يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة}.
وهذا عبد الرحمن بن عوف.
وقد قضى السلف في النعامة ببدنة، وفي حمار الوحش، وبقر الوحش، والايل والاروى في كل واحد من ذلك ببقرة، وفي الوبر والحمامة والقمري والحجل والدبسي في كل واحدة من هذه بشاة.
وفي الضبع بكبش، وفي الغزال بعنز، وفي الارنب بعناق وفي الثعلب بجدي، وفي اليربوع بجفرة.
العمل عند عدم الجزاء روى سعيد بن منصور عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: {فجزاء مثل ما قتل من النعم} قال: إذا أصاب المحرم صيدا حكم عليه بجزائه.
فإن كان عنده جزاء ذبحه وتصدق بلحمه.
وإن لم يكن عنده جزاؤه قوم جزاؤه دراهم ثم قومت الدراهم طعاما، فصام عن كل نصف صاع يوما.
فإذا قتل المحرم شيئا من الصيد، حكم عليه فيه.
فإن قتل ظبيا أو نحوه، فعليه شاة، تذبح بمكة، فإن لم يجد فإطعام ستة مساكين، فإن لم يجد، فصيام ثلاثة أيام.
فإن قتل أيلا أو نحوه، فعليه بقرة، فإن لم يجد، أطعم عشرين مسكينا، فإن لم يجد، صام عشرين يوما.
وإن قتل نعامة أو حمار وحش، أو نحوه، فعليه بدنة من الإبل.
فإن لم يجد، أطعم ثلاثين مسكينا، فإن لم يجد صام ثلاثين يوما رواه ابن أبي حاتم، وابن جرير.
وزادوا: الطعام مد...مد يشبعهم.

.كيفية الإطعام والصيام:
قال مالك: أحسن ما سمعت - في الذي يقتل الصيد، فيحكم عليه فيه - أن يقوم الصيد الذي أصاب، فينظر: كم ثمنه من الطعام؟ فيطعم كل مسكين مدا، أو يصوم مكان كل مد يوما وينظر: كم عدة المساكين؟ فإن كانوا عشرة، صام عشرة أيام، وإن كانوا عشرين مسكينا، صام عشرين يوما، عددهم ما كانوا.
وإن كانوا أكثر من ستين مسكينا.

.الإشتراك في قتل الصيد:
إذا اشترك جماعة في قتل صيد عامدين لذلك جميعا، فليس عليهم إلا جزاء واحد.
لقول الله تعالى: {فجزاء مثل ما قتل من النعم}.
وسئل ابن عمر رضي الله عنهما عن جماعة قتلوا ضبعا، وهم محرمون؟

فقال: اذبحوا كبشا فقالوا عن كل إنسان منا؟ فقال: بل كبشا واحدا عن جميعكم
.صيد الحرم وقطع شجره:
يحرم على المحرم والحلال صيد الحرم، وتنفيره وقطع شجره الذي لم يستنبته الادميون في العادة، وقطع الرطب من النبات، حتى الشوك إلا إلاذخر والسنا، فإنه يباح التعرض لهما بالقطع، والقلع، والاتلاف ونحو ذلك.
لما رواه البخاري، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - يوم فتح مكة - «إن هذا البلد حرام، لا يعضد شوكه، ولا يختلى خلاه ولا ينفر صيده، ولا تلتقط لقطته إلا لمعرف» فقال العباس: إلا الاذخر، فإنه لا بد لهم منه، فإنه للقيون والبيوت! فقال: «إلا الاذخر».
قال الشوكاني: قال القرطبي: خص الفقهاء الشجر المنهي عنه بما ينبته الله تعالى، من غير صنيع آدمي.
فأما ما ينبت بمعالجة آدمي فاختلف فيه: فالجمهور على الجواز.
وقال الشافعي: في الجميع الجزاء، ورجحه ابن قدامة.
واختلفوا في جزاء ما قطع من النوع الأول.
فقال مالك: لا جزاء فيه، بل يأثم.
وقال عطاء: يستغفر.
وقال أبو حنيفة: يؤخذ بقيمته هدي.
وقال الشافعي: في العظيمة بقرة، وفيما دونها شاة.
واستثنى العلماء الانتفاع بما انكسر من الاغصان.
وانقطع من الشجر من غير صنيع الادمي، وبما يسقط من الورق.
قال ابن قدامة: وأجمعوا على إباحة أخذ ما استنبته الناس في الحرم، من بقل، وزرع، ومشموم، وأنه لا بأس برعيه واختلائه.
وفى الروضة الندية: ولا يجب على الحلال في صيد حرم مكة ولا شجره شئ، إلا مجرد الاثم.
وأما من كان محرما فعليه الجزاء الذي ذكره الله عزوجل، إذا قتل صيدا.
وليس عليه شيء في شجر مكة، لعدم ورود دليل تقوم به الحجة.
وما يروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «في الدوحة الكبيرة إذا قطعت من أصلها بقرة» لم يصح.
وما روي عن بعض السلف لا حجة فيه.
ثم قال: والحاصل أنه لا ملازمة بين النهي عن قتل الصيد، وقطع الشجر، وبين وجوب الجزاء، أو القيمة.
بل النهي يفيد بحقيقته التحريم.
والجزاء والقيمة، لا يجبان إلا بدليل.
ولم يرد دليل إلا قول الله تعالى، {لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم} الآية.
وليس فيها إلا ذكر الجزاء فقط، فلا يجب غيره.

حدود الحرم المكي:
للحرم المكي حدود تحيط بمكة، وقد نصبت عليها أعلام في جهات خمس.
وهذه الاعلام أحجار مرتفعة قدر متر، منصوبة على جانبي كل طريق.
فحده - من جهة الشمال التنعيم وبينه وبين مكة 6 كيلو مترات.
وحده من جهة الجنوب أضاه بينها وبين مكة 12 كيلومترا.
وحده من جهة الشرق الجعرانة بينها وبين مكة 16 كيلو مترا.
وحده من جهة الشمال الشرقي وادي نخلة بينه وبين مكة 14 كيلو مترا.
وحده من جهة الغرب الشميسي بينها وبين مكة 15 كيلو مترا.
قال محب الدين الطبري: عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال: نصب إبراهيم أنصاب الحرم يريه جبريل عليه السلام.
ثم لم تحرك حتى كان قصي، فجددها.
ثم لم تحرك حتى كان النبي صلى الله عليه وسلم.
فبعث عام الفتح تميم بن أسيد الخزاعي فجددها.
ثم لم تحرك حتى كان عمر، فبعث أربعة من قريش.
محرمة بن نوفل، وسعيد بن يربوع، وحويطب بن عبد العزى، وأزهر ابن عبد عوف فجد دوها ثم جددها معاوية ثم أمر عبد الملك بتجديدها.

حرمة المدينة:
وكما يحرم صيد حرم مكة وشجره، كذلك يحرم صيد حرم المدينة وشجره.
فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن إبراهيم حرم مكة، وإني حرمت المدينة، ما بين لابتيها، لا يقطع عضاهها ولا يصاد صيدها» رواه مسلم.
وروى أحمد، وأبو داود، عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة: «لا يختلى خلاها ولا ينفر صيدها، ولا تلتقط لقطتها، إلا لمن أشاد بها، ولا يصلح لرجل أن يحمل فيها السلاح لقتال، ولا يصلح أن تقطع فيها شجرة، إلا أن يعلف رجل بعيره».
وفي الحديث المتفق عليه: «المدينة حرم، ما بين عير إلى ثور».
وفيه عن أبي هريرة: حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين لابتي المدينة، وجعل اثني عشر ميلا حول المدينة حمى واللابتان مثنى لابة واللابة الحرة، وهي الحجارة السود.
والمدينة تقع بين اللابتين: الشرقية، والغربية.
وقدر الحرم باثني عشر ميلا، يمتد من عير إلى ثور وعير جبل عند الميقات، وثور جبل عند أحد، من جهة الشمال.
ورخص رسول الله صلى الله عليه وسلم لاهل المدينة قطع الشجر لاتخاذه آلة للحرث، والركوب، ونحو ذلك مما لا غنى لهم عنه، وأن يقطعوا من الحشيش ما يحتاجون إليه لعلف دوابهم.
روى أحمد، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «حرام ما بين حرتيها، وحماها كلها، لا يقطع شجرة إلا أن يعلف منها».
وهذا بخلاف حرم مكة، إذ يجد أهله ما يكفيهم.
وحرم المدينة لا يجد أهله ما يستغنون به عنه.
وليس في قتل صيد الحرم المدني، ولا قطع شجره جزاء، وفيه الاثم.
روى البخاري عن أنس رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «المدينة حرم، من كذا إلى كذا، لا يقطع شجرها، ولا يحدث فيها حدث، من أحدث فيها حدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين».
ومن وجد شيئا في شجره مقطوعا حل له أن يأخذه.
فعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: أنه ركب إلى قصره بالعقيق، فوجد عبدا يقطع شجرا أو يخبطه، فسلبه.
فلما رجع سعد جاءه أهل العبد فكلموه أن يرد على غلامهم ما أخذ منه.
فقال: معاذ الله، أن أرد شيئا نفلنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبى أن يرد عليهم رواه مسلم.
وروى أبو داود، والحاكم، وصححه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من رأيتموه يصيد فيه شيئا فلكم سلبه».
هل فيه حرم آخر؟ قال ابن تيمية: وليس في الدنيا حرم، لا بيت المقدس، ولا غيره، إلا هذان الحرمان، ولا يسمى غيرهما حرما كما يسمي الجهال فيقولون: حرم المقدس، وحرم الخليل، فإن هذين وغيرهما، ليسا بحرم، باتفاق المسلمين.
والحرم المجمع عليه: حرم مكة.
وأما المدينة فلها حرم أيضا عند الجمهور كما استفاضت بذلك الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ولم يتنازع المسلمون في حرم ثالث، إلا وجاء، وهو واد بالطائف.
وهو عند بعضهم حرم، وعند الجمهور ليس بحرم.
تفضيل مكة على المدينة ذهب جمهور العلماء: إلى أن مكة أفضل من المدينة.
لما رواه أحمد، وابن ماجه والترمذي، وصححه، عن عبد الله بن عدي ابن الحمراء، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أني أخرجت منك ما خرجت».
وروى الترمذي، وصححه عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمكة: «ما أطيبك من بلد، وأحبك إلي، ولولا أن قومي أخرجوني منك ما سكنت غيرك».
دخول مكة بغير احرام يجوز دخول مكة بغير إحرام، لمن لم يرد حجا ولا عمرة، سواء أكان دخوله لحاجة تتكرر - كالحطاب والحشاش والسقاء والصياد وغيرهم - أم لم تتكرر، كالتاجر والزائر، وغيرهما، وسواء أكان آمنا أم خائفا.
وهذا أصح القولين للشافعي، وبه يفتي أصحابه.
وفي حديث مسلم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة وعليه عمامة سوداء، بغير إحرام.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أنه رجع من بعض الطريق فدخل مكة غير محرم.
وعن ابن شهاب قال: لا بأس بدخول مكة بغير إحرام.
وقال ابن حزم: دخول مكة بلا إحرام جائز.
لان النبي صلى الله عليه وسلم إنما جعل المواقيت لمن مر بهن، يريد حجا أو عمرة.
ولم يجعلها لمن لم يرد حجا ولا عمرة.
فلم يأمر الله تعالى قط، ولا رسوله عليه الصلاة والسلام، بأن لا يدخل مكة إلا بإحرام.
فهذا إلزام ما لم يأت في الشرع إلزامه
ما يستحب لدخول مكة والبيت الحرام:
يستحب لدخول مكة ما يأتي:
1- الاغتسال:
فعن ابن عمر رضى الله عنهما أنه كان يغتسل لدخول مكة.
2- المبيت بذي طوى في جهة الزاهر.
فقد بات رسول الله صلى الله عليه وسلم بها.
قال نافع: وكان ابن عمر يفعله، رواه البخاري، ومسلم.
3- أن يدخلها من الثنية العليا ثنية كداء.
فقد دخلها النبي صلى الله عليه وسلم من جهة المعلاة.
فمن تيسر له ذلك فعله، وإلا فعل ما يلائم حالته، ولا شيء عليه.
4- أن يبادر إلى البيت بعد أن يدع أمتعته في مكان أمين، ويدخل من باب بني شيبة - باب السلام - ويقول في خشوع وضراعة: «أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم، بسم الله، اللهم صل على محمد وآله وسلم، اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك».
5- إذا وقع نظره على البيت، رفع يديه وقال: «اللهم زد هذا البيت تشريفا، وتعظيما، وتكريما، ومهابة، وزد من شرفه وكرمه ممن حجه، أو اعتمره، تشريفا وتكريما وتعظيما، وبرا». «اللهم أنت السلام، ومنك السلام، فحينا ربنا بالسلام».
6- ثم يقصد إلى الحجر الاسود، فيقبله بدون صوت. فإن لم يتمكن استلمه بيده وقبله. فإن عجز عن ذلك، أشار إليه بيده.
7- ثم يقف بحذائه ويشرع في الطواف.
8- ولا يصلي تحية المسجد، فإن تحيته الطواف به، إلا إذا كانت الصلاة المكتوبة مقامة، فيصليها مع الإمام. لقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة». وكذلك إذا خاف فوات الوقت، يبدأ به فيصليه.