الأحد، 25 مارس 2012

موسوعة العقيدة - أسماء الله الحسنى : الجامع

الجامع

 مع الدرس السابع والستين من أسماء الله الحُسنى، والاسم هو الجامع.. فقد ورد هذا الاسم في الأحاديث الصحيحة التي ذكر فيها الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم أسماء الله الحُسنى.
 أما معنى هذا الاسم في اللغة.. فالجمع هو الضَّم، جمعتُ يديَّ أي ضممتهما، تجميع أجزاء الشيء بعضها إلى بعض هو الجمع، ويوم الجمع هو يومِ القيامة، كلُّ الخلائق يجمعها الله عزَّ وجلَّ للحساب، فالله سبحانه وتعالى في هذا اليوم يجمع الأوَّلين والآخرين، ويجمع الإنس والجن، ويجمع أهل السماء وأهل الأرض، ويوم الجمع أيضا يجمع الله سبحانه وتعالى العبد وعمله.
 قد تلتقي بإنسان في مكانٍ ما يقول لك: أنا اسمي فلان وأحمل الشهادة الفلانيَّة، ولي المؤلَّف الفلاني، فلو طلبت إضبارته في دائرته لوجدت هناك عقوبات وأعمالاً لا تُرضي، فأنت لم تكتشف حقيقته، أما إذا جُمع مع أعماله كان التقييم صحيحاً.
 أعود وأقول يوم الجمع يوم القيامة، يجمع الله فيه بين الأولين والآخرين، بين الإنس والجن، بين أهل السماء وأهل الأرض، يجمع بين العبد وعمله فقد قال تعالى:
﴿اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً (14)﴾
(سورة الإسراء)
 الإنسان أحياناً يُفتضح في مكان فينتقل إلى بلدة أخرى، وفي هذه البلدة لا أحد يعرفه، أما إذا انتقلت المعلومات عنه إلى تلك البلدة فقد جُمع مع عمله، شيءُ مخيف أن يُجمع الإنسان مع عمله، أن يكون عمله كلُّه مسطوراً في كتاب، وأنَّ هذا الكتاب يرافقه إلى أيُّ مكانٍ انتقل إليه.
 وسُمي يوم الجمع لأنَّ الله سبحانه وتعالى يجمع بين الظالم والمظلوم، بين القوي والضعيف، بين المعطي والآخذ، بين المتكبِّر والمتواضع، بين القوي الظالم والمستضعف المظلوم، يجمع بينهم ليقتصَّ لله للضعيف من القوي، للمظلوم من الظالم، للمستضعف من المستكبر، ويجمع الله سبحانه وتعالى في هذا اليوم بين كلِّ نبيٍ وأمَّته، كلُّ نبيٍ يأتي مع أُمَّته ليكون شهيداً عليهم فقد قال تعالى:
﴿مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117)﴾
(سورة المائدة)
 ويجمع الله عزَّ وجلَّ في هذا اليوم بين ثواب أهل طاعته، وعقاب أهل معصيته، وسمّى الله سبحانه وتعالى يوم القيامة يوم الجمع، لأنه يجمع فيه كلَّ هذه الخلائق من أوَّلها إلى آخرها، يجمع الإنس والجن، يجمع أهل السماء وأهل الأرض، يجمع كلَّ عبدٍ مع عمله، يجمع بين الظالم والمظلوم، والمستكبر والمستضعف، والقوي والضعيف، ويجمع كلَّ نبيٍ مع أمَّته، ويجمع بين ثواب أهل الطاعة وعقاب أهل المعصية، ذلك يوم الجمع.. فمن هذا الاسم يشتقُّ إسم الجامع.. فمن الذي جمع هؤلاء ؟
 فأحياناً تقف عقبة في سبيل إحقاق الحق، ذلك أنَّ الطرف الآخر لم يُبلَّغ لعدم وجود عنوان معروف للتبليغ عليه، فماذا يفعل المظلوم ؟ أقام دعوة، فكيف يحضر الطرف الآخر ويأتي به إلى ساحة القضاء وهو ليس له عنوان وإبلاغه مستحيل ؟ لكن الله سبحانه وتعالى ولله المثل الأعلى يجمع، يجمع القوي مع الضعيف، والظالم مع المظلوم، والمستكبر مع المستضعف، هذا معنى.. لأنَّ يوم القيامة هو يوم الجمع فالله سبحانه وتعالى جامعٌ أي يجمع كلَّ هذه الخلائق ليحاسبها.
 والله سبحانه وتعالى جامعٌ بمعنىً آخر.. هو جمع الكمالات كلَّها، ذاتاً، وصفاتٍ، وأفعالاً، وكما تعلم أيُّها القارىء الكريم أنَّ كلَّ إنسانٍ يتفوَّق في جانبٍ من جوانب الكمال، أما أن يجمع الكمالات كلَّها هذا مستحيل، أما أن يجمع الإختصاصات كلَّها أشدُّ إستحالةً، أما أن يجمع الحِرف كلَّها فمستحيل كذلك أما أن يجمع الخبرات كلَّها مستحيل.
 فالحقُّ الإنسان له حرفةٌ واحدة، واختصاصٌ واحد، وتفوُّق واحد، واهتمام واحد، ونشاط واحد، أما أن يجمع كلَّ الكمالات، يجمع كلَّ الاختصاصات فلا، فعندما يتقن الإنسان عملين يُدهشنا.. نقول: ما شاء الله هذا له اختصاص علمي وحرفة يدويَّة، أو تجارة وتدريس، يذهلنا أن يجمع الإنسان بين شيئين.
 لكنَّ الله سبحانه جلَّ في عُلاه جمع الكمالات كلَّها، أجل جمع كل ذلك أسماؤه كلُّها حُسنى.. فالإنسان لا يستطيع إلا أن يتفوَّق في جانب، إلا أنَّ النبيّ صلّى الله عليه وسلَّم جمع الكمالات كلِّها، جمع الكمالات البشريَّة كلَّها، وكل صحابي من صحابته حاز على بعضها، فهذا تفوَّق في شجاعته، وهذا في حلمه، وهذا في جوده، وهذا في عفوه، وهذا في عبادته، وهذا في قيادته، لكنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم كان بطلاً في كلِّ الاختصاصات، فلذلك مدح فقيل فيه:
وأجمل منك لم تر قطُّ عيني  وأكمل منك لم تلِدُ النساءُ
خُلقتَ مبرأً من كلِّ عيبٍ...  كأنَّك قد خُلقت كما تشاءُ
***
 كان عليه الصلاة والسلام في أعلى درجات الأدب، في أعلى درجات الحلم، في أعلى درجات الرحمة... ما رؤي ماداً رجليه قط حتى ولا بين أصحابه، في أعلى درجات الوقار، في أعلى درجات الهيبة، في أعلى درجات العلم.
 يا أيُّها الأُميُّ حسبك رتبةً في العلم أن دانت لك العُلماءُ... فالنبيُّ جمع هذه الكمالات البشريَّة كلها، والله سبحانه وتعالى جمع الكمالات كلَّها في ذاته وفي صفاته، وفي أفعاله.
 الإمام الغزالي رحمه الله تعالى له في اسم الجامع وقفةٌ متأنِّية يقول: " هو المؤلِّف بين المتماثلات والمتباينات والمتضادات ".
 وكمثالٍ في حياتنا الواقعيَّة أن يجمع إنسان مائة ألف من الناس دفعة واحدة فهذا مستحيل فقد يجمع خمسة آلاف، ثلاثة آلاف، فجمع الناس يحتاج إلى طاقات كبيرة جداً، يحتاج إلى ملكات قياديَّة، يحتاج إلى تفوُّق مذهل، من أجل أن تجمع الناس إليك الإمام الغزالي رحمه الله تعالى يقول: الجامع في حقِّ الله تعالى هو الذي جمع بين المتماثلات وبين المتباينات وبين المتضادات.
 كم إنسان في هذه الأرض ؟ ستة آلاف مليون كلُّهم من بِنيةٍ واحدة، والدليل أنَّ الدواء الذي يُصنع في كندا يستعمل في أستراليا، وأنَّ المسكِّن الذي صنع في فرنسا يؤثِّر في اليابان، وأنَّ الدواء المضاد للإلتهاب إذا صنع في اليابان يؤثِّر في البرازيل، فمعنى ذلك أنَّ بنية الخلق واحدة، جمع بين المتماثلات، إلا أنَّه من وسعة الله عزَّ وجلَّ أنَّ كلَّ إنسانٍ نسيج وحده، فالإنسان لكرامته على الله عزَّ وجلَّ جعله فرداً فهو فردٌ في شكله، فردٌ في قِوامه، فردٌ في ملامحه، فردٌ في لونه، فردٌ في قُزحيَّة عينه، فردٌ في تركيب دمه، فردٌ في بصمته، فردٌ في رائحة جلده، فردٌ في نبرة صوته، فالله عزَّ وجلَّ جامع وواسع، جمع المتماثلات وواسعٌ جعل كلَّ إنسانٌ نسيج وحده وله طابعٌ خاص لا يشركه فيه أحد.
 أما المتباينات.. جمع بين السماء والأرض، والطول والعرض، وجمع الماء.. البحر واليابسة.. فعند الساحل تجد هذا هو البحر وهذه هي اليابسة، يجمع بين المتباينات.. ماءٌ ويابسة، بحرٌ ونهرٌ، جبلٌ وسهلٌ، سهلٌ وغورٌ، ساحلٌ وداخل.. فالأشكال متباينة، والطعوم متباينة، فكم لوناً موجوداً في الكون ؟ لو نظرت إلى باقة من الورد فكم لونًا فيها ؟ قرأت قبل ايَّام أنَّ في البحر وحده مليون نوع من الأسماك أي ألف ألف نوع من السمك، هذا جمع بين المتباينات.
 فتجد سمكة شفافة صغيرة من أسماك الزينة، وسمكة سوداء، وأخرى عملاقة طولها ثلاثون متراً وتزن مائة وخمسين طناً وهو الحوت الأزرق ويعيش في المحيط الجنوبي، ويستخرج منه تسعون برميلاً من زيت الحوت، وخمسين طناً من الدهون، وخمسون طناً من اللحم، ويزن لسانه أربعمائة وخمسون كيلو غراماً مثلاً،.. وإذا أرضع وليده فالرضعة الواحدة تبلغ ثلاثمائة كيلو غرام، وإذا أراد ان يأكل فيلتهم في الوجبة المعتدلة والمقننة أربعة أطنان، فبداخل الحوت بحر وتعوم فيه سمكةً سوداء طولها سنتيمتر واحد تزيينيَّة.
 وهناك سمكةٌ كأنَّها باقة من الورد، وهناك سمك يمشي على أربع أرجل في أعماق المحيطات وقاعها، وهناك سمكٌ يدافع عن نفسه بشرارة صاعقة كهربائيَّة تبلغ ستة آلاف فولط، وهناك سمك يهرب من عدوِّه عن طريق سحابة سوداء كأنَّه حبراً وهذا الذي يستخرج منه حبر المطابع، وهناك سمك له ضوء يهتدي به أثناء سيره في أعماق المحيطات ويجذب إليه فريسته ليأكلها، فإذا قرأ الإنسان موسوعةٌ عن البحار يرى العجب العجاب، وهناك سمكةٌ من نوع الأفعى طولها سبعة وعشرون متراً، وهناك خنزير البحر، وقنفذ البحر، والدلفين وهو من أذكى الحيوانات وهو صديق الإنسان، فسبحانه وتعالى جعله في السواحل ومهمته أن يُنقذ الغرقى، وأن يدُلَّ ربابنة السفن، فهو كالقائد، وهو أليفٌ للإنسان بدرجة غير معقولة وصديقٌ له، فإذا كان رأى غريقاً أنقذه، أو تائهاً أرشده وهو مشهور.
 فكم نوعاً من الأسماك ؟ وكم نوعاً من الطيور ؟ وكم نوعاً من الأزهار ؟ كم نوعاً من الأبصال ؟ كم نباتًا ؟ الجواب أنّه كثير كثير.. فقد جمع الله بين المتماثلات كالإنسان، فهو متماثل في بُنيته مختلف في طباعه، والمتباينات كذلك.. فتخيَّل كم شكلٍ لورقة النبات.. فهناك ورقة مثل الإبرة وورق دائري، وورق مثلَّث الشكل، وورق مستطيل، وورق له طرف مسنن، وورق له طرف مستقيم، وورق له ثنيِّات كورق بعض نخيل الزينة، فلو حاولت أن تستقصي أشكال أوراق النباتات فلن تنتهي منها، فورق صغير، ونبات دائم الخضرة، ونبات متساقط الأوراق، ونبات جذري، ونبات ساقي، ونبات أساسه الورق، شيء لا يُعدُّ ولا يُحصى، فإذا دخلنا في شرح نبات واحد كالقمح مثلاً فكم نوعاً له ؟ ثلاثة آلاف وخمسمائة نوع.. والعنب له ثلاثمائة وثلاثون نوعًا.. فليس هناك فاكهة أو محصول زراعي إلا ينقسم إلى مئات بل بضع مئات من الأنواع.
 وبعد،... فاسم الجامع أنَّه جمع بين المتباينات، وجمع بين المتماثلات، وجمع بين النتضادَّات، فأحياناً هناك شيءٌ مضادٌ للشيء الآخر.. كالحرارة والبرودة، ظلامٌ دامس ثم بعد حين شمسٌ مشرقة.. يا رب أين الليل إذا جاء النهار؟! ففي العصر شمس جميلةٌ جداً وهي شمس الأصيل، وفجأةً غابت وأصبح الظلام دامساً، وأين النهار إذا جاء الليل ؟ ويقال: درجة الحرارة أربعون درجة مئويَّة، وفجأة تأتي موجة من البرودة فتلطّف الجوّ كثيرًا، موجة من الحرّ فيتخفف الناس من ثيابهم وفجأة تعقبها موجة من البرد.. فحرٌ وبرد، ورطوبة ويبوسة، هذه كلُّها متضادَّات يجمع بينها.
 فهو سبحانه يجمع بين المتضادَّات، وبين المتباينات، وبين المتماثلات.
 شيء آخر.. الجمع مع الوساطة.. فمثلاً الحجر، وهو أساسي في حياتنا، فبناؤنا من الحجر، والحديد هذا أساسي كذلك في حياتنا، فكيف تستطيع أن تجمع بين الحديد والحجر ؟ لو أردت أن تُثبت سور حديديًا على جدار حجري فكيف ذلك ؟ خلق الله لك معدناً للجمع بينهما وهو معدن الرصاص، فتجد الرصاص ينصهر ببساطة عند الدرجة مائة مئويَّة ويصبح سائلاً، فإذا حفرنا حفرةً في الجدار الحجري كشكل ثمرة الكمِّثرى - الإجاصة - وسكب فيها الرصاص الذي من خصائصه التمدُّد بعد البرودة، فإذا تمدد ليس في الأرض جهةٌ تستطيع قلع هذا القضيب الحديدي من الحجر إلا بقطعه بالمنشار. فكيف جمع بين الحجر وبين الحديد ؟ عن طريق معدن الرصاص.
 وقد تجد متضادَّات جمعت بعضها مع بعض من خلال أجسام ثالثة وسيطة.
 هناك شيء آخر بالاسم الجامع... فأحياناً سبحانه وتعالى يجمع ولكن مع الجمع هناك تنسيق.. فليس من السهولة أن تكون مديراً لمؤسسة ويعمل لديك مائتان من الموظَّفين وكلُّهم في مكان واحد، وكل إنسان يعمل في عمله دون أن يتضارب عمل مع عمل آخر، أو أن يتناقض عمل مع عمل، أو يزدوج عمل مع عمل، الجمع مع التنسيق.
 فكذلك الحيوانات والحشرات.. فالنحل يتحرَّك نحو حقول الأزهار، فكيف يتحرَّك ؟ تجد النحلات المستطلعات تتعرَّف باديء ذي بدء إلى موقع الحقول وتعود وترقص، وطريقة رقص هذه النحلات يُحدِّد بعد الحقل عن خليَّة النحل، وتواتر الرقصة يُحدِّد غزارة المحصول، وجهة الرقصة يحدِّد جهة المحصول، فهذه النحلات تنظر إلى الراقصات فتعرف جهة الحقل، وبُعد الحقل، وغزارة الحقل، فتنطلق.. النحلة وتقع على الزهرة وتمتصُّ رحيقها، وبينما هي تمتصُّ رحيقها تُلقِّحها، فالنحل له وظيفة التلقيح أيضًا ولعلَّها من أخطر الوظائف، النحلة حينما تعود إلى خليَّتها.. إذا كان موسم الأزهار كثيفاً فلا تدخل إلى الخليَّة بل تُعطي حمولتها من الرحيق وحبوب اللقاح لنحلةٍ على باب الخليَّة من أجل توفير الوقت.. وهناك نحلةٌ حارسة، ونحلةٌ وصيفة، ونحلةٌ منظِّفة، تنظِّف الخلايا، ونحلات تصقلها، ونحلات تُلمِّعها.. تنظيف، وصقل، وتلميع.. هناك نحلات مستطلعة، وهناك نحلات مغذِّية، وظائف رائعة جداً وتنسيق بديع، فهناك ملكة واحدة في كلِّ خليَّة فإذا نافستها ملكةٌ أخرى قُتِلت، والذكور لها وظيفة، والإناث لها وظيفة، والحارسات لها وظيفة، ونحلات موكَّلة بتهوية الخليَّة، فلا تسمح لنحلة بالدخول للخليَّة إلا إذا ألقت كلمة السرِّ وإلا تُقتل.. فكيف جُمعت هذه النحلات ؟ كيف كان التنسيق بينها ؟!
 فصدِّقني.. أحياناً الإنسان إذا عنده عشرة موظَّفين فإذا استطاع أن يجعلهم جميعاً يعملون بتنسيق فيكون إدارياً ناجحاً جداً، أحياناً يكون العاملون كثُرًا وهم قليلون في الإنتاج - كثيرون وقليلون - أحياناً القدرة على تشغيل أعداد كبيرة من الأشخاص من دون أي تضارب أو ازدواجية ومع التنسيق فهي قدرة عالية جداً، فالله عزَّ وجلَّ اسمه الجامع.. جمع الأجزاء ونسَّق بينها.
 فمثلاً الإنسان حراً في اختيار مهنته أليس كذلك ؟ فتجد مدينة مثل دمشق كم خطاطاً فيها ؟ لو فيها مثلاً عشرة آلاف خطاط لماتوا من الجوع.. ولكن ليس فيها سوى خمسة أو ستة خطاطين، فمن الذي حدد عددهم، تجد المهن النادرة أصحابها قلائل، وتجد المهن كثيرة جداً وكل إنسان حر في اختيار مهنته، ولكنَّك تجد في النهاية تنسيقاً عجيباً، والمهن موزَّعة توزيعاً بالتساوي، فتجد هذا له اتجاه لمهنة الميكانيك، وهذا للدراسة بالجامعة، وهذا للبيع والشراء، وهذا مهندس، وهذا طبيب، وهذا محام، وفي النهاية تجد المحصِّلة أنّ لدينا أطباء ومهندسين ومحامين وأصحاب حرف ومدرسين ودعاة، فتجد في هذا الكون تنسيقاً عجيباً والإنسان مخيَّر، فبالرغم من أنَّه مخيَّر هناك تنسيق عجيب، فمعنى الجامع هنا أنَّه جمع عباده وألَّف بينهم، ومعنى التأليف هو التنسيق.
 وإليك معنى آخر.. أنَّ الله سبحانه وتعالى جمع قلوب الأحباب فقد قال تعالى:
﴿وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (63)﴾
(سورة الأنفال)
 فقد جمع القلوب.. فزوج وزوجة.. فهذا من أسرة وهذه من أسرة، هذا من بيئة وهي من بيئة أخرى، هذا له ثقافة مغايرة وهي لها ثقافة، يتزاوجان، فتجد أقرب إنسان للرجل في الحياة زوجته وأقرب رجل في حياتها زوجها، فمن ألَّف بين القلوب فقد قال تعالى:
﴿وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21)﴾
(سورة الروم)
 من آياته الدالَّة على عظمته، أنّ الإنسان يلتقي مع شبيهه، مع مثيله أو صنفه، مع من يلتقي ؟ يلتي مع من يشبهه في فكره وفي قيمه وفي أخلاقه فمن ألَّف بين القلوب ومن جمع بين الشتات ؟ هذا من معاني اسم الجامع.
 لو فرضنا طائرة احترقت ومات فيها إنساناً، فكيف يجمع الله رفاته ؟ رفاته التي احترقت تجمع يوم القيامة فقد قال تعالى:
﴿بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ (4)﴾
(سورة القيامة)
 كيف ؟.. وقد قال تعالى:
﴿هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ (38)﴾
(سورة المرسلات)
 الجمع واسع جداً.. جمع خلقه، جمعهم في الدنيا، فقهرهم على أن يجتمعوا.. ولندقق متأمّلين.. قهرهم على أن يجتمعوا، فالإنسان مهما كان ذكياً فهل بإمكانه أن يعيش وحده ؟ فهو يحتاج إلى خبزٍ ليأكله، فلو كان يعيش وحده لاحتاج إلى أن يزرع، أن يحرث الأرض وأن يسمِّدها ويقلِّبها ويحصد محصولها، وأن يطحن وأن يخبز فمعنى ذلك يبذل جهداً مستحيلاً، ويحتاج إلى ثياب، لكنَّ الله سمح لك أن تُتقن حاجة وأن تفتقر إلى الكثير من الحاجات، فأنت مقهور أن تجتمع فهو الذي جمعنا مع بعضنا بعضاً، قال تعالى:
﴿وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً (140)﴾
(سورة النساء)
﴿ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا ﴾
 يجمع ويُفرِّق، يؤلِّف ويُحبب.
 وقيل: " الجامع هو الذي يجمع أجزاء الخلق بعد تفرُّقها عند الحشر والنشر للحساب والجزاء، أو يجمع الخلق في موقف القيامة ".
 وقال بعض الأئمَّة ومنهم الإمام الرازي في تعريف الجامع " هو الذي يجمع قلوب أوليائه إلى شهود عظمته، ويصونهم عن ملاحظة الأغيار برحمته ".
 أيُّها القراء الكرام... اسم الجامعاإسمٌ عظيم وهو اسم ذو معانٍ لا تنفُذ كثيرةٌ جداً.. ولعلَّ من أجلِّ معاني هذا الإسم أنَّه يجمع الخلق ليحاسبهم، وأنت من أجل أن تعرف عظمة هذا الاسم حاول أن تدعو مائة شخص لعقد قران، فهذا يحتاج إلى اتصال هاتفي، وهذا ليس لديه هاتف، وهذا ذهبت إليه فلم تجده، فالأمر صعب ولا يعرف قيمة الجمع إلا من أراد أن يجمع حتى يخبر المائة مدعو يقول لك: هلكت.. فقد بذلت جهداً فوق طاقتي.. وهذا فقط للإعلام فكيف أن يأتوا جميعاً إليك.. فاسم الجامع لا يعرفه إلا من أراد أن يجمع الناس على احتفال أو لقاء، وهذه صورة مصغّرة جدًّا، فالأمر صعب جدًّا، أما ربنا عزَّ وجلَّ كلُّ هؤلاء الخلق يجمهم يوم القيامة ليحاسبهم في وقت يسير وعلى صعيد واحد.
 قال القشيريّ: " الجامع في وصفه تعالى بمعنى الحاشر للخلق والناشر لهم يوم القيامة للثواب والعقاب ".. يجمعهم ويُحاسبهم.. بل إنَّه يجمع لحومهم المتفرِّقة.. هذا مات في البحر غرقاً، وهذا مات في الجو احتراقاً، وهذا دفن في صحراء، وذاك دفن في سفح جبل، حتى لحوم هؤلاء الموتى نفسها تجمع يوم القيامة.. وجلودهم المتمزِّقة، وعِظامهم النخرة، وهو الجامع بين الأشكال والأمثال، وبين المختلفات والأضداد كالجماد والنبات والحيوان.
 فمثلاً الماء.. فاسأل كل علماء الفيزياء والكيمياء فيقولون لك: أوكسجين وهيدروجين وهما غازان، ولكن الهيدروجين شديد الاشتعال والأوكسجين غاز يساعد على الاشتعال، والماء جمع بينهما وبه تُطفأُ النار.. اسم الجامع فبالماء تطفأ النار، والماء أساسه غازان أحدهما شديد الاشتعال، والثاني يساعد على الاشتعال وقد جُمِعا في الماء، والدليل إذا كان لديك مدفأة تعمل على الوقود السائل فوضع عدَّة نقاط من الماء مع الوقود يجعل الشعلة تتألَّق ويحدث شبه إنفجارات لتحلل الماء إلى غازين وهذان الغازان ساعدا على الاشتعال، حتى أعلمني بعض الإخوة في بعض الأفران يضعون نقطة من الماء بنظام معيَن مع الوقود السائل ليزداد اشتعاله.. فكيف جمع الأوكسجين والأيدروجين بالماء ؟
 نضرب لكم أمثلة بسيطة لا تحتاج إلى بحوث علميَّة.. فالدجاجة ماذا تأكل ؟ تأكل كل شيء حتى الفضلات، وحتى فضلات الإنسان، وتقدِّم لك بيضاً، وهذا البيض شيء مدهش فهو يحتوي على أربعة عشر فيتاميناً، وبروتينات ومواد دهنيَّة، ومواد كلسيَّة، والدليل أنَّ هذه البيضة تنقلب إلى فرخ صغير - صوص -، معنى ذلك أنَّ فيها خلقًا كاملاً ففيها من العناصر التي يتكون منها هذا المخلوق كالمنغنيز والحديد والكالسيوم والمواد البروتينيَّة والمواد الدهنيَّة والعديد من المواد.. فلو أنت قمت بجمع طعام الدجاجة وضعته بين أيدي أكبر علماء الأرض وأعظم المخابر وتركته يعملون ليلاً نهاراً يطحنون ويضيفون مواد كما يشاؤون ولكن في النهاية هل يستطيع الخلق جميعاً أن يصنعوا من هذا الطعام التي تأكله الدجاجة بيضة ؟
 الأبقار ماذا تأكل ؟ تأكل مواد نباتيَّة وتعطيناً حليباً، فهل في إمكان أهل الأرض جميعاً أن يصنعوا من هذه الحشائش التي تأكلها البقرة حليباً خالصا سائغاً للشاربين ؟ مستحيل أن يفعلوه.. فكيف جمع هذه المواد ؟ فقد أطلعني أخ يعمل في هذا المجال على بحث عن حليب الأبقار، فثدي البقرة عبارة عن غدَّة كالقبَّة مغطَّاةٌ بشبكة من الأوعية الدمويَّة بالغة الدقَّة وهذه القبَّة مجموعة من الخلايا تسمَّى الخلايا الثديية، وهذه الخليَّة تأخذ حاجتها من الدم، والدم ماذا به ؟ به مواد كالبروتين والعناصر المعدنيَّة الكالسيوم والمنجنيز والحديد، وفيه مواد سكريَّة ومواد دهنيَّة وشحوم، وحمض البول وهو الفرث، فالفرث يطلق على أنواع ثلاث.. فرث سائل، وفرث صلب، وفرث غازي، فالإنسان عندما يستنشق الأوكسجين وهذا الأوكسجين يتفاعل مع الدم فتحترق المواد بهذا الأوكسجين والناتج عن هذا الاحتراق هو غاز الفحم أي ثاني أوكسيد الكربون وهذا الغاز هو فضلات أي فرثٌ غازي، وحمض البول فرثٌ سائل، والروث فرثٌ صُلب فقد قال الله عزَّ وجلَّ:
﴿وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً خَالِصاً سَائِغاً لِلشَّارِبِينَ (66)﴾
(سورة النحل)
 هذه الخليَّة الثديية، كيف جمعت هذه المواد فيها بنسب رائعة تتناسب مع حاجة الإنسان، هذا عمل اسم الجامع.
 قال: " هو الجامع قلوب أوليائه إلى شهود تقديره ليتخلَّصوا من أسباب التفرقة فيطيب عيشهم لأنَّهم لا يرون الوسائط ولا ينظرون إلى الحادثات إلا بعين التقدير ".
 وقيل: " الجامع سبحانه هو الذي جمع بين الكثيف واللطيف، جمع بين قلوب المؤمنين، ألَّف بين أرواح المحبِّين، هو الذي جمع في الإنسان روحاً من نور وجسماً من ظُلمة، ونفساً أمَّارةً وعقلاً مستضيئاً ".
 فأوضح شيء نأخذه اجتماع القلوب.. الأمُّ وابنُها.. ما هذا الجمع؟ فقد لا يهدأ لها عيش إلا إذا كان معافى، لا تشبع إلا إذا شبع، ولا تنام إلا إذا نام، لا تسعد إلا إذا سعد من جمع هذه العواطف والقلوب ووحّد بينها ؟
 أيُّها القارىء الكريم... أحياناً يجمعك الله جلَّ جلاله مع إنسان على غير ميعاد، فملاحظة دقيقة جداً فقد تركب سيَّارة بعد انتظارك لها لفترة ثم تمشي على قدميك فإذ بهذا الإنسان تراه وجهاً لوجه، فكيف حرَّك الله هذا الإنسان وحرَّك الآخر وكيف التقيا في ذاك مكان ؟ وأحياناً هذا اللقاء قد ينتج عنه خير كثير، وهذا من تسيير الله عزَّ وجلَّ أن يجمعنا على غير ميعاد.
 فقد ذكر لي أحد الإخوة وكنا في دعوة فوجدَّته مهتماً اهتماماً كبيراً بما أقول، فقال لي: في إحدى المرَّات كنت أسير من أمام مسجد الشيخ عبد الغني النابلسي فأذَّن المغرب فدخلت لأُصلِّي فوجدت جمعاً غفيراً فجلست وقد ألقيت درساً.. وكنت أعاني من مشكلة وأقسم بالله لو أنني حدثتك عن مشكلتي مائة مرَّة وكلَّفتك أن تضع لها حلولاً ما سمعت معالجةً لمشكلتي مع طرح حلولها كما سمعت في هذا الدرس.. وأنا والله لا أعرفه، فقلت سبحان الله الملهم فكيف ساقه الله إلى باب هذا المسجد وكيف دخل إليه وكيف أُلهمت أن أُعالج قضيَّةً يُعاني منها، وأن أطرح حلاً لها.. هذا الجمع من قبل الله عزَّ وجلَّ.. فهذا الموضوع يمكن أن نذكر عليه ألف قصَّة أو أكثر، كيف أنَّ الله جمعك مع فلان ومع فلان، فقد قال تعالى:
﴿إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ (42)﴾
(سورة الأنفال)
﴿ ولو تَوَاعَدتُّمْ لاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ ﴾
 فأحياناً الإنسان قد يضيع منه شيء يقول: اللهمَّ يا جامع الناس ليوم لا ريب فيه اجمع بيني وبين حاجتي.. فيلتقي بحاجته ويجدها.
 ولقد ورد هذا الاسم في القرآن الكريم قال تعالى:
﴿رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (9)﴾
(سورة آل عمران)
 سيجمعنا جميعاً ليحاسبنا.. وفي سورة النساء قال تعالى:
﴿ وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا ﴾
 وفي سورة النساء أيضاً قال تعالى:
﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً (87)﴾
(سورة النساء)
 وفي سورة الأنعام قال تعالى:
﴿قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (12)﴾
(سورة الأنعام)
 وفي سورة الكهف قال تعالى:
﴿وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعاً (99)﴾
(سورة الكهف)
 وفي سورة سبأ قال تعالى:
﴿قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ (26)﴾
(سورة سبأ)
 وفي سورة الجاثية قال تعالى:
﴿قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (26)﴾
(سورة الجاثية)
 وفي سورة الشورى قال تعالى:
﴿وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ (29)﴾
(سورة الشورى)
 وفي التغابن قال تعالى:
﴿يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحاً يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9)﴾
(سورة التغابن)
 وأخيرًا فإنّ من آداب العبد مع هذا الاسم كما قال الإمام الغزالي.. أن تجمع بين الآداب الظاهرة في الجوارح، وبين الحقائق الباطنة في القلوب، فمن كمُلت معرفته، وحسُنت سيرته فهو الجامع.
 لذلك قيل: الكامل من لا يُطفأ نورُ معرفته، ونور ورعه، والجامع من جمع بين البصر والبصيرة، من جمع بين الحقِّ وأهله، والدنيا والآخرة، والحقيقة والشريعة، هذا مما ينبغي أن نفعله إقتداءً باسم الجامع.
 وبعد، هذا الذي تكلَّمت عنه حول اسم الجامع هو غيضٌ من فيض، وكلُّ واحدٌ منا ينبغي أن يسير في أنماط التفكير التي يمكن أن يستزيد منها في معرفة اسم الجامع

محمد راتب النابلسى