السبت، 10 مارس 2012

موسوعة الفقه - باب الزواج أو النكاح : النفقة


النفقة

المقصود بالنفقة هنا: توفير ما تحتاج إليه الزوجة من طعام، ومسكن، وخدمة، ودواء، وإن كانت غنية.
وهي واجبة بالكتاب، والسنة، والاجماع.
أما وجوبها بالكتاب:
1- فلقول الله تعالى: {وعلى الولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف لا تكلف نفس إلا وسعها}.
والمراد بالمولود له: الاب.
والرزق في هذا الحكم: الطعام الكافي: والكسوة.
اللباس والمعروف: المتعارف في عرف الشرع من غير تفريط ولا إفراط.
2- وقوله سبحانه: {أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن وان كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن}.
3- وقوله تعالى: {لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها}.
وأما وجوبها بالسنة:
1- فقد روى مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في حجة الوداع: «فاتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بكلمة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن ألا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح، ولهن عليكم رزقهن، وكسونهن بالمعروف».
2- وروى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها: أن هندا بنت عتبة قالت، يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل شحيح، وليس يعطيني وولدي إلا أن أخذت منه - وهو لا يعلم - قال: «خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف».
3- وعن معاوية القشيري رضي الله عنه قال: قلت: يارسول الله ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: «تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه، ولا تقبح، ولا تهجر إلا في البيت».
وأما الاجماع: فقد قال ابن قدامة: اتفق أهل العلم على وجوب نفقات الزوجات على أزواجهن إذا كانوا بالغين، إلا الناشز منهن.
ذكر ابن المنذر وغيره.
قال: وفيه ضرب من العبرة، وهو أن المرأة محبوسة على الزوج يمنعها من النصرف والاكتساب.
فلابد من أن يتفق عليها.

.سبب وجوب النفقة:
وإنما أوجب الشارع النفقة على الزوج لزوجته، لأن الزوجة بمقتضى عقد الزواج الصحيح تصبح مقصورة على زوجها، ومحبوسة لحقه، لاستدامة الاستمتاع بها، ويجب عليها طاعته، والقرار في بيته، وتدبير منزله، وحضانة الاطفال وتربية الأولاد، وعليه نظير ذلك أن يقوم بكفايتها والانفاق عليها، مادامت الزوجية بينهما قائمة، ولم يوجد نشوز، أو سبب يمنع من النفقة عملا بالاصل العام: كل من احتبس لحق غيره ومنفعته، فنفقته على من احتبس لاجله.

.شروط استحقاق النفقة:
ويشترط لاستحقاق النفقة الشروط الاتية:
1- أن يكون عقد الزواج صحيحا.
2- أن تسلم نفسها إلى زوجها.
3- أن تمكنه من الاستمتاع بها.
4- ألا تمتنع من الانتقال حيث يريد الزوج.
5- أن يكونا من أهل الاستمتاع.
فإذا لم يتوفر شرط من هذه الشروط، فإن النفقة لا تجب: ذلك أن العقد إذا لم يكن صحيحا، بل كان فاسدا، فإنه يجب على الزوجين المفارقة، دفعا للفساد.
وكذلك إذا لم تسلم نفسها إلى زوجها، أو لم تمكنه من الاستمتاع بها، أو امتنعت من الانتقال إلى الجهة التي يريدها، ففي هذه الحالات لا تجب النفقة حيث لم يتحقق الاحتباس الذي هو سببها، كما لا يجب ثمن المبيع إذا امتنع البائع من تسليم المبيع، أو سلم في موضع دون موضع.
ولان النبي صلى الله عليه وسلم تزوج عائشة رضي الله عنها ودخلت عليه بعد سنتين ولم ينفق عليها إلا من حين دخلت عليه، ولم يلتزم نفقتها لما مضى.
وإذا أسلمت المرأة نفسها إلى الزوج، وهي صغيرة لا يجامع مثلها، فعند المالكية والصحيح من مذهب الشافعية أن النفقة لا تجب، لأنه لم يوجد التمكين التام من الاستمتاع فلا تستحق العوض من النفقة.
قالوا: وإن كانت كبيرة والزوج صغير فالصحيح أنها تجب، لأن التمكين وجد من جهتها، وإنما تعذر الاستيفاء من جهته، فوجبت النفقة كما لو سلمت إلى الزوج، وهو كبير فهرب منها.
والمفتى به عند الأحناف: أن الزوج إذا استبقى الصغيرة في بيته، وأسكنها للاستئناس بها، وجبت لها النفقة لرضاه هو بهذا الاحتباس الناقص. وإن لم يمسكها في بيته فلا نفقة لها.
وإذا سلمت الزوجة نفسها وهي مريضة مرضا يمنعها من مباشرة الزوج لها وجبت لها النفقة.
وليس من حسن المعاشرة الزوجية، ولا من المعروف الذي أمر الله به أن يكون المرض مفوتا ما وجب لها من النفقة.
ومثل المريضة الرتقاء، والنحيفة، والمعيبة بعيب يمنع من مباشرة الزوج لها.
وكذلك إذا كان الزوج عنينا، أو مجبوبا، أو خصيا، أو مريضا مرضا يمنعه من مباشرة النساء، أو حبس في دين أو جريمة ارتكبها، لأنه وجد التمكين من الاستمتاع من جهتها، وما تعذر فهو من جهته، وهو سبب لا تنسب فيه إلى التفريط، وإنما هو الذي فوت حقه على نفسه.
ولا تجب النفقة إذا انتقلت الزوجة من منزل الزوجية إلى منزل آخر بغير إذن الزوج بغير وجه شرعي، أو سافرت بغير إذنه، أو أحرمت بالحج بغير إذنه.
فإن سافرت بإذنه، أو أحرمت بإذنه، أو خرج معها لم تسقط النفقة، لأنها لم تخرج عن طاعته وقبضته.
وكذلك لا تجب لها النفقة إذا منعته من الدخول عليها في بيتها المقيم معها فيه، ولم تكن طلبت منه الانتقال إلى غيره فامتنع.
فإن كانت طلبت منه الانتقال فأيى، فمنعته من الدخول، فلا تسقط النفقة.
وكذلك لا تجب النفقة إذا حبست الزوجة في جريمة، أو في دين، أو كان حبسها ظلما، إلا إذا كان هو الذي حبسها في دين له عليها، لأنه هو الذي فوت حقه.
وكذلك لو غصبها غاصب، وحال بينها وبين زوجها، فإنها لا تستحق النفقة مدة غصبها.
وكذلك الزوجة المحترفة التي تخرج لحرفتها.
إذا منعها زوجها فلم تمتنع، لا تستحق النفقة.
وكذلك إن منعت نفسها بصوم تطوعا أو باعتكاف تطوعا.
ففي كل هذه الصور لا تستحق الزوجة النفقة، لأنها فوتت حتى الزوج في الاستمتاع بها بغير وجه شرعي.
فلو كان تفويتها حقه لوجه شرعي، لم تسقط النفقة.
كما إذا أخرجت من طاعته، لأن المسكن غير شرعي أو لأن الزوج غير أمين على نفسها.
أو مالها.

.المرأة تسلم دون زوجها:
وإذا كان الزوجان كافرين، وأسلمت المرأة بعد الدخول ولم يسلم الزوج، لم تسقط النفقة، لأنه تعذر الاستمتاع بها من جهته، وهو قادر على إزالته بأن يسلم، فلم تسقط نفقتها، كالمسلم إذا غاب عن زوجته.
ارتداد الزوج لا يمنع النفقة: وإذا ارتد الزوج، بعد الدخول، لم تسقط نفقتها، لأن امتناع الوطء بسبب من جهته، وهو قادر على إزالته بالعودة إلى الإسلام بخلاف ما إذا ارتدت الزوجة، فان نفقتها تسقط، لأنها منعت الاستمتاع بمعصية من قبلها، فتكون كالناشز.
مذهب الظاهرية في سبب استحقاق النفقة: وللظاهرية رأي آخر في سبب وجوب النفقة.
وهو الزوجية نفسها. فحيث وجدت الزوجية وجبت النفقة.
وبنوا على مذهبهم هذا وجوب النفقة للصغيرة والناشز، دون النظر إلى الشروط التي قال بها غيرهم من الفقهاء.
قال ابن حزم: وينفق الرجل على امرأته من حين يعقد نكاحها دعى إلى البناء، أم لم يدع. ولو أنها في المهد.
ناشزا كانت أو غير ناشز: غنية كانت أو فقيرة ذات أب أو يتيمة بكرا كانت أو ثيبا حرة كانت أو أمة على قدر حاله.
قال: وقال أبو سليمان، وأصحابه، وسفيان الثوري: النفقة واجبة للصغيرة من حين العقد عليها.
وأفتى الحكم بن عتيبة - في امرأة خرجت من بيت زوجها غاضبة - هل لها نفقة؟ قال: نعم.
قال: ولا يحفظ منع الناشز من النفقة عن أحد من الصحابة، إنما هو شيء روي عن النخعي والشعبي، وحماد بن أبي سليمان، والحسن، والزهري.
وما نعلم لهم حجة، إلا أنهم قالوا: النفقة بإزاء الجماع.
فإذا منعت الجماع منعت النفقة.
انتهى بتصرف قليل.
.تقدير النفقة وأساسه:
إذا كانت الزوجة مقيمة مع زوجها، وكان هو قائما بالنفقة عليها، ومتوليا إحضار ما فيه كفايتها، من طعام، وكسوة، وغيرهما، فليس للزوجة أن تطلب فرض النفقة، حيث أن الزوج قائم بالواجب عليه.
فإذا كان الزوج بخيلا لا يقوم بكفاية زوجته، أو أنه تركها بلا نفقة، بغير حق، فلها أن تطلب فرض نفقة لها من الطعام، والكسوة، والمسكن.
وللقاضي أن يقضي لها بالنفقة، ويلزم الزوج بها متى ثبت لديه صحة دعواها.
كما أن لها الحق أن تأخذ من ماله ما يكفيها بالمعروف، وإن لم يعلم الزوج، إذ أنه منع الواجب عليه وهي مستحقة له، وللمستحق أن يأخذ حقه بيده متى قدر عليه.
وأصل ذلك ما رواه أحمد، والبخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي.
عن عائشة، رضي الله عنها: أن هندأ قالت: يارسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح، وليس يعطيني ما يكفيني وولدي.
إلا ما أخذت منه، وهو لا يعلم؟ فقال: «خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف».
وفي الحديث دلالة على أن النفقة تقدر بكفاية المرأة مع التقييد بالمعروف، أي: المتعارف بين كل حهة باعتبار ما هو الغالب على أهلها، وهذا يختلف باختلاف الازمنة، والأمكنة، والاحوال، والاشخاص.
وقد رأى صاحب الروضة الندية: أن الكفاية بالنسبة للطعام تعم جميع ما تحتاج إليه الزوجة، فيدخل فيه الفاكهة وما هو معتاد من التوسعة في الاعياد، وسائر الاشياء التي قد صارت بالاستمرار عليها مألوفة، بحيث يحصل التضرر بمفارقتها أو التضجر، أو التكدر.
قال: ويدخل فيه الادوية ونحوها، وإليه يشير قوله تعالى: {وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف} فإن هذا نص في نوع من أنواع النفقات: إن الواجب على من عليه النفقة رزق من عليه إنفاقه.
والرزق يشمل ما ذكرناه.
ثم ذكر رأي بعض الفقهاء في عدم وجوب ثمن الادوية، وأجرة الطبيب، لأنه يراد لحفظ البدن، كما لا يجب على المستأجر أجرة إصلاح ما انهدم من الدار.
ورجح دخول العلاج في النفقة، وأنه واجب فقال: وقال في الغيث: الحجة أن الدواء لحفظ الروح فأشبه النفقة.
قال: وهو الحق لدخوله تحت عموم قوله صلى الله عليه وسلم: «ما يكفيك».
وتحت قوله تعالى: {رزقهن}.
فإن الصيغة الأولى عامة باعتبار لفظ ما.
والثانية عامة، لأنها مصدر مضاف.
وهي من صيغ العموم.
واختصاصه ببعض المستحقين لايمنع من الالحاق.
قال: وبمجموع ما ذكرنا، يقرر لك أن الواجب على من عليه النفقة لمن له النفقة، هو ما يكفيه بالمعروف، وليس المراد تفويض أمر ذلك إلى من له النفقة، وأنه يأخذ ذلك بنفسه حتى يرد ما أورده السائل من خشية السرف في بعض الاحوال، بل المراد تسليم ما يكفي على وجه لاسرف فيه، بعد تبين مقدار ما يكفي بإخبار المخبرين، أو تجريب المجربين.
وهو معنى قوله صلى الله عليه وسلم: «بالمعروف» أي: لا بغير المعروف وهو السرف والتقتير.
نعم إذا كان الرجل لا يسلم ما يجب عليه من النفقة.
جاز لنا الاذن لمن له النفقة بأن يأخذ ما يكفيه، إذا كان من أهل الرشد، لا إذا كان من أهل السرف والتبذير، فإنه لا يجوز تمكينه من مال من عليه النفقة، لأن الله تعالى يقول: {ولا تؤتوا السفهاء أموالكم}.
ثم قال: ولكن يجب علينا إذا كان من عليه النفقة متمردا، ومن له النفقة ليس بذي رشد، أن نجعل الاخذ إلى ولي من لارشد له، أو إلى رجل عدل. انتهى.
ومما يجب لها عليه من النفقة ما تحتاج إليه من المشط والصابون والدهن وسائر ما تتنظف به.
وقالت الشافعية: أما الطيب فإن كان يراد لقطع السهوكة، لزمه لأنه يراد للتنظيف، وإن كان يراد للتلذذ والاستمتاع، لم يلزمه، لأنه حق له، فلا يجبر عليه.
رأي الأحناف: أن النفقة غير مقدرة بالشرع، وأنه يجب على الزوج لزوجته قدر ما يكفيها من الطعام، والادام، واللحم والخضر، والفاكهة، والزيت، والسمن، وسائر مالابد منه للحياة حسب المتعارف. وأن ذلك يختلف باختلاف الأمكنة، والأزمنة، والاحوال. كما يجب عليه كسوتها صيفا وشتاء.
ورأوا تقدير نفقة الزوجة على زوجها بحسب حال الزوج يسرا أو عسرا مهما تكن حالة الزوجة، لقول الله تعالى: {لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها سيجعل الله بعد عسر يسرا}.
وقوله سبحانه: {أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم}.
مذهب الشافعية في تقدير النفقة: والشافعية لم يتركوا تقدير النفقة إلى ما فيه الكفاية، بل قالوا: إنما هي مقدرة بالشرع، وإن اتفقوا مع الأحناف في اعتبار حال الزوج يسرا أو عسرا، وأن على الزوج الموسر وهو الذي يقدر على النفقة بماله وكسبه - في كل يوم مدين، وأن على المعسر الذي لا يقدر على النفقة بمال ولا كسب مدا في كل يوم. وأن على المتوسط مدا ونصفا.
واستدلوا لمذهبهم هذا بقول الله تعالى: {لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فينفق مما آتاه الله}.
قالوا: ففرق بين الموسر والمعسر، وأوجب على كل واحد منهما على قدر حاله، ولم يبين المقدار فوجب تقديره بالاجتهاد، وأشبه ما تقاس عليه النفقة، الطعام في الكفارة.
لأنه طعام يجب بالشرع لسد الجوعة. وأكثر ما يجب في الكفارة للمسكين مدان في فدية الاذى.
وأقل ما يجب مد وهو في كفارة الجماع في رمضان. فإن كان متوسطا لزمه مد ونصف، لأنه لا يمكن إلحاقه بالموسر، وهو دونه، ولا بالمعسر وهو فوقه، فجعل عليه مد ونصف.
قالوا: ولو فتح باب الكفاية للنساء من غير تقدير لوقع التنازع، لا إلى غاية. فتعيين ذلك التقدير اللائق بالمعروف.
وهذا خلاف ما لابد منه في الطعام من الادام واللحم، والفاكهة.
وقالوا: يجب لها الكسوة، مع مراعاة حال الزوج من اليسار والاعسار، فلزوجة الموسر من الكسوة، ما يلبس عادة في البلد من رفيع الثياب. ولامرأة المعسر الغليظ من القطن، والكتان، ونحوهما. ولامرأة المتوسط ما بينهما.
ويجب لها مسكن على قدر يساره وإعساره وتوسطه، مع تأثيث المسكن تأثيثا يتناسب مع حالته.
وقالوا: إذا كان الزوج معسرا، ينفق عليها أدنى ما يكفيها من الطعام، والادام، بالمعروف.
ومن الكسوة أدنى ما يكفيها من الصيفية والشتوية.
وإن كان متوسطا، ينفق عليها أوسع من ذلك بالمعروف ومن الكسوة أرفع من ذلك، كله بالمعروف.
وإنما كانت النفقة والكسوة بالمعروف، لأن دفع الضرر عن الزوجة واجب، وذلك بايجاب الوسط من الكفاية، وهو تفسير المعروف.

العمل في المحاكم الان:
وما ذهب إليه الشافعية وبعض الأحناف من رعاية حال الزوج المالية، حين فرض النفقة، هو ما جرى به العمل الان في المحاكم، تطبيقا للمادة 16 من القانون رقم 25 لسنة 1929 ونصها: تقدير نفقة الزجة على زوجها بحسب حال الزوج يسرا، وعسرا، مهما كانت حالة الزوجة.
وهذا هو العدل، لأنه يتفق مع الايتين المتقدمتين.
تقدير النفقة عينا أو نقدا: يصح أن يكون ما يفرض من النفقة من الخبز، والادام والكسوة، أصنافا معينة، كما يصح أن تفرض قيمتها نقدا لتشتري به ما تحتاج إليه.
ويصح أن تفرض النفقة سنوية، أو شهرية، أو أسبوعية، أو يومية، حسب ما هو ميسور للزوج.
والذي يسري عليه العمل الان في المحاكم، هو فرض بدل طعام الزوجة شهريا، وبدل كسوتها عن ستة شهور باعتبار أنها تحتاج في السنة إلى كسوة للصيف، وأخرى للشتاء.
وبعض القضاة يفرض مبلغا شهريا للنفقة بأنواعها الثلاثة بدون تفصيل، مراعيا أن يكون فيما يفرضه لها كفاية لطعامها، وكسوتها، وسكناها، حسب حالة الزوج عسرا ويسرا.
تغير الاسعار أو تغير حال الزوج المالية: إذا تغيرت الاسعار عن وقت الفرض، أو تغيرت حالة الزوج المالية، فإما أن يكون هذا التغير في الاسعار إلى زيادة، أو إلى نقص، أو يكون تغير حالة الزوج المالية إلى ما هو أحسن، أو أسوأ.
ولا بد من رعاية كل حالة من هذه الحالات.
فإن تغيرت الاسعار عن وقت الفرض إلى زيادة، كان للزوجة أن تطالب بزيادة نفقتها.
وإن تغيرت إلى نقص كان للزوج أن يطلب تخفيض النفقة.
وإن تحسنت حالة الزوج المالية عما كان عليه حين تقدير النفقة، كان للزوجة أن تطلب زيادة نفقتها.
وإن تغيرت حالة الزوج المالية إلى أسوأ، كان للزوج الحق في طلب تخفيض النفقة.

.الخطأ في تقدير النفقة:
إذا ظهر بعد تقدير النفقة أن التقدير كان خطأ لا يكفي الزوجة - حسب حالة الزوج - من العسر أو اليسر - كان من حق الزوجة المطالبة بإعادة النظر في التقدير، وعلى القاضي أن يقدر لها ما يكفيها لطعامها، وكسوتها، مع ملاحظة حالة الزوج.
دين النفقة يعتبر دينا صحيحا في ذمة الزوج:
قلنا: إن نفقة الزوجة واجبة على زوجها، متى توفرت الشروط التي تقدم ذكرها.
ومتى وجبت النفقة على الزوج لزوجته، لوجود سببها، وتوفر شروطها، ثم امتنع عن أدائها تصير دينا في ذمته.
شأنها في هذا شأن الديون الثابتة، التي التي لا تسقط إلا بالاداء أو الابراء.
وإلى هذا ذهبت الشافعية، وجرى عليه العمل منذ صدور قانون رقم 25 لسنة 1920 فقد جاء فيه:
مادة 1 تعتبر نفقة الزوجة التي سلمت نفسها لزوجها، ولو حكما، دينا في ذمته، من وقت امتناع الزوج عن الانفاق مع وجوبه، بلا توقف على قضاء قاض، أو تراض بينهما، ولا يسقط دينها إلا بالاداء أو الابراء.
مادة 2 المطلقة التي تستحق النفقة.
تعتبر نفقتها دينا، كما جاء في المادة السابقة من تاريخ الطلاق.
وقد جاء مع هذا القانون تعليمات من الجهة التي صدر عنها.
وهي:
1- إن نفقة الزوجة.أو المطلقة، لا يشترط لاعتبارها دينا في ذمة الزوج - القضاء، أو الرضا - بل تعتبر دينا من وقت امتناع الزوج عن الانفاق، مع وجوبه.
2- إن دين النفقة من الديون الصحيحة، وهي التي لا تسقط إلا بالاداء أو الابراء.
ويترتب على هذين الحكمين:
1- إن للزوجة، أو المطلقة أن تطلب لها الحكم بالنفقة على زوجها، عن مدة سابقة على الترافع، ولو كانت أكثر من شهر، إذا ادعت أن زوجها تركها من غير نفقة، مع وجوب الانفاق عليها في هذه المدة، طالت أم قصرت.
ومتى أثبت ذلك بطريق من طرق الاثبات.
ولو كانت شهادة الاسكتشاف المنصوص عليها في المادة 178 من اللائحة حكم لها بما طلبت.
2- أن دين النفقة لا يسقط بموت أحد الزوجين، ولا بالطلاق - ولو خلعا - فللمطلقة مطلق الحق فيما تجمد لها من النفقة، حال قيام الزوجية، ما لم يكن عوضا لها عن الطلاق، أو الخلع.
3- أن النشوز الطارئ لا يسقط متجمد النفقة، وإنما يمنع النشوز مطلقا من وجوبها مادامت الزوجة، أو المعتدة ناشزا.
وبعد صدور هذا القانون، استغلته بعض الزوجات، في ترك المطالبة بالنفقة، حتى يتجمع منها مبلغ باهظ، ثم يطالبن الزوج بالمتجمد كله، مما يرهق الزوج ويثقل كاهله.
فرؤي تدارك هذا الأمر بما يرفع الضرر عن الازواج.
وجاء في الفقرة 6 من المادة 99 من القانون رقم 78 لسنة 1931 بلائحة ترتيب المحاكم الشرعية، ما نصه: لا تسمع دعوى النفقة عن مدة ماضية، لاكثر من ثلاث سنين ميلادية، نهايتها تاريخ رفع الدعوى.
وجاء في المذكرة الايضاحية لهذا القانون، بشأن هذه الفقرة ما نصه: أما النفقة عن المدة الماضية فقد رؤي - أخذا بقاعدة تخصيص القضاء - ألا تسمع الدعوى بها لاكثر من ثلاث سنوات ميلادية. نهايتها تاريخ قيد الدعوى.
ولما كان في إطلاق إجازة المطالبة بالنفقة المتجمدة عن مدة سابقة على رفع الدعوى - احتمال المطالبة بنفقة سنين عديدة ترهق الشخص الملزم بها.
رؤي من العدل دفع صاحب الحق في النفقة إلى المطالبة بها، أولا فأولا، بحيث لا يتأخر أكثر من ثلاث سنوات، وجعل ذلك عن طريق منع سماع الدعوى.
وليس في ذلك الحكم ضرر على صاحب الحق في النفقة، إذ يمكنه المطالبة بها، قبل مضي ثلاث سنوات.
ولا زال العمل مستمرا بهذا القانون إلى اليوم: الابراء من دين النفقة والمقاصة به: وإذا كانت النفقة التي تستحقها الزوجة على زوجها تعتبر دينا في ذمته، من الوقت الذي امتنع فيه عن أدائها بغير حق شرعي - فإنه يصح للزوجة أن تبرئه من هذا الدين، كله أو بعضه.
ولو أبرأته مما يكون لها من النفقة في المستقبل لا يصح، لأنه لم يثبت دينا بعد، والابراء لا يكون إلا من دين ثابت فعلا.
ويستثنى من ذلك الابراء عن شهر واحد مستقبل، أو عن سنة واحدة - إن كانت النفقة فرضت مشاهرة، أو مسانهة.
وإذا كانت النفقة معتبرة دينا صحيحا، لا يسقط إلا بالاداء أو الابراء، وكان للزوج دين في ذمتها، وطلب أحدهما مقاصة الدينين، أجيب إلى طلبه لاستواء الدينين في القوة.
وللحنابلة رأي في المقاصة، فهم يفرقون بين أن تكون المرأة موسرة، أو معسرة، فإن كانت موسرة، فله أن يحتسب عليها بدينه مكان نفقتها، لأن من عليه حق فله أن يقضيه من أي أمواله شاء، وهذا من ماله.
وإن كانت معسرة لم يكن له ذلك، لأن قضاء الدين إنما يجب في الفاضل من قوته.
ودين زوجها الذي هو عليها لا يفضل عنها، ولان الله تعالى أمر بإنظار المعسر.
فقال: {وإن كان ذوعسرة فنظرة إلى ميسرة} فيجب إنظاره بما عليها.
تعجيل النفقه وطروء ما يمنع الاستحقاق: إذا عجل الزوج لزوجته نفقة مدة مستقبلة كشهر، أو سنة مثلا، ثم طرأ في أثناء المدة ما يجعلها لا تستحق النفقة، بأن مات أحد الزوجين أو نشزت الزوجة، فللزوج أن يسترد نفقة ما بقي من المدة التي لا تستحق نفقة عنها، لأنها أخذته جزاء احتباسها لحق الزوج، ومتى فات الاحتباس بالموت أو النشوز، فعليها أن ترد النفقة التي عجلت لها بالنسبة للمدة الباقية.
وإلى هذا ذهب الإمام الشافعي ومحمد بن الحسن.
.نفقة المعتدة:
وللمعتدة الرجعية، والمعتدة الحامل النفقة، لقول الله سبحانه في الرجعيات: {أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم}.
ولقوله في الحوامل: {وإن كن أولات حمل فانفقوا عليهن حتى يضعن حملهن}.
وهذه الآية تدل على وجوب النفقة لجامل - سواء أكانت في عدة الطلاق الرجعي، أم البائن، أو كانت عدتها عدة وفاة - أما البائنة فإن الفقهاء اختلفوا في وجوب النفقة لها، إذا لم تكن حاملا على ثلاثة أقوال:
1- أن لها السكنى ولا نفقة لها، وهو قول مالك والشافعي، واستدلوا بقول الله تعالى: {أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم}.
2- أن لها النفقة والسكنى، وهو قول عمربن الخطاب، وعمر بن عبد العزيز، والثوري، والأحناف، واستدلوا على قولهم هذا بعموم قوله تعالى: {أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم}.
فهذا نص في وجوب السكنى، وحيثما وجبت السكنى شرعا وجبت النفقة لكون النفقة تابعة لوجوب الاسكان في الرجعية، وفي الحامل، وفي نفس الزوجية.
وقد أنكر عمر وعائشة رضي الله عنهما على فاطمة بنت قيس الحديث الذي أوردته، وقال عمر: لانترك كتاب الله وسنة نبينا لقول امرأة، لا ندري لعلها حفظت أم نسيت.
وحين بلغ فاطمة ذلك قالت: «بيني وبينكم كتاب الله».
قال الله تعالى: {فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا} فأي أمر يحدث بعد الثلاث!.
3- أنه لانفقة لها ولاسكنى، وهو قول أحمد، وداود، وأبي ثور، وحكي عن علي، وابن عباس، وجابر، والحسن، وعطاء، والشعبي، وابن أبي ليلى، والاوزاعي، والإمامية.
واستدلوا بما رواه البخاري، ومسلم، عن فاطمة بنت قيس قالت: «طلقني زوجي ثلاثا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يجعل لي نفقة ولاسكنى».
وفي بعض الروايات: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنما السكنى والنفقة لمن لزوجها عليها الرجعة».
وروى أحمد، ومسلم، وأبو داود، والنسائي: «أنه قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نفقة لك، إلا أن تكوني حاملة».
نفقة زوجة الغائب: جاء في القانون رقم 25 لسنة 1920 مادة: إذا كان الزوج غائبا غيبة قريبة، فإن كان له مال ظاهر نفذ الحكم عليه بالنفقة في ماله، وإن لم يكن له مال ظاهر أعذر إليه القاضي بالطرق المعروفة وضرب له أجلا، فإن لم يرسل ما تنفق فيه زوجته على نفسها، طلق عليه القاضي بعد مضي الاجل.
فإن كان بعيد الغيبة لا يسهل الوصول إليه، إذ كان مجهول المحل، أو كان مفقودا، وثبت أنه لامال له تنفق منه الزوجة، طلق عليه القاضي