الأربعاء، 14 مارس 2012

موسوعة الفقه - باب المزارعة


المزارعة

فضل المزارعة:
قال القرطبي: الزراعة من فروض الكفاية، فيجب على الإمام أن يجبر الناس عليها وما كان في معناها من غرس الاشجار.
1- روى البخاري ومسلم عن أنس، رضي الله عنه، أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: «ما من مسلم يغرس غرسا أو يزرع زرعا فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة».
2- وأخرج الترمذي عن عائشة قالت: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم،: «التمسوا الرزق من خبايا الأرض».

.تعريفها:
معنى المزارعة في اللغة: المعاملة على الأرض ببعض مايخرج منها.
ومعناها هنا: إعطاء الأرض لمن يزرعها على أن يكون له نصيب مما يخرج منها كالنصف أو الثلث أو الاكثر من ذلك أو الادنى حسب ما يتفقان عليه.

.مشروعيتها:
الزراعة نوع من التعاون بين العامل وصاحب الأرض، فربما يكون العامل ماهرا في الزراعة وهو لا يملك أرضا.
وربماكان مالك الأرض عاجزا عن الزراعة.
فشرعها الإسلام رفقا بالطرفين.
المزارعة عمل بها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وعمل بها أصحابه من بعده.
روى البخاري ومسلم عن ابن عباس أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عامل أهل خيبر بشطر مايخرج منها من زرع أو ثمر.
وقال محمد الباقر بن علي بن الحسين رضي الله عنهم: ما بالمدينة أهل بيت هجرة إلا يزرعون على الثلث والربع، وزارع علي، رضي الله عنه، وسعد بن مالك وعبد الله بن مسعود وعمر بن عبد العزيز والقاسم وعروة وآل أبي بكر وآل عمر وآل علي وابن سيرين رواه البخاري.
قال في المغني: هذا أمر مشهور، عمل به رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حتى مات، ثم خلفاؤه الراشدون حتى ماتوا، ثم أهلوهم من بعدهم. ولم يبق من المدينة من أهل بيت إلا عمل به، وعمل به أزواج النبي، صلى الله عليه وسلم، من بعده.
ومثل هذا مما لا يجوز أن ينسخ، لأن النسخ إنما يكون في حياة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فأما شيء عمل به إلى أن مات، ثم عمل به خلفاؤه من بعده، وأجمعت الصحابة رضوان الله عليهم عليه، وعملوا به ولم يخالف فيه منهم أحد، فكيف يجوز نسخه؟ فإن كان نسخه في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكيف عمل به بعد نسخه، وكيف خفي نسخه فلم يبلغ خلفاءه مع اشتهار قصة خيبر وعملهم فيها، فأين كان راوي النسخ حتى لم يذكروه ولم يخبرهم به؟

.رد ما ورد من النهي عنها:
وأما ما ذكره رافع بن خديج أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عنها، فقدرده زيد بن ثابت رضي الله عنه، وأخبر أن النهي كان لفض النزاع، فقال: يغفر الله لرافع بن خديج، أنا والله أعلم بالحديث منه.
إنما جاء للنبي صلى الله عليه وسلم رجلان من الانصار قد اقتتلا، فقال: إن كان هذا شأنكم فلا تكروا المزارع، فسمع رافع قوله: فلا تكروا المزارع. رواه أبو داود والنسائي.
كما رده ابن عباس رضيا لله عنه، وبين أن النهي إنما كان من أجل إرشادهم إلى ما هو خير لهم، فقال: إن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لم يحرم المزارعة، ولكن أمر أن يرفق الناس بعضهم ببعض، بقوله: «من كانت له أرض فليزرعها أو يمنحها أخاه، فإن أبى فليمسك أرضه».
وعن عمرو بن دينار، رضي الله عنه، قال: سمعت ابن عمر يقول: ما كنا نرى بالمزارعة بأسا حتى سمعت رافع بن خديج يقول:
إن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، نهى عنها.
فذكرته لطاووس فقال: قال لي أعلمهم يقصد ابن عباس: إن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لم ينه عنها، ولكن قال: «لأن يمنح أحدكم أرضه خير من أن يأخذ عليها خراجا معلوما» رواه الخمسة.

.كراء الأرض بالنقد:
تجوز المزارعة بالنقد وبالطعام وبغيرهما مما يعد مالا، فعن حنظلة بن قيس، رضيا لله عنه، قال: سألت رافع ابن خديج عن كراء الأرض فقال: نهى رسول الله، صلى عليه وسلم، عنه فقلت: بالذهب والورق؟ فقال: أما بالذهب والورق فلا بأس به رواه الخمسة إلا الترمذي، وهذا مذهب أحمد وبعض المالكية والشافعية.
قال النووي: وهذا هو الراجح المختار من جميع الاقوال.

.المزارعة الفاسدة:
سبق أن قلنا إن المزارعة الصحيحة هي إعطاء الأرض لمن يزرعها على أن يكون له نصيب مما يخرج منها، كالثلث والربع ونحو ذلك، أي أن يكون نصيبه غير معين.
فإذا كان نصيبه معينا بأن يحدد مقدارا معينا مما تخرج الأرض، أو يحدد قدرا معينا من مساحة الأرض تكون غلتهاله، والباقي يكون للعامل أو يشتر كان فيه: فإن المزارعة في هذه الحال تكون فاسدة، لما فيها من الغرر ولأنها تفضي إلى النزاع.
روى البخاري عن رافع بن خديج قال: كنا أكثر أهل الأرض أي المدينة مزروعا.
كنا نكري الأرض بالناحية منها تسمى لسيد الأرض، فربما يصاب ذلك وتسلم الأرض، وربما تصاب الأرض ويسلم ذلك، فنهينا.
وروي أيضا عنه: أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: «ما تصنعون بمحاقلكم» المزارع.
قالوا: نؤجرها على الربع، وعلى الاوسق من التمر والشعير.
قال: «لا تفعلوا».وروى مسلم عنه قال: وإنما كان الناس يؤجرون على عهد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بما على الماديانات - ما ينبت على حافة النهر ومسايل الماء وأقيال الجداول - أوائل السواقي - وأشياء من الزرع، فيهلك هذا ويسلم هذا، ويسلم هذا ويهلك هذا، ولم يكن للناس كري إلا هذا، فلذلك زجر عنه.