الأربعاء، 14 مارس 2012

موسوعة الفقه - باب الرهن


الرهن وأحكامه

تعريفه: يطلق الرهن في اللغة على الثبوت والدوام، كما يطلق على الحبس.
فمن الأول قولهم: نعمة راهنة، أي ثابتة ودائمة.
ومن الثاني قوله تعالى: {كل نفس بما كسبت رهينة}.
أي محبوسة بكسبها وعملها.
وأما معناه في الشرع: فقد عرفه العلماء بأنه جعل عين لها قيمة مالية في نظر الشرع وثيقة بدين، بحيث يمكن أخذ ذلك الدين، أو أخذ بعضه من تلك العين.
فإذا استدان شخص دينا من شخص آخر وجعل له في في نظير ذلك الدين عقارا أو حيوانا محبوسا تحت يده حتى يقضيه دينه، كان ذلك هو الرهن شرعا.
ويقال لمالك العين المدين: راهن، ولصاحب الدين الذي يأخذ العين ويحبسها تحت يده نظير دينه: مرتهن كما يقال للعين المرهونة نفسها: رهن.

.مشروعيته:
الرهن جائز، وقد ثبت بالكتاب والسنة والاجماع.
أما الكتاب: فلقول الله تعالى: {وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي أوتمن أمانته وليتق الله ربه}.
وأما السنة: فقد رهن النبي صلى الله عليه وسلم درعه عند يهودي.
طلب منه سلف الشعير، فقال: إنما يريد محمد أن يذهب بمالي.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «كذب، إني لامين في الأرض، أمين في السماء، ولو ائتمنني لاديت، اذهبوا إليه بدرعي».
وروى البخاري وغيره عن أم المؤمنين عائشة، رضي الله عنها، قالت: «اشترى رسول الله صلى الله عليه وسلم من يهودي طعاما ورهنه درعه».
وقد أجمع العلماء على ذلك، ولم يختلف في جوازه ولا مشروعيته أحد، وإن كانوا قد اختلفوا في مشروعيته في الحضر.
فقال الجمهور: يشرع في الحضر، كما يشرع في السفر، لفعل الرسول، صلى الله عليه وسلم، له وهو مقيم بالمدينة، وأما تقيده بالسفر في الآية فإنه خرج مخرج الغالب، فإن الرهن غالبا يكون في السفر.
وقال مجاهد والضحاك، والظاهرية: لايشرع الرهن إلا في السفر استدلالا بالآية.
والحديث حجة عليهم.

.شروط صحته:
يشترط لصحة عقد الرهن الشروط الآتية:
أولا: العقل.
ثانيا: البلوغ.
ثالثا: أن تكون العين المرهونة موجودة وقت العقد، ولو كانت مشاعة.
رابعا: أن يقبضها المرتهن أو وكيله.
قال الشافعي: لم يجعل الله الحكم إلا برهن موصوف بالقبض، فإذا عدمت الصفة وجب أن يعدم الحكم.
وقالت المالكية: يلزم الرهن بالعقد ويجبر الراهن على دفع الرهن ليحوزه المرتهن، ومتى قبضه المرتهن فإن الراهن يملك الانتفاع به، خلافا للشافعي الذي قال: بأن له حق الانتفاع ما لم يضر بالمرتهن.

.انتفاع المرتهن بالرهن:
عقد الرهن عقد يقصد به الاستيثاق وضمان الدين وليس المقصود منه الاستثمار والربح، وما دام ذلك كذلك فإنه لا يحل للمرتهن أن ينتفع بالعين المرهونة، ولو أذن له الراهن، لأنه قرض جر نفعا، وكل قرض جر نفعا فهو ربا.
وهذا في حالة ما إذا لم يكن الرهن دابة تركب أو بهيمة تحلب، فإن كان دابة أو بهيمة فله أن ينتفع بها نظير النفقة عليها فإن قام بالنفقة عليها كان له حق الانتفاع، فيركب ما أعد للركوب كالإبل والخيل والبغال ونحوها ويحمل عليها، ويأخذ لبن البهيمة كالبقر والغنم ونحوها.
والادلة على ذلك ما يأتي: أ- عن الشعبي، عن أبي هريرة، عن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: «لبن الدر يحلب بنفقته إذا كان مرهونا، والظهر يركب بنفقته إذا كان مرهونا، وعلى الذي يركب ويحلب النفقة».
قال أبو داود: وهو عندنا صحيح، وقد أخرجه آخرون منهم البخاري والترمذي وابن ماجه.
ب- وعن أبي هريرة أيضا، عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أنه كان يقول: «الظهر يركب بنفقته إذا كان مرهونا، ولبن الدر يشرب بنفقته إذا كان مرهونا، وعلى الذي يركب ويشرب النفقة» رواه الجماعة إلا مسلما والنسائي.
وفي لفظ: «إذا كانت الدابة مرهونة فعلى المرتهن علفها، ولبن الدر يشرب وعلى الذي يشرب نفقته» رواه أحمد، رضي الله عنه.
ج- وعن أبي صالح عن أبي هريرة أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: «الرهن محلوب مركوب» أو «مر كوب محلوب» كما جاء في رواية أخرى.

.مؤونة الرهن ومنافعه:
مؤونة الرهن وأجرة حفظه وأجرة رده على مالكه.
ومنافع الرهن للراهن، ونماؤه يدخل في الرهن، ويكون رهنا مع الاصل، فيدخل فيه الولدوالصوف والثمرة واللبن، لقوله صلى الله عليه وسلم: «له غنمه، وعليه غرمه».
وقال الشافعي: لايدخل شيء من ذلك في الرهن.
وقال مالك: لايدخل إلا الولد وفسيل النخل.
فإذا أنفق المرتهن على الرهن بإذن الحاكم مع غيبة الراهن وامتناعه كان دينا للمنفق على الراهن.

.الرهن أمانة:
والرهن امانة في يد المرتهن، لا يضمن إلا بالتعدية عند أحمد والشافعي.

.بقاء الرهن حتى يؤدى الدين:
قال ابن المنذر: أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم أن من رهن شيئا بمال فأدى بعضه وأراد إخراج بعض الرهن فإن ذلك ليس له حتى يوفيه آخر حقه أو يبرئه.

.غلق الرهن:
كان من عادة العرب أن الراهن إذا عجز عن أداء ما عليه من دين خرج الرهن عن ملكه، واستولى عليه المرتهن، فأبطله الإسلام ونهى عنه.
ومتى حل الاجل لزم الراهن الايفاء وأداء ما عليه من دين، فإن امتنع من وفائه ولم يكن أذن له ببيع الرهن أجبره الحاكم على وفائه أو بيع الرهن، فإن باعه وفضل من ثمنه شيء فلمالكه، وإن بقي شيء فعلى الراهن.
ففي حديث معاوية بن عبد الله بن جعفر: أن رجلا رهن دارا بالمدينة إلى أجل مسمى، فمضى الاجل، فقال الذي ارتهن: منزلي فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يغلق الرهن من صاحبه الذي رهنه، له غنمه وعليه غرمه» رواه الشافعي والاثرم والدارقطني، وقال: إسناده حسن متصل.
قال الحافظ بن حجر في بلوغ المرام:
ورجاله ثقات، إلا أن المحفوظ عند أبي داود وغيره إرساله.

اشتراط بيع الرهن عند حلول الاجل:
فإذا اشترط بيع الرهن عند حلول الاجل جاز هذا الشرط وكان من حق المرتهن أن يبيعه، خلافا للامام الشافعي الذي يرى بطلان الشرط.

.بطلان الرهن:
ومتى رجع الرهن إلى الراهن باختيار المرتهن بطل الرهن.