الأربعاء، 21 مارس 2012

موسوعة العقيدة - الإلهيات - الصفات الخبرية : بين الإسم والصفة


بين الإسم والصفة

إن دلالات الألفاظ تنقسم إلى أقسام باعتبارات مختلفة ويجب على الباحث أن يكون ذا بصيرة بالألفاظ التي يتعامل معها والدلالة النوعية لكل لفظ منها، فقد يؤدي الخلط في الدلالات إلى الخلط في المفاهيم.
فاللفظ الواحد قد يكون له دلالة وضعية وقد يكون له دلالة اصطلاحية ، وقد يكون له دلالة عرفية ولو لم تحدد الدلالة المقصودة في استعمال اللفظ في الموضوع الواحد بحيث لا يستعمل اللفظ في موضوع واحد بنوعين من الدلالة لأدى ذلك إلى خلط ونزاع لا يرفعهما إلا الرجوع إلى تحديد مفهوم اللفظ الواحد في ذات الموضوع.
وهذه التوطئة ضرورية لعلاج الموضوع الذي نحن بصدده فالاسم مثلاً له مفهوم بالمعنى الوضعي للكلمة وله مفهوم اصطلاحي عند النحاة وله مفهوم اصطلاحي عند علماء الكلام والصفة لها مفهوم بحكم الوضع ولها مفهوم اصطلاحي عند علماء النحو ولها مفهوم اصطلاحي عند علماء الكلام.
ويجب قبل الخوض في موضوع الصفات والأسماء التي نتحدث عنها بالنسبة لله عز وجل أن نحدد مفهوم كل من الصفة والاسم الذي نختاره لكي يكون الأساس الذي ننطلق منه ونلتزم به في معالجتنا لهذه القضية.
فالاسم من أجل الوضع إما أن يكون مأخوذاً من السمو وهو الرفعة والعلو أو مأخوذاً من السمة وهي العلاقة المميمة فإن كان مأخوذاً من السمو ( وجب أن يكون كل لفظ دل على معنى من المعاني اسماً وذلك لأن اللفظ لما كان دالاً على المعنى فهو من حيث إنه دليل يكون متقدماً على المدلول فكان معنى السمو حاصلاً فيه " .
وإن كان من السمة فكل لفظ دل على معنى كان سمة على ذلك المعنى وعلامة عليه.
والمتأمل في هذه الدلالة الوضعية للاسم يجده صالحاً بحكم دلالته لكي يكون شاملاً لمفهوم الاسم والصفة فلما جاء عصر التأليف في النحو والكتابة فيه وضع المشتغلون به للاسم مصطلحاً خاصاً يخالف من بعض الوجوه في دلالته الدلالة الوضعية للاسم التي سبق الإشارة إليها وبيان ذلك أن النحاة قسموا الكلمة إلى أقسام فمنها ما يدل بذاته على معناه ومنها ما لا يدل على معناه، إلا إذا اقترن بغيره.
فالذي لا يدل على معناه ، بنفسه ، هو الحرف.
والذي يعين معناه بنفسه نوعان :
أحدهما : ما يدخل الزمن في دلالته وهو الفعل.
وثانيهما : ما لا يدخل الزمن في دلالته ، وهو الاسم .
        ويتبين من ذلك أن للنحاة مفهوماً اصطلاحياً يحددون به ما يستعملونه من ألفاظ.
ولما نشأ علم الكلام ونشطت الفرق للكتابة فيه والحديث في مسائله، كان لمعنى الصفة عندهم مفهوم اصطلاحي يخالف ما تعارفوا عليه من مفهوم الاسم.
        فالاسم عندهم ما يدل على الماهية المجردة من غير اعتبار آخر يضاف إلى تلك الماهية.
أما الصفة فهي ما يدل على شئ آخر يضاف إلى الماهية زائداً على حقيقتها المجردة.
        إذا تبين هذا فنقول : إننا نختار أن يكون استعمالنا للاسم والصفة مضافين إلى الله عز وجل على معناهما اللغوي بحسب الوضع.
        والذي يؤيد ذلك الاتجاه عندنا أن القرآن الكريم والأحاديث النبوية إنما تستعمل اللغة العربية غالباً بحسب وضعها وفي غير الغالب تستعمل الألفاظ العربية بعد تعديل معناها ولكن لا لتتحول دلالتها من الوضع إلى الاصطلاح لكي يوافق فئة أو فرقة من الفرق ولكن الشرع يترك اعتبار الدلالة الوضعية ليضع هو للفظ دلالة أخرى معتبرة عنده نسميها بالدلالة الشرعية إذا كان الأمر كذلك فإنه ليس من المعقول أن نشرح لفظاً ورد في القرآن أو السنة آخذين في الاعتبار مفهوماً آخر غير الدلالة اللفظية أو الشرعية.
        أما أولاً : فلأن هذين النوعين من الدلالات هما المعتبران في لغة القرآن والسنة.
وأما ثانياً : فإن الدلالات الاصطلاحية للألفاظ المشهورة في العقيدة ومن بينها الأسماء والصفات نشأت في فترة متأخرة نسبياً عن عصر المبعث وتأخرها هذا يجعلها لا تؤخذ في الاعتبار بدرجة ملزمة عندما نريد شرح مواقف الإسلام من جزئيات العقيدة أو كلياتها.
        وهذا الذي ذكرناه من وجوب اعتبار الدلالة اللغوية عندما نريد شرح موقف الإسلام من العقيدة، أو نتناول العقيدة من منظور إسلامي يفيد الباحثين فائدة عظيمة في الوصول إلى نتائجهم من أسهل الطرق، ويجعلهم يتخففون من كثير من المشاكل والمسائل المفتعلة.
        فهم لا يحتاجون إن كانوا من الأشاعرة ـ مثلاً ـ أن يدرسوا مسألة رجوع الأسماء الواردة في الشرع إلى الصفات الإلهية المعتبرة عندهم ، وهم لا يحتاجون إن كانوا من علماء الكلام على العموم أن يجهدوا أنفسهم في التفريق بين الاسم والصفة، وأيهما يجوز إطلاقه على الله ، وأيهما لا يجوز ... إلى غير ذلك من المسائل والقضايا التي بإمكاننا أن نتخفف منها إذا وقفنا عند حدود اللغة المستعملة في الشرع الحكيم بدلالاتها الوضعية أو الشرعية.
وهذا اقتراح نقدمه للقراء والباحثين كي يحاول القادر منهم تطويره، ثم الاستفادة منه في مجال الإسلاميات على العموم .
* * * * * * * * * *
واجتمع من هذا كله ركام من الأفكار، وانسابت أنهار الأوزار الثقال التي توارثها الخلف عن السلف، فناءت بحملها أكتافهم، وأصبحوا يشكون مر الشكوى من هذا الميراث الثقيل الذي تضاربت فيه الآراء ، واختلطت فيه الأقاويل.
فأصحاب الديانات لهم طريق.
والفلاسفة المثبتون لهم طرائق.
والفلاسفة المنكرون لهم شبه وأساليب.
وكل حزب يدعي الحق عنده، وأن ما عداه من البشر قد غرقوا في الضلال إلى أذقانهم.
وبالله من حيرة على حيرة.
ومن حقنا هنا أن نتساءل عن السبب الحقيقي وراء هذا الاختلاف، وعن المحور الحقيقي الذي يدور حوله هذا الخلاف.
هل بإمكاننا أن نعود بهذا الخلاف إلى صعوبة الموضوع المراد بحثه ؟
أم هل باستطاعتنا أن نعود بالخلاف كله إلى وعورة الطريق الذي يصل بالمرء إلى نتيجة حاسمة في الموضوع الذي يدور الخلاف حوله ؟
أم أن سبب الخلاف كله يرجع إلى شئ آخر لا يتصل بالموضوع، ولا يتصل بالسبل المؤدية إلى نتائج صحيحة في الموضوع موضع البحث والدراسة ؟
والحقيقة الموضوع واضح، والقضية محددة المعالم.
والحقيقة أيضاً أن هذا الطريق الذي يوصل إلى نتائج قاطعة واضح كذلك ومستقيم لا اعوجاج فيه ولا وعورة.
غير أن هذا الطريق نفسه محاط بطرق ومسالك ، وتكتنفه أدرب لا استقامة فيها ولا اعتدال، وهي برغم ذلك وعرة غير ممهدة لا يهتدي من سلكها إلى قصد، ولا يصل من سار فيها إلى غاية.
ويشير القرآن الكريم إلى الصراط المستقيم في أكثر من آية كما يومئ إلى المعوج من السبل بما فيه من ضلال القصد، وما يحتويه من غواية الهوى فيقول : " قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم " سورة البقرة : آية 142.