الخطبة
الخطبة: فعلة كقعدة وجلسة، يقال: خطب المرأة يخطبها خطبا وخطبة، أي طلبها للزواج بالوسيلة المعروفة بين الناس، ورجل خطاب: كثير التصرف في الخطبة، والخطيب، والخاطب، والخطب، الذي يخطب المرأة، وهي خطبه وخطبته.
وخطب يخطب، قال كلاما يعظ به، أو يمدح غيره ونحو ذلك.
والخطبة من مقدمات الزواج.
وقد شرعها الله قبل الارتباط بعقد الزوجية ليعرف كل من الزوجين صاحبه، ويكون الاقدام على الزواج على هدى وبصيرة.
.من تباح خطبتها:
لا تباح خطبة امرأة إلا إذا توافر فيها شرطان: الأول أن تكون خالية من الموانع الشرعية التي تمنع زواجه منها في الحال.
الثاني ألا يسبقه غيره إليها بخطبة شرعية.
فإن كانت ثمة موانع شرعية، كأن تكون محرمة عليه بسبب من أسباب التحريم المؤبدة أو المؤقتة، أو كان غيره سبقه بخطبتها، فلا يباح له خطبتها.
خطبة معتدة الغير: تحرم خطبة المعتدة.
سواء أكانت عدتها عدة وفاة أم عدة طلاق، وسواء أكان الطلاق طلاقا رجعيا أم بائنا.
فإن كانت معتدة من طلاق رجعي حرمت خطبتها، لأنها لم تخرج عن عصمة زوجها.
وله مراجعتها في أي وقت شاء.
وإن كانت معتدة من طلاق بائن حرمت خطبتها بطريق التصريح، إذ حق الزوج لا يزال متعلقا بها، وله حق إعادتها بعقد جديد.
ففي تقدم رجل آخر لخطبتها اعتداء عليه.
واختلف العلماء في التعريض بخطبتها، والصحيح جوازه.
وإن كانت معتدة من وفاة فانه يجوز التعريض لخطبتها أثناء العدة دون التصريح، لأن صلة الزوجيد قد انقطعت بالوفاة، فلم يبق للزوج حتى يتعلق بزوجته التي مات عنها.
وإنما حرمت خطبتها بطريق التصريح، رعاية لحزن الزوجة وإحدادها من جانب، ومحافظة على شعور أهل الميت وورثته من جانب آخر.
يقول الله تعالى: {ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو أكننتم في أنفسكم علم الله أنكم ستذكرونهن ولكن لا تواعدوهن سرا إلا أن تقولوا قولا معروفا ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه}.
والمراد بالنساء، المعتدات لوفاة أزواجهن، لأن الكلام في هذا السياق.
ومعنى التعريض أن يذكر المتكلم شيئا يدل به علي شيء لم يذكره.
مثل أن يقول: إني أريد التزوج ولوددت أن ييسر الله لي امرأة صالحة، أو يقول: إن الله لسائق لك خيرا.
والهدية إلى المعتدة جائزة، وهي من التعريض.
وجائز أن يمدح نفسه، ويذكر مآثره على وجه التعريض بالزواج وقد فعله أبو جعفر محمد بن علي بن حسين.
قالت سكينة بنت حنظلة: استأذن علي بن محمد علي ولم تنقض عدتي من مهلك زوجي فقال: قد عرفت قرابتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقرابتي من علي، وموضعي في العرب.
قلت: غفر الله لك يا أبا جعفر، إنك رجل يؤخذ عنك، تخطبني في عدتي؟ قال: إنما أخبرتك بقرابتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن علي.
وقد دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أم سلمة وهي متأيمة من أبي سلمة، فقال: «لقد علمت أني رسول الله وخيرته، وموضعي في قومي». وكانت تلك خطبة. رواه الدار قطني.
وخلاصة الاراء أن التصريح بالخطبة حرام لجميع المعتدات، والتعريض مباح للبائن وللمعتدة من الوفاة، وحرام في المعتدة من طلاق رجعي.
وإذا صرح بالخطبة في العدة ولكن لم يعقد عليها إلا بعد انقضاء عدتها فقد اختلف العلماء في ذلك.
قال مالك: يفارقها، دخل بها أم لم يدخل.
وقال الشافعي: صح العقد وان ارتكب النهي الصريح المذكور لاختلاف لجهة.
واتفقوا على أنه يفرق بينهما لو وقع العقد في العدة ودخل بها.
وهل تحل له بعد أم لا؟ قال مالك، والليث، والاوزاعي: لا يحل له زواجها بعد.
وقال جمهور العلماء: بل يحل له إذا انقضت العدة أن يتزوجها إذا شاء.
الخطبة على الخطبة: يحرم على الرجل أن يخطب على خطبة أخيه، لما في ذلك من اعتداء على حق الخاطب الأول وإساءة إليه، وقد ينجم عن هذا التصرف الشقاق بين الاسر، والاعتداء الذي يروع الأمنين.
فعن عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «المؤمن أخو المؤمن، فلا يحل له أن يبتاع على بيع أخيه، ولا يخطب على خطبة أخيه حتى يذر» رواه أحمد ومسلم.
ومحل التحريم ما إذا صرحت المخطوبة بالاجابة، وصرح وليها الذي أذنت له، حيث يكون إذنه معتبرا.
وتجوز الخطبة وقع التصريح بالرد، أو وقعت الاجابة بالتعريض، كقولها: لا رغبة عنك.
أو لم يعلم الثاني بخطبة الأول، أو لم تقبل وترفض، أو أذن الخاطب الأول للثاني.
وحكى الترمذي عن الشافعي في معنى الحديث: إذا خطب المرأة فرضيت به وركنت إليه؟ فليس لاحد أن يخطب على خطبته.
فإذا لم يعلم برضاها ولا ركونها، فلا بأس أن يخطبها.
وإذا خطبها الثاني بعد إجابة الأول وعقد عليها أثم والعقد صحيح لأن النهي عن الخطبة، وليست شرطا في صحة الزواج، فلا يفسخ بوقوعها غير صحيحة.
وقال داود: إذا تزوجها الخاطب الثاني فسخ العقد قبل الدخول وبعده.
.النظر إلى المخطوبة:
مما يرطب الحياة الزوجية ويجعلها محفوفة بالسعادة محوطة بالهناء، أن ينظر الرجل إلى المرأة قبل الخطبة ليعرف جمالها الذي يدعوه إلى الاقدام على الاقتران بها، أؤ قبحها الذي يصرف عنها إلى غيرها.
والحازم لا يدخل مدخلا حتى يعرف خيره من شره قبل الخول فيه.
قال الاعمش: كل تزويج يقع على غير نظر فآخره هم وغم.
وهذا النظر ندب إليه الشرع، ورغب فيه:
1- فعن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا خطب أحدكم المرأة، فان استطاع أن ينظر منها إلى ما يدعوه إلى نكاحها، فليفعل».
قال جابر: فخطبت امرأة من بني سلمة، فكنت أختبئ لها حتى رأيت منها بعض ما دعاني إليها. رواه أبو داود.
2- وعن المغيرة بن شعبة: أنه خطب امرأة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنظرت إليها؟» قال: لا، قال: «أنظر إليها، فانه أحرى أن يؤدم بينكما»، أي أجدر أن يدوم الوفاق بينكما. رواه النسائي وابن ماجه والترمذي وحسنه.
3- وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رجلا خطب امرأة من الانصار، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنظرت إليها»؟ قال: لا، قال: «فاذهب فانظر إليها، فان في أعين الانصار شيئا».
.المواضع التي ينظر إليها:
ذهب الجمهور من العلماء إلى أن الرجل ينظر إلى الوجه والكفين لا غير، لأنه يستدل بالنظر إلى الوجه على الجمال أو الدمامة، وإلى الكفين على خصوبة البدن أو عدمها.
وقال داود: ينظر إلى جميع البدن.
وقال الاوزاعي: ينظر إلى مواضع اللحم.
والأحاديث لم تعين مواضع النظر، بل أطلقت لينظر إلى ما يحصل له المقصود بالنظر إليه.
والدليل على ذلك ما رواه عبد الرزاق وسعيد بن منصور: أن عمر خطب إلى علي ابنته أم كلثوم، فذكر له صغرها، فقال: أبعث بها إليك، فإن رضيت فهي امرأتك، فأرسل إليها، فكشف عن ساقها، فقالت: لولا أنك أمير المؤمنين لصككت عينيك.
وإذا نظر إليها ولم تعجبه فليسكت ولا يقل شيئا، حتى لا تتأذى بما يذكر عنها، ولعل الذي لا يعجبه منها قد يعجب غيره.
.نظر المرأة إلى الرجل:
وليس هذا الحكم مقصورا على الرجل، بل هو ثابت للمرأة أيضا.
فلها أن تنظر إلى خاطبها فانه يعجبها منه مثل ما يعجبه منها.
قال عمر: لا تزوجوا بناتكم من الرجل الدميم، فانه يعجبهن منهم ما يعجبهم منهن.
.التعرف على الصفات:
هذا بالنسبة للنظر الذي عرف به الجمال من القبح، وأما بقية الصفات الخلقية فتعرف بالوصف والاستيصاف، والتحري ممن خالطوها بالمعاشرة أو الجوار، أو بواسطة بعض أفراد ممن هم موضع ثقته من الاقرباء كالأم، والاخت.
وقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم أم سليم إلى امرأة فقال: «انظري إلى عرقوبها وشمي معاطفها» وفي رواية «شمي عوارضها» رواه أحمد والحاكم والطبراني والبيهقي.
قال الغزالي في الاحياء: ولا يستوصف في أخلاقها وجمالها إلا من هو بصير صادق، خبير بالظاهر والباطن.
ولا يميل إليها فيفرط في الثناء، ولا يحسدها فيقصر، فالطباع مائلة في مبادئ الزواج، ووصف المزوجات إلى الافراط أو التفريط.
وقل من يصدق فيه ويقتصد، بل الخداع والاغراء أغلب.
والاحتياط فيه مهم لمن يخشى على نفسه التشوف إلى غير زوجته.
.حظر الخلوة بالمخطوبة:
يحرم الخلو بالمخطوبة، لأنها محرمة على الخاطب حتى يعقد عليها.
ولم يرد الشرع بغير النظر، فبقيت على التحريم، ولأنه لا يؤمن مع الخلوة مواقعة ما نهى الله عنه.
فإذا وجد محرم جازت الخلوة، لامتناع وقوع المعصية مع حضوره.
فعن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الاخر فلا يخلون بامرأة ليس معها ذو محرم منها، فان ثالثهما الشيطان».
وعن عامر بن ربيعة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يخلون رجل بامرأة لا تحل له، فان ثالثهما الشيطان إلا محرم». رواهما أحمد.
.خطر التهاون في الخلوة وضرره:
درج كثير من الناس على التهاون في هذا الشأن، فأباح لابنته أو قريبته أن تخالط خطيبها وتخلو معه دون رقابة، وتذهب معه حيث يريد من غير إشراف.
وقد نتج عن ذلك أن تعرضت المرأة لضياع شرفها وفساد فعافها وإهدار كرامتها.
وقد لا يتم الزواج فتكون قد أضافت إلى ذلك فوات الزواج منها.
وعلى النقيض من ذلك طائفة جامدة لا تسمح للخاطب أن يرى بناتها عند الخطبة، وتأبى إلا أن يرضى بها، ويعقد عليها دون أن يراها أو تراه إلا ليلة الزفاف.
وقد تكون الرؤية مفاجئة لهما غير متوقعة، فيحدث ما لم يكن مقدرا من الشقاق والفراق.
وبعض الناس يكتفي بعرض الصورة الشمسية، وهي في الواقع لا تدل على شيء يمكن أن يطمئن، ولا تصور الحقيقة تصويرا دقيقا.
وخير الأمور هو ما جاء به الإسلام، فإن فيه الرعاية لحق كلا الزوجين في رؤية كل منهما الاخر، مع تجنب الخلوة، حماية للشرف، وصيانة للعرض.
العدول عن الخطبة وأثره:
الخطبة مقدمة تسبق عقد الزواج، وكثيرا ما يعقبها تقديم المهر كله أو بعضه، وتقديم هدايا وهبات، تقوية للصلات، وتأكيدا للعلاقة الجديدة.
وقد يحدث أن يعدل الخاطب، أو المخطوبة، أو هما معا عن إتمام العقد، فهل يجوز ذلك؟ وهل يرد ما أعطي للمخطوبة؟ إن الخطبة مجرد وعد بالزواج، وليست عقدا ملزما، والعدول عن إنجازه حق من الحقوق التي يملكها كل من المتواعدين.
ولم يجعل الشارع لا خلاف الوعد عقوبة مادية يجازي بمقتضاها المخلف، وإن عد ذلك خلقا ذميما، ووصفه بأنه من صفات المنافقين، إلا إذا كانت هناك ضرورة ملزمة تقتضي عدم الوفاء.
ففي الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان».
ولما حضرت الوفاة عبد الله بن عمر قال: انظروا فلانا لرجل من قريش، فإني قلت له في ابنتي قولا كشبه العدة، وما أحب أن ألقى الله بثلث النفاق، وأشهدكم أني قد زوجته.
وما قدمه الخاطب من المهر فله الحق في استرداده، لا لأنه دفع في مقابل الزواج، وعوضا عنه.
وما دام الزواج لم يوجد، فإن المهر لا يستحق شيء منه، ويجب رده إلى صاحبه، إذ أنه حق خالص له.
وأما الهدايا فحكمها حكم الهبة، والصحيح أن الهبة لا يجوز الرجوع فيها إذا كانت تبرعا محضا لا لاجل العوض.
لان الموهوب له حين قبض العين الموهوبة دخلت في ملكه، وجاز له التصرف فيها، فرجوع الواهب فيها انتزاع لملكه منه بغير رضاه.
وهذا باطل شرعا وعقلا.
فإذا وهب ليتعوض من هبته ويثاب عليها فلم يفعل الموهوب له، جاز له الرجوع في هبته، وللواهب هنا حق الرجوع فيما وهب، لأن هبته على جهة المعاوضة، فلما لم يتم الزواج كان له حق الرجوع فيما وهب، والاصل في ذلك:
1- ما رواه أصحاب السنن، عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يحل لرجل أن يعطي عطية، أو يهب هبة فيرجع فيها، إلا الوالد فيما يعطي ولده».
2- ورووا عنه أيضا، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «العائد في هبته كالعائد في قيئه».
3- وعن سالم عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من وهب هبة فهو أحق بها ما لم يثب منها» أي يعوض عنها.
وطريقة الجمع بين هذه الأحاديث هي ما ذكره اعلام الموقعين قال: ويكون الواهب الذي لا يحل له الرجوع هو من وهب تبرعا محضا لا لاجل العوض، والواهب الذي له الرجوع هو من وهب ليتعوض من هبته، ويثاب منها، فلم يفعل الموهوب له، وتستعمل سنن رسول الله كلها، ولا يضرب بعضها ببعض.
رأي الفقهاء: إلا أن العمل الذي جرى عليه القضاء بالمحاكم: تطبيق المذهب الحنفي الذي يرى أن ما أهداه الخاطب لمخطوبته له الحق في استرداده إن كان قائما على حالته لم يتغير.
فالاسورة، أو الخاتم، أو العقد، أو الساعة، ونحو ذلك يرد إلى الخاطب إذا كانت موجودة.
فإن لم يكن قائما على حالته، بأن فقد أو بيع أو تغير بالزيادة، أو كان طعاما فأكل، أو قماشا فخيط ثوبا، فليس للخاطب الحق في استرداد ما أهداه أو استرداد بدل منه.
وقد حكمت محكمة طنطا الابتدائية الشرعية حكما نهائيا بتاريخ 13 يوليو سنة 1933.
وقررت فيه القواعد الاتية:
1- ما يقدم من الخاطب لمخطوبته، مما لا يكون محلا لورود العقد عليه، يعتبر هدية.
2- الهدية كالهبة، حكما ومعنى.
3- الهبة عقد تمليك يتم بالقبض.
وللموهوب له أن يتصرف في العين الموهوبة بالبيع ولاشراء وغيره، ويكون تصرفه نافذا.
4- هلاك العين أو استهلاكها مانع من الرجوع في الهبة.
5- ليس للواهب إلا طلب رد العين إن كانت قائمة.
وللمالكية في ذلك تفصيل بين أن يكون العدول من جهته أو جهتها:
فإن كان العدول من جهته فلا رجوع له فيما أهداه، وإن كان العدول من جهتها فله الرجوع بكل ما أهداه، سواء أكان باقيا على حاله، أو كان قد هلك، فيرجع ببدله إلا إذا كان عرف أو شرط، فيجب العمل به.
وعند الشافعية ترد الهدية سواء أكانت قائمة أم هالكة، فإن كانت قائمة ردت هي ذاتها، وإلا ردت قيمتها.
وهذا المذهب قريب مما ارتضيناه.
.الخطبة قبل الزواج:
يستحب أن يقدم العاقد أو غيره بين يدي العقد خطبة.
وأقلها: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
1- عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كل خطبة ليس فيها تشهد فهي كاليد الجذماء» رواه أبو داود، والترمذي وقال: حديث حسن غريب.
2- وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد لله، فهو أقطع» رواه أبو داود وابن ماجه.
أي أن كل أمر معتنى به، ومحتاج إلى أن يلقي صاحبه باله له من الاهتمام به لا يبدأ بحمدالله فهو مقطوع من البركة.
وليس المراد خصوص الحمد، بل المقصود ذكر الله عزوجل، ليتفق مع الروايات الاخرى.
والافضل أن يخطب خطبة الحاجة.
فعن عبد الله بن مسعود قال: «أوتي رسول الله صلى الله عليه وسلم جوامع الخير وخواتيمه، أوقال فواتح الخير، فعلمنا خطبة الصلاة، وخطبة الحاجة، خطبة الصلاة: التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله».
وخطبة الحاجة: إن الحمدلله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا.
من يهد الله فلامضل له، ومن يضلل الله فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله...ثم تصل خطبتك بثلاث آيات من كتاب الله:
1- {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون}.
2- {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والارحام إن الله كان عليكم رقيبا}.
3- {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما} رواه أصحاب السنن وهذا لفظ ابن ماجه: ولو لم يأت بالخطبة صح النكاح.
فعن رجل بن بني سليم قال: خطبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم المرأة التي عرضت نفسها عليه ليتزوجها صلى الله عليه وسلم.
فقال له: «زوجتكها بما معك من القرآن» ولم يخطب حكمة ذلك: قال في حجة الله البالغة: كان أهل الجاهلية يخطبون قبل العقد بما يرونه من ذكر فاخر قومهم ونحو ذلك.
يتوسلون بذلك إلى ذكر المقصود والتنويه به، وكان جريان الرسم بذلك مصلحة، فإن الخطبة مبناها على التشهير.
وجعل الشئ بمسمع ومرأى من الجمهور.
والتشهير بما يراد وجوده في النكاح ليتميز من السفاح..وأيضا فالخطبة لا تستعمل إلا في الأمور المهمة.
والاهتمام بالنكاح وجعله أمرا عظيما بينهم من أعظم المقاصد، فأبقى النبي صلى الله عليه وسلم أصلها، وغير وصفها.
وذلك أنه ضم مع هذه المصالح مصلحة أخرى وهي: أنه ينبغي أن يضم في كل ارتفاق ذكر مناسب له، وينوه في كل عمل بشعائر الله، ليكون الدين الحق ناشرا أعلامه وراياته، ظاهرا شعاره وأماراته، فسن فيها أنواعا من الذكر كالحمد والاستعانة والاستغفار والتعوذ والتوكل والتشهد وآيات من القرآن.
وأشار إلى هذه المصلحة بقوله: «وكل خطبة ليس فيها تشهد فهي كاليد الحذماء».
وقوله «كل كلام لا يبدأ فيه بحمدالله فهو أجذم».
وقال صلى الله عليه وسلم: «فصل ما بين الحلال والحرام الصوت والدف في النكاح» الدعاء بعد العقد يستحب الدعاء لكل واحد من الزوجين بالمأثور:
1- فعن أبي هريرة: «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رفأ الإنسان أي إذا تزوج قال: بارك الله لك وبارك عليك وجمع بينكما في خير».
2- وعن عائشة قالت: «تزوجني النبي صلى الله عليه وسلم، فأتتني أمي فأدخلتني الدار، فإذا نسوة من الانصار في البيت، فقلن: على الخير، والبركة وعلى خير طائر» رواه البخاري وأبو داود.
3- وعن الحسن قال: تزوج عقيل بن أبي طالب رضي الله عنه امرأة من بني جشم. فقالوا: بالرفاء والبنين.
فقال: قولوا كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بارك الله فيكم، وبارك عليكم» رواه النسائي.