زواج التحليل
وهو أن يتزوج المطلقة ثلاثا بعد انقضاء عدتها، أو يدخل بها ثم يطلقها ليحلها للزوج الأول.
وهذا النوع من الزواج كبيرة من كبائر الاثم والفواحش، حرمه الله، ولعن فاعله.
1- فعن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لعن الله المحلل والمحلل له» رواه أحمد بسند حسن.
2- وعن عبد الله بن مسعود قال: «لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المحلل والمحلل له»..رواه الترمذي، وقال: هذا حديث حسن صحيح.
وقد روي هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير وجه.
والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم: عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعبد الله بن عمر وغيرهم.
وهو قول الفقهاء من التابعين.
3- وعن عقبة بن عامر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ألا أخبركم بالتيس المستعار؟ قالوا: بلى يا رسول الله قال: هو المحلل، لعن الله المحلل والمحلل له» رواه ابن ماجه، والحاكم، وأعله أبو زرعة وأبو حاتم بالارسال.
واستنكره البخاري، وفيه يحيى بن عثمان، وهو ضعيف.
4- وعن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن المحلل، فقال: «لا إلا نكاح رغبة، لا دلسة، ولا استهزاء بكتاب الله عزوجل، حتى تذوق عسيلته» رواه أبو اسحاق الجوزجاني.
5- وعن عمر رضي الله عنه قال، «لا أوتى بمحلل ولا محلل له إلا رجمتهما».
فسئل ابنه عن ذلك فقال: كلاهما زان رواه ابن المنذر، وابن رأبي شيبة، وعبد الرزاق.
6- وسأل رجل ابن عمر فقال: ما تقول في امرأة تزوجتها لاحلها لزوجها، ولم يأمرني ولم يعلم؟ فقال له ابن عمر: «لا، إلا نكاح رغبة، أن أعجبتك أمسكتها، وإن كرهتها فارقتها، وإن كنا نعد هذا سفاحا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم».
وقال: لا يزالان زانيين وان مكثا عشرين سنة إذا علم أنه يريد أن يحلها.
.حكمه:
هذه النصوص صريحة في بطلان هذا الزواج وعدم صحته، لأن اللعن لا يكون إلا على أمر غير جائز في الشريعة، وهو لا يحل المرأة للزوج الأول.
ولو لم يشترط التحليل عند العقد مادام قصد التحليل قائما، فان العبرة بالمقاصد والنوايا.
قال ابن القيم: ولا فرق عند أهل المدينة وأهل الحديث وفقهائهم بين اشتراط ذلك بالقول، أو بالتواطؤ والقصد فإن المقصود في العقود عندهم معتبرة، والاعمال بالنيات.
والشرط المتوطأ عليه الذي دخل عليه المتعاقدان كالملفوظ عندهم.
والالفاظ لا تراد لعينها، بل للدلالة على المعاني: فإذا ظهرت المعاني والمقاصد، فلا عبرة بالالفاظ لأنها وسائل، وقد تحققت غاياتها فترتب عليها أحكامها.
وكيف يقال: إن هذا زواج تحل به الزوجة لزوجها الأول، مع قصد التوقيت، وليس له غرض في دوام العشرة ولا ما يقصد بالزواج من التناسل وتربية الأولاد وغير ذلك من المقاصد الحقيقية لتشريع الزواج.
إن هذا الزواج الصوري كذب وخداع لم يشرعه الله في دين، ولم يبحه لاحد، وفيه من المفاسد والمضار ما لا يخفى على أحد.
قال ابن تيمية: دين الله أزكى وأطهر من أن يحرم فرجا من الفروج حتى يستعار له تيس من التيوس، لا يرغب في نكاحه ولا مصاهرته، ولا يراد بقاؤه مع المرأة أصلا، فينزو عليها، وتحل بذلك فإن هذا سفاح وزنا، كما سماه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. فكيف يكون الحرام محللا؟ أم كيف يكون الخبيث مطيبا؟ أم كيف يكون النجس مطهرا؟! وغير خاف على من شرح الله صدره للاسلام، ونور قلبه بالايمان، أن هذا من أقبح القبائح التي لا تأتي بها سياسة عاقل، فضلا عن شرائع الانبياء لا سيما أفضل الشرائع وأشرف المناهج. انتهى.
هذا هو الحق، وإليه ذهب مالك وأحمد، والثوري، وأهل الظاهر، وغيرهم من الفقهاء، منهم الحسن، والنخعي، وقتادة، والليث وابن المبارك.
وذهب آخرون إلى أنه جائز إذا لم يشترط في العقد.لان القضاء بالظواهر لا بالمقاصد والضمائر، والنيات في العقود غير معتبرة.
قال الشافعي: المحلل الذي يفسد نكاحه هو من يتزوجها ليخلها ثم يطلقها، فأما من لم يشترط ذلك في عقد النكاح فعقده صحيح.
وقال ابن حنيفية وزفر: أن اشترط ذلك عند انشاء العقد، بأن صرح أنه يحلها للاول تحل للاول ويكره، لأن عقد الزواج لا يبطل بالشروط الفاسدة فتحل للزواج الأول بعد طلاقها من الزوج الثاني أو موته عنها وانقضاء عدتها.
وعند أبي يوسف هو عقد فاسد، لأنه زواج مؤقت، ويرى محمد بصحة العقد الثاني، ولكنه لا يحلها للزوج الأول.
الزواج الذي تحل به المطلقة للزوج الأول:
إذا طلق الرجل زوجته ثلاث تطليقات فلا تحل له مراجعتها حتى تتزوج بعد انقضاء عدتها زوجا آخر زواجا صحيحا لا بقصد التحليل.
فإذا تزوجها الثاني زواج رغبة، ودخل بها دخولا حقيقيا حتى ذاق كل منهما عسيلة الاخر، ثم فارقها بطلان أو موت، حل للاول أن يتزوجها بعد انقضاء عدتها.
روى الشافعي وأحمد والبخاري ومسلم عن عائشة: جاءت امرأة رفاعة القرظي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إني كنت عند رفاعة، فطلقني: فبت طلاقي فتزوجني عبد الرحمن بن زبير، وما معه إلا مثل هدبة الثوب، فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: «أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ لا، حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك» وذوق العسيلة كناية عن الجماع.
ويكفي في ذلك التقاء الخنانين الذي يوجب الحد والغسل.
ونزل في ذلك قول الله تعالى: {فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظلنا أن يقيما حدود الله}.
وعلى هذا فان المرأة لا تحل للاول إلا بهذه الشروط:
1- أن يكون زواجها بالزوج الثاني صحيحا.
2- أن يكون زواج رغبة.
3- أن يدخل بها دخولا حقيقيا بعد العقد، ويذوق عسيلتها وتذوق عسيلته.
.حكمة ذلك:
قال المفسرون والعلماء في حكمة ذلك: انه إذا علم الرجل أن المرأة لا تحل له بعد أن يطلقها ثلاث مرات إلا إذا نكحت زوجا غيره فانه يرتدع، لأنه مما تأباه غيرة الرجال وشهامتهم، ولا سيما إذا كان الزوج الاخر عدوا أو مناظرا للاول.
وزاد على ذلك صاحب المنار فقال في تفسيره:
إن الذي يطلق زوجته، ثم يشعر بالحاجة إليها فيرتجعها نادما على طلاقها، ثم يمقت عشرتها بعد ذلك فيطلقها، ثم يبدو له ويترجح عنده عدم الاستغناء عنها، فيرتجعها ثانية، فانه يتم له بذلك اختبارها.
لان الطلاق الأول ربما جاء عن غير روية تامة ومعرفة صحيحة منه بمقدار حاجته إلى امرأته.
ولكن الطلاق الثاني لا يكون كذلك، لأنه لا يكون إلا بعد الندم على ما كان أولا، والشعور بأن كان خطأ، ولذلك قلنا أن الاختبار يتم به.
فإذا هو راجعها بعده كان ذلك ترجيحا لامساكها على تسريحها.
ويبعد أن يعود إلى ترجيح التسريح بعد أن رآه بالاختبار التام مرجوحا.
فإذا هو عاد وطلق ثالثة، كان ناقص العقل والتأديب، فلا يستحق أن تجعل المرأة كرة بيده يقذفها متى شاء تقلبه ويرتجعها متى شاء هواه، بل يكون من الحكمة أن تبين منه، ويخرج أمرها من يده، لأنه علم أن لا ثقة بالتثامهما واقامتهما حدود الله تعالى.
فان اتفق بعد ذلك أن تزوجت برجل آخر عن رغبة، واتفق أن طلقها الاخر أو مات عنها، ثم رغب فيها الأول وأحب أن يتزوج بها - وقد علم أنها صارت فراشا لغيره - ورضيت هي بالعودة إليه فان الرجاء في التئامهما، واقامتهما حدود الله تعالى، يكون حينئذ قويا جدا، ولذلك أحلت له بعد العدة.