الجمعة، 23 مارس 2012

موسوعة العقيدة - السمعيات : البعث


البعث


        روح الإنسان : جسم لطيف . يحل في الجسد ، فيجعله يشعر ، ويتحرك ، ويفكر، وللروح مع الجسد تعلقات مختلفة : فتتعلق به جنينا في بطن أمه ، وتتعلق به في اليقظة بعد الولادة ، وتتعلق به أثناء النوم ، وتتعلق به في عالم البرزخ بعد الموت ، وتتعلق به يوم القيامة ، ولكل حالة خصائصها .

        والموت عبارة عن : انقطاع صلة الروح بالجسد ، لتنتقل من عالم إلى عالم آخر ، فليس الموت عدما أو فناء للروح .

        وملك الموت هو الذي يتولى إخراج الروح من الجسد ، وله أعوان يساعدونه .

        ولا يبقى من الجسد إلا عجب الذنب ، وهو عظم صغير في آخر سلسلة الظهر. قال صلى الله عليه وسلم : " كل ابن آدم يأكله التراب إلا عجب الذنب. منه خلق ، وفيه يركب " (1) وهو كالروح مستثنى من العموم في قوله تعالى : { كل من عليها فان (26) } [ الرحمن ] وقوله تعالى : { كل شئ هالك إلا وجهه } [القصص /88]

        وبعد انصراف الناس من دفن الميت . يأتيه ملكان : أحدهما (منكر) ، والآخر (نكير) فيقعدانه ، ويعيد الله إليه روحه ، فيسمع ويتكلم ، فيسألانه : من ربك ؟ وما دينك ؟ وما تقول في الرجل المبعوث فيكم ؟

        أما المؤمن فيقول : ربي الله ، وديني الإسلام ، والرجل المبعوث فينا هو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم . فيقولان له : انظر إلى مقعدك في النار ، قد أبدلك الله به مكانا في الجنة . فيراهما جميعا . ثم يقولان له : نم نومة العروس.

        وأما المنافق أو الكافر ، فيقول : لا أدري . فيقولان له : لا دريت ولا تليت. ويبدأ عذابه في القبر.

        وسؤال القبر للروح والجسد ، ولو أكلته السباع أو الحيتان ، أو التهمته النيران . فقبره المكان الذي يستقر فيه . والله على كل شئ قدير.

        وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت ، وقف عليه ، فقال: "استغفروا لأخيكم ، واسألوا له التثبيت . فإنه الآن يسأل" (2).

        وقد أشار القرآن إلى حياة البرزخ فقال تعالى : { حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون (99) لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون (100)} [ المؤمنون ] .

        وكذلك نعيم القبر وعذابه للروح والجسد معا ، فالقبر روضة من رياض الجنة ، أو حفرة من حفر النار.

        وقد أشار القرآن الكريم إلى عذاب القبر فقال : { وحاق بءال فرعون سوء العذاب (45) النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة ادخلوا ءال فرعون أشد العذاب (46)} [ غافر].

        فقالوا : { غدوا وعشيا } أي في عالم البرزخ ؛ لأن يوم القيامة لا غدو فيه ولا عشي ، ولا شروق ولا غروب وبقية الآية تتكلم عنه .

        وقال تعالى في وصف حياة الشهداء في عالم البرزخ : { ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون (169) فرحين بما ءاتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون (170) } [ آل عمران ].

        ومر صلى الله عليه وسلم على قبرين . فقال : " أما إنهما ليعذبان ، وما يعذبان في كبير : أما أحدهما ، فكان يمشي بالنميمة ، وأما الآخر ، فكان لا يستتر من بوله ، قال : فدعا بعسيب رطب ، فشقه باثنين ، ثم غرس على هذا واحدا ، وعلى هذا واحدا . ثم قال : لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا " (3).


إمكان البعث

        1ـ البعث أمر ممكن عقلا : ـ

        عرض القرآن الكريم لأدلة إمكان بعث الناس لمحاسبتهم في كثير من سوره وآياته ، ونتناول هنا موضعين فقط :

        الموضوع الأول : من سورة الحج :

        قال تعالى : { يأيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى ثم نخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج (5) ذلك بأن الله هو الحق وأنه يحي الموتى وأنه على كل شئ قدير (6) وأن الساعة ءاتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور (7) } [ الحج ].

        وقد اشتملت الآيات على دليلين على إمكان البعث :

        الدليل الأول :

        خلق الإنسان وتطوره في هذه المراحل المختلفة المذكورة في الآية والتي أشرنا إليها عند حديثنا عن دليل الخلق على وجود الله ، فمن قدر على خلق لإنسان على هذه الصورة العجيبة ، وفي هذه الأطوار الدقيقة ، فهو لا شك أقدر على إعادته { كما بدأنا أول خلق نعيده }

        الدليل الأخر :

        دليل حسي يراه كل إنسان إذا نظر إلى الأرض الميتة التي لا زرع فيها ولا ثمر لعدم وجود مياه الري ، فإذا نزل عليها عادت إليها الحياة فازدادت ، وانتفخت ، وأنبتت من كل صنف حسن نضير .

        الموضع الآخر : من سورة يس :

        قال تعالى : { وضرب لنا مثلا ونسى خلقه قال من يحي العظام وهي رميم (78) قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم (79) الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون (80) أو ليس الذي خلق السموات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم (81) إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون (82) فسبحان الذي بيده ملكوت كل شئ وإليه ترجعون (83) }.

        وقد اشتملت الآيات على أربعة أدلة :

        الدليل الأول : من قدر على البدء قدر على الإعادة :

        وذلك في قوله تعالى : { قل يحييها الذي أنشأها أول مرة } إذ كل عاقل يعلم ضرورة أن من قدر على النشأة الأولى ، فهو على النشأة الأخرى أقدر، وأنه لو كان عاجزا عن الثانية لكان عن الأولى أعجز وأعجز ، ولما كان الخلق يستلزم قدرة الخالق على المخلوق ، وعلمه بتفاصيل خلقه ، قال : { وهو بكل خلق عليم} فإذا كان تام العلم ، كامل القدرة ، فكيف يتعذر عليه أن يحي العظام وهي رميم ؟

        الدليل الثاني : من قدر على إيجاد الضد من ضده قدر على إعادة الإنسان ، وذلك قوله تعالى : { الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون} فلا يظن ظان أن الإنسان إذا مات ، وصارت عظامه رميما يابسا باردا لا يمكن أن تعود إليه الحرارة ، والرطوبة مرة أخرى ، فإن الله أوجد من الشجر الأخضر الرطب البارد نارا حارة ، وذلك كما لو أخذ غصن من شجر المرخ الأخضر الرطب ، وضرب بغصن من شجر العفار الأخضر الرطب ، فإنه تتقد منه النار ، كما يعرف ذلك أهل البادية ، فمن قدر على إخراج النار من لا نار ، وإيجاد الحرارة من الرطوبة قادر على إحياء الإنسان .

        الدليل الثالث : من قدر على الأكبر قدر على الأصغر من باب أولى :

        وذلك قوله تعالى : { أوليس الذي خلق السموات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم } فإن كل عاقل يعلم أن من قدر على العظيم الجليل ، فهو على ما دونه بكثير أقدر وأقدر ، فمن قدر على حمل مائة كيلو فهو على حمل كيلو واحد أشد اقتدارا . فأخبر أن الذي أبدع السموات والأرض على عظم شأنها ، وكبر حجمهما ، وعجيب خلقهما ، أقدر على أن يحي عظاما قد صارت رميما ، كما قال في موضع آخر : { لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون (57)} [غافر]

        الدليل الرابع : { إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون } ففعل الله تعالى ليس كفعل المخلوق الذي يحتاج إلى الآلات والوسائل ، وإلى من يعينه ويساعده في الصنع ، فالحق تعالى إذا أراد شيئا قال له : كن فإذا هو كائن كما أراده وشاءه جل في علاه .

        ثم ختم هذه الآيات المباركة بقوله : { فسبحان الذي بيده ملكوت كل شئ وإليه ترجعون }.

        ب ـ البعث أمر سيقع فعلا :

        وعرض القرآن لهذه القضية في أكثر من موضع وقد أمر نبيه أن يقسم به جل في علاه على وقوع البعث في ثلاثة مواضع هي :

        (1) { ويستنبئونك أحق هو قل إي وربي إنه لحق وما أنتم بمعجزين (53)} [ يونس ]

        (2) { وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة قل بلى وربي لتأتينكم } [سبأ/3]

        (3) { زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم وذلك على الله يسير (7)} [ التغابن ].

        مقدمة عن حياة البرزخ : ـ

==================

المراجع والهوامش :

1ـ رواه مسلم في الفتن 4/227 .
2ـ رواه أبو داود في الجنائز 3/550 .
3ـ رواه مسلم في الإيمان 1/241