الصراط
بعدما ينتهي وزن الأعمال والحساب ، ويعرف كل نتيجة عمله ، يأخذ الخلق طريقهم إلى النعيم أو الشقاء ، فيمرون على الصراط الذي يوصلهم إلى نهايتهم.
والصراط جسر ممدود على ظهر جهنم ترده جميع الخلائق ما عدا طائفة من الكفار ، يعجل بإلقائهم في جهنم من الموقف.
وقد يراد بالصراط الدين كما في قوله تعالى : { اهدنا الصراط المستقيم(6)} [الفاتحة] وقوله سبحانه : { وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله } [الأنعام/153] وحديثنا هنا عن الصراط بالمعنى الأول.
واختلف المفسرون في المراد بالورود المذكور في قوله تعالى : { وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا (71)} [مريم] . والأظهر أنه المرور على الصراط المستقيم .
وفي الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال : " والذي نفسي بيده ، لا يلج النار أحد بايع تحت الشجرة" قالت حفصة : فقلت يا رسول الله ، أليس الله يقول : { وإن منكم إلا واردها } فقال : " ألم تسمعيه قال : { ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا (72)} [مريم].
أشار صلى الله عليه وسلم إلى أن ورود النار لا يستلزم دخولها ، وأن النجاة من الشر لا تستلزم حصوله ، بل تستلزم انعقاد سببه ، فمن طلبه عدوه ليهلكوه، ولم يتمكنوا منه ، يقال : نجاه الله منهم .
وقد ورد في صفة الصراط ما رواه مسلم في حديث طويل جاء فيه قوله صلى الله عليه وسلم : " ثم يضرب الجسر على جهنم ، وتحل الشفاعة ، ويقولون : اللهم سلم سلم . قيل : يا رسول الله ، وما الجسر ؟ قال : دحض مزلة ، فيه خطاطيف، وكلاليب ، وحسك تكون بنجد ، فيها شويكة . يقال لها السعدان . فيمر المؤمنون كطرف العين ، وكالبرق ، وكالريح ، وكالطير، وكأجاويد الخيل، والركاب: فناج مسلم ، ومخدوش مرسل ، ومكدوس في نار جهنم" (1).
وفي رواية له : " ويضرب الصراط بين ظهري جهنم ، فأكون أنا وأمتي أول من يجيز ، ولا يتكلم يومئذ إلا الرسل. ودعوى الرسل يومئذ : اللهم سلم سلم. وفي جهنم كلاليب مثل شواك السعدان . هل رأيتم السعدان ؟ قالوا : نعم يا رسول الله . قال : فإنها مثل شوك السعدان غير أنه لا يعلم ما قدر عظمها إلا الله ، تخطف الناس بأعمالهم . فمنهم المؤمن . بقى بعمله ، ومنهم المجازي حتى ينجي".
وروى أيضا عن أبي سعيد الخدري رضى الله عنه قال : " بلغني أن الجسر أدق من الشعر، وأحد من السيف".
ويمر المؤمنون على الصراط ، ونورهم يسعى بين أيديهم ، لا يخافون ، ولا يتعثرون . قال تعالى : { يوم ترى المؤمنين والمؤمنيات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك هو الفوز العظيم (12) } [ الحديد ].
وروى البيهقي بسنده عن مسروق عن عبد الله قال : " يجمع الله الناس يوم القيامة " إلى أن قال : " فيعطون نورهم على قدر أعمالهم . فمنهم من يعطي نوره مثل الجبل بين يديه ، ومنهم من يعطي نوره دون ذلك ، ومنهم من يعطي نوره مثل النخلة بيمينه ، ومنهم من يعطي دون ذلك ، حتى يكون آخر ذلك من يعطي نوره على إبهام قدمه ، يضيئ مرة ، ويطفأ مرة ، فإذا أضاء قدم قدمه ، وإذا طفئ قام ، ويمرون على الصراط كحد السيف، دحض كظاو . فيقال لهم : امضوا على قدر نوركم . فمنهم من يمر كانقضاض الكوكب، ومنهم من يمر كالطرف، ومنهم من يمر كالريح ، ومنهم من يمر كشد الرجل، يرمل رملا ، فيمرون على قدر أعمالهم ، حتى يمر الذي نوره على إبهام قدمه . تخر يد ، وتعلق يد ، وتخر رجل ، وتعلق رجل ، وتصيب جوانبه النار ، فيخلصون ، فإذا خلصوا قالوا : الحمد لله الذي نجانا منك بعد أن أراناك ، لقد أعطانا الله ما لم يعط أحدا " .
وقد اشتبه الأمر على بعض المعتزلة ، فظنوا أن هناك تعارضا في أوصاف الصراط ، فلم يعترفوا به على حقيقته ، وصرفوا عن ظاهره ، وقالوا : المراد به طريق الجنة وطريق النار.
وقال أهل السنة : إن حقيقة الصراط ممكنة . كما جاءت في الأحاديث النبوية ، وليس هناك ما يدعو إلى التأويل ، وصرف النصوص عن ظاهرها ، واختلاف أوصاف الصراط في الضيق والسعة ، إنما هو بحسب أحوال المارين عليه ، ونحن في الدنيا نشعر بمثل هذا . فعند الاطمئنان النفسي نرى الطريق واضحة واسعة . وعند الحزن والشدة نراها ضيقة مغلقة . والله أعلم .
================
المراجع والهوامش :
1ـ رواه مسلم في الإيمان 1/169 . يضرب الجسر : أي يمد الصراط . تحل الشفاعة : أي يؤذن بشفاعة الملائكة والنبيين والمؤمنين . دحض مزلة : بمعنى واحد وهو الموضع الذي تزل فيه الأقدام . الكلاليب : جمع كلوب : وهي حديدة معطوفة الرأس يعلق فيها اللحم ، وتوضع في التنور ، والحسك شوك صلب . وأجاويد الخيل : من إضافة الصفة إلى الموصوف . وأجاويد جمع أجواد ، وهو جمع جواد ، وهو الجيد الجري . والركاب : الإبل واحدتها راحلة من غير لفظها. فناج مسلم الخ أي أنهم ثلاثة أقسام : قسم يسلم فلا يناله شئ أصلا ، وقسم يخدش ثم يرسل فيخلص ، وقسم يكردس أي يدفع من الخلف ، فيسقط في جهنم.