الجنة والنار
1ـ الجنة : ـ دار الثواب التي أعدها الله للمؤمنين الصالحين ولعصاة المؤمنين بعد أن يقضوا ما عليهم في جهنم ، أو يعفو الله عنهم ، ولأطفال المؤمنين والكافرين الذين ماتوا دون البلوغ . وهي فوق السماء السابعة عند سدرة المنتهى. قال تعالى : { ولقد رءاه نزلة أخرى (13) عند سدرة المنتهى(14) عندها جنة المأوى (15) } [النجم].
وهي سبع درجات ، بعضها فوق بعض : الفردوس ، وعدن ، والخلد ، والنعيم ، والمأوى ، ودار السلام ، ودار الجلال . وأفضلها الفردوس.
ولعل هذه الأسماء تطلق عليها كلها ، وإن اختلفت درجاتها : فهي الفردوس ؛ لأن الفردوس هو البستان الذي يجمع كل ما يكون في البساتين . وهي عدن أي إقامة ، وهي دار الخلود ؛ لخلودها وخلود من فيها . وهي جنة النعيم ؛ لوجود أنواع النعيم فيها ، وهي جنة المأوى ؛ لأن أهلها يأوون إليها ، وهي دار السلام ؛ لأن من دخلها يسلم من كل أذى ، وهي دار الجلال ؛ لظهور عظمة الله وجلاله في خلقها .
ودرجاتها كلها متصلة بمقام الوسيلة ، والدرجة الرفيعة ، لينعم جميع أهل الجنة بمشاهدة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم .
وهو أول من يدخلها ، عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسم :
" أنا أكثر الأنبياء تبعا يوم القيامة ، وأنا أول من يقرع باب الجنة " (1).
وللجنة ثمانية أبواب روى سهل بن سعد رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " في الجنة ثمانية أبواب ، فيها باب يسمى الريان ، لا يدخله إلا الصائمون " (2)
ومفتاحها ( لا إله إلا الله ) عن معاذ بن جبل رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مفاتيح الجنة شهادة أن لا إله إلا الله " (3).
وقد أفاضت الآيات القرآنية،والأحاديث النبوية في وصف نعيم الجنة ولذاتها ففيها ما تشتهيه الأنفس ، وتلذ الأعين ، وفيها فاكهة مما يتخيرون ، ولحم طير مما يشتهون ، ويسقون من رحيق مختوم ، ومن عين فيها تسمى سلسبيلا ، وفيها أنهار الماء ، واللبن ، والخمر ،والعسل.
ويلبسون الحرير ، والسندس ، والإستبرق ، ويحلون الذهب ، والفضة ، واللؤلؤ.
وزوجاتهم عذارى أبكار دائما ، والحور العين لم تمتد إليهم يد
وقد نزع الله من صدورهم الغل والسوء ، وجعلهم إخوانا متحابين.
واقرأ القرآن الكريم ، والسنة المطهرة ، لترى تفاصيل ذلك ، وأكتفي بذكر حديث نبوي واحد :
عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله يقول لأهل الجنة : يا أهل الجنة ، فيقولون : لبيك ربنا وسعديك ، والخير في يديك . فيقول: هل رضيتم ؟ فيقولون : وما لنا لا نرضى يا رب ، وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك ؟ فيقول : ألا أعطيكم أفضل من ذلك ؟ فيقولون : يا رب ، وأي شئ أفضل من ذلك ؟ فيقول : أحل عليكم رضواني ، فلا أسخط عليكم بعده أبدا ؟ (4).
2ـ النار : دار العذاب المعدة للكافرين ، وعصاة المؤمنين الذين لم يتوبوا ، ولم يعف الله عنهم إلى أن يأمر بخروجهم منها إلى الجنة .
وهي دركات بعضها تحت بعض ، أعلاها جهنم لعصاة المؤمنين ، وتحتها لظى ، ثم الحطمة ، ثم السعير ، ثم سقر ، ثم الجحيم ، ثم الهاوية . ولجهنم سبعة أبواب ، لكل باب منهم جزء مقسوم .
وقد كثر حديث القرآن الكريم ، والسنة المطهرة عما في النار من ألوان العذاب المادي والمعنوي ، فارجع إليها ، واقرأ ، واعتبر ، واستعذ بالله من النار .
وأكتفي بذكر حديث نبوي واحد : عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ناركم هذه التي يوقد ابن آدم جزء من سبعين جزءا من حر جهنم"(5).
3ـ الجنة والنار موجودتان الآن : ـ
يدل على ذلك قوله تعالى عن الجنة : { أعدت للمتقين (133) } [آل عمران] وعن النار : { أعدت للكافرين (131)} [ آل عمران ] وقوله تعالى : {النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب(46)} [ غافر] وقصة آدم وإسكانه الجنة وخروجه منها.
وقد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجنة ليلة الإسراء والمعراج . قال : "ثم انطلق بي جبريل حتى نأتي سدرة المنتهى ، فغشيها ألوان ما أدري ما هي ، قال : ثم أدخلت الجنة ، فإذا فيها جنابذ اللؤلؤ ، وإذا ترابها المسك " (6).
وقال صلى الله عليه وسلم : " والذي نفس محمد بيده ، لو رأيتم ما رأيت ، لضحكتم قليلا ، ولبكيتم كثيرا . قالوا : وما رأيت يا رسول الله ؟ قال : رأيت الجنة والنار" (7) . وقال صلى الله عليه وسلم : " إذا مات الرجل ، عرض عليه مقعده بالغداة والعشي : إن كان من أهل الجنة فالجنة ، وإن كان من أهل النار فالنار ، قال : ثم يقال : هذا مقعدك الذي تبعث إليه يوم القيامة " (8).
جاء في خطبته صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف قوله : " رأيت في مقامي هذا كل شئ وعدتم . حتى لقد رأيتني أريد أن آخذ قطفا من الجنة حين رأيتموني جعلت أتقدم . ولقد رأيت جهنم يحطم بعضها بعضا ، حين رأيتموني تأخرت " (9).
وقال صلى الله عليه وسلم : " إنما نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة ، حتى يرجعه الله تبارك وتعالى إلى جسده يوم يبعثه " (10).
وأما قوله تعالى : { كل شئ هالك إلا وجهه } [ القصص / 88] فلا يتعارض مع اعتقاد وجود الجنة والنار الآن ، ولا يلزم فناؤهما : لأن المراد من الآية : كل شئ مما كتب الله عليه الهلاك هالك ، والجنة والنار خلقتا للبقاء ، لا للفناء .
وقيل : كل شئ هالك إلا وجهه أي إلا جاهه ، كما تقول : لفلان وجه في الناس . أي جاه
وقيل : إلا وجهه أي : ذاته تعالى . أو ما أريد به وجهه (11) .
وأما قوله تعالى عن امرأة فرعون : { رب ابن لي عندك بيتا في الجنة } [التحريم /11] فيدل على أن الله يزيد في الجنة ما يشاء لمن يشاء .
وقوله تعالى عن الجنة : { عضها السموات والأرض } [ آل عمران/133] لا يعني عدم وجودها الآن ، فليس ملك الله منحصرا في السموات والأرض .
4ـ الجنة والنار باقيتان :
قال تعالى : { ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا } [الطلاق /11]
وقد تكرر وصف القرآن للجنة بالخلود والأبدية في ثماني آيات .
ووصفت النار بالخلود والأبدية في ثلاثة مواضع :
• { إن الذين كفروا وظلموا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقا (168) إلا طريق جهنم خالدين فيها أبدا } [ النساء /168ـ169]
• { إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيرا (64) خالدين فيها أبدا لا يجدون وليا ولا سعيرا } [ الأحزاب/64 ـ 65].
• { ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا (23)} [الجن]
وأما قوله تعالى : { فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق (106) خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد (107) * وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ (108) } [ هود] .
فالمقصود بالسموات والأرض المعلق خلود أهل الجنة والنار على بقائهما سماء الجنة وأرضها ، وسماء النار وأرضها ، وليس المقصود سماء الدنيا وأرضها : لأنهما تبدلتا كما قال تعالى : { يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات وبرزوا لله الواحد القهار (48) } [ ابراهيم]
وأما الاستثناء في قوله : { إلا ما شاء ربك } فلإعلامهم بأنهم مع خلودهم في مشيئته تعالى ، لا يخرجون عنها ، وأن بقاء الجنة والنار ومن فيهما ليس أمرا واجبا لذاته ، ولا واجبا عليه سبحانه ، وإنما هو أمر جائز في ذاته تفضل الله به .
فليس الاستثناء لنفي تأييد الخلود ، بل لنفي وجوبه أو أن المشيئة ذكرت على سبيل التبرك ، مثل قوله تعالى : { لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله أمنين } فذكر المشيئة للتبرك ، لأن وعده بدخولهم المسجد الحرام حق لا شك فيه .
وعن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يجاء بالموت يوم القيامة ، كأنه كبش أملح ، فيوقف بين الجنة والنار ، فيقال : يا أهل الجنة ، هل تعرفون هذا ؟ فيشرئبون ، وينظرون ، ويقولون : نعم ، هذا الموت . قال ويقال : يا أهل النار ، هل تعرفون هذا ؟ قال فيشرئبون ، وينظرون ، ويقولون : نعم . هذا الموت . . قال : ويؤمر به فيذبح . قال ثم يقال : يا أهل الجنة ، خلود فلا موت ، ويا أهل النار ، خلود فلا موت . قال : ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : { وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضى الأمر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون (39) } [ مريم ] وأشار بيده إلى الدنيا " (12).
===================
المراجع والهوامش :
ـ
1ـ رواه مسلم في الإيمان 1/188
2ـ رواه البخاري في صفة أبواب الجنة ـ المتن 4/145
3ـ رواه أحمد في المسند 5/243
4ـ رواه مسلم في الجنة 4/2176
5ـ رواه مسلم في الجنة 4/2842
6ـ رواه مسلم في الإيمان 1/149 والجنابذ جمع جنبذة وهي القبة .
7ـ رواه مسلم في الصلاة 1/320
8ـ رواه مسلم في الجنة 4/2199
9ـ رواه مسلم في الكسوف 2/619
10ـ رواه أحمد في المسند 3/455 يعلق : يأكل
11ـ انظر تفسير القرطبي للآية 13/322
12ـ رواه مسلم في الجنة 4/2188 والفعل (نظر) إذا جاء مع حرف الجر .