مقتضيات الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم
يقول ابن تيمية :
ثُمَّ الْإِيمَانُ بِأَنَّ مُحَمَّدًا نَبِيَّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، خَاتَمُ النَّبِيِّينَ، وَسَيِّدُ الْمُرْسَلِينَ، وَإِمَامُ الْمُتَّقِينَ وَرَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ، بَعَثَهُ إِلَيْنَا، وَإِلَى الْخَلْقِ أَجْمَعِينَ. وَهُوَ سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ، وَأَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ، فَآدَمُ وَمَنْ دُونَهُ تَحْتَ لِوَائِهِ. الشَّاهِدُ لِكُلِّ نَبِيٍّ، وَالشَّاهِدُ عَلَى كُلِّ أُمَّةٍ، أَخَذَ اللَّهُ تَعَالَى مِيثَاقَ الْأَنْبِيَاءِ بِالْإِيمَانِ، وَالْبِشَارَةِ بِهِ، وَوَصْفِهِ، وَتِبْيَانِهِ فِي كُتُبِهِمْ مَعَ مَا اخْتَصَّهُ اللَّهُ بِهِ مِنْ قَبْلِ النُّبُوَّةِ وَبَعْدَهَا مِنَ الْآيَاتِ الْمُعْجِزَاتِ الْبَاهِرَاتِ
[وأما الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم فتصديقه واتباع ما جاء به من الشرائع إجمالاً وتفصيلاً].
ونحن نعلم العبارة المحفوظة والمشهورة في معنى الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم عندما نقول: أنَّ الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم والشهادة له بالرسالة يتضمن (تصديقه فيما أخبر، وطاعته فيما أمر، واجتناب ما نهى عنه وزجر، وألا يعبد الله إلا بما شرع وأمر).
فالإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم أساسه: هو أن نؤمن بأنه رسول الله، كما يقول كل مسلم: أشهد أن محمداً رسول الله، ونردد ذلك في أذاننا وفي عبادتنا.
ومعنى هذا: أننا نبدأ من منطلق أنه رسول الله؛ فالله رب العالمين أرسل هذا الرسول إلى الخلق كافة وأمرهم أن يتبعوه، فأول شيء يجب أن نعلمه هو أنه رسول من عند الله، فليس هو بإله صلوات الله وسلامه عليه، وإنما هو رسول من الله، وكونه رسولاً يقتضي تلقائياً أن يطاع: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ [النساء:64] فلا يمكن أن يطاع المرسِل إلا باتباع الرسول صلوات الله وسلامه عليه
ومن شهد للنبي صلى الله عليه وسلم بأنه (رجل عظيم، وعبقري فذ، وسياسي ذكي، وقائد محنك، ومصلح اجتماعي، وبطل من الأبطال) لا يكون مسلماً؛ إلا مع الإقرار بأنه رسول رب العالمين إلى الناس ليعبدوا الله كما شرع وجمع الإذعان له والانقياد لحكمه؛ فمن لم يذعن لحكمه رسول الله صلى الله عليه وسلم فليس بمسلم وإن ادعى الإسلام
ولا شك عندنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد اختصه الله بصفات ليست في أي بشر، وهذه الصفات إنما هي ليلقى إليه الوحي، ويؤهل لأن يكون رسولاً لله.
أما أن ننظر إلى هذه الصفات فقط -وهي وسيلة للقيام بحق الرسالة- وننسى الرسالة التي هي الهدف الأسمى، والتي يجب أن نؤمن بها، ولا نكون مسلمين إلا إذا أقررنا بالإيمان بها، فهذا خطأ وباطل.
تصديق الرسول صلى الله عليه وسلم فيما أخبر
والإيمان به صلى الله عليه وسلم لابد لتحقيقه من اجتماع عدة أمور:
أولها: (تصديقه فيما أخبر)؛ أي: بما أخبرنا به صلى الله عليه وسلم كقوله: {إذا كان الثلث الأخير من الليل فإن الله ينزل إلى السماء الدنيا }.
فإذا قال بعض الناس: كيف ينزل؟! هذا فيه تجسيم وانتقال وتحرك، ويلزم منه كذا وكذا، فهو لم يؤمن برسول الله صلى الله عليه وسلم على الحقيقة.
يقول بعضهم: إذا جاءنا الحديث، وكان خبر آحاد، لم نأخذ به في العقيدة؛ فإن كان متواتراً، عرضناه على العقل وعلى القواطع والأدلة العقلية، فإن وافقها وإلا رُدّ..!
لو أن أعرابياً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: ماذا تقول يا محمد؟ ما دينك؟ إلام تدعو؟ قال: أدعو إلى عبادة الله وصلة الأرحام وترك عبادة الأصنام؛ فلما عرف الدين قال: سوف أرجع إلى قومي وأشاورهم في ذلك؛ فإنه لا يكون مسلماً بمجرد المعرفة بصحة وصدق ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير متابعة؛ يط كما فعل بنو تميم حين قالوا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ورجعوا إلى أكثم بن صيفي فقال لهم: ليتكم سبقتم إليه..!
وهناك ممن يدعي الإسلام ويقول: نعرض ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصفات أو في الإيمان أو في غيرهما على كلام أرسطو وأفلاطون ؛ فإن وافق كلامهم قبلناه، وإلا لم نقبله. فهل شهد أحد من هؤلاء بأن محمداً رسول الله؟ أين الشهادة بالنبي وأنتم تعارضونه بعقولكم أو بآرائكم؟
ولا ننسنى أن نذكركم ببشرية النبى فهو بشر أوحى إليه من رب العالمين