الأحد، 25 مارس 2012

موسوعة العقيدة - أسماء الله الحسنى : القادر المقتدر

القادر المقتدر

مع الدرس الثالث والسبعين من دروس أسماء الله الحُسنى والاسم اليوم القادر والمقتدر.. وهما اسمان من أسماء الله الحُسنى وردا في الأحاديث التي ذكرت أسماء الله الحُسنى.
 أكثر المصادر التي تحدَّثت عن أسماء الله الحُسنى أوردت هذين الاسمين معاً في موضوعٍ واحد، إلا أنَّ بعضهم فصل، لكنَّ أغلب المفسرين ودارسي هذا الموضوع جمعوا هذين الاسمين في موضوعٍ واحد.
 الحقيقة: القادر والمقتدر.. إما من القدرة أو من التقدير، وفرقٌ بين القدرة والتقدير، القدرة القوة، التقدير متعلِّق بالعلم والمهارة، فلذلك جاء في بعض المعاجم أنَّ القدير والقادر من صفات الله عزَّ وجلَّ، يكونان من التقدير ويكونان من القُدرة.
 فأحياناً يجب أن تضع مبضع الجرَّاح في هذا المكان بالذات، لو أخَّرته قليلاً لانقطع العصب ولشُلَّ الإنسان، فوضع هذا المشرط في المكان المناسب من التقدير.. أمّا أن يحتاج الشيء إلى قدرةٍ قادرة.. هذا من القدرة، فاسم القادر والقدير والمقتدر من موضوعين، من موضوع التقدير، ومن موضوع القدرة.
 العلماء لهم بعض الملاحظات حول الفرق بين هذين الاسمين.. فالقادر هو الذي يقدر على إيجاد المعدوم وإعدام الموجود.
 ومعلومٌ أنّ الله عزَّ وجلَّ واجب الوجود، لكنَّ الكون كلَّه ممكن الوجود، فالذي أوجد الممكن هو الله عزَّ وجلَّ، والذي سينهي هذا الممكن هو الله عزَّ وجلَّ، هو قادرٌ على إيجاد المعدوم، وإعدام الموجود.
 أما المقتدر كما قال العلماء فهو الذي يقدر على إصلاح الخلائق على وجهٍ لا يقدر عليه إلا الله، فأحياناً تشعر بمشكلة ليس لها حلٌ لكنَّ الله سبحانه وتعالى مقتدر على أن يصلح الخلائق على وجهٍ لا يستطيعه إلا هو.
 أيُّها الإخوة... القادر من مادة القُدرة، فهو قادرٌ ذو قدرةٍ ومقدرة، وفي التنزيل ورد اسم القادر في آياتٍ كثبرة، ففي سورة الأنعام قال تعالى:
﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِه﴾
(سورة الأنعام)
﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ﴾
 أي ما وصفوه حقَّ صفته. وقدَرَهُ: أي عرف قَدْرَهُ، قَدَرَهُ من التقدير، قَدَرَهُ من التعظيم ومنها ليلة القدر فقد قال تعالى:
﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2)﴾
(سورة القدر)
 والقادر.. أيضاً في صفة الله تعالى معناه المتمكِّن من الفعل بلا واسطة، نحن جميعاً نقدر على أن نصل إلى حلب في خمس ساعات عن طريق السيَّارة، وفي نصف ساعة عن طريق الطائرة، نقدر أن نقطف ثماراً عن طريق زرع نباتاتها، نقدر أن نصل إلى الماء عن طريق حفر البئر، فالإنسان من خصائصه أنَّه ضعيف، فإذا وصل إلى غايته فمن خلال وسيلة أو واسطة، لذلك فالعلماء يقولون: " إنَّ العِلَّة الغائيَّة لا تليق بالله عزَّ وجلَّ ".
 فنحن مقهورون بالوسيلة.. فإذا أردنا أن نرى الجرثوم نحتاج إلى مجهر، وإذا أردنا أن نرى الكواكب البعيدة نحتاج إلى مرصد، وإذا أردنا أن نصل إلى الماء نحتاج إلى حفر البئر، إذا أردنا أن نأكل نحتاج إلى أن نزرع، إذا أردنا أن نصل نحتاج إلى أن نركب، فالإنسان الذي يصل إلى أهدافه عن طريق وسائل ووسائط، هذا ليس مقتدراً ولا قادراً، لكنَّ الله سبحانه وتعالى:
﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82)﴾
(سورة يس)
 الإنسان ضعيف يكمِّل ضعفه بالأدوات..الميكروسكوب - يكمِّل به ضعف بصره، والتليسكوب - يكمِّل به قصر بصره، والمركبة والقطار والطائرة يكمِّل بها بُطْءَ سيره، والأداة التي بيده يكمِّل به ضعف يده كالمفك، هذه أدوات ووسائل، فالله سبحانه وتعالى منزَّهٌ عن العِلَّة الغائيَّة، منزَّه عن أن يصل إلى أهدافه بوسيلة، أما الإنسان ليس منزَّهاً.. فالله سبحانه وتعالى يقول:
﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ﴾
(سورة الزمر)
 أيضاً قال تعالى:
﴿وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ آَيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنَزِّلَ آَيَةً وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (37)﴾
(سورة الأنعام)
 والسؤال الذي يفرض نفسه الآن هو: لماذا ينبغي للإنسان أن يعرف الله، وأن يحِبَّه ؟ لأنَّه قادر.. فالإنسان يحب القوي، وأذكر لكم مثلاً منتزعاً من حياة الناس، فإذا كان هناك إنسانٌ قويٌ تجد الناسَ ملتفُّين حوله ويصادقونه، ويدعونه إلى ولائمهم ويقدِّمون له الهدايا من أجل أن يطمئنّوا أنَّهم على صلةٍ مع فلان.
 فالإنسان أحياناً يزيل عن نفسه الخوف والقلق باعتماده على قوي من بني البشر، فكيف إذا كان اعتماده على الله خالق البشر، الحقيقة: إنَّ الإنسان يحبُّ القويَّ. والقويُّ محترم وأقوى الأقوياء هو الله عزَّ وجلَّ، لذلك سر قوَّة المؤمن لا لأنَّه قوي. هو أضعف الضعفاء، لكنَّه يحتمي بقوي.
 فأحياناً تجد طفلاً صغيراً لا تستطيع أن تتكلَّم معه بكلمة أو بحرفٍ واحدٍ لأنَّ أباه كبير، وإنّ الطفل ضعيف يمكن أن تضربه لكنَّك تخشى والده، فهذا الطفل قويٌ بأبيه لا بذاته، المؤمن سرُّ قوَّته رغم ضعفه أنَّه قويٌ مستمدٌ من قوة الله، فإذا أردت أن تكون أقوى الناس فتوكَّل على الله.
 هناك نقطة دقيقة.. وهي إنك لو احتككت مع مؤمن ترى معنوياته عاليةً جداً، فما سر ذلك ؟ لا أحد يدعمه، وليس معه مال كثير يعتمد عليه، وليس حوله أناس يتَّكيء عليهم، فما سر قوَّته ؟ سرُّ قوَّته إتكاله على الله، فإذا أردت أن تكون أقوى الناس فتوكَّل على الله.
 فَتَصَوَّرْ جيشاً ضخماً على رأسه قائد فذ، وفي هذا الجيش بن القائد، برتبة جندي عادي، وعلاقة الابن مع الأب متينة جداً، فهذا الجندي الذي أبوه قائد الجيش هل يخشى أحداً في هذا الجيش كله مهما علت الرُتب ؟
 فحال المؤمن مع الله.. أنَّ كلَّ الخلق بيد الله، وهو مع الله، فسرُّ معنويَّاته العالية آتيةٌ من هذه النقطة، فقد قال تعالى:
﴿إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آَخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (56)﴾
(سورة هود)
 وهكذا صار واضحاً أنَّ الإنسان إذا شعر بالقوة يقوى على خصمه ويقوى على شهواته ويقوى على أعدائه، أما إذا شعر بالضعف يصبح منافقاً، فمع الضعف نفاق، ومع الضعف كذب، ومع الضعف مجاملة، وكلام الضعيف كلامٌ مخزٍ تجده يتصاغر يتذلل يخنع، الخنوع والتذلل والشعور بالنقص والخوف وبذل ماء الوجه سببه الشعور بالضعف، لو كنت مع الله لرفعت رأسك من دون كبر ومن دون استطالة على أحد ومن دون عدوان، ولكنَّك تشعر أنَّ الله معك وأنَّ الله لن يتركك ولن يسلمك إلى خصومك.
 ومعنى القادر أي ذو القدرة التامَّة الذي لا يُعجزه شيء ولا يتقيَّد بأسبابٍ أياً كانت. هو المقدِّرُ بقضائه، المدبِّر لشؤون الكون بقدره وحكمته، فقد قال تعالى:
﴿فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ (23)﴾
(سورة المرسلات)
﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (49)﴾
(سورة القمر)
 إن الإنسان قد تُجرح يده، فإذا تناول طعاماً فيه حمض شعر بلذعة في يده معنى ذلك أنَّ الأعصاب مقدَّرة تقديراً دقيقاً جداً، والإنسان له عينان يرى بهما فلو أنَّ الرؤيا تضاعفت لرأى الجراثيم وأنواع البكتيريا في الماء فعاف شرب الماء، ولرأى جلد وجه الأنثى كأنَّه جبال وأخاديد لكن..
﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ﴾
 ولو أنَّ عتبة السمع ازدادت لسمع الإنسان حركة أمعائه ولم ينم الليل كله فبالأمعاء حركة فإذا وضع الإنسان إصبعه بأذنه ينتقل الصوت عن طريق العظام فيجد دوياً كأنَّ معملاً بجسمه.
 فالعين لها قدرٌ معلوم، والأذن لها قدرٌ معلوم، وحساسية الجلد لها قدرٌ معلوم..
﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ﴾
 و قال تعالى أيضاً:
﴿قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ (65)﴾
(سورة الأنعام)
 وهنا نقطة دقيقة... إذا كنت مع القدير تشعر بالقوَّة، وإذا عرفت قدرة الله عزَّ وجلَّ تشعر بالضعف أمامه، فهناك معنيان ضروريَّان.. أحياناً تغيب عن الإنسان قدرة الله عزَّ وجلَّ فيظلم الناس ويعتدي عليهم ويتحدَّاهم ويأخذ ما في أيديهم ويُهينهم فيأتي عقاب الله الرادع له، فالإنسان إن إعتزَّ بالله شعر بالقوَّة، وإن رأى قوَّة الله شعر بالضعف أمامه فتأدَّب بأدبه، فأنت بحاجة إلى أن تعرف قدرة الله كي تقف عند حدَّك، رحم الله عبداً عرف قدره فوقف عنده ولم يتعد طوره.
صدِّقوني أيُّها الإخوة... أحياناً ترى إنساناً يتطاول ويطغى ويعتدي وكأنَّ الله غير موجود إطلاقاً، وربنا عزَّ وجلَّ يقول:
﴿إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (12)﴾
(سورة البروج)
 فالذي يتحرَّك وكأنَّ الله غير موجود هو إنسان غبي وأحمق وجاهل لأنَّ الله سبحانه وتعالى سيبطش به وسيُحجِّمه وسيقفه عند حدَّه، أنت بحاجة إلى أن تعرف القدير من أجل أن تعتزَّ به وتقوى به، وأن تستمدَّ منه القوة، وأنت بحاجةٍ وأقولها مرةً ثانية لتعرف الله القدير كي تتحجَّم وكي تقف عند حدِّك وكي لا تتعدى طورك.
 لدينا الآن معنى سلبي، وآخر إيجابي.. المعنى الإيجابي أنت تقوى بالله القدير، والمعنى السلبي أنت تتحجَّم أمام الله القدير.
 قال تعالى في سورة الإسراء:
﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لَا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُوراً (99)﴾
(سورة الإسراء)
﴿ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ ﴾
 إنَّ الله عزَّ وجلَّ أخبرنا أنه سوف يعيد خلقنا، وسوف تعرض علينا أعمالنا كلُّها عملاً عملاً بكلِّ تفصيلاتها، وسوف نحاسب على هذه الأعمال إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، فإذا أنكرنا يوم البعث وأنَّ الله سيحي من في القبور فهذا من ضعف تفكيرنا، أليس :
﴿ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلا لا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلا كُفُورًا ﴾
 وفي سورة يس قال تعالى:
﴿أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ (81) ﴾
(سورة يس)
 وفي سورة الأحقاف قال تعالى:
﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(33)﴾
(سورة الأحقاف)
 وقد ورد بالحديث القدسي:
(( أن عبدي خلقت لك السماوات والأرض ولم أعيَ بخلقهن أفيُعييني رغيفٌ أسوقه لك كلَّ حين، لي عليك فريضة ولك عليَّ رزق، فإذا خالفتني في فريضتي، لم أُخالفك في رزقك، وعزَّتي وجلالي إن لم ترض بما قسمته لك فلأسَلِّطن عليك الدنيا تركض فيها ركض الوحش في البريَّة ثم لا ينالك منها إلا ما قسمته لك ولا أُبالي وكنت عندي مذموماً، أنت أُريد وأنا أريد فإذا سلَّمت لي فيما أريد كفيتك ما تريد، وإن لم تسلم لي فيما أريد أتعبتك فيما تريد ثم لا يكون إلا ما أريد ))
 وفي سورة يس أيضاً قال تعالى:
﴿ أَوَ لَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلاقُ الْعَلِيمُ ﴾
 فيجب أن نؤمن أنَّ الله سيعيد خلقنا وسيحاسبنا وهذا أكبر رادع للإنسان يحميه من أن ينحرف.
 وفي سورة القيامة قال تعالى:
﴿أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى (40) ﴾
(سورة القيامة)
 وفي سورة الطارق قال تعالى:
﴿إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ (8)﴾
(سورة الطارق)
 هل تلاحظون أنَّ أكثر أسماء القادر وردت في قدرته على إحياء الموتى وبعث من في القبور ليحاسب الإنسان على أعماله إن خيراً فخير، وإن شراً فشر.
 أيُّها الإخوة... إذاً القادر والمقتدر من القدرة والتقدير، والتقدير أيْ التعظيم، ومنها قوله تعالى:
﴿ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ﴾
 والتقدير:
﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ﴾
 أما القادرون جمع قادر فقد وردت في كتاب الله أربع مرَّات ففي قوله تعالى:
﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾
(سورة المؤمنون)
﴿ وَأَنزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الأَرْضِ ﴾
 بقدر حكيم، بقدر دقيق..
﴿ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ ﴾
 تجد بلداً كلُّ قيمتِهِ بأنهارِهِ فإذا جفَّت الأنهار انتهت قيمة هذا البلد، مثلاً: فدمشق كلُّها ما قيمتها لولا نبع الفيجة هذا النبع الذي يمدُّها بالماء على مدار العام
﴿ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ ﴾
 فالله عزَّ وجلَّ قادر على أن يعطي وقادر على أن يأخذ، فإذا أعطى أدهش وإذا أخذ أدهش.
﴿وَإِنَّا عَلَى أَنْ نُرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ (95) ﴾
(سورة المؤمنون)
 أي أنَّ الله عزَّ وجلَّ وعد المستقيم بحياة طيِّبة، ووعد المنحرف والمعرض بمعيشةٍ ضنك والله قادر على أن يُحقق وعده ووعيده لأنَّ الفعل بيده، فلذلك أحد الأدلَّة الكبرى على أحقيَّة القرآن الكريم أنَّ أفعال الله كلُّها تطابق أقواله في كتابه، مطابقة أفعاله لأقواله شهادةٌ منه بأنَّ هذا الكلام كلامه، وقال تعالى:
﴿فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ (40) ﴾
(سورة المعارج)
 قادرون على كلِّ شيء.. فالله عزَّ وجلَّ تعلَّقت قدرته بكلِّ شيء.
 أيُّها الإخوة: اسألوا أطباء كثيرين فهناك أمراضٌ عُضال لا يُرجى شفاؤها، وليس في علم الطب أنَّها تشفى، وهناك حالات كثيرة تجد أنَّ المرض قد تراجع بلا سبب، ألم يقل الله عزَّ وجلَّ:
﴿الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80)﴾
(سورة الشعراء)
 شعور المؤمن أنَّ الله على كلِّ شيءٍ قدير.
 لي صديقٌ قد أصيب بورم خبيث في الرئتين وهذه القصة منذ عشرين سنة تقريباً، وأُخذت خزعة من رئته إلى كلِّ المخابر حتى أنه قد أرسلت منها قطعة إلى بريطانيا للتحليل، وجاء التشخيص مرضٌ خبيث من الدرجة الخامسة، ولا أمل في شفائه من مرضه إطلاقاً إلا بزرع رئةٍ في أمريكا ونجاح العمليَّة نسبته عشرون في المئة، وتكلفة هذه العملية ثمن بيته الذي يسكنه ولا يملك غيره، وقد عاصرت القضيَّة والذين فحصوا وحللوا وصوَّروا وشخصوا أعرفهم معرفةً تامَّة وكان قرارهم جميعاً أنَّه لا أمل في الشفاء، لكن المرض تراجع بعد حين تلقائياً وفجأة وشفي المريض. وكيف تراجع هذا المرض تلقائياً والمريض الآن في صحةٍ جيِّدة ولا يشكو شيئاً والحادثة منذ عشرين عاما.
 أريد أن أقول لكم.. إذا اعتقدت جازماً أنَّ الله على كلِّ شيءٍ قدير في كلِّ موضوع يعطيك، يغنيك، يقوِّيك، يحفظك، يؤيِّدك، ينصرك، يشفيك، يحميك، إن اعتقدت ولم يساورك شك أنَّ الله على كلِّ شيءٍ قدير فأنت في كنف الله ورحمته ورعايته، و تعلَّقت به، وقطعت الآمال ممن سواه، وتوجَّهت إليه وأعرضت عن الخلق، هذا هو الدين، فالدين هو التوحيد الخالص و أن تقطع أملك من الخلق وأن تعلِّق أملك بالحق، أن تيأس من المخلوقين، وأن تتطلَّع إلى ربِّ المخلوقين.
 الإنسان له قدرة، ولكنَّها ناقصة، ولماذا جعلها الله ناقصة ؟ ليكون مفتقراً في ضعفه، سعيداً بافتقاره، لو جعله قوياً لاستغنى بقوَّته.. فالإنسان ضعيفٌ، فقد تجد إنساناً ملء السمع والبصر، بخثرة دمويَّة في بعض شرايينه تجعله مشلولاً، وخثرةٌ أُخرى تجعله أعمى، وخثرةٌ ثالثة يفقد ذاكرته، فالإنسان ضعيف.
 فلذلك الإنسان المؤمن لا يفتأ يقول: إن شاء الله، وإن جاءه خير قال: هذا من فضل الله، وإن نجح في عمله.. هذا بتوفيق الله، وإن رزقه الله مالاً.. هذا من كرم الله، وإن أدَّبه الله عزَّ وجلَّ.. هذا من رحمة الله، هذا هو حال المؤمن.
 الإنسان قدرته محدودة يكمِّلها بأدوات، والأدوات لا تفعل فعلها إلا أن يأذن الله لها.
 أذكر لكم حديثاً شريفاً وهو في غاية الدقة.. فالنبي عليه الصلاة والسلام يقول:
(( لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ ))
(( لكلِّ داءٍ دواء ))
 فتصور مريضاً يُعاني من مرضٍ قرأ هذا الحديث فبماذا يشعر ؟ يشعر بالثقة.. القضيَّة سهلة، فكلُّ داءٍ خلقه الله خلق له دواءً، إذا قرأ هذا الحديث طبيب يشعر بالتقصير، إذا كانت هناك أمراضٌ حتى الآن لم يكتشف لها دواء فهذا من تقصير الإنسان، فهذا الحديث يحثُّ الطبيب على أن يكتشف الدواء، ويطمئن المريض، ثم يقول عليه الصلاة والسلام:
(( فإذا أُصيب دواء الداء برأ بإذن الله ))
 فالطبيب توفيق الله له أن يصيب في تشخيص المرض ووصف الدواء.
 ليطمئنْ المريض وليثق الطبيب فإذا أُصيبَ دواءُ الداءِ، أي إذا شُخِّص المرض صحيحاً وصف الدواء صحيحاً.
 فإذا أُصيب دواء الداء بريء.. لكن بإذن الله.. فالله عزَّ وجلَّ لا يسمح للدواء أن يفعل فعله إلا بإذن الله.
 إن الله أعطى الإنسان قدرةً ناقصة ليفتقر.. إن الإنسان خلق هلوعا.. إن الإنسان خلق عجولا.. وخلق الإنسان كذلك ضعيفاً، وبهذه القدرة الناقصة يفعل ويفعل ويطغى ويطغي، هذا الإنسان الضعيف الذي لا يملك زمام نفسِهِ ولو ساعة، لا يعرف فيها ما سيكون، يتحدَّى ويطغى ويتكبَّر ويقول ويفعل ويقتل بلا رحمة كما نرى من أعدائنا الألداء كيف يقتلون الأبرياء والصغار، الإنسان على ضعفِهِ يجرم ويطغى، فكيف إذا كان قوياً ؟
 لهذا قيل: سبحان من قهر عباده بالموت، فالموت يحل مليون مشكلة.
 قال: ومن أدب المؤمن مع اسم القادر أن يستشعر حال ذكره هذا الاسم قدرة الله وتقديره وحكمته وتدبيره، فيشعر بعبوديَّته وضعفه.
 أول ما قلت لكم، أنت أيها الإنسان بحاجة ماسَّة لأن تعرف من هو الله عزَّ وجلَّ ؟ من أجل أن تعرف من أنت أمامه ؟ أنت لا شيء.. فالذي يقول: أنا وأنا وينسى الكبير المتعال فقد سها وتعالى بغير حق، بئس العبد مَنْ سهى ولها ونسي المبتدى والمنتهى، بئس العبد عبدٌ عتا وتجبَّر ونسي الجبَّار الأكبر.
 فإذا عرف الإنسان القدير وعرف القادر تحجَّم، أما إذا عرف عبوديَّته وافتقاره فعندئذٍ يرقى.
 أما اسم المقتدر.. نحن عندنا قاعدة لغوية وهي أنَّ كلَّ زيادة في المبنى زيادة في المعنى، فالقادر... أربعةُ حروف وهي: قاف، ألف، دال، راء، اسم فاعل.
 أما المقتدر.. خمسةُ حروف، فالمقتدر حروفها أكثر إذاً معناها أوسع، والعلماء قالوا هي مبالغة من اسم القادر، فماذا تعني المبالغة إذا نُسبت إلى الله عزَّ وجلَّ ؟ أي أنَّ الله عزَّ وجلَّ على كلِّ شيءٍ قدير مهما تعددت الأشياء، وقدير على أكبر شيء مهما كبر، فأما المبالغة مبالغة عدد أو مبالغة نوع.
 فإذا قلنا إنَّ الله عزَّ وجلَّ فعَّال لما يريد.. فعَّال صيغة مبالغة أي مهما كان الفعل كبيراً يفعله الله، ومهما كانت الأفعال كثيرة يفعلها الله كلَّها أما اسم المقتدر فيفيد معنى القادر مبالغةً وأكثر تعظيماً، المقتدر هو المستولي على كلِّ شيء، المقتدر على جميع الممكنات، صاحب القدرة العظيمة، المسيطر بقدرته البالغة على خلقه، المتناهي في الاقتدار.
 فمثلاً.. هل يوجد في الأرض قوةً مهما كبرت أن تزيح جبلاً كجبل قاسيون مئة كيلو متر؟ فلو طلبنا من أكبر جهة هندسيَّة أن تنقل لنا جبل قاسيون بأكمله من دمشق إلى حلب هل تستطيع ؟ مستحيل، أما الله عزَّ وجلَّ.. كن فيكون.. قال تعالى:
﴿وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً ﴾
(سورة الأعراف)
﴿ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنْ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنْ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا ﴾
 فالله على كلِّ شيء قدير.
 وقد قال تعالى:
﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ والسماوات مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾
 فقد قرأت مقالة عن بناء في ألمانيا مؤلَّف من عشرةِ طوابق، ولا بدَّ من أن يُهدم ليشقَّ شارع مكانه، فجاءت شركة وعرضت على صاحب البناء أن تأخذ منه نصفَ تكاليفِ البناء وأن تنقل البناء إلى مكان آخر، وقد نقلوه ثلاثين متراً، وبالفعل فهذا شيء لا يصدَّق، وشعرنا باندهاش ما بعده اندهاش من أجل بناء مؤلَّف من عشرةِ طوابق، نقلوه ثم قاموا بوصل المياه والكهرباء بعد أن حرَّكوه على أُسطوانات وهيئوا له أساسات وبذلك تم نقل البناء وأخذوا نصف تكاليفه.
 أما الله عزَّ وجلَّ على كلِّ شيء قدير.
﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ والسماوات مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ﴾
 وفي مجال السفن البحرية، فهناك الآن سفنٌ حمولتها مليون طن، فقد قرأت عن بعض السفن أن قوتها تبلغ أكثر من ثلاثة آلاف حصان لتحريك الدفَّة فقط فهي كالمدينة، وهناك سفن تأخذ الفلزات من قارة أستراليا وتقوم بتصنيعها في الطريق وتنقلها إلى قارةٍ أخرى وهي مصنَّعة هذه السفن العملاقة التي هي كالجبال، موج بسيط يجعلها كريشةٍ في مهبِّ الريح، فبعض الأمواج يبلغ ارتفاعها أكثر من ثلاثين متراً، بارتفاع بناء، فهذه قدرة الله عزَّ وجلَّ.
 أما في مجال الزلازل.. مدينة بأكملها ابتلعتها الأرض بفعل الزلزال في أربع ثوان، فمدينة بالمغرب اسمها أغادير وهي مدينة سياحية وساحليَّة جميلة جداً، وفيها من الفسق والفجور ما لا يوصف كنوادي العراةِ وغير ذلك من الموبِقات، أصابها زلزالٌ وفي خلال أربع ثوانٍ أصبحت تحت الأرض، وأبرز بناء فيها فندق من أضخم الفنادق في العالم خمس نجوم ومؤلَّف من ثلاثين طابقاً، أصبح الفندق بأكمله تحت الأرض وبقي اسمه الذي على الطابق الأخير كشاهدةٍ على هذا الفندق.
 ففي ثانية واحدة تجد مدينة استغرق بناؤها خمسين عاماً يبتلعها الزلزال في هذه الثانية الواحدة.. ألا تعلم إذاً أنَّ الله قدير وأن قُدرتَهُ غير متناهية.
 ويقولون عن مثلث برمودا.. إن سفناً عملاقة دخلت إليه فاختفت وليس لها أثر، وكذلك الطائرات دخلت في محيطه فسقطت وليس لها أثر وحتى الآن يصعب عليهم تفسير ذلك ولا أحد يعلم ما سر هذا المثلث الواقع في المحيط الهادي.. هناك أشياء يتحدّى الله بها عباده.
 مدينة كان يسكنها الرومان حينما كانوا في أوج قوَّتهم وسيطرتهم على العالم، تقع بالقرب من سفح أحد جبال إيطاليا اسمه فيزوف، يطل على هذه المدينة، سار في سفح الجبل بركان أرسل رماداً بركانياً حرارته ثمانمائة درجة وسمكه ثمانية أمتار غطى المدينة بأكملها بمن فيها كما يغطي شوارعها وبيوتها وقصورها وحمَّاماتها، بدأ هذا البركان يثور بعد الظهيرة والطعام على الموائد، وهذا الرماد البركاني عندما غطى هذه المدينة مات كل شيء فيها ولكن بعد حين أصبح هذا الرماد صخرياً، وبعد مئة عام جاؤوا بهذه الصخور وثقبوها فوجدوا في داخلها فراغات فحقنوها بالجبس السائل، ولما جفَّ هذا الجبس وجدوا أشكال الناس فيه، فأمٌ مثلاً تنحني على ابنها، كما وجدوا أنواع الطعام الموضوعة على الموائد، أُناسٌ علائم الهلع على وجوههم استطاع العلماء بهذه الوسيلة أن يروا حالة مدينةٍ أهلكها الله دفعةً واحدة، حتى إن بعض النساء يأخذن الحلي ليضعنها في صدورهن حفاظاً عليها ظناً منهن أنهن سيبقين على قيد الحياة، وعندي مقالات واضحة جداً تتحدث عن هذه الصور، فقدرة الله عزَّ وجلَّ لا نهاية لها.
 المقتدر عظيم القدرة المسيطر بقدرته البالغة على خلقه، المتمكِّن بسلطانه..
﴿وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً (45) ﴾
(سورة الكهف)
 وقد ورد اسم المقتدر في آياتٍ كثيرة من كتاب الله ففي سورة القمر قال تعالى:
﴿كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ (42)﴾
(سورة القمر)
 أيها الأخ الكريم: أنظر إلى صور الأعاصير في أمريكا، فتجد إعصاراً يأتي على مدينة بأكملها فيها معامل وبنايات وحدائق ومتنزَّهات وفيها آليَّات ومركبات، هذه المدينة يَزَرُها قاعاً صف صفا لا ترى فيها عوجاً ولا أمتاً، فسرعة الهواء ثمانمائة كيلو متر في الساعة، نحن بحمد الله ليس في بلادنا رياحٌ مثل هذه الرياح والأعاصير المدمِّرة التي لا تبقي على شيءً أتت عليه، هذه كلَّها من آيات الله عزَّ وجلَّ..
﴿ فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ ﴾
 وقال تعالى:
﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (55) ﴾
(سورة القمر)
 وقال تعالى:
﴿ وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنْ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا ﴾
 أوسع كلمة على الإطلاق في شمولية معناها كلمة شيء، وإِنْ من شيءٍ إلا يسبِّح بحمده وهنا قال تعالى:
﴿ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا ﴾
 واللهُ بكل شيءٍ عليم، فالله عزَّ وجلَّ بكل شيءٍ عليم وعلى كلِّ شيءٍ مقتدر.
 وفي سورة الزخرف قال تعالى:
﴿ أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ ﴾
 فإذا شعر الإنسانُ أنَّ أحداً قادر عليه تعامل معه بالحسنى، فكيف إذا شعرت بأنَّ الله في كلِّ ثانية مقتدر عليك ؟
 قال العلماء: من أدب المؤمن مع ربِّه في اسم المقتدر أن يستحضر قدرة الله دائماً أمامه.
(( عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ قَالَ كُنْتُ أَضْرِبُ غُلامًا لِي فَسَمِعْتُ مِنْ خَلْفِي صَوْتًا اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ لَلَّهُ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَيْهِ فَالْتَفَتُّ فَإِذَا هُوَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ هُوَ حُرٌّ لِوَجْهِ اللَّهِ فَقَالَ أَمَا لَوْ لَمْ تَفْعَلْ لَلَفَحَتْكَ النَّارُ أَوْ لَمَسَّتْكَ النَّارُ ))
(صحيح مسلم)
 وقد خاطب الحجاج رجل يعظه فقال له عندما أوقف الحجاجُ رجلاً بين يديه: أسألك بالذي أنت بين يديه والذي هو أقدر عليك منك عليه أن تعفو عنه.
 فعندما يتحرَّك الإنسان ويعلم دائماً أنَّ الله على كل شيء قدير، يكون في حركته رحمة.
 كان عليه الصلاة والسلام يُعلِّم أصحابه الاستخارة في الأمور كلِّها كما يُعلِّم الصورة من القرآن يقول:
((.... إِذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ ثُمَّ لِيَقُلِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ....))
(صحيح البخاري)
 أي أستعين بقدرتك على تحقيق هذا الأمر.. و أطلبُ منك أن تجعل لي يا رب قدرةً على المطلوب لأنَّي ضعيف.
 ذكرت هذا الحديث لقول النبي.. فإنَّك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك.. فالإنسان ضعيف والله هو القدير.
 آخر كلمة في موضوع اسم المقتدر والقادر.. إن عرفت قدرته وقدره خضعت له واستعنت به، واعتمدت عليه، وتوكَّلت عليه، فأصبحت أقوى الأقوياء، وإن عرفت قدرته صَغُرت نفسك ووقفت عند حدها، وافتقرت إليه وتحققت عبوديَّتك، فأنت تعبده إن عرفته وتستعين به إن عرفته، وهذا ملخَّص اسم القادر المقتدر